Skip to main content

Full text of "اللغز الأنثوي . بيتي فريدان . مكتبة التنوير"

See other formats




اللغز الأنثوى 


تأليف 
بيتي فريدان 


ترجمه 
عبدالله بديع فاضل 





اللغز الأنثوي 


الكتاب: اللفز الأنثوي 

العنوان الأصلي للكتاب: The Feminine Mystique‏ 
تأليف: بيتي فريدان 19030 Bey‏ 

عدد النسخ 1000 نسخة 

عدد الصفحات: 560 

الإخراج الفني والغلاف: مناف عزام 

الطبعة الأولى 2014 

ISPN: 978-9933-9145-0-9 


الناشر 





الرحبة لتنشر والتوزيع 
Al Rahba Publishing House‏ 


العنوان البريدي - دمشق: 

أمية. ص. ب. 7634 

دمشقء سوريا 

الموقع الإلكتروني: http://www.musaW25SJ1.0rg‏ 
البريد الإلكتروني: i¬f0@ "us3W3s¥.0۲9‏ 


جميع الحقوق محفوظة لدار الرحبة 

copyright © al rahba puplishing house 

لايسمح بطباعة هذا الكتاب أو تصويره أو نسخه 

بأية وسيلة من الوسائل إلا بإذن خاص ومسبق من التاشر. 

All rights reserved, no part of this publication may be reprodused or transmitted 


in any form or by any means, including recording, or any information storage 
.and retrieval system, without permission in writing from the publisher 


عن المؤلفة والكتاب 5 





عن المؤلفة والكتاب 


بيتي فريدان كاتبة أمريكية ومناضلة نسوية بارزة. وُلدت في الولايات 
المتحدة عام 1921. وهي تنتمي إلى الجيل الذي مكل الموجة الثانية في 
الحركة النسوية الأمريكية. 

أصدرت في عام 1963 كتابها المعروف على نطاق واسع 186 
»۴eminine Mystique‏ والذي نقدّمه مترجمًا إلى العربية هنا بعنوان اللغز 
الأنثوي. وهو كتاب شكل علامة فارقة في حياة بيتي فريدان وفي الحركة 
النسوية الأمريكية عمومًا. وكانت قبل ذلك تكتب مقالات لمجلات نسائية 
متعددة. 

لعبت بيتي فريدان دورًا رئيسيًا في تأسيس المنظمة الوطنية للنساء عام 
6 وانتخبت رئيسة لها. وكان هدفها إشراك النساء في الحياة العامة 
على أساس المشاركة المتساوية مع الرجال في أمور المجتمع. وفي عام 
0 قامت بتنظيم حملة من أجل المساواة تُوّجت بإضراب النساء من أجل 
المساواة يوم 26 آب. كما كانت نصيرة قوية للتعديل الدستوري الذي نص 
على الحقوق المتساوية. وكانت كذلك من الناشطات من أجل تمتع النساء 
بحق الإجهاض. 


6 اللغزالأنثوي 


لكن بيتي فريدان» على الرغم من نضالها من أجل المساواة بين الجنسين 
ومن أجل حق الإجهاض» وقفت ضد المجموعات والأجنحة المتطرفة فى 
الحركة النسوية. كانت بيتي فريدان في شبابها ناشطة ماركسية» هرا 
حياتها ونشاطها برفض الظلم ورفض التحيّز ورفض الحرب. كما طوّرت 
مواقف نقدية عميقة للكثير من الأفكار الشائعة فى الأوساط الاجتماعية 
والأكاديمية» ولاسيما نقدها لفرويد ونظريته عن ال 
جاءت الفكرة الأولى لكتابها اللغز الأنثوي من استبيان أجرته على 
زميلاتها في الدراسة» حاولت أن تعرف من خلاله مصيرهن بعد الدراسة. 
لكن هذا الاستبيان قادها إلى بحث دام خمس سنوات وانتهى بإصدار هذا 
الكتاب. تناولت فيه تحوّل الكثير من النساء» بما في ذلك أولئك الحاصلات 
على تعليم عال» إلى مجرّد ربات منازل-أمهات متخليات عن أية طموحات 
أو تطلعات شخصية. 
تزوجت بيتي فريدان كارل فريدان في العام 7 وأنجبا ثلاثة أولاد» 
لكن زواجهما انتهى بالطلاق في العام 1969ء بطلب منهاء لأنها على حد 
7 ع 
قولها لم تعد تستطيع «الاستمرار في عيش حياتي الفصامية: أقود النساء 
الأخريات إلى الخروج من البريّة» فيما أتمسّك بزواج دمر احترامي لذاتي». 
كتبت خلال حياتها المهنية» إضافة إلى الكتاب الذي بين أيديناء خمسة 
كتب» هي: 
It Changed My Life (1976)‏ - 
The Second Stage (1981)‏ - 
The Fountain of Age (1993)‏ - 
Beyond Gender (1997)‏ - 
Life So Far (2000)‏ - 
من حيث الدراسة» تخرّجت بيتي فريدان في جامعة سميث في العام 
2+ وتابعت دراساتها العليا في علم النفس في جامعة كاليفورنيا في بيركلي. 


عن المؤلفة والكتاب 7 





وفيت بيتي فريدان في العام 2006» بعد تاريخ حافل ومؤثر جدّاء جعل 
مواطنتها الأمريكية باربارا سيمان تكتب: «بيتي فريدان للنساء مثل مارتن 
لوثر للسود». 
ملاو فى اسيم اح ا تع براهنية كبيرة؛ فالكثير من الأفكار الواردة 
فيه تنطبق على وضع النساء في مجتمعاتناء وهي أيضًا تسلّط الضوء على 
aS‏ ا ا MEU‏ . لذا يمكننا القول» وبكل 
صدق» هذا الكتاب د يستحق القراءة من قبل كل رجل وامرأة. 


عبد الله فاضل 


حول ترجمة الكتاب 9 


حول ترجمة الكتاب 


حاولنا في ترجمة هذا الكتاب تقديم نسخة باللغة العربية تجمع بين 
الأمانة للنص الأصلى وسلاسة القراءة باللغة العربية» محافظين قدر الإمكان 
على أسلوب الكاتبة. وحتى نحقق ذلك البعنا مجموعة من المبادئ الهادية 

يمكن تلخيصها بالآتي: 

1- قام المترجم بالترجمة الأولية للكتاب» ومن ثم قامت الدكتورة مية 
الرحبي» بوصفها ناشرة الكتاب وخبيرة في قضايا المرأة» بمراجعة 
الترجمة الأولية مبدية مجموعة من الملاحظات من شأنها أن تجعل 
الكتاب أكثر وصولًا إلى القارئ العربي» ومن ثم قام المترجم بأخذ تلك 
الملاحظات في الحسبان في الصياغة النهائية» ويبقى المترجم مسؤولا 
تمامًا عن مستوى الترجمة. 

2- وضعنا في بداية الكتاب مقدمة موجزة تعرّف بالكاتبة ونشاطاتها 
وإسهاماتها في الحركة النسوية كتابة وتنظيمًا. 

3- يحتوي الكتاب على كثير من المصطلحات وأسماء الشخصيات 
والأحداث والأماكن وغيرها مما قد لا يكون معروفًا على نطاق واسع 
لقارئ العربية» فوضعنا إلى جانب تلك المصطلحات والتسميات 
مقابلاتها الإنكليزية بين قوسين عند ورودها لأول مرة. 


10 اللغرالأنثوي 


4- قمنا بوضع هامش في أسفل الصفحة لشرح بعض الأفكار أو الأحداث 
أو المصطلحات أو الإشارات التي قد لا تكون معروفة جدًا في العربيةء 
وأشرنا إلى الهوامش التي من وضع المترجمء في حين أبقينا هوامش 
الكتاب الأصلية دون إشارة. 

5- في حال وجود إشارة أو استشهاد بكتاب أو مؤلف مترجم سابقًا إلى 
العربية وضعنا العنوان الأصلي للكتاب مع الترجمة الشائعة بالعربية. 
وكذا الحال بالنسبة للأسماء. 

6- عند إيراد استشهادات أو اقتباسات كبيرة أبرزناها بتغيير تنسيق الخط 
المستخدم. 
نرجو في النهاية أن نكون قد وفقنا في تقديم ترجمة جيدة لكتاب يعتبر 

مرجعًا في الأدبيات النسوية. 


الإهداء 


الاهداء 


إلى جميع النساء الجديدات 
والرجال الجدد 





مدخل إلى طبعة الذكرى السنوية التأسعة 13 





مدخل إلى طبعة الذكرى السنوية التاسعة 


ها قد مر عقد على نشر اللغز الأنثوي. ولم أكن مدركة» حتى عندما 
بدأب كتابة الكتاب» لمشكلة المرأة. فبينما كنت محبوسةء كما كان حالنا 
جميعًاء فى ذلك اللغز الذي أبقانا سلبيات ومتفرقات وأبعدنا عن رؤية 
مشاكلنا وإمكانياتنا الحقيقية» أخذت أفكرء كغيري من النساء أن هناك خطاً 
ما فيّ لأنني لم أكن أشعر بالنشوة وأنا ألمّع أرضية المطبخ. كنت منحرفة» 
أكتب ذلك الكتاب-لا ألمّع أية أرضية» وهذا ما يجب أن أعترف به» في 
مخاض إنهائه في عام 1963. 

كانت كل واحدة منّاء قبل عشر سنوات» ستظن نفسها منحرفةء إذا لم 
تعرف ذلك التحقق الخفى الباعث على النشوة» الذي وعدت به الإعلانات 
التجارية» وهي تقوم بتلميع أرضية المطبخ. مهما كان مقدار استمتاعنا بأن 
نكون أم جونيور أو جيني أو إميلي» أو زوجة بي جي» فقد كنا ببساطة نعتبر 
منحرفات وعصابيات» إذا كانت لدينا فوق ذلك طموحاتنا وأفكارنا عن 
أنفسنا كأشخاص لنا حقوقناء وكنّا نعترف بخطيئتنا أو عُصابنا لكاهن أو 
محلل نفسي» ونحاول بجد التكيّف. لم نكن نعترف» بعضنا لبعضء بما قد 
يراودنا من شعور بأنّ الحياة يجب أن تنطوي على ما هو أكثر من فطائر زبدة 
الفستق مع الأولاد. أو بأنْ وضع مسحوق الغسيل في الغسالة لا يجعلنا 


14 اللغز الأنثوي 


نعيش ليلة عرسنا من جديد» أو بأنّ خروج الجوارب أو القمصان ناصعة 
البياض ليس تجربة خارقة» حتى إذا كنا لا نشعر بالذنب حيال الأبيض 
الباهت. 

كان بعضنا (تقريبًا نصف نساء الولايات المتحدة في عام 1963) يرتكب 
الخطيئة التي لا تغتفر في العمل خارج المنزل للمساعدة في دفع رهن المنزل 
أو مصاريف البيت. أولاء اللواتي كنّ يشعرن بالذنب أيضًا نتيجة خيانة أنوثتهن 
وتقويض ذكورة أزواجهن وإهمال أطفالهن بالتجرؤ على العمل مقابل المال 
عموماء بغض النظر عن مدى الحاجة إليه» لم يتمكنّ من الاعتراف» حتى 
لأنفسهن» أنهن كنّ مستاءات من عدم حصولهن إلا على نصف ما يحصل 
عليه الرجل لقاء القيام بالعمل ذاته» أو لتجاهلهن عند الترقية» أو كتابة ورقة 
البحث التي يحصل» هوء بفضلها على الدرجة والترفيع. 

كنت وإحدى جاراتى من سكان الضواحی» واسمها جیرتی» نتناول 
القهوة عندما جاء موظف التعداد العام في الوقت الذي كنت أكتب فيه اللغز 
الأنثوي. سألني الموظف عن المهنة فأجبته: «ربة منزل». هرّت جيرتي» التي 
سبق وشجعتني على جهودي في كتابة المقالات وبيعها للصحف. رأسها 
بحزن» وقالت: «يجب أن تأخذي نفسك بمزيد من الجدية». تردّدتٌ قليلاء 
ثم قلت: «أنا في الحقيقة كاتبة». لكنني بالطبع كنت حينهاء ومازلت» ربة 
منزل مَثَلي في ذلك مَك جميع النساء المتزوجات في أمريكاء بغض النظر 
عن أي أمر آخر نقوم به بين التاسعة صباحًا والخامسة بعد الظهر. وبالطبع لم 
تكتب النساء العازيات «ربة منزل»» عندما جاء موظف التعداد العام» ولكن 
حتى هنا كان المجتمع أقل اهتمامًا بما كانت تلك النساء يقمن به كأشخاص 
في العالم منه بسؤال: كيف تكون فتاة لطيفة مثلك غير متزوجة؟ وبالتالي» 
لم يكن هناك تشجيع لهِنّ أيضًا على أخذ أنفسهن بجدية. 

يبدو أن كتابتى هذا الكتاب كانت حدئًا متقلقلاء لكن من جهة أخرى» 
لقد أعدّتني الى برمتها لكتابته. لقد اجتمعت جميع الأجزاء معا في 





مدخل إلى طبعة الذكرى السنوية التأسعة 15 





النهاية. ففي عام 7 وقد راودني إحساس غريب بالملل من كتابة 
مقالات حول الإرضاع الطبيعي وما شابه لمجلات ريدبوك (1606001) 
وليديز هوم جورنال (5321نا10 110506 '1:20165)» خصّصت مقدارًا كبيرًا من 
الوقت لاستبيان عن زميلاتي خريجات جامعة سميث (510118) لصف عام 
2 معتقدةً أنني كنت سأدحض الفكرة الراهنة بأنَّ التعليم لم يكن ملائمًا 
لنا جدًا نتيجة دورنا كنساء. لكنّ الاستبيان أثار من الأسئلة أكثر مما قم لي 
من الأجوبة» فالتعليم لم يهيئنا بالضبط للدور الذي كانت النساء يسعين إلى 
القيام به» على ما يبدو. فنشأ شك حول ما إذا كان الخطأ في التعليم أم في 
الدور. كلفتني دار نشر ماك كول (84008115) بمقالة استنادًا إلى استبياني 
حول ع جات جامفة تيك لك تاشر ماك كول حينهاء خلال تللق القثرة 
العظيمة من الوجود معًّاء رفض المقالة مذعورًا على الرغم من الجهود 
الخفيّة للمحرّرات النساء. أما محرّرو ماك كول الذكور فقالوا إن ذلك لا 
يمكن أن يكون صحيحًا. 

طلب مني بعد ذلك أن أكتب المقالة لصالح ليديز هوم جورنال. لكنني 
في تلك المرة انسحبت» لأنهم أعادوا كتابتهاء ليقولواء في الحقيقة» عكس 
ما كنت أحاول قوله تمامًا. وحاولت مرة أخرى مع ريدبوك. كنت في كل 
مرة أقابل المزيد من النساء وعلماء النفس وعلماء الاجتماع ومستشاري 
الزواج وما شابه» وأتأكد أكثر فأكثر من أنني كنت أسعى إلى شيء ما. لكن 
ما هو؟ كنت بحاجة إلى اسم لذاك الذي منعنا من استخدام حقوقنا أيّا يكن» 
ذاك الذي جعلنا نشعر بالذنب حيال أي شيء نقوم به» لا بوصفنا زوجات 
أزواجنا أو أمهات أبنائناء بل بوصفنا أشخاص بذاتنا. كنت بحاجة إلى اسم 
لوصف ذلك الذنب. وعلى عكس الذنب الذي اعتادت النساء على الشعور 
به حيال حاجاتهن الجنسية؛ كان الذنب الذي يشعرن به الآن يتعلق بحاجات 
لا تناسب التحديد الجنسي للنساءء لغز التحقّق الأنثوي.. اللغز الأنثوي. 

أبلغ محرّر ريدبوك وكيلتي: «لقد غادرت بيتي كرسيّها الهرّاز. لطالما 


16 اللغزالأنثوي 


قامت بعمل جيد لناء أما الآن فليس سوى ربّات البيوت الأكثر عصابية 
يمكن أن يكنّ كذلك». فتحتٌ رسالة وكيلتي على الطريق النفقي بينما كنت 
آخذةٌ أطفالى إلى الطبيب. خرجت من النفق لأتصل بوكيلتى وقلت لها: 
اسيكون على أن أكتب كتابًا لجعلهم يطبعون هذا». ما كنت أكتبه شكّل 
تهديدًا للأسس العميقة لعالم الصحف النسائية.. اللغز الأنثوي. 

عندما تعاقدت دار نورتون (7/0208) معي على الكتاب» توقعتٌ أن 
يستغرق إنهاؤه سنة» لكنه استغرق خمس سنوات. وما كنت لأبدأ قط لو 
لم تفتح مكتبة نيويورك العامة في الوقت المناسب تمامّاء قاعة فريدريك 
لويس ألن Lewis Allen)‏ ederickا۴)‏ حيث يستطيع الكتّاب الذين يعملون 
على تأليف كتاب أن يحصلوا على مكتب لمدة ستة أشهر في كل مرة 
مجانًا. تعاقدت مع جليسة أطفال ثلاثة أيام في الأسبوع» وركبت الحافلة 
من مقاطعة روكلاند إلى المدينة» ونجحت على نحو ما في تمديد الأشهر 
الستة في قاعة ألن إلى سنتين متحملةً الكثير من المزاح من الكتّاب الآخرين 
أثناء وقت الغداء لدى معرفتهم بأني كنت أكتب كتابًا عن النساء. وبعد ذلك» 
سيطر الكتاب علىٌ على نحو ماء استحوذ عليّء أراد أن يكتب ذاته» وأنا 
كنت أحمل أوراقي إلى البيت» وأكتب على طاولة الطعام أو على أريكة 
غرفة الجلوس أو على رصيف أحد الجيران على ضفة النهر» وكنت أواصل 
كتابته ذهنيًا عندما أتوقف لأخذ الأولاد إلى مكان ما أو لأعدّ الغداء» وأعود 
إلى الكتابة بعد أن يأوي الأولاد إلى الفراش 

لم أختبر في حياتي قط شيثًا قويًا وملغرًا كتلك القوى التي بدت مسيطرة 
علي وأنا أكتب اللغز الأنثوي. لقد نبع الكتاب من مكان عميق في داخلي» 
وتجلت تجربتي فيه كاملة: استياء أمي» ودراستي لعلم النفس الغيستالتي 
9 والفرويدي» والزمالة التي أحسست بالذنب تجاهها إذا ما 
استسلمت» ومهمتي كمراسلة صحفية التي علمتني كيف أتتبع الإشارات 
إلى الجانب التحتي الاقتصادي الخفي من الواقع» وخروجي إلى الضواحي» 


مدخل إلى طبعة الذكرى السنوية التأسعة 17 





والساعات الطويلة التي قضيتها مع الأمهات الأخريات اللواتي يقمن 
بالتسوّق» ويأخذن أولادهن إلى السباحة أو يجتمعن عرضًا لشرب القهوة. 
بل وحتى سنوات الكتابة لمجلات نسائية حين كان القول إن النساء لا يمكن 
أن يرتبطن بأي شيء يتجاوز المنزل إنجيلا لا جدال فيه.. لا سياسة ولا فن 
ولا علم ولا مناسبات كبيرة أو صغيرة ولا الحرب أو السلمء في الولايات 
المتحدة أو العالم» ما لم يكن من الممكن مقاربته من خلال التجربة الأنثوية 
كامرأة أو زوجة أو ترجمته إلى تفصيل أسري! لم أعد أستطيع الكتابة ضمن 
ذلك الإطار. كان الكتاب الذي أكتبه في ذلك الوقت يتحدى تعريف ذلك 
العالم نفسه.. وهو ما اخترت أن أسميه اللغز الأنثوي. وبإعطائه اسمًا عرفت 
أنه لم يكن قط العالم الوحيد الممكن للنساء» بل تقييدًا غير طبيعي لطاقاتنا 
ورؤيتنا. لكن عندما بدأت أتتبع المبادرات والإشارات من كلمات النساء 
ومشاعرهن عبر علم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ الحديث» متعقبة» عبر 
صفحات المجلات التي كتبت لهاء لماذا حدث ذلك» وكيف. وما الذي كان 
يفعله فعلا للنساء ولأطفالهن وحتى للجنس» أصبحت المضامين واضحة 
وكانت مذهلة. أنا نفسي دهشت مما كنت أكتبه ومن الوجهة التي كان 
يتخذها. كان جزء مني يتساءل» بعد إنهاء كل فصل: هل أنا مجنونة؟ لكن 
كان هناك أيضا شعورٌ نام بيقين ساكن قوي فيمَ الإشارات تتلاءم معّاء شعورٌ 
يجب أن يكون شبيهًا بالشعور الذي ينتاب العالم عندما يتوصل إلى اكتشاف 
في واحدة من تلك القصص الكشفية العلمية الحقيقية. 

لکن هذا لم يكن مجرّد عمل تجريدي وخيالي. كان يعني أنني» وکل 
امرأة أخرى عرفتهاء كنا نعيش كذبة» وكان كل الأطباء الذين عالجونا 
والخبراء الذين درسونا يرتكبون الكذبة ذاتهاء وقد بنيت منازلنا ومدارسنا 
وكناتسنا ومناستنا وههنا حول تلك الكذبة.. لو كانت التساة أغتخَاضًا 
فعلاء لا أكثر ولا أقلّء لكان يجب أن تتغير كل الأمور التي منعتهن من أن 
يكن أشخاصًا كاملين في مجتمعنا. والنساء عندما يخترقن اللغز الأنثوي 


18 اللغز الأنثوي 


ويأخذن أنفسهن بجدية كأشخاص» سيّرّين مكانتهنّ قائمة على قاعدة زائفة» 
حتى تمجيدهن بوصفهن مواضيع جنسية» نتيجة ما كان يمثله من انتقاص. 

ومع ذلكء لو أدركتٌ بأية سرعة مذهلة سيحدث ذلك فعلا -في أقل 
من عشر سنوات- فلربما كنت سأخاف إلى حدّ قد يوقفني عن الكتابة. من 
المخيف أن تنطلق على طريق جديدة لم يطرقها أحدٌ من قبل. لا تعرف كم 
ستأخذك بعيدًا إلى أن تنظر خلفك وتدرك كم بعيدّاء بعيدًا جدّاء قد مضيت. 
عندما طلبتُ مني أول امرأة أن أوقُع على اللغز الأنثوي في عام 1963 سائلة: 
ما الذي قالته لى حتى الآن مئات -وربما آلاف- النساء؟ كتبت لها: «لقد 
غيّر حياتي بكاملها. الشجاعة لنا جميعًا على الدرب الجديدة». فلا عودة 
إلى الوراء على تلك الدرب. يجب أن يغيّر حياتك كلها؛ فلقد غيّر بالتأكيد 
ا 


1 


بيتي فريدان 
نيويورك. 1973 








مقدمة وعرفان بالجميل 19 


أدركت تدريجيّاء دون أن أرى ذلك بوضوح لفترة من الزمن» أن هناك 
خطبًا ما في الطريقة يقة التي كانت النساء الأمريكيات يحاولن فيها أن يعشن 
حياتهن. شعرت بذلك أولا على شكل علامة استفهام في حياتي الخاصة: 
زوجة وأمًا لثلاثة أطفال صغار» مع نصف شعور بالذنب» وبالتالي» نصف 
شعور بالحماس» مستخدمة» على الرغم مني تقريبًاء قدراتي وتعليمي في 
عمل أبعدني عن البيت. علامة الاستفهام الشخصية تلك هي التي قادتني 
في عام 1957 إلى قضاء وقت طويل أقوم فيه باستبيان على زميلاتي في 
الكلية بعد خمسة عشر عامًا من تخرجنا في جامعة سميث. جعلتني الأجوبة 
التي قدمتها 200 امرأة على تلك الأسئلة المفتوحة الشخصية جدًا أدرك أنَّ 
الخطأ لا يمكن أن يتعلق بالتعليم على النحو الذي كان حينها يُظنْ. ببساطة» 
لم تكن المشاكل والرضا عن حياتهن» وكذلك حياتي» والطريقة التي أسهم 
تعليمنا فيهاء تنسجم مع صورة المرأة الأمريكية العصرية كنا رواجت 
وات النسائيةء ودُرستء وُطلت في قاعات الدراسة والعيادات» 
ا زابل و الكلمات امل هة ارت اة 
الثانية. كان هناك تناقض غريب بين واقع حياتناء نحن النساء» والصورة التي 
كنا نحاول أن نتوافق معهاء الصورة التي وصلتٌ إلى تسميتها باللغز الأنثوي. 





20 اللفز الأنثوي 


تساءلت ما إذا كانت النساء الأخريات يواجهن هذا الانقسام الفصامي» وما 
الذي كان يعنيه. 

وهكذا بدأتٌ أتتبع أصول اللغز الأنثوي» وأثره على النساء اللواتي عشن 
معه. أو نَّمَونَ في ظله. وكانت طرائقي» ببساطة» هي تلك التي يتبعها مراسل 
صحفي يتتبع خبرّاء فيما عدا أنني اكتشفت حالا أن تلك القصة لم تكن 
عادية. لأنْ النمط المجمّل الذي بدأ بالظهور» فيما تقودنى فكرة إلى أخرى 
في الميادين الواسعة للتفكير والحياة العصريين. لم يتحدّ الصورة التقليدية 
فحسب» بل والفرضيات النفسية الأساسية حول النساء. عثرت على بضع 
قطع من اللغز في دراسات سابقة عن النساء» لكنني لم أعثر على الكثير» لأنّ 
النساء في الماضي دُرسن بلغة اللغز الأنثوي. كانت دراسة ميلون (18061105) 
لنساء فاسار (:1/8558) مثيرة» والأفكار العميقة لسيمون دو بوفوار (5152006 
Bevo‏ ع0) حول النساء الفرنسيات» وعمل ميرا كوماروفسكي Mirra)‏ 
(Komarovsky‏ وماسلو (A. H. Maslow)‏ وألفا ميردال .)(Alva Myrda1)‏ 
ووجدت تلك المجموعة المتنامية من التفكير النفسي الجديد في مسألة 
هوية الرجلء التي لم يبدٌ أن النساء يدركن مضامينهاء أكثر إثارةً. وعثرت 
على دليل إضافي من خلال مساءلة أولئك الذين عالجوا أمراض النساء 
ومشاكلهن. وتتبعت نمو اللغز عبر الحديث مع محرري المجلات النسائية 
وإعلان الباحثين التعليليين وخبراء النساء النظريين في مجالات علم النفس 
والتحليل النفسي وعلم الإنسان وعلم الاجتماع وتعليم الحياة العائلية. لكنّ 
أجزاء الأحجية لم تبدأ بالانسجام معًا إلى أن أجريت مقابلات بشيء من 
العمق» استمر كل منها من ساعتين إلى يومين» مع ثماني نساء في مراحل 
حاسمة معينة من دورة حياتهن.. فتيات في المرحلة الثانوية أو الجامعية 
يواجهن» أو يتجنبن» السؤال المتعلق بهويتهن؛ ربات بيوت شابات وأمهات 
يجب بالنسبة لهن» إذا كان اللغز صحيًاء آلا توجد مسألة كهذه» ولم يكن 
لديهن» بالتالي» اسم للمشكلة التي تزعجهن؛ ونساء يواجهن عتبة الأربعين. 


مقدمة وعرفان بالجميل 21 
أعطتني تلك النساء» بعضهن بعذاب والبعض بهدوء» الإشارات الأخيرة 
والاتهام الأكثر إدانة للّغز الأنثوي. 

لكنْ» ما كان يمكن أن أكتب هذا الكتاب لولا مساعدة خبراء كثيرين» 
سواء كانوا علماء نظريين بارزين أو عاملين ممارسين على أرض الواقع» 
ولولا تعاون العديد ممن يؤمنون باللغز الأنثئوي وساعدوا في ممارسته. 
لقد ساعدني العديد من محرري المجلات النسائية الحاليين والسابقين» 
ومنهم: بيجي بيل (183611 (Peggy‏ وجون إنجلش (John English)‏ 
وبروس جولد (00010 (Bue‏ وماري أن جيتار (Mary Ann Guitar)‏ 
وجيمس سكاردون (440۸)؟ 13065) ونانسي لينش (Nancy Lynch)‏ 
وجيرالدين رودس (Geraldine Rhoads)‏ وروبرت ستاين Robert)‏ 
)¡n‏ ونيل ستيوارت (563316 ۸641) وبوللي ويفر (163962 '(2011). 
وكذلك ساعدنى إرنست ديتشر (565ع1(1 810©56) وعاملو معهد البحث 
التعليلي )1nstitute for Motivational Feel)‏ وماريون سكيدجل 
([اععلع51 23 وهي محررة سابقة لفيكينغ برس (Viking Press)‏ 
أعطتني بياناتها من دراسة غير منتهية عن بطلات الروايات. ومن بين 
العلماء السلوكيين والمنظرين والمعالجين الميدانيين» أدين بالكثير لوليام 
ميناكر (William Menaker)‏ وجرن لاندجراف )John Landgraf)‏ من 
جامعة نيويورك وأ. ه. ماسلو من جامعة برانديز (87800©15)» وجون 
دولارد (120113:0 هطه1) من جامعة يال ›»)¥ale)‏ ووليام ج. جودي 
God)‏ .1 iamااWi)‏ من جامعة كولومبياء ولمارغريت ميد (713183766 
4 وباول فاهاميان (18882188 اه۴) من كلية المعلمين» وإلسا 
سيب ولا إسرائيل (15:261 5110018 8158) وإلي تشينوي (Eli Chinoy)‏ 
من جامعة سميثء وللدكتور أندراس أنجيال (81إه8هة 0735مة)» وهو 
محلل نفسى من بوسطن. والدكتور ناثان آكرمان (Nathan Ackerman)‏ 
من 0 والدكتور لويس إنجلش (5ؤ1ا8828 1.0015) والدكتورة 





22 اللفز الأنثوي 


مارجريت لورانس (عع1.2/1686 2۲عM21)‏ من مركز مقاطعة روكلاند 
للصحة العقلية» وللعديد من العاملين الصحيين في مقاطعة ويستشيستر» 
ومن بينهم السيدة إميلي جو لد (001010 9إ11د8) وجيرالد فاونتين (067810 
nan‏ ۴) والدكتورة هنرييتا جلاتزر (012]265 1168116]18) ومارجوري 
إيلغينفريتز (1186815112 113:10:16) من مركز الإرشاد في نيوروتشيل» 
والموقر إدغار جاكسون (7361508 80831) والدكتور ریشارد جوردون 
)Richard Gordon)‏ وكاترين جوردون (”0لGor )Katherine‏ من مقاطعة 
بيرجن في نيوجيرسي. والمرحوم الدكتور أبراهام ستون (14۳ ۸4 
عده]5) والدكتورة لينا ليفين (6«الاع.آ 8 ) وفريد جافي (Fred Jaffe)‏ 
من جمعية الأبوة المخططةء والعاملين في مركز جيمس جاكسون بتنام 
(James Jackson Putnam)‏ في بوسطن» والدكتورة دوريس منذر (120115 
67 والدكتور سومرز سترجس (50111865 50106155) من مستشفى 
بيتر بينت بريغهام .)Peter Bent Brigham)‏ وأليس كينغ (Alice King)‏ 
من المركز الاستشاري للخريجات» والدكتورة ليستر إيفائز («عاوعآ 
35) من صندوق الكومنولث. وأنا كذلك ممتنة لأولئك المربّين 
الذين يحاربون بشجاعة اللغز الأنثوي. والذين قدموا لى أفكارًا عميقة 
مفيدة: لورا بورنهولدت (8012501061 )Laura‏ من لبمار وماري 
بنتينغ )Mary Buntin8(‏ من رادكليف. ومارجوري نيكلسون (1/8110216 
)0 من كولومبياء وإيستر لويد- جونز (5ع10/0-102.آ #تعطاو8) من 
كلية المعلمين» وميليسينت ماكينتوش Mc1")051(‏ 046ع311116) من برنارد 
وإيستر روشنبوش (18105826261051 )Esthe۲‏ من سارة لورانس» وتوماس 
ميندنهول Mede” 1a11(‏ asص0ط1)‏ من جامعة سميث. ودانييل آرون 
)Danie1 Arn)‏ وعدة أعضاء آخرين ي جامعة سميث. وأنا أكثر» فوق 
ذلك کله ممتنة للنساء اللواتى شاركننى مشاكلهن ومشاعرهن» بدءًا بمائتى 
امرأة من جامعة سميث. و ا إنغرسول هاويل Marion)‏ 





مقدمة وعرقان بالجميل 23 


)1ngersol1 Howell‏ وآن ماذر مونترو )ter0صMo Anne Mather‏ اللتين 
عملتا معي في استبيان الخريجات الذي أطلق بحثي. 
ودون تلك المؤسسة الرائعة» قاعة فريدريك لويس آلن في مكتبة 
نيويورك العامة» وتأمينها مكان عمل هادئ للكاتب وإمكانية دائمة للوصول 
إلى مصادر البحث. ما كان لكاتبة هذا الكتاب, الأم لثلاثة أطفال» أن تبدأه 
قط» فما بالك بأن تكمله. والأمر ذاته يمكن قوله حيال الدعم الحساس 
الذي قدمه ناشرو جورج بروكواي (ا85001673 .۴ 060186) ومحرّرو برتون 
بيلز )Burton Beals)‏ من شركة .)W. W. Norton & Company)‏ وبمعنى 
أوسع» ما كان لهذا الكتاب أن يكتب لو أنني لم أحصل على تعليم غير 
عادي في علم النفس من كورت كوفكا (1201168 16111) وهارولد إسرائيل 
sra)‏ 113:014) وإلسا سيبولا وجيمس جيبسون (010500 185065) من 
جامعة سمیث» ومن كورت ليوين (دذكاع.] 14نكا) وتامارا ديمبو (213,0212 
0 والآخرين في مجموعتهم» في ذلك الوقت» في أيواء ومن 
إي سى تولمان (”101"2 .° .8) وجين ماكفارلين (Jean Macfarla1e)‏ 
و 5 سانفورد (53210150 2169/16) وإيريك إريكسون (8211508 8:01) فى 
بيركلي.. تعليمًا ليبراليًا بأفضل المعاني» والذي كان القصد E‏ 
على الرغم من أتي لم استخدمه كنا خططت أصلا. 
لكن الأفكار العميقة والتفسيراتء للنظرية والواقع» والقيم المتضمنة في 
هذا الكتاب هى» بلا شكء أفكاري وتفسيراتي. لكن» سواء كانت الأجوية 
التي أقدمها هنا نهائية أم لاء وهناك العديد 9 الأسئلة التي يجب أن يسبر 
غورها علماء الاجتماع» فإن معضلة النساء الأمريكيات حقيقية. ولقد أجبر 
العديد من الخبراء أخيرّاء في الوقت الراهن» على الإقرار بتلك المشكلة 
وأن يضاعفوا جهودهم لتكييف النساء معها بلغة اللغز الأنثوي. قد تقلق 
أجوبتي الخبراء والنساء على قدم المساواة» لأنها تقتضي ضمنًا التغيير 
الاجتماعي. لكن ما كانت كتابة هذا الكتاب لتحمل أي معنى لو لم أكن 


24 اللغز الأنثوي 


مقتنعة بأن النساء يمكن أن يؤثرن في المجتمع» كما يتأثرن به؛ وأن المرأة 
في النهاية» شأنها في ذلك شأن الرجل» تملك القدرة على الخيار وأن تصنع 
جنتها أو جحيمها. 

جراندفيوء نيويورك 


حزيران 1957 - تموز 1962 


الفصل الأول: المشكلة التي لا اسم لها 25 





الفصل الأول 


المشكلة التي لا اسم لها 


ظلت المشكلة دفيتة أسُليرَة الصلماك سنوات طوال في أذهان النساء 
الأمريكيات. وكان هياجًا غريبًا وإتحّتماسًا أبالسخط وتوقًا شغوفا ذاك الذي 
عانت منه النساء في منتصف القرن العشرين#في الولايات المتحدة. كان 
صراعًا خاضته على انفراد كل امرأة من اء الضواحي» فيما هي ترب 
الأسرّة» أو تتسوّق حاجات المنزلء أو تخْتَارألوانًا متناغمة لأغطية الأثاث» 
أو تأكل سندوتشات زبدة الفنستق مع أبنائهاء أو'تقود الكشافين والكشافات 
الصغارء أو تستلقي» إلى جانب زوجهاافي الليلء مخائفة أن تطرح حتى على 
نفسها السؤال الصامت: أهذا كل شيء؟ 

على مدى خمسة عشر عامّاء لم تظهر كلمةٌ واحدةٌ تعر عن ذلك التوق 
في ملايين الكلمات التي كتبها عن النساء ومن أجل النساء» في جميع 
أعمدة الصحف والكتب والمقالات» خبراء يخبرون فيها النساء أنَّ دورهن 
هو السعي إلى التحقق بوصفهن زوجات وأمهات. سمعت النساء» مرارًا 
وتكرارًا في أصوات التقاليد والحذلقة الفرويدية؛ أن ليس في مقدورهن 
أن يرغبن بمصير أعظم من الفخر بأنوثتهن. وكان الخبراء يعلمونهن كيف 
يصطدن الرجال» وكيف يحتفظن بهم» وكيف يرضعن أطفالهن إرضاعًا 
طبيعيّاء وكيف يعلّمن أطفالهن استخدام المرحاض بدلا من الحفاضات» 


26 اللفز الأنئتوي 





وكيف يتعاملن مع تنافس الأخوة وتمرّد المراهقين» وكيف يشترين غسالات 
الأواني» ويصنعن الخبزء ويطبخن الحلزون بخبرة الطهاة» ويبنين حوض 
سباحة بأيديهن» وكيف يلہسن» ويظهرن» ويتصرفن بمزيد من الأنوثة» 
وكيف يجعلن الزواج أكثر إثارة» وكيف بحبو أزواجهن من الموت 
شبابًا وأبناءهن من الجنوح. علموهن أن يشفقن على النساء العصابيات 
غير الأنثويات التعيسات اللواتي أردن أن يكنّ شاعرات أو فيزيائيات أو 
رتضات. ولت أن النساء الأنقرنات: سال يرون خا م ولا عة 
عاليًا ولا حقوقًا سياسيةء أي لا يردن تلك الاستقلالية والفرص التى كافحت 
من أجلها الناشطات التسويات القديمات. مازال البعض يتذكر بألم بعض 
نساء الأربعينيات أو الخمسينيات وقد تخلين عن أحلامهن. لكنّ معظم 
النساء الأصغر سا لم يعدن يفكرن بهن مجرّد تفكير. أطرى ألف صوت 
خبير أنوثتهن وتكّفهن ونضوجهن الجديد. كل ما كان عليهن القيام به هو 
تكريس حياتهن من بداية الصبا لإيجاد زوج وإنجاب الأطفال. 

مع نهاية الخمسينيات» انخفض متوسط العمر عند الزواج بين النساء 
في أمريكا إلى 20 سنة» ومازال مستمرًا في الانخفاض. ليصل إلى سن 
المراهقة ة. فقد خطبت 14 مليون فتاة في عمر السابعة عشرة. وانخفضت 
نسبة النساء الجامعيات.» بالمقارنة مع الرجال» من /47 في عام 1920 إلى 
عر لف NN‏ 
على تعليم عالء أما الآن فالفتيات يذهبن إلى الجامعة للحصول على زوج. 
وفي منتصف الخمسينيات» كان /60 من النساء يتركن الجامعة لي ليتزوٌجن, أو 
لأنهن يخشين من أن يشكل التعليم الزائد عائقًا أمام الزواج. بَنَت الجامعاث 
مساكن طلابية «للطلاب المتزوجين»» لكن كان الطلاب دائمًا تقريبئا من 
الأزواج الذكور. وتم إحداث درجة جديدة للزوجات عرفت اختصارًا 
ب“7.اط*. ومعناها: إنجاح الزوج”". 





(1) فى الأصل: «Putting husband through‏ أي مساعدته على إكمال دراسته بجاح - 
المترجم. 


الفصل الأول: المشكلة التي لا اسم لها 27 








وبعد ذلك» بدأت الفتيات الأمريكيات يتزوّجن فى المدرسة الثانوية. 
E EOE,‏ بع العمابات التفيدة عن جالاك 
الزواج المبكرء أخذت تحت على إدخال مقررات حول الزواج ومرشدين 
في أمور الزواج إلى المدارس الثانوية. وبدأت الفتيات بالاستقرار في عمر 
الثانية عشرة والثالئة عشرة في المرحلة الإعدادية. كما أخذ المنتجون 
ينتجون حمالات صدر بنهود اصطناعية من المطاط الإسفنجي للفتيات 
الصغيرات اللواتي لم يبلغن سوى العاشرة من العمر. وظهر إعلان لفستان 
بناتي قياس (×3-6) في مجلة نيويورك تايمز في خريف عام 1960 يقول: 
هي أيضًا يمكن أن تنضم إلى المجموعة التي توقع الرجال في شراكها. 

في نهاية الخمسينيات» کان معدل الولادة ف فى الولايات المتحدة يداني 
معدل الولادة في الهند. وطّلب من حركة ضبط النسل» التي أطلق عليها 
لاحقًا تنظيم الا أن تجد طريقة تستطيع النساء» اللواتي نُصحن بأن 
الولد الثالث أو الرابع قد يولد ميثًا أو مشومّاء أن يستخدمنها بأية حال. 
وذهل الإحصائيون خصوصًا نتيجة الزيادة المذهلة في عدد الأطفال بين 
النساء الجامعيات. ففي حين لم يكن لديهن ذات يوم سوى طفلين» أصبح 
لديهن الآن أربعة أو خمسة أو ستة. واللواتى أردن يومًا حياةً مهنية» كن 
الآن تكو اة مهن ق ها جات الأطفال. وهكذا عبرت مجلة لايف 
(©111). في تهليلة نشرتها في عام 1956ء عن بهجتها بعودة حركة النساء 
الأمريكيات إلى الميزل. 

أصيبت امرأة بانهيار عصبي في إحدى مستشفيات نيويورك عندما 
علمت أنها لا تستطيع أن ترضع طفلها. وفي مستشفيات أخرى» رفضت 
نساءٌ. يصارعن الموت نتيجة الإصابة بالسرطانء دواءً أثبت البحث أنه قد 
ينقذ حياتهن, لأنه قيل إن آثاره الجانبية ضارة بأنوثتهن. وأعلنت صورة أكبر 
من الحجم الطبيعي لامرأة جميلة بلهاء في إعلانات الجرائد والمجلات 
ومخازن الأدوية: «إذا كنت سأعيش حياة واحدة» فدعوني أعيشها شقراء». 


28 اللفزالأنثوي 


وعلى امتداد أمريكاء صبغت ثلاث نساء من كل عشر شعرهن بالأشقر. 
وكنّ يأكلن نوعًا من الطباشير بدلا من الطعام ليتقلص حجمهن إلى حجم 
عارضات الأزياء الشابات النحيلات. وصرّح المشترون في مخازن البيع 
الكبيرة أن مقاسات النساء الأمريكيات قد أصبحت أصغر بثلائة أو أربعة 
مقاسات منذ عام 1939. وقال أحد المشترين: «تسعى النساء بإلحاح إلى 
التلاؤم مع الملابس» وليس العكس». 


وكان مصممو الديكور الداخلي يضعون لوحات من الفسيفساء أو 
لوحات أصلية في المطابخ» لأنْ المطبخ أصبح مرة أخرى مركز حياة 
المرأة. وأصبحت الخياطة المنزلية صناعة بملايين الدولارات. ولم تعد 
نساءٌ كثيرات يغادرن بيوتهن إلا للتسوّق أو إيصال أبنائهن أو حضور 
المناسبات الاجتماعية مع أزواجهن. وكانت الفتيات في أمريكا يكبرن 
دون أن يقمن بأعمال خارج المنزل. وفي أواخر الخمسينيات» أصبحت 
ظاهرة اجتماعية ملحوظة فجأةَ: كان ثلث النساء الأمريكيات يعمل» لكن 
معظم العاملات كنّ قد تجاوزن مرحلة الشباب» وقلة منهن فقط كانت 
تسعى وراء حياة مهنية. كنّ متزوجات» يقمن بأعمال بدوام جزئي كالبيع 
أو أعمال السكرتارية لإنجاح أزواجهن في المدارس أو أولادهن في 
الجامعات أو للمساعدة فى تسديد الرهن. أو كنّ أرامل يعلن عائلاتهن. 
وأخذ عدد النساء اللواتي يدخلن العمل المهني يتناقص» ويتناقص. 
وتسبّب النقص في مهن التمريض والعمل الاجتماعي والتعليم بأزمات 
في كل مدينة أمريكية تقريبًا. ولاحظ العلماء القلقون من تفوق الاتحاد 
السوفييتي في سباق الفضاء أن النساء هن أعظم مصدر من مصادر 
القدرات الفكرية غير المستخدمة فى أمريكا. لكن» ما كانت الفتيات 
ليدرسن الفيزياء» فهي «غير أنثوية». ورفضت إحدى الفتيات زمالة علمية 
في جامعة جون هوبكنز لتستلم عملا في مكتب عقاري. كان كل ما تريده» 


الفصل الأول: المشكلة التي لا اسم لها 29 
حسب قولهاء هو ما تريده كل فتاة أمريكية... أن تتزوج» وأن تنجب أربعة 
أطفال» وأن د تعبشر في بيت أنيق في ضاحية أنيقة. 


ربة منزل من الضواحي» كانت تلك هي الصورة الحلم للمرأة الأمريكية 
الشابة والمحسودة» كما قيل» من النساء في كل أنحاء العالم. ربة المنزل 
الأمريكية» المتحررة بفضل العلم والأجهزة المريحة من الكدّ ومخاطر 
ولادة الأطفال وأمراض جدتها. كانت معافاة وجميلة ومتعلمة» ولا تهتم 
إلا بزوجها وأطفالها وبيتها. لقد وجدت التحقق الأنثوي الحقيقي. وكانت» 
بوصفها ربة منزل وأم» محترمة كشريك كامل ومساو للرجل في عالمه. 
كانت حرّة في اختيار السيارات والملابس والأجهزة الكهربائية والأسواق؛ 
كان لديها كل ما قد حلمت المرأة به يومًا. 


أصبح لغ التحقق الأنئوي هذاء في السنوات الخمس عشرة التي أعقبت 
الحرب العالمية الثانية» هو الجوهر المدلّل والمُوَبّد ذاتيًا للثقافة الأمريكية 
المعاصرة. عاشت ملايين النساء حياتهن أسيرات تلك الصور الجميلة لربة 
المنزل الأمريكية ساكنة الضواحي» يودّعن أزواجهن بقبلة أمام بوابة البيت» 
ويوصلن أولادهن: الذين يملؤون سيارة كبيرة» إلى المدرسة؛ ويبتسمن وهن 
يلمّعن أرضية المطبخ النظيفة بالمكنسة الكهربائية الجديدة. يخبزن خبزهن 
بأنفسهن» ويخطن ملابسهن وملابس أبنائهن» ويبقين غسالاتهن الكهربائية 
وآلات التجفيف الجديدة شغالة طوال اليوم. يغيّرن ملاءات الأسرّة مرتين 
في الأسبوع بدلا من مرة» ويلتحقن بصف تعليم حياكة الصوف بالصنارة 
للكبار» ويشعرن بالأسى على أمهاتهن المسكينات المحبطات اللواتي 
حلمن أن تكون لهنّ حياة مهنية. كان حلمهن الوحيد هو أن يكنْ زوجات 
رامات كاملدت» وكا اق طبر جن هو أن يكون لد تعس أزلاد 
وبيت جميل» وكفاحهن الوحيد هو احضو على زوج والاحتفاظ به. 
لم تكن لديهن فكرة عن مشاكل العالم الخارجي اللاأنثوية؛ كنّ يردن من 





30 ۰ اللغزالأنثوي 
الرجال أن يتخذوا القرارات الكبيرة. كنّ مبتهجات فى أدوارهن بوصفهن 
نساء» ويكتبن بفخر فى استمارة التعداد السكانى ر الخانة المخصصة: 
«المهنة: ربة منزل». ۰ ا 

لن مدن اة عكر اغاق كانت:.الكلمات ال٠‏ كنك للشاءء 
والكلمات التي تستخدمها السا عندما يتحدكن فيما بيهن ف أزواجهن 
يجلسون في الطرف الآخر من الغرفة» يتحدثون في أمور المهنة أو السياسة 
أو أحواض النفايات» تدور حول المشاكل مع أولادهن» أو كيف يبقين 
أزواجهن سعداء أو كيف يحسّنَّ مدرسة أولادهن. أو يطبخن الدجاج» أو 
يصنعن أغطية المفروشات. لم يناقش أحد ما إذا كانت النساء أدنى أو أعلى 
من الرجال؛ كن ببساطة مختلفات. كانت كلمات من مثل «تحرير» أو «حياة 
مهنية؟ تبدو غريبة ومحرجة» إذ لم يستخدمها أحد لسنوات. وعندما كتبت 
امرأة فرنسية» اسمها سيمون دو بوفوارء كتابًا أسمته الجنس الآخر. علق ناقدٌ 
أمريكي قائلًا إنه من الواضح «أنها لم تعرف شيئًا عن أمور الحياة»؛ إضافة 
إلى أنها كانت تتحدث عن النساء الفرنسيات. أما «مشكلة المرأة» في أمريكا 
فلم تعد موجودة. 

لو وقعت امرأة ما في مشكلة في فترة الخمسينيات أو الستينيات» لتبادر 
إلى ذهنها أن هناك .خلا ما في زواجها أو فيها ذاتها. فالنساء الأخريات» 
حسب ظنهاء كن راضيات بحياتهن. أي نوع من النساء هي» إذا لم تشعر 
بهذا التحقق الغامض» وهي تلمّع أرضية المطبخ؟ كان شعورها بالخجل 
أكبر من أن تعترف بسخطهاء بحيث لم يتسنّ لها قط أن تعرف كم من النساء 
الأخريات كنّ يشاطرنها ذلك السخط. ولو حاولت أن تحكي لزوجها عن 
الأمر» لما فهم عي تتكلم. فهي نفسها لم تكن تفهمه. وعلى مدى ما يزيد 
على خمسة عشر عاماء كان الحديث عن هذه المشكلة أصعب على النساء 
في أمريكا من الحديث عن الجنس. حتى المحللون النفسيون لم يجدوا 
اسمًا لها. وعندما كانت امرأة تذهب إلى الطبيب النفسي طلبًا للمساعدة» 


الفصل الأول: المشكلة التي لا اسم لها 31 





كما فعلت نساء كثيرات في حينه» كانت تقول: «أنا خجلة جدا»» أو «لا بد 
أني عصابية وحالتي ميؤوس منها»: وقال طبيب نفسي من الضواحي بقلق: 
«لا أعرف ما حدث للنساء هذه الأيام. أعرف أن هناك خطبًا ماء لأنه تصادف 
أن معظم مرضاي نساء» ومشكلتهن ليست جنسية). لكنّْ معظم النساء 
اللواتي عانين من تلك المشكلةء لم يذهبن لرؤية محلل نفسي. وظللن 
يرددن لأنفسهن: «ليس هناك خطب حماء لا توجد أية مشكلة». 

لكن في صباح يوم نيساني من عام 1959. سمعتٌ أمَا لأربعة أطفالء 
تتناول القهوة مع أربع أمهات أخريات في ضاحية تبعد خمسة عشر ميلا عن 
نيويورك» تقول بنبرة من اليأس الهادئ: «المشكلة». وأدركت الأخريات» 
دون كلمات» أنها لم تكن تتحدث عن مشكلة مع زوجها ان أو أولادها أو 
منزلها. فقد أدركن فجأةٌ أنهن جميعًا يعانين من المشكلة ذاتهاء المشكلة التي 
لا اسم لها. بدأن بتردد الحديث عنها. وفيما بعدء بعد أن أخذن أولادهن من 
الحضانة إلى البيت لأخذ قيلولة» بكت اثنتان من تلك النساء مع شعور حاد 
بالراحة لمجرّد معرفتهن بأنهن لم يكن وحيدات. 

أدركتٌ» شينًا فشيئّاء أن المشكلة التي لا اسم لها كانت مشتركة بين عدد 
لا يحصى من النساء في أمريكا. كنت» بحكم عملي كاتبة للمجلات» غالبًا 
ما أجري مقابلات مع النساء حول مشاكلهن مع أبنائهن أو في زواجهن 
أو منازلهن أو مجتمعاتهن المحلية. لكني بعد فترة بدأت أدرك الإشارات 
النميميّة لهذه المشكلة الأخرى. رأيت الإشارات ذاتها في بيوت مزارع تربية 
الحيوانات في الضواحي وفي البيوت المؤلفة من طابقين في لونغ آيلاند 
ونيوجرسي ومقاطعة ويستشستر وفي بيوت كولونيالية في بلدة صغيرة 
في ماساشوستس؛ وفي فناءات في ممفيس وفي شقق في الضواحي وفي 
المدن؛ وفي غرف المعيشة في ميدويست. وكنت أحيانًا أستشعر المشكلة 
لا كمراسلة صحفيةء بل كربة منزل من الضواحي» لأنني. في ذلك الوقت» 


32 اللغز الأنثوي 


كنت أيضًا أربي أولادي الثلاثة في مقاطعة روكلاند في نيويورك. سمعتٌ 
أصداء المشكلة في السكن الطلابي في الجامعات وفي أجنحة الأمومة 
شبه الخاصة في اجتماعات جمعية أولياء الأمور والمعلمين (۶۲4) وفي 
مناسبات الغداء لرابطة الناخبات وفى حفلات الكوكتيل فى الضواحى وفى 
سيارات كبيرة منتظرةً القطارات نتف محادثات تتناهی إلى ا 
في سكرافتس (568:2885). الكلمات المتلمسة التي سمعتها من نساء 
أخريات في أوقات بعد الظهر الهادئة عندما يكون الأولاد في المدرسة» 
أو في المساءات الهادئة عندما يبقى الأزواج في العمل حتى وقت متأخر؛ 
أعتقد أنني فهمتٌ المشكلة أولا كامرأة قبل أن أفهم بزمن طويل مضامينها 
الاجتماعية والنفسية الأوسع. 

ولكن ماذا كانت تلك المشكلة التي لا اسم لها؟ ما الكلمات التي 
استخدمتها النساء في محاولتهن التعبير عنها؟ كانت امرأة ما تقول أحيانًا: 
«أشعر على نحو ما بالخواء... بالنقص». أو «أشعر كما لو أنني غير 
موجودة». وكانت أحيانًا تخفى ذلك الشعور بالمهدّئات. وكانت أحيانًا 
نظن أن المشكلة في زوجها أو أولادهاء أو أن ما تريده فعلّا هو إعادة ترتيب 
ديكور بيتهاء أو الانتقال إلى حي أفضلء أو أن تقيم علاقة» أو تنجب طفلًا 
آخر. وكانت أحيانًا تذهب إلى الطبيب بأعراض لا تستطيع وصفها إلا 
بصعوبة: «إحساس بالتعب... أغضب جدًا على الأولاد وهذا يخيفنى... 
أشعر أنني أبكي دون سبب». (أطلق طبيب من كليفلاند على ذلك: متلازمة 
ربة المنزل). حدثني عدذ من النساء عن بثرات دموية تظهر على أيديهن 
وأذرعهن. وقال طبيب أسرة في بنسلفانيا: «أنا أسمي ذلك آفة ربة المنزل. 
بدأت أراه كثيرًا مؤخرًا لدى هؤلاء النساء الشابات اللواتى لديهن أربعة 
أطفال أو خمسة أو ستة» واللواتي يدفنٌ أنفسهن د الصحون. 
لكئة لبس ناتا عن المنظفات ولا يعالج بالكورتيرون». 


وأحياناء كانت امرأة ما تخبرني أن ذلك الشعور يصبح قويًا إلى حدّ 


الفصل الأول: المشكلة التي لا اسم لها 33 





أنها تسرع خارجةً من البيت» وتسير في الشوارع. أو تبقى في بيتها وتبكي. 
أو يحكي لها أطفالها نكتة فلا تضحك لأنها لا تسمعها. تحدثت مع 
نساء أمضين سنوات على أريكة المحلل يتدربن على «التكيف مع الدور 
الأنثشوي»» ويتخلصن من عوائق «التحقق بوصفهن زوجات وأمهات». لكن 
نبرة اليأس في أصوات تلك النساءء والنظرة في عيونهن» كانت نفس النبرة 
والنظرة التي للنساء الأخريات. اللواتي كنّ على ثقة من أنه ليست لديهن أية 
مشكلة» على الرغم من أنه لم يكن لديهن شعور غريب باليأس. 

قالت لي أم لأربعة أطفال» تركت الجامعة في عمر التاسعة عشرة 
لتتروج: 

«لقد جرّبت كل ما يفترض بالنساء أن يقمن به.. الهوايات» البستنة 
صنع المخلل» حفظ الأغذيةء الاختلاط الاجتماعي الواسع مع جيراني» 
المشاركة في لجانء إقامة حفلات الشاي لجمعية أولياء الأمور والمعلمين. 
أستطيع القيام بكل ذلك» وأنا أحب ذلك لكنه لا يمنحك أي شيء تفكرين 
فيه» أي شعور يتعلق بمن أنت. لم تكن لدي قط أية طموحات تتعلق بحياة 
مهنية. كل ما أردته هو أن أتزوج» وأنجب أربعة أطفال. أحب الأطفال 
وبوب» وأحب بيتى. لا توجد مشكلة تستطيعين حتى أن تضعى اسمًا لها. 
لكني يائسة. أا رر أني بلا شخصية. أنا من يقوم بتقديم الطعام 
وإلباس الأولاد سراويلهم وترتيب الأسرّة» شخص يمكنك اللجوء إليه 
عندما تحتاجين شيئًا ما. لکن» من أنا؟ » 

وقالت أمّ في الثالثة والعشرين من عمرها ترتدي سروال جينز أزرق: 

«أسأل نفسي: لماذا أنا مستاءة. عندي صحتي ل رائعين وت 
جديد جميل وما يكفي من المال. ولدى زوجي مستقبل حة حقيقي في عمله 
مهندس إلكترونيات. هو لا يعاني أيّا من هذه المشاعر. وقول إنني قد أكون 
في حاجة إلى عطلة» ويقترح أن نذهب إلى نيويورك في عطلة أسبوعية. 


34 اللفز الأنثوي 
لكن ليست تلك هي المشكلة. لا أستطيع أن أجلس وأقرأ كتابًا وحيدة. إذا 
كان الأطفال نائمون في قيلولة ولدي ساعة أخلو بها لنفسي» فإنني أتنقل في 
البيت منتظرة أن يستيقظوا. لا أقوم بأي شيء حتى أعرف إلى أين يذهب بقية 
الحشد. الأمر كما لو أن شخصًا ما أو شيئًا ما كان يعتني بحياتك دائمًا مذ 
كنت طفلة صغيرة: والداك أو جامعتك أو الوقوع في الحب أو ولادة طفل 
أو الانتقال إلى بيت جديد. ثمّ تستيقظين ذات صباح ولا ترين ما تتطلعين 
إليه). 

وقالت زوجة شابة في أحد التوسّعات السكنية في لونغ آيلاند: 

«يبدو أنني أنام كثيرًا. ولا أعرف لم يجب أن أكون تعبة إلى هذا الحد. 
ليس هذا البيت صعب التنظيف» كما كان الحال مع شقتنا ذات الماء البارد 
عندما كنت أعمل. الأطفال في المدرسة طوال اليوم. لا يتعلق الأمر بالعمل. 
أنا فعا لا أشعر أنني حية». 

في عام 1960» انفجرت المشكلة التي لا اسم لها مثل بثرة في صورة 
ربة المنزل الأمريكية السعيدة. وفى الإعلانات التجارية التلفزيونية» 
احتقت :ريات المنازل اكات الجميلاث:: وهن غا رن ترخات 
فوق أحواض الصحون الفائرة بالرغوة» وقصة غلاف مجلة التايم عن 
«الزوجة من الضواحي» ظاهرة أمريكية»: «لديٌّ وقت جيد أكثر مما 
ينبغي... لأصدق أنهنْ تعيسات». لكن فجأة بدأت التقارير تتحدث عن 
تعاسة ربات المنازل الأمريكيات الفعليةء من النيويورك تايمز والنيوزويك. 
بل وحتى مجلة التدبير المنزلى (58زمء6ءاء11015 6000) وتلفزيون سى 
بي إس (85©) («ربة المنزل الواقعة في الشرك١)"‏ على الرغم من 
أن كلّ من تكلم عنها تقريبًا وجد سببًا سطحيًا لرفضها. كانت تعزى 
إلى مصلح الأجهزة غير الكفء (حسب النيويورك تايمز)ء أو مسافات 
قيادة السيارة لإيصال الأولاد في الضواحي (حسب التايم)» أو الكثير من 


(1) فى الأصل : The Trapped Housewife‏ - المتر جم. 


الفصل الأول: المشكلة التي لا اسم لها 35 





اجتماعات أولياء الأمور والمعلمين (حسب ريدبوك). وقال البعض إنها 
المشكلة القديمة ذاتها: التعليم. فقد حصلت أعداد متزايدة من النساء 
على تعليم» وهذا ما جعلهن» بشكل طبيعي» غير سعيدات في دور ربات 
المنازل. وجاء في تقرير في النيويورك تايمز يوم 28 حزيران/ 1960: «لقد 
تكشّف الطريق» من فرويد إلى فريجيدير (58718148156)؛ من سوفوكليس 
)Sophoc1es(‏ إلى سبوك (061م5). عن أنه طريق وعر. يشعر العديد من 
النساء الشابات -وبالتأكيد ليس جميعهن-. ممن أقحمهن تعليمهن في 
عالم من الأفكارء نهن مخنوقات في بيوتهن. يجدن حياتهن الروتينية 
مفصومة العرى عن التدريب الذي حصلن عليه. وكحبيسات في البيوت» 
يشعرن أنهن مُهمّلات. قدّمت مشكلة ربات المنازل المتعلمات في السنة 
الماضية المادة لعشرات من الخطابات التي ألقتها رئيسات جامعات 
نسائية قلقات دافعن -في مواجهة الشكاوى- بأن ستة عشر عامًا من 
الإعداد الأكاديمي هي تحضير واقعي للزوجية والأمومة). 

كان هناك كثير من التعاطف مع ربة المنزل المتعلمة. «مثل فصامية 
برأسين کک مرة مقالة حول شعراء جريف يارد (¥2۲4ع4۷إ6)» وهي 
الآن تكتب ملاحظات إلى بائع الحليب. وقرّرت مرةً درجة الغليان لحمض 
الكبريتيك؛ لكنها الآن تقرّر درجة غليانها مع المصلح المتأخر عن موعده... 
غالبا ما تختصر ربة المنزل بالصراخ والدموع... ويبدو أن لا أحد يقدّر 
وهي نفسها أقل من أي شخص آخرء نوع الشخص الذي أصبحت عليه في 
عملية تحولها من شاعرة إلى امرأة سليطة». 

اقترح علماء الاقتضاد المنزلي إعدادًا أكثر واقعية لربات المنازلء 
كورشات عمل حول الأجهزة المنزلية في المدارس الثانوية. واقترح المرتون 
في الجامعات المزيد من'مجموعات المناقشة حول الإدارة المنزلية والأسرة 
لوعداد النساء من أجل التكيّف مع الحياة الأسرية. وظهر سيل من المقالات 
في المجلات الجماهيرية مُقَدَمَّا «ثماني وخمسين طريقة لجعل زواجك أكثر 


36 اللغز الأنثوي 


إثارة». لم يمض شهر دون كتاب جديد يقدمه طبيب نفسي أو متخصص في 
علم الجنس عارضًا نصيحة فنية حول إيجاد تحقّق أعظم عن طريق الجنس. 

وقد نكت 3 فكة فى مجلة هاربرز بازار (:83222 م81 )» فى 
RES‏ 0 قائلا إنه يمكن حل المشكلة بانتزاع حق النساء في 
التصويت. («في مرحلة ما قبل التعديل التاسع عشر كانت المرأة الأمريكية 
مطمئنة ومحمية ومتأكدة من دورها في المجتمع الأمريكي. كانت تترك كل 
القرارات السياسية لزوجهاء وهوء بدوره» يترك كل القرارات العائلية لها. 
أما اليوم فعلى المرأة أن تتخذ القرارات العائلية والسياسية أيضًاء وهذا كثير 
جدًا بالنسبة لها»). 

اقترح عدد من المربين بجدية عدم قبول النساء في الكليات والجامعات 
التي تدوم الدراسة فيها أربع سنوات: في الأزمة الجامعية المتنامية» كانت 
حاجة الصبيان إلى التعليم» الذي لا تستطيع الفتيات استخدامه عندما 
يصبحن ربات بيوت» ملحّة أكثر من أي وقت مضىء وذلك حتى يقوموا 
بالعمل في عصر الذرّة. 

ألكرت الكل يفا لرن قائنية ل يكن في درز اعد أن شما 
على محمل الجد. (اقترحت كاتبة فى مجلة هاربرز تحويل النساء إلى 
غات ا ا كستاعدات مم ضات آى جلکمات أطفال) :ری اا 
ذلك بالدواء الشافي من جميع العلل والقديم قدم الدهر: «الحب هو 
جوابهم!» «الجواب الوحيد هو المساعدة النابعة من الذات)» «سرّ الكمال: 
الأطفال»» «وسيلة خاصة للتحمّق الفكري». «لشفاء ألم الروح المبرّح 
هذا... الصيغة البسيطة المتمثلة بتسليم المرء نفسه وإرادته لله». 


و 
أنكرت المشكلة بالحديث إلى ربات المنازل عن أنهن لا يدركن كم 
See the Seventy-fifth Anniversary Issue of the Good Housekeeping« May:‏ )1( 


1960١ “The Gift of Self‘” a symposium by Margaret Mead‘ Jessamyn West 
et al. 


الفصل الأول: المشكلة التي لا اسم لها 37 


هن محظوظات: رئيسك في العمل..لا ميقاتية لضبط الوقت..لا مدير صغير 
يضع نصب عينيه أن يأخذ مكانك. لكن ماذا لو كانت ربة المنزل غير سعيدة» 
فهل ستظن أن الرجال سعداء في هذا العالم؟ هل ستريد فعا في السرّ أن 
تكون رجلا؟ ألا تعرف بعد كم هي محظوظة لأنها امرأة؟ 
كما انكرت المشكلة» أيضًا وأخيرّاء عبر إظهار عدم الاكتراث؛ لأن 
المشكلة بلا حل: هذا ما يعنيه أن تكوني امرأة» وما الخطأ في النساء 
الأمريكيات حتى أنهن لا يستطعن أن يقبلن دورهن بامتنان؟ كما عبرت 
مجلة النيوزويك عن الأمر (7 آذار/ 1960): 
هي غير راضية بالكثير الذي لا تملك نساء مناطق أخرى من العالم سوى 
الحلم به. واستياؤها عميق وواسع وكتيم تجاه العلاجات السطحية المتاحة 
لكل يد... لقد رسم جيش من المستكشفين المهنيين المصادر الرئيسية 
للمشكلة... وحددت الدورة الأنثوية منذ بدء الزمن دور المرأة. وقيدتها به. 
كما سجّل لفرويد قوله: «التشريح هو القدر». على الرغم من أن أية مجموعة 
من النساء لم تبعد تلك القيود الطبيعية إلى الحد الذي أبعدتها الزوجة 
الأمريكيةء يبدو أنها مازالت لا تستطيع تقبّلها بما يكفي من امتنان... تميل 
أمّ شابة؛ لديها عائلة جميلة وسحر وموهبة وذكاء. إلى إنكار دورها على نحو 
تبريري. «ما الذي أقوم به؟» تسمعها تقول. «لا شيء! أنا مجرّد ربّة منزل». 
لقد أعطى تعليمٌ جيّد. كما يبدو لهذا المثال الجيد بين النساء فهمًا لقيمة 
كل شيء باستثناء قيمتهن الشخصية... 
وهكذاء يجب عليها أن تقبل حقيقة حقيقة أَنْ «تعاسة النساء الأمريكيات هي. 
ببساطة» آخر ما اكتسب من حقوق اا وأن تتكيّف» وتقول مع ربة 
المنزل السعيدة التي نجدها تقول في مجلة النيوزويك: «يجب أن نحي 
جميعًا الحرية التي نت نتمتع بهاء وأن نكون فخورات بحياتنا اليوم . لقد درست 
في الجامعة» وعملت» لكْنٌ دور ربة المنزل هو الدور المُجزي والمُرضي 
لم تتدخل أمي قط في أعمال أبي... لم تكن تستطيع الخروج و 
الابتعاد عنا نحن الأطفال. لكنني مساوية لزوجي؛ أستطيع الذهاب معه في 
رحلات عمل إلى المناسبات الاجتماعية المتعلقة بالأعمال». 





38 اللغز الأنثوي 


ما كان إلا لقلة من النساء أن تفكر في البديل المُقتّرح. وتعبّر النيويورك 
تايمز عن ذلك بكلمات متعاطفة: «تعترف جميع النساء أنهن مررن في 
أوقات كنّ فيها بحالة من الإحباط الشديد نتيجة انعدام الخصوصية والعبء 
الجسدي ورتابة الحياة العائلية وسجنها. لكنء ما كانت أي منهن لتتخلى 
عن البيت والعائلة لو أعطيت فرصة الاختيار مرة أخرى». أما ريدبوك فقد 
علقت: "يمكن لقلّة قليلة من النساء فقط أن يشمخن بأنوفهن على أزواجهن 
وأولادهن ومجتمعهنء ويتصرفن في الحياة على هواهن. واللواتي يفعلن 
ذلك قد يكنّ شخصيات موهوبة» لكنهن قلما يكن نساء ناجحات». 

ذكرت مجلة لوك (100۸) أنْ السنة التى وصل فيها استياء النساء 
الأمريكيات إلى حد الفورانء كانت أيضًا ال التي لم تتوقف فيها أكثر 
من 21 مليون امرأة أمريكية عزباء أو أرملة أو مطلقة» حتى بعد الخمسين» 
عن البحث المحموم واليائس عن الرجال. والبحث يبدأ مبكرًاء لأنْ .707 
من جميع النساء الأمريكيات الآن يتزوجن قبل أن يبلغن الرابعة والعشرين. 
تنقلت سكرتيرة جميلة في الخامسة والعشرين من عمرها بين خمسة وثلاثين 
عملا مختلقًا في ستة أشهر على أمل الحصول على زوج بلا طائل. كانت 
النساء ينتقلن من ناد سياسي إلى آخرء ويتبعن دورات مسائية في المحاسبة 
أو الإبحار أو تعلّم لعب الغولف أو التزلج» وينضممن إلى عدد من الكنائس 
على التعاقب» ويذهبن إلى البارات وحيدات في بحث لا يكل ولا يمل عن 
رجل. 

وقالت التقارير إن المتزوجات» من بين الآلاف المتزايدة من النساء 
اللواتي يحصلن على مساعدة نفسية خاصة في الولايات المتحدة» لم 
يكن راضيات عن زواجهن» وكانت غير المتزوجات يعانين من القلق 
وأخيرًا من الاكتئاب. والغريب أن الأطباء النفسيين ذكروا أنَّء النساء غير 
المتزوجات كنّ» بناءًا على خبرتهم» أسعد من المتزوجات. وهكذاء فقد 
فتح باب جميع بيوت الضواحي الجميلة تلك شما يسمح بإلقاء نظرة على 








الفصل الأول: المشكلة التي لا اسم لها 39 





آلاف لا حصر لها من ربات المنازل الأمريكيات اللواتي يعانين وحدهن من 
مشكلة» بدأ الجميع فجأة يتحدثون عنهاء ويأخذونها كأمر مفروغ منه» مثل 
واحدة من مشاكل الحياة الأمريكية تلك التي لا يمكن حلها أبدّاء كالقنبلة 
الهيدروجينية. ومع عام 1962 أصبحت ورطة ربات المنازل الأمريكيات 
الواقعات في الفخ لعبة وطنية من تلك الألعاب التي تمارس في ردهات 
الا دو ك ست أغذاد كام فو مفصلات واعمدة صحف ركنت جور 
أو طائشة ومؤتمرات تعليمية وحوارات تلفزيونية لهذه المشكلة. 


وعلى الرغم من ذلك» كان معظم الرجال وبعض النساء ما يزالون 
لا يعرفون أن هذه المشكلة حقيقية: لكنّ هؤلاء الذين واجهوها بصدق» 
كانوا يعرفون أن العلاجات السطحية والنصائح المتعاطفة وكلمات التعنيف 
والكلمات التشجيعية تغرق» على نحو ماء المشكلة في اللاواقعية. وكان 
e‏ کن محط إعجاب وحسدٍ 

: شفقة وتنظير حتى وصلن إلى حدّ السأم من الأمر» كما قُدَمت لهِنَ حلول 
الا ا I‏ 
حصلن على جميع أنواع النصائح» من الجيوش المتنامية من مستشاري 
الزواج وتوجيه الأطفال والمعالجين النفسيين وعلماء نفس الكراسي 
الوثيرة» حول كيفية تكيّفهن في الدور المرسوم لهن: دور ربات اليرت لم 
نَقدّم للنساء الأمريكيات أيّة طريقة أخرى لتحقيق ذواتهن في منتصف القرن 
العشرين. تكيّف معظمهن مع دورهن وعانين من المشكلة التي لا اسم لهاء 
أو تجاهلنها. قد يكون عدم سماع الصوت الغريب المستاء ء المت جج داخل 
المرأة أقل إيلامًا نها 

لم يعد من الممكن تجاهل ذلك الصوتء أو إنكار اليأس الذي تعاني منه 
نساء أمريكيات كثيرات. ليس هذا ما يعنيه أن تكونى امرأة» بغض النظر عما 
كول الخيراء :هواله و ا س لد اا وويها لم لحرت الس 
لأن ن الأسئلة الصحيحة لم تطرح» أو تدرس» بما يكفي من العمق. أنا لا أقبل 


40 اللغز الأنثوي 


الجواب الذي يقول بعدم وجود مشكلة لأن المرأة الأمريكية لديها وسائل 
ترف لم تحلم بها قط النساء في أوقات أخرى أو في أماكن أخرى؛ جزء 
من جدّة المشكلة هو عدم القدرة على فهمها على أساس مشاكل الإنسان 
المادية العتيقة: الفقر» المرضء الجوع. البرد. فالنساءء اللواتي يعانين من 
هذه المشكلةء يعانين من جوع لا يمكن إشباعه بالطعام. وتستمر هذه 
المشكلة لدى النساء اللواتي أزواجهن أطباء مقيمون ومساعدو محامين 
مكافحون أو أطباء ومحامون أغنياء» كما لدى زوجات العمال والمديرين 
الذين يتراوح دخلهم بين خمسة آلاف دولار في السنة وخمسين ألف. وهي 
ليست نتيجة نقص المنافع المادية؛ وربما لا تشعر بها النساء اللواتي تستحوذ 
عليهن مشاكل الجوع أو الفقر أو المرض الملحة مجرّد شعور. وغالبًا ما 
تكتشف النساء اللواتي يحسبن أنها ستحل بمزيد من المال أو ببيت أكبر أو 
بسيارة ثانية أو بالانتقال إلى ضاحية أفضل أنها تزداد سوءًا. 

لم يعد من الممكن اليوم أن نلوم المشكلة على فقدان الأنوثة: أن نقول 
إن التعليم والاستقلالية والمساواة مع الرجال قد جعلت النساء الأمريكيات 
غير أنثويات. لقد سمعت نساء كثيرات جدًا يحاولن أن ينكرن هذا الصوت 
المستاء داخل أنفسهنء لأنه لا ينسجم مع الصورة الجميلة للأنوثة التي 
أعطاها لهن الخبراء. وأعتقد. في الحقيقة» أن هذه هي أول إشارة إلى 
اللغز: لا يمكن فهم المشكلة بالمصطلحات المقبولة عمومًا التي درس بها 
العلماء النساء. وعالجهن بها الأطباء» ونصحهن بها الاستشاريون» وكتب 
بها عنهن الكتّاب. فلقد عاشت النساءء اللواتى يعانين من هذه المشكلة. 
اللواتي يتحرك هذا الصوت في داخلهنء كل سانون ر التحقق 
الأنثوي. لسن نساء متفرغات مهنيًا (على الرغم من أن المتفرغات مهنا 
قد يعانين من مشاكل أخرى)؛ إنهن نساء كان الزواج والأولاد أقصى 
طموحهن. ولم يكن أي حلم آخر ممكنًا بالنسبة للأكبر سنا من بين تلك 
النسوة» بنات الطبقة الأمريكية الوسطى. وتخلّت اللواتي في الأربعينيات 





الفصل الأول: المشكلة التي لا اسم لها 41 





أو الخمسينيات من العمر» وكان لديهن ذات يوم أحلامًا أخرى» عن تلك 
الأحلام» وألقين بأنفسهن بسعادة في حياة ربات المنازل. أما الأصغر سناء 
الزوجات والأمهات الجديدات» فقد كان ذلك حلمهن الوحيد. إنهن النساء 
اللواتي انسحبن من المدرسة الثانوية أو الجامعة ليتزوجن» أو كنّ يمررن 
الوقت في عمل ماء ليس لهن فيه أي اهتمام حقيقي» حتى يتزوجن. تلك 
النساء «أنثويات» جدًا بالمعنى العادي للكلمة» ولكنهن» مع ذلك» يعانين 

من المشكلة. 
هل تعاني النساء. اللواتي أنهين الدراسة الجامعية؛ والتي كانت أحلامهن 

يومًا تتجاوز دور ربة المنزل» أكثر من غيرهن؟ حسب الخبراء نعم هذا 

صحيح» لكن استمع إلى هذه النساء الأربع: 

1 - «أيامي كلها مشغولة» ومملة أيضًا. كل ما أفعله هو التسكع. أنهض في 
الثامنة.. أعدّ الفطورء وهكذا أنظف الأطباق» وأتناول الغداء وأنظف 
المزيد من الأطباق» ثم أقوم بغسل الملابس والتنظيف بعد الظهر. ثم 
يأتي وقت أطباق العشاءء وأكون في حاجة إلى أن أجلس بضع دقائق 
قبل أن يكون علي إرسال الأولاد إلى أسرّتهم... هذا كل ما هناك في 
يومي. إنه مثل يوم أية زوجة أخرى. ممل تمامًا. أنا معظم الوقت أجري 
وراء الأولاد). 

2 - «يا إلهي! ما الذي أفعله بوقتي؟ حسناء أستيقظ في السادسة. أساعد 
أبني في ارتداء ملابسه» ثم أقدّم له الفطور. بعد ذلك أغسل الأطباق» 
وأغسل الطفل» وأطعمه. ثم أتناول الغداء» وفي أثناء قيلولة الأولاد أقوم 
بالخياطة أو التصليح أو الكي» وأقوم بجميع الأشياء التي لا أستطيع 
القيام بها قبل الظهر. ثم أطبخ العشاء للعائلة» ويشاهد زوجي التلفاز 
فيم أغسل الأطباق. وبعد أن أضع الأولاد في السرير» أرتب شعري ثم 
أذهب إلى السرير». 


42 اللفز الأنثوي 





3 - #المشكلة دائمًا أن أكون أم الأولاد أو زوجة الكاهن» وألا أكون نفسي 
قط). 


+ - «لو صُوّر فيلم عن أي صباح عادي في بيتي لبدا مثل كوميديا قديمة 
للأخوة ماركس. أغسل الأطباق» وأدفع بالأولاد الصغار إلى المدرسة» 
لم أسرع إلى ساحة الدار لأعتني بنبتات الأقحوان» وأعود بسرعة لأجري 
اتا هاتفيًا حول اجتماع لجنة ماء وأساعد الابن الأصغر في بناء بيت 

من المكعبات» وأقضي خمس عشرة دقيقة أقلّب الجريدة لأبقى حسنة 
الاطلاع» ثم أركض إلى الغسالات الآلية حيث في غسيلي المتراكم 
اوغا ما ت هن الغلاي كشال رة اة لمق تة كاملة. لرن 
الظهرء أكون جاهزة لزنزانة مبطنة”». لم يكن سوى القليل مما فعلته 
ضروريًا أو مهمًا فعلًا. الضغوط الخارجية تجلدني طوال النهار. لكني» 
مع ذلك» أعتبر نفسي واحدة من أكثر ربات المنازل استرخاء ذ في الحي» 
فبعض صديقاتي أكثر اهتياجًا. لقد عدنا في السنوات الستين ل 
إلى نقطة الصفر» ووقعت ربة المنزل الأم, ريكية» مرةً أخرى» أسيرة قفص 
سنجاب. وأن يكون القفص الآن منزلا حديئًا مكسوًا بالزجاج السميك 
ومفروشا بالسجاد. أو شقة عصرية مريحةء لا يعني أن الوضع أقل إيلامًا 
مما كان عليه وضع جدتها عندما كانت تجلس إلى نول التطريز في ردهة 
بيتها المذهّب المزأبر مغمغمة بغضب حول حقوق النساء). 
لم تذهب أول امرأتين قط إلى الجامعة. وهما تعيشان فى منطقتين 
سكنيتين في ليفيت تاون في نيوجرسي وتاكوما في واشنطن» وقد أجرى 
المقابلة معهما فريق من علماء الاجتماع يدرس زوجات الرجال العاملين”. 





(1) في الأصل: اء 20084م, زنزانة في سجن أو مستشفى الأمراض العقليةء مُبطئة من 
الداحل باللتاد لمنع ال لمريضء أو و السجين» من إيذاء نفسه - المترجم 

(2) Lee A Richard بط‎ Coleman« and Gerald Handel Workingrnan ؟‎ Wife 

New York: 1959. 


الفصل الأول: المشكلة التي لا اسم لها 43 








كتبت الثالثة» وهي زوجة كاهن» في استبيان اللقاء الخامس عشر لخريجات 
دفعتها من الكلية أنه لم تكن لديها أية طموحات مهنية» لكنها تتمنى الآن لو 
كانت لديها"". أما الرابعة» التي تحمل شهادة دكتوراء في علم الإنسان» فهي 
الآن ربة منزل فى نبراسكاء ولديها ثلاثة أطفال. يبدو أن كلماتهن تشير 
إلى أن ربات المنازل من جميع السويات التعليمية يعانين من ذات الشعور 


03 


بالياس. 

الحقيقة هي أن لا أحد يغمغم اليوم بغضب حول «حقوق النساءة» على 
الرغم من أن أعدادًا متزايدة من النساء قد ذهبن إلى الجامعة. في دراسة 
أجريت مؤخرًا على جميع الصفوف التي تخرجت في جامعة برنارو» 
ألقت أقلية معتبرة من الخريجات السابقات باللوم على تعليمهن» لأنه 
جعلهن يردن «حقوقًا»» أما الصفوف اللاحقة فقد ألقت باللوم على 
تعليمهن» لأنه أعطاهن أحلامًا مهنية» لكنّ الخريجات الحديثات ألقين 
باللوم على الجامعةء لأنها جعلتهن يشعرن أن ليس كافيًا للمرأة أن تكون 
ربة منزل وأم؛ لم يردن الشعور بالذنب» إذا لم يقرأن كتبًاء أو يشاركن في 
النشاطات الاجتماعية. لكنء إذا لم يكن التعليم سبب المشكلة» فحقيقة أن 
التعليم يفسد» على نحو ماء في هؤلاء النساء قد تكون فكرة ذات دلالة. 


إذا كان سر التحقق الأنثوي هو إنجاب الأطفال؛ فلم يسبق أن كان عموم 


(1) Betty Fricdans “IF One Generation Can Ever Tell Another” Smith Alumnae 
Quarterly Northampton« Mass.+ Winters 1961. 


تنبهثٌ لأول مرة إلى المشلكة التي لا اسم لها وعلاقتها المحتملة مع ما أسميته أخيرًا 
«اللغز الأننوي». عام 7 عندما أعددتٌ استبيانًا مكثفًا وأجريتٌ مسحًا على زميلات 





دفعتي في جامعة سميث بعد خمسة عشر عامًا من التخرج. واستخدم هذا الاستبيان فيما 

بعد من قبل صفوف الخريجات فى جامعة رادكليف وغيرها من الجامعات النسائية: 

وكانت التتيجة مشابهة. ۰ 

)2( Jhan and June Robbins« “Why Young Mothers Feel Trapped.” Rerihook‘ 
Septembers 1960. 


(3) Marian Freda Poverman. “Alumnae on Parade” Barnard Alumnae Magaz 
July 1957. 


ine’ 





44 اللفر الأنثوي 


النساء يخترنَ إنجاب الأطفال كما اليوم. وإذا كان الجواب هو الحب» فلم 
يسبق أن بحثت النساء عن الحب بالتصميم الذي نشهده اليوم. ومع ذلك» 
هناك شك متزايد في أن المشكلة قد لا تكون جنسية» رغم أنها لاب وأن 
تتعلق على نحو ما بالجنس. سمعتٌ من أطباء كثيرين أدلة على مشاكل 
جنسية جديدة بين الرجل وزوجته... جوع جنسي كبير جدًا لدى الزوجات 
إلى درجة لا يستطيع الأزواج إشباعه معها. حتى أن طبيبًا نفسيًا في عيادة 
مارغريت سانجر لاستشارات الزواج قال: «لقد حوّلنا المرأة إلى مخلوق 
جنسي. ليست لها أية هوية أخرى سوى أن تكون زوجة وأمًا. هي ذاتها لا 
تعرف من هي. تنتظر طوال اليوم زوجهاء ليأتي إلى البيت ليلاء ويجعلها 
تشعر أنها حية. والآن» الزوج هو غير المهتم» وهذا مرعب للمرأة» أن 
تستلقي هناك ليلة إثر ليلة» منتظرة زوجها ليجعلها تشعر بالحياة». لم هناك 
هذا السوق الكبير من الكتب والمقالات التي تقدم نصائح جنسية؟ ولا يبدو 
أن نوع النشوة الجنسية» التي وجد كينزي (إ141256) أنها تتحقق على نطاق 
واسع إحصائيًا بين الأجيال الجديدة من النساء الأمريكيات» سيجعل هذه 


بالعكس» بدأت أنواع جديدة من العصاب تظهر بين النساء -إضافة إلى 
مشاكل لم تصتف بعد بين العُصابات-؛ أنواعٌ لم يتنبأ بها فرويد وأتباعه» 
لها أعراض نفسية وأشكال من القلق وآليات دفاع مساوية لتلك التي يسببها 
الكبت الجنسى. كما إن هناك تقارير عن مشاكل جديدة غريبة لدى الأجيال 
النامية من الأولا الذين كانت أمهاتهم دائمًا حاضرات» يأخذنهم هنا أو 
هناك» ويساعدنهم في وظائفهم... عجز عن تحمل الألم أو الانضباط أو 
السعي وراء أهداف خاصة بهم» من من أي نوع كان» ضجر مدمّر من الحياة. 
ويشعر المربون بقلق متزايد من الاتكال ونقص الاعتماد على الذات بين 
الفتيان والفتيات الذين يدخلون الجامعة هذه الأيام. قال أحد عمداء جامعة 
كولومبيا: «إننا نخوض معركة مستمرة لجعل طلابنا يتمتعون بالرجولة». 


الفصل الأول: المشكلة التي لا اسم لها 45 





عقد في البيت الأبيض مؤتمر حول التدهور الجسدي والعضلي للأطفال 
الأمريكيين: هل هناك مبالغة في الاهتمام بهم؟ لاحظ علماء الاجتماع 
أن حياة أطفال الضواحي منظمة على نحو صاعق: الدروس والحفلات 
والتسلية ومجموعات اللعب والدراسة المنظمة لهم. تساءلت ربة منزل 
من الضواحي في بورتلاند في أوريغون: لماذا «يحتاج» الأطفال هنا إلى 
فرق كشافة للفتيات والفتيان. «هذه ليست مناطق سكن عشوائي. ولدى 
الأطفال هنا مكان واسع في الهواء الطلق. أعتقد أن الناس ضجرون جدّاء 
فهم ينظمون الأطفال» ومن ثم يحاولون أن يجعلوا الجميع أسرى ذلك. 
ولا يبقى للأطفال المساكين وقت حتى ليستلقوا على أسرتهم» ويحلموا 
أحلام يقظة». 

هل يمكن للمشكلة التي لا اسم لها أن تتعلق على نحو ما بالرتابة 
المنزلية لربة المنزل؟ عندما تحاول امرأة أن تعر عن المشكلة بكلمات» 
فإنها غالبًا ما تكتفي بوصف الحياة اليومية التي تعيشها. ما الذي في سرد 
التفاصيل المنزلية المريحة هذا قد يسبب ذلك الشعور باليأس؟ هل وقعت 
ببساطة أسيرة فخ المتطلبات الهائلة لدورها كربة منزل عصرية: زوجة 
ومدبرة منزل وأم وممرضة ومستهلكة وطباخة وسائقة وخبيرة في تصميم 
الديكور الداخلي والعناية بالأطفال وإصلاح الأجهزة وتجديد وجه الأثاث 
والتغذية والتربية؟ يومها مجرّأ فيم هي تسرع من غسالة الأطباق إلى غسالة 
الألبسة إلى الهاتف إلى المجمّفة إلى السيارة الكبيرة إلى السوق» تسلم جوني 
لملعب فريق ليتل ليج (عناوةء.آ eلا)»‏ وتأخذ جاني إلى صف الرقص» 
وتصلح آلة جز العشب» وتجتمع بمجموعة الساعة 6:45. لا يمكنها أبدًا أن 
تقضي أكثر من خمس عشرة دقيقة في أي شيء تقوم به؛ لا وقت لديها لقراءة 
الكتب» فتقرأ المجلات فقّط؛ وحتى إذا كان لديها وقت» لقد فقدت القدرة 
على التركيز. وفي نهاية اليوم» تكون متعبة جدًا إلى حدّ أن على زوجها أن 
يستلم المهمةء ويأخذ الأولاد إلى السرير. 


46 اللغز الأتثوي 


قاد هذا التعب المريع نساءًا كثيرات إلى الأطباء في الخمسينيات» 
حتى أن أحدهم قرر القيام بتحقيق عن الموضوع. ووجدء ويا للمفاجأة» أن 
مريضاته. اللواتي يعانين من «إعياء ربة المنزل»؛ ينمن أكثر مما يحتاج البالغ 
إلى النوم -نحو عشر ساعات في اليوم- وأن الطاقة الفعلية» التي يصرفنها 
في أعمال المنزلء لا تستنزف طاقتهن. فقرّر أن المشكلة الحقيقية يجب 
أن تكون شيئًا آخر.. ربما الملل. أخبر بعض الأطباء مريضاتهن أن عليهن 
أن يخرجن من المنزل مدة يوم وأن يجدن لأنفسهن عرضًا سينمائيًا في 
المدينة. ووصف آخرون لهن المهدئات. كانت ربات منازل كثيرات فى 
الضواحي يتناولن المهدئات مثل شراب السعال. «تستيقظين في الصا 
وتشعرين أن لا معنى للاستمرار يومًا آخر على تلك الشاكلة فتأخذين مهدئًا 
لأنه يجعلك لا تكترثين كثيرًا بأن يكون يومك بلا معنى». 

من السهل أن نرى التفاصيل الملموسة التي تأسر ربة المنزل من 
الضواحي والطلبات المستمرة على وقتها. لكن السلاسل التي توثقها إلى 
فخها هي سلاسل في عقلها وروحهاء هي سلاسل مصنوعة من أفكار خاطئة 
ووقائع ر ة خطأ وحقا توغ قائلة ات راف ةلا ی ملهو 
ولا تُجتنب بسهولة. 

كيف تستطيع أية امرأة أن ترى الحقيقة الكاملة ضمن حدود حياتها؟ 
كيف لها أن تصدق ذلك الصوت في داخلهاء عندما ينكر الحقائق التقليدية 
المقبولة التي لطالما عاشت TS‏ يبدو أن النساء اللواتي 
تحدئت إليهن» واللواتي بدأن أخيرًا ب يستمعن إلى ذلك الصوت الداخلي» 
يتلمسن بطريقة غير معقولة طريقهن إلى حقيقة تحدّت الخبراء. 

أعتقد أن الخبراء في عدد كبير من المجالات كانوا يرون أجزاء من 
تلك الحقيقة تحت مجاهرهم لزمن طويل دون أن يدركوها. وجدت 
أجزاء منها في أبحاث جديدة معينة وتطورات نظرية في العلوم النفسية 


الفصل الأول: المشكلة التي لا اسم لهأ 47 





س 


والاجتماعية والبيولوجية لا يبدو أن مضامينها فيما يخص النسأء قد درست 
بعمق قط. وجدت الكثير من الإشارات عبر الحديث مع أطباء الضواحي 
وأطباء النسائية والتوليد والأطباء العياديين فى مجال إرشاد الأطفال وأطباء 
الأطفال وموجهي المدارس الثانوية وأساتذة الجامعات ومستشاري الزواج 
والأطباء النفسيين والكهنة -حيث لم أكن أسألهم عن نظرياتهم بل عن 
تجاربهم القطلية في معالسجة النساء الأمريكيات. واطلعت على مجموعة 
ا ل ل ا ا ا ل 


التفكير السائدة عن النساء- أدلة تضع مع موضع التساؤل معا يير السواء الأنثوي 
والتكئيف الأنثوي والتحقق الأنثوي والنضج a‏ التي مازالت نساء 
كثيرات يحاولن العيش بموجبها. 


بدأت أرى» في ضوء جديد غريب. العودة الأمريكية إلى الزواج 
المبكر والعائلات الكبيرة التي تسبب الانفجار السكاني؛ الحركة الحدي 
نحو الولادة الطبيعية والإرضاع الطبيعي؛ انسجام الضواحي والعغصابات 
الجديدة وعلوم أمراض الشخصية والمشاكل الجنسية التي تحدّث عنها 
الأطباء. بدأت أرى أبعادًا جديدة للمشاكل القديمة التي اعتبرت بديهية بين 
النساء فترة طويلة من الزمن: صعوبات الطمث والبرود الجنسي والتعددية 
الجنسية ومخاوف الحمل واكتثاب الولادة وتكرر حدوث الانهيار العاطفي 
والانتحار بين نساء فى العشرينيات أو الثلاثينيات من أعمارهن وأزمات 
انقطاع الطمث» ا سلبية الرجال الأمريكيين وعدم نضجهم» 
والتناقض بين قدرات النساء الذهنية المختبرة فى طفولتهن وانجازاتهن 
بعد بلوغ سن الرشدء وتغيّر حصول النشوة الجنسية بين البالغات من النساء 
الأمريكيات والمشاكل المتواصلة في العلاج النفسي وفي تعليم النساء. 

إذا كنت محقة» فالمشكلة التي لا اسم لهاء الثائرة في عقول عدد كبير 
من النساء الأمريكيات اليوم» ليست مسألة فقدان الأنوئة أو الكثير من التعليم 
أو متطلبات: اله العائلية: إنها أكثر أفثية .مهنا يمكن للمرء أن برك 


48 اللفز الأنثوي 


إنها مفتاح المشاكل الأخرى الجديدة والقديمة التي لطالما عذّبت النساء 
وأزواجهن وأولادهن» وحيّرت أطباءهن ومربيهن لسنوات. وقد تكون أيضًا 
مفتاح مستقبلنا أمة وثقافة. لم يعد في مقدورنا تجاهل ذلك الصوت داخل 
النساء الذي يقول: «أريد ما هو أكثر من زوجى وأولادي وبيتى). 





الفصل الثاني: البطلة ربة المنزل السعيدة 49 


امسا 


الفصل الثاني 


البطلة ربة المنزل السعيدة 


لمّ عانى هذا العدد الكبير من الزوجات الأمريكيات من هذا الاستياء 
الموجع الذي لا اسم له طوال كل هذه السنوات» وكل واحدة منهن تظنَ 
أنها وحيدة؟ كتبت لي أمّ شابة من كونكتيكت» عندما بدأب التعبير عن 
هذه المشكلة كتابة: «طفرت الدموع من عيني؛ مع إحساس تام بالراحة؛ 
لاني شاطرت نساء أخريات اضطرابي الداخلي)20. وكتبت امرأة من بلدة 
في ولابة أوهايو: «في الأوقات التي شعرت فيها أن الجواب الوحيد هو 
ستشارة طبيب 56 أوقات الغضب والمرارة والإحباط العام» وهي أكثر 
من أن تحصىء لم تكن لدي أدنى فكرة عن أن مئات النساء يعانين الشعور 
ذانه. كنت أشعر بوحدة تامة». كما كتبت ربة منزل من هيوستن فى تكساس: 
#لقد كان الشعور بأنني وحيدة تقريبًا في مشكلتي هو ما جعلها قاسية إلى هذه 
الدرجة. أشكر الله على عائلتي وبيتي وفرصة العناية بهم: لكن لا يمكن أن 
تتوقف حياتي عند ذلك. إنها يقظة لأعرف أنني لست غريبة» وأنني أستطيع 


(1) Betty Friedan, `'*Women Are People Too!” Good Housekeeping, September. 
1960. 


كانت الرسائل التى تلقيتّها من نساء فى كافة أرجاء الولايات المتحدة ردًا على هذه 
المقالة ذات قوة عاطفية كبيرة» حتى أنني اقتنعت بأن «المشكلة التي لا اسم لها» ليست 
مقتصرة. بأي شكل من الأشكالء على خرّيجات الجامعات والكليّات الراقية. 








50 اللغز الأنثوي 


التوقف عن الشعور بالخجل من الرغبة في الحصول على ما هو أكثر». 

ذلك الصمت المذنب المؤلم» وتلك الراحة الهائلة عندما يخرج شعور 
ما فى النهاية إلى العلن» هما علامتان نفسيتان مألوفتان. أية حاجة وأي جزء 
من أنفسهن يمكن أن تكون نساء كثيرات كابتات في هذه الأيام؟ الجنس» في 
هذا العصر بعد فرويد» فورًا موضع شك. لكن لا يبدو أن هذا الهياج الجديد 
لدى النساء هو الجنس؛ والحديث عنه» في الحقيقة» أصعب من الحديث 
عن الجنس؛ هل يمكن أن تكون هناك حاجة أخرى» جزء من أنفسهن سبق 
ودفنّه عميقًا عمق دفن النساء الفيكتوريات للجنس؟ 

إذا كانت هناك حاجة من هذا القبيل» فيمكن ألا تعرف امرأة عن تلك 
الحاجة أكثر مما كانت امرأة فيكتورية تعرف أن لديها حاجات جنسية. 
وضعتٌ صورة المرأة الفاضلة؛ التى عاشت السيدات الفيكتوريات فى ظلهاء 
الجنس جانبًا بكل بساطة. فهل تضع الصورة التي تعيش النساء الأمريكيات 
فى ظلها أيضًا شيئًا ما جانبًا؛ الصورة الفخورة والعامة لفتاة المدرسة الثانوية 
الذاهبة بهدوءء فتاة الجامعة العاشقةء ربة المنزل من الضواحى وزوجها 
الماضى قدمًا فى نجاحه والسيارة الكبيرة المليئة بالأولاد؟ تشكل هذه 
الفيورة: التي خلقتها المجلات النسائية والإعلانات والتلفاز والأفلام 
والروايات وأعمدة الصحف وخبراء الزواج والعائلة وعلم نفس الطفل 
والتكيّف الجنسي ومبسطو علم الاجتماع والتحليل النفسي» حياة النساء 
اليوم» وتعكس أحلامهن. وقد تعطي إشارة إلى المشكلة التي لا اسم لهاء 
مثلما يعطي الحلم إشارة إلى رغبة مجهولة للحالم. في أذن العقل يتكتك 
عدّاد جيجر*"؛ عندما تظهر الصورة متناقضة جدًا مع الواقع. تكتك العدّاد 
في أذني الداخلية» عندما لم أتمكن من ملاءمة اليأس الهادئ لعدد كبير من 
النساء مع صورة ربة المنزل الأمريكية العصرية» التي ساعدت شخصيًا في 


(1) عداد جيجر :Geiger Counter‏ جھاز يستخدم لقياس كثافة الإشعاع عن طريق رصد 
الجُسيمات من مادة مُشْعّة - المترجم. 





الفصل الثاني: البطلة ربة المنزل السعيدة 51 


خلقها عن طريق كتابتى للمجلات النسائية. ما الذي كان مفقودًا فى الصورة 

إلى کل سی اندرا الأمريكية إلى التحقق زوجة وَأَمًا؟ ما الذي كان 

مفقودًا في الصورة التي تعكس هوية النساء في أمريكا اليوم» وتخلقها؟ 
في مطلع الستينيات كانت مجلة ماك كول الأسرع نموًا بين المجلات 

النسائية. ومحتوياتها تمثيلٌ دقيقٌ» نوعًا ماء لصورة المرأة الأمريكية التي 

تعرضها المجلات واسعة الانتشار وتسهم جزئيًا في تكوينها. فيما يلي 

محتويات عدد نموذجي من ماك كول في تموز/ 1960: 

1 - مقالة رئيسية عن «الصلع المتزايد بين النساء»» نتيجة المبالغة في 
استخدام الفرشاة والصبغة. 

2- قصيدة طويلة بحروف طباعية كبيرة كتلك التي في كتب المرحلة 
الابتدائية عن طفل عنوانها: الصبي صبي. 

3 - قصة قصيرة عن كيف يبعد مراهق لا يرتاد الجامعة رجلا عن فتاة جامعية 


ع 


متألقة. 

4- قصة قصيرة عن المشاعر الدقيقة لطفل يرمي زجاجته خارج مهده. 

5- الجزء الأول من رواية جديدة حميمية من فصلين بقلم دوق ويندسور 
عن «كيف نعيش -الدوقة وأنا- ونقضي وقتنا. وأثر الملابس علي 
والعكس بالعكس». ٠‏ 1 

6- قصة قصيرة حول فتاة في التاسعة عشرة من العمر أرسلت إلى إحدى 
مدارس الفتنة» لتتعلم كيف تطرف برموشهاء وتخسر في التنس. («أنت 
في التاسعة عشرة من العمر» وبموجب المعايير الأمريكية أنا الآن مخوّل 
أن أجعلك تطيري من يديّء قانونيًا وماليًاء على يد شاب أمرد يخطفك 
بعيدًا إلى شقّة مؤلفة من غرفة ونصف في القرية» فيمل هو يتعلم فن 
بيع السندات المالية. وما من شاب أمرد سيفعل ذلك» إذا كنت سترمينه 
بوابل من ضربات التنس المتلاحقة»). 





52 اللغزالآنثوي 


7- قصة زوجين في شهر العسل يستبدلان غرفة نومهما بغرفتين منفصلتين 
بعد خلاف على القمار في لاس فيغاس. 

8- مقالة عن «كيفية التغلب على عقدة النقص». 

9- قصة عنوانها: يوم الزفاف. 

0- قصة أم مراهق يتعلم كيف يرقص الروك آند رول. 

1- ست صفحات من الصور الفاتنة لعارضات في ملابس الأمومة. 

2- أربع صفحات فاتنة حول «اختصار الطريق الذي تقطعه العارضات». 


3- مقالة عن التأخير فى الخطوط الجوية. 

4- موديلاات للخياطة المنزلية. 

5- نماذج لتفصيل «شاشات قابلة للطي للفانوس السحري'. 

6- مقالة بعنوان: طريقة موسوعية لويجاد زوج ثان. 

7- «منجم شواء» مخصصة «للسيد الأمريكي العظيم الذي يقف» وعلى 
رأسه قلنسوة كبير الطهاة» وفى يده شوكة» على شرفة أمامية أو خلفية 
فى فناء أو ساحة دار فى أي مكان من الأرض مراقبًا شواءه يتقلب 
على السفود. ولزوجته التي بدونها (أحيانًا) ما كان للشواء أن يكون 
قط بذلك النجاح الصيفي العظيم الذي تحقق لا شك...٠.‏ 

كانت هناك أيضًا الأعمدة المعتادة من «خدمة» الغلاف الأمامى 
للكتب» والتى تتناول التطورات الجديدة فى الدواء والطب وحقائق العناية 
بالطفل وأعمدة بقلم كلير لوس (عدنادآ 01352) وإليانور روزفلت (:0موءا8 

)Roosee‏ وأدوات المطبخ وعمود رسائل القرّاء. 
صورة المرأة الكبيرة الجميلة المطلة من هذه المجلة هى صورة امرأة 

شابة ولعوب وشبه طفولية ورقيقة وأنثوية ومستسلمة وراضية بفرح» في 

عالم يتكون من غرفة نوم ومطبخ وجنس وأطفال وبيت. لا تستثني المجلة 


الفصل الثاني: البطلة ربة المنزل السعيدة 53 


لاا ب سس سنب سي لاسا ل بس سب س 
E‏ 


بالتأكيد الجنس؛ فالشغف الوحيد.. !لسعي الوحيد.. الهدف الوحيد الذي 
يُسمح للمرأة بالسعي إليه هو الرجل. إنه عالم مزدحم مليء بالطعام 
والملابس وأدوات التجميل والأثاث وأجساد النساء الشابات» لكن أين 
عالم الفكر والأفكارء حياة العقل والروح؟ في صورة المجلة» لا تقوم 
النساء إلا بالعمل المنزلي والعمل على إبقاء أجسامهن جميلة والحصول 
على رجل والمحافظة عليه. 

تلكم كانت صورة المرأة الأمريكية في السنة التي قاد فيها كاسترو ثورة في 
كوباء وتدرّب الرجال على السفر إلى الفضاء الخارجي.. السنة التي شهدت 
فيها القارة الأفريقية ولادة دول جديدة.. السنة التي شق صوت طائرة» تسبق 
في سرعتها سرعة الصوتء مؤتمر قمة.. السنة التي أقام فيها فنانون متحمًا 
كبيرًا احتجاجًا على هيمنة الفن التجريدي» واستكشف الفيزيائيون مفهوم 
النظائر» واضطر فيها علماء الفلك بفضل التلسكوبات الشعاعية الجديدة 
إلى تغيير مفاهيمهم عن الكون المتمددء وحقق فيها علماء البيولوجيا 
فتحا جديدًا في كيمياء الحياة الأساسية» وأجبر شبابٌ زنوج في المدارس 
الجنوبية الولايات المتحدة» لأول مرة منذ الحرب الأهلية» على مواجهة 
لحظة من الحقيقة الديمقراطية. لكنّ هذه المجلة؛ التي وزعت على ما يزيد 
على خمسة ملايين امرأة أمريكية» جميعهن تقريبًا اجتزن المرحلة الثانوية» 
ووصل نصفهن تقريبًا إلى الجامعةء لم تتضمن تقريبًا أي ذكر للعالم خارج 
المنزل. كان عالم المرأة في النصف الثاني من القرن العشرين في أمريكا 
يقتصر على جسمها وجمالها واجتذاب الرجل والحمل والعناية الجسدية 
وخدمة الزوج والأطفال والبيت. ولم يكن هذا العدد شذودًا لعدد واحد 
لمجلة نساثية واحدة. 

جلستٌ ذات مساء في اجتماع لكتّاب المجلات» ومعظمهم رجال 
يعمنون لصالح كل أنواع المجلات» بما في ذلك المجلات النسائية. 
كان المتحدث الرئيسي أحد قادة معركة إلغاء التمييز العنصري. وقبل أن 


54 اللفزالأنثوي 


دفن رح آخر احتياجات المجلات النسائية الكبيرة التي كان يقوم 
بتحريرها: 
من يقرأن مجلتنا هن ربات المنازل المتفرغات. وهنّ لا يهتممن بقضايا 
الوقت الراهن العامة الكبيرة. لا يهتممن بالقضايا الوطنية أو العالمية. لا 
يهتممن إلا بالأسرة والبيت. ولا يهتممن بالسياسة؛ ما لم تكن تتعلق بحاجة 
مباشرة في البيت» كسعر القهوة على سبيل المثال. المزاح؟ يجب أن يكون 
لطيمًاء فهن لا يفهمن الهجاء. السفر؟ لقد أسقطناه من حسابنا بالكامل 
تقريبًا. التعليم؟ هذه مشكلة. مستواهن التعليمي يرتفع. لقد حصلن جميعهن 
عمومًا على التعليم الثانوي؛ والكثير منهن حصل على التعليم الجامعي. وهنّ 
يهتممن جدًا بتعليم أبنائهن... حساب الصف الرابع. أنتٌ ببساطة لا يمكنك 
أن تكتب للنساء عن أفكار الوقت الراهن الكبيرة أو قضاياه. ولهذا السبب 
فإننا ننشر الآن 90% خدمات و1090 قضايا عامة. 
ووافق محرّر آخر على ذلك مضيفًا: «ألا يمكن أن تقدم لنا شيئًا آخر 
بالإضافة إلى هناك موت في صيدليتك المنزلية'؟ ألا يمكن لأي منكم أن 
يحلم بأزمة جديدة للنساء؟ نحن دائمًا نهتم بالجنس» بالطبع». 
وعند ذلك أمضى الكتّاب والمحرّرون مدة ساعة مستمعين إلى ثورجود 
مارشال Mas111(‏ 004عurطآ)‏ متحدتًا عن القصة الداخلية لمعركة إلغاء 
التمييز العنصري وأثرها المحتمل في الانتخابات الرئاسية. فقال أحد 
المحرّرين: «من السيئ أنني لا أستطيع نشر تلك القصة. لكن لا يمكنك أن 
تربطها بعالم المرأة». 
وفيما كنت أستمع إليهم كان صدى تعبير ألماني يتردد في ذهني: 
Kuche, Kirche»‏ ,4112067 وهو شعار قضى النازیون بمو جبه أن دور 
النساء يجب أن يقتصر مرة أخرى على دورهن البيولوجي. لكن هذه لم تكن 
ألمانيا النازية» بل أمريكا. كل العالم يتسع مفتوحًا للنساء الأمريكيات. لم 
إِذَا تكذّب الصورة العالم؟ لم تُختصر النساء في «شغف واحد ودور واحد 
ومهنة واحدة»؟ قبل زمن غير بعيد» حلمت النساء بالمساواة وبمكانتهن 


الفصل الثاني: البطلة رية المنزل السعيدة 55 





الخاصة في العالم» وحاربن من أجلهما. فما الذي حدث لأحلامهن؟ ومتى 
قررت النساء الاستسلام للعالم والعودة إلى البيت؟ 

يستخرج عالم جيولوجيا عينة من قاع المحيط» ويرى طبقات من 
الرسوبيات رقيقة كشفرة حلاقة مترسبة على مدى سنوات... إشارات إلى 
تغيرات كبيرة في التطور الجيولوجي للأرض إلى حدّ أنها قد تمرّ دون أن 
يلاحظها أحد خلال فترة حياة إنسان واحد. جلست أيامًا كثيرة في مكتبة 
نيويورك العامة» أتصفح مجلدات من المجلات النسائية الأمريكية التي 
صدرت خلال السنوات العشرين الماضية. ووجدت تغيرًا في صورة المرأة 
الأمريكية وفي حدود عالم المرأة, تغيرات حادة ومحيّرة كتلك التي في 
عينات الرواسب البحرية. 

عام 1939» لم تكن بطلات قصص المجلات النسائية دائمًا شابات» 
لكنهن؛ بمعنى ماء كنّ أصغر سنا من نظيراتهن الخياليات اليوم. كنّ شابات 
بالطريقة ذاتها التي كان البطل الأمريكي بها دائمًا شابًا. كنّ نساء جديدات» 
يخلقن بروح مصممة مرحة هوية جديدة للنساء: حياة خاصة بهن. كانت 
حولهن هالة بأنهن يصرنء أو يتحركن إلى مستقبل سيكون مختلقًا عن 
الماضي. كانت غالبية البطلات في المجلات النسائية الأربع الرئيسية في 
حينها (ليديز هوم جورنال «Ladies Home Journal‏ وماك كول 23/602115 
وجود هاوس كيبينغ 8 [0001). ووومانز هوم كومبانيون 
)(Woman's Home Companion‏ نساء لهن حياة مهنية» نساء مهنيات بسعادة 
وفخر ومغامرة وجاذبية» أحببن الرجال» وأحيّهن الرجال. وكانت الروح 
والشجاعة والاستقلالية والتصميم-قوة الشخصية التي أظهرنها في عملهن 
ممرضات ومعلمات وفنانات وممئلات وناسخات وبائعات تشكل جزءًا 
من سحرهن. كانت هناك هالة معينة بأنْ فرديتهن هى شىء يستحق إعجاب 
الرجال لا نفورهم. وأنّ الرجال كانوا ينجذبون إليهن بفضل أرواحهن 
وشخصياتهن بقدر ما ينجذبون إليهن بفضل نظرات عيونهن. 


56 اللغز الأنثوي 

كانت تلك هي المجلات النسائية الجماهيرية في أيام مجدهاء كانت 
قصصها تقليدية: فتاة تلتقي بشاب أو فتاة تحصل على شاب. ولكن» في 
كثير من الأحيان» لم يكن هذا هو موضوع القصة الرئيسي. كانت تلك 
البطلات عادةٌ يسعين خلف هدف ما أو رؤية خاصة بهن» ويصارعن مشكلة 
ما في العمل أو العالم» عندما يجدن رجلهن. وكانت هذه المرأة الجديدة» 
الأقل رقة أنثوية والمستقلة جدًا والمصممة على إيجاد حياة جديدة خاصة 
بهاء بطلة نوع مختلف من قصص الحب. كانت أقل اندفاعًا في بحثها عن 
رجل. وقد أعطى انخراطها العاطفي في العالم» وإحساسها الخاص بنفسها 
كفرد» واعتمادها على ذاتهاء نكهة مختلفة لعلاقتها بالرجل. تلتقي بطلة 
وبطل إحدى هذه القصصء ويقعان في الحب في وكالة إعلانات» حيث 
يعملان. ويقول البطل: «لا أريد أن أضعك في حديقة خلف جدار. أريدك 
أن تسيري معي يدا بيد» ويمكن أن ننجز معًا كل ما نريد أن ننجزه». (قصة 
بعنوان الُم المشترك (5036 0ا 962 .4) منشورة في ريدبوك في كانون 
الثاني/ يناير 1939). 

لم تكن أولئك النساء الجديدات غالبًا ربات منازل؛ وفي الواقع» كانت 
القصص تنتهي عادةً قبل أن يصبح لديهن أطفال. كنْ شابات لأن المستقبل 
كان مفتوحًا. لكنهن كنّء بمعنى آخر» يبدين أعمر بكثير وأنضج من البطلات 
ربات المنازل الشابات الطفوليات الشبيهات بالقطط اليوم. إحداهن على 
سبيل المثال ممرضة ( قصة بعنوان أم اروج ( )Mother in Law‏ منشورة 
في ليديز هوم جورنال في حزيران/ يونيو 1939). «فكر في أنها كانت محبيةً 
جذا إلى النفس. لم يكن فيها شيء من جمال الكتب المصورة» لكن كانت 
هناك قوة في يديها واعتزاز في مشيتها ونبل في الطريقة التي ترفع بها ذقنها 
وفي عينيها الزرقاوين. لقد عاشت مستقلة منذ أن أنهت التدريب قبل تسع 
سنوات. وقد كسبت قوتها طيلة الوقت» وليست في حاجة للتفكير بأي شيء 
سوى قلبها». 


الفصل الثاني: البطلة ربة المتزل السعيدة 57 


تهرب إحدى البطلات من المنزل عندما تلخ أمها على أنها يجب أن 
تقوم بظهورها الأول في مناسبة اجتماعية بدلا من المشاركة في بعثة كعالمة 
جيولوجيا. وتصميم هذه المرأة الجديدة الانفعالي على عق حياتها 
الخاصة لا يمنعها من حب رجال» لكنه يجعلها تتمرد على والديهاء تمامًا 
مثلما يجب على البطل الشاب أن يترك البيت غالبًا لينضج. ويقول لها الفتى 
الذي بساعدها في الفرار: «أنت أشجع فتاة عرفتّها. لديك ما يتطلبه الأمر» 
(قصة بعنوان وقنًا طيبًا يا عزيزي (12681 ,11106 0000 3 1186) منشورة في 
ليديز هوم جورنال في أيار/ مايو 9). 

غالبا ما كان هناك تضارب بين بعض الالتزام بعملها والرجل. لكن 
كانت الأخلاقية في عام 1939 أنها إذا حافظت على التزامها تجاه نفسها 
فلن تخسر زوجها ما دام الرجل المناسب. تجلس أرملة شابة (قصة بعنوان 
بين ظلمة الليل وضوء النهار (Between the Dark and the Daylight)‏ 
منشورة في ليديز هوم جورنال في شباط/ فبراير 1939) في مكتبها مفكرة 
ما إذا كان عليها أن تبقى» وتصحح الخطأ المهم الذي قامت به في عملهاء 
أو تلتزم بموعدها مع رجل. تعيد التفكير في زواجها وطفلها وموت 
زوجها... «الزمن الذي تلا ذلك. والذي شهد الصراع لتكوين رأي واضح 
وعدم الخوف من أعمال جديدة أفضل وامتلاك المرء الثقة بقراراته». كيف 
يمكن لرئيسها أن يتوقع منها أن تخلف موعدها؟ لكنها تبقى في العمل. 
#لقد وضعوا دم حياتهم في هذه الحملة. لم تستطع خذلانه». وتجد رجلها 
ايضما... رئيسها في العمل ! 

ردما لم تكن هذه القصص أدبا عظيمّاء لكن بدت هوية بطلاتها وكأنها 
تقول اشا نا حول :ريات السازل اللواتن 'يقرآن الماجللات الشائة حيدها 
كما !لآن. لم تكن تلك المجلات تكتب للنساء العاملات. كانت بطلات 
المرأة الجديدة قدوة ربات منازل الأمس؛ كنّ يمثلن الأحلام والتوق إلى 
اموية وحس الممكن الذي وُجد للنساء حينها. وإذا لم تتمكن النساء من 





58 اللفز الأنثوي 
تحقيق تلك الأحلام لأنفسهن» فقد كنّ يردن من بناتهن أن يحققنها. أردن 
لبناتهن أن يكن أكثر من مجرد ربات منازل وأن ينطلقن في العالم الذي كان 
ممنوعًا عليهن. 

يشبه الأمر تذكر حلم منسيّ منذ أمد طويل» استذكار ما الذي كانت 
المهنة تعنيه للنساء قبل أن تصبح كلمة «صاحبة مهنة» شتيمة في أمريكا. كان 
العمل يعني المالء بالطبع» في نهاية الكساد. لكنّ قارتات تلك المجلات لم 
يكن النساء اللواتي يحصلن على عمل» وكانت المهنة تعني ما هو أكثر من 
عمل. بدت وكأنها تعني القيام بشيء ماء أن تكوني شخصًا ما أنت نفسك» 
لا مجرد الوجود في الآخرين ومن خلالهم. 

وجدت آخر ملاحظة واضحة عن البحث الشغوف عن هوية فردية يبدو 
أن المهنة كانت ترمز إليها فى عقود ما قبل 1950 فى قصة بعنوان «سارة 
والطائرة ار في خا د هوم جورنال في شباط/ فبراير 9 . 
تتعلم سارة» التي ملت على مدى تسعة عشر عامًا دور الابنة المطيعة» 
سرًا الطيران. وتغيب عن درس الطيران لترافق أمها في جولة من الزيارات 
الاجتماعية. يقول لها طبيب كهل من زوار البيت: «عزيزتي سارة» أنت كل 
يوم وطوال الوقت تقومين بالانتحار. عدم إنصاف الذات جريمة أكبر من 
عدم إرضاء الآخرين». ومستشعرًا وجود سر ما يسألها إذا كانت عاشقة. 
«وجدت من الصعب عليها أن تجيب. عاشقة؟ عاشقة لهنري [مدڙس 
الطيران] الجميل ذي الطبيعة الجيدة؟ عاشقة للماء اللمّاع وارتفاع الجناحين 
في لحظة الحرية ولرؤية العالم المبتسم الذي لا حدود له؟ وأجابت: نعم 
أعتقد أنني عاشقة». 

في الصباح التالي» طارت سارة منفردة. «ابتعد هنري صافمًا باب 
القمرة. وأدار السفينة لها. كانت وحيدة. ومرّت لحظة مسكرة» نسيت فيها 
كل ما سبق وتعلمته» عندما كان عليها أن تكيّف نفسها على أن تكون وحيدة» 
وحيدة تمامًا في القمرة المألوفة. لكنها بعد ذلك سحبت نفسًا عميقّاء وفجأةٌ 


الفصل الثاني: البطلة ربة المنزل السعيدة 59 
لها شعو مدهشن بالكفاءة تجلس فحطية وميصيمة: كانت وبحيدة! كان 
الوحيدة القادرة على الإجابة على أسئلتهاء وكانت وافية». 

«أستطيع القيام بذلك!» قالت لنفسها بصوت عال...هبّت الريح مرتدة 
عن الطوافات في خطوط متألقة» ثم بلا جهد رفعت السفينة نفسها بحريّة: 
وحلقت في الجوا. حتى أمها لا تستطيع منعها الآن من الحصول على 
شهادة الطيران. وهي ليست «خائفة من اكتشاف طريقي الخاص في الحياة». 
وابتسمت ذلك اليوم في سريرها ليلاء والنعاس يداعب عينيهاء متذكرةٌ كيف 
قال لها هنري: أنت فتاتي1. 

«فتاة هئري! ابتسمت. لاء لم تكن فتاة هنري. كانت سارة. وكان ذلك 
كافيًا. وبتلك البداية المتأخرة» سيمرٌ بعض الوقت قبل أن تعرف نفسها. 
وتساءلت» نصف حالمةء إذا كانت في نهاية ذلك الوقت ستحتاج إلى 
شخص آخر» ومن سیکون». 

وفجأة» تصبح الصورة مشوشة. تتردد المرأة الجديدة المحلقة حرّة 
في منتصف طيرانهاء ترتجف في ضوء الشمس الأزرق ذاك وتسرع عائدة 
إلى جدران البيت الدافئة. في السنة ذاتها التي حلّقت فيها سارة منفردة» 
طبعت لبديز هوم جورنال النموذج الأصلي لأناشيد الشكرء التي لا تعد 
ولا تحصى» عن «المهنة: ربة منزل» التي بدأت بالظهور في المجلات 
النسائية» أناشيد الشكر التى دوّى صوتها طا الخمسينيات. وف تبدأ عادةً 
بشكوى امرأة من أنها عندما تضطر لكتابة «ربة منزل» على ورقة الإحصاء. 
فإنها تصاب بعقدة نقص. («عندما أكتبهاء أدرك أن هذا هو مكانى: امرأة فى 
منتصف العمر» حاصلة على التعليم الجامعي» ولم أفعل ا بحاي أنا 
مجرذ زبة:مترل4). وبعد ذلك تنفج كاتة الأنشردة ضاحكة؛ وليب فاا 
تكون الكاتبة قط ربة منزل (هى فى هذه الحالة دوروثى ثوميسون (yط٤00۲0‏ 
0P۳‏ ")» صحافية و e‏ وكاتبة EE‏ شهيرة في ليديز هوم 
جورنال» آذار/ مارس1949). تقول موبّخة: مشكلتك أنك لا تدركين أنك 





60 اللغز الأنثوي 





خبيرة في عدد كبير من المهن في الوقت ذاته. «يمكنك أن تكتبي: مديرة 
أعمال أو طباخة أو ممرضة أو سائقة سيارة أو خياطة أو مصممة ديكور 
داخلي أو محاسبة أو متعهدة حفلات طعام أو معلمة أو سكرتيرة خاصة» 
ويمكنك أن تكتبي ببساطة: مُحسنة... فطوال حياتك كنت تمنحين طاقاتك 
ومهاراتك ومواهبك وخدماتك مقابل الحب». لكن ربة المنزل» مع ذلك» 
تشكو: لقد أوشكت على الخمسين» ولم أفعل ما تمنيت فعله وأنا شابة 
-الموسيقى-. لقد أضعت تعليمي الجامعي. 

ها..هاء تضحك الآنسة ثومبسون. أليس أولادك موسيقيون بفضلك؟ 
وخلال كل تلك السنوات من الصراعء التي كان زوجك في أثنائها ينهي 
عمله العظيم» ألم تحافظي على بيتك فاتنًا بثلاثة آلاف دولار في السنة؟ 
ألم تصنعي كل ملابس أولادك وملابسك الشخصية؟ ألم تضعي ورق 
الجدران في غرفة المعيشة بنفسك؟ ألم تراقبي الأسواق مثل صقر للقيام 
بصفقات رابحة؟ وفي الأوقات التي لا تكونين مشغولة فيها بكل ذلك 
ألم تنضدي مخطوطات زوجك» وتدققيها؟ ألم تنظمي حفلات لتعويض 
العجز في ميزانية الكنيسة؟ ألم تعزفي البيانو في ثنائيات مع أولادك لجعل 
التمرين أكثر متعة؟ ألم تقرئي كتب مدرستهم الثانوية لمتابعة دراستهم؟ 
وتشهق ربة المنزل: «لكن كل هذه الحياة كانت من أجل الآخرين أو من 
خلالهم»؛ فتسخر الآنسة ومبسون: «تمامًا مثل نابليون بونابرت أو مثل 
ملكة. أنا ببساطة أرفض أن أشاطرك شفقتك على ذاتك. أنت إحدى أكثر 
النساء اللواتي عرفتهن نجاخًا». 

أما فيما يخص عدم جني المال» فالجدل يدور على هذا النحو: دع ربة 
المنزل تحسب كلفة خدماتها. تستطيع النساء أن يوفرن من المال باستخدام 
مواهبهن الإدارية في البيت: أكثر مما يمكن أن يكسبن للبيت من العمل 
خارجًا. أن عن دميو رو المرأة نتف الملل الدى ةم اح ا 
المتزلى» فربما تكون عبقرية بعض النساء قد انحرفت» لكنّ «عالمًا مليئًا 


كه 





انفصل الثاني: البطلة رية المنزل السعيدة 61 


اسمس 


بالعبقرية الأنثوية. لكن ينقصه الأطفال. سينتهى بسرعة... للرجال العظماء 
بيات عظيمات». 1 

ويجري تذكير ربة المنزل الأمريكية أن البلدان الكاثوليكية في العصور 
الوسطى «رفعت مريم العذراء غير الواضحة إلى مرتبة ملكة السماء وبنت 
أجمل كاتدرائياتها ل'نوتردام.. سيدتنا". مدبرة المنزل» المربية» خالقة بيثة 
الأطفال هي التي تعيد دائمًا خلق الثقافة والحضارة والفضيلة. وبافتراض 
أنها تؤدي تلك المهمة الإدارية العظيمة والنشاط الخلاق» على نحو جيد» 
قدعوها تكتب بفخر أمام خانة المهنة: 'ربة منزل». 

في عام 1949ء نشرت مجلة ليديز هوم جورنال كتاب مارغريت ميد 
)Margaret Mead)‏ مذكر ومؤنث 17671216 200 1/216. ورددت جميع 
المجلات صدى كتاب فارنهام و لندبرع (Farnham and Lundberg)‏ المرأة 
العصرية: الجنس الضائع 56 1.056 ع1 Modern Women:‏ الذي ظهر 
في عام 1942 محذرًا من أن المهن والتعليم العالي كانأ يقودان إلى «إضفاء 
صفات ذكرية على النساء مع ما لذلك من عواقب خطيرة هائلة على البيت 
راعتماد الأطفال عليه وعلى قدرة المرأة» وكذلك زوجهاء على الحصول 
على الإشباع الجنسي». 

وهكذاء بدا .اللغر الأشوئ يشر عبر البلد.متعيسًا :على الزات 
القديمة والتقاليد المريحة التي تعطي الماضي سلطة مطلقة على المستقبل. 
وكانت خلف اللغز الجديد مفاهيم ونظريات مضللة في تكلفها وافتراضها 
لنحفيقة المقبولة. وكانت تلك النظريات» كما يُعتقد. معقدّة جدًا بحيث 
لم نكن مفهومة إلا لقلّة ممن أطلقوهاء وبالتالي لم يكن دحضها ممكنا. 
سيكون من الضروري اختراق جدار اللغز هذاء والنظر عن قرب إلى تلك 
المفاهيم المعقدة والحقائق المقبولة حتى نفهم تمامًا ما الذي جرى للنساء 
الأمريكيات. 


يقول اللغز الأنثوي إن أعظم قيمة للنساء والتزامهن الوحيد هو تحقيق 





62 اللغز الأنثوي 
أنوثتهن. ويقول إن أكبر خطأ في الثقافة الغربية» عبر معظم تاريخهاء هو 
بخس الأنوثة قيمتها. ويقول إن هذه الأنوثة غامضة وبديهية وقريبة من تكوين 
الحياة وأصلهاء اللذين قد لا يكون العلم البشري قادرًا على فهمهما. ولكن 
مهما تكن خاصة ومختلفة فهي ليست» بأي شكل من الأشكال» أدنى من 
طبيعة الرجلء بل إنها فى جوانب معينة قد تكون أعلى. والخطأء كما يقول 
اللغزء أصل مشاكل النساء في الماضيء هو أن النساء كنّ يحسدن الرجال» 
وأنهن كنّ يحاولن أن يتشبهن بالرجالء بدلا من قبول طبيعتهن الخاصة التي 
يمكن أن تجد الرضا من خلال السلبية الجنسية والهيمنة الذكرية وتغذية 
الحب الأمومي. 

لكن الصورة الجديدة» التي يعطيها هذا اللغز للنساء الأمريكيات» هي 
الصورة القديمة: «المهنة: 17 يجعل اللغز الجديد من الأمهات- 
ربات المنازلء اللواتي لم تكن لديهن أية فرصة بأن يكنّ أي شيء آخرء 
نموذجًا لجميع النساء وهو يفترض مسبقًا أن التاريخ قد وصل إلى نهاية 
أخيرة ومجيدة» هنا والآن» عندما يتعلق الأمر بالنساء. وتحت الزخارف 
الدقيقة» يحوّل ببساطة جوانب أسرية معينة ملموسة محددة من الوجود 
الأنثوي -على النحو الذي عاشته النساء اللواتي كانت حياتهن مقتصرة» 
بحكم الضرورة» على الطبخ والتنظيف والغسيل والحمل- إلى ديانة» إلى 
نمط يجب أن تعيش جميع النساء بموجبهء وإلا أنكرنٌ أنوثتهن. 

لم يكن لتحقق المرأة» كامرأة سوى تعريف واحد بالنسبة للنساء 
الأمريكيات بعد عام 1949. ألا وهو: الأم-ربة المنزل. وتبدّدت بسرعة الحلم 
صورة المرأة الأمريكية: الفرد المتغير النامي في عالم متغير. ونُسي طيرانها 
المنفرد» لتجد هويتها الخاصة في غمرة الاندفاع نحو الأمن الذي يحققه 
«الوجود معًا». وتقلص عالمهاء الذي لا حدود لهء إلى جدران البيت الدافئة. 

كان التحوّلء الذي انعكس فى صفحات المجلات النسائية» واضحًا 
بشدة في عام 1949» واستمر ف شتواك الخمسينيات. «الأنوثة تبدأ في 


الفصل الثاني: البطلة ربة المنزل السعيدة 63 





البيت»» «قد يكون عالم الرجل»» «أنجبي أطفالا وأنت شابة؛» ١كيف‏ 
توقعين ذكرًا في حبالك»» «هل يجب أن أتوقف عن العمل عندما نتزوج؟)» 
«هل تدربين ابنتك لتكون زوجة؟»» «مهن في البيت»» «هل ينبغي للنساء 
أن يتكلمن كثيرًا؟4» «لمَ يفضّل الجنود الأمريكيون الفتيات الألمانيات؟)» 
«ما الذي يمكن أن تتعلمه النساء من أمنا حواء؟»» «السياسة» عالم الرجال 
حقًا)» اكيف تتشم تتشبثين بزواج سعيد؟»» «لا تخافي من الزواج شابةٌ»» «الطبيب 
يتحدث عن الإرضاع الطبيعي»» «ولد طفلنا في البيت24) «الطبخ عندي مثل 
الشعر»» «عمل 3 تسیر آموز المنزل). 

مع نهاية عام 9 كانت لبطلة واحدة من أصل کل ثلاث في 
المجلات النسائية حياة مهنية» وكانت تُعرّض متخلية عن مهنتها ومكتشفة 
ان ما تيده فعا هو أن تكون ربة منزل. في عامي 8 و1959» قلبتٌ 
صفحات عدد تلو الآخر من أعداد المجلات النسائية الثلاث الرئيسية 
(كانت الرابعة» وومن هوم كومبانيون» قد توقفت عن الصدور) دون أن أجد 
بطلة واحدة لديها حياة مهنية أو التزام بأي عمل كان أو فن أو مهنة أو رسالة 
في العالم سوى «المهنة: ربة منزل». ومن بين مائة بطلة» كانت واحدة فقط 
امرأةَ عاملة؛ حتى البطلات الشابات غير المتزوجات لم يكن لديهن عمل 
سوى -اللهم!- تصيّد زوج 

تبدو تلك البطلات ربات المنازل السعيدات الجديدات أكثر شبابًا -على 
نحو غريب- من فتيات المهن المفعمات بالحيوية لسنوات الثلاثينيات 
والأربعينيات. ويبدو أنهن يصبحن أصغر طيلة الوقت» في نظراتهن» وفي 
ذلك النوع الطفولي من الاتكال. ليست لديهن أية فكرة عن المستقبل سوى 
(1) في الستينيات» بدأت تظهر, في المجلات النسائيةء بطلةٌ عرّضية ليست «ربة منزل سعيدة». 

ر ی كول ار «ننشر أحيانًا قصة غير مشدّد عليها من قيمتها 

في التسلية فقط». كتب نول كلاد (130© 32061) إحدى تلك القصص حسب الطلب 


لصالح مجلة Housekeeping‏ 0000 فى كانون الثانى/ يناير 1960» بعنوان «الرجال ضد 
النساء». وتكاد البطلة فى القصة. وهى صاحبة مهنة سعيدة» تفقد ابنها وزوجها. 





64 اللغز الأنثوي 
أن يكون لديهن طفل. الشخص الوحيد النامي النشيط في عالمهن هو الطفل. 
البطلات ربات المنازل شابات إلى الأبدء لأن صورتهن الخاصة تنتهي مع 
ولادة الطفل. مثل بيتر بان» يجب أن يبقين شابات» فيما يكبر أولادهن مع 
العالم. يجب أن يواظبن على إنجاب الأطفال. لأن اللغز الأنثوي يقول 
إن ليس أمام المرأة طريقًا آخر لتكون بطلة. فيما يلي حالة نموذجية من 
قصة عنوانها «صانعة الساندويتش» (مأخوذة من مجلة ليديز هوم جورنال» 
نيسان/ أبريل 1959). امرأةٌ» درست الاقتصاد المنزلي في الجامعة» وتعلمت 
كيف تطبخ» ولم تشغل وظيفة قط وما زالت تلعب دور العروس في ألعاب 
الأطفال على الرغم من أن لديها الآن ثلاثة أطفال. مشكلتها المال. «أوه. 
لا شيء يثير الملل مثل الضرائب أو الاتفاقات التجارية التبادلية أو برامج 
المساعدة الخارجية. أترك كل تلك الأمور الاقتصادية لممثلي المنتخب 
دستوريًا في واشنطن» كان الرب في عونه». 

المشكلة هي مخصصها البالغ 42.10 دولارًا. وهي تكره أن تضطر إلى 
طلب المال من زوجها في كل مرة تحتاج فيها فيها إلى N‏ 
لا يثق بفتح حساب باسمهاء يتيح لها الشراء على الحساب. «أوه» كم أتمنى 
أن يكون لدي قليل من المال الخاص بي! لا أحناج الكثير. بضع مئات في 
السنة ستفي بالغرض. ما يكفي فحسب للقاء صديقة على الغداء من حين 
لآخرء لأدلل نفسي بالتبذير على جوارب ملونة» بعض الأمور الصغيرة» 
دون أن أكون مضطرة إلى التماس ذلك من تشارلي. لكن» واحسرتاه! كان 
تشارلي على حق؛ لم أكسب دولارًا واحدًا في حياتي» ولا فكرة لدي عن 
كيفية جني المال. وهكذا فكل ما فعلته» زمئًا طويلاء هو التفكير في أمور غير 
سارة: فيما أستمر في الطبخ والتنظيف والطبخ والغسيل والكي والطبخ». 

وأخيدا جاء الحل: ستستلم طلبيات ساندويتش من رجال آخرين في 
معمل زوجها. وهي تكسب 52.50 دولارًا في الأسبوع. باستفناء أنها 
تنسى أن تحسب التكاليف. ولا تتذكر كم يبلغ الإجمالي, وبالتالي تضطر 





الفصل الثاني: البطلة ربة المنزل السعيدة 65 
إلى إخفاء 8640 كيس ساندويتش خلف الفرن. يقول تشارلي إنها تصنع 
الساندويتشات بفخامة مبالغ فيها. فتشرح هي الأمر: «لو كان الأمر مجرد 
لحم الخنزير أو الجاودار» لكنت مجرد صانعة ساندويتش» ولست مهتمة 
بذلك. أما الأمور الإضافية» اللمسات الخاصة.. ف.. حستًا» هي التي تجعل 
الأمر إبداعيّاء على نحو ما". وبالتالي فهي تقطع» وتغلف, وتقشّرء وتغلق» 
وتنشر الخبزء تبدأ عند الفجرء ولا تنتهي أبدًا مقابل 9 دولارات صافيةء 
تعمل حتى تتقزز من رائحة الطعام» ومن ثم تترنّح نازلة» بعد ليلة بلا نوم» 
حتى تقطع سجق السلامي في شرائح لعلب الغداء الثمانية الفاغرة أفواهها. 
«كان ذلك كثيرًا جدًا. انهار تشارلى عند ذلك بالضبط» وبعد نظرة خاطفة 
علي» أسرع لتناول كأس من الماء». تدرك أنها ستنجب طقلا آخر. 

«كانت أول كلمات مترابطة قالها تشارلي: ”سألغي طلبيات الغداء 
التي تعدّينها. أنت أم. هذا هو عملك. ليس عليك أن تكسبي المال أيضًا". 
كان كل شيء بسيطا على نحو جميل جدًا! وتمتمت: حاضر» يا رئيس“ 
بطاعة وإحساس بالراحة» بصراحة». في تلك الليلة» جاءها بدفتر شيكات» 
وائتمنها حساب مشترك. وهكذاء تقرر أن تبقى هادئة بخصوص 
أكياس الساندويتش ال 8640. على أية حال» ستستخدمها كلها في إعداد 
السأندويتش 0 أولادء لأخذها | إلى المدرسة. من الآن وحتى يكون 
أصغرهم سنا قد أصبح جاهرًا لدخول الجامعة. 

فت الطريق عن مثارة والظائرة الجر إلى اة الساندويتش في 
عشر سنوات فقط. تبدو صورة المرأة الأمريكية» في هذه السنوات العشرء 
وكأنها قد عانت من انقسام فصامي. وهذا الانقسام في الصورة يمضي أبعد 
بكثير من الإلغاء الهمجي للمهنة من أحلام النساء. 

في رف ساق غلل للق كانت سور لر اة اها ت إن م 
المرأة الطاهرة الطيّبة على قاعدة التمثال» والبغي التي تتبع رغبات الجسد. 
لكنّ الانقسام في الصورة الجديدة يفتح شقًا مختلقًا: بين المرأة الأنثوية» 


66 اللفز الأنثوي 
التي تشمل طيبتها رغبات الجسدء والمرأة المهنية» التى يشمل إثمها كل 
رغبة من رغبات الذات المستقلة. وقصة الأخلاق الأنشوية الجديدة هي 
طرد شبح الحلم المحرم بحياة مهنيةء انتصار البطلة على ميفيستوفيليس: 
الشيطان» أولا على شكل المرأة المهنية التي تهدد بخطف زوج البطلة 
أو ابنهاء وثانيًا الشيطان داخل البطلة ذاتهاء حلم الاستقلالية وعدم رضى 
الروح» بل الشعور بهوية مستقلة» الذي يجب طرده من أجل الفوز بحب 
الزوج والابن والمحافظة عليه. 

في قصة منشورة في مجلة ريدبوك في تشرين الثاني/ نوفمبر 1957» 
بعنوان «الرجل الذي تصرّف مثل زوج». تتلقى البطلة -التي تشبه دمية 
الأطفال» وهي «فتاة صغيرة سمراء منمشة الوجه» لقبها #جونيور»- زيارة 
من زميلتها القديمة في السكن أيام الجامعة. زميلة السكن هذه» وأسمها 
كاي» «فتاةٌ رجل حمّاء لديها قدرات طبيعية جيدة للقيام بالأعمال... كان 
شعرها الملمع بون باذنجاني مرفوعًا بأناقة» وقد ثبت بعودين مثل الأعواد 
التي يتناول فيها الصينيون الرز'. ليست كاي مطلقة وحسب» بل وتركت 
ابنها لدى جدته» لتعمل في التلفزيون. تغري هذه المرأة المهنية الشيطانية 
جونيور بفتنة الحصول على عملء لتبعدها عن الإرضاع الطبيعي لطفلها. 
حتى أنها تمنع الأم الشابة من الذهاب إلى طفلتها عندما تبكي في الساعة 
الثانية صباحًا. لكنها تنال عقوبتها عندما يكتشف جورج -زوجها- الطفل 
الباكي غير مغطى» وريح باردة جدًا.تدخل من نافذة مفتوحةء والدم يسيل 
على وجنته. تغيب كاي» المُصلّحة والتائبة» عن عملهاء لتذهب» وتأخذ 
ابنهاء وتبدأ الحياة من جديد. أما جونيور المتأملة بحبور في إرضاع الثانية 
صباحًا -«أنا سعيدة.. سعيدة.. سعيدة أنني ربة منزل ولا شيء آخر؟- فتبدأ 
تحلم بطفلتها تكبر لتصبح ربة منزل هي الأخرى. 

بعد أن أزيحت المرأة المهنية من الطريق» أصبحت ربة المنزل» التي 
لديها اهتمامات بالمجتمع. هي الشيطان الذي يجب طرده. حتى اجتماعات 


الفصل الثاني: البطلة رية المنزل السعيدة 3 67 
أولياء الأمور والمعلمين قد تحتمل معنى مشكوكًا فيه» هذا حتى لا نذكر 
الاهتمام بقضية دولية ما (انظر: مقالة بعنوان «ما يشبه علاقة حب» 151056لىم 
Air‏ 1006 2» في مجلة ماك كول في تشرين الثاني/ نوفمبر 1955). ربة 
المنزل» التي لديها ببساطة عقلها الخاص» هي أيضًا التي يجب التخلص 
منها. تتحدث قصة «لم أرد إخبارك» Didn't Want 10 Tell You‏ 1 -المنشورة 
في ماك كول في كانون الثاني/ يناير 1958- عن زوجة تقوم بترصيد دفتر 
شيكاتها بنفسهاء وتناقش زوجها حول تفصيل أسري صغير. وتتطور القصة 
بأن تفقد زوجها لصالح «أرملة صغيرة لا حول لها ولا قوة»؛ فتنتها الوحيدة 

هي أنها لا تستطيع أن «تفكر بوضوح » في بوليصة التأمين أو الرهن. تقول 
الزوجة المخدوعة: «لا بد أنها تتمبّع تتممّع بجاذبية جنسية» وأي سلاح في يد 
ا ال تقول لها: «إنك تبشطين الأمر كثيرًا. 
أنت تنسين إلى أي مدى يمكن أن تكون تانيا عاجزة وممتنة للرجل الذي 
يساعدها...). 

تقول الزوجة: «ما كان بإمكاني أن أكون عريشة متسلقة حتى لو حاولت. 
حصلت على عمل أفضل من المتوسط بعد أن غادرت الكلية» وكنت دائمًا 
شخصًا مستقلا تمامًا. أنا لست امرأة صغيرة عاجزةء ولا أستطيع الادعاء أنني 
كذلك». لكنها تتعلم» تلك الليلة. تسمع ضجة قد تكون صادرة عن لص؛ 
وعلى الرغم من معرفتها أنه مجرد فأر» فإنها تتصل بعجز بزوجها وتسترده. 
وفيم هو يهدئ روعها المزعوم» تهمس هي بأنه. بالطبع» كان على حق في 
نقاشهما ذلك الصباح. «تستلقي ساكنة في السرير الناعم» مبتسمة بعذوبة 
ورضا سرّي وبالكاد تشعر بالذنب». 

نهاية الطريق» بالمعنىٍ الحرفي 5 تقريباء هي غياب البطلة كذات مستقلة 
وكموضوع لقصتها معًا. نهاية القصة هي الوجود معًاء حيث ليس للمرأة 
ذات مستقلة لتخفيها حتى مع شعور بالإثم» فهي لا توجد إلا من أجل 
زوجها وأولادها ومن خلالهم. 


68 اللفز الأنثوي 





قبض المعلنون والكهان ومحرّرو الصحف بجشع على مفهوم «الوجود 
معاا الذي ابتكره ناشرو مجلة ماك کول في عام 1954 كحركة للأهمية 
الروحية. ورفع لفترة من الزمن إلى مستوى الهدف الوطني فعليًا. لكنء 
بسرعة شديدة ظهر نقد اجتماعي حاد ونكات مَرَة حول «الوجود معًا» 
كبديل للأهداف الإنسانية الأكبر» ولكن بالنسبة للرجال فقط؛ حيث اتهمت 
النساء بجعل أزواجهن يقومون بالعمل المنزلي بدلا من تركهم يستكشفون 
الأمة والعالم. وطرح سؤال: لم ينبغي على الرجالء الذين يتمتعون بقدرات 
رجال الدولة وعلماء الإنسان والفيزيائيين والشعراء أن يغسلوا الأطباق» 
ويحفضوا الأطفال في أماسي أيام الأسبوع العادية أو في صباحات أيام 
السبت» عوض أن يستخدموا هذه الساعات الإضافية لإنجاز التزامات أكبر 
لمجتمعهم؟ 

من الأهمية بمكان أن نذكر أن النقاد لم يمتعضوا إلا لاه اتس 
الرجال أن يشاركوا «عالم النساء». وقلة فقط وضعت حدود عالم النساء 
ذاك موضع التساؤل. ويبدو أن أحدًا لم يتذكر أنه كان ذات يوم يظنْ أن 
النساء يمتلكن قدرة رجال الدولة والفيزيائيين والشعراء ورؤيتهم. وقلة فقط 
رأت كذبة «الوجود معًا» الكبيرة على النساء. 

فكروا في عدد عيد الفصح لعام 1954 من مجلة ماك كول التي أعلنت 
عصر الوجود معًا الجديد. تالية قداس الجنازة على الأيام التي حاربت 
النساء فيها من أجل المساواة السياسية» والمجلات النسائية «ساعدتك في 
شى مجالات واسعة للعيش كانت فيما مضى محرّمة على جنسك». الطريقة 
الجديدة في الحياة» التي «تتزوج فيها أعداد متزايدة باضطراد من الرجال 
والنساء في عمر مبكر» وتنجب الأطفال في عمر مبكر» وتنشئ عائلات أكبر» 
وتحصل على أعمق رضاها» من بيوتهم» هي الطريقة التي «ينجز الرجال 
والنساء والأطفال معا... له النساء وحدهن» أو الرجال وحدهم» منعزلين 
بعضهم عن البعض الآخرء بل كعائلة» مشتركين في تجربة مشتركة». 


الفصل الثاني: البطلة رية المنزل السعيدة 69 

عنوان المقالة المصورة» التى تفصّل تلك الطريقة فى الحياة» هو 
«مكان الرجل في البيت». وهي تصف زوجين من نيوجرسي» لديهما ثلائثة 
أولاد في بيت خشبي رمادي اللون من طابقين» على أن تلك هي الصورة 
والمثال الجديدان. لقد جعل إد وكارول «أولادهما وبيتهما مركز حياتهما 
بالكامل تقريبًا». ويُقَدّمان لنا وهما يتسوقان معّاء ويقومان بأعمال النجارة 
معاء ويلبسان الأولاد معًاء ويعدان الفطور معًا. «ثم ينضمّ إد إلى أعضاء 
مجموعته فى السيارة» ويتجه نحو المكتب). 

يختار الزوج إد نظام الألوان للمنزل» ويتخذ القرارات الرئيسية المتعلقة 
بالديكور. وهناك قائمة بالأعمال اليومية التى يحبها: جولة حول البيت» 
ترتيب الأشياء» الدهان» اختيار الأثاث والسجاد والستائرء تجفيف الصحون. 
القراءة للأولاد وأخذهم إلى السريرء العمل في الحديقةء إطعام الأولاد 
وإلباسهم وتحميمهم» حضور اجتماعات جمعية أولياء الأمور والمعلمين» 
الطبخ» شراء الملابس لزوجته وشراء الحاجات من عند السمان. 

لكنّ إد لا يحب الأمور التالية: نفض الغبار» التنظيف بالمكنسة 
الكهربائية» إنهاء الأعمال التى بدأهاء تعليق الستائرء غسل القدور 
والمقلايات والصحون, تنظيف المكان بعد الأطفال» جرف الثلج. جر 
العشب من المرجة» تغيير البياضات» أخذ جليسة الأطفال إلى البيت» 
الغسيل؛ الكي. وإد بالطبع لا يقوم بهذه الأشياء. 

لمصلحة كل فرد في العائلة تحتاج العائلة إلى رأس. وهذا يعني الأب وليس 

الأم... ويجب أن يتعلم الأولاد من الجنسين قدرات كل جنس ووظائفه. 

وبقدّروهاء ويحترموها... إنه ليس مجرّد أمّ بديلة: على الرغم من أنه جاهز 

ومستعد للقيام بحصته في تحميم الأولاد وإطعامهم وإراحتهم ولعبهم. إنه 

حلقة وصل مع العالم الخارجي الذي يعمل فيه. فإذا كان في ذلك العالم مهتمًا 

وشجاعًا ومتسامحًا وبناءًا. فسينقل تلك القيم إلى أبنائه. 

عُقدت اجتماعات تحريرية مكروبة كثيرة في مجلة ماك كول في تلك 
الايام. «فجأة أخذ الجميع يفتشون عن المعنى الروحي في الوجود معًا 





70 اللغز الأنثوي 


متوقعين منا أن نخرج بحركة دينية غامضة ما من تلك الحياة التي كان 
الجميع يعيشونها خلال السنوات الخمس الماضية كالزحف إلى البيت 
وإدارة ظهورنا للعالم» لكننا لم نستطع أبدًا أن نجد طريقة لإظهاره إلا 
وكانت جحيمًا من السأم»؛ حسبما يتذكر محرّر سابق في ماك كول. «كان 
الأمر ينتهي دائمًا إلى: رائع.. رائع.. رائع.. أبي في الحديقة يقوم بالشواء. 
كنا نضع رجالا في الصور المخصصة للأزياء وللطعام وحتى للعطر. لكن 
كان ذلك يخنقنا تحريريًا». 

«كانت لدينا مقالات كتبها أطباء نفسيون» ولم نتمكن من استخدامهاء 
لأنهم كانوا يعبرون عن الموضوع بصراحة تامة: كل هؤلاء الأزواج يضعون 
كامل وزنهم على أولادهم. لكن ما الذي يمكن أن تفعله بالوجود معًا غير 
رعاية الأولاد؟ كنا ممتنين» على نحو مؤثرء لرؤية أي شىء آخر يمكن أن 
نقدّم فيه أبَا مُصوّرًا مع أم. كنا أحيانا نتساءل: ما الذي مده للنساء إذا 
ول الرجال القيام بالديكور والعناية بالأطفال والطبخ وجميع الأشياء التي 
كانت من نصيبها وحدها. لكننا لم نتمكن من تقديم نساء يخرجن من البيت» 
ويحصلن على مهنة. السخرية هي أن ما أردنا القيام به هو التوقف عن تحرير 
الصحف للنساءء كنساء. وأن نحررها للرجال والنساء معًا. أردنا أن نحرّرها 
للناس» لا للنساء». 

لكن هل تستطيع النساء الممنوعات من الانضمام إلى الرجال أن يكن أناسًا؟ 
وممنوعات من الاستقلالية» تبتلعهن فى النهاية صورة ذلك الاتكال السلبى إلى 
حد أنهن يردن من الرجال أن يتخذوا القرارات حتى في المنزل. يكشف الوهم 
المسعور» بأن الوجود معًا يمكن أن يمنح محتوى روحيًا لسأم الرتابة المنزلية 
والحاجة إلى حركة دينية للتعويض عن انعدام الهوية» مقدار خسارة النساء 
وخواء الصورة. هل يمكن لجعل الرجال يشاركون في العمل المنزلي أن يعض 
النساء عن خسارة العالم؟ هل يمكن لتنظيف أرضية غرفة المعيشة معًا بالمكنسة 
الكهربائية أن يعطي ربة المنزل هدفا ما جديدًا غامضًا في الحياة؟ 








الفصل الثاني: : البطلة ربة المنزل السعيدة 71 





فى عام 01956 في ذروة الوجود معّاء نشر المحررون الضجرون في 
ماك ل مقالة صغيرة بعنوان «الأم التي هربت» The Mother Who Ran‏ 
بروبوث.. ولدهشتهمء اجتذبت من القڙاء عددًا أكبر هن ع أية مقالة أخرى سبق 
نشوهأ. قال محرّر سابق: «كانت لحظة الحقيقة لنا. أدركنا فجأة أن تلك 
النساء في بيوتهن مع ثلاثة أطفال ونصف هن تعيسات على نحو بائس» 

لكن بحلول ذلك الوقت» كانت الصورة الجديدة للمرأة الأمريكية 
«المهنة: ربة منزل» قد تصلّبت في لغز لا يقبل الجدل ولا يسمح بأي سؤال 
مشكلا الواقع نفسه الذي شوهه. 


ومع حلول الوقت الذي بدأتٌ فيه الكتابة للمجلات النسائية في 


التفسياة: كان أمرًا مفروعًا منه بين المحررين» ومقبولا كحقيقة ثابتة 
من حقائق الحياة بين الكتاب» أن النساء لم يكن لديهن اهتمام بالسياسة أو 
بالحياة خارج الولايات المتحدة أو بالقضايا الوطنية أو بالفن أو بالعلم أو 
بالأفكار أو بالمغامرة أو بالتعليم أو حتى بمجتمعاتهن المحلية» إلا حيث 
يمكن بيعهن عن طريق عواطفهن كزوجات وأمهات. 

أصبحت السياسة للنساء هي ملابس مامي والحياة الأسرية لآل نيكسون. 
وخارج الضمير وبشعور بالواجب» قد تنشر ليديز هوم جورنال سلسلة من 
مثل «تقدم الحاج السياسي»' تظهر النساء» وهنّ يحاولن تحسين مدارس 
أبنائهن وملاعبهم. لكن» حتى مقاربة السياسة من خلال حب الأم لم تكن 
فعلا تهم النساء» قذلك اهتمام بالمهنة. عرف الجميع نسب القرّاء تلك. 
حاول أحد المحررين في ريدبوك» على نحو إبداعي» أن ينزل القنبلة إلى 
المسترى الأنثوي عن طريق إظهار انفعالات زوجة أبحر زوجها إلى منطقة 


ووافق على كلامه ال لرجال الذين كانو! يحررون المجلات النسائية 








«Political Pilgrims Progress (1?‏ حيث Pilgrim's Progress‏ رواية رمزية للكاتب 


نيزي جون بنيان (۷۸صا8 هأ10)» نشرت عام 18 76. 





72 اللغز الأنثوي 


الجماهيرية: «لا تستطيع النساء أخذ فكرة أو قضية ما على نحو صرف. 
تجب ترجمتها في مصطلحات يمكنهن فهمها كنساء». لقد فهم أولئك 
الذين كانوا يكتبون للمجلات النسائية هذا جِيدّاء حتى أن خبيرًا ذ ا 
الطبيعية أرجل الما ا رائدة ا يتات اكيب ادي م فى 
بلجا د القتابل"الترية». ,وأخيرتئ اعد المحروين: أن والمقالة لم يكن 
مكتوبة جيدّاء وإلا لكنا ربما اشتريناهاه. حسب اللغزء قد تهتم النساء» في 
أنوثتهن الغامضةء بالتفاصيل البيولوجية الملموسة لإنجاب طفل في ملجأ 
ضد القنابل» لكنّ الفكرة المجردة عن قدرة القنبلة على تدمير الجنس 
البشري لا تهمهنٌّ قط. 

تصبح مثل هذه القناعة» بالطبع» نبوءة عن التحقق الذاتي. ففي عام 
0 أراني عالم نفس اجتماعي متبصر بعض الإحصاءات الحزينة التي 
بدت وكأنها تبت Ta‏ يات» تحت سن 
الخامسة والثلاثين» لا يهتممن بالسياسة. «قد يتمتعن بحق التصويت» لكنهن 
ال ا 
مقالة سياسيةء فلن يقرأنها. يجب أن تترجميها إلى مسائل يمكنهن فهمها: 
رومانسية» حمل» حضانة» أثاث منزلي» ملابس. انشري مقالة عن الاقتصاد 
أو المسألة العرقية أو الحقوق المدنية» وستظنين أن النساء لم يسمعن بهذه 
الأمور قط». 

ربما لم يسمعن بها. الأفكار ليست مثل غرائز الدم التي تقفز إلى 
الذهن سليمة لم يمسها أحد. الأفكار تنتقل عن طريق التعليم» عن طريق 
الكلمة المطبوعة. وربّات المنازل الشابات الجديدات» اللواتى يتركن 
المدرسة الثانوية أو الجامعة ليتزوجن» لا يقرأن الكتب» كماتقول الو 
السيكولوجية. يقرأن المجلات فقط. والمجلات اليوم تفترض أن النساء 
لا يهتممن بالأفكار. لكن عند عودتي | لى المجلدات في المكتبةء وجدت 
أن المجلات واسعة الانتشار في الثلاثينيات والأربعينيات» من مثل ليديز 


الفحسل الثاني: البطلة ربة المنزل السعيدة 73 


سس 


هوم جورنال» تضمنت مئات المقالات حول العالم خارج المنزل. «أول 
قصة داخلية عن العلاقات الدبلوماسية الأمريكية قبل الحرب المعلنة»؛ 
«هل تستطيع الولايات المتحدة أن تعيش بسلام بعد هذه الحرب؟1 بقلم 
وولتر ليبمان (8هقدهمم1] :11/2116)؟ «ستالين عند منتصف الليل» بقلم 
هارولد ستاسن (5135568 1185010)؛ «تقریر الجنرال ستيلويل (1اع501) 
عن الصين»؛ مقالات عن الأيام الأخيرة لتشيكوسلوفاكيا بقلم فنسن 
شان («قععط5 أموءد15)؛ اضطهاد اليهود فى ألمانيا؛ الخطة الاقتصادية 
البجديدة؛ رواية كارل ساندبرغ 00 امة")) عن اغتيال لینکولن؛ 
قصص فوكنر (16065نا1) عن الميسيسيبى؛ ومعركة مارغريت ساني 2 
(Margaret Sanger)‏ من أجل تحديد اا 
في الخمسينيات» لم يطبعوا فعليًا أية مقالات إلا تلك التي تخدم 
النساء بوصفهن ربّات منازل» أو تصفهن كربّات منازل» أو تسمح بالتعريف 
الأثثوي البحت» من مثل دوقة ويندسور أو الأميرة مارغريت. قال لي أحد 
محرري ليديز هوم جورنال: «لو حصلنا على مقالة عن امرأة تقوم بشيء 
مغامر. شيء غير مألوف. شيء لذاتهاء فأنت تعرفين» سنعتبر أنها لابدٌ أن 
تكون عدوانية بشكل مرعب» عُصابية». ما كان لمارغريت سانغر أن تجد 
طريقًا إلى المجلات اليوم. 
في عام 1960» رأيتٌ إحصائيات تبيّن أن النساء اللواتي أعمارهن أقل 
دن خمسة وثلاثين عامًا لم يتمكنّ من التماثل مع بطلة قصة جريئة؛ كانت 
)اه :Ne«‏ مجموعة سياسات اقتصادية إصلاحية وضعتها إدارة الرئيس الأمريكي 
فرانكلين روزفلت في الثلاثينيات - المترجم 
Margret Sane )2(‏ مارغرت سانغر (1879 - 1966): مصبلحة اجتماعية وناشطة 
في مجال تحديد النسل وتطوير وسائل منع الحمل. وتُعتَبّر مساهمة أساسية في نشر 
مصسطلح اهمه ۲1ط (معناه الحرفي التحكم في الولادة» والكلمة تطلق على تحديد 
النسل كمفهوم» وعلى وسائل منع الحمل)ء كما ساهمت جهودها في إقرار القوانين التي 
تسمح بتصنيع وبيع وسائل منع الحمل - الناشر. 








4 اللفز الأنثوي 


TANE aa NE gii 3‏ 4 عه ف 
تعس فى كاه إعالانات»؟ عو اشنعثك قناها بانششاء والقتان من أجل مبادته في 


المدينة انكبيرة بدلا من الهرب إلى بلدته» إلى أمان العمل العائلى. كما 


م ھک ات دل ذال ال انات الیل ایت - التماء أ 
لم مجن ر نت الجازن الشابات الجديدات تذك من ' إن مع كاهن 


شاب بتصرف وف قناعته دفاعًاً عن الأعراف. لكنهنٌ لم يجدن أية مشكلة 


ف التمائ مع شان :صيب بالشنأ , في الثأمنة عشر ة. («أستعدت وعبي» 


0 
1 


و کته ني نم أكن قاد أ على الحركة أو الكلام. تمكنت من هز إصبع 
ماحل في أحدى, يدي“ . کنن 1 بمساعدة الإيمات و طب طبيب نفسو 2 الأجد الآن 


اساب الأعيش قدر الامكان»). 

هل تدل قدرة القارئات ربات المنازل الجديدات -والتي يشهدها أي 
محررء على أن يتمائل: ن تماما مع ضحايا العمى والطرش اتوه التقستدى 
والشلل الدماغي والشلل الجسدي والسرطان والموت المقترب- على 
شيء؟ كانت تلك المقالات عن أشخاص لا يستطيعون الرؤية أو الكلام 


ع 


أو الحركة ا ت دائمة في المجلات النسائية في فترة «المهنة: ربة 


منزل». كانت تروی» مرة تلو المرة» بتفاصيل واقعية لا نهاية لهاء لتحل 
محل المقالات المتعلقة بالوطن والعالم والأفكار والقضايا والفن والعلم» 
وان امن ,التي تدور عن النسا لنساء الجسورات المغامرات. وسواء 
كان الضحية رجلا أو امرأة ظا وسو اء كانت المعاناة إصابة بمرض 


الس طان أو شل زاحفاء فإن القا: رئة ربة المنزل تستطيع أن تتماثل معه. 


ب 


ان المح او خلال كدابتى لعلف ١‏ لمجلات: يذكرونئ دائما أن 
“ب .1 3 ave 2 5 8 َ NE‏ ياو 2 
” اء بحسا أن يتوأنان '. :ردت مرة أن أكتب مقالة عن فانة. وهكذا 
2 پو ن : 


8 - 


كتبت عن طبخها وذهابها إلى السوق وحبها لزوجها ورسم مهد لطفلها. 
Da‏ 


ردم cad‏ 1 اي عم ا د 1 
عا علن أن “شع حا اسناعات انتي تصلها نر سم الصورء عملها الجاد.. 


0- 


1 0 - fr SH 
بالط بقرت التي كانت تشع بها تجاهه. كنت تستطيعين» أحيانا: أن تنصر في‎ 


0 و 38 0 E‏ إو ٠ 5 f‏ 5 5 
إلى ألكتابة عن أمرأة ليست فعليًا ربة اسرة» إذا جعلتها تبدو مثل ربة أسرة» 


ذا و ضعت حال التزامها بالعائم خارج المنزل» او إل رؤية الخاصة لعقلها 


الفصل الثاني: البطلة ربة المنزل السعيدة 0 





أو روحهاء والتي تسعى وراءها. : فى شباط عام 1949 نشت ليديز هوم 
جورنال مقَالا رئيسيًا بعنوان 5 شاعرة»» تظهر فيه إدنا سانت فتسنت 
ميلاي وهي تطبخ. «لا أتوقع الآن أن أسمع المزيد عن أن العمل المناني 
غير جدير بأحدء لأنه إذا كانت إحدى أعظم شاعرات عصرناء دكا عص 
تستطيع أن تجد الجمال في مهمات المنزل البسيطة. فهذه نهاية لحلاف 
القديم». 
كانت «المرأة المهنية» الوحيدة المرخب بها دأئما عبى صفيحات 

المجلات النسائية هي الممثلة. لكنّ صورتها أيضًا خضعت لتغيير ملحو ظ: 
من فرد مركب من طبع ناري وعمق داخلي ومزيج تغزي من الروح 
ا إل وكوي سني اروس رويط ظفل ادر ا ل. فكروا في 
غريتا غاربو» على سبيل المثال» ومارلين ديتريش وبيت ديفيس ا 
رسيل وكاترين هيبورن. ثم فكروا في مارلين مونرو وديبي رينولدز وبريجيت 
باردو و«أنا أحب لوسي» 

عندما كنت تكتبين عن ممثلة لمجلة نسائية» كنت تكتيين عنها بوصفها ربّة 
منزل . لم تكوني لتظهريها قط : افو يزيا قدا a‏ 

في النهاية ثمن ذلك خسارة زوجها أو ابنهاء أو بالعكس الاعتراف بالفشل 
كامرأة. وصفت لمحة شخصية عن جودي هوليداي (¥هلا! ام١٣‏ :100) في 
مجلة ريدبوك في حزيران/ يونيو 1957 كيف أنْ «أمرأة لامعة بدأت تجد في 
عمنها الفرح ح الذي لم تجده قط في حياتها ». يقال لتا انها تأعب على اإشاشة 
البحرار رة وإقتاع دور زوجة ة ناضجة وذكية وأم حامل دوہ لا بش ۾ ڏو شيء 
حاولت القيام به من قبل». يجب أن تجذ التحقق في مهنتهاء لأنها مطلقة من 
زوجهاء ولديها «مشاعر قوية بالقصور كامرأة... إنها سخرية محبطة في س اة 
جوديء وهي أنها نجحت كممثلة دون جهد كبيرء لكنها فشلت كامرأة...». 

دعن لمر يها کی ا و ا اا ی مهار اكد ا 
النسائية أو أي التزام ار المنزلء كانت نسبة النساء الأمريكيات العاملات 


76 اللغز الأنثوي 
خارج المنزل تزداد لتصل إلى واحدة من كل ثلاثة. صحيح أنْ اثنتين من كل 
ثلاث نساء كن ربات منازل» ولكن لماذا في اللحظة» e‏ 
أبواب العالم أمام كل النساءء يجب أن ينكر اللغز الأحلام ذاتها التي حركت 
النساء على مدى قرن؟ 

وجدت إشارة إلى ذلك ذات صباح. كنت جالسة في مكتب محررة 
مجلة نسائية» امرأة أكبر مني سنّاء تتذكر الأيام التي كانت الصورة القديمة 
تتكوّن فيهاء وقد راقبث تلك الصورة وهي تستبدل. تكوّنت الصورة القديمة 
للفتاة المهنية الجريئة» إلى حد كبير» على يد كاتبات ومحرراتء كما قالت 
لي. أما الصورة الجديدة للمرأة كربّة منزل-أم فقد تكوّنت وإلى حد كبير 
على يد کتاب ومحررين من الرجال. 

قالت بشي من الحنين: «كانت معظم المواد تأتي من كاتبات. وعندما 
عاد الشباب من الحرب» انسحبت كاتبات كثيرات من الميدان. بدأت 
النساء الشابات ينجبن الكثير من الأولادء وتوقفن عن الكتابة. كان جميع 
الكتاب الجدد رجالاء وقد عادوا من الحرب حالمين بحياة أسرية دافثة». 
وأخذت البطلات «المهنيات» المرحات يتقاعدن واحدة تلو الأخرى. ومع 
نهاية الأربعينيات» كانت الكاتبات» اللواتي لم يتمكنّ من اكتساب براعة 
الكتابة في الصورة الجديدة لربة المنزل» قد ثركن مجال المجلات النسائية. 
آنا ترم اللات الجدة اوا وکت :رشع اء فط هه 
الكتابة» براحة» وفق صيغة ربة المنزل. بدأ أشخاص آخرون يتجمعون وراء 
الكواليس في المجلات النسائية: كان هناك نوع جديد من الكاتبات اللواتي 
يعشن في صورة ربة المنزل» أو يدّعين ذلك وكان هناك نوع جديد من 
المحررات أو الناشرات» لم يكن اهتمامهن بالأفكار للوصول إلى عقول 
النساء وقلوبهن يرقى إلى مستوى اهتمامهن ببيع الأشياء التي ته أصحاب 
الإعلانات: أجهزةء منظفات, أقلام حمرة. واليوم» يشكل الرجال الصوت 
المقرّر في معظم هذه المجلات. غالبًا ما تنقذ النساء الصيغ؛ تحرر النساء 





رفصل الثاني: البطلة رية المنزل السعيدة 77 
أقسام «خدمات» ربة المنزلء أما الصيغ نفسهاء التي فرضت صورة ربة 
المنزل الجديدة» فهي نتاج عقول الرجال. 

وكذلك» فقد اختفى من المجلات النسائية الجماهيرية» خلال 
الأربعينيات والخمسينيات» كتاب الروايات الجادون من الجنسين. فى 
اله اعدف اروا امن آنه و ا هونا ينوع مات رمن 
المقالات. ولم تعد المقالات القديمة التي تدور حول قضايا أو أفكار 
بالمقالات الرئيسية «الخدمية» الجديدة. كانت هذه المقالات أحياناء تبدد 
البراعة الفنية لشعر مراسل صحفى متحمس وصدقه على إعداد الفطائر 
الشيفونية أو شراء الغسالات أو اکا التى يمكن أن يفعلها الدهان 
لغرفة المعيشة أو النظام الغذائي والأدوية والألبسة وأدوات التجميل 
لتحويل الجسم إلى آية في الجمال الجسدي. وكانت أحيانًا تعالج أفكارًا 
دقيقة جدًا: آخر التطورات في الطب النفسي» علم نفس الطفل» الجنس 
والزواج» الطب. كان هناك افتراض بأن القارئات يمكن أن يستوعبن هذه 
الأفكار التى تناسب احتياجاتهن كزوجات وأمهات» لكن فقط إذا بُسَّطت 
إلى تفاصيل مادية ملموسةء وتمّ التعبير عنها بمصطلحات الحياة اليومية لربة 
منزل عادية مع أوامر ونواهي ملموسة. كيف تبقين زوجك سعيدًا؛ كيف 
تحلين مشكلة تبوّل طفلك في سريره؛ كيف تبعدين الموت عن صيدليتك 
المتزلية... ْ 

ولكن ها هنا شيء مثير للفضول. كانت مقالات المجلات النسائية 
ضمن مجالها الضيق» سواء خدمة مباشرة لربة المنزل أو تقرير وثائقي عن 
ربة المنزل. أرفع في نوعيتها من روايات المجلات النسائية. كانت مكتوبة 
على نحو أفضل وأصدق وأكثر تطورًا. ذكر قرّاء أذكياء ومحررون محتارون 
لكاب اه ست الملاخظة المرة كلوه اة فال مروف ربكو 
لقد أصبح كتاب الرواية ذاتيين زيادة عن اللزوم. لا يستطيع قرّاؤنا فهمهم» 
وهكذاء لم يبق لدينا سوى كتّاب الصيغ الجاهزة». لكن» في الأيام القديمة» 


8 اللغزالأنثوي 


کان کا اذوه من مثل نانسي هيل (Nancy Hale)‏ ووليم فوكنر» 
يتتبرن لسجلات النسائية» ولم يعتبروا غير مفهومين. ربما لم تسمح صورة 
امات اأمجديدة بانصدق الداخلى وعمق الإدراك والحقيقة البشريةء وھی 


امور قبسو وزية لتكون انرواية جيدة. 


تنصلب الرواية في الحد الأدنى بطلا أو» وهو ما يمكن تفهمهء بطلة 
ات ا ات و ا وای هدفا او خا اناا 
هناك حدّ لعدد القصص التي يمكن كتابتها عن فتاة تلاحق فتى» أو ربة منزل 
تلاحق كرة من الغبار تحت الأريكة. وهكذا تتولى المقالة الخدمية الأمر 
مستبدلة انصدق الداخلي والحقيقة اللازمين في الرواية بوفرة من التفاصيل 
الأسرية الواقعية الملموسة الموضوعية الصادقة: لون الجدران أو حمرة 


آ 


الشناه أو درجة الحرارة المضبوطة للفرن. 

من شان الحكم. بناءًا على المجلات النسائية اليوم» أن يجعل التفاصيل 
المسموسة لحيأة النساء تبدو ممتعة أكثر من تفكيرهن وأفكارهن وأحلامهن. 
أم إن وفرة التفاصيل وواقعيتها. والنوصف الدقيق للحوادث الصغيرةء تضع 
فناًا عى نقص الأحلام وخواء الأفكار والملل المرعب الذي ألقى بظله 
الثمين على ربة أنمنزل الأمريكية؟ 

جنست في مكتب محررة قديمة أخرىء واحدة من المحررات القليلات 
الآن ,لى حد بعيد. وشرحت لي دورها في خلق اللغز الأنثوي: «خضعت 
الكثيرات من للتحنيل النفسي. وبدأنا نشعر بالحرج من أننا نساء عاملات. 
نان هناك خوف مرعب من فقدان أنوثتنا. وظللنا نبحث عن طرق لمساعدة 
النساء في قبول دورهن الأنئوي». 

إذا لم تكن المحررات الحقيقيات قادرات» على نحو ماء على التخلّي 
عن مهنهنء فهناك دافع أكبر لأن «يساعدن» النساء الأخريات على تحقيق 


الفصل الثاني: البطلة ربة المنزل السعيدة 30 


ان كزوجات وآمهات» لا مس اا افلكم ا عن 
يجلسن في مؤتمرات المحررين» تلغز الأنثوي في حيائهن الخاصة. نكن. 
تلكم هي قوة الصورة التي سأعدن في تكوينها خا TS‏ 
بالذنب. وإذا كنّ قد خسرن في مكان ما الحب أو الأطفال. فرنهن يتساءلن 
ما إذا كان اللوم يقع على حياتهن انمهنية. 

قالت لي محررة في مجلة مادموزيل (©5611ذ012060): من وراء مكتبها 


أ 


الذى تتبعثر فوقه الأشياء. بقلق: (تبدذو القشنات اللواتى ا بهن حا 
محررات زائرات من الكلية وكانهن يشفقن عليد. لانن نساء عاملات. كما 


اظ“ ٠‏ فى جلسة غداء مع آخر مجموعة. طلبنا منهن !ل يتحدنن بالذور حول 


a Re a E RSS وي ا را‎ SS AAs دنا‎ Sk 
الطاويه عن خططهن المهنية. لكن لم ترفع يه واحذده من الشب ناك الععسا ب‎ 


: 1 1 : :322 4 1 300 ف 
يذها. عندما أتذكر كيف عملت لاتعنم هذا انعما واحيه.. ها کل جميعف 
50000 000 
مجنونات حينها !1 
الاق إن 1 أت ان اة ٠ i.‏ المضاعة الت متحنياء 
با فترال مع المحررات؛ نذواتي كن يبعن انفسهن البضاعة أنتي يللجلهاء 


س 


بدا نوع جديد من الكاتنات يكتبن عن أنفسهن. كما لو كن ”ریات مناز 
فقَط) مستمتعات في عالم هزئي من مزاح الأطفل والغسالات الغريبة وليلة 
الأولياء في جمعية أولياء الأمور والمعلمين. تكتب شيرلي جاكسون (رعاء؟؟ 
2107 فى ماك كول فى نيسان/ أبريل 1955: بعد ترتيب سرير صبى فى 
الثانية عشرة من عمره أسبوعًا بعد آخر. سيبدو تسلّق قمة إيفرست بمثابة خيبة 
أمل مثيرة للضحك". عندما تصوّر شيرلي جاكسون. التي كانت طيلة حياتها 
الراشدة كاتبة بارعة إلى أبعد حد. في ملاحقتها لحرفة أكثر تطلبا بكثير من 
ترتيب السرير» والكاتبة المسرحية جين كير (1637216657) والشاعرة فيليس ماك 
جينلي «(Phyllis McGinley)‏ أنفسهن ربات منازل فريما.يغفلن مدبرة المنزل 
أو الخادمة التي ترقت لامي شاك وربما لا. لكنهن ضما ينكرن الرؤية 
والعمل الشاق المرضي المبذول في قصصهن وأشعارهن ومسرحياتهن. 
ينكرن الحياة التي يعشنهاء لا بوصفهن ربات منازل» بل أفرادًا. 


80 اللفز الأنثوي 
إنهن حرفيات جيدات» أفضل من تلك الكاتبات ربات المنازل. وعمل 
بعضهن مسل. غالبا ما تكون الأمور التي تحدث مع الأطفالء السيكارة 
الأولى لصبي في الثانية عشرة» فريق ليتل ليج للبيسبول وفرقة الإيقاع في 
الروضة» مضحكة؛ وهي تحدث في الحياة الحقيقية مع النساء الكاتبات» 
كما مع النساء اللواتي لسن سوى ربات منازل. لكن. هناك شيء ماء في 
الكاتبات ربات المنازل» ليس مضحكا... مثل العم توم أو أموس وآندي. 
«اضصحكي)» تنصح الكاتبات ربات المنازل ربة المنزل الحقيقية. «إذا كنت 
تشعرين باليأس أو الفراغ أو بأنك واقعة في فخ تفاصيل ترتيب الأسرّة 
وقيادة السيارة وغسل الصحون. أليس ذلك مضحكا؟ نحن جميعًا في الفخ 
ذاته». هل تبدّد ربات المنازل الحقيقيات إِذّا أحلامهن وشعورهن باليأس فى 
لاف هل دة أذ دران ال وخ ان التخدودة ب ت 
شيرلي جاكسون الأسرة» وتحب ابنهاء وتضحك عليه.. وتكتب كتابًا آخر. 
و تنتج مسرحيات جين كير على مسرح برودواي. لا تدور النكتة حولهن. 
تعيش بعض الكاتبات رات المنازل الجديدات الصورة؛ تخبرنا ريدبوك 
أن كاتبة مقالة عن «الإرضاع الطبيعي)» امرأة اسمها بيتي آن كونتري وومن»› 
«قد خططت لتصبح طبيبة. لكن» قبل تخرجها مباشرة من جامعة رادكليف 
بدرجة الشرف. ارتدّت عن تلك الفكرة» لأن تكريس نفسها لذلك قد يغلق 
في وجهها باب ما كانت تريده فعلاء وهو أن تتزوج. وتكوّن عائلة كبيرة. 
سملت اسمها في مدرسة التمريض في جامعة يالء ثم حطبت إلى طبيب 
نفسي في أول موعد لهما. والآن» لديهما ستة أولاد تتراوح أعمارهم بين 
سنتين وثلاث عشرة سنة» والسيدة كونتري وومن الان مدرّسة في رابطة 
الأمومة في إنديانابوليس» (ريدبوك حزيران/ يونيو 1960). وهي تقول: 
يصبح الإرضاع الطبيعيء بالنسبة للأم» تتمة لفعل الخلق. يعطيها إحساسًا 
مضاعمًا بالتحقق. ويسمح لها بالمشاركة في علاقة أقرب إلى الكمال من 
أية علاقة يمكن للمرأة أن تأمل بتحقيقها... لكن الحقيقة البسيطة المتمثلة 
بالإنجاب لا تحقق بذاتها هذه الحاجة وهذا الشوق... الحنوٌ الأمومي طريقة 


الفصل الثاني: البطلة رية المنزل السعيدة 81 





في الحياةء فهو يمكن المرأة من التعبير عن ذاتها الشاملة بالمشاعر الرقيقة 

والمواقف الحمائية والحب الغامر للمرأة الأمومية. 

عندما تعرّف الأمومة -وهي تحمَّقٌ اعتبر مقدسًا على مر العصور- على 
أنها طريقة شاملة في الحياة» فهل يجب أن تنكر النساء العالم والمستقبل 
المفتوحين لهن؟ أو هل إنكار ذلك العالم يجبرهن على جعل الأمومة 
طريقة شاملة في الحياة؟ ينحل الخيط بين اللغز والواقع؛ فالنساء الحقيقيات 
يجسّدن الانقسام في الصورة. في عدد عيد الميلاد المذهل لعام 6 من 
مجلة لايف» المخصص كلية للمرأة الأمريكية «الجديدة»» نرى «المرأة 
العاملة» النموذجية» لا كشخصية شريرة في مجلة نسائية» بل كحقيقة 
وثائقية -«ذلك الخطأ القاتل الذي نشرته النسوية»- تطلب «المساعدة» 
من طبيب نفسي. إنها ذكية وحسنة التعليم وطموحة وجذابة» وهي تجني 
من المال 3 تقريًا مقدار ما يجني زوجهاء لكنها تدم هنا على أنها #محبطة» 
و«مسترجلة» بفعل مهنتهاء إلى درجة أن زوجها السلبي العاجز المخصي 
لا يبالي تجاهها جنسيًا. وهو يرفض أن يتحمل المسؤولية» ويغرق ذكورته 
المحطمة في الإدمان على الكحول. 

ثم هناك الزوجة من الضواحي المستاءة التي تثير الفوضى في جمعية 
أولياء الأمور والمعلمين. إنها تحطم أبناءهاء وتسيطر على زوجها الذي 
تحسده على خروجه إلى عالم الأعمال. «تجد الزوجة» التي سبق وعملت 
قبل الزواج» أو التي -على الأقل- تعلمت من أجل عمل فكري ماء نفسها 
في وضع مؤسف هي فيه 'مجرد ربة منزل"... وفي سخطها يمكن أن تسبب 

من الضرر لحياة زوجها وأولادها (وحتى لحياتها الخاصة) ما يمكن أن 

تسببه لو كانت صاحبة مهنة» وأحيانًا أكشء في الواقع». 

وأخيراء في تباين مرج وباسم» هل تمثّل ربّات المنازل-الأمهات 
الجديدات المتمسكات ب«اختلافهن»ء ب«أنوثتهن: الفريدة»» «الاستقبالية 
والسلبية المتضمنة في طبيعتهن الجنسية». هنّء متفرغات لجمالهن 


82 اللغز الأنثوي 


وقدرتهن على الحمل وتربية الأولادء «نساء أنثويات» بمواقف أنثوية حقّاء 
ومحل إعجاب الرجال لقدرتهن الخارقة الفريدة بامتيازء الممنوحة من الله 
علق a‏ اتضفنة تلك a‏ تقول مجلة لايف» 
مبتهجة باعودة ظهور العائلة العتيقة المؤلفة من 5 -3 أولاد في حي مدهش» 
ضواحى الطبقة العليا والمتوسطة العليا»: 
هناء بين النساء اللواتي قد يكن حاصلات على أحسن تأهيل «لحياة مهنية»» 
يوجد تأكيد متزايد على قيم تربية الأولاد والتدبير المنزلي. قد يخمّن المرء... 
هذا لأن تلك النساء أفضل اطلاعًا وأكثر نضجًا من المتوسط. لقد كنّ أول 
من فهمن عقوبات «النسوية» وقاومنها... تميل الأساليب» في الأفكار كما في 
الثياب والديكور. إلى التسرّب نازلة من تلك الأماكن إلى فئات أوسع من 
السكان... هذا هو الاتجاه المضاد الذي قد يدمّر في النهاية الاتجاه السائد 
والمخرّب. ويجعل الزواج ما يجب أن يكون عليه: شراكة حقيقية يكون فيها 
الرجال رجالا والنساء نساءًا. وكلاهماء بهدوء وسرور. واثقٌ تمامًا من وضعه» 
ومبتهج بالتأكيد لأن يرى نفسه متزوجًا من شخص من الجنس الآخر. 
وتألقت مجلة لوك في الفترة ذاتها تقريبًا (16 تشرين الأول/ أكتوبر 
1956): 
تفوز المرأة الأمريكية في المعركة بين الجنسين. فهي. كمراهقة؛ تكبرء وتدحض 
ناقديها... وبما أنها لم تعد مهاجرة نفسيًا إلى عالم الرجلء فإنها تعمل على 
نحو عرضي في الغالب. بوصفها ثلث القوة العاملة في الولايات المتحدة. وهي 
أميل الى أحد الأمو عن أنه مل رة املو موق حيار رها أو كراد كاد 
منزلية جديدة. منها إلى الاتجاه إلى «مهنة كبيرة». وهي تتنازل: بلبافة. عن 
الوظائف العليا للرجال. وهذه المخلوقة المدهشة تتزوج في سن أصفر من 
أي وقت مضى. وتلد عددًا أكبر من الأولاد. وتبدو أكثر أنوثة بكثير من الفتاة 
«المتحرّرة» لعشرينيات القرن أو ثلاثينياته. وتتصرف على هذا الأساس. 7 
زوجة عامل الصلب وعضوة جونيور ليج على قدم المساواة. بعملهما المنزلي. 
اليوم: إذا قامت بخيار قديم الطراز, أو اعتنت بحب بحديقة يفضتو قرفن 
الأولاد. فهي تستحق صلوات! ') أعلى من أي وقت مضى. ش 


)1( في الأصل hosannas‏ — المترجم. 





الفصل الثاني: البطلة ربة المنزل السعيدة 83 


فى أمريكا الجديدة» الحقيقة أكثر أهمية من الخيال. تعاد الصور 
الوثائقية» التي تقدمها مجلتا لايف ولوك للنساء الحقيقيات اللواتي يكرسن 
حياتهن للأولاد والبيت» على أنها المثال» الطريقة التي يجب أن تكون 
عليها النساء: هذه مادة قوية» يجب ألا تعامل بلامبالاة مثل بطلات روايات 
المجلات النسائية. عندما يكون لغز ما قويّاء فإنه يصنع روايته الخاصة عن 
الحقيقية. إنه يتغذى على الحقائق ذاتها التي قد تناقضه» ويتسلل إلى كل 
زاوية من الثقافة مربكا حتى النقّاد الاجتماعيين. 
رفض أدلاي ستيفنسون (5:660508 440133)) في خطاب الافتتاح في 
جامعة سميث في عام 1955» والذي أعيدت طباعته في مجلة وومانز هوم 
كومبانيون (أيلول/ سبتمبر 1955)» رغبة النساء المتعلمات في لعب دورهن 
السياسي الخاص في «أزمات العصر». وقال الناطق الرسمي باسم الليبرالية 
الديمقراطية» إن مشاركة المرأة العصرية في السياسة تكون عبر دورها 
زوجة وأمًا: «لدى النساءء ولاسيما النساء المتعلمات فرصة فريدة للتأثير 
فيناء أزواجًا وأبناء». المشكلة الوحيدة هي فشل المرأة في تقدير أن دورها 
الحقيقي في الأزمة السياسية هو دورها زوجة وأمًا. 
عندما تنهمك النساء في المشاكل الضاغطة والخاصة بالحياة الأسرية: فإن 
العديد منهن يشعرن بالإحباط. وبأنهن بعيدات جدًا عن القضايا الكبيرة 
والنقاش المثير. اللذين أعطاهن تعليمهن الفهم والذائقة للمشاركة فيهما. 
كنّ ذات يوم يكتبن الشعر. والآن يكتبن قائمة الفسيل. كن ذات يوم يناقشن 
قضايا الفنْ والفلسفة حتى ساعة متأخرة من الليلء والآن يشعرن بتعب شديد 
لدرجة أنهن يغططن في النوم ما أن ينتهين من غسل الصحون. هناك غالبًا 
إحساس بالانكماش وبالآفاق المفلقة والفرص الضائعة. كان لديهن أمل بأن 
يلعبن دورًا في أزمات العصرء ولكن ما يفعلنه هو غسل البياضات. 
الفكرة هي أنناء سواء تحدثنا عن أفريقيا أو الإسلام أو آسياء فالنساء «لا 
يفهمن الأمر جيدّاء. كما تفهمه أنت. باختصارء بعيدًا عن وظيفة الزواج 
والأمومة التي تقودك بعيدًا عن قضايا عصرنا العظيمة؛ وتعيدك إلى مركز 
تلك القضايا ذاتهاء وتلقي على كاهلك مسؤولية أعمق بما لا يقاس وأكثر 





84 اللغز الأنثوي 


حميمية من تلك التي تحملها غالبية أولئك الذين يضعون العناوين الرئيسية. 

ويصنعون الأخبار. ويعيشون في دوامة من القضايا الكبيرة إلى حد أنهم 

ينتهون غير قادرين على تمييز ما هي القضايا الكبيرة فملا. 

عمل المرأة السياسي هو أن «تلهم في بيتها رؤيةً لمعنى الحياة والحرية... 
أن تساعد زوجها في إيجاد القيم التي ستعطي غاية لأعماله اليومية 
المتخصصة... أن تعلّم أولادها فرادة كل إنسان فرد). 

يمكنك. زوجة وأمّاء أن تقومي بهذه المهمة في غرفة المعيشة. وأنت تضعين 

طفلًا في حضنك» أرقن اع وأنت تحملين مفتاح معلبات في يدك. وإذا 

كنت ذكية. فربما تستطيعين حتى أن تمارسي فنونك ا 

الرجل دون أن تراوده الشكوك فيم هو يشاهد التلفاز. أعتقد أن هناك الكثير 

مما يمكن أن تقومي به حيال أزمتنا في دور ربة المنزل المتواضع. لا يمكنني 

أن أتمنى لك مهمة أفضل من ذلك. 

وهكذاء فقد أعاد منطق اللغز الأنثوي تعريف طبيعة مشكلة المرأة ذاتها. 
عندما كان يُنظر إلى المرأة على أنها كائن بشري بطاقات إنسانية لا محدودة 
ومساوية للرجل» فأي شيء يبعدها عن تحقيق كل إمكانياتها هو مشكلة 
يجب حلها: العوائق أمام التعليم العالي والمشاركة السياسية» التمييز أو 
التحيّز في القانون أو الأخلاق. أما الآنء حيث ينظر إلى المرأة فقط من حيث 
دورها الجنسيء فإن العوائق أمام تحقيق كل إمكانياتها والتحيّزات التي تنكر 
عليها المشاركة الكاملة في العالم لم تعد تعتبر مشاكل. المشاكل الوحيدة 
هي تلك التي قد تشووؤش تكيّفها في دور ربّة المنزل. وهكذا فالحياة المهنية 
مشكلة» والتعليم مشكلة» والاهتمام السياسي» وحتى مجرد الاعتراف 
بذكاء المرأة وفرديتها مشكلة. وأخيرًاء هناك المشكلة التي لا اسم لهاء رغبة 
غامضة غير محددة ب«شيء أكثر» من غسل الصحون وكي الملابس ومعاقبة 
الأولاد والثناء عليهم. في المجلات النسائية» تُحَل المشكلة بأن تصبغ 
المرأة شعرها بالأشقر أو بإنجاب طقل جديد. «تذكري» عندما كنا صغاراء 
كيف كنا جميعًا نخطط لانكون شيئًا ما'»» تقول ربة منزل شابة في ليديز 


انفصل الثاني: البطلة ربة المنزل السعيدة 85 





هوم جورنال (شباط/ فبراير 1960)» وتصرخ» متفاخرة بأنها قد استهلكت 
ست نسخ من كتاب د. سبوك عن العناية بالطفل خلال سبع سنوات: «أنا 
محظوظة! محظوظة! أنا سعيدة جدًا لأنني امرأة!». 

فى إحدى تلك القصص بعنوان «العطلة» 21101108 منشورة في مجلة 
انقزري في شه آب/ أغسطس 41989 آمز طبيت زوجة شابة اة بأن 
تخرج من البيت يومًا في الأسبوع؛ أن تذهب للتسوّق» وتجرّب الفساتين» 
وتنظر في المرآة متسائلة أيّا منها سيعجب زوجها سام. 

دائمًا سام. مثل كورس إغريقي في مؤخرة رأسها. كما لو أنها لم تكن تملك 

تحديدًا لنفسهاء وضوحًا كان لها بلا منازع... فجأةٌ. لم تتمكن من تحديد 

الفرق بين التنانير المكسّرة والمثلثة بما يكفي لأن تثبت على قرار. نظرت 

إلى نفسها في مرآة بالطول الكاملء طويلة: وقد بدأ وركاها يزدادان ثخانة. 

وبدأت خطوط وجهها بالتهدل. كانت في التاسعة والعشرينء لكنها تشعر أنها 

في منتصف العمرء كما لو أن عددًا كبيرًا من السنوات قد مر عليها. ولم يتبق 

لها الكثير... كان ذلك مضحكاء فطفلهتا إيلين ليس لها سوى ثلاث سنوات 

من العمر. وكان مستقبلها بكامله أمامها لتخطط له؛ وربما طفل آخر. لم يكن 

ذلك أمرًا يمكن تأجيله كثيرًا. 

عندما تكتشف ربة المنزل الشابة في قصة «الرجل الذي إلى جواري» 
Man Next t0 6‏ 156 (ريدبوك» تشرين الثاني/ نوفمبر1948) أن حفلة 
العشاء المتقن, التي أعدتهاء لم تساعد زوجها في الحصول على ترقية» بعد 
كل شيء. فإنها تصاب باليأس. («يجب أن تقول إنني ساعدت. يجب أن 
تقول إنني جيدة لشيء ما... كانت الحياة مثل أحجية تنقصها قطعة واحدة» 
وتلك القطعة هي أناء وأنا لم أتمكن قط من معرفة موقعي فيها؛). وهكذاء 
تصبغ شعرها بالأشقر» وعندما يستجيب زوجها في السرير برضى الي أنا 
الشقراء» الجديدة, فإنها «تشعر بشعور جديد بالسلام؛ كما لو أنني قد أجبت 
على السؤال داخل نفسي». 

أضوت قضصن 'الجلات الننائية» المدة تلو الشزةة على أن النساء له 


56 اللفز الأنثوي 


يمكن أن يعرفن التحقق إلا لحظة ولادة طفل. وهي بذلك تنكر السنوات 
التي لا يعود في مقدور المرأة عندها أن تلد» حتى لو كررت ذلك التصرف 
المرّة تلو المرّة. ففي اللغز الأنثوي» ليس أمام المرأة طريقة أخرئ للحلم 
بالإبداع أو المستقبل. لا توجد طريقة يمكنها بها حتى أن تحلم بذاتها 
إلا بوصفها 2 أولادها وزوجة زوجها. والمقالات الوثائقية تصور ربات 
منازل جديدات. كبرن في ظل ذلك اللغزء وليس لديهن حتى ذلك «السؤال 
بداخلي». تقول إحداهن وُصفت في «كيف تعيش أمريكا» How A۲14‏ 
65 (ليديز هوم جورنال» حزيران/ يونيو 1959): «إذا كان لا يريدني أن 
ألبس لونًا معيئًا أو نوعًا معيئًا من الثياب» فأنا أيضًا لا أريد ذلك حمًا. الأمر 
هو: أيّا يكن ما يريده هوء فهو ما أريده أنا أيضًا... أنا لا أؤمن بزواجات 
الخمسين-بخمسين». فهي» وقد تركت الجامعة والعمل لتتزوج بعمر الثامنة 
عشرة دون أي أسف. «لم تحاول قط أن تشارك في نقاش عندما يتحدث 
الرجال. هي لم تجادل زوجها في أي شيء... قضت وقنًا طويلا تنظر من 
النافذة إلى الثلج والمطر والبزوغ التدريجي لأزهار الزعفران. كان التطريز 

يقة عظيمة لتمضية الوقت والسلوى: غرزات صغيرة بخيط مذهّب أو 
بخيط من الحرير» وهو ما يتطلب شديد التركيز». 

وفي منطق اللغز الأنثوي» ليس هناك مشكلة أمام امرأة من هذا القبيل» 
ليس لديها أمنيات خاصة بهاء ولا تحدّد نفسها إلا كزوجة وأمّ. قد تكون 
المشكلة» إن وجدت» مشكلة أبنائها أو زوجها. فالزوج هو الذي يشكو إلى 
استشاري الزواج (ريدبوك» حزيران/ يونيو 1955): «الطريقة التي أرى بها 
الأمر» هي أن الزواج يأخذ شخصين» يعيش كل منهما حياته الخاصةء ثم 
يجمعهما معًا. أما ماري» فيبدو أنها تعتقد أننا يجب أن نعيش خياة واحدة» 
هي حياتي أنا». تصرّ ماري على الذهاب معه لشراء قمصانه وجواربه» تخبر 
الموظف عن قياسه ولونه المفضل. وعندما يعود إلى البيت ليلاء فإنها. 
تسأله مع من تناول عشاؤه. وأين» وما الذي تحدّث عنه؟ وعندما يحتج» 


الفصل الثاني: البطلة ربة المنزل السعيدة 87 





فإنها تقول له: «ولكن يا عزيزيء أنا أريد أن أشاطرك حياتك» أن أكون جزءًا 
من كل ما تقوم به هذا كل ما في الأمر. .. أريد أن نكون نحن الاثنان واحدّاء 
بالطريقة التي يذكرها قسم خدمات الزواج.. ( . لا يبدو معقولا للزوج أن 
«يكون شخصان شخصًا واحذاء بالطريقة اميا ارو إنه أمر سخيف 
تمامًا من النظرة الأولى. إضافة إلى ذلكء آنا لا يعجبني الأمر على ذلك 
النحو. لا أريد أن أكون مرتبطًا بشخص آخر إلى حدّ لا أستطيع معه أن تكون 
لي أفكاري أو أفعالي الخاصة». 

الجواب على «مشكلة بيت»» كما تقول الدكتورة إميلي ماد (تإلنمرظ 
4 وهي استشارية زواج شهيرة» هو جعل ماري تشعر بأنها تعيش 
حياته: دعوتها إلى تناول العشاء في المدينة مع الأشخاص الذين يعملون 
في مكتبه بين حين وآخر» طلب طبقه المفضل من لحم العجل لهاء وربما 
إيجاد «نشاط جسدي صحي» ما لهاء كالسباحة» وذلك لتصريف طاقتها 
الزائدة. ليست مشكلة ماري أن ليس لها حياتها الخاصة. 

وأخيراء يتحقق المطلق فى سعادة ربة المنزل على يد ربة المنزل 
التكساسية الموصوفة في «كيف تعيش أمريكا؛ (ليديز هوم جورنال» تشرين 
الأول/ أكتوبر 1960)ء فهي «تجلس على أريكة من الأطلس ذي اللون 
المائي الباهت محدقة من نافذتها الواسعة في الشارع. وهي» حتى في 
هذه الساعة المبكرة من الصباح (بالكاد تبلغ التاسعة صباخًا)» تضع حمرة 
خدود وبودرة وحمرة شفاه» وفستانها القطني نقي لا تشوبه شائبة»". وتقول 
بفخر: «في الساعة الثامنة والنصف صباحًاء عندما يذهب أصغر أبنائي إلى 
المدرسة» يكون كل بيتي نظيمًا ومرتبّاء وأكون مستعدة لليوم» أكون حرة 
للعب البريدج أو حضور اجتماعات النادي أو البقاء في البيت والقراءة 
والاستماع إلى بيتهوفن والتبطل وحسب». 

«أحيانًا تغسل شعرهاء وتجففه» قبل أن تجلس إلى طاولة لعب البريدج 
في الساعة الواحدة والنصف. أما في الصباحات» التي يكون لعب البريدج 


88 اللغز الأنثوي 


في بيتهاء فهي الأكثر انشغالاء لأن عليها حينها أن تخرج الطاولات وورق 
اللعب ورقعة تسجيل النتائج» وأن تعد قهوة طازجة» وأن ترتّب أمر الغداء... 
وفي أشهر الشتاء» قد تلعب حتى أربعة أيام في الأسبوع من التاسعة والنصف 
صباحًا حتى الثالثة بعد الظهر... جانيس حريصة جدًا على أن تعود إلى البيت 
قبل عودة أبنائها من المدرسة في الرابعة بعد الظهر». 

إنها غير محبطة» ربة المنزل الشابة الجديدة تلك. طالبة ممتازة في 
النداوسة انر ر ج ف ادا ع من الكو وج اة اة 
وحامل في العشرين؛ لديها البيت الذي ظلت سبع ستوات تحلم به» وتخطط 
له بالتفصيل. وهي فخورة بكفاءتها كربّة منزل» تنجز كل شيء مع حلول 
الساعة الثامنة والنصف. تقوم بأعمال تنظيف المنزل الكبيرة في أيام السبت» 
حين يقوم زوجها بصيد السمك» ويكون أولادها مع فريق الكشافة. («ليس 
هناك أي شيء آخر أقوم به. لا ألعاب بريدج. إنه يوم طويل بالنسبة لي»). 

«تقول: ”أنا أحب بيتي“. الدهان الرمادي الباهت في غرفة المعيشة وغرفة 
الطعام التي على شكل حرف (1)» عمره خمس سنوات» لكنه ما زال في 
وضع ممتاز... الغطاء المنجد المصنوع من الدمقس بألوانه المائي والأصفر 
والدراقي الباهت يبدو نقيًا تمامًا بعد ثماني سنوات من الاستخدام. «أشعر 
أحيانًا أننى مستسلمة جدّاء قنوعة جدًا»» تعلّق جانيس بحنان ناظرة إلى سوار 
الألماس الكبير الذي تلبسه حتى عند تصليح الساعة... أما ملكيتها المفضلة 
فهي سريرها الأسطواني ذو الأعمدة الأربعة بفسطاطه المصنوع من التفتة 
القرنفلية. تقول بسعادة: «أشعر أنني مثل الملكة إليزابيث نائمة في ذلك 
السرير». (زوجها ينام في غرفة أخرى لأنه يشخر). 

«تقول: 'أنا ممتنة جدًا على النعم التي أعيش فيها'. زوج رائع» أبناء 
وسيمونء ولديهم ميول يسعون إلى التلاؤم معهاء بيت كبير مريح... آنا 
شاكرة على صحتي الجيدة وإيماني بالله وتلك الممتلكات المادية: سيارتين 
وجهازي تلفاز وموقدين». 


الفصل الثاني: البطلة رية المنزل السعيدة 89 








محدّقةً بقلق فى هذه الصورة» أتساءل: أليست بعض المشاكل أفضل» 
على نحو ماء ا السلبية المبتسمة الفارغة؟ إذا كانت تلك النساء 
الشابات اللواتي يعشن اللغز الأنثوي سعيدات» فهل هذه إذا نهاية الطريق؟ 
أم أن بذور شيء أسوأ من الإحباط ملازمةٌ لهذه الصورة؟ هل هناك تباعد 
متزايد بين صورة النساء هذه والواقع الإنساني؟ 

فكروا بالتأكيد المتزايد على الفتنة في المجلات النسائية» كعلامة من 
علامات هذه المشكلة: ربة المنزل التي تضع ماكياجًا على عينيها وهي 
تنظف الأرضية... «شرف أن تكونى امرأة». لماذا تتطلب «المهنة: ربة منزل» 
ذلك التصنيع الم للفتنة عامًا تلو الآخر؟ والفتنة المهدة هي في حدّ ذاتها 
علامة استفهام: السيدة تحتج كثيرًا. 

تطلبت صورة المرأة» في فترة أخرىء احتشامًا متزايدًا للاستمرار 
فى إنكار الجنس. أما الصورة الجديدة» فيبدو أنها تتطلب غباء 
رانا اھر اا غلى لانن سباركافة جهانا فان بعر ان: 
تملأ صفحات كاملة من المجلات النسائية بخضار عملاقة: شوندرء 
خيارء فليفله» بطاطاء ويُقدَّم لها وصف كما لو أنها قصة حب. حتى 
حجم الحروف المطبوعة يضحّم حتى يبدو مثل حروف الطباعة التي 
تستخدم في كتب الصف الأول. تفترض ماك كول الجديدة» بصراحة» 
أن النساء قطط رقيقة بلا عقل؛ وتقدّم ليديز هوم جورنال» المنافسة على 
نحو محموم» راقصة الروك آند رول بات بون (80026 ۴۵۲) كاستشارية 
للمراهقات؛ وتضحّم ريدبوك وغيرهاء قياس حروفها الطباعية. هل 
يعني حجم الحروف الطباعية أن عقول النساء الشابات الجديدات» 
اللواتي تتودد إليهن جميع المجلات النسائية» ليست إلا بمستوى عقول 
تلاميذ الصف الأول؟ أم هي تحاول أن تخفي تفاهة المحتوى؟ فضمن 
حدود ما هو مقبول حاليًا على أنه عالم المرأة قد لا يكون المحرر قادرًا 
على التفكير بأي شيء كبير يقوم به سوى نفخ حبة بطاطا مشوية» أو 


90 اللفز الأنثوي 





وصف مطبخ كما لو أنه قاعة المرايا؛ فاللغزء» بعد كل شيء» يمنعه من 
معالجة فكرة كبيرة. ولكن» ألا يخطر في بال أحد من الرجالء الذين 
يديرون المجلات النسائية» أن مشاكلهم قد تنبثق من صغر الصورة التي 
يختصرون فيها عقول النساء؟ 

تعاني جميع المجلات الجماهيرية» التي تتنافس فيما بينها ومع 
التلفزيون بشراسة لتقديم الملايين والملايين من النساء اللواتي سيشترين 
الأشياء التي يبيعها المعلنون» من مشاكل اليوم. هل يجبر هذا السباق 
المسعور الرجال» الذين يصنعون الصورة, على رؤية النساء مجرد شاريات 
أشياء؟ هل تجبرهم على التنافس أخيرًا على تفريغ عقول النساء من الفكر 
الإنساني؟ الحقيقة هي أن مشاكل صاع الصورة تبدو متزايدة باضطراد مع 
الغباء المتزايد للصورة التي يقدمونها. خلال السنوات التي ضيقت فيها تلك 
الصورة عالم المرأة إلى المنزل» واختصرت دورها بدور ربة المنزل» توقفت 
خمس مجلات جماهيرية من تلك الموجهة إلى النساء عن الصدورء وهناك 
مجلات أخرى على الحافة. 

قد يكون ضجر النساء المتنامى من الصورة الضيقة الفارغة للمجلات 
النسائية أقوى إشارة على انفصال الصورة عن الواقع. لكن هناك أعراض 
أشد عنفا من جانب النساء الملتزمات بتلك الصورة. فقي عام 1960» نشر 
محرّرو مجلة موجهة خصيصًا إلى ربة المنزل الشابة السعيدة -أو بالأحرى 
إلى الأزواج الشباب الجدد من الجنسين (فالزوجات لا يعتبرن منفصلات 
عن أزواجهن وأولادهن)- مقالة تسأل: «لماذا تشعر الأمهات الشابات أنهن 
عالقات في الفخ» (ريدبوك أيلول/ سبتمبر 1960). وكتشجيع لشد الانتباه» 
فقد دعوا الأمهات الشابات» اللواتى يعانين من تلك المشكلة. إلى الكتابة 
التتصيل قاب 00ى نوو لكر قسن لھج رو ا مين ب الت 
رد. هل يمكن لصورة المرأة أن تختصر إلى الحد الذي تصبح فيه هي ذاتها 
فځا؟ 


الفصل الثاني: البطلة رية المنزل السعيدة 91 





حاولت محررة في إحدى المجلات النسائية الكبرى» وهي تستشعر 
أن ربات المنازل الأمريكيات قد يكن في حاجة قوية إلى شيء ما يوسّع 
عالمهن» وعلى مدى أشهرء أن تقنع زملاءها الذكور بأن يقدموا للمجلة 
بعض الأفكار من خارج عالم المنزل. لكننا «اتخذنا قرارًا ضد ذلك 
كما قال الرجل صاحب القرار النهائي» «فالنساء منفصلات تمامًا عن عالم 
الأفكار في حياتهن الآن» لا يمكن أن يفهمن الأمر». ربما لا يملك أشباه 
فرانكشتاين هؤلاء القوة لإيقاف الوحش الأنثوي الذي خلقوه. 

لقد ساعدثٌ في خلق تلك الصورة. وقد راقبتٌ النساء الأمريكيات» 
على مدى خمسة عشر عامّاء يحاولن التوافق معها. ولكنني لم أعد أستطيع 
أن أنكر معرفتي بعواقبها المرعبة. إنها ليست صورة غير مؤذية. قد لا تكون 
هناك مصطلحات نفسية للأذى الذي تسببه. ولكن» ما الذي يحدث عندما 
تحاول النساء أن يعشن وفق صورة تجعلهن ينكرن عقولهن؟ ما الذي 
يحدث عندما تكبر النساء في صورة تجعلهن ينكرن واقع العالم المتغير؟ 

لقد حدّدت تفاصيل الحياة المادية والعبء اليومي المتمثل بالطبخ 
والتنظيف والعناية بالحاجات الجسدية للزوج والأولاد فعلا عالم المرأة 
منذ قرن مضى من الزمن» عندما كان الأمريكيون روادّا» وكانت الحدود 
الأمريكية تكمن في فتح الأرض. لكن النساء اللواتي ذهبن إلى الغرب 
بالعربات الكبيرة شاركن أيضًا فى الهدف الريادي. الآن» تكمن الحدود 
الأمريكية في العقل وفي ارو الف والأولاد والبيت هي أمور جيدة» 
لكنها ليست العالم كله» حتى إذا كانت معظم الكلمات» التي تكتب للنساء 
الآنء تزعم أن تلك الأمور هي العالم كله. لم يجب أن تقبل النساء هذه 
الصورة, التي تقدم لهن نصف حياة» بدلا من حصة في كامل المصير 
الإنساني؟ لم يجب أن تحاول النساء أن يجعلن من العمل المنزلي «شيئًا 
أكثر». بدلا من التحرك على حدود زمنهن الخاص» مثلما تحركت النساء 
الأمريكيات إلى جانب أزواجهن على الحدود القديمة؟ 


92 اللغزالأنثوي 


ليست حبة بطاطا مشوية كبيرة كبر العالم» وتنظيف أرض غرفة 
المعيشة -بماكياج أو دون ماكياج- عملا يتطلب من التفكير أو الطاقة ما 
يكفى لتحدي القدرة الكلية لأية امرأة. النساء كائنات بشرية» ولسن دمى 
ر ار رالاعا عن هذ الو ام اف عن 
بقية الحيوانات باستخدام قوة دماغه على تكوين فكرة وعلى رؤية وتشكيل 
مستقبل لها. هو يشترك في الحاجة إلى الطعام والجنس مع الحيوانات 
الأخرى» لكنه عندما يحب» فإنه يحب كإنسان» وعندما يكتشف» ويخلق» 
ويشكل مستقبلا مختلفًا عن ماضیه» فإنه يكون إنسانًاء كائنًا بشريًا. 

هذا هو اللغز الحقيقي: لماذا عادت نساء أمريكيات كثيرات» مع 
ما يتمتعن به من تعليم وقدرة على الاكتشاف والخلق, إلى منازلهن مرة 
أحرى» ليبحثن عن «شيء أكثر» في العمل المنزلي وتربية الأولاد؟ لأنَّ 
حدود العالم الإنساني» ويا للمفارقة» قد توسعت في السنوات الخمس 
عشرة ذاتها التي جرى خلالها استبدال المرأة الجديدة الجسورة بربة المنزل 
السعيدة» وتسارع إيقاع تغيّر العالم» كما أن طبيعة الواقع الإنساني نفسها 
قد أصبحت» وعلى نحو متزايد» متحررة من الضرورة البيولوجية والمادية. 
هل يمنع اللغز المرأة الأمريكية من النمو مع العالم؟ هل يجبرها على إنكار 
الواقع» مثلما يجب أن تنكر امرأة في مستشفى عقلي الواقع لتصدّق أنها 
ملكة؟ هل يحكم على النساء بأنهن مشرّدات» إن لم يكنّ فصاميات فعلاء 
في عالمنا المتغير المعقد؟ 

وإنها لأكثر من مفارقة غريبة أنه» في حين أصبحت جميع المهن مفتوحة 
أخيرًا أمام النساء في أمريكاء فإن كلمة «صاحبة مهنة» قد أصبحت كلمة 
قذرة؛ وأنه» في حين أصبح التعليم العالي متاحًا لأية امرأة تملك القدرة 
عليه» فإن تعليم النساء قد أصبح مشكوكا فيه» حتى أن أعدادًا متزايدة 
تسرب عن المدوبنة القاتوية والجامعة اوجن ون أظفالاة وله 
في حين تصبح أدوار كثيرة في المجتمع المعاصر متاحة لهن» فإن النساء 





الفصل الثاني: البطلة رية المنزل السعيدة 93 





يحصرن أنفسهن بإصرار في دور واحد. لماذاء مع إزالة كل العوائق القانونية 
والسياسية والاقتصادية والتعليمية» التي لم تسمح للمرأة يومًا بأن تكون 
مساوية للرجل» شخص له حقه الخاص» فرد حر بتطوير قدراته الخاصة. 
يجب أن تقبل هذه الصورة الجديدة» التي تصرّ على أنها ليست شخصًاء بل 
مجرد «امرأة» ممنوعة بالتعريف من حرية الوجود الإنساني» ومحرومة من 
أن يكون لها صوت في المصير الإنساني؟ 

اللغز الأنثوي قوي جدًا إلى حدّ أن النساء يكبرن غير عارفات أن لديهن 
الرغبات والقدرات التى يحظرها اللغز. لكن لغرًا كهذا لا يلقى بنفسه على 
أمة بأكملها في غضون سنوات قليلةء قالبًا اتجاهات قرن هن اله دون 
سبب. فما الذي يعطي اللغز قوته؟ ولمَ تعود النساء إلى البيت مرة أخرى؟ 


الفصل الثالث: الأزمة في هوية المراة 05 


الفصل الثالث 
الأزمة في هوية المرأة 


اكتشفت شيئًا غريبًا في مقابلاتي مع نساء من جيلي خلال السنوات 
العشر الماضية. لم تتمكن كثيرات مناه ونحن نكبر» أن يرين أنفسهن» 
يتجاوزن عمر الحادية والعشرين. لم يكن لدينا أي تصور عن مستقبلنا أو 
عن أنفسنا كنساء. 

أتذكر سكون بعد ظهر ربيعي في حرم جامعة سميث عام 1942 عندما 
وصلت إلى طريق مسدود مخيف فى رؤيتى الخاصة للمستقبل. كنت» قبل 
بضعة أيام من ذلك قد تلقيت إشعارًا بان نل زمالة الدراسات العليا. 
لكنني» في أثناء التهاني» شعرت بقلق غريب تحت ما كان ينتابني من إثارة؛ 
كان هناك سؤال لم أرد التفكير فيه. ٤‏ 

«هل هذا حقًا ما أريد أن أكونه؟» أخذنى السؤال» باردةً ووحيدة بعيدًا 
عن الفتيات اللواتي كن يتحدثن؛ ويدرسن على جانب التل المشمس خلف 
دار الججامعة. 'اعتقنت أنني سأصبح عالمة نفس. لكن» إذا لم أكن متأكدة 
من ذلك» فما الذي سأكونه؟ شعرت أن المستقبل ينغلق آمامي» ولم أتمكن 
قط من رؤية نفسي فيه. لم يكن لدي أي تصور عن نفسي ممتدة خارج 
الجامعة. جئت فى السابعة عشرة من بلدة فى الغرب الأوسطء فتاة غير 
واثقةء وانفتحت لي آفاق العالم والحياة ا الواسعة. بدأت أعرف من 





96 اللغزالأنثوي 
أناء وما الذي أردت القيام به. لم أكن أستطيع العودة الآن. لم أكن أستطيع 
العودة إلى الديار مرة أخرى» إلى حياة أمي ونساء بلدتي» لأربط نفسي 
بالبيت والبريدج والتسوّق والأولاد والزوج والإحسان والملابس. لكنني 
الآنء وقد حل الوقت لأصنع مستقبلي الخاص ولأقوم بالخطوة الحاسمة» 
لم أعرف فجأة ما الذي أردت أن أكونه. 

أخذت الزمالة» لكن» في الربيع التالي» تحت شمس كاليفورنيا المختلفة» 
وفي حرم جامعي آخرء عاودني السؤال مرة أخرىء ولم أتمكن من إبعاده 
عن ذهني. فزت بزمالة أخرى من شأنها أن تلزمني ببحث للحصول على 
شهادة الدكتوراه وبحياة مهنية كعالمة نفس محترفة. «هل هذا ما أريد حمًا 
أن أكونه؟» لقد أخافني القرار فعلا. عشت في خوف التردد أيامًا غير قادرة 
على التفكير في أي شيء آخر. 

لم يكن السؤال مهمّاء قلت لنفسي. لم يكن أي شيء مهما عندي في 
تلك السنة عدا الحب. كنا نسير على مرتفعات بيركلي» وقال لي فتى: «لا 
يمكن أن تنتهى هذه العلاقة بيننا إلى أي شيء. لن أفوز أبدًا بزمالة كتلك 
اکن کات عانهاا اهل كرت فى ای قد أختار على لخو لا رة ف 
الوحدة الباردة لبعد الظهر ذاك لو أنني تابعت؟ استغنيت عن زمالتي مع 
شعور بالراحة. لكنني لم أتمكن» على مدى سنوات بعد ذلك من قراءة 
كلمة واحدة في العلم الذي فكرت يومًا أنه سيكون عمل حياتي المستقبلي؛ 
كان تذكر خسارته مؤلمًا جذا. 

لم أتمكن قط من شرح سبب تخليّ عن تلك المهنة» وبالكاد عرفت 
ذلك أنا نفسي. عشت في الحاضر» عاملة في صحف دون خطة محددة. 
وتزوجت» وأنجبت أطفالاء وعشت وفق اللغز الأنثوي مثل ربة منزل من 
الضواحي. لكنّ السؤال» مع ذلك. سكنني. لم أتمكن من الشعور بأي 
هدف في حياتي» ولم أتمكن من إيجاد أي سلام حتى واجهت الأمر أخيرّاء 
واستخلصت جوابي الخاص. 


الفصل الثالث: الأزمة في هوية المراة 97 





اكتشفت» من خلال حديثي مع طالبات السنة الأخيرة في جامعة سميث 
في عام 21959 أن السؤال ليس أقل رعبًا للفتيات اليوم. الفارق الوحيد 
هو أنهن يجبن عليه الآن بطريقة» وج جيلي» بعد نصف عمرء أنها ليست 
إجابة على الإطلاق. كانت تلك الفتيات» ومعظمهن في السنة الأخيرة» 
يجلسن في غرفة المعيشة من دار الكليةء يتناولن القهوة. لم أكن مختلفة 
جدًا عن تلك الأمسية التي كنت فيها في السنة الأخيرة» باستثناء أن عددًا 
أكبر من الفتيات يضعن خاتمًا في أيديهن اليسرى. سألتٌ المحيطات بي عن 
خططهن للمستقبل. تحدثت المخطوبات عن الأعراس والشقق والحصول 
على عمل كسكرتيرات ريثما ينهي الزوج دراسته. أما الأخريات» فأعطين؛ 
بعد صمت عدائي» أجوبة غامضة عن هذا العمل أو ذاك أو عن دراسة علياء 
لكن لم تكن لدى أي منهن خططا حقيقية. سألتني شقراء» ذات شعر مسرّح 
على شكل ذيل فرس» إن كنت أصدق الأمور التي قلنها. قالت: «لا شيء منه 
صحيح. نحن لا نحب أن نُسأل عما نريد أن نفعل. ولا واحدة منا تعرف. 
ولا واحدة أيضًا تحب حتى أن تفكر فيه. اللواتي سيتزوجن مباشرة هن 
المحظوظات. ليس عليهن التفكير في الأمرا. 

لكنني لاحظت في تلك الليلة أيضًا أن الحديد من الفتيات المخطوبات» 
اللواتي كن يجلسن بصمت حول النار» قد بدين غاضبات من شيء ما 
عندما سألت الأخريات عن العمل. «لا يردن التفكير في عدم المتابعة. 
يعرفن أنهن لن يستخدمن تعليمهن. سيكنّ زوجات وأمهات. يمكنك القول 
إنك ستستمرين بالقراءة والاهتمام بالمجتمع. لكن ليس الأمر ذاته. أنت 
لن تتابعي فعلا. إنها لخيبة أمل أن تعرفي أنك ستتوقفين الآن» ولن تتابعي 
وتستخدمي ما تعلمته»» قالت الشقراء ذات ذيل الفرس. ١‏ 

وبالمقابل» سمعت كلمات امرأة بعد خمسة عشر عامًا من مغادرة 
الجامعة» زوجة طبيب وأم لثلاثة أولاد» قالت» ونحن نتناول القهوة في 
مطبخها في نيو إنجلاند: 


08 اللفز الأنثوي 


كانت المأساة أن أحدًا لم ينظر في عينناء ٠‏ ويقول: عليك أن ت تقرري ما الذي 
تريدين فعله في حياتك عدا أنك زوجة زوجك وأَمْ أولادك. لم أفكر في الأمر 
تعمق :حتى أضبخت في السادسة والثلاثينء وقد أصبح زوجي مشفولا جدًا 
في عمله؛ إلى حد أنه لم يكن يستطيع أن يسليني كل ليلة. كان الأولاد الثلاثة 
يقضون النهار في المدرسة. وظللت أحاول إنجاب الأطفال رغم تناقض العامل 
الرسوسي. وبعد إسقاطين, قالوا لي: يجب أن تتوقفي. فكرت أن نموي وتطوري 
قد توقما. لطالما عرفت وأنا طفلة: ٠‏ أنني سأكبر» وأذهب إلى الجامعة, ثم 
أتزوج وذاك أقصى ما يجب على الفتاة أن تفكر فيه. وبعد ذلك يقرر زوجك 
حياتك. ويملؤها. ولم أدرك إلا وقد أصبحت وحيدة إلى تلك الدرجة -زوجة 
طبيب» أصرخ دائمًا على الأولاد لأنهم لم يملؤوا حياتي- أنّ علي أن أصنع 
حياتي الخاصة. كان ما يزال علي أن أقرر ما أريد أن أكونهء فأنا لم أنه تطوّري 
قط. لكن أخذ الأمر مني عشر سنوات لأفكر فيه بعمق. 


يسمح اللغز الأنثوي للنساء بتجاهل السؤال عن هويتهن» بل ويشجعهن 
على ذلك. يقول اللغز أنهن يستطعن أن يجبن على سؤال «من أنا؟» بالقول: 
«زوجة توم أو أمّ ماري». لكني لا أظن أن اللغز سيمتلك تلك السلطة على 
النساء الأمريكيات. إذا لم يخفن من مواجهة الفراغ المرعب الذي يجعلهن 
غير قادرات على رؤية أنفسهن بعد الحادية والعشرين. الحقيقة هي آنه لم 
يعد لدى المرأة الأمريكية صورة خاصة تخبرها من هي» أو من يمكن أن 
كرة أرما الذي كيد أن بكر انان طول الوفت الذي كان بهذا فيه 
صحيحًاء فلست متأكدة» لكنه كان صحيحًا في جيلي» وهو صحيح بالنسبة 
للفتيات اللواتي يكبرن اليوم. 

الصورة العامة» في المجلات والإعلانات التجارية التلفزيونية» مصممةٌ 
لبيع الغسالات الآلية وخلاطات العجين ومزيلات رائحة العرق والمنظفات 
وكريمات الوجه التي تعيد الشباب وصبغات الشعر. لكنْ قوة تلك الصورة» 
التي تنه تنفق عليها الشركات ملايين الدولارات في دعايات التلفاز والمواقع 
الإلكترونية» تأتي من هذا: لم تعد النساء الأمريكيات يعرفن من هنٌّ. 
هن بحاجة ماسة إلى' صورة جديدة لمساعدتهن في إيجاد هويتهن. وكما 


الفصل الثالث: الأزمة في هوية المراة 99 





يواظب الباحثون الدافعيون على القول للمعلنين. ليست النساء الأمريكيات 
واثقات» إلى درجة كبيرة» مما يجب أن يكنٌ» حتى أنهن ينظرن إلى تلك 
الصورة العامة البرّاقة ليقررن كل تفصيل من تفاصيل حياتهن. يبحثن عن 
الصورة التي لن يأخذنها بعد الآن من أمهاتهن. 

في جيلي» كانت الكثيرات منا يعرفن أنهن لا يردن أن يكن مثل أمهاتهن؛ 
على الرغم من حبنا لهنْ. لم نستطع منع أنفسنا من رؤية خيبة أملهن. هل 
فهمناء أم اكتفينا بالامتعاض» من الحزن. من الفراغ الذي جعلهن يتمسكن 
بقوة بنا محاولات أن يعشن حياتناء ويسرن وفق حياة آبائناء ويقضين أيامهن 
في التسوق أو التوق إلى الأشياء التي لم يبد قط أنها سترضيهن» بغض النظر 
عما قد تكلفه من مال؟ والغريب أن أمهات كثيرات ممّن أحببن بناتهن - 
وأمي واحدة منهن- لم يردن لبناتهن أن يكن مثلهن عندما يكبرن. كنْ يعرفن 
أننا بحاجة إلى ما هو أكثر. 

لکن» رغم كل ما قمن به من حت لنا وإلحاح علينا وكفاح لمساعدتنا 
في التعلم» رغم الشغف الذي تحدثن به عن المهن التي لم تكن مفتوحة 
لهنء لم يفلحن في إعطائنا تصورًا عما يمكن أن نكونه. استطعن فقط أن 
يخبرننا أن حياتهن كانت فارغة جدًا ومرتبطة بالبيت» وأن الأولاد والطبخ 
والملابس والبريدج والجمعيات الخيرية غير كافية. قد تقول أمّ لابنتها 
بوضوح: «لا تكوني مجرد ربة منزل مثلي». ولكن تلك الابنة» شاعرة أن 
أمها محبطة بدا إلى حد أنها لا دوق حب زوجها وأولادهاء قد تقؤل: 
«سأنجح حيث فشلت أمي» سأحقق نفسي كامرأة»» ولا تقرأ قط درس 
حياة أمها. 

بدأت مؤغرًاء من خلال مقابلاتي مع فتيات في المدرسة الثانوية» 
E‏ عن التعليم» » أرى أبعادًا 

يدة لمشكلة الانسجام الأنثوي. بدت تلك الفتيات» في البداية» وكأنهنَ 

متاو سي سي دودح امسا E‏ 


100 اللفز الأنثوي 


بالجيولوجيا أو بالشعر» أمّا الآن» فهن يهتممن فقط بأن تكون لهن شعبية» 
بأن يجعلن الفتيان يحبوهن» وقد انتهين إلى نتيجة مفادها: إِنْ من الأفضل 
لهن أن يكنّ مثل كل الفتيات الأخريات. وعند تفخص الأمر عن قرب 
لم يستطعن أن يرين أنفسهن قط. كن خائفات من أن يكبرن. كان عليهن أن 
ينسخن» بتفصيل مطابق» الصورة المركبة للفتاة الشعبية؛ منكرات أفضل ما 
في أنفسهن» نتيجة الخوف من الأنوثة كما رأينها مجسّدة في أمهاتهن. قالت 
لي فتاة من تلك الفتيات في السابعة عشرة من عمرها: 
أريد بقوة أن أشعر كالفتيات الأخريات. لا أتخطى قط هذا الشعور بأنني' 
مبتدئة. لم أتلقّ المبادئ. عندما أنهض. وأضطر لاجتياز الغرفةء أشمر. 
كأنني مبتدئة؛ أو أنني أعاني من مرض مرعب ماء وأنني لن أتعلم قط. 
أذهب إلى الاستراحة المحليةء التى أذهب إليها عادة بعد المدرسة. وأجلس؛ 
هناك لساعات متحدثة عن الملابس وتسريحات الشعر والجدائل» وأنا غير 
مهتمة بذلك كثيرًاء وهكذا فهي محاولة. لكنني وجدت أنني استطعت جعلهم ' 
يحبونني.. أفمل فقط ما يفعلون: ألبس مثلهمء أتكلم مثلهم. ولا أقوم بأشياء. 
مختلفة. وأظن أنني بدأت أيضًا أجعل نفسي غير مختلفة من الداخل. 
كنت أكتب الشعر. يقول الموجّه أنني أملك تلك الموهبة الإبداعية, وأنني| 
يجب أن أكون في أعلى الصف. وأن لدي مستقبل عظيم. لكن. ليس ذلك مال 
تحتاجين إليه لتكوني محبوبة المهم عند الفتاة هو أن تكون محبوية. ْ 
بدأت الآن أخرج مع الفتيان واحدًا تلو الآخر. وهذه ليست سوى محاولة: لأنني. 
أنا نفسي لست معهم. يجعلك هذا تشعرين بمزيد من الوحدة. وإضافة إلى: 
ذلك أخاف من شكرة إلى.آين سيقودني ذلك هى القريب الفاجل: يفا 
كل اختلافاتي وسأتحول إلى ذلك النوع من الفتيات الذي يستطيع أن ڪا 
ربة منزل. 
لا أريد التفكير في أنني أكبر. لو كان لدي أولاد لتمنيت أن يبقوا في العمر 
ذاته. إذا كان علي أن أراقيهم يكبرون: فسأرى نفسي أكبر. وأنا لا أريد ا 
تقول أمي إنها لا تستطيع النوم في الليل. فهي شديدة القلق مما قد أقوم به 


7 


الفصل الثالث: الأزمة في هوية المرأة 101 
ا ا ل ست ا ا 
عندما كنت صغيرة. ما كانتت تسمح لي بعبور الشارع وحدي. واستمر ذلك 
حتى وقت طويل بعد الأطفال الآخرين. 
لا يمكنني أن أرى نفسي أتزوج. وأنجب الأطفال. الأمر كما لو أنه لن تكون لي 
شخصيتي. أمي مثل صخرة صقلتها الأمواج. مثل فراغ. لقد أعطت عائلتها 
الكثير حتى لم يبق لديها شيء. وهي مستاءة مناء لأنها لا تحصل على ما يكفي 
بالمقابل. لكن؛ يبدو أحيانا كما لو أنه لم يبق شيء. فأمي لا تخدم أي هدف 
سوى تنظيف المنزل. وهي ليست سعيدة: ولا تجعل أبي سعيدًا. إذا لم تهتم 
بنا قط. ٠.‏ نحن الأولاد, فسيكون للأمر ت ذاته الذي للاهتمام المبالغ به. 
هذا يجعلك تريدين أن تفعلي العكس. لا أعتقد أنّ ذلك حت فعلًة . عندما كنت 
صغيرة. ركضت متحمسة اليها لأخبرها أنني تهلمت كيف أقف على رأسي: 
لكنها لم تستمع إلي قط. 
نظرت إلى نفسي في المرآة مؤخرًاء وأنا خائفة جدًا من أنني سأبدو مثل أمي. 
شيء. أنا لست مثلها في أشياء كثيرةء لكن» إذا كنت مثلهاء على هذا النحو أو 
ذاك؛ فربما سينتهي الأمر بي مثلها. وذلك يرعبني. 
وهكذاء فقد كانت الفتاة ذات السبعة عشر عامًا خائفة جدًا من أن تصبح 
امرأة مثل أمهاء حتى أنها أدارت ظهرها لجميع الأشياء في ذاتها ولجميع 
الفرص التي كان يمكن أن تصنع منها امرأة مختلفة» لتستنسخ من الخارج 
الفتيات «المحبوبات». وأخيراء مذعورة من فقدان ذاتهاء أدارت ظهرها 
لشعبيتها الخاصة» وتحدّت السلوك الجيد التقليدي الذي كان يمكن أن 
يؤمّن لها منحة دراسية جامعية. ولانعدام الصورة التى يمكن أن تساعدها 
على النمو لتصبح امرأة حقيقية مع ذاتهاء فقد ارنّدت إلى فراغ الوجودية. 
وقالت لي فتاة أخرى» وهي طالبة ف في السنة قبل الأخيرة من ساوث 
كارولينا: 


لا أريد الاهتمام بمهنة سيكون علي أن أتخلى عنها. 


أرادت أمي أن تكون مراسلة صحفية مذ كانت في الثانية عشرة من عمرهاء 
وقد رأيت إحباطها على مدى عشرين عامًا. لا أريد الاهتمام بشؤون العالم. لا 


102 اللفز الأنثوي 


أريد الاهتمام بأي شيء غير بيتي وبأن أكون زوجة وأمّا رائعة. قد يكون التعليم 

مسؤولية. حتى ألمع الشباب لا يريدون في البيت أكثر من فتاة حلوة جميلة 

أحيانا فقط؛ أتساءل: كيف هو شعور أن تكوني قادرة على أن تمتدي وتمتدي 

وتمتدي. وتتعلمي كل ما تريدينه. وألا تضطري إلى ردع نفسك. 

كانت أمهاء ككل أمهاتنا تقريباء ربة منزل» على الرغم من أن كثيرات 
منهن قد بدأن مهنةء أو تطلعن إلى مهنةء أو أسفن على تخليهن عن مهنة. أيًا 
كان ما قلنه لناء فقد عرفنا بعيوننا وآذاننا وعقولنا وقلوبنا أن حياتهن كانت» 
على نحو ماء فارغة. لم نشأ أن نكون مثلهن» ولكن. أي مثال آخر كان أمامنا؟ 

النوع الآخر الوحيد من النساء الذي عرفته أثناء نموي» هو مدرّسات 
المرحلة الثانوية العوانس» وأمينة المكتبة والطبيبة الوحيدة في بلدتي» والتي 
قصت شعرها مثل رجل» وبضع أستاذات في جامعتي. لم تعش أية واحدة 
من تلك النساء في مركز الحياة الدافئ كما عرفته في البيت. لم تتزوج 
العديدات منهن» أو لم ينجبن آولا5ا. كنت مذعورة من أن أصير مثلهن» 

حتى اللواتي علّمنني حقيقة أن أحترم عقلي» وأستخدمه» وأن أشعر أن لي 
دور في العالم. وأنا قن لم أعرف قط امرأق استخدمت عقلهاء ولعبت 
دورها في العالم» وأحبّت دق وانست أطالا” 

أعتقد أن هذا كان الجوهر المجهول لمشكلة المرأة فى أمريكا لزمن 
العقل وليس لديها سوى القليل لتفعله مع النساء أنفسهن» القوة على تشكيل 
حياتهن إلى درجة كبيرة. وما كان لتلك الصور أن تملك تلك القوة لو لم 
تعان النساء من أزمة هوية. 

لاحظ منظرو علم الاجتماع وعلم النفس والمحللون والمرتون هذه 
الأرضية المخيفة الغريبة التي وصلت النساء الأمريكيات إليها -بعمر الثامنة 
عشرة» الحادية والعشرين» الخامسة والعشرين» الحادية والأربعين- على 
مدى سنوات طويلة. لكني أعتقد أن أحدًا لم يفهمها على ما هي عليه. 


الفصل الثالث: الأزمة في هوية المرأة 103 
أطلق عليها اسم «انقطاع» في التكتّف الثقافي» كما أطلق عليها «أزمة دور 
النساء. وألقي اللوم فيها على التعليم الذي جعل الفتيات الأمريكيات يكبرن 
وهن يشعرن أنهن حرّات ومساويات للصبيان... يلعبن البيسبول» ويركبن 
الدراجات» ويدخلن الهندسة ومجالس الكليات» ويذهبن إلى الجامعةء 
وينطلقن في العالم بحثا عن عمل» ويعشن وحدهن في شقة في نيويورك 
أو شيكاغو أو سان فرانسيسكوء ويختبرن ويكتشفن قدراتهن في العالم. لقد 
أعطى كل ذلك الفتيات الشعور بأنهن يستطعن أن يكنّ من يشأن» وأن يفعلن 
ما يشأن متمتعات بالحرية ذاتها التى للفتيان» كما قال النقاد. لم يعدّهن 
التعليم لدورهن كنساء. وتظهر الأزمة عندما يجبرن على التكف مع هذا" 
0 ر. حاليًا يعزى المعدّل العالي من الضيق الانفعالي والانهيار بين النساء 
فى العشرينيات أو الثلاثينيات من أعمارهن عادة إلى «أزمة الدور» تلك. 
فلو أن الفتيات تربين على القيام بهذا الدور» كما يقول المُكيّفون» لما عانين 
من هذه الأزمة. 

لكني أعتقد أنهم لم يروا سوى نصف الحقيقة. 

فماذا إذا كان الرعب الذي تواجهه فتاة في الحادية والعشرين» عندما 
يكون عليها أن تقرر من ستكون» هو ببساطة رعب النضج.. النضج» لأن 
النساء لم يكن مسموحًا لهن أن يكبرن قبلا؟ ماذا إذا كان الرعب الذي 
تواجهه فتاة في الحادية والعشرين هو الرعب من حرية تقرير حياتها الخاصةء 
حيث ا انها أي مسار ستسلك» حرية وضرورة أخذ مسارات 
لم تكن النساء فيل قادرات على اتخاذها؟ ماذا إذا كانت أولئك. اللواتي 
اخترن مسار «التكيّف الأنثوي» -متجتبات هذا الرعب عن طريق الزواج في 
عمر الثامنة عشرة» ومضيّعات أنفسهن في إنجاب الأطفال وتفاصيل التدبير 
المنزلي- يرفضن ببساطة أن يكبرن ليواجهن سؤال هويتهن الخاصة؟ 

كان جيلي أول جيل جامعي يصطدم رأسًا بلغز التحقق الأنثوي الجديد. 





104 اللغز الأنئوي 


قبل ذلك» فيما انتهت معظم النساء فعلا ربات منازل وأمهات» كان الدافع 
إلى التعليم هو اكتشاف حياة العقل والسعي وراء الحقيقية وأخذ مكان 
في العالم. كان هناك إحساس» بدأ يبهت عندما ذهبت إلى الجامعة» بأننا 
سنکون نساءًا جديدات» وبأن عالمنا سيكون أوسع من البيت بكثير. كانت 
لدى /40 من صفي في جامعة سميث خطط مهنية. لكني أتذكر كيف 
كانت بعض الطالبات الأقدم مناء حتى في ذلك الوقت» يحسدن الطالبات 
القليلات اللواتي هربن من ذلك بالزواج فورًا. 

تعاني اللواتي حسدناهن في ذلك الوقت الآن في سن الأربعين من ذلك 
الخوف. كتبت إحداهن في استبيان الخريجات بعد خمسة عشر عامًا: «لم 
أقرر قط أي نوع من النساء أنا. الكثير من الحياة الشخصية في الجامعة. 
أتمنى لو أنني درست المزيد من العلوم» التاريخ» العلوم السياسية» لو أنني 
تعمّقت أكثر في الفلسفة. ما زلت أحاول إيجاد الصخرة لأبني عليها. أتمنى 
لو أنني أنهيت جامعتي. لكنني بدلا من ذلك تزوجت». وكتبت أمٌّ لستة 
أولاد: «أتمنى لو أنني صنعت لنفسي حياة أعمق وأكثر إبداعاء ولو أنني لم 
أرتبط وأتزوج في التاسعة عشرة. كانت صدمة لي -وقد توقعت المثالية في 
الزواج» بما في ذلك زوجًا مخلصًا مائة بالمائة- أن أكتشف أن الأمر ليس 
كذلك». 


لم تعان كثيرات من الجيل الأصغر سئًا -من الزوجات اللواتي يتزوجن 
باكرًا- من رعب الوحدة هذا. ظننٌ أن ليس عليهن الاختيار» وأن ينظرن 
إلى المستقبلء وأن يخططن لما يردن أن يفعلنه بحياتهن. كان عليهن فقط 
أن ينتظرن إلى أن يتم اختيارهن» مضيّعات وقتهن بسلبية حتى يقرر الزوج» 
الأطفال» المنزل الجديد» كيف ستكون بقية حياتهن. انزلقن بسهولة في 
دورهن الجنسي كنساء قبل أن يعرفن أنفسهن. تلك النساء هنّ من عانين 
أكبر معاناة من المشكلة التي لا اسم لها. 





الفصل الثالث: الأزمة في هوية المرأة 105 





بل مشكلة هوية؛ إعاقة في النمو» أو تجتّب له» ارتكبها اللغز الأنثوي. وإنها 
فرضيتي تلك التي تقول إن الثقافة الفيكتورية لم تسمح للنساء بأن يقبلن 
حاجتهن الأساسية إلى النمو. أو يشبعنهاء وتحقيق إمكانياتهن ككائنات 
بشرية» وهي حاجة لم تتحدد فقط بدورهن الجنسي. 

أف علماء الأخياء موا #فصلة لقاب عدي يه يرقات 
الفراش» وهي في طور اليرقة» فإنها لا تنضج أبدًا لتصل إلى طور الفراشة» 
بل تعيش حياتها يرقات. تعمل توقعات التحقق الأنئوي. التى تُقدّمها للنساء 
المجلات والتلفاز والأفلام والكتب التي تروج أنصاف الحقائق النفسية» 
ويقدمها أيضًا الآباء والمعلمون والمرشدون الذين يقبلون اللغز الأنشوي» 
وكأنها نوع من أنواع مصل الشباب يبقي معظم النساء في حالة يرقات 
جنسية» ويمنعهن من تحقيق النضج القادرات عليه. وهناك أدلة متزايدة على 
أن فشل المرأة في النمو حتى تكمل هويتها قد أعاق إشباعها الجنسي» بدلا 
من أن يغنيه» حاكمًا عليها فعليًا بأن تكون خصيّة لزوجها وأبنائهاء وستب 
تُصابات أو مشاكلء لم تحدد بعد على أنها عصابات» مساوية لتلك التي 

لقد كانت هناك أزمات هوية للرجال في كل المفاصل الحاسمة من 
التاريخ الإنساني» على الرغم من أن أولئك الذين عانوا منها لم يعطوها ذلك 
الاسم. إذ لم يحدث إلا في السنوات الأخيرة أن عزل منظرو علم النفس 
والاجتماع واللاهوت هذه المشكلة. وأعطوها اسمًا. لكنها تعتبر مشكلة 
لأرجل. تُحدّد بالنسبة للرجل على أنها أزمة النضج» اختيار الهوية» «القرار 
إبريك إيريكسون :(Erik H. Erikson)‏ 


لقد أطلقت على الأزمة الرئيسية للمراهقة اسم أزمة الهوية؛ وهي تحدث في 


106 اللغز الأنثوي 


تلك المرحلة من دورة الحياة التي يكون على كل شاب قيها أن يصوغ لنفسه 
متظورًا واتجاهًا مركزيًا ما وحدة عاملة ماء انطلاقًا من بقايا طفولته المؤثرة 
وآمال بلوغه المتوقعة؛ عليه أن يكتشف شيهًا ذأ معنى بين ما توصّل إلى رؤيته 
في نفسه وما يقوله له وعيه المصقول عن حكم الآخرين عليه وتوقعاتهم 
منه... تكون الأزمة لدى بعض الناس. في بعض الطبقات» وفي بعض المراحل 
التاريخية في حدها الأدنى: لكنها لدى أشخاص آخرين وطبقات أخرى وضي 
مراحل أخرى تكون ملحوظة بوضوح على أنها مرحلة حرجةء نوع من «الولادة 
الثانية:: عرضة للتفاقم إما بعٌصابات واسعة الانتشار أو باضطراب أيديولوجي 
(J) |‏ 
واس ۰ 


بهذا المعنى» قد تعكس أزمة إلهوية فى حياة إنسان واحد عملية إعادة 
زلاذة أو مرخلة جد فى تدر الجن الري اوتطلق ر تلك العسلية: 
«يحتاج الإنسان في بعض فترات تاريخه وفي بعض مراحل دورة حياته 
إلى توجه أيديولوجي جديد بالدرجة ذاتها من التأكيد والقوة التي يجب أن 
يعض ها على الوا ال1 كما قال إنريكتيون ملفا شر دا 
على أزمة الشاب مارتن لوثر الذي ترك الكنيسة الكاثوليكية في نهاية العصور 
الوسطى ليصوغ هوية جديدة لنفسه وللإنسان الغربي. 


على كل حال» ليس البحث عن هوية جديدًا في التفكير الأمريكي» 
على الرغم من أن كل إنسان يكتب عنه في كل جيل يكتشفه من جديد. 
فى أمريكاء ومنذ البداية» كان مفهومًا -على نحو ما- أن الرجال يجب 
أن يشقوا طريقهم إلى المستقبل؛ كان الإيقاع دائمًا أسرع بكثير من أن 
تبقى هوية الإنسان ثابتة. وقد عانى رجال كثيرون في كل جيل من البؤس 
والتعاسة والشا؛ لأنهم لم ينعطيعوا أن يأخدو] صورة الإنسان الذي يريدون 
أن يكونوه من آبائهم. ولقد كان بحث الشابء الذي لا يستطيع العودة إلى 


(1) Erik H. Erikson, Young Man Luther, A4 Study in Psychoanalysis and History, 
New York, 1958, pp. 15. ff See also Erikson, Chiidhood and Society, New 
York, 1950. and Erikson, “The Problem of Ego and Identitv,” Joumal of the 
American Psychoanalytical Association, Vol. 4, 1956, pp. 55-121. 











الفصل الثالث: الأزمة في هوية المرأة 107 





دياره» عن الهوية دائمًا موضوعًا رتيسيًا للكتّاب الأمري يكيين. وقد اعتبر دائمًا 
صحيحًا وجيدًا ذ فى أمريكا للرجال أن يعانوا من عذابات ت النمو تلك وأن 
يبحثوا عن مراف وأن يجدوها. ذهب فتى المزرعة إلى المدينةء وأصبح 
ابن صانع الألبسة طبياء وعلّم أبراهام لينكولن نفسه القراءة.. كانت تلكم 
أكثر من مجرد قصص تحوّل أسمال بالية إلى ثروات. كانت جرءًا لا يتجزأ 
من الحلم الأمريكي. كانت المشكلة للكثيرين هي المال أو العرق أو اللون 
أو الطبقةء أي أي شيء يمنعهم من الخيار. لا ما كانوا سيكونون عليه لو 
كانوا أحرارًا فى الاختيار. 


وحتى اليوم» يتعلم الشاب باكرًا بما يكفي أنه يجب أن يقرر من يريد أن 
يكون. إذا لم يقرر في نهاية المرحلة الإعدادية أو الثانوية أو في الجامعة 
فيجب على نحو ما أن يتوصل إلى صيغة ما في سن الخامسة والعشرين 
أو الثلاثين» وإلا فسيعتبر ضائعًا. لكن» ينظر إلى هذا البحث عن هوية على 
أنه مشكلة أكبر الآن لأن أعدادًا متزايدة من الفتيان لا تستطيع أن تجد لها 
صورًا في ثقافتنا -من آبائهم أو من رجال آخرين- لتساعدهم في بحثهم. 
لقد اجتيحت الحدود القديمةء أما الحدود. الجديدة فلم تتضح معالمها 
بوضوح بعد. بيعاني المد والمزيل من الشبات في امرك البو من أزمة 
هوية نتيجة الحاجة إلى أية صورة للإنسان تستحق أن يسعى المرء وراءهاء 
نتيجة الحاجة إلى هبحق فعا قدراتهم الإنسانية. 


ولكن لم لم يدرك المنظرون وجود أزمة الهوية هذه لدى النساء؟ ففي 
مصطلحات الأعراف القديمة واللغز الأنثوي الجديد لا يتوقع من النساء أن 
يكبرن ليكتشفن من هنّء ليخترن هويتهن الإنسانية. التشريح قدر المرأة» 
يفول منظرو الأنثويةء فهوية المرأة تنقرر ببيولوجيتها. 

ولكن» هل هي كذلك؟ تسأل أعداد متزايدة من النساء أنفسهن هذا 
السؤال. كما لو كن يستيقظن من سبات» يسألن: «أين أنا... ما الذي 


108 اللفز الأنثوي 


أفعله هنا؟» لقد بدأت النساء لأول مرة فئ تاريخهن يدركن أزمة الهوية 
في حياتهن» أزمة بدأت منذ عدة ان رت اق مع كل جيلء ولن 
تنتهي حتى ينعطفن» هن أو بناتهن» خلف زاوية مجهولة» ويصنعن من 
أنفسهن ومن حيواتهن الصورة الجديدة التي تحتاج إليها الآن بشدة نساء 
كثيرات. 

بمعنى يتجاوز حياة أية امرأة بذاتهاء أعتقد أن هذه أزمة نضج النساء.. 
انعطاف من مرحلة ما قبل النضج» التي لطالما سميت أنوثة» إلى الهوية 
الإنسانية الكاملة. أعتقد أن على النساء أن يعانين من أزمة الهوية هذه 
التى بدأت منذ مائة سنة وعليهن أن يعانين منها الآن ببساطة حتى يصبحن 
الجانات باكافلن: 


الفصل الرابع: الرحلة الحماسية 109 


الفصل الرابع 


الرحلة الحماسية 


كانت الحاجة إلى هوية جديدة هى ما أطلقت النساء منذ قرن مضى 
كلت اة الحمامجة تلاك الخ المذمومة الما رها يعدا عن 
البيت. 

كانت السخرية من الحركة النسوية أمرًا شائعًا فى السنوات الأخيرة 
كإحدى نكات التاريخ القذرة: أن ترثي بضحكة مكبوتة لتلك الناشطات 
النسويات القديمات اللواتي كافحن من أجل حقوق المرأة في التعليم 
العالي والعمل والتصويت. كنّ ضحايا عُصابيات للحسد القضيبي» أردن 
أن يكنّ رجالاء كما يقال الآن. أنكرن -في النضال من أجل حرية المرأة 
في المشاركة في العمل وقرارات المجتمع الكبيرة على قدم المساواة مع 
الرجال- طبيعتهن كنساء» طبيعة لا تشبع نفسها إلا بالسلبية الجنسية وقبول 
سيطرة الذكور والأمومة الراعية. 

لكن» إذا لم أكن مخطتة فهذه الرحلة الأولى هي ما يحمل الإشارة إلى 
كثير مما حدث للنساء منذ ذلك الحين. إنها إحدى النقاط العمياء الغريبة 
في علم النفس المعاصر ألا يدرك حقيقة الشغف الذي دفع أولئك النساء 
إلى مغادرة بيوتهن بحنًا عن هوية جديدة أوء عند بقائهن في البيت» إلى 
التوق الشديد إلى ما هو أكثر. كان فعلهن فعل تمرّده رفض عنيف لهوية 





110 اللفز الأنثوي 
النساء كمأ كانت محددة حينها. كانت الحاجة إلى هوية جديدة هى ما قاد 
تلك الناشطات النسويات المتحمسات إلى رسم دروب جديدة للنساء. 
كانت بعض تلك الدروب وعرة على نحو غير متوقع. وكان بعضها ينتهى 
بطريق مسدودة» وريما كان بعضها زائفاء لكن حاجة النساء إلى إيجاد دروب 


جديدة كانت حقيقية. 

كان مشكلة البوية جد غ ا حتيا ن فاك و اتف 

لناشطات النسويات يستكشفن الطريق على الحافة الأمامية من تطور 
ا ل و 1 الات كن 
إذا اقتضى الأمرء تمثال دريسدن الصغير الذي كان يمثّل المرأة النموذجية 
في القرن الماضي. كان عليهن أن يثبتن أن المرأة ليست مرآة سلبية فارغة» 
ليست مجرد ديكور لا فائدة منه» ليست حيوانًا بلا عقل» ليست شيئًا یجب 
التخلص منه من قبل الآخرين» عاجزة عن أن يكون لها صوت في أمر 
وجودها هی» قبل حتى أن تتمكن من النضال من أجل الحقوق التى كانت 
النساء بحاجة إليها ليصبحن مساويات إنسائيًا لمرجال. 1 

قيل لهن إِنّ المرأة لا تتغير» وإ المرأة صبيانية» وإ مكان المرأة في 
بينها. لكن» كان الرجل يتغير» وكان مكانه في العالم. وكان عالمه يتسع. 
وكانت المرأة ترك خلفًا. كان التشريح قدرها؛ قد تموت وهي تلد طفلاء 
تلد اثني عشر طفلاء في حين أن 

الرجل يتحكم بمصيره عن طريق ذلك الجزء من تكوينه التشريحي الذي لا 
يملكه أي حيوان آخر: عقله. 

لكنّ المرأة أيضًا تملك عقلًا. وهي أيضًا لديها الحاجة الإنسانية إلى 
النمو. لكن العمل الذي يغذي الحياة» ويحركها نحو الأمام. لم يعد يجري 
في البيت» ولم تدرّب المرأة على فهم العالم والعمل فيه. وهي. محصورة 
في بيتهاء ولذا بين أولادهاء سلبية» ليس تحت سيطرتها أي جزء من وجودهاء 
لم تكن تستطيع أن توجد إلا لإسعاد الرجل. كانت تعتمد تمامًا على حمايته 


وقد تعيش حتى الخامسة والثلاثين» و 








الفصل الرابع: الرحلة الحماسية 111 





في عالم ليس لها أي دور في صنعه: عالم الرجل. لم تستطع أن تكبر قط 
لتطرح السؤال الإنساني البسيط: «من أنا؟ ما الذي أريده؟» 

حتى إذا أحبها الرجلء كطفلة أو لعبة أو قطعة ديكورء حتى لو أعطاها 
الياقوت والساتان والمخملء حتى لو كانت دافئة في بيتهاء آمنة مع أولادهاء 
ألن تتوق إلى شيء أكثر؟ كانت» في ذلك الوقت» محددة تمامًا من قبل 
الرجل على أنها موضوع وليست ذاناء «أنالى في ذاتها» حتى أنه لم يكن 
يتوقع منها أن تستمتع» أو تشارك؛ في فعل الجنس. «قضى وطره منها... 
قضى غرضه منها». كما كانت الأمثال تقول. هل من الصعب جدًا على 
الفهم أن العتق» الحق في الإنسانية الكاملة» كان مهما بما يكفي لأجيال من 
النساء» مازلن على قيد الحياةء أو توفين مؤخرّاء لدرجة أن بعضهن قاتلن 
بقبضاتهن» وذهبن إلى السجن» ومتنّ حتى من أجله؟ من أجل الحق في 
النمو الإنساني. أنكرت بعض النساء جنسهن الخاص والرغبة في أن يحببن 
وي أذ يكن رات يان نج اغا 

إن القول بأنْ شغف الحركة النسوية وحماسها قد جاء! من عوانس 
متعطشات للجنس مليئات بالغيظ كارهات للرجال. من نساء لسن كالنساء 
فاقدات للقدرة الجنسية ومخصيات حرقهن الحسد للعضو الذكري إلى 
حد أنهن رغبن بإزالته من جميع الرجال أو تدميرهم» مطالبات بالحقوق 
فقط لأنهن يفتقدن القدرة على الحب بوصفهن نساء هو تحريف للتاريخ 
لم يوضع. ويا للغرابة» موضع التساؤل. فماري وولستون كرافت (0ة1! 
.)Wollstonecr‏ وأنجيلينا جريمكى (0112116) 188اءع4:78)» وإرنستين 
روز (2056 عمناوعم8)» ومارجر دفر ر Fuller)‏ 8314)») وإليزابيت 
كادي ستانتون (08اصة)5 024 طاء6ة2ذا)؛ وجوليا وورد هاوي (84زانال 
.)Ward Ho‏ ومارجر يت سانغر (5372865 813183566) جميعهن أحببن» 
وکن موضع حب» وتزوجن» ويبدو أن العديدات منهن كن شغوفات في 
علاقتهن مع أحبائهن وأزواجهن» في فترة كان شغف النساء محرّمًا تحريم 


112 اللفزالأنئوي 
الذكاء» وكنْء فى الوقت ذاته» يخضن معركتهن من أجل نيل المرأة فرصة 
النمو لتحتل کا إنسانية كاملة. لكن» إذا كنّء هن وأولئك اللواتى مثل 
سوزان أنتونى ۸٤1 ٥۸¥(‏ 0535ا5)» ممن أبعدهن حظهن أو تجربتهن المريرة 
عن الزواج» قد ناضلن من أجل أن تنال المرأة فرصة تحقيق ذاتهاء لا بالنسبة 
للرجلء بل كفرد» فقد كان ذلك نابعًا من حاجة حقيقية وماسة» مثل الحاجة 
إلى الحب. قالت مارجريت فولر: «ما تحتاج إليه المرأة» لا أن تتصرف أو 
تحكم كامرأة» بل أن تنمو كطبيعة» وتميّز كعقل» وتعيش حرة كروح» وتطلق 
بلا عراقيل القوى التي منحت لهاا. 

لم يكن أمام الناشطات النسويات سوى نموذج واحده صورة واحدة» 
رؤية واحدة للإنسان الحر الكامل: الرجل. لأنه حتى وقت قريب» كان 
الرجال فقط (وليس جميعهم) هم من يملكون الحرية والتعليم اللازمين 
لتحقيق قدراتهم الكاملة» للاستكشاف والإبداع والاكتشاف. ولرسم 
مسارات جديدة للأجيال القادمة. كان الرجال فقط يملكون حق الاقتراع: 
الحرية في صياغة قرارات المجتمع المهمة. كان الرجال فقط يملكون حرية 
أن يحبواء وأن يستمتعوا بالحب» وأن يقرروا لأنفسهم في عيني ربهم مسائل 
الصواب والخطأ. هل أرادت النساء تلك الحريات لأنهن أردن أن يكن 
رجالا؟ أم أردنها لأنهن أيضًا بشر؟ 

لقد رأى هنريك إبسن رمزيًا هذا المعنى للنسوية. فعندما قال فى 
مسرحيته بيت الدمية عام 1879 إن المرأة هي» بكل بساطة» إنسان» فإنه قد 
عزف نغمة جديدة في الأدب. لقد رأت آلاف النساء من الطبقة الوسطى. 
في أوروبا وأمريكا في ذلك الوقت الفيكتوري أنفسهن في نورا. وفي عام 
0» بعد قرن تقريبًا من ذلك رأت ملايين ربات المنازل الأمريكيات» 
ممن شاهدن المسرحية على التلفازء أنفسهن أيضًا عندما سمعن نورا تقول: 

لطالما كنت لطيفًا معي. لكن بيتنا لم يكن أكثر من حجرة لعب. لقد كنت 

زوجتك الدمية. تمامًا مثلما كنتٌ في البيت دمية أبي؛ ولقد كان الأولاد هنا 


الفصل الرابع: الرحلة الحماسية 113 


دماي. كنت أظنه مرحًا عظيمًا أن تلعب معي» تمامًا مثلما كانوا يظنون أن لعبي 
معهم مرح عظيم. هذا ما كان عليه زواجناء يا تورفالد... 
كيت أ لتربية الأولاد؟ ... هناك مهمة يجب أن أقوم بها أولا. يجب أن 
أحاول وأعلّم نفسي... وأنت لست الرجل الذي سيساعدني في ذلك. يجب أن 
أقوم بذلك بنفسي. ولهذا سأتركك الآن... يجب أن أقف وحيدة إذا أردت أن 
أفهم نفسي وكل ما يحيط بي. ولهذا السبب لا أستطيع أن أبقى معك بعد الآن... 
يذكر الزوج المصدوم نورا بأن «واجبات المرأة الأكثر قداسة» هي 
واجباتها نحو زوجها وأولادها. ويقول: «أنت قبل كل شيء زوجة وأ 
لكنْ نورا ترد عليه: 
أعتقد أنني» قبل كل شيء آخرء إنسان له عقل مثلك تمامًاء أو في جميع الأحوال 
أنني يجب أن أصبح كذلك. أعرف جيدًاء يا تورفائد. أن معظم الناس يعتقدون 
أنك على حقء وأنّ وجهات النظر التي من ذلك النوع يمكن أن توجد في الكتب, 
لكنني لم أعد أستطيع أن أقنع نفسي بما يقوله معظم الناسء أو بما يمكن أن 
يوجد في الكتب. يجب أن أفكر في الأمور لنفسيء وأن أتوصل إلى فهمها... 
إن القول بأن النساء قد قضين نصف قرن يناضلن من أجل «حقوق»؛ 
وأنهن في النصف الثاني كنّ يتساءلن ما إذا كنّ في النهاية يردن تلك الحقوق» 
هو كليشية جاهزة من كليشيهات وقتنا. «الحقوق» لها وقع باهت لدى 
الأشخاص الذين كبروا بعد الفوز بها. لكن» كما هو الحال مع نوراء كان على 
الناشطات النسويات أن يظفرن بتلك الحقوق قبل أن يتمكنّ من بدء الحياة 
والحب كإنسانات. لسن كثيرات تلك النساء اللواتي تجرأن حينهاء أو الآنء 
على التخلي عن الأمان الوحيد الذي عرفنه ... تجرأن على إدارة ظهورهن 
لبيوتهن وأزواجهن» ليبدأن البحث الذي بدأته نورا. لكن.ء لابدٌ أن أعدادًا كبيرة 
منهن» حينها والآن» قد وجدن وجودهن ربات منازل فارعًا جدًا إلى درجة 
أنهن لم يعدن قادرات على الاستمتاع بحب الزوج والأبناء. 
انطلق بعض منهن - وحتى قلة من الرجال الذين أدركوا أن نصف الجنس 
البشري محروم من حق أن يصبح إنسانًا بالكامل- لتغيير الظروف التي أبقت 





114 اللفز الأنثوي 


النساء في العبودية. حصت تلك الظروف في المؤتمر الأول حول حقوق 

النساء في سينيكا فولز في نيويورك في عام 1848» كمظالم للمرأة ضد الرجل: 
لقد أجبرها على الاستسلام لقوانين لم يكن لها في صياغتها أي صوت... لقد 
جعلها؛ إذا كانت متزوجةء ميتة مدنيًا في عيون القانون. أخذ منها جميع حقوق 
الملكية. حتى الأجور التي تكسبها... وهي تجبرء في عقد الزواج» على أن تعد 
بطاعة زوجهاء الذي يصبح سيدها في كل شاردة وواردة؛ فالقانون يمنحه 
سلطة حرمانها من حريتهاء وأن يطبق عليها عقابًا... وهو يغلق في وجهها كل 
سبل الثروة والامتياز التي يعتبرها أكثر تبجيلا له. وهي غير معروفة كمدرٌسة 
للاهوت أو الطب أو القانون. لقد أنكر عليها تسهيلات الحصول على تعليم 
شامل. وتقلق في وجهها جميع الكليات. وكون وجدانًا عامًا زائمًا بإعطاء 
العالم قانونًا للأخلاق مختلمًا للرجال والنساءء لا يتساهل وحسب مع الجنح 
الاخلاقية. التي تستبعد النساء من المجتمع» بل ولا يعطيها سوى أهمية فليلة 
بالنسبة للرجال. لقد اغتصب امتياز يهوه ذاته» مدعيًا أن من حقه أن يميّن 
لها مال فغلهاء عندها ,يعود: ذلك الصميرها وريها:. لقن حاون يكل طريعة 
استطاعها أن يحطم ثقتها بقواها الخاصة. وأن يقلل احترامها لذاتهاء وأن 
يجعلها مستعدة للسير في حياة من الذل والتبعية. 


كانت تلكم هي الظروف التي انطلقت الناشطات النسويات لتغييرها 
منذ قرن مضىء والتى جعلت من النساء ما كنّ عليه-«أنثويات»» كما عرفت 
الأنثوية حينهاء وما تزال. 

من الصعب أن يكون الكفاح لتحرير المرأة قد بدأ في أمريكا في أعقاب 
الحرب الثورية» واشتداده مع الحركة من أجل تحرير العبيد”؟ مجرد صدفة. 


(1) See Eleanor Flexner, Century of Struggle: The Woman ئ‎ Rights Movement in 
{he United States. Cambridge, Mass., 1959. 


لم يحظ هذا التاريخ المحدّد لحركة حقوق المرأة. والذي شر عام 1959 في ذروة حقبة 
اللغز الأنثويء بالاهتمام الذي يستحقه. لا من قبل القارئ الذكي ولا من قبل الڌارسين. 
وبرأيي» يجب أن يُفرّض على كل فتاة تقل في كلية أن تقرأه. أحد الأسباب التي يكشفها 
اللغز هو أن نساءًا قليلات جدًا تحت سن الأربعين يعرفن حقائق حركة حقوق المرأة. أنا 
مدينة جدًا للسيد فلكسنر على الأفكار الواقعية العديدة التي كان من الممكن أن تفوتني 
لولاها في محاولتي للوصول | إلى الحقيقة الكامنة خلف اللغز الأثنوي وصورته الرهيبة 
عن الناشطات النسويات. 


الفصل الرابع: الرحلة الحماسية 115 





كان توماس باين (29106 1502085).؛ الناطق الرسمي باسم الثورة» بين أوائل 
من أدانوا في عام 1775 وضع المرأة «حتى في البلدان التي قد يكنّ فيها 
الأكثر سعادة» مقيدات فى رغباتهن فى التصرف بممتلكاتهن» مسلوبات 
الحرية والإرادة من قبل ا قات الرأي...». في أثناء الثورة» 
قبل نحو عشر سنوات من قيادة ماري وولستون كرافت للحركة النسوية في 
إنجلتراء قالت امرأة أمريكية» هی جوديث سارجنت موراي (5318624 100115 
و0 إن المرأة كانت بحاجة إلى المعرفة لعخيل أهدافًا بعديدة» وتي 
محاولة الوصول إليها. في عام 1837» وهو العام الذي فتحت فيه مونت 
هوليوك أبوابها لإعطاء النساء فرصتهن الأولى في التعليم على نحو مساو 
لفرصة الرجل» كانت النساء أيضًا يعقدن أول مؤتمر وطني نسوي مناهض 
للعبودية في نيويورك. واجتمعت معًا النساء اللواتي أطلقن رسميًا حركة 
حقوق المرأة في سينيكا فولزء عندما تم رفض إعطائهن مقاعد في مؤتمر 
مناهضة العبودية فى لندن. قررت إليزابيث ستانتون (Elizabeth Stanton)‏ 
في شهر عسلها ولوكريشيا موت (Lucretia Mott)‏ الأم المحتشمة لخمسة 
أبناء» وهما محجوزتان وراء ستارة فى الصالة» أن ليس العبيد فقط من كانوا 
بحاجة إلى تحرير. ۰ 

إذا كان هناك» في أي وقت وفي أي مكان من العالم» زيادة في الحرية 
الإنسانية فإن النساء قد فزن بحصة منها لهن. لم يخض الجنس الثورة 
الفرنسية» ولم يحرر العبيد في أمريكاء ولم يطح بالقيصر الروسي» ولم 
بخرج البريطانيين من الهند. لكن. عندما تحرك فكرة الحرية الإنسانية عقول 
الرجال» فإنها تحرك أيضًا عقول النساء. جاءت إيقاعات بيان سينيكا فولز 
مباشرة من إعلان الاستقلال: 

عندما يصبح ضروريًاء في مسار الأحداث البشرية. لجزء واحد من العائلة 

الإنسانية أن يشغل بين آهل الأرض مكانة مختلفة عن تلك التي شغلها حتى 

الآن... فعلينا أن نأخن هذه الحقيقة كبديهية: لقد خلق جميع الرجال والنساء 

متساوين. 


116 اللغز الأنثوي 


لم تكن النسوية نكتة قذرة. يجب خوض الثورة النسوية لأنّ النساء 
ببساطة تامة» أوقفن في مرحلة من التطور أقل بكثير من قدرتهن الإنسانية. 
قال الموقر تيودور باركر (:28:16 156000:6) في بوسطن عام 1853: 
«تستنزف الوظيفة المنزلية كل قوى المرأة. أن نجعل نصف الجنس البشري 
يستنزف طاقاته في وظائف مدبرة المنزل والزوجة والأم هو هدر هائل 
لأئمن مادة صنعها الرب على الإطلاق». وهناك أيضًا فكرةٌ ممتدةٌ مثل خيط 
لامع» وأحيانًا خطيرء عبر تاريخ الحركة النسوية تقول إن المساواة للمرأة 
ضرورية لتحرير الرجل والمرأة من أجل إشباع جنسي حقيقي”". لأنّ الحط 
من قدر المرأة حط أيضًا من قدر الزواج والحب وجميع العلاقات بين 
الرجل والمرأة. بعد الثورة الجنسيةء كما قال روبرت ديل أوين 5066500 
Owen‏ 1231)). «عندها سيموت احتكار الجنس مع أنواع أخرى غير عادلة 
من الاحتكار؛ ولن تكون النساء محصورات بفضيلة واحدة وعاطفة واحدة 
ومهنة واحدة». 
تتوقع النساء والرجال الذين بدؤوا تلك الثورة «مقدارًا صغيرًا من 
الوهم أو التحريف أو السخرية». وهذا ما حصلن عليه؛ أطلق على أول 
من تحدّثن علنًا مطالبات بحقوق المرأة في أمريكا فاني رايت (لإهصه1 
1 وهي ابنة نبيل اسکتلندي» وإيرنستين روز (1056 عصناوعمم8) 
وهي ابنة حاخام» على التوالي: «مومس الإلحاد الجمراء» و«امرأة أحط 


(1) See Sydney Ditzion, Marriage, Morals and Sex in America: A History of 
Ideas, New York, 1953. 


توق هذه المقالة السيرية الشاملةء التى أعدها أمين مكتبة جامعة نيويورك» للعلاقة المتبادلة 
المستمرة بين الحركات من أجل الإصلاح الاجتماعي والجنسي في أمريكاء وعلى نحو 
خاص» بين حركة الرجل من المزيد من التحقق الذاتي والتحقق الجنسي وحركة حقوق 
المرأة. تكشف الخطابات والكراسات التى جمعت عن أنه غالبًا ما ينظر الرجال» وكذلك 
النساء اللواتي يقدن حركة تحرير المرأة» إلى الحركة على أنها «خلق توازن عادل في 


السلطة بين الجنسين؟ في سبيل «تعبير أكثر إرضاءًا عن الجنسانية من قبل الجنسين». 
1 7 .م Ibid.,‏ )2( 


القصل الرابع: الرحلة الحماسية 117 





ألف مرة من العاهرة». واستثار بیان سينيكا فولز احتجاجًا عنيقًا متراوحًا بين 
وصفه ب«الثورة» و«العصيان بين النساء» و«حكم التنانير» و«التجديف على 
الله؛ من صحف ورجال دين» حتى أن ضعيفات القلوب سحبن توقيعهن. 
وتنافست التقارير المثيرة عن «الحب الحر» و«الدعارة المجازة قانونيًا) 
مع تقيض خبالية عن ات ا ومؤاعظ کی وعمليات جرا 
قوطعت فيما أهدت محامية أو كاهنة أو طب طب وها ج غ فاد 

كان على الناشطات النسويات» في كل خطوة على الطريقء أن يحاربن 
فكرة أنهن ينتهكن طبيعة المرأة التي منحها الله لها. اعترض رجل دين على 
مؤتمرات حقوق المرأة ملوحًا بالأناجيل ومقتبسًا من الكتاب المقدس: 
«قال القديس بولسن:..ورئيسن كل افرأة رجل)...«دعوا نساءكم يصمتن 
في الكنائس» لأنه غير مسموح لهن أن يتحدثن»... «وإذا كنّ سيتعلمن أي 
شيء» فدعوهن يسألن أزواجهن في البيت؛ لأنه عار على المرأة أن تتكلم في 
الكنيسة». .. الكني لا أتحمل أن ڌ تقوم امرأة بالتلقين أو بفرض سلطتها على 
الرجلء بل أن تبقى صامتة؛ لأن آدم خلق أولاء ثم خلقت حواء»... «قال 
ی ا الو ا 
إن إعطاء النساء حقوقًا مساوية من شأنه أن يدمر تلك «الطبيعة الأنعم 
والألطف التي» لا تجعلهن ينفرن من دوامة الحياة العامة ومعركتها فحسب» 
بل وتجعلهن غير مؤهلات لها حسبما قال سيناتور من نيوجرسي منعْمًا 
بورع في عام 1866. «إن لديهن رسالة أسمى وأقدس. إنها في متابعة صناعة 
شخصية الرجال القادمين. رسالتهن فى البيت» عن طريق مداهناتهن وحبهن» 
من أجل إشباع عواطف الرجال عندما يعودون من معركة الحياةء وليس من 
خلال اشتراكهن أنفسهن ذ في الصراع لصبّ مزيد من الزيت على النار». 
وقال أحد أعضاء مجلس النواب من نيويورك. ممن عارضوا أول 
عريضة متعلقة بحق المرأة المتزوجة فى الملكية والمكاسب: «لا يبدو أنهن 
اكتفين بأن يكن فاقدات للقدرة الجنسيةء بل ويرغبن في أن يُفقدن كل أنثى 


118 اللغز الأنثوي 


على الأرض تلك القدرة». ولآنّ «الله خلق الرجل ممثلا للجنس البشري»ء 
ثم «أخذ من جنبه مادة لخلق المرأة»» وأعادها إلى جنبه عن طريق الزواج 
ااكجسد واحد» وجود واحداء فقد رفض المجلس برضى ذاتى العريضة: 
«لقد أعطت سلطة أعلى من تلك التي تصدر التشريعات القانونية الأمر 
الشرعي بأن الرجال والنساء غير متساوين»'. 

استندت خرافة أن أولئك النساء هنّ «مسوخ» وغير طبيعيات» على 
القناعة بأن تدمير خضوع النساء المفروض من قبل الرب من شأنه أن يدمّر 
البيت» وأن يجعل من الرجال عبيدًا. تنشأ تلك الخرافات في كل نوع من 
الثورات يخضع جزءًا جديدًا من عائلة الإنسان للمساواة. ليس تصوير 
الناشطات النسويات على أنهن آكلات رجال ناريّات متوحشات» سواء جرى 
التعبير عنه على شكل إساءة للرب أو فى المصطلحات المعاصرة للشذوذ 
الجنسىء مختلفًا عن التصنيف المقولب للزنجي على أنه حيوان بدائي» 
أو لشم الان عا أنه تور ا الاعات الجنسية هو 
الحقيقة القائلة بأن الحركة النسوية كانت ثورة. كانت هناك بعض المبالغات 
بالطبع كما في أية ثورة» لكن مبالغات الناشطات النسويات كانت في حدّ 
ذاتها دلالة على ضرورة الثورة. لقد انبثقت من الأقاويل المنحطة عن حياة 
المرأة» وجاءت إنكارًا انفعاليًا لها: خضوع مستسلم متخف وراء لباقة لطيفة 
جعلت من النساء غرضا لاحتقار الرجالء ومقنّع بطبقة رقيقة لدرجة أنهنء 
أنفسهن» شعرن بالاحتقار تجاه أنفسهن. وبالتأكيد كان التخلص من ذلك 
الاحتقارء واحتقار الذات» أصعب من الظروف التي سببتهما. 


كن بالطبع يحسدن الرجل. قصّت بعض أوائل الناشطات النسويات 
شعرهن قصيرّاء وارتدين السراويل» وحاولن أن يكن مثل الرجال. كانت 


(1) Yusi Suhl, Ernestine L. Rose and the Battle for Human Rights, New York, 
1959, p. 158. 


وهي تمثل وصفًا قويًا للمعركة من أجل حق النساء المتزوجات في ملكيتهن ودخولهن. 


الفصل الرابع: الرحلة الحماسية 119 





لدى أولئك النساء المتحمسات, بناءًا على الحياة التي رأين أمهاتهن يعشنها 
وعلى تجاربهن الخاصة: أسبابًا وجيهة لرفض الصورة التقليدية عن المرأة. 
كما رفض بعضهن الزواج والأمومة. لكن في إدارة ظهورهن للصورة 
الأنئوية القديمة» وفي الكفاح لتحرير أنفسهن وجميع النساء» أصبح البعض 
منهن نوعًا مختلًا من النساء. أصبحن إنسانات كاملات. 

يعيد اسم لوسي ستون (56026 لإهندآ) إلى الذهن اليوم صورة امرأة 
ضارية آكلة رجال ترتدي بنطالا وتلوّح بمظلتها مهددة. احتاج الرجل 
الذي أحبها زمًا طويلا لإقناعها بالزواج منه» وعلى الرغم من أنها أحبته» 
وظلت على حبه طوال حياتها المديدة» فإنها لم تحمل اسمه قط. عندما 
وُلدت صرخت أمها اللطيفة: «أوه» يا عزيزي! أنا آسفة لأنها فتاة. فحياة 
المرأة قاسية جدًا». قبل بضع ساعات من ولادة الطفلة» حلبت تلك الأم 
في مزرعة في غرب ماساشوستس في عام 1818 ثمانية أبقار» لأنْ عاصفة 
رعدية مفاجئة استدعت كل الأيدي إلى الحقل: كان إنقاذ محصول التبن 
أهم من المحافظة على أمّ على وشك الولادة. وعلى الرغم من أن هذه الأم 
اللطيفة المتعبة تحمّلت العمل الذي لا ينتهي في بيت المزرعة» وولدت 
تسعة أولاد» فقد كبرت لوسى ستون عارفة أنه «كانت هناك إرادة واحدة فى 
بيتنا وتلكم هي إرادة والدي». ١‏ 

ثارت على أنها وُلدت فتاة إذا كان ذلك يعنى أن تكون وضيعةء كما 
قال الكتاب المقدسء وكما قالت أمها. ثارت دا كانت ترفع يدها في 
اجتماع الكنيسة دون أن تُعدّء المرة تلو المرة. في اجتماع حلقة خياطة في 
الكنيسة» حيث كانت تصنع قميصًا لمساعدة شاب على الدخول إلى مدرسة 
لاهوتية؛ سمعت ماري لايون («0ر1 5ة/8) تتحدث عن التعليم للنساء. 
تركت القميص غير مكتمل» وبدأت في عمر السادسة عشرة تعلّم في مدرسة 
مقابل دولار في الأسبوع» مدخرة ما تحصل عليه لمدة تسع سنواتء إلى أن 
جمعت ما يكفي لدخول الجامعة بدورها. أرادت أن تدرّب نفسها «على 


120 اللفز الأنثوي 


الدفاع لا عن العبيد فقط» وإنما عن الإنسانية المعذبة في كل مكان. وأعني 

بشكل خاص أن أعمل على نهضة بنات جنسي». ولكن في أوبرلين» حيث 

كانت واحدة من أوائل خريجات «الدورة النظامية»» كان عليها أن تتمرّن سرًا 
كانت الزميلات المختلطات في أوبرلين: في غسلهن لملا بس الرجالء والعناية 
بغرفهم؛ وخدمتهم على المائدة. والاستماع إلى خطبهم, مع اليقاء صامتات 
باحترام في التجمعات العامةء يُعددن لأمومة ذكية وحياة زوجية مذعنة كما 

)1( . . 

يبعي ۰ 


من حيث المظهرء كانت لوسي ستون امرأة صغيرة الحجم ذات صوت 
فضيّ لطيف يستطيع أن يهدئ حشدًا غاضبًا. كانت تلقي محاضرات عن 
إلغاء العبودية في أيام السبت والأحد ممثلة جمعية مناهضة العبودية» 
وتحاضر مطالبة بحقوق المرأة في بقية أيام الأسبوع كنشاط ذاتي» مواجهة» 
ومتغلبة على رجال يهددونها بالعصي» ويرمون بكتب الصلاة والبيض على 
رأسهاء حتى أنهم مرّةَ في منتصف الشتاء» دسّوا أنبوبًا من النافذة» وفتحوا 
عليها ماءًا شديد البرودة. 

انتشرت في إحدى البلدات الإشاعة المعتادة بأن امرأة «مسترجلة» 
ضخمة»ء ترتدي جزمة» وتدخن السيجار» وتشتم مثل الفرسان» قد وصلت 
لتلقي محاضرة. لكن السيدات», اللواتي حضرن ليستمعن إلى هذه النزوة» 
عبّرن عن ذهولهن لأنهن وجدن لوسي ستون صغيرة وأنيقة لابسة فستانًا من 
الساتان الأسود مع كشكش مخرّم أبيض عن العنق «نموذج أصلي لأناقة 
المرأة...عذبة وصافية كالصباح». 

أغاظ صوتها القوى المدافعة عن العبودية» حتى أن صحيفة بوسطن 
Flexner, op. cit., p. 46. 1110001000‏ )1( 


(2) Elinor Rice Hays, Morning Star, A Biography of Lucy Stone, New York, 1961, 
p. 83. 





الفصل الرابع: الرحلة الحماسية 121 





بوست نشرت قصيدة وقحة واعدة ب«نفخ بوق الشهرة بصوت عال» للرجل 
الذي «سيغلق فم لوسي ستون بقبلة الزواج». شعرت لوسي ستون أن «الزواج 
للمرأة هو حالة من العبودية». حتى بعد أن تبعها هنري بلاكويل (/11©30 
|اء:81201) من سينسيناتي إلى ماساشوستس («لقد ولدت متحركة)» كما 
اشتكى)» وأقسم أن «يرفض سيادة الرجل أو المرأة في الزواج»» وكتب لها: 
«التقيت بك فى نياغاراء وجلست عن قدميك بجوار الدوامة ناظرًا إلى المياه 
القاتمة بشغف وشوق لا يتجزأ ولا ينطفئ في قلبي الذي لن تعرفيه ولن 
تفهميه»» وألقى خطابًا علنيًا لصالح حقوق المرأة؛ حتى بعد أن اعترفت بأنها 
في حياة امرأة عازبة)» فإنها عانت من نوبات صداع نصفي تعمي البصر 
بخصوص قرار الزواج منه. 
فى عرسهماء كتب الكاهن توماس هيجنسون (508طأع1118 :(Thomas‏ 
«بكت البطلة لوسي مثل أية عروس قروية». وقال الكاهن أيضًا: «لم أؤد 
EE SC‏ سيد يكلم e‏ يصبح الرجل والمرأة فيه 
ا وهذا الواحد هو الزوج» . وأرسل إلى الصحف العهد الذي ضمَ 
لوسي ستون وهنري بلاكويل أيديهما لقطعه قبل أن يقطعا عهد الزواج» 
بينما نقرٌ بعاطفتنا المشتركة من خلال تحملنا على رؤوس الأشهاد لعلاقة 
الزوج والزوجة... فإننا نعتبر واجبًا علينا أن نعلن أنّ هذا الفعل من جانبنا لا 
يتضمن أي إقرار أو وعد بالطاعة الطوعية لقوانين ن الزوا ج الحالية التي ترفض 


الاعتراف بأن الزوجة كائن عافل مستقل» ٠‏ وتمئح في الوقت نفسه الزوج سيادة 
E‏ )1( 
مؤذية وغير طبيعية '. 


قاومت لوسي ستؤن وصديقتها الموقرة الجميلة أنطوانيت براون (التي 
تزوجت لاحقًا شقيق هنري) ومارجريت فولر وأنجلينا غريمكي وأبّي كيلي 


مس سے 


(1) Flexner, op. cit., p. 64. 


122 اللفز الأنثوي 
فوسترء قاومن جميعًا الزواج المبكرء ولم يتزوجن في الحقيقة حتى بدأن. 
في معر كتهن ضد العبودية ومن أجل حقوق المرأة» يجدن كنساء هوية كانت 
مجهولة لأمهاتهن. وبعضهنء من مثل سوزان أنتوني وإليزابيث بلاكويل» 
لم يتزوجن قط؛ احتفظت لوسي سميث باسمها في خطوة تتجاوز الخوف 
الرمزي من أنك حين تصبحين زوجة تموتين كشخص. علق المفهوم 
المعروف ب«المرأة المغطاة»» والمكتوب في القانون» «الكائن نفسه أو 
الوجود القانوني للمرأة» لدى الزواج. «بالنسبة للمرأة المتزوجةء ذاتها 
الجديدة هي وليهاء شريكهاء سيدها». 

إذا كان صحيحًا أن الناشطات النسويات كنّ «نساء محبطات»» كما 
قال أعداؤهن حتى في ذلك الوقت» فذلك لأنه كانت لدى جميع النساء 
تقريبًا اللواتي عشن في ظل تلك الظروف من الأسباب ما يكفي للتستّب 
بالإحباط. قالت لوسي ستونء في واحد من أكثر خطاباتها إثارة للمشاعر 
في عام 1855 

لقد كنت. من السنوات الأولى التي تمتد إليها ذاكيرتي. امرأة محبطة. عندما 

كنت أسعى مع أخوتي وراء مصادر المعرفة. كنت أُوَبّخْ بكلمات مثل: «هذا غير 

مناسب لك؛ هذا لا يلائم النساء»... في التربية» في الزواجء في الدين: في 

كل شيء؛ الإحباط قدر المرأة. وسيكون عمل حياتي أن أعمّق هذا الإحباط في 

قلب كل امرأة حتى لا تعود تذعن زه" 

رأت لوسي ستون خلال حياتها قوانين كل ولاية تقريبًا تتغير جذريًا فيما 
يتعلق بالنساء» فتحت المدارس الثانوية أبوابها لهن وكذلك ثلثا الجامعات 
في الولايات المتحدة. وبعد موتها في عام ۰1893 كرّس زوجها وابنتها 
اليس ستون بلاكويل (812018611 56006 e٥iاA)‏ حياتهما للمعركة غير 
المنتهية من أجل حق النساء في التصويت. وفي نهاية رحلتها الحماسيةء 
لطاع ر ي ا إنها کات س ا ولدت امراف رک إل 
ابتتها في اليوم السابق على عيد ميلادها السابع عشر: 


(1) Hays, op. cif., p. 136. 


الفصل الرابع: الرحلة الحماسية 123 








أنا واثقة من أن أمي ترى وتعرف كم آنا سعيدة لأنني ولدت» في زمن كانت 
فيه أشياء كثيرة بحاجة إلى المساعدةء وقد استطعت أن أمدّ يد المساعدة. 
اه يا أمي العجوز الغالية! كانت حياتها قاسية. وشعرت بالأسف لأنها أنجيت 
فتاة أخرىء عليها أن تعيش حياة المرأة القاسيةء وتتحملها... لكنني سعيدة 
تمامًا لأنني أتيت!1). 
لقد كان عشق الحرية لدى بعض الرجال» في أوقات معينة من التاريخ. 
فى مثل قوة العواطف المألوفة للحب الجنسي أو أقوى منها. وإنها لحقيقة 
أن الأمر كان كذلك أيضًا للكثير من النساء اللواتي كافحن من أجل تحرير 
النساء» بغض النظر عن كيفية شرح قوة تلك العاطفة الأخرى. وعلى الرغم 
من عبوس معظم أزواجهن وآبائهن وسخرياتهم» وعلى الرغم من العدائية 
إن لم يكن سوء المعاملة التام» الذي تعرضن له نتيجة سلوكهن «غير 
الأنثوي». فإن الناشطات النسويات تابعن حربهن المقدّسة. هن أنفسهن كنّ 
يتعذبن بشكوك المراجعة الذاتية في كل خطوة على الطريق. كتبت ماري 
لايون أنه لم يكن من اللائق للأنثى أن تسافر في أرجاء نيو إنجلاند وهي 
تحمل حقيبة من المخمل الأخضر لجمع المال من أجل تأسيس جامعتها 
للنساء. وسألت: «هل ما أقوم به خطأ؟ لقد ركبت في العربة أو السيارات 
دون مرافقة... قلبي مريض» روحي متألمة من هذه الدماثة الفارغة» من هذه 
التفاهة اللطيفة. أنا أقوم بعمل عظيم» ولا أستطيع التراجع». 
شعرت أنجيلينا غريمكي الجميلة أنها ستصاب بالدوار عندما قبلت 
ما كان القصد منه ال ورت لتتحدث أمام الهيئة التشريعية في 
ماساشوستس حول العرائض المناهضة للعبودية» أول امرأة على الإطلاق 
تظهر أمام هيئة تشريعية. وقد أدانت رسالة رعوية سلوكها غير اللائق بالمرأة: 
إننا نسترعي انتباهكم إلى المخاطر التي يبدو حاليًا أنها تهدد الشخصية 
الأنثوية بأذى واسع الانتشار ودائم... إن قوة المرأة هي تبعيتهاء نابعة من 
إدراك ذلك الضعف الذي منحه الله لها من أجل حمايتها... لكنها عندما 


(1) Ibid., p. 285. 


124 اللغز الأنثوي 


تنتحل مكانة الرجل وأسلويه كمصلح عام فإن شخصيتها تصبح غير طبيعية. 

إذا كانت الكرمة؛ التي تكمن قوتها وجمالها في أن تستلقي على العريشةء 

وتستر جزئيًا عناقيدهاء تظن أنها ستنتحل استقلالية الدردار أو طبيعته 

الظليلة» فهي لن تتوقف عن حمل الثمار وحسب» بل وستسقط في التراب 

مجللة بالخزي والعارا"). 

لقد جعلها شيء أكبر من القلق والإحباط ترفض أن «تشعر بالخزي إلى 
درجة التزام الصمت»» وجعل ربات المنازل في نيو إنجلاند يمشين ميلين 
وأربعة أميال وستة وثمانية في أماس شتوية ليستمعن إليها. 

قد تشهد الممائلة الانفعالية للا الأمريكيات مع المعركة من أجل 
تحرير العبيد» وقد لا تشهد. على الإثارة غير الواعية لثورتهن. لكن الحقيقة 
التي لا يمكن إنكارها هي أن النساء الأمريكيات» في التنظيم وتقديم العرائض 
والحديث علنًا من أجل تحرير العبيد» قد تعلمن كيف يحررن أنفسهن. فى 
العاوب سحي اهت ال د الا ي الت حف ل تحصن على أي 
نصيب من التعليم أو العمل الاستكشافي أو معارك المجتمع التعليمية» بقيت 
الصورة القديمة للأنوثة سليمة لم تُمس» وكان عدد الناشطات النسويات 
قليلا. وفي الشمال» لم تعد النساء اللواتي شاركن في مشروع مترو الأنفاق» 
أو اللواتى عملن من أجل تحرير العبيد» كما كنّ مرة ثانية. مضت النسوية 
أيضًا إلى الغرب مع القطارات» حيث جعلت المناطقٌ الحدوديةٌ من النساء 
مساويات تقريبًا منذ البداية. (كانت ولاية وايومينغ أول ولاية تمنح النساء 
حق الاقتراع). على المستوى الفردي» يبدو أن الناشطات النسويات لم يكن 
لديهن من الأسباب لحسد الرجل أو كرهه أكثر ولا أقل مما كان لدى جميع 
النساء في وقتهن. أمَا ما تمتعن به فهو الاحترام الذاتي والشجاعة والقوة. 
وسواء أحببن الرجل أم كرهنه» نجون من إذلال الرجال لهن في حياتهن 
الخاصة أم عانين منهء فقد تماهين مع النساء. شعرت النساءء اللواتي قبلن 
بالظروف التي تحط من قدر المرأة» بالاحتقار لأنفسهن ولجميع النساء. أما 


(1) Flexner, op. cit., p. 46. 


الفصل الرايع: الرحلة الحماسية 125 


الناشطات النسويات» اللواتى ناضلن ضد تلك الظروفء فقد حررن أنفسهن 
من ذلك الاحتقارء وكانت أسبابهن لحسد الرجل أقل. 

جاءت الدعوة إلى المؤتمر الأول لحقوق المرأة لأن امرأة متعلمة» كانت 
قد شاركت في تشكيل المجتمع كناشطة من أجل إلغاء العبودية» احتكت 
وجهًا لوجه مع حقائق بؤس ربات المنازل في بلدة صغيرة وعزلتهن. ومثل 
الخريجة الجامعية التي لديها ستة أولاد» والتي تعيش في ضاحية اليوم» 
كانت إليزابيث كادي ستانتون» التي انتقلت مع زوجها إلى بلدة سينيكا فولز 
الصغيرة» لا تهدأ في حياة من الخبز والطبخ والخياطة والغسيل والعناية بكل 
طفل. وكان زوجهاء الناشط من أجل إلغاء العبودية» غائيًا غالبًا فى أعماله. 
كتبست: 

أفهم الآن الصعوبات العملية التي كان على معظم النساء أن يكافحن ضدها 

في منزل منعزل واستحالة تطوير المرأة نحو الأفضل إذا كان احتكاكهاء في 

الجزء الأكبر من حیاتها؛ هومع الخدم والأطفال... ترك الاستياء العام الذي 

شعرت به تجاه قدر المرأة... والنظرة المتعبة القلقة لدى غالبية النساء 

في أثرًا قويّاء مع شعور قوي بوجوب اتخاذ بعض التدابير الفعالة... لم يكن 

واضحًا لي ما الذي يحب فعله. أو من أين أبداًء وكانت فكرتي الوحيدة هي 

اجتماع عام للاحتجاج والمناقشة". ٠‏ 

لم تنشر سوى بيان موجز في الصحف. لكنّ ربات منازل وبنات» لم 
يعرفن قط أي نوع آخر من الحياة» جئن في عربات من دائرة نصف قطرها 
خمسون ميلا ليستمعن إليها تتحدث. 

مهما كانت جذورهن الاجتماعية والنفسية متباينة فإن جميع اللواتي 
قدن المعركة من أجل حقوق المرأة: فى بدايتها وفيما بعدء تشاركن أيضًا 
بما هو أكثر من الذكاء المشترك» وتغذّين بما هو أكثر من التعليم المشترك 
في وقتهن. ولولا ذلك ما كن ايا تكن عواطفهنء ليتمكنّ من أن يخترقن 
برؤيتهن التحيّزات التي برّرت الحط من قدر المرأة» وأن يعترن بكلمات 


(1) Ibid., p. 73. 








126 اللغزالأنثوي 


واضحة عن صوتهن المختلف. علّمت ماري وولستون كرافت نفسهاء 
ج علدت ب ذلك على يد تلك المجيوعة من الفاديفه لوحي الدين 
كانوا یسرون حينها بحقوق الإنسان. اورت قزار علا والذها أن 
تقرأ كلاسيكيات ست لغات» وانخرطت مع المجموعة المحيطة بإيمرسون 
(Emerson)‏ من أتباع الفلسفة المتعالية. أما والد إليزابيث كادي ستانتون» 
وهو قاض» فقد وفر لابنته أفضل تعليم متاح حينهاء وأكمل ذلك بأن سمح 
لها بالاستماع إلى القضايا التي كان يحكم فيها. وحصلت إرنستين روزء ابنة 
الحاخام التي تمردت على عقيدة دينها القاضي بخضوع المرأة للرجل» على 
تعليمها في «التفكير الحر؛ من الفيلسوف الطوباوي الكبير روبرت أوين. 
كما تحدّت العرف الديني الأرثوذكسي لتتزوج الرجل الذي أحبته. وكانت 
تصرّ دائمّاء في أمرّ يام النضال من أجل حقوق المرأة» على أن عدو المرأة 
ليس الرجل. «نحن لا نناضل ضد الرجل نفسه. بل ضد مبادئ سيئة». 

لم تكن أولئك النساء آكلات رجال. فجوليا وورد هاوي» الابنة الألمعية 
والجميلة لنيويورك «400)» والتي درست بتركيز كل ميدان من الميادين التي 
أثارت اهتمامهاء كتبت «ترتيلة معركة الجمهورية» بلا اسم» لأنْ زوجها كان 
يعتقد أن حياتها يجب أن تكون مكرسة له ولأولادهما الستة. ولم تلعب 
أي دور في الحركة من أجل حق الانتخاب حتى عام 1868» عندما التقت 
بلوسي ستونء التي «كانت لفترة طويلة موضوع واحد من مكروهاتي 
الخيالية. عندما نظرت في وجهها الأنثوي الحلوء وسمعت صوتها الوقورء 
شعرت أن موضوع نفوري لم يكن سوى وهم أثارته تحريفات ساذجة لا 
معنى لها... لم أستطع سوى القول: أنا معك206. 

تكمن السخرية فى خرافة آكلات الرجال تلك فى أنْ ما كان يسمى 
مبالغات الناشطات السويات قد نشأ من انعدام انی فعندما تعتبر 
النساء بلا حقوق» وأنهن غير جديرات بأية حقوق» ما الذي يمكن أن يفعلنه 


{1) Hays, op. cit., p. 136. 





الفصل الرابع: الرحلة الحماسية 127 





لأنفسهن؟ في البداية» بدا أن ليس في مقدورهن القيام بأي شيء سوى 
الكلام. عقدن مؤتمرات حول حقوق المرأة في كل عام بعد عام 1848» 
في مدن صغيرة وكبيرة» مؤتمرات وطنية أو على مستوى الولاية» مرة تلو 
المرة» في أوهايوء وبنسلفانياء وإندياناء وماساشوستس. كنّ قادرات على 
الكلام حتى يوم القيامة حول الحقوق التي لم يكن يتمتعن بها. لكن» كيف 
يمكن للنساء أن يجعلن المشرّعين يتركونهن يحتفظن بما يكسبنه من مال. 
أو بأولادهن بعد الطلاق» في وقت لا يتمتعن فيه حتى بحق الاقتراع؟ كيف 
يستطعن أن يموّلن؛ أو ينظمن» حملة للحصول على حق الاقتراع في وقت 
لا يملكن فيه أي مال خاص بهن» ولا حتى حق امتلاك ملكية؟ 

جعلت الحساسية عينها تجاه الاعتقاد الذي تغذيه تلك التبعية التامة 
في النساء كل خطوة خارج سجنهن اللطيف خطوة مؤلمة. حتى عندما 
حاولن تغيير الظروف» التي كانت ضمن قدرتهن على التغييرء فقد ووجهن 
بالسخرية. كانت الفساتين غير المريحة على نحو مذهل التى تلبسها 
«السيدات» في ذلك الوقت رمرًا لعبوديتهن: مشدّ معقود بإحكام حتى يكاد 
نفسهنٌ ينقطع» نصف دزينة من التنانير والحواشي تزن ما بين عشرة أرطال 
واثني عشر رطلاء وطويلة جدًا إلى حد أنها تكنس أوساخ الشارع. لقد جاء 
تصوير الناشطات النسويات على أنهن يقلدن سراويل الرجال جزئيًا من 
فستان «بلومر)”'» وهو عبارة عن سترة وتنورة تصل إلى الركبة وسروال 
واسع يصل إلى الكاحل. لبسته إليزابيث ستانتون بحماس في البداية حتى 
تقوم بعملها المنزلي براحة» مثلما قد تلبس شابة اليوم بنطالا قصيرًا أو 
سروالا واسعًا. لكن» عندما كانت الناشطات النسويات يلبسن فستان بلومر 
في الأماكن العامة للدلالة على تحررهن» كانت النكات الوقحة من محرري 
الصحف والمتسكعين على زوايا الشوارع والفتيان الصغار غير محتملة 





ك4 ۲ سروال نسائيّ واسع» أخذ اسمه من السيدة التي استخدمته لأول مرة نا۸ 
0265 - المتر جم. 


128 اللغز الأنثوي 


لحساسياتهن الأنثوية. حتى أن إليزابيث ستانتون قالت: «لبسنا الفستان من 
أجل الشعور بحرية أكبر» لكن ما الحرية الجسدية بالمقارنة مع العبودية 
العقلية»» وتخلت ستانتون عن فستان بلومر. توقف معظمهن» مثل لوسي 
ستون» عن لبسه لسبب أنثوي: لم يكن لائقا جدّاء إلا للسيدة بلومر نفسها 
الجميلة والصغيرة جدًا. 

ومع ذلك» يجب التغلب على تلك الرقة العاجزة في عقول الرجال وفي 
عقول النساء الأخريات وفي عقولهن هنّ. عندما قررن تقديم عريضة من 
أجل حقوق النساء المتزوجات بامتلاك ملكية» كانت الأبواب تصفق في 
وجوههن في نصف الحالات حتى من قبل النساء» مع ملاحظة معتدة بأن 
لديهن أزواجًا ولسن بحاجة إلى القوانين لتحميهن. عندما جمعت سوزان 
أنتوني ورفيقاتها ستة آلاف توقيع في عشرة أسابيع» استقبلهن مجلس ولاية 
نيويورك بعاصفة من الضحك. ورد المجلس بسخرية إنه بما أن السيدات 
يحصلن دائمًا على «الطعام الشهي المختار» على المائدة وعلى أفضل 
مقعد في العربة» ويخترن على أي جانب من السرير سيستلقين» «فإذا كان 
تياك ظلم رجاف فار جال هن من يعالون ما واپ على كل ان 
سيتنازلون عن «التعويض)» فيما عدا الحالات التي وقع فيها الزوج والزوجة 
على العريضة. «وفي تلك الحالة» سيوصون الطرفين بتقديم طلب من أجل 
قانون يجيز لهما تبادل الملابس» بحيث قد يلبس الزوج التنورة» وتلبس 
الزوجة السروال». 

والعجيب هو أن الناشطات النسويات كنّ قادرات على الفوز بأي 
شيء.. أنهن لم يكنّ نساء سليطات مغتاظات» بل نساء متحمسات على نحو 
متزايد» يعرفن أنهن يصنعن تاريًا. لدى إليزابيث ستانتون من الحيوية أكثر 
مما لديها من المرارة؛ ظلت تنجب الأطفال حتى الأربعينيات من عمرهاء 
وتكتب لسوزان أنتونى أن هذا الطفل سيكون حمًا الأخير» والطريف أن 
ذلك لم يكن سوى اا «تشجعي يا سوزان» لن نصل إلى أفضل ما 


الفصل الرابع: الرحلة الحماسية 129 





فينا حتى نصبح في الخمسينيات». كانت سوزان أنتوني -المزعزعة بألم 
والمدركة لملامح وجههاء لا نتيجة معاملة الرجال لها (فقد كان هناك من 
طلبوا يدها)» بل نتيجة أخت أكبر جميلة وأمَ» تعاملتا مع فتاة حولاء على 
أنها مأساة- الوحيدة من بين القائدات النسويات في القرن التاسع عشر 
التي شابهت الخرافة عنهن. شعرت أن الأخريات قد ختهاء عندما أخذن 
يتزوجن» وينجبن الأطفال. ولكن رغم ذلك الشعور بأنها أقل من الآخرين» 
فإنها لم تكن عانسًا لاذعة تربي قطة. فعن طريق سفرها وحيدة من مدينة 
إلى أخرى» وعن طريق إلقائها بملاحظاتها في الاجتماعات» وعن طريق 
استخدام قدراتها كاملة» كمُتَظْمَة وعضو في جماعة ضغط ومحاضرة» شقّت 
طريقها الخاص في عالم أوسع وأوسع. 
غيّرت تلك النساء خلال حياتهن الصورة الأنثوية التى برّرت الحط 
من قدر المرأة. في أحد الاجتماعات» وفيم كان الرجال يسخرون من منح 
حق الاقتراع إلى نساء عاجزات إلى حد يجب معه رفعهن فوق برك الطين 
ودفعهن إلى العربات» رفعت ناشطة نسوية فخورة» اسمها سوجورنر تروث 
.)Sojourner Truth)‏ ذراعها السوداء: 
انظروا إلى ذراعي! لقد حرثتٌ الأرضء وزرعتهاء وجمعت المحصول في 
مخازن الغلال... ألست امرأة؟ كنت أستطيع العمل بقدر ما يستطيع رجل 
أن يعمل» وأن آكل بمقدار ما يستطيع رجل أن يأكل -عندما كنت أتمكن من 
الحصول على طعام- وأن أتحمل الجلد بالسوط كذلك... لقد ولدت ثلاثة 
عشر ولدّاء ورأيت معظمهم يباع في سوق العبودية وعندما كنت أصرخ مع 
فضت لك الضنورة عن الرفة الفارغة أا رالات ايد هن الا 
اللواتي عملن في معامل القرميد: فتيات معمل لوويل اللواتي ناضلن 
ضد ظروف العمل المرعبة التي كانت» في جزء منها نتيجة دونية النساء 
المفترضةء أسوأ لهن حتى من تلك التي للرجال. لكن تلك النساء اللواتي 
كان عليهن» بعد اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة ساعة في المعمل» أن يقمن 


130 اللغز الأنثوي 


بالواجبات المنزلية لم يتمكنّ من أخذ زمام القيادة في الرحلة الحماسية. 
معظم المناضلات النسائيات الرياديات كنّ نساءًا من الطبقة الوسطى قادتهن 
دوافع مركبة إلى تعليم أنفسهن وتحطيم تلك الصورة الفارغة. 

ما الذي قادهن قدمًا؟ كتبت لويزا ماي ألكوت (41600 My‏ 3كننامآ) 
في جريدتهاء عندما قررت أن تتطوع ممرضة في الحرب الأهلية: ايجب أن 
أطلق طاقتي الحبيسة بطريقة جديدة. رحلة مثيرة جدًا إلى عالم جديد مليء 
بالمشاهد والأصوات المثيرة» مغامرات جديدة» وإحساس متزايد باستمرار 
بالمهمة العظيمة التي قمت بها. كنت أتلو صلواتي» فيما أمضي مندفعة عبر 
الوطن» أبيض بالخيم وزاخر بالوطنية وقد اصطبغ أحمر بالدم. زمن مهيب» 
لكني سعيدة لأنني عشت فيه). 

ما الذي قادهن قدمًا؟ وحيدةً ومعذبة بشكوكها الذاتية» تجاهلت 
إليزابيث بلاكويل» بذلك التصميم الهائل الذي لم يسمع أحد بمثله قط 
على أن تصبح طبيبة» ضحكات السخرية والمآزق المؤقتة لتقوم بدراساتها 
التشريحية. عاركت من أجل حق حضور تشريح أعضاء التكاثر» لكنها 
قررت عدم المسير في موكب حفلة التخرج لأن ذلك لم يكن لائقًا بامرأة. 
ومجتنبةٌ حتى من زملائها الأطباء» كتبت: 

أنا امرأة وطبيبة أيضًا... أفهم الآن لماذا لم تفش هذه الحياة من قبل. إنه لمن 

الصعب أن تعيش» دون أي دعم سوى هدف كبير. ضد كل أصناف المعارضة 

الاجتماعية... أحب أن أحصل على شيء من التسلية بين حين وآخر. الحياة 

في مجملها جديّة زيادة عن اللزوه!!. 

في غضون قرن من الصراع» خدع الواقع الخرافة القائلة بأن المرأة 
ستستخدم حقوقها من أجل الهيمنة الانتقامية على الرجل. عندما ظفرت 
الناشطات النسويات بالحق في التعليم المتساوي والحق في الحديث أمام 
الجمهور وامتلاك الملكية والحق في العمل في وظيفة أو مهنة وفي أن 


(1) Flexner, op. cift.; p 46. 


5 


الفصل الرابع: الرحلة الحماسية 131 





يتحكمن بما يكسبنه» أصبحت أسباب شعورهن بالقسوة ضد الرجل أقل. 
ولكن» كانت هناك معركة أخرى يجب خوضها. كما كتبت الألمعية م. 
كارى توماس (18208135 رھ »)M.‏ أول رئيسة لجامعة براين ماور(85/0 
»)Mawr‏ في عام 1908: 
حياة مجرّأة. ونظرن خارجًاء ورأين الرجال مثل أشباح تمشي. كان عالمًا 
للرجل. كانت القوانين قوانين الرجل. وكانت الحكومة حكومة الرجلء وكان 
البلد بلد الرجل. الآن ظفرت النساء بالحق في التعليم العالي والاستقلالية 
الاقتصادية. والحق في أن يصبحن مواطنات في الدولة هو النتيجة التالية 
التي لا مناص منها للتعليم والعمل خارج المنزل. لقد مضينا بعيدًا. ويجب 
علينا أن نمضي أبعد. لا يمكننا أن نتراجع إلى الوراء!!). 


كانت المشكلة هي أن حركة حقوق النساء قد أصبحت محترمة جدًا 
تقريبًا؛ ومع ذلك» دون حق الاقتراع لم تستطع جعل أي حزب سياسي 
يأخذها على محمل الجد. عندما عادت هارييت بلاتش (ط8134 «(Harriet‏ 
ابنة إليزابيث ستانتون وأرملة رجل إنجليزي» إلى البلاد» عام 1907؛ 
وجدت الحركة التي أنشأتها أمها فيها تدور في روتين عقيم من حفلات 
الشاي والكعك. كانت قد اطلعت على التكتيكات التى استخدمتها النساء 
الآخرين فى الاجتماعات العامة» إثارة متعمدة لرجال الشرطة» إضرابات 
عن الطعام في السجن؛ نوع من المقاومة غير العنيفة الدرامية التي استخدمها 
غاندي في الهند. أو تلك التى يستخدمها راكبو الحرية في الولايات 
المتحدة الآن عندما تترك التكتيكات القانونية التمييز على حاله. لم تضطر 





(1) Ibid., p. 235. 

2( 5 ”0لeeء۴:‏ ناشطون في حركة الحقوق المدنية» كانوا في مطلع الستينيات من 

القرن العشرين» يترافقون في مجموعات متعددة الأجناس ويركبون الحافلات في أنحاء 
الولايات الجنوبية في أمريكا احتجاجًا على التمييز العنصري - المترجم. 


132 اللغز الأنثوي 


المناضلات النسويات الأمريكيات إلى اللجوء إلى الحدود القصوى التي 
وصلت إليها نظيراتهن الإنكليزيات اللواتي لهت لفت أطول من الا 
لكنهن طرحن قضية حق الاقتراع حتى أثرن معارضة أقوى بكثير من تلك 
التي أثارتها القضية الجنسية. 

وفي حين تفجرت معركة تحرير النساء في القرن التاسع عشر من 
قبل معركة تحرير العبيدء فإنها تفجّرت في القرن العشرين من قبل معارك 
الإصلاح الاجتماعي» ومعارك جين أدامز (843705 1356) وهل هاوس 
House)‏ ااHu)"»‏ وتقدّم حركة الاتحادء والإضرابات الكبيرة ضد ظروف 
العمل التى لا تطاق فى المعامل. بالنسبة للفتيات العاملات فى تريانغل 
شيرتو نت «(Triangle Shirtwaist)‏ اللو اتي كنّ يعملن مقابل ك5 لارات 
في الأسبوع» وحتى وقت متأخر يصل إلى العاشرة ليلاء رض عليهن 
غرامة إذا تحدثن أو ضحكن أو غَنّين» كانت المساواة مسألة أهم من التعليم 
أو حق الاقتراع. كنّ يصبرن على الإضراب في أشهر الجوع والبرد القارس؛ 
كانت العشرات منهن يتعرضن للضرب على يد الشرطةء ويُسحبن بعيدًا في 
سيارات نقل السجناء. كانت الناشطات النسويات الجديدات يجمعن المال 
من أجل دفع كفالة المضربات وثمن طعامهن» مثلما كانت أمهاتهن يساعدن 
العاملات في أنفاق القطارات. 

خلف صرخات «أنقذوا الأنوثة) و«أنقذوا البيت» يمكن أن تلمح الآن 
تأثير الآلات السياسية المصابة بالجبن لمجرد فكرة ما قد تقوم به هذه 
المصلحات إذا ما حصلن على حق الاقتراع. كانت النساء» بعد كل شيء» 
يحاولن أن يغلقن الحانات. وقد ضغطت معامل البيرة» بالإضافة إلى مصالح 
أعمال أخرى» ولاسيما التي تعتمد على عمل الأطفال والنساء قليل الأجرء 
علا ضد التعديل المتعلق بحق المرأة بالتصويت في واشنطن. «كان رجال 


House )1(‏ ااHu:‏ مستوطنة اجتماعية أمريكية أسستهاء عام 1889ء في شيكاغو المصلحة 
الاجتماعية جين آدامز بهدف مساعدة الفقراء والأحداث الجانحين - المترجم. 


الفصل الرابع: الرحلة الحماسية 133 





النظام بوضوح غير واثقين من قدرتهم على ضبط زيادة في جمهور الناخبين» 
الذي بدا لهم نسبيًا حصيئًا ضد الرشوة. مقاتلا أكثر» ومصممًا على تشويش 
الإصلاحات المتراوحة من ضبط مياه البلاليع إلى إلغاء عمل الأطفالء 
والأسوأ من كل ذلك ”سياسة التنظيف“'. وأشار أعضاء الكونغرس 
الجنوبيون إلى إن حق التصويت للنساء يعني أيضًا النساء الزنجيات. 
تم خوض المعركة الأخيرة من أجل حق التصويت في القرن العشرين 
من قبل أعداد متزايدة من النساء اللواتى درسن في الجامعات بقيادة كاري 
تشابمن كات (Carrie Chapman Cat)‏ ابنة أيواء والتي تعلمت في 
ولاية أيواء وكانت معلمة وصحافية» وكان زوجهاء وهو مهندس ناجح» 
يدعمها بقوة في معاركها. وضعت إحدى المجموعات» التي أطلقت على 
نفسها فيما 7 اسم حزب المرأة» عناوين رئيسية مستمرة مع مجموعات 
من المحتجين حول البيت الأبيض. بعد اندلاع 0 العالمية الأولى» 
كان هناك الكثير من الهستريا حول النساء اللواتي قيدن أنفسهن إلى سياج 
البيت الأبيض. ونتيجة إساءة معاملتهن على يد الشرطة والمحاكم» فقد قمن 
بإضرابات عن الطعام فى السجن» وعذبن ف فى النهاية بالتغذية القسرية. كان 
العديد من تلك النساء من طائفة الكويكرز © ويرفضن العنف» لكن غالبية 
الناشطات النسويات دعمن الحرب» فى الوقت الذي تابعن فيه حملتهن من 
أجل حقوق النساء. ولا يمكن إلا بصعوبة اعتبارهن مسؤولات عن خرافة 
المناضلة ان الرجال المنتشرة اليوم» وهي خرافة لطالما ظهرت 
باستمرار منذ منذ أيام لوسي ستون حتى الوقت الراهن» متى كان لدى أي 
شخص سبب للاعتراض على خروج النساء من البيت. 
قامت النساء الأمريكيات» فى هذه المعركة النهائية» وعلى مدى خمسين 
موي و حي اخطلة انما عام على الناخبين الذكور» و480 حملة 





Ibid., p. 299.‏ )1( 
:Quakers )2(‏ طائفة مسيحيه تنبذ العثنف وتلتزم بالسلمية :5 المترجم. 


134 اللغزالأنثوي 


لحمل الهيئات التشريعية على تقديم التعديلات المتعلقة بحق التصويت إلى 
الناخبين» و277 حملة لحمل المؤتمرات الحزبية على مستوى الولاية على 
تضمين حق التصويت للنساء في برامجهاء و30 حملة لحمل المؤتمرات 
الحزبية للانتخابات الرئاسية على تبني حق التصويت للنساء في برامجها 
و19 حملة مع 19 كونغرس متعاقتا. كان على أحد ما أن ينظّم كل هذه 
الاستعراضات والخطابات والعرائض والاجتماعات والضغط على المشرّعين 
وأعضاء الكونغرس. لم تعد الناشطات النسويات الجديدات مجرد حفنة من 
النساء المتفانيات؛ فقد كرست آلاف وملايين النساء الأمريكيات مع أزواجهن 
وأبنائهن وبيوتهن كل ما يستطيعون توفيره من وقت للقضية. الصورة الكريهة 
للمناضلات النسويات اليوم أقل شبهًا بالمناضلات أنفسهن منها بالصورة 
التي رعتها المصالح التي عارضت بضراوة حق الانتخاب للنساء في ولاية تلو 
الأخرى, والتي قامت بالضغط على المشرّعين وتهديدهم بالتدمير التجاري 
أو السياسي» واشترت الأصوات» وقامت حتى بسرقتهاء حتى بعد مصادقة 36 
ولاية على التعديل وبعدها. 
أولئك اللواتي خضن الحرب ظفرن بما هو أكثر من حقوق فارغة على 
الورق. لقد تخلصن من ظل الاحتقار والاحتقار الذاتي الذي لطالما حط 
من قدر النساء على مدى قرون. وصفت إيدا أليكسا روس وايلاي (102 
Ross Wylie‏ exaا۸)»‏ وهي ناشطة نسوية إنكليزية» وَضفا خملا الفرح 
وحس الإثارة والمكافآت الشخصية لتلك المعركة: 
وجدت, ويا لدهشتيء أنّ النساء. على الرغم من اصطكاك ركبهن ومن حقيقة 
أن ساق امرأة محترمة ما كانت لتذكر مجرّد ذكر في ذلك الحين. تمكن عند 
الحاجة من تجنْب شرطي لندني عادي. أصبح هدفهن من تمرين صغير جيدًا 
بما يكفي لوضع خضراوات ناضجة في عيون وزاريةء وذكاؤهن حاد بما يكفي 
لإبقاء أفراد سكوتلند يارد [مركز شرطة لندن] يجرون في دوائر. ويبدون 
سخيفين جدًا. كانت قدرتهن على التنظيم الارتجالي وعلى السرية والإخلاص: 


(1) Ibid., p. 173. 


الفصل الرابع: الرحلة الحماسية 135 





وإهمالهن المتحدي للطبقات والنظام الراسخ وحيًا لجميع المهتمين: ولاسيما 
كان اليوم الذي أرسلتٌ فيه بلكمة يسارية مستقيمة على الفك: ضابطًا ضخم 
الهامة في شرطة التحقيق الجنائي إلى المكان المخصص للأوركسترا من 
المسرح» حيث كنا نعقد أحد اجتماعاتنا المحاربة. هو يوم نضوجي... بما 
أنني لم أكن عبقرية؛ لم تتمكن الحلقة من جعلي كذلك. لكنها حررتني لأكون 
ما كنت عليه حتى أقصى قدرة لي على الاحتمال... 

لقد عملت على مدى سنتين من المغامرة المتهورة والخطيرة أحيانًاء وناضلت 
إلى جانب نساء نشيطات سعيدات متوازنات نفسيًا» يضحكن. بدل أن يكبتن 
ضحكهن» ويمشين بحريةء بدل أن يتمايلن: كن يستطعن أن يسبقن غاندي, 
ويخرجن بابتسامة ودعابة. نمتٌ على أرضيات قاسية بين دوقات مسنات 
وطباخات قويات وبائعات فتيّات في المتاجر. كنا غالبًا متعبات ومتأذيات 
وخائفات. لكننا كنّا راضيات كما لم نكن يومًا. تشاطرنا فرحًا في الحياة لم 
نعرفه من قبل قط. كانت معظم رفيقاتي في النضال زوجات وأمهات. وقد 
حدثت أشياء غريبة لحياتهن الأسرية. صار الأزواج يجيئون إلى البيت مساء 
بشوق جديد... أما الأولاد فقد تفيّر موقفهم بسرعة من الاحتمال الحاني للأمٌ 
الحبيبة المسكينة إلى الانشداه الشديد. وبعد أن تحرروا من الجو الخانق 
لحبٌ الأمّ لأنها كانت منشغلة جدًا بحيث لم يكن بمقدورها الاهتمام بهم 
إلا عرضًاء اكتشفوا أنهم يحبونها أكثر. كانت مرحة جدًا. وكانت شجاعة. 
... كانت أولئك النساء اللواتي وقفن خارج الصراع -ويؤسفني القول أنهن 
الأغلبية الساحقة-. واللواتي كنْ أكثر من المعتاد نساء صغيرات» يكرهن 
المناضلات مع نوبة سامة من الحسد...!(!) 


هل عادت النساء فعلا إلى البيت كردة فعل على النسوية؟ الحقيقة هى 
أن النسوية كانت بالنسبة للنساء اللواتي ولدن بعد عام 0 تاريحًا ميئًا. 
انتهت بوصفها حركة حيوية في أمريكا بالظفر بذلك الحق الأخير: حق 
التصويت في الانتخابات. في الثلاثينيات والأربعينيات كان نوع النساء 





(1) Ida Alexis Ross Wylie, ‘The Little Woman,” Harpers Magazine, November. 
1945. 


136 اللغز الأنثوي 


الذي يناضل من أجل حقوق المرأة ما يزال مهتمًا بحقوق الإنسان والحرية.. 
للزنوج والعمال المظلومين» لضحايا فرانكو في أسبانيا وهتلر في ألمانيا. 
لكن» لم يكن أحد مهتمًا جدًا بحقوق النساء: ا . ومع ذلك» 
كانت خرافة آكلة الرجال شائعة. كان يطلق على النساءء اللواتى أظهرن أية 
استقلالية أو مبادرة» «نصيرات لوسى ستون». وأصبحت كلمة «ناشطة 
رمتل #صاحة مره كلمة قذرة: الد لمت الناخطات الشئويات 
الصورة القديمة للمرأة» لكنهنٌ لم يتمكنّ من إزالة العدائية والتحيّز والتميي 
فتلك الأمور بقيت. كما لم يتمكنّ من رسم الصورة الجديدة لما يمكن أن 
تصبح عليه النساء عندما يكبرن في ظل الظروف التي لم تعد تجعلهن أدنى 
من الرجالء تابعات» سلبيات» غير قادرات على التفكير والقرار. 

كوّنت معظم الفتيات» اللواتي كبرن خلال السنوات التي كانت الناشطات 
النسويات فيها يُزلن أسباب تلك «التفاهة اللطيفة» المَسَوّهة» صورتهن عن 
المرأة من أمهات مازلن عالقات فيها . ريما كانت تلك الأمهات هن النموذج 
الحقيقي لخرافة آكلة الرجال. حول ظل الاحتقار والاحتقار الذاتي» الذي 
استطاع أن يحول ربة منزل لطيفة إلى امرأة سليطة مستبدة» أيضًا بعض 
بناتهن إلى نسخ غاضبة من الرجل. كان يُعتقد أن أول نساء في الأعمال 
وفي المهن هن شخصيات غريبة. فنتيجة إحساس بعضهن بعدم الأمان في 
حريتهن الجديدة» كنّ ربما يخشين أن يكنّ ناعمات أو لطيفات» أن يحبين» 
وينجبن الأطفال حتى لا يخسرن الاستقلالية التي فزن بهاء وحتى لا يقعن 
مرة أخرى في الفخ» كما حدث مع أمهاتهن. لقد عرزن الخرافة. 

لكنْ البنات اللواتي كبرن مع الحقوق» التي ظفرت بها الناشطات : 
النسويات» لم يستطعن العودة إلى الصورة القديمة للتفاهة اللطيفة» ولم . 
تكن لديهن أيضًا أسباب عماتهن أو أمهاتهن ليكنّ نسحا غاضبة من الرجل». 
أو ليخفن من أن يحببن الرجال. لقد وصلنء دون دراية منهن» إلى نقطة : 
الانعطاف في هوية المرأة. لقد تجاوزن في نموهن حمًا الصورة القديمة؛؛ 


الفصل الرابع: الرحلة الحماسية 137 





کن في النهاية حرّات في أن يكنّ ما اخترن أن يكنّ. لكنء أي خيار قُدّم 
لهن؟ فى تلك الزاوية» المناضلة النسوية آكلة الرجال النارية» المرأة المهنية» 
بلا ع وحيدة. وفي الزاوية الأخرى» الزوجة اللطيفة والأمّ التي يحبّها 
زوجهاء ويحميهاء والمحاطة بأبنائها الذين يحبونها حتى العبادة. وعلى 
الرغم من أن بنات كثيرات تابعن الرحلة الحماسية التي بدأتها جداتهن» فإن 
آلافًا أخرى منهن خرجت من المسيرة.. ضجايا خيار خاطئ. 

كانت أسباب خيارهن بالطبع أعقد من الخرافة النسوية. كيف اكتشفت 
النساء الصينيات أخيرًاء بعد تقييد أقدامهن لأجيال عديدة» أنهن يستطعن 
الجري؟ لاب أن أول النساء اللواتي لم تقيد أقدامهن قد شعرن بألم شديد 
إلى حد أن بعضهن خاف من الوقوف» ناهيك عن المشي أو الجري. كلما 
مشين أكثر» قل الألم في أقدامهن. ولكن» ما الذي كان ليحدث لو أن 
الأطباء» آملين أن يوفروا على الفتيات الصينيات الألم والضيقء طلبوا منهن 
أن يقيدن أقدامهن مرة أخرى قبل أن يكبر جيل واحد دون أقدام مقيدة؟ ولو 
أخبرهن المعلمون أن المشي بقدمين مقيدتين أنثوي» وأنه الطريقة الوحيدة 
التي تستطيع المرأة أن 5 بهاء إذا أرادت أن يحبها رجل؟ ولو أخبرهن 
العلماء أنهن سيكنّ أمهات أفضلء إذا لم يكن في مقدورهن السير بعيدًا 
عن أولادهن؟ ولو نشر البائعون المتجولون» مكتشفين أن النساء اللواتى 
لا يستطعن المشى يشترين المزيد من الأشياء التافهة» حكايات E‏ 
عن مخاطر الجري ونعيم التقييد؟ فهل ستكبر فتيات صغيرات صينيات 
كثيرات عندها راغبات في أن تُقَيَّد أقدامهن بإحكام وبلا أي إغراء بالمشي 
أو الجري؟ 

ليست النكتة الحقيقية التي لعبها التاريخ على النساء الأمريكيات هي 
تلك التي تجعل الناس يضحكون ضحكة مكبوتة» بتكف فرويدي رخيص. 
على الناشطات النسويات الميتات» بل النكتة التي لعبها التفكير الفرويدي 
على النساء الأحياء» محولا ذكرى الناشطات النسويات إلى شبح للغز 


138 اللغز الأنثوي 


الأنثوي آكل للرجال» ومقلصًا رغبة المرأة الفعلية في أن تكون أكثر من 
مجرد زوجة وأمّ. ونتيجة تشجيع اللغز النساء على أن يتجتّبن أزمة هويتهن. 
والسماح لهن بتفادي الهوية كلها باسم التحقق الجنسي» فإنهن يعشن مرة 
أخرى بأقدام مقيدة في الصورة القديمة للأنوثة الممجدة. وهي الصورة 
القديمة ذاتهاء على الرغم من الملابس الجديدة اللماعةء التي علقت النساء 
في فخها على مدى قرون» وجعلت الناشطات النسويات يتمردن. 


الفصل الخامس: الأتانة الجنسية لسيغموند فرويد 139 





الأنانة الجنسية لسيغموند فرويد 


لم تبدأ في الولايات المتحدة حتى الأربعينيات من القرن العشرين. وهنا 
أيضاء لم تكن بداية بقدر ما كانت منع نهاية. لم يتم التخلص بسهولة من 
التخيزات القديمة -النساء حيوانات» أدنى من البشرء غير قادرات على 
التفكير كال رجالء ولدن فقط لتغذية الرجال وخدمتهم- على يد الناشطات 
النسويات اللواتي خضن حربًا عنيفة ضد ذلك وعلى يد العلم والتعليم؛ 
وعلى يد الروح الديمقراطية في نهاية المطاف. فقد عادت إلى الظهور مرة 
أخرى في الأربعينيات بقناع فرويدي. استمدٌ اللغز الأنثوي قوته من الفكر 
الفرويدي؛ فقد كانت الفكرة التي قادت النساء والذين درسوا النساء إلى 
سوء تفسير إحباط أمهاتهن واستياء آبائهن وأخوتهن وآزواجهن»› وعدم 
اكتفائهن وانفعالاتهن الخاصة وخياراتهن الممكنة في الحياة» من بنات 
أفكار فرويد. كما كانت فكرة فرويدية» أخذت شكل حقيقة واضحة» تلك 
التي أوقعت في الفخ عددًا كبيرًا من النساء الأمريكيات اليوم. 

وإنه لأصعب بكثير على المرأة العصرية أن تشكك باللغز الجديد من 
(1) صينومام؟, الأنانة: الإيمان بأن الشيء الوحيد الذي يستطيع المرء التأكد منه هو أنه 

موجود وأن المعرفة الحقيقية بأي شيء آخر مستحيلة - المترجم. 


140 اللفز الأنثوي 


أن تشكك بالتحيّزات القديمة» والسبب في ذلك» جزئيّاء هو أن اللغز ُبث 
من قبل وكلاء التعليم وعلم الاجتماع أنفسهم الذين يفترض بهم أن يكونوا 
أول أعداء التحيّز؛ ومن جهة أخرىء لان طبيعة الفكر الفرويدي نفسها 
تجعله» عمليّا غير قابل للجدل. كيف يمكن لامرأة أمريكية متعلمة» ليست 
هي نفسها محللةء أن تتجرأ على الشك بالحقيقة الفرويدية؟ هي تعلم أن 
اكتشاف فرويد لأعمال العقل اللاواعي كان واحدًا من أعظم الاكتشافات 
في سعي الإنسان إلى المعرفة. وهي تعرف أن العلم الذي بُني على ذلك 
الاكتشاف قد ساعد كثيرًا من الرجال والنساء المعذبين. لقد عُلّمت أن المرء 
لا يصبح قادرًا على فهم الحقيقة الفرويدية إلا بعد سنوات من التدريب 
التحليلي. حتى أنها قد تعرف كيف أن العقل الإنساني يقاوم بلا وعي تلك 
الحقيقة. كيف يمكنها أن تنجرأ على أن تطأ الأرض المقدسة التي لا يسمح 
إلا للمحللين بدخولها؟ 

لا يستطيع أحد أن يشكك بالعبقرية الأساسية لاكتشافات فرويد؛ ولا 
بالإسهامات التي قدمها للثقافة. ولا أنا أشكك بتأثير التحليل النفسي» كما 
يمارسه الفرويديون أو مناهضو الفرويدية. ولكنني أشكك. بناءًا على تجربتي 
الخاصة كامرأة وعلى معارفي عن النساء الأخريات من عملي ا 
صحفية» بتطبيق النظرية الفرويدية عن الأنوثة على النساء البوم: أشكك 
في استخدامهاء لا في العلاج» بل كما تسرّبت إلى حياة النساء الأمريكيات 
عن طريق المجلات الشعبية وآراء من يُسمّون خبراء وتفسيراتهم. أعتقد أن 
الكثير من النظرية الفرويدية حول النساء قد تقادم» وأنه عقبة أمام الحقيقة 
بالنسبة للنساء في أمريكا اليوم» وأنه سبب رئيسي من أسباب المشكلة 
واسعة الانتشار التي لا اسم لها. 


توجد هنا عدة مفارقات. فقد ساعد مفهوم فرويد عن الأنا العليا في 
تحرير الإنسان من استبداد «الأحكام المسبقة)» من استبداد الماضي الذي 


الفصل الخامس؛ الأنانة الجنسية لسيغموند فرويد ۰ 141 


يمنع الطفل من أن يصبح بالعًا. ولكنّ الفكر الفرويدي ساعد في خلق 
أنا علا جديدة تشل المرأة الأمريكية المعاضرة المتعلمة - اشعنذاد جديد 
ل«الأحكام المسبقة» يقيّد النساء إلى صورة قديمةء ويمنع الخيار والنموء 
وينكر عليهن الهوية الفردية. 

لقد كان علم النفس الفرويديء بتأكيده على التحرر من الأخلاقية 
الكبتتّة بهدف تحقيق الاكتفاء الجنسي» جزءًا من أيديولوجية تحرير 
النساء. الصورة الأمريكية الدائمة ل«المرأة المتحررة» هي امرأة شابة في 
العشرينيات من عمرها: شعر كثيف مقصوص من الخلف حتى يصبح 
مستدق الطرف عند مؤخرة العنق» وركبتان عاريتان» متباهية بحريتها 
الجديدة في أن تعيش في أستوديو في غرينتش فيلليج أو قرب نورث سايد 
في شيكاغوء وأن تقود سيارة» وتشرب» وتدخن» وتستمتع بالمغامرات 
الجنسية» أو تتحدث عنها. ومع ذلك فاليوم» ولأسباب لم تكن في حياة 
فرويد نفسه» أصبح الفكر الفرويدي حصنًا أيديولوجيًا للثورة الجنسية 
المضادة فى أمريكا. دون تعريف فرويد لطبيعة المرأة الجنسية لإعطاء 
الصورة التقليدية للأنوثة سلطة جديدة؛ لا أعتقد أن عدة أجيال من النساء 
الأمريكيات الجسورات المتعلمات كنّ سيتحولن بسهولة عن الإدراك 
المنبئق بمن هنّء وما الذي يمكن أن يكنّه. 

لقد فهم مفهوم «حسد القضيب»» الذي ابتكره فرويد لوصف ظاهرة 
لاحظها في النساء -وكان ذلك لدى مريضاته من نساء الطبقة الوسطى في 
فيبنا في الحقبة الفيكتورية-» تمامًا في هذا البلد في الأربعينيات» وكأنه شرح 
حرفي لكل ما لم يكن يسير على ما يرام مع النساء الأمريكيات. لم يعرف 
كثيرون ممن بشّروا بعقيدة الأنوثة المعدّضة للخطرء عاكسين حركة النساء 
الأمريكيات نحو الاستقلالية والهوية» قط أصلها الفرويدي. وكثيرون ممن 
تمسكوا بها -ولا أعني هنا القلّة من المحللين النفسيين؛ بل الكثيرين من 
ناشريها للعموم وعلماء الاجتماع والمربّين ومتلاعبي وكالات الإعلان 





142 اللغزالأنثوي 


وكتاب المجلات وخبراء الأطفال ومستشاري الزواج والكهنة. وخبراء 
حفلات الكوكتيل- ما كان لهم أن يعرفوا ما الذي قصده فرويد نفسه بحسد 
القضيب. لا يحتاج المرء إلا إلى معرفة ما الذي كان فرويد يصفه في تلك 
النساء الفيكتوريات ليرى المغالطة في التطبيق الحرفي لنظريته عن الأنوثة 
على النساء اليوم. ولا يحتاج المرء إلا إلى معرفة لماذا وصفه بتلك الطريقة 
ليفهم أن الكثير منه قد عفا عليه الزمن» وأنَ المعرفة التي تشكل جزءًا من 
تفكير كل عالم اجتماعي اليوم» ولكنها لم تكن معروفة بعد في زمن فرويد» 
قد نقضته. 

ن الق عليه مرها أن رويد كان رقا سحاد الادراك ودقيًا 
للمشاكل المهمة في الشخصية الإنسانية» لكنّه كان في وصف تلك المشاكل 
وتفسيرها أسير ثقافته. وفي حين كان يكوّن إطارًا جديدًا لثقافتناء لم يتمكن 
من التخلص من إطار ثقافته. حتى عبقريته لم تتمكن من منحه حينها معرفة 
بالعمليات الثقافية التي يكبر رجال ليسوا عباقرة معها اليوم. 

إن فهم نسبية الفيزيائي. التي غيّرت في السنوات الأخيرة كل مقاربتنا 
للمعرفة العلمية» أصعب. وبالتالي أسهلء من فهم نسبية العالم الاجتماعي. 
إن القول بأنه لا يوجد عالم اجتماعي يستطيع أن يتحرر تمامًا من أسر ثقافته 
الخاصة ليس مجرد شعارء بل هو تعبير أساسي 'عن الحقيقة» فهو يستطيع 
فقط أن يفشر ما يشاهده في الإطار العلمي لزمنه. وهذا صحيح حتى بالنسبة 
للمبدعين الكبار. فهم لا يستطيعون سوى ترجمة ملاحظاتهم الثورية إلى 
لغة ومبادئ قرّرها أصلا تقدم العلم حتى زمنهم. حتى تلك الاكتشافات التي 
كوّنت مبادئ جديدة فإنها تتعلق بزاوية النظر الخاصة بصاحبها. 

لم تكن معرفة الثقافات الأخرى وفهم النسبية الثقافية» اللذان يشكلان 
جزءًا من إطار عمل علماء الاجتماع في زمانناء مُتاحةً لفرويد. لقد أظهر 
البحث الحديث أن الكثير مما اعتقد فرويد أنه بيولوجي وغريزي وثابت ما 


الفصل الخامس: الأناتة الجنسية لسيغموند قرويد 143 





هو إلا نتيجة أسباب ثقافية معينة" '. والكثير مما وصفه فرويد على أنه من 
نش سيق اتاد العامةاله بحن رد تس را قي 
من الطبقة الوسطى الأوروبية عند نهاية القرن التاسع عشر. 

فعلى سبيل المثال» تنبئق نظرية فرويد عن الأصل الجنسي للعُصاب من 
حقيقة أن الكثير من المرضى الذين راقبهم للمرة الأولى كانوا يعانون من 
الهسترياء ووجد أن الكبت الجنسي في تلك الحالات هو السبب. ومازال 
الفرويديون التقليديون يعترون عن اعتقادهم بالأصل الجنسي لجميع 
العُصابات» وبما أنهم يفتشون عن ذكريات جنسية غير واعية لدى مرضاهم» 
ويترجمون ما يسمعونه إلى رموز جنسيةء فمازالوا ينجحون في إيجاد ما 
يبحئون عنه. ا 

لكنّ الحقيقة هي أن حالات الهسترياء كما شاهدها فرويدء هي أقل 
بكثير هذه الأيام. من الواضح أن النفاق الثقافي في أيام فرويد فرض الكبت 
الجنسى. (يشكٌ بعض المنظرين الاجتماعيين أن غياب اهتمامات أخرى 
قن كلك الإميراظورية التكناوية المحتضرة قد سفن الامشكواة الجيسى 
لدی مرضى فروید). وبالتأکید» رکزت ثقافة فرويد» التي أنكرت الجش» 


(1) Clara Thompson, Psychoanalysis: Evolution and Development, New York, 
1950, pp. 131, ff: 


لم يشدد فرويد على البيولوجي أكثر من الثقافي فحسب» بل وطور أيضًا نظرية ثقافية 
خاصة به تقوم على نظريته البيولوجية . كانت هناك عقبتان في طريقة فهم أهمية الظواهر 
الثقافية التي رآها وسجلها. وكان منخرطا بعمق في تكوين نظرياته البيولوجية بحيث لم 
يول الاهتمام الكافي للجوانب الأخرى من البيانات التي جمعها. وهكذاء كان فرويد 
مهتمًا أساسًا بتطبيق نظريته عن الغرائز على المجتمع البشري. طور بدءً! من افتراض 
غريزة الموت» على سبيل المثال» شرحًا للظواهر الثقافية التي راقبها على أساس غريزة 
الموت. بما أنه لم يكن لديه منظور يحصل عليه من معرفة الثقافات المقارنة؛ فإن لم 
يتمكن من تقويم العمليات الثقافية على أنها عمليات ثقافية.... أثبت البحث الحديث 
أن الكثير مما اعتقد فرويد أنه بيولوجي هو ردة فعل على نمط معين من الثقافة» وليس 


خاصية للطبيعة الإنسانية العالمية. 
.62 .م ,1959 Richard La Piere, The Fruedian Ethic, New York,‏ )2( 


144 اللفز الأنثوي 
اهتمامّه عليه. وبعد ذلك» طوّر نظريته بوصف كل مراحل النمو على أنها 
جنسية مكيمًا كل الظواهر التي شاهدها مع المبادئ الجنسية. 

لقد انبئقت محاولته لترجمة كل الظواهر النفسية إلى تعابير جنسية ولرؤية 
كل مشاكل الشخصية البالغة على أنها تأثير التثبيت الجنسي للطفولة أيضًاء 
في جزء منهاء من خلفيته في الطب» ومن مقاربته للسببية المتضمنة في التفكير 
العلمي لزمنه. وكان لديه الحياء نفسه حيال التعامل مع الظواهر النفسية 
بتعابيرها الخاصة التي غالبًا ما تزعج العلماء ذوي السلوك الإنساني. بدا له 
أن شيئًا يمكن وصفه بتعابير نفسية ويُربط بعضو تشريحي أكثر راحة ومتانة 
وحقيقية وعلمية فيما هو ينتقل إلى عالم العقل اللاواعي غير المستكشف. 
وكما عبّر كاتب سيرة فرويد الذاتية إرنست جونز (10265 87065]6) عن ذلك» 
فإنه بذل «جهدًا هائلا ليتمسك بالأمان الذي يمنحه التشريح الدماغي». 
وفي الواقع كانت لديه القدرة على رؤية الظواهر النفسية ووصفها بحيوية 
لدرجة أن مفاهيمه -حسد القضيب. الأناء عقدة أوديب-» سواء أعطيت 
أسماء مستعارة من الفزيولوجيا أو الفلسفة أو الأدب» قد بدا أن لها حقيقة 
مادية صلبة. وكما قال جونزء كانت الحقائق النفسية «حقيقية وملموسة 
عنده مثلما هي المعادن لعالم المعادن». لقد أصبحت هذه القدرة مصدر 
تشوّش كبير» عندما انتقلت مفاهيمه إلى مفكرين أقل شأنًا. 

ترتكز بنية النظرية الفرويدية الفوقية كلها على الحتمية الصارمة التى 
ميرت التفكير العلمي للحقبة الفيكتورية. وفد استبدلت الحتمية اليوم برؤية 
أكثر تعقيدًا للسبب والنتيجة» من حيث العمليات والظواهر المادية والنفسية 
كذلك الأمر. وبموجب هذه الرؤية الجديدة» ليس العلماء السلوكيون بحاجة 
إلى استعارة لغة من الفزيولوجيا لشرح الحوادث النفسية أو إعطائها واقعًا 
زاتقًا. ليست الظواهر الجنسية أكثر ولا أقل» على سبيل المثال» من ظاهرة 
Emest Jones, The Life and Work of Sigmund Frued, New York, 1953, Vol. 1,‏ )1( 


p. 384. 
(2) Ibid., Vol. II (1955), p. 43. 


الفصل الخامس: الأنانة الجنسية لسيغموند فرويد 145 





كتابة شكسبير لهاملت» التي لا يمكن «شرحها» بدقة باختزالها إلى تعابير 
جنسية. حتى فرويد نفسه لا يمكن شرحه وفق مخططه النفسي الحتمي 
نفسه» على الرغم من أن كاتب سيرته الذاتية يعزو عبقريته و«شغفه الرائع 
بالمعرفة» إلى فضول جنسي لا يشبع» قبل سن الثالثةء بخصوص ما كان 
يحدث بين أمه وأبيه في غرفة النوم. 

اليوم» يرى علماء الأحياء» وعلماء الاجتماع» وأعداد متزايدة من 
المحللين النفسيين؛ الحاجة أو الدافع إلى النمو الإنساني بوصفها حاجة 
إنسانية أولية؛ وهي أساسية كالجنس. ويُنظر الآن إلى المرحلتين «الفموية» 
و«الشرجية»» اللتين وصفهما فرويد من حيث التطور الجنسي -يحصل 
الطفل على متعته الجنسية أولا عن طريق الفم من ثدي الأم ثم من حركة 
أمعائه-» على أنهما مرحلتان في النمو الإنساني» تتأثران بالظروف الثقافية 
ومواقف الأهل بالإضافة إلى الجنس. عندما تنمو الأسنان» يستطيع الفم 
أن يعضء كما يستطيع أن يرضع. وتنمو العضلات والدماغ أيضاء ويصبح 
الطفل قادرًا على التحكم والسيطرة والفهم؛ وحاجته إلى أن ينمو ويتعلم في 
عمر الخامسة أو الخامسة والعشرين أو الخمسين يمكن أن تليّى أو تُنكر أو 
تكبت أو تضمر أو تثار أو تتتط على يد ثقافته تمامّاء كما يمكن أن يحدث 
ذلك لحاجاته الجنسية. 

يؤكد اختصاصيو الطفل اليوم ملاحظة فرويد حول أن المشاكل بين الأمّ 
والطفل في المراحل الأولى تعبر عن نفسها في الأكل» وفيما بعد في تدريبه 
على استخدام المرحاض. ولكن في أمريكا في السنوات الأخيرة» كان 
هناك انخفاض ملحوظ في «مشاكل الأكل» لدى الأطفال. فهل تغيّر التطور 
الغريزي للطفل؟ مستحيل» إذا كانت المرحلة الفموية بالتعريف غريزية. 
أم إن الثقافة قد أزالت الأكل كبؤرة لمشاكل الطفولة المبكرة -من خلال 
التأكيد الأمريكي على التساهل في رعاية الطفل» أو ببساطة من خلال حقيقة 





(1) Ibid., Vol. I, pp 7-14, 294; Vol. IL, p. 483. 


146 اللفز الأنثوي 
أن مجتمع الوفرة الذي نعيش فيه أصبح يسبّب قلقًا أقل لدى الأمهات؟ 
ونتيجة تأثير فرويد الشخصي على ثقافتنا فإن الأهل المتعلمين حريصون 
عادةٌ على عدم ممارسة ضغوط مولّدة للصراع في التدريب على استخدام 
المرحاض. إذ يرجح أن تحدث الصراعات» التي من هذا القبيل» اليوم حين 
يتعلم الطفل الكلام أو القراءة". 

في الأربعينيات» كان العلماء الاجتماعيون والمحللون النفسيون قد 
بدؤوا يعيدون تفسير المفاهيم الفرويدية على ضوء وعيهم الثقافي المتنامي. 
لكن» ويا للغرابة» لم يمنع ذلك تطبيقهم الحرفي لنظرية فرويد عن الأنوثة 
على النساء الأمريكيات. 

الحقيقة هي أن النساء عند فرويدء أكثر حتى مما هنّ عند محرر مجلة 
في ماديسون أفينيو اليوم» هنّ نوع غريب دوني أدنى من مستوى البشر. كان 
يراهن دمىّ طفلية توجد فقط على أساس حب الرجلء ليحببن الرجلء 
ويخدمن حاجاته. كان النوع نفسه من الأنانة غير الواعية التي جعلت 
الإنسان على مدى قرون يرى الشمس مجرد جسم لامع يدور حول الأرض. 
كبر فرويد بهذا الموقف الداخل عضويًا في ثقافته» لا ثقافة أوروبا الفيكتورية 
فحسب» بل والثقافة اليهودية التي يتلو فيها الرجال الصلاة يوميًا: "أشكرك يا 
إلهي على أنك لم تخلقني امرأة» وتتلو المرأة صلاتها في خضوع: «أشكرك 
يا إلهي على أنك خلقتني وفق إرادتك». 

كانت والدة فرويد عروسًا جميلة مطيعةٌ لرجل يبلغ من العمر ضعف 
عمرها؛ وكان والده يحكم الأسرة بسلطة استبدادية تقليدية في الأسر: 
اليهودية فى تلك القرون من الاضطهاد التى كان من النادر فيها للآباء أن 
تكنو 7 إقامة سلطة خارج البيت. كانت أم فرويد تحب ابنها البكر 
الصغير سيغموند» وظنّت أنه منذور على نحو غامض للعظمة. بدا وكأنها 





(1) Bruno Bettleheim, Love Is Not Engough: The Treatment of Emotionally 
Disturbed Children, Glencole, 111., 1950, p. 71; Letter 65, p. 145. 


الفصل الخامس: الأنانة الجنسية لسيفموند فرويد 147 





جدت فقط لإرضاء كل رغبة من رغباته. كانت ذكرياته عن الغيرة الجنسية 
التى شعر بها تجاه والده» الذي كانت الأمّ ترضي رغباته أيضًاء أساس نظريته 
عن عقدة أوديب. كانت حاجات فرويد ورغباته وأمنياته مع زوجته» كما مع 
أمه وأخواته» الشمس التى تدور حولها الأسرة. تتذكر آنا فرويد بعد سنوات 
أنه عندما قاطعت ضجة تدرّب أخواته على البيانو دراسته «اختفى البيانوء 
واختفت معه كل فرص أخواته في أن يصبحن موسيقيات». 
لم يرَ فرويد في موقفه مشكلة» أو سببًا لأية مشكلة» لدى النساء. كانت 
طبيعة المرأة أن يحكمها الرجل ومرضها أن تحسده. تحتوي رسائل فرويد 
إلى مارثاء زوجته المستقبلية» والتي كتبها في أثناء سنوات خطبتهما الأربع 
(1882-1886) على تلك النبرة الحنون الراعية التى نجدها لدى تورفالد 
في مسرحية بيت الدمية» وهو يوبّخ نورا على ادعاءاتها بأنها إنسانة. كان 
فرويد قد بدأ يسبر أسرار الدماغ الإنساني في المخبر في فييناء وكان على 
مارثاء «طفلته الحلوة»» أن تنتظر في رعاية أمها أربع سنوات حتى تمكن من 
القدوم وإحضارها. يستطيع المرء أن يرى من رسائله أن هويتها بالنسبة له 
كانت محددة بالطفلة-ربة المنزل» على الرغم من أنها لم تعد طفلة» ولم 
تصبح ربة منزل بعد. 
طاولات وکراس» أسرّة, مراياء ساعة لتذكير الزوجين السعيدين بمرور الوقت» 
أريكة من أجل تمضية ساعة ممتعة من أحلام اليقظة. سجادات لمساعدة 
ربة المنزل في المحافظة على الأرضيات نظيفةء بياضات معقودة بشرائط 
جميلة في الخزانة وفساتين من آخر موضة وقبعات بأزهار اصطناعية. صور 
على الجدارء كؤوس للاستخدام اليومي وأخرى للنبيذ والمناسبات الاحتفالية, 
أطباق وصحون... وطاولة الخياطة والمصباح الدافيٌ وكل شيء يجب الإبقاء 
عليه مرتبًا ترتيبًا جيدًا وإلا فإن ربة المنزل التي قسمت قلبها إلى أجزاء 
صغيرة, جزء لكل قطعة من الأثاثء ستبدأ بالقلق. وهذا الفرض يجب أن 
يحمل شاهدًا على الأمر المهم الذي يجمع الأسرة ممّاء وذاك الغرض من أجل 
الإحساس بالجمال. أو لأصدقاء أعزاء يرغب المرء بتذكرهم» أو لمدن زارها 


148 اللغز الأنثوي 


المرءء أو لساعات يرغب المرء بتذكرها... هل علينا أن نعلّق قلوبنا على تلك 

الأشياء الصغيرة؟ نعم وبدون تردّد... 

أعرف. في نهاية المطافء كم أنت حلوة. كيف يمكنك أن تحوّلي بينّا إلى 

فردوس» كيف ستشاركينني اهتماماتي: كم ستكونين مرحة ودفيقة في الوقت 

نفسه. سأدعك تحكمين البيت قدر ما تشائين» وستكافئينني بالمقابل بحبك 

الحلو والارتفاع فوق كل نقاط الضعف التي تُحتّقر النساء غالبًا من أجلها. 

وبقدر ما تسمح لي نشاطاتي سنقرأ معًا ما نريد أن نتعلمه. وسأعلمك أشياء 

لا يمكن أن تكون مثار اهتمام فتاة ما دامت غريبة عن شريكها المستقبلي 

ومهنته...(1) 

في 5 تموز من عام 1885» وبّخها على استمرارها في زيارة إليز» وهي 
صديقة من الواضح أنها قليلة الحشمة في نظرتها للرجال: 

ما الخير في شعورك أنك الآن ناضجة جدًا بحيث لا يمكن لهذه العلاقة أن 

تسيب لك أي أذىة... أنت رقيقة زيادة عن اللزوم. وهذا أمر علي أن أصححة, 

لأن ما يفعله أحدنا سيحسب على الآخر أيضًا. أنت امرأتي الصغيرة الغالية, 

وحتى إذا ارتكبت خطأ فأنت برغم ذلك لست كذلك... لكنك تمرفين كل ذلك 

يا طفلتي الحلوة...2). 

هذا الخليط الفيكتوري من الفروسية والتعطف» والذي يوجد في 
نظريات فرويد العلمية عن النساء» جلى فى رسالة كتبها فى 5 تشرين الثاني 
عام 1883 ساخرًا من وجهات نظر جون ستيوارت ميل حول «التحرر 
الأنثوي وقضية المرأة بالإجمال». 


لم يظهر قطء في كامل عرضه. أن النساء كائنات مختلفة عن الرجال؛ لن 
نقول أل ولا العكس. هو يرى ظلم النساء شبيهًا بظلم الزنوج. تستطيع أية 
فتاة. حتى بدون حق التصويت أو الأهلية القانونية: يقبّل يدها رجل وهو مستعد 
من أجل حبها أن يتحدى الجميعء أن تصحح ما يقوله. إن فكرة إرسال النساء 
إلى الصراع من أجل الوجودء مثل الرجال تمامًاء هي فكرة ولدت ميتة حقًا. 
Ernest L. Frued, Letters of Sigmund Frued, New York, 1960, Letter 10, p. 27;‏ )1( 


Letter 26, p. 71; Letter 65, p. 145. 
(2) Ibid., Letter 74, .م‎ 60; Letter 76, pp. 161 ff. 


الفصل الخامس: الأنانة الجنسية لسيغموند فرويد 149 





إذاء على سبيل المثالء تخيّلت فتاتي الحلوة اللطيفة منافسة ليء فلن ينتهي 
الأمر إلا بأن أقول لهاء وهذا ما جرى بالفعل بعد سبعة عشر شهرًاء إنني مغرم 
بهاء وإنني أناشدها أن تنسحب من الصراع إلى العمل الهادئ غير التنافسي 
في بيتي. من الممكن أن تخمد تفيرات في التنشئة كل السمات الرقيقة لامرأة 
بحاجة إلى الحمايةء ولكنها مع ذلك منتصرة بقوة. وبذلك يمكن أن تكسب 
قوتها كالرجال. ومن الممكن أيضًا أنه في مثل تلك الحالة لن يكون مبررًا 
للمرء أن يندب موت الشيء الأكثر بهجةً. الذي يمكن أن يقدمه العالم لنا 
ألا وهو الأنوثة المثالية. أو من أن كل الأعمال الإصلاحية في القانون والتعليم 
ستتحطم أمام الحقيقة القائلة إنّ الطبيعة. قبل العمر الذي يستطيع الرجل 
أن يشغل فيه مركزًا في المجتمع بوقت طويل؛ قد قرّرت قدر المرأة من خلال 
الجمال والسحر والعذوبة. لدى القانون والعرف الكثير ليعطيه للنساء مما منع 
عنهن سابقًاء لكن مركز النساء سيكون بالتأكيد ما هو عليه: في الشباب حبيبة 


معبودة؛ وفضي سنوات النضج زوجة محبوبة!!. 


بما أن نظريات فرويد قامت» باعتراف الجميع» على تحليله النفسي 
الثاقب والمستمر لذاته» وبما أن جنسانيته كانت بؤرة جميع نظرياته» فإن 
بعض المفارقات حول جنسانيته تبدو وثيقة الصلة بموضوعنا. تعطي كتاباته» 
كما لاحظ العديد من الدارسين» اهتمامًا بالجنسانية الطفلية أكثر بكثير من 
الاهتمام بتعبيراتها الناضجة. وقد أشار كاتب سيرته الذاتية الرئيسي» جونز 
إلى أنه كانء حتى في تلك السنوات» عفيقًا وطهرانيًا وأخلاقيًا على نحو 
استثنائي. لم يكن في حياته الخاصة: نسبيّاء مهتمًًا بالجنس. لم يكن هناك 
سوى الأم المحبة حتى العبادة في شبابه» وفي سن السادسة عشرة» كانت 
هناك علاقة رومانسية لم توجد إلا في عالم الخيال مع فتاة اسمها جيزيل؛ 
وخطوبته من مارثا في سن السادسة والعشرين. لم تكن الأشهر التسعة التي 
عاشا خلالها في فيينا سعيدة جدّاء إذ من الواضح أنها كانت قلقة وخائفة 
منه؛ ولكن منفصلين بمشافة مريحة ولمدة أربع سنوات» كان هناك «هوى 
عظيم» حملته تسعمائة رسالة حب. يبدو أن ذلك الهوى قد اختفى بسرعة 





(1) Jones, op., cit., Vol I, pp. 176 f 


150 اللفز الأنثوي 


بعد زواجهماء على الرغم من أن كاتبي سيرته يلاحظون أنه كان أخلاقيًا 
صارمًا بحيث لم يبحث عن الإشباع الجنسي خارج الزواج. كانت المرأة 
الوحيدة في مرحلة النضج التي ركز عليها عواطف الحب والكره العنيفة 
التي كان قادرًا عليها هي مارثاء خلال السنوات الأولى لخطوبتهما. بعد 
ذلك تركزت تلك الانفعالات على الرجال. وكما قال كاتب سيرته المحترم 
جونز: : «قد يكون انحراف فرويد عما هو عادي في هذا المجال» بالإضافة 
إلى ثنائيته الجنسية العقلية الواضحة» قد أثّرا في آرائه النظرية إلى حدّ ما»". 


أشار كتّاب سيرة أقل احترامًاء وحتى جونز نفسه» إلى أنه عندما يفكر 
المرء في نظريات فرويد» على ضوء حياته الخاصة. تقفز إلى ذهنه صورة 
الخادمة العجور الطهرانية التي ترى الجنس في كل مكان. من الممتع أن 
نلاحظ أن شكواه الرئيسية من ربة منزله الطيّعة هي أنها لم تكن «طيّعة» بما 
يكفي؛ بل» وفي تناقض ممتع» لم نكن «علی طبيعتها؛ معه بحيث لم تتمكن 
من أن تكون «رفيقة في السلاح»”. 

ولكنهاء كما اكتشف فرويد بألم؛ لم تكن في العمق طيّمةء وكانت لديها صلابة: 

في الشخصية لم تترك نفسها بسهولة ليصوغها الآخرون. كانت شخصيتها : 

متطورة تمامًا ومتكاملة جيدًا: وستستحق بحق أعلى مديح من المحلل النفسي. 

بأنها «طبيعية!3). 1 


يحصل المرء على لمحة عن «نيّةَ فرويدء التي لن تت تتحقق أبداء في قولبتها 


“(1) Ibid., Vol. IL, p 422. 
.(2) Ibid., Vol. I, p 721. 


توصيفاته للنشاطات الجنسية واقعية جدَّاء حتى أن العديد من القراء وجدوها جافة تقريئاء 

وتنقصها الحرارة كليًا. من كل ما أعرفه عنه» يجب أن أقول إنه أظهر اهتمامًا شخصيًا 

أقل من المتوسط فيما هو غالبا موضوع استغراقي. لم يكن هناك أي استمتاع أو تذوق 

في ذكر موضوع جنسي.... وهو يعطي الانطياع دائمًا بأنه شخص عفيف على نحو غير 

عادي -ليست كلمة «طهراني» في غير محلها هنا- وكل ما نعرفه من بواكير نموه يؤكد 

| هذا التصور.‎ 
.(3) Ibid., Vol. I, .م‎ 102. 


الفصل الخامس: الأنانة الجنسية لسيغموند فرويد 151 





وفق الصورة الكاملة التي وضعها في ذهنه» عندما كتب لها أنها يجب أن 
«تصبح شابة تمامّاء حبيبة» عمرها اوغ فقط» وستفقد بسرعة كل أثر 
للحدّة». لكنه بعد ذلك يلوم نفسه: «ليس مقيضًا للمحبوبة أن تصبح دمية» 
بل رفيقة جيدة تبقى لها كلمة معقولة حتى عندما يصل السيد الصارم إلى 
نهاية حكمته. كنت أحاول أن أحطم صراحتها بحيث تضطر إلى الاحتفاظ 
برأيها حتى تتأكد من ا 

وكما أشار جونز فقد تألم فرويد عندما لم تحقق اختباره الرئيسي» أي 
«التطابق التام مع ذاته وآرائه ومشاعره ونواياه. لم تكن له فعلا إن لم يلاحظ 
'ختمه' عليها». وفرويد «اعترف أنه سيكون من الممل ألا يتمكن المرء من 
رؤية أي شيء بحاجة إلى تصحيح في الشخص الآخر». ويشدّد مرة أخرى 
على أن حب فرويد «لم يكن يستطيع أن يتحرر» وأن يظهر إلا تحت شروط 
مؤاتية جدًا... وربما كانت مارثا خائفة من محبها المستبد» وتجد ملاذها 
عمومًا في الصمت»”. 

وهكذا فقد كتب لها في النهاية: «إني أتراجع عمّا طلبته. آنا لا أريد 
رفيقة في السلاح» كما أملت أن أصنع منك. فأنا قوي بما يكفي لأحارب 
وحدي... وتبقين لى حبيبة حلوة ثمينة»©. لقد أنهى ذلك بالتأكيد «المرة 
الرحيدة: فن سياه القن ر كرت فيه اتقعالات من ذلك القبيّل [الحت 
والكره] على امرأةة © 

كان الزواج تقليديّاء لكنه خلا من ذلك الشغف. كما وصفه جونز: 

لا يمكن إلا لقلة من حالات الزواج أن تكون أكثر نجاحًا. أثبتت مارثاء ولا شك. 

أنها زوجة رائعة وأمّ ممتازة. كانت مديرة تستحق الإعجاب.. ذلك النوع النادر 

من النساء الذي يستطيع أن يحتفظ بالخدم إلى ما لانهاية. لكنها لم تكن ذلك 





(1) Ibid., Vol. 1, pp. 110 ff. 
(2) Ibid., Vol. J, p. 124. 
(3) Ibid., Vol. .م رآ‎ 127. 
(4) Ibid., Vol. I, p. 138. 


152 اللغز الأتثوي 


وما يناسبه دائمًا في المقام الأول... لم يكن متوقمًا منها أن تتبع تحليقات 

خياله الطوافة بأكثر مما يستطيع معظم العاله!!). 

كانت مكرّسة لحاجاته الجسدية مثل أمّ يهودية من أكثر الأمهات شغفَاء 
وكانت تنظم كل وجبة وفق برنامج صارم ليتفق مع ما يلاثم «البابا». لكنها 
لم تحلم قط بمشاركته حياته على قدم المساواة. ولا فرويد اعتبرها وصية 
ملائمة على أبنائهماء ولاسيما بخصوص تربيتهم في حال وفاته. وهو يتذكر 
حلمًا ينسى فيه أن يناديها في المسرح. وتداعياته «تقتضي ضمنًا أن النسيان 
قد يكون مسموحًا في الأمور غير المهمة». 

يبدو أن تبعية النساء التى لا حدود لهاء والتى تعتبر بديهية فى ثقافة 
فرويد» وعدم وجود فرصة للعمل المستقل أو الهوية الشخصيةء قد ولّدا 
غالبا ذلك القلق والكبت في الزوجة وذلك التهيّج في الزوج» الأمران اللذان 
ميّزا زواج فرويد. وكما لخص جونز الأمرء فإن موقف فرويد من النساء 
«لعلنا نستطيع القول إنها نظرة من الماضي» ويمكن عزو ذلك بسهولة إلى 
بيئته الاجتماعية والفترة التى كبر فيها أكثر من أي عوامل شخصية». 

أيّا تكن آراؤه الفكرية في المسألةء فهناك عدة مؤشرات في كتابته ومراسلاته 

على موقفه الانفعالي. ستكون مبالفة. ولا شك» أن نقول أنه نظر إلى الجنس 

المذكر على أنه أسياد التكوين: إذ لم يكن هناك أي أثر للتكبّر أو الفوقية في 

طبيعتهء لكن» قد يكون من العدل أن نصف رأيه في الجنس المؤنث على أن 

وظيفتهن الرئيسية هي أن يكنّ ملائكة خادمات لحاجات الرجال وراحتهم. 

توضح رسائله وخياره في الحب بصراحة أنه لم يكن في ذهنه سوى نوع واحد 

للفرض الجنسي. هو الفرض الأنثوي اللطيف... 

هناك شيء من الشك في أن فرويد وجد نفسية المرأة أكثر غموضًا من نفسية 

الرجل. حتى أنه قال مرة لماري بونايرت (2566م8082 813516): «السؤال 

الكبير الذي لم يجب عليه أحد قط. والذي لم أتمكن من الإجابة عليه أيضًاء 


(1) Ibid., Vol. I, .م‎ 151. 
(2) Helen Walker Puner, Frued, His Life and His Mind, New York, 1947, p. 152. 


الفصل الخامس: الأنانة الجنسية لسيغموند فرويد 153 


على الرغم من السنوات الثلاثين التي قضيتها في البحث في الروح الأنثوية. 
هو: ماذا تريد المرأوق!!). 
ولاحظ جونز ايضا: 
كان فرويد أيضًا مهتمًا بنوع آخر من النساءء نوع ذي أثر فكري وربما ذكوري 
أكثر. لعبت نساء من ذلك القبيل عدة مرات دورًا في حياته» دور مكمّل 
لأصدقائه الرجال. على الرغم من أنه من عيار أخف. لكن: لم تكن لهنْ أية 
جاذبية جنسية عليه!2. 
كان من بين تلك النساء أخت زوجته مينا بيرنايس (86508395 »(Min na‏ 
الأذكى والأكثر استقلالية بكثير من مارثاء والمحللات أو نصيرات حركة 
التحليل النفسى اللواتى جئن لاحمًا: ماري بونايرت» جوان ريفيير (1032 
«(Riviere‏ لو أندرياس سالومى (531006 2015635ة .)0u‏ لکن ليس هناك 
ف سواء لدى كاتبى سيرته المعجبين أو المعادين» فى أنه لم يبحث عن 
الإشباع الجنسي خارج الزواج. وبالتالي يبدو أن الجنس كان بعيدًا تمامًا 
عن عواطقه الإنسانية» وهو ما عبر عله فى فكره طيلة السنوات اللاحقة 
المنتجة من حياته الطويلة» وإلى درجة أقل» في صداقاته مع رجال ومع 
Jones, op. cit., Vol. H, p.121.‏ )1( 
Ibid., Vol. I, pp. 310 ff.‏ )2( 
خلال السنوات التي كان فرويد يضع فيها نظريته الجنسية؛ قبل أن يحرره تحليله البطولي 
لذاته من اعتماد شغوف على مجموعة من الرجال. كانت عواطفه مركزة على طبيب 
أنف وحنجرة لامع اسمه فيلس. لأن فيلس كان قد اقترح «نظرية علمية» خيالية» وحصل 
على إخلاص فرويد طيلة حياته لهاء وهذه النظرية اختصرت كل ظواهر الحياة والموت 
ابثنائية جنسانية؟» وعبرت عنها على نحو رياضي من خلال جدول دوري يستند إلى 
الرقم 8» وهو رقم الدورة الطمثية الأنثوية. كان فرويد يتوق إلى اجتماعاته مع فيلس 
"كما يتوق إلى إشباع الجوع والعطش». كتب له: «لا أحد يستطيع أن يحل محل الاتصال 
مع صديق يطلبه جزء معين» وربما الأنثوي» مني». حتى بعد أن قام فرويد بتحليل نفسه» 
فقد ظل يتوقع أن يموت في اليوم المتوقع وفق الجدول الدوري الذي وضعه فيلس» 
والذي يمكن فيه اكتشاف كل شيء على أساس الرقم المؤنث 28» أو الرقم المذكر 23ء 
والذي استخرج من نهاية دورة طمثية أنثوية إلى بداية الدورة التالية. 





154 اللفز الأنثوي 


تلك النساء اللواتى اعتبرهن مكافئات له وبالتالى «مسترجلات». وقد قال 
مرة: لأستغرب دائمًا أنني لا أفهم الذي يتحدثون لغتي200. 

على الرغم من أهمية الجنس في نظرية فرويد يتكوّن لدى المرء 
انطباع من كلماته بأن فعل الجنس كان يبدو له حاطا من قدر المرء؛ فإذا 
كان قدر النساء منحطا إلى تلك الدرجة في عيون الرجال» فكيف يمكن 
أن يظهر الجنس في أي ضوء آخر؟ لم تكن تلك نظريته بالطبع. فبالنسبة 
لفرويدء كانت فكرة سفاح القربى مع الأ أو الأخت هي التي تجعل الرجل 
«ينظر إلى فعل الجنس على أنه شيء مخزء وهو ما يوسّخ ويلوّث أكثر من 
الجسم وحده». وعلى كل حالء كان انحطاط قدر المرأة أمرًا مسلمًا به 
من قبل فرويد» فهو مفتاح نظريته عن الأنوثة. كانت القوة الدافعة لشخصية 
المرأة» في نظرية فرويد» هي حسدها للقضيب» الذي يجعلها تشعر أنها أقل 
قيمة بكثير في عينيها هي «كما في عيني الصبي» وربما فيما بعد» في عيني 
الرجل»؛ ويقود في الأنوثة العادية إلى الرغبة في قضيب زوجهاء رغبة لا 
تشبع فعلا قط حتى تمتلك قضيبًا عن طريق ولادة ابن. هي باختصار مجرّد 
«رجل فاشل»»؛ رجل ينقصه شىء ما. وكما عبرت المحللة النفسية البارزة 
كلارا ثومبسون ()s0۸صp (Clara Thom‏ عن الأمر: «لم يتحرر فرويد قط من 
الموقف الفيكتوري تجاه النساء. لقد قبل» كجزء محتوم من قدر المرأة» 
محدودية النظرة والحياة في الحقبة الفيكتورية... فمفهوما عقدة الخصاء 
وحسد القضيبء وهما فكرتان أساسيتان فى كامل فكره» يقومان على 
الفرضية القائلة بأن النساء أقل من الرجال بيولوجيا»0©. 

ما الذي عناه فرويد بمفهوم حسد القضيب؟ فحتى أولئك الذين 


يدركون أن فرويد لم يتمكن من التخلص من ثقافته لا يشككون في أنه 


(1) Ibid., Vol. L, .م‎ 320. 

(2) Sigmund Freud, ‘’ Degradation in Erotic Life,” The Collected Papers of 
Sigmund Freud, Vol. 1V. 

(3) Thompson, op. cit., p. 133. 


الفصل الخامس: الأنانة الجنسية لسيفموند فرويد 155 





كتب حمًا ما رآه في تلك الثقافة. رأى فرويد إجماعًا على الظاهرة التي 
أطلق عليها حسد القضيب في نساء الطبقة الوسطى في فيينا في ذلك 
العصر الفيكتوري الذي أقام كل نظريته عن الأنوثة عليه. قال في محاضرة 
عن «سيكولوجيا النساء»: 
تتشكل عقدة الخصاء في الصبي بعد أن يكون قد تعلّم من رؤية الأعضاء 
التناسلية الأنثوية أن العضو الجنسيء الذي يقدّره عاليًا جدّاء ليس بالضرورة 
جزءًا من جسم المرأة... ومن تلك اللحظة فصاعدًاء يصبح تحت تأثير قلق 
الخصاء.ء الذي يؤمن أفوى فوة دافعة لتطوره اللاحق. وتبدأ عقدة الخصاء في 
الفتاة. أيضًاء برؤية الأعضاء ا الآخر. فهي تلاحظ فورًا الفرق 
وأهميته. وهو ما يجب الإقرار به. ت تشعر أنها في وضع سيء جدّاء وغالبًا ما 
تصرّح أنها ترغب في أن تملك أيضًا شيئًا مثل ذلك الشيء. وتسقط ضحية 
حسد القضيب, الأمر الذي يخلّف آثارًا لا يمكن التخلص منها على تطورها 
وتكوين شخصيتهاء وحتى في أفضل الحالات. لا يتم التغلب عليه دون إنفاق 
كبير من الطاقة العقلية. وأن تدرك الفتاة حقيقة أنها ناقصة القضيب لا يعني 
أنها تقبل غيابه بسهولة. بالعكسء إنها تتشبث لفترة طويلة برغبة الحصول 
على شيء يشبهه. وتؤمن بذلك الاحتمال لعدد دد استثنائي من السنوات؛ وحتى 
في الوقت الذي تكون فيه معرفتها بالواقع قد قادتها منذ زمن طويل إلى التخلّي 
عن تحقيق هذه الرغبة لأنها متعذرة تمامًاء فالتحليل يثبت أنها تبقى مستمرة 
في اللاوعي» وتحتجز شحنة لا بأس بها من الطاقة. وفي نهاية المطاف. قد 
تسهم الرغبة في الحصول على القضيب. الذي تتوق إليه كثيرًا. في الدوافع 
التي تجبر امرأة ناضجة على الذهاب إلى التحليل النفسي ويمكن غالبًا إدراك 
ما تتوقع أن تحصل عليه بشكل معقول تمامًا من التحليل النفسي» من مثل 
القدرة على السعي نحو مهنة فكرية؛ على أنه تحوير تصعيدي لهذه الرغبة 
المكبوتة!!). 
وتابع فرويد قائلا: «إن اكتشاف الفتاة لخصائها هو نقطة تحوّل في 
حياتها. إنها مجروحة في حبها لذاتها بالمقارنة غير السارة مع الصبيء 
المجهّز أفضل بكثير». تنخفض قيمة أمها وجميع النساء في نظرهاء مثلما 


(1) Sigmund Freud, ‘’The Psychology of Women,” in New Introductory Leclr€S 
on Psychoanalysis, tr: W. J. H. Sprott, New York, 1993, pp. 107 f. 





156 اللغزالأنثوي 





تنخفض قيمتهن للسبب ذاته في نظر الرجلء وهذا يقود إِمّا إلى الكبت 
الجنسي الكامل والعُصاب» أو إلى «عقدة الذكورة» التي ترفض فيها التخلي 
عن النشاط «القضيبى» (أي «نشاط كذاك الذي يعتبر عادةً مميرًا للذكر»)» 
أو إلى «الأنوثة العادية» التي تُكبت فيها دوافع الفتاة للنشاطء وتتحوّل 
في رغبتها بالقضيب إلى والدها. «لكن وضع الأنوثة لا يتأسس إلا عندما 
تستبدل الرغبة في القضيب بالرغبة في الحصول على ولد؛ إذ يأخذ الطفل 
مكان القضيب». عندما كانت تلعب بالدمى» «لم يكن ذلك بالفعل تعبيرًا 
عن أنوثتها», لأن ذلك نشاط وليس سلبية. لا تجد «الرغبة الأنثوية الأقوى»» 
الرغبة في القضيبء تحققها الفعلي إلا «إذا كان الطفل صبيًا صغيرًا يجلب 
معه القضيب المشتهى... تستطيع الأم أن تنقل إلى ابنها كل الطموح الذي 
سبق وكبتته في نفسهاء وتستطيع أن تأمل أن تحصل منه على الإشباع من كل 
ما تبقى لها من عقدتها الذكورية)". 

لكن» من الصعب جدًا التغلب على نقصها المتأصل وحسد القضيب 
الناتج عنه» إلى درجة أن الأنا الأعلى للمرأة -ضميرها ومُتُلها- لا تتشكل 
قط كاملة كما هو الحال مع الرجل: اليس لدى النساء سوى القليل من الحسٌ 
بالعدالة» وهذاء ولا شك» يتصل برجحان الحسد في حياتهن العقلية». 
وللسبب ذاته» فإن اهتمامات النساء بالمجتمع أضعف من اهتمامات 
الرجال» و«قدرتهن على تصعيد غرائزهن أقل». أخيرًاء لا يستطيع فرويد 
الامتناع عن ذكر «انطباع يتلقاه المرءء المرة تلو المرة» في العمل التحليلي» 
بأنه حتى التحليل النفسي لا يستطيع أن يفعل الكثير للنساء نتيجة عجز 
الأنوثة المتأصل. 

إن رجلا في الثلاثين من عمره تقريبًا يبدو مليئًا بحيوية الشباب» وبمعنى 

ماء نتوقع من فرد لم يتطور على نحو كامل أن يكون قادرًا على الاستفادة من 

احتمالات التطور التي يفتحها التحليل النفسي أمامه. لكن. كثيرًا ما تذهلنا 


(1) Ibid., p. 182. 


الفصل الخامس: الأنانة الجنسية لسيفموند فرويد 157 





امرأة في العمر ذاته تقريبًا بصلابتها النفسية وعدم قدرتها على التغيّر.. الا 
توجد ممرات مفتوحة أمامها من أجل مزيد من التطور؛ كما لو أنها اجتازت 
العملية كلها. وبقيت بعيدة عصية على التأثزير في المستقبل؛ وكأن التطور 
الصعب» في الحقيقة. الذي يقود إلى الأنو ثة فد استنزف كل إمكانياتها 
الفردية... حتى عندما ننجح في إزالة آلامها بحل صراعها العصابي!!). 


ما الذي كان يكتب عنه حقًا؟ إذا فشر المرء «حسد القضيب»». مثلما 
أعيد تفسير بقية المفاهيم الفرويدية على ضوء معرفتنا الجديدة» بأن ما اعتقد 
فرويد أنه بيولوجي كان غالبًا رد فعل ثقافي» فإنه يرى ببساطة أن الثقافة 
المكورية قد اعدف ا غ و جال ل ی 

في الواقع» التي كافحت الناشطات النسويات ضدها. إذا تمّت المرأة 
التي حرمت من الحرية والمنزلة والمتع» ؛ التي استمتع بها الرجال سرّاء 
اا ا 
أن تكون رجلاء وأن ترى نفسها بذلك الشيء الوحيد الذي يجعل الرجال 
مختلفين على نحو قاطع» ألا وهو القضيب. سيكون عليها بالطبع أن تتعلم 
أن تبقي حسدها وغضبها مستورين: لتلعب دور الطفلة؛ اللعبة» الدميةء لأنْ 
نصيرها يعتمد على محر الرجل» لكن تحت ذلك» ربما يظل الأمر يتقح 
حتى يجعلها تمرض رغبة في الحب. إذا احتقرت نفسها سرّاء وحسدت 
الرجل على كل ما ليست عليه» فقد تمارس الحب بشكل روتيني» أو حتى 
تشعر بهيام وضيع» ولكن هل ستكون قادرة على الحب الحر المبهج؟ لا 
يمكنك أن توضح حسد المرأة للرجلء أو احتقارها لذاتها على أنه مجرد 
رفض لقبول تشوّهها الجنسي. ما لم تعتقد أن المرأة بالطبيعة هي كائن أدنى 
من الرجل. وبالتالي» طبعًاء تصبح رغبتها في أن تكون مساوية له عغصابية. 

هناك إدراك الآآن بأن فرويد لم يعط انتباهًا متاسبّاء حتى لدى الرجل» 
لنمو الأنا أو الذات: «الدافع إلى السيادة أو التحكم أو الوصول إلى شروط 





(1) Ibid., p. 184. 


158 اللغز الأنثوي 


التحقق الذاتي مع البيئة“". بدأ المحللون» الذين حرروا أنفسهم من تحيّز 
فرويد» وانضموا إلى علماء سلوكيين آخرين في دراسة الحاجة الإنسانية 
إلى النموء يعتقدون أن هذه هي الحاجة الإنسانية الأساسية» وأن التدخل 
فيهاء في أي بُعد كان» هو مصدر المشاكل النفسية. البعد الجنسي هو بعد 
TE E‏ البشرية. يجب التذكر أن رويك كان يقد أن 
جميع العُصابات جنسية في أصلها؛ فهو لم ير النساء إلا من حيث علاقتهن 
الجنسية بالرجال. لكن في جميع تلك النساء اللواتي رأى فيهن مشاكل 
جنسية» لابدٌ أنه كانت هناك مشاكل النمو المعوّق الحادة جدّاء نمو تنقصه 
هوية إنسانية كاملة-ذانًا ناقصة غير ناضجة. لقد منع المجتمع النساء كما 
كان حينهاء وعن طريق الإنكار الصريح لتعليمهن واستقلاليتهن» من تحقيق 
إمكانياتهن كاملة» أو من تحقيق تلك الاهتمامات والمُثْل التي قد تحفز 
نموّهن. كتب فرويد عن جوانب النقص تلك» لكنه لم يتمكن من شرحها 
إلا على أنها حصيلة «حسد القضيب؛؛ لم ير حسد النساء للرجل إلا على أنه 
مرض جنسي. كان يرى أن النساء اللواتي يرغبن سرًا في أن يكنّ مساويات 
للرجل لا يستمتعن بأن يكنْ غرضه؛ وقد بدا في هذا وكأنه يصف حقيقة. 
ولكن. ألم يكن عندما رفض توق النساء إلى المساواة» مصورًا إياه على أنه 
«حسد القضيب»» يعبر ببساطة عن رأيه الخاص بأن المرأة لا يمكن إطلاقاء 
في الحقيقةء أن تكون مساوية للرجل» بأكثر من أنها قد تحمل قضيبه؟ 


لم يكن فرويد مهتمًا بتغيير المجتمع» بل بمساعدة الرجل والمرأة على 


(1) Thompson, op. cif., pp. 12 f: 
ركزت الحرب العالمية الأولى (1918-1914) مزيدًا من الانتباه على محرّكات‎ 
الأنا.... فقد دخلت فكرة أخرى في التحليل النفسى فى تلك الفترة تقريبًا ... وهى أن‎ 
العذراته العاف إلى الخ قل ركو دافا م كر نا ما :ن لهات حل ررد‎ 
ذلك عن طريق نظريته الثانية فى الغرائز. وجد العدوان مكانه كجرء من غريزة الموت.‎ 
من الممتع أن توكيد الذات العادي» أي الدافع إلى قهر البيئة أو السيطرة عليها أو الوصول‎ 
إلى شروط تحقيق الذات معهاء لم يتم التشديد عليه على نحو خاص من قبل فرويد.‎ 


الفصل الخامس: الأنانة الجنسية لسيغموند فرويد 159 





التكتف معه. وهكذاء فهو يحكي عن حالة عانس في منتصف العمر» نجح 
فى تحريرها من معقّد-أعر اضي (<16م1050-02م12لا5) منعها من لعب 
أي دور في الحياة مدة خمسة عشر عامًا. وبعد تحررها من تلك الأعراض 
«اندفعت في دوامة من النشاط حتى تطوّر مواهبهاء التي لم تكن بأي شكل 
من الأشكال قليلة» وتخرج بشيء من التقدير والمتعة والنجاح في الحياة 
قبل فوات الأوان». ولكنّ كل محاولاتها توقفت عندما رأت أن لا مكان 
لها. وبما أنه لم يعد في مقدورها الانتكاس إلى أعراضها العٌصابية» فقد 
بدأت تقع في حوادث: التواء في الكاحل أو في القدم أو في اليد. وعندما 
جرت معالجتها من ذلك بالتحليل النفسىء فإنها «بدلا من الحوادث أخذت 
تصاب في المناسبات ذاتها بأمراض خفيفة» كالزكام أو التهاب البلعوم أو 
حالات أنفلونزا أو أورام روماتيزمية» إلى أن في النهاية» عندما قررت أن 
تستسلم لعدم النشاطء وصل الأمر كله إلى نهايته»". 

حتى إذا اعتبر فرويد ومعاصروه النساء أدنى شأنًا بحكم الطبيعة النهائية 
التي منحها الله لهن, فإن العلم لا يبرر هذه النظرة الآن. فنحن نعرف الآنء 
أن سبب تلك الدونية هو قلة تعليمهن وحجزهن في البيت. اليوم» وقد 
أثبت العلم مساواة النساء للرجال في الذكاء» وظهرت قدرتهن المساوية 
لهم في كل مجال عدا القوة العضلية الصرفء فإن نظرية تقوم بوضوح على 
دونية المرأة الطبيعية ستبدو سخيفة وزائفة. لكن يبقى ذلك أساس نظرية 
فرويد عن النساء» على الرغم من قناع الحقيقة الجنسية الخالدة التي تخفي 
تفاصيلها اليوم. 

بما أن أتباع فرويد لم يستطيعوا أن يروا المرأة إلا في الصورة التي حددها 
فرويد -تابعة وطفلية وعاجزة وبلا أية إمكانية للسعادة» ما لم تتكيف مع 
حقيقة أنها غرض الرجل السلبي- فقد أرادوا مساعدة النساء في التخلص 





(1) Sigmund Freud, ‘The Anatomy of the Mental Personality,” in New علو ورور‎ 0/[' 
Lectures on Psychoanalysis, p. 96. 


160 اللغز الأنثوي 


من حسدهن المكبوت» من رغبتهن العُصابية فى أن يكنّ مساويات للرجل. 
او اغ الف إرجاة ا لحف و تسا عة 
تأكيد دونيتهن الطببعية.. 

لكنّ المجتمع الذي حدّد تلك الدونية قد تغيّر تغيّرًا حادًا في الوقت 
الذي حول فيه أتباع فرويد ماديا إلى أمريكا القرن العشرين أسباب الظرف 
الذي دعاه فرويد حسد القضيب بالإضافة إلى علاجاته. على ضوء معرفتنا 
الجديدة بالعمليات الثقافية والنمو الإنساني» يستطيع المرء أن يفترض أن 
النساء اللواتي كبرن في ظل الحقوق والحرية والتعليم» وهو ما كانت نساء 
العصر الفيكتوري محرومات منه» لا بد أن يكنّ مختلفات عن النساء اللواتي 
حاول فرويد علاجهن. يمكن للمرء أن يفترض أن لديهن أسبابًا أقل بكثير 
لحسد الرجل. لكنّ فرويد قُسَر للنساء الأمريكيات بتعابير حرفية على نحو 
غريب» حتى أن مفهوم حسد القضيب اكتسب حياة لغزية بذاته» كما لو أنه 
جد مستقلا تمامًا عن النساء اللواتي لوحظ لديهن. كان الأمر كما لو أن 
صورة فرويد الفيكتورية عن النساء أصبحت أكثر حقيقية من نساء القرن 
العشرين اللواتي طبقت عليهن. لقد فهمت نظرية فرويد عن الأنوثة في 
أمريكا بحرفية شديدة حتى أن النساء اليوم لا يعتبرن مختلفات عن النساء 
الفيكتوريات. ورُفضت المظالم الحقيقية التي حملتها الحياة للنساء منذ قرن 
مضى مقارنة بالرجال كمجرد تبرير لحسد القضيب. والفرص الحقيقية التي 
منحتها الحياة للنساء الآنء مقارنة مع النساء في ذلك الوقت» محظورة باسم 
حسد القضيب. 

تمكن رؤية التطبيق الحرفي للنظرية الفرويدية في هذه الفقرات من 
كتاب المرأة العصرية: الجتسن الضاتع بقلم المخللة ال ارك فارنهام 
(Marynia Farnham)‏ و عالم الاجتماع فردیناند لندبرغ Ferdinand)‏ 
.)e8‏ حيث تمت إعادة صياغته حتى الغثيان في المجلات ومقررات 
الزواج» إلى أن أصبحت معظم جمله جزءًا من حقيقة عصرنا المقبولة 


لفصل الخامس: الأنانة الجنسية لسيغموند فرويد 161 





التقليدية. فهما يساويان النسوية بحسد القضيب» ويصرّحان على نحو 
ا 


كانت النسويةء على الرغم من الصحة الخارجية لبرنامجها السياسي ومعظم 
(ليس كل) برنامجها الاجتماعي. في جوهرها مرضًا عميمًا... يثبّط الاتجاه 
الغالب في التدريب والتطوير الأنثوي اليوم... بالضبط تلك الميزات الضرورية 
لتحقيق المتعة الجنسية: قابلية التأثر والسلبيةء استعدادٌ لقبول الاتكال دون 
خوف أو امتعاض؛ مع جوانية عميقة واستعداد للهدف النهائي للحياة الجنسية. 
ألا وهو التلقيح. ... 
ليس في استطاعة العضوية الأنثوية أن تحقق مشاعر السعادة عن طريق 
الإنجاز المذكر... كان خطأ الناشطات النسويات أنهن حاولن وضع النساء 
على طريق الإنجاز المذكر أساسًا. بعيدًا عن طريق التربية الأنثوية... 
إن القاعدة النفسية-الاجتماعية التي تبدأ بالتشكل إِذَا هي التالية: كلما 
كانت المرأة أكثر تعليمًاء زادت فرصة وجود شيء من الاضطراب الجنسي 
لديهاء على هذه الدرجة من الحدة أو تلك. وكلما زاد اضطراب الجنسانية 
لدى مجموعة معينة من النساءء قل عدد الأولاد لديهن... لقد منحهن القدر 
النعمة التي ألحّت عليها السيدة ماكبث؛ لقد كن فاقدات للقدرة الجنسية, لا 
في مسألة الولادة فقطء, بل وفي مشاعر المتعة أيضًا!!). 
وهكذاء فقد طمر مبشطو فرويد جوهر تحيّزة التقليدي غير المُدرَك ضد 
النساء أعمق من أي وقت مضى فى أرض صلبة ذات ظاهر علمى. كان 
فرويد مدركًا تمامًا لنزعته الخاصة إلى بناء مجموعة هائلة من الاستنتاجات 
انطلاقًا من حقيقة واحدة -طريقة خصبة وإبداعية» لكنها سلاح ذو حدين» 
إذا أسيء تفسير مغزى تلك الحقيقة الأحادية. كتب فرويد إلى يونغ (عصں[) 
في عام 1909: 
لقب أضحكني جدًا ظنّك أن أخطائي قد تعبَّد بعد رحيلي مثل آثار مقدسة, 
لكني لا أؤمن بذلك. بالعكس؛ أعتقد أن أتباعي سيسرعون إلى تدمير كل ما 
هوغير آمن وسليم فيما أخلفه ورائي بأقصى سرعة ممكنة©. 





(1) Marynia Farnham and Ferdinand Lundberg, Modern Women: The Lost 56 
New York and London, 1947, pp. 142 ff. 
(2) Ernest Jones, op. .اك‎ Vol. Il, .م‎ 446. 


162 اللفز الأنثوي 


لكن» في موضوع النساءء لم يضاعف أتباع فرويد أخطاءه فحسب» 
بل إنهم في محاولتهم الملتوية لجعل ملاحظاتهم عن النساء الحقيقيات 
منسجمة مع إطاره النظري أغلقوا الأسئلة التي تركها هو نفسه مفتوحة. 
وهكذا على سبيل المثال» فإن هيلين دوتش «(Helene Deutsch)‏ التي 
ظهر كتابها الحاسم المؤلف من مجلدين سيكولوجيا المرأة-تفسير على 
ضوء التحليل النفسى The Psychology of Women-A Psychoanalytical‏ 
Interpretaion‏ في عام 4» غير قادرة على رد كل مشاكل النساء إلى 
حسد القضيب بتلك الطريقة. فتقوم بما اعتبره فرويد نفسه غير حكيم» 
وتساوي بين «الأنوثة» و«السلبية»» وبين «الذكورة» و«الفاعلية»» لا في 
المجال الجنسي فقط» بل وفي جميع مجالات الحياة. 

مع إدراكي التام لخضوع وضع المرأة للتأثير الخارجي؛ فإنني أغامر بالقول 

إن الهويات الاساسية «مؤنث-سلبي» و«مذكر-إيجابي» تؤكد نفسها في جميع 

الثقافات والأعراق المعروفة. بأشكال متنوعة ونسب كميّة مختلفة. 

غالبًا ما تقاوم المرأة هذه الخاصية التي منحتها لها الطبيعة, وعلى الرغم 

من بعض المنافع التي تأخذها منهاء فإنها تظهر أنماطا من السلوك تفترض 

أنها ليست راضية تمامًا بوضعها... إن التعبير عن عدم الرضا ذاك؛ متحدًا 

بمحاولات مداواتهء تنتج عنه «عقدة الذكورق!!). 

تنشأ «عقدة الذكورة»» على النحو الذي توضحه الدكتورة دوتش» 
مباشرة من «عقدة خصاء الأنثى». وبالتالي» ما يزال التشريح هو القدرء 
وما تزال المرأة «رجلا فاشلا». وبالطبع» تذكر الدكتورة دوتش عرضًا أنه 
«فيما يخص الفتاة» على أية حالء فإن الطبيعة تؤثّر تأثيرًا كابحًا فيما يتعلق 
بعدوانها ونشاطها». وهكذا يبدو أن حسد القضيب وتشريح الأنثى الناقص 
والمجتمع «تعمل جميعًا لإنتاج الأنوثة»). 


(0 Helen Deutsch, The Psychology of Women—A Psychoanalytical Interpretation, 
New York, 1944, Vol. I, pp. 224 ff. 
{2) Ibid., Vol. 1, pp. 251 fF. ا‎ 





الفصل الخامس: الأنانة الجنسية لسيفموند فرويد 163 








لكنّ الأنو ثة «العادية» لا ت تتحقّق إلا بقدر ما تنكر المرأة في النهاية جميع 
أهدافها الفعّالة الخاصة بهاء وكل أصالتهاء وتطابق ذاتها مع زوجها 00 
ابنهاء وتحقق ذاتها من خلال نشاطاتهما وأهدافهما. ويمكن تصعيد هذه 
العملية بطريقة غير جنسية» كما هي» على سبيل المثال» حال المرأة التي 
تقوم بالبحث الأساسي لاكتشافات رئيسها الذكر. الابنة التي تكرّس 8 
لوالدها هي أيضًا : تقوم باتصعيد» أنثوي مُرض. ولا يستحق إلا النشاط النابع 
منهاء أو أصالتهاء على أساس المساواة» خزي «عقدة الذكورة». تصرّح هذه 
التابعة الأنثوية اللامعة لفرويد. على نحو قاطع. إن النساء اللواتي حققن 
السمو في الولايات المتحدة مع حلول عام 1944 بنشاط نابع من ذاتهن في 
مجالات مختلفة قد قمن بذلك على حساب تحققهن الأنثوي. وهي لا تذكر 
أية أسماء» لكنهن جميعًا يعانين من «عقدة الذكورة». : 

كيف أمكن لفتاة أو امرأة ليست محللة نفسية أن تسقط من حسابها 
تلك التصريحات المشؤومة التي بدأت فجأة في الأربعينيات تنهال من كل 
وسطاء وحي التفكير المتطور؟ 

سيكون من السخف أن نفترض أن الطريقة التي استخدمت فيها النظريات 
الفرويدية لغسل دماغ جيلين من النساء الأمريكيات المتعلمات كانت جزءًا 
من مؤامرة تحليل-نفسية. وقد جرى ذلك على يد مبشطين حسني النية 
ومشوٌّهين مُهملين؛ على يد مهتدين راشدين وأصحاب تقليعات رائجة؛ على 
يد أولئك الذين عانواء وأولئك الذين شفواء وأولئك الذين حولوا المعاناة 
إلى ربح؛ وفوق كل ذلك» على يد توافق من القوى والحاجات الخاصة 
بالشعب الأمريكي في زمن معين. في الحقيقة» كان القبول الحرفي بنظرية 
فرويد عن التحقق الأنثوي في الثقافة الأمريكية في تضاد مضحك-مبك مع 
الصراع الشخصي للعديد من المحللين النفسيين الأمريكيين لتوفيق ما كانوا 
رده في مريضاتيع مع النظرية الفرويفية. قالت النظرية إن النساء يجب 
اھ یکن قادرات عن قق فته کر رخات وأمهات: إا فط أمكن 


164 اللغزالأنثوي 


علاجهن بالتحليل النفسى من «كفاحاتهن المذكرة)ء من «حسد القضيب». 
لكن لم يكن الأمر بتلك السهولة. يؤكد محلل من ويستشيستر: «لا أعرف 
سبب استياء النساء الأمريكيات إلى هذه الدرجة. يبدو على نحو ماء من 
الصعب جدًا استئصال حسد القضيب لدى النساء الأمريكيات». 


وأخبرني محلل نفسي من نيويورك» وهو واحد من آخر من تدرّبوا في 
معهد فرويد الخاص للتحليل النفسي في فيينا: 
لقد وجدت نفسي على مدى عشرين عامًا من التحليل النفسي للنساء 
الأمريكيات. المرة تلو المرة» في وضع أضطر فيه إلى تركيب نظرية فرويد عن. 
الأنوثة على الحياة النفسية لمريضاتي بطريقة لم أكن راغبًا في تطبيقها. وقد 
وصلت إلى خلاصة مفادها إن حسد القضيب. بكل بساطة. أمرٌ لا وجود له. 
رأيت نساء معبّرات تمامّاء جنسيًا ومهبليًاء ولكنهن مع ذلك غير ناضجات أو 
متكاملات أو متحققات. كانت لدي مريضة ترددت على أريكة التحليل النفسي 
نحو سنتين قبل أن أتمكن من مواجهة مشكلتها الحقيقية: لم تكن مكتفيةٌ بأن 
تكون مجرد ربة منزل وأمّ. حلمتٌ ذات يوم حلمًا بأنها تدرّس صفًا. لم أستطع 
استبعاد التوق القوي في حلم ربة المنزل هذا بالقول إنه حسد القضيبء فقد 
كان تعبيرًا عن حاجتها الخاصة إلى التحقق الذاتي الناضج. قلت لها: «لا 
أستطيع تحليل هذا الحلم. يجب أن تفعلي شيئًا ما حياله». 
هذا الرجل ذاته يدرّس المحللين الشباب في مركزه الطبي للدراسات 
العليا في جامعة شرقية رائدة: «إذا لم يوافق المريض الكتاب» فارموا 
بالكتاب واستمعوا إلى المريض». 
لكنّ محللين كثيرين يرمون بالكتاب في وجوه مرضاهم» وتصبح 
النظريات الفرويدية حقيقة مقبولة حتى بين النساء اللواتي لم يضطجعن 
قط على سرير المحلل النفسي» لكنهن يعرفن فقط ما قرأنه» أو سمعنه. لم 
يتسرب» حتى هذا اليوم» إلى الثقافة الشعبية أنْ إحباط النساء الأمريكيات 
المتزايد وواسع الانتشار قد لا يكون مسألة جنسانية أنثوية. عدّل بعض 
المحللين» وهذا صحیح»› النظريات ن كبيرًا حتى تناسب مرضاهم» 


الفصل الخامس: الأنانة الجنسية لسيغموند فرويد 165 
حتى إنهم أهملوها كلية» لكن هذه الحقائق لم تنفذ قط إلى الوعي العام. 
قبل فرويد بسرعة كبيرة وبشكل كامل عند نهاية الأربعينيات» حتى أن أحدّاء 
وخلال ما يزيد على عقد من السنوات» لم يجادل في عودة النساء الأمريكيات 
المتعلمات إلى المنزل. وعندماء في النهاية» أصبح طرح الأسئلة لا بد منه» 
إذ بات من الواضح أنْ شيئًا ما يسير في الاتجاه الخطأء فقد طرحت تلك 
الأسئلة كليةَ ضمن الإطار الفرويدي الذي كان جواب واحد فقط ممكنًا فيه: 
إن من الخطأ منح النساء التعليم والحرية والحقوق. 

لقد كان قبول مذهب فرويد في أمريكا على نحو غير نقدي» في جزء 
منه» نتيجة الراحة ذاتها التي أمّنها من الأسئلة المزعجة حول الحقائق 
الموضوعية. أصبح علم النفس الفرويدي بعد الكساد» بعد الحرب» أكثر من 
مجرد علم للسلوك الإنساني» أصبح علاجًا للمعاناة. أصبح الأيديولوجية 
الأمريكية المنطوية على كل شيء.. أصبح ديئًا جديدًا. ملأ فراغ الفكر 
والغاية الذي وٌجد لدى العديد ممن لم يعد الإله أو العَلّمِ أو الحساب 
المصرفي كافيًا لهم ولكنهم» مع ذلك» كانوا تعبين من الشعور بالمسؤولية 
تجاه الإعدامات غير القانونية ومعسكرات الاعتقال والأطفال الذين يعانون 
من الجوع في الهند وأفريقيا. أمّن مهربًا ملائمًا من القنبلة الذرية ومكارثي 
وكل المشاكل المربكة التي قد تفسد مذاق شرائح اللحم والسيارات والتلفاز 
الملون وأحواض السباحة في ساحة البيت الخلفية. أعطانا الإذن بأن نكبح 
الأسئلة المزعجة للعالم الأوسع» وأن نسعى وراء متعنا الشخصية. وإذا كان 
للدين النفسي الجديد -الذي جعل من الجنس فضيلةء وأزال كل إثم من 
عيبا الخاص» وألقى بظلال الشك على إلهامات العقل والروح السامية- 
تائيرَا شخصيًا مدمّرًا على النساء» أكثر مما له على الرجالء فإن أحدًا لم 
يخطط له بتلك الطريقة.' 

لقد تحوّل علم النفس -المستغرق طويلا في عقدة نقصه العلمية» 
دالمهووس بالتجارب المخبرية الصغيرة الدقيقة التي أعطت الوهم 





166 اللغزالأنثوي 


باختزال التعقيد الإنساني في السلوك البسيط القابل للقياس لجرذان في 
متاهة- إلى حملة جديدة اه للحياة اكتسحت حقول الفكر الأمريكى 
القاحلة. كان فرويد هو القائد الروحيء ونظرياته هي الكتاب العقنس: 
وكم كان كل ذلك مثيرًا وحقيقيًا ومهمًا. كان تعقيده اللغزي جزءًا من 
سحره للأمريكيين الضجرين. وإذا بقي شيء منه مربكا على نحو عصي 

على الفهم» فمن سيعترف أنه لم يستطع فهمه؟ أصبحت أمريكا مركز 
حركة التحليل النفسي» عنادها دالو قرويةون و يفون وأ داريو 
من فيينا وبرلين» وازدهرت مدارس جديدة على عُصابات الأمريكيين 
المتزايدة ودولاراتهم. 

لكنْ ممارسة التحليل النفسي» كشكل من أشكال العلاج» لم تكن 
مسؤولة مبدئيًا عن اللغز الأنثوي؛ الذي كان من صنع الكتّاب والمحرّرين 
في وسائل الإعلام الجماهيرية والباحثين الدافعيين في وكالات الإعلانء 
ومن خلفهم» مبشطي الفكر الفرويدي ومفسّريه في الجامعات والكليات. 
نزلت النظريات الفرويدية والفرويدية الزائفة في كل مكان مثل الرماد 
البركاني الدقيق. لقد تخلل الفكر الفرويدي علم الاجتماع والأنثروبولوجيا 
والتعليم وحتى دراسة التاريخ والأدب. وكان المبشرون الأكثر حماسًا للخز 
الأنثوي هم الوظيفيون؛ الذين التهموا بسرعة لُقيمات من فرويد المهضوم 
اصطناعيّاء لينشئوا أقسامهم الجديدة عن «تعليم الزواج والحياة العائلية). 
علّمت المقرّرات الوظيفية حول الزواج فتيات الجامعات الأمريكيات كيف 
«يلعبن دور» المرأة -فالدور القديم أصبح علمًا جديدًا. ونشرت حركات 
ذات صلة خارج الجامعات -تعليم الأهل» مجموعات دراسة الطفلء 
مجموعات الدراسة الأمومية-الأبوية» وتعليم الصحة العقلية- الأنا العليا 
النفسية على امتداد البلاد آخذة محل لعبة البريدج والكاناستا كوسيلة من 
وسائل التسلية بين الزوجات الشابات المتعلمات. وقد فعلت هذه الأنا 


(1) نسبة إلى فرويد ويونغ وأدلر. 





الفصل الخامس: الأنانة الجنسية لسيغموند فرويد 167 





العليا الفرويدية فعلها بين أعداد متزايدة من النساء الأمريكيات الشابات 
الحساسات» مثلما قال فرويد عن فعل الأنا العلياء ألا وهو تأبيد الماضي. 
لا يعيش الجنس البشري قط في الحاضر تمامًا؛ فأيديولوجيات الأنا العليا 
تؤيّد الماضيء تقاليد العرق والشعب التي تخضع. ولكن ببطءء لتاثير الحاضر 
والتطورات الجديدةء وبقدر ما تعمل من خلال الأنا العلياء تلعب دورًا مهما في 
حياة الإنسان» على نحو مستقل تمامًا عن الظروف الاقتصادية!!). 
ردّد اللغز الأنثوي» الذي رفعته النظرية الفرويدية إلى مستوى الدين 
العلمي» نغمة منفردةً وشديدة الحماية ومقيدة للحياة ومُنكرة للمستقبل 
بالنسبة للنساء. طلب مفكرو عصرنا الأكثر تقدمًا من الفتيات. اللواتى كبرن 
زهج غات يسول ال "جلتسات أطفال أو ارات فى الد ر 
مستقلات بما يكفي وواسعات الحيلة بما يكفي لمؤاجية مشاكل عصر 
الانشطار والانصهار- أن يعدن» ويعشن حياتهن كما لو كنّ نورا المحصورة 
في بيت الدمية بقوة التحيّز الفيكتوري. وأبعدهن احترامهن لسلطة العلم 
وخوفهن منها -والآن تشارك الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع وعلم النفس 
تلك السلطة- عن التشكيك باللغز الأنثوي. 


(1) Sigmund Freud, ‘The Anatomy of the Mental Personality," in New IntrocfuclOr¥ 
Lectures on Psychoanalysis, .م‎ 96. 


الفصل السادس: التجميد الوظيفي والا حتجاج المؤنث ومارجريت ميد 169 


س 


النجميد الوظيفي والاحتجاج المؤنث 
ومارجريت ميد 


بدلا من تدمير التحيّزات القديمة التي قدت حيوات النساء» اكتفى علم 
الاجتماع بإعطائها سلطة جديدة. وعبر عملية دائرية دقيقة» ألغت رؤى علم 
النفس والأنئروبولوجيا وعلم الاجتماع - التي كان يفترض بها أن تكون 
أسلحة قوية لتحرير النساء - على نحو ماء مفعول بعضها بعضًا موقعة النساء 
في مركز ميت. 

خلال السنو ات العشرين الماضية» وتحت التأثير المحفز للفكر 
الفرويديء التقى محللون نفسيون وعلماء أنثروبولوجيا وعلماء اجتماع 
وعلماء نفس اجتماعيون وعاملون آخرون في العلوم السلوكية في ندوات 
مهنية ومؤتمرات تموّلها المؤسسات في العديد من المراكز الجامعية. 
بدا أن التخصيب التهجيني قل جعلهم جميعًا يزدهرون» لکن» ا 
مهجّنات غريبة. ففيما بدأ محللون نفسيون يعيدون تفسير مفاهيم فرويد 
من مثل الشخصية «الفموية» و«الشرجية)» على ضوء وعي مستعار من 
الأنثروبولوجيا بأن العمليات الثقافية كانت» ولابدّء فاعلة في فبينا فرويدء 
انطلق علماء أنثروبولوجيا قاصدين جزر بحر الجنوب لرسم الخريطة القبلية 
وفق جداول «فموية» و«شرجية» حرفية. وغالبًا ما كان الأنثروبولوجيون» 
مسلّحين ب«أفكار نفسية للعاملين الميدانيين في المجال الإثني»» يجدون 





170 اللغز الأنثوي 


ما يبحئون عنه. ويدلا ف :: تفسير التحيّز الثقافي وتمحيصه خارج النظريات 
الفرويدية» ضاعفت مارجريت ميد (546380 2reعMar)ء‏ والآخرون 
الذين كانوا رادا في ميادين الثقافة والشخصية؛ الخطأ عن طريق تكييف 
ملاحظاتهم الأنشروبولوجية الخاصة مع المبدأ الفرويدي. لكن» ما كان لأيّ 
من ذلك أن يكون له الأثر المجمّد ذاته على النساء لولا ضلال تزامن معه 
من قبل العلماء الاجتماعيين الأمريكيين اسمه الوظيفية (0دؤتاهدهناعصرة). 


فقد بدأت الوظيفية -من خلال تركيزها بشكل أساسي على الأنثروبولوجيا 
الاجتماعية وعلم الاجتماع» ووصولها إلى حدودها القصوى في الميدان 
التطبيقي لتعليم الحياة العائلية- كمحاولة لجعل العلم الاجتماعي أكثر 
«علمية» عبر استعارتها من البيولوجيا فكرة دراسة المؤسسات كما لو كانت 
عضلات أو عظام» من حيث «بنيتها» و«وظيفتها» في الجسم الاجتماعي. 
يهدف العلماء الاجتماعيون» بدراسة مؤسسة ما من حيث وظيفتها فحسب 
ضمن مجتمعهاء إلى أن يحوّلوا بصرهم عن أحكام القيمة غير العلمية. وفي 
الممارسة؛ لم تكن الوظيفية حركة علمية بقدر ما كانت لعبة كلمات علمية. 
غالبًا ما فُشرت عبارة «الوظيفة هي» ب«الوظيفة يجب أن تكون»؛ ولم يدرك 
العلماء الاجتماعيون د تحيّزاتهم في التنكر الوظيفي بأكثر مما أدرك المحللون 
تحيزاتهم في التدكر الفرويدي. أدخلت الوظيفية -من خلال إضفاء معنى 
مطلق وقيمة منافقة على المصطلح العام «دور المرأة»- النساء الأمريكيات 
في نوع من التجمّد العميق» مثل الحسناوات النائمات اللواتي ينتظرن أميرًا 
ساحرًا ليوقظهن» فيما العالم يتحرك في كل ما يحيط بالدائرة السحرية. 

بدو أن العلماء الاتسماعيين 6 ذكُورًا وإناثاة الدين "سمو هذة الدائرة 
الضيقة الموجعة حول النساء الأمريكيات» قد اشتركوا أيضًا في موقف معين 
هو ما سأسميه «الاحتجاج المؤنث». إذا كان هناك شيء من مثل الاحتجاج 
المذكر -المفهوم ا -نفسي الذي تبتّاه الوظيفيون لوصف النساء 
اللواتي حسدن الرجال» وأردن أن يكنّ رجالا وبالتالي أنكرن أنهن نساء» 


الفصل السادس: التجميد الوظيفي والاحتجاج ألمؤتث ومارجريت ميد 171 


وأصبحن أكثر رجولة من أي وجل اتوك روي ليله ايوم ف a‏ 
تنك يفوم به على عد سبوا رال وساة كرون :لا النساء عله قعل 
ويصنعون من اكونك امرأة» أكثر مما أمكن في أي يوم. الاحتجاج المؤنث» 

فى أكثر معانيه صراحةء هو ببساطة وسيلة لحماية النساء من المخاطر 
المتأصلة في تحمّل المساواة الحقيقية مع الرجال. ولكن ا لم يجب أن يأخذ 
أي عالم امباعي» يسع فرق شک رثاي على غاد -أو عاتقها- 
حماية النساء من آلام النمو؟ 

لطالما أخمدت الوصائية صوت الأبواب التي توصد في وجوه النساء؛ 
ولطالما أخفت تحيّرًا حقيقياء > حتى عندما نمدم باسم العلم. لو عبس جد 
قديم الطراز في وجه نوراء التي تدرس التفاضل والتكاملء لأنها تريد أن 
تصبح عالمة في الطبيعيات» وغمغم: «مكان النساء في البيت»» لأطلقت 
نورا ضحكة بنفاد صبر: «جدّي! نحن في عام ٠1963‏ لكنها لا تضحك على 
أستاذ علم الاجتماع المهّذب مدخن الغليون» ولا على كتاب مارجريت ميد 
ولا على المرجع الحاسم المؤلّف من مجلدين حول الجنسانية الأنثويق 
عندما يقولون لها الأمر ذاته. تخفي عنها لغة الوظيفية المعقدة الغامضة 
وعلم النفس الفرويدي والأنثروبولوجيا الثقافية حقيقة أنهم يقولون ذلك 
علي فا لق أف اسا كير مد لاسا الذي د اله الح 

وهكذاء من شأن صديقتنا نورا أن تبتسم لرسالة الملكة فيكتوريا 
المكتوبة عام 1870: «الملكة متلهفة لتجنيد كل من يستطيع القراءة والكتابة 
للمشاركة في فحص هذه الحماقة الشريرة المجنونة المسماة 'حقوق المرأة' 
مع كل ما يترافق معها من أشياء مرعبة» والتي يستسلم لها جنسها المسكين 
الضعيف» ناسيًا كل معنى للشعور واللياقة الأنثويين... إنه موضوع يجعل 
الملكة غاضبة جدًا :إلى حدّ لا تستطيع معه كبح نفسها. خلق الله الرجال 
والنساء مختلفين؛ دعوا إذا كلا منهما يبقى في مكانه». 

ولكنها لا تبتسم عندما تقرأ ذ في الزواج للأشخاص العصريين: 








172 اللغز الأنثوي 


الجنسان متتامان. الأعمال التي تتم داخل ساعتي هي التي تحرك العقارب. 
وتنبئني عن الوقت. فهل الأعمال: بالتالي. أهم من الإطار؟... لا طرف منهما 
أعلى أو أدنى من الآخر. يجب الحكم على كل منهما على أساس وظائفه 
الخاصة. وهي معًا كل و عاملة وظيفيًا. وهكذا هو الحال مع الرجال 
والنساء. اذ يشكلان معا وحدة عاملة وظيفيًا. كل منهما على انفراد هو 
بمعنى ماء ناقص. إنهما تاماه . إذا انخرط الرجال والنساء في الأعمال 
ذاتهاء وقاموا بوظائف مشتركةء فقد تتحطم العلاقة المتتامة!!). 
هذا الكتاب في عام 1942. ودرسته الفتيات خلال السنوات 
العشرين الماضية كما لو كان كتابًا جامعيًا. وفيه تدم لهنء تحت مظهر علم 
الاجتماع أو «الزواج والحياة العائلية» أو «التكيّف الحياتي»» نصيحة من 
هذا القبيل: 
لكن؛ تبقى الحقيقة هي أننا نعيش في عالم من الواقع. عالم من الحاضر 
والمستقبل الفوري الذي ترتكز عليه يد الماضي الثقيلةء عالم مازال التقليد 
يسيطر عليهء والأعراف تمارس عليه تأثيرًا أقوى من تأثير المنظرين... عالم 
يتزوج فيه معظم الرجال والنساءء وفيه معظم النساء المتزوجات هنّ ربات 
منازل. وقد يكون الحديث عما يمكن القيام به إذا تغيّرت الأعراف والتقاليد 
جذريّاء أو ما الذي قد يستجد بحلول عام 2000, تمرينًا عقليًا ممتقًاء لكنه 
لا يساعد شباب اليوم على التكيّف مع أمور الحياة التي لا بدّ منها أو رفع 
زواجاتهم إلى مستوى أعلى من الرضا©). 
وبالطيع» > ينكر هذا «التكيّف مع أمور الحياة التي لا بد منها» السرعة 
التي ند تتغيّر فيها ظروف الحياة حاليّاء وحقيقة أن فتيات كثيرات» ممن يتكيّفن 
على هذا الق في سن العشرين» سيك على قيد الحياة في عام 2000. 
يحذّر هذا الوظيفي من أية مقاربة» ومن جميع المقاربات» إلى «الفروق بين 
الرجال والنساء», باستثناء «التكيّف» مع تلك الفروق كما هي الآن. وإذا 
فكرت امرأة» مثل صديقتنا نوراء بحياة مهنية» فإنه يهر إصبعه محذرًا: 





(1) Henry A. Bowman, Marriage for Moderns, New York, 1942, p. 21. 
(2) Ibid., pp. 22 ff 








الفصل السادس: التجميد الوظيفي والاحتجاج المؤنث ومارجريت ميد 173 
لأول مرة في التاريخ. تواجه أعداد كبيرة من الشابات الأمريكيات هذه 
الأسئلة: هل سأحضر نفسي طوعيًا لمهنة على أساس العزوبة طوال حياتي؟ أم 
سأحضرها لمهنة مؤقتة أتخلى عنها عندما أتزوج, وأتحمل مسؤوليات التدبير 
المنزلي والأمومة5 أم يجب أن أحاول الجمع بين العمل المنزلي والمهنة5... 
الفالبية العظمى من النساء المتزوجات هنّ ربّات منازل... 
إذا كانت امرأة تستطيع أن تجد تعبيرًا مناسبًا عن الذات عن طريق مهنة بدلا 
من الزواجء فنعمَ وحبّذا. لكنّ العديد من الشابات يتجاهلن حقيقة أنَّ هناك 
مهنا كثيرة لا تؤمّن أية بيثة مناسبة. ولا تقدّم أية فرصة للتعبير عن الذات. 
وإضافة إلى ذلكء لا يدركن أن أقلية من النساء فقطء مثل أقلية الرجال: 
لديهن أي شيء يستحق التعبير عنه على نحو خاص!!). 


وهكذاء لا يبقى لنورا سوى الانطباع المبهج بأنها إذا اختارت مهنةء 
فهي أيضًا تختار العزوبة. فإذا كانت لديها أية أوهام حول الجمع بين الزواج 
والمهنةء فإن الوظيفيّ يلومها: 
كم فرردًا... يستطيع أن يتابع بنجاح مهنتين في الوقت ذاته؟ ليسوا كثرًا. 
يستطيع الشخص الاستثنائي ذلك. أما الشخص العادي فلا يستطيع. مشكلة 
الجمع بين الزواج والتدبير المنزلي. من جهةء ومهنة أخرى. من جهة ثانية. 
صعب على نحو خاص لان الأرجح أن يتطلب المسعيان مواصفات من طبيعتين 
مختلفتين. فالأولى تتطلب» حتى تكون ناجحة. إنكار الذات» أما الثانية فتتطلب 
تعزيز الذات. الأولى تتطلب التعاون: أما الثانية فتتطلب المناضة... هناك 
فرصة أعظم للسعادة. إذا كان الزوج والزوجة يكمّلان بعضهما بدل أن يكون 
هناك تكرار في الوظيفة...2). 


وفقط في حال كانت لدى نورا أية شكوك بخصوص التخلي عن 
طموحاتها المهنية. تُقدّم لها هذه العقلنة المريحة: 

يجب أن تعرف المرأة. التي هي ربة منزل حقيقيةء شيئًا عن التعليم والديكور 

الداخلي والطيخ والغذائيات والاستهلاك وعلم النفس والفزيولوجيا والعلاقات 
الاجتماعية والموارد المجتمعية والملابس والتجهيزات المنزلية والسكن 


سس سس 





(1) Ibid., pp. 62 ff. 
(2) Ibid., pp. 74-76. 


174 اللفز الأنثوي 


والصحة ومجموعة من الأشياء الأخرى... هي طبيب عام ممارس أكثر مما 
لا يجب أن يراود الشابةء التي تتخذ القرارات بخصوص التدبير المنزلي. 
أدنى شعور بالدونية... قد يقول أحدهمء كما يفعل البعض: «يستطيع الرجال 
أن تكون لهم مهن لأنّ النساء يصنعن البيوت». وقد يقول أحدهم إن النساء 
متحررات من ضرورة كسب الأجر. وإنهن حرّات في تكريس وفتهن لمسالة 
التدبير المنزلي المهمة جدًا لأن الرجال متخصصون في كسب الرزق. أو قد 
يقول أحدهم إن كاسب الرزق والمدبرة المنزلية يشكلان ممًا مزيجًا متتامًا 
لا يعلى عليه" . 
ليس هذا المرجع في الزواج هو الأكثر حذاقة في مدرسته. من السهل 
جدًا تقريئا أن نرى أن حجته الوظيفية لا تقوم على تسلسل حقيقي للحقيقة 
العلمية (من الصعب القول علميًا «هذا هو الوضعء وبالتالي هذا ما يجب 
أن يكون»). ولكن» هذا هو جوهر الوظيفية ية التي وصلت إلى الهيمنة على 
کل علم ا الأمريكي في هذه الفترة» سواء سمّى عالم الاجتماع 
نفسه «وظيفيًا» أم لا. كُلّفت الشابات- في الكليات التي لن تنزل قط إلى 
N aT‏ ا 
الاجتماعية اللولايات المتحذة» 56 «Talcott PSD e‏ 
والذي يؤكد أن الدور الوحيد للمرأة هو «ربة المنزل» يُغزل عليه تأكيد 
متنوع عن «الحياة الأسرية» و«الفتنة» و«العشرة الطيبة). 
قد يكون من المبالغة القول إن الرجل البالغ لا يستطيع إلا في حالات استثنائية 
جدًا أن يشعر باحترام الذات بصدق» ويستمتع بمنزلة محترمة في عيون 
الآخرين. إذا كان «لا يكسب عيشه» عن طريق دور مهني مقبول... أما في 
حالة الدور الأنثويء فإن الوضع يختلف كلية... فمنزلة مره الأساسية هي 
تلك التي تتمتع بها بوصفها زوجة زوجهاء وأم أولادها... 


(1) Ibid., pp. 66 ff. 
(2) Talcott Parsons, ‘’ Age and Sex in the Social Structure of the United States,” 
in Eassays in Sociological Theory, Glencoe, 111., 1949, pp. 223 fF. 


الفصل السادس: التجميد الوظيفي وألا حنجاج المؤتث ومأرجريت ميد 175 





يصف بارسونز» وهو عالم اجتماع محترم جدًا وباحث نظري وظيفي 
رائد» ببصيرة نافذة ودقة مصادر التوثّر في هذا «الفصل بين الأدوار الجنسية". 
ويشير إلى أن الجانب «المنزلي» من دور ربة المنزل «قد تراجع في أهميته 
إلى نقطة بالكاد يقارب فيها عملا بدوام كامل لشخص نشيط»: إن «نموذج 
الفتنة يترافق» ولامناص» مع مستوى عمري مبكر نسبيًا»» وبالتالي» «مع تزايد 
العمر» تنتج توترات خطيرة عن مشكلة التكتف». حتى أن نموذج «الشريك 
الطيب»» الذي يتضمن رعاية «إنسانوية» للفنون والرفاه المجتمعي» «يعاني 
من نقص في المكانة الممأسسة كلية... فقط هؤلاء الذين يتمتعون بمبادرة 
وذكاء قويين هم من يحققون تكيّفات مُرضية تمامًا في هذا الاتجاه». وهو 
يصرّح إنه «من الواضح تمامًا ن الدور الأنثوي البالغ ينطوي على توثر 
وعدم أمان كافيان لتوقع حدوث مظاهر واسعة الانتشار تتجلى على شكل 
سلوك عُصابي». لكنّ باسونز يحذّر: 

من الممكن, بالطبع؛ للمرأة البالغة أن تعيش وفق النموذج المذكر» وتبحث عن 

عمل في مجالات الإنجاز المهني في منافسة مباشرة مع رجال من طبقتها. 

لكن. من الملاحظ أنه على الرغم من التقدم الكبير في تحرير النساء من 

النموذج المنزلي التقليدي. فإن جزءً! صغيرًا جدًا قد مضى بعيدًا في هذا 

الاتجاه. من الواضح أيضًا أن التعميم لن يكون ممكنا إلا مع تفيّرات عميقة 

في بنية العائلة. 

ليس من شأن المساواة الحقيقية بين الرجال والنساء أن تكون «وظيفية»؛ 
إذ لا يمكن المحافظة على الوضع الراهن إلا إذا كانت الزوجة والأمّ ربة 
منزل فقط أو على الأكثرء صاحبة «عمل» لا صاحبة «مهنة» يمكن أن 
تمنح المرأة منزلة مساوية لتلك التي لزوجها. وهكذاء يجد بارسونز الفصل 
الجنسي «وظيفيًا» من جيث المحافظة على البنية الاجتماعية كما هي» وهو 
ما يبدو أنه همّ الوظيفيّ الرئيسي. 

تتعارض المساواة المطلقة في الفرص و مع أي تضامن إيجابي في 

العائلة... فحين تكون النساء المتزوجات موظفأت خارج المنزل» يكون ذلك 


176 اللفزالأنثوي 
للغالبية العظمى منهن» في مهن ليست على منافسة مباشرة على المنزلة 
مع تلك التي لرجال من طبقتهن ذاتها. تمضي اهتمامات التساء. ومعيار 
المحاكمة المطبق عليها في مجتمعناء بعيدًا باتجاه التزيين الشخصي... 
ويُقترح أن يتعلق هذا الاختلاف وظيفيًا بالمحافظة على تضامن العائلة في 
بنيتنا الطبقية!!). 


حتى عالمة الاجتماع البارزة ميرا كوماروفسكي «(Mirra Komarovsk)‏ 
التي يعد تحليلها الوظيفي لكيفية تعلّم الفتيات أن «يلعبن دور المرأة» في 
مجتمعنا ألمعيًا بالفعل» لا تستطيع أن تتخلص تمامًا من القالب الصارم 
الذي تفرضه الوظيفية: التكيّف مع الوضع الراهن. لأنْ تقييد ميدان بحث 
المرء بوظيفة مؤسسة واحدة في نظام اجتماعي معين» دون أخذ بدائل في 
الحسبان» يؤمّن عددًا غير محدود من التسويغات لجميع التباينات والمظالم 
في ذلك النظام. ليس مفاجنًا أن يكون العلماء الاجتماعيون قد بدؤوا 
يخطئون في وظيفتهم معتبرين أنها مساعدة الفرد على «التكيّف» في «دوره» 
في ذلك النظام. 

لا يستطيع نظام اجتماعي أن يعمل إلا لأن الأغلبية الساحقة قد كيّفت نفسهاء 

على نحو ماء مع موقعها في المجتمع؛ وتؤدي الوظائف المتوقعة منها... 

من الواضح أن الاختلافات في تنشئة الجنسين تتعلق بالأدوار العائدة لكل 

منهما في الحياة الناضجة. تتدرّب مدبّرة المنزل المستقبلية على دورها 
ضمن المنزل» لكنّ الفتى يستعدّ لدوره بإعطاته مزيدًا من الاستقلالية خارج 
المنزل» عن طريق «توزيع الصحف». أو القيام بعمل صيفي. يستفيد مورّد 

مادة ما من الاستقلالية والهيمنة والتحدي في السوق والتنافسية!2). 

يكمن خطر «التنشئة التقليدية» للفتيات» كما تراه عالمة الاجتماع هذه 
في فشلها المحتمل «في أن تطوّر في الفتاة الاستقلالية والموارد الداخلية 


(1) Talcott Parsons, “An Analytical Approach to the Theory of Social 
Stratification,” op. مأك‎ pp. 174 tf. 

(2) Mirra Koramovsky, Women in the Modern World: Their Education and Their 
Dilemmas, Boston, 1953, pp. 52-61. 


انسل السادس: التجميد الوظيفي والاحتجاج المؤنث ومارجريت ميد 177 





وتلك الدرجة من توكيد الذات التي ستطلبها الحياة منها» في دورها بوصفها 
حتى إذا اعتبر أحد الأبوين عن حق [كذا] بعض السمات التقليدية للدور 
الأنثوي بلا قيمةء فإنه يخلق مخاطر للفتاة بإجبارها على الضلال بعيدًا عن 
الأعراف المقبولة لعصرها... حتى الخطوات نفسها. التي يجب أن يقوم بها 
الأهل لإعداد بناتهم لمواجهة الضرورات الاقتصادية والمسؤوليات العائلية 
للحياة العصريةء قد توقظ تطلعات. وتطور عادات تتنازع مع مقومات معينة 
لأدوارهنْ الأنثوية. على النحو الذي حخْدّدت فيه هذه الأدوار اليوم. والتعليم 
نفسه»ء الذي يُفترض أن يجعل من ربة المنزل الجامعية خميرة ثقافية في 
عائلتها ومجتمعها. قد يطوّر لديها' اهتمامات أحبطتها مراحل أخرى من 
التدبير المنزلي... إننا نتحمل خطر إيقاظ اهتمامات وقدرات تتعارض مرّة 
أخرى مع التعريف الحالي للأنوفة!!). 
وتتابع لتستشهد بالحالة الأخيرة لفتاة أرادت أن تصبح عالمة اجتماع. 

كانت مخطوبة إلى جندي في الجيش لم يردها أن تعمل. وهي ذاتها كانت 

تأمل ألا تجد عملا جيدًا في علم الاجتماع. 
كانت تشعر أن عملا غير مرض من شأنه أن يجعل من السهل عليها في 
المستقبل أن تتوافق في النهاية مع رغبات زوجها المستقبلي. حاجات البلد 
إلى عمال مدرّبين: عدم اليقين من مستقبلهاء اهتماماتها الحالية. ومع ذلك 
استلمت عملا روتينيًا. المستقبل وحده سيخبرها إن كان قرارها حكيمًا. إذا 
عاد خطيبها من الجبهة. وإذا جرى الزواج. وإذا كان قادرًا على إعالة العائلة 
دون مساعدتهاء وإذا لم تطعن أمنياتها المحبطة في الظهرء فلن تأسف على 
قرارها... 
قد تكون أفضل فتاة متكيّفة, في اللحظة التاريخية الراهنةء هي تلك الذكية 
بما يكفي لتكون جيدة في المدرسة:, لكنها ليست حادة الذكاء بحيث تحصل 
على علامات تامة...٠‏ مؤهلة ولكن ليس في مجالات جديدة نسبيًا للنساء؛ 
قادرة على الوقوف على قدميها وكسب معيشتها ولكن ليست معيشة جيدةٌ 
إلى حد منافسة الرجال؛ مؤهلة للقيام بعمل ما حسنًا (في حال لم تتزوج, 


(1) Ibid., .م‎ 66. 





178 اللفز الأنثوي 


أو مضطرة للعمل) ولكنها ليست متطابقة مع مهنة لدرجة أن تحتاج إليها من 
أجل سعادتها!!). 
وهكذاء فباسم التكيّف مع التعريف الثقافي للأنوثة» تنتهي عالمة 
الاجتماع الألمعية هذه -التي من الواضح أنها لا تؤمن بذلك التعريف 
(فتلك الكلمة «عن حق» تخونها)» وهي عمايًا د تقر بالتطفيل المستمر للنساء 
الأمريكيات» فيما عدا الحالات التي يكون له النتيجة غير المقصودة المتمثلة 
بجعل «الانتقال من دور الابنة إلى دور الزوجة أصعب على الابنة مما هو 
الانتقال إلى دور الزوج على الابن». 
منطقيّاء يفترض أنه إلى الحدّ الذي تبقى فيه المرأة أكثر «طفولية», وأقل قدرة 
على اتخاذ قراراتهاء وأكثر اعتمادًا على أحد أبويها أو على كليهما في تشكيل 
سلوكها ومواقفها وتوجيههما. وأكثر تعلمًا بهما حتى أنها تجد من الصعب 
عليها الانفصال عنهما أو مواجهة رفضهما... أو تظهر أية مؤشرات أخرى 
على نقص التحرّر العاطفي إلى ذلك الحدء قد تجد أنه أصعب عليهاء مما هو 
على الرجل. أن تنسجم مع المعيار الثقافي المتمثل بالولاء أساسًا للعائلة التي 
ستؤسسها فيما بعد : ستل بالطبعء أن يكون الأثر الوحيد للحماية المفرطة 
هو أن يخلق في المرأة تبعيّة معمّمة ستنتقل فيما بعد إلى الزوج وستمكنها 


من أن تقبل باستعداد كامل دور الزوجة في عائلة ما تزال تتمتع بالعديد من 
السمات البطريركية©. 


وهي تجد دليلاء في عدد من الدراسات» على أن فتيات الجامعة» في 
الحقيقةء أكثر طفولية وتبعية للأهل وارتباطًا بهم من الفتيان» ولا ينضجن» 
كما يفعل الفتيان» بتعلّم الوقوف وحدهن. ولكنها لا تستطيع أن تجد دليلا 
-في عشرين نصًا عن الطب النفسي- على أن هناكء بناءًا على ذلك 
مشاكل ناتجة عن المصاهرة مع أهل الزوجة أكثر مما هناك مع أهل الزوج. 


(1) Ibid., pp. 72-74. 

(2) Mirra Koramovsky, “Functional Analysis of Sex Roles,” American 
Sociological Review, August, 1950. See also ‘°’ Cultural Contradictions and Sex 
Roles,” American Journal of Sociology, November, 1946. 


الفنصل السادس: التجميد الوظيفي والاحتجاج المؤنث ومارجريت ميد 179 





من الجلي أنه» مع دليل كهذا فقط. يمكن لوظيفيَّ أن يضع براحة التطفيل 
المتعمّد للفتيات الأمريكيات موضع التساؤل! 

كانت الوظيفية مخرجًا سهلًا لعلماء الاجتماع الأمريكيين. لا يمكن أن 
يكون هناك شك في أنهم وصفوا الأشياء «كما هي٠ء‏ لكنهم» في قيامهم 
بذلك» تحرّروا من مسؤولية بناء نظرية مستمدة من الحقائق ومن السبر بحنًا 
عن حقيقة أعمق. وتحرّروا أيضًا من الحاجة إلى أسئلة وأجوبة استنباطية 
ستكون ولا شك خلافية (في وقت لم يكن فيه الخلاف مرحبًا به في الدوائر 
الأكاديمية» كما في أمريكا كلها). افترضوا حاضرًا أبديّاء وأقاموا تفكيرهم 
على رفض إمكانية مستقبل مختلف عن الماضي. وبالطبع يمكن لتفكيرهم 
أن يصمد فقط طالما أن المستقبل لم يتغير. وكما أشار سي. بي. سنو (.© 
0 8)» فإن العلم والعلماء مستقبليو التفكير. لكنّ العلماء الاجتماعيين 
كانواء تحت راية الوظيفية» راهني التفكير بتصلّب أنكروا معه المستقبل؛ 
وفرضت نظرياتهم تحيّزات الماضي» ومنعت التغيير فعليًا. 

وتوصّل علماء الاجتماع أنفسهم مؤخرًا إلى خلاصة مفادها أن الوظيفية 
«محرجة» نوعًا ماء لأنها فعلا لم تقل شيئًا قط. وكما أشار كينغسلي 
ديفيس (Kingsley Davis)‏ في حطابه الرئاسي حول «خرافة التحليل 
الوظيفي كطريقة خاصة في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا» في الجمعية 
السوسيولوجية الأمريكية في عام 1959: 

لقد كان «التحليل الوظيفي»ء خلال ما يزيد على ثلاثين سنة» موضوع جدل بين 

علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا... ومهما كان إستراتيجيًا في الماضي» فقد 

أصبح الآن عائمًا أمام التقدم العلميء لا سندًا له... إن الاعاء بأن الوظيفيّة 

لا تستطيع معالجة التفيّر الاجتماعي. لأنها تضع مجتممًا ساكنًا متكاملًا. هو 


ادعاء صحيح بالبداهة...(. 





(1) Kingsley Davis, عط1*'‎ Myth of Functional Analysis as a Special Method in 
Sociology and Anthropology,” American Sociological Review, Vol. 24, No. 6 
December, 1959, pp. 757-772. 


يشير ديفيس إلى أن الوظيفة أصبحت متطابقة إلى هذه الدرجة أو تلك مع علم الاجتماع 


180 اللفز الأنثوي 


لسوء الحظء تأثرت المواضيع الجنسية للتحليل الوظيفي به بعمق. في 
وقت التغيير الكبير للنساء» في وقت كان يجب أن يساعد فيه التعليم والعلم 
والعلوم الاجتماعية النساء على سد الثغرة» حولت الوظيفية «ما هوا للنساء. 
أو «ما كان»» إلى «ما يجب أن يكون». هؤلاء الذين قاموا بالاحتجاج الأنثوي. 
وجعلوا من كون المرء امرأة» أكثر بكثير مما يمكن أن يكون» وباسم الوظيفية 
أو نتيجة أية عقدة ذات أسباب شخصية أو فكرية» أغلقوا بابَ المستقبل على 
النساء. وقى الشأن المتعلق بالتكتف كله تنيت حقيقة واخذة: كانث السا 
يُكيّفن في وضع أدنى من قدراتهن الكاملة. لم يقبل الوظيفيون كليّة الفكرة 
الفرويدية بأن «التشريح هو القدر»» لكنهم يقبلون بصدق تحديدًا مقيّدًا للنساء 
بنفس الدرجة: المرأة هي كما يعرّفها المجتمع. ودرس معظم الأنثروبولوجيين 
الوظيفيين مجتمعات كان قدر المرأة فيها يتحدّد بالتشريح. 

كان لمارجريت ميد التأثير الأقوى على النساء المعاصرات من حيث 
الوظيفية والاحتجاج الأنثوي. لقد كان لعملها في مجال الثقافة والشخصية 
-كتابًا إثر كتاب» ودراسة إثر دراسة- أثر عميق فى نساء جيلىء والجيل 
الذي سبقه» والجيل الذي يكبر الآن. كانت» وما تزال» رمز المرأة المفكرة 
في أمريكا. لقد كتبت ملايين الكلمات في السنوات الثلاثين ونيف ما بين 
كتابها (Coming of Age in Samoa)‏ في عام 8 وآخر مقالة كتبتها 
نفسه. هناك دليل استفزازي على أن دراسة علم الاجتماع نفسهاء في السنوات الأخيرة» 
قد أقنعت النساء الجامعيات بتقييد أنفسهن بدورهن الجنسي التقليدي «الوظيفي». يبين 
تقرير حول «وضع النساء في علم الاجتماع المهني» أنه في حين أن معظم طلاب علم 
الاجتماع في المرحلة الجامعية الأولى هم من النساء» فقد كان هناك انخفاض حاد من ' 
عام 1949 إلى عام 1958 في عدد الدرجات العلمية» في علم الاجتماع» الممنوحة 
للنساء. (من 4143 إجازة جامعية عام 1949 إلى 3200 عام 1955 وإلى 3606 عام 
1958(. وفي منح نصف إلى ثلثي الدرجات العلمية للمرحلة الجامعية الأولى في علم 
الاجتماع إلى نساء» فإن النساء لم يتلقين سوى 25 -/43 من شهادات الماجستير» و8- 
7 من شهادة الدكتورة. وفي حين أن عدد النساء الحاصلات على شهادات عليا في 
جميع الميادين قد انخفضت بحدة خلال حقبة اللغز الأنثئوي» فإن ميدان علم الاجتماع 
قد أظهرء بالمقارنة مع الميادين الأخرى» معدل «وفيات» عاليًا على نحو غير عادي. 


الفصل السادس: التجميد الوظيضي والاحتجاج المؤنث ومارجريت ميد 181 





حول النساء الأمريكيات في صحيفة نيويورك تايمز أو مجلة ريدبوك. 
وكتاباتها تدرسها فتيات يأخذن مقررات في الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع 
وعلم النفس والتربية والزواج والحياة العائلية في صفوف جامعية؛ ويدرسها 
فى الدراسات العليا أولئك الذين سيدرّسون الفتيات» ويقدّمون استشارات 
للنساء؛ ويدرسها في كليات الطب أطباء الأطفال المستقبليون والأطباء 
النفسيون؛ وحتى في مدارس اللاهوت» يدرسها كهنة شباب تقدميون. كما 
الأحد. حيث تنه نكر بالسهولة ينها الس د تقر نها ي المجلاث التكرية. 
ترخريت يدح آل ارما و و ملظي 
تقريبًا من مستويات الفكر الأمريكى. 

لكن كان تأثيرها بالنسبة للنساء مفارقةء لغرًا يأخذ ما يحتاج إليه من أي 
مفكر في ذلك الوقت. ربما أخذ اللغز الأنثوي من مارجريت ميد رؤيتها 
للتنوّع اللامتناهي للأنماط الجنسية والطراوة الهائلة للطبيعة الإنسانية» طبيعة 
تستند إلى اختلافات الجنس والمزاج التي وجدتها في ثلاثة مجتمعات 
بدائية: الأراييش» حيث كل الرجال والنساء «أنثويون) و«أموميون) فى 
الشخصية» وسلبيون جنسيًا لأنهم» جميعًاء تدربوا على أن يكونوا متعاونين 
وغير عدوانيين» ويستجيبون لحاجات ومطالب الآخرين؛ والمندوغومر» 
حيث الزوج والزوجة عنيفان وعدوانيان» ويمارسان قدرتهما الجنسية 
إيجابيًا و«مذكران»؛ والتشامبولى"» حيث المرأة هى الشريك المهيمن 
الذي يدير بشكل لا شخصي» والرجل هو الشخص الأقل مسؤولية والتابع 
عاطفيًا. 

إذاكان بالإمكان رفع هذه المواقف المزاجية التي نظرنا لها تقليديًا على أنها 

أنثوية- كالسلبية والاستجابية والاستعداد للتعلق بالأطفال- بسهولة على أنها 

_ نمط مذكر في قبيلةء ومحرّمة على غالبية النساءء وكذلك على غالبية الرجال 


)1( الود «Mundugumory‏ وتاناطتصفطك] : أقوام بدائية تعيش ف في إقليم بابوا في غينيا 
الي ديذة - المترجم. 


182 اللغز الأنثوي 


في قبيلة أخرى. لا يمود لدينا أي أساس للنظر إلى جوانب السلوك تلك على 
أنها متصلة بالجنس... توحي المادة بأننا نستطيع القول إن الكثير من سمات 
الشخصية التي أسميناها مذكرة أو مؤنثةء إن لم يكن جميعهاء لا تتصل إلا 
قليلا بالجنسء كاتصال الملابس والسلوك وشكل غطاء الرأس التي يعزوها 
مجتمع معين في عصر معين لكل جنس!!). 


لعل الرؤية» التي انتقلت من تلك المشاهدات الأنثروبولوجية إلى 
الثقافة الشعبية» رؤية ثورية فعلا للنساء الحرّات أخيرًا في تحقيق قدراتهن 
كاملة في مجتمع استبدل التحديدات الجنسية الاعتباطية باعتراف بالمواهب 
TT‏ كانت لديها تلك 
الرؤية أكثر من مرة: 
حيث تكون الكتابة مقبولة على أنها مهنة يمكن أن يسعى وراءها كل من 
الجنسين» وتناسبه تمامًاء يجب عدم" منع الأفراد الذين يتمتعون بموهبة 
الكتابة عنها نتيجة جنسهم. كما لا يجب أن يشكوا. إذا كانوا يكتبون فعلاء 
بذكورتهم أو أنوثتهم الجوهرية... وهنا يمكن أن نجد مخطط الطابق الأرضي 
لبناء مجتمع من شأنه أن يستبدل الفروق الحقيقية بتلك الاعتباطية. يجب أن 
ندرك أنه تحت تصنيفات الجنس والعرق السطحية توجد الإمكانيات ذاتهاء 
وتتكرّر جيلا بعد جيل. لتفنى وحسب. لأنّ المجتمع ليس فيه مكان لها. 


تمامًا مثلما د يسمح المجتمع الآن بممارسة فن من الفنون لأفراد من أي من 
الجنسين؛ فقد يسمح كذلك بتطوير مواهب مزاجية متعاكسة عديدة في كل 
جنس. سيتخلى عن محاولاته المتنوعة لجعل الصبيان يقاتلون. وجعل الفتيات 
يبقين سلبيات» أو لجعل جميع الأطفال يقاتلون... ليس من شأن أي طفل 9 
يتشكل» على نحو صارم: في نمط واحد من السلوك؛ بل بالعكس؛ ب 0 
تكون هناك أنماط عديدة؛ في عالم تعلّم أن يسمح لكل فرد بالنمط الا 
ملاءمة لمواهيه20). 


5 لكن ليست هذه هى الرؤية التى أخذها اللغز من مارجريت ميده‎ 
1) Margret Mead, Sex and Temperement in Three Primitive Societies, New York, 


| 1935, pp. 279 5 
2) Margret Mead, From the South Seas, New York, 1939, p 321. 


الفصل السادس: التجميد الوظيفي والاحتجاج المؤنث ومارجريت ميد 183 


هي الرؤية التي تستمر في تقديمها. إذ يغيم تفسيرهاء على نحو متزايد» 
في صفحاتهاء ويتحوّل على نحو حاذق إلى تمجيد للنساء في دورهن 
المؤنث كما تحدّدٌ بوظيفتهن البيولوجية الجنسية. وتبدو في بعض الأوقات 
وكأنها تفقد وعيها الأنثروبولوجي حول طراوة الشخصية الإنسانية» وتنظر 
إلى البيانات الأنثروبولجية من وجهة نظر فرويدية» حيث تقرّر البيولوجيا 
الجنسية كل شيء, فالتشريح قدر. وتبدوء في بعض الأحيان, وكأنها تجادل 
بتعابير وظيفية» وهكذاء ففي حين إن إمكانيات المرأة عظيمة ومتنوعة 
عظمة وتنوّع الإمكانيات الإنسانية غير المحدودة» يفضل أن نحتفظ بالقيود 
البيولوجية الجنسية التي أرستها الثقافة. وأحياتاء تقول الأمرين في الصفحة 
ذاتهاء بل وتبدي نبرة تحذير من المخاطر التي تواجهها المرأة في محاولتها 
لتحقيق إمكانية إنسانية اعتبرها مجتمعها مذكرة. 
الاختلاف بين الجنسين هو أحد الشروط المهمة التى بنينا عليها التشكيلات 
المديدة من الثقافة الإنسانية التي تمنح الإنسان الكر امة والمكانة... كانت 
ميزة معينة تضفى أحيانًا على أحد الجنسين, وأحيانًا على الجنس الآخر. 
الآن؛ الصبيان هم من يُعتقد أنهم حسّاسون جدًا وبحاجة إلى رعاية مدللة 
خاصة. الآن. ... يعتقد بعض الناس أن النساء أضعف من أن يعملن خارجًاء 
فيما يرى آخرون أن النساء يحتملن الأعباء الثقيلة «لأنْ رؤوسهن أقوى من 
رؤوس الرجال»... لقد عزت بعض الاديان. بما في ذلك ادياننا التقليدية 
الأرووبية لانيناء فوا أفتى في التراهية اة :"في حين ينع أديان أخجرى كن 
علاقتها الرمزية مع عالم ما فوق الطبيعة على أشكال من المحاكاة المذكرة 
لوظائف النساء الطبيعية... وسواء كنا نتعامل مع أمور صغيرة أم كبيرة. مع 
الأمور الصغيرة المتعلقة بالحلي ومواد التجميل أم: مع قداسات مكانة الإنسان 
في الكون, فإننا نجد هذا التنوع الهائل في الطرق, المتعارضة غالبًا مباشرة 
بعضها مع بعض. والتي جرى فيها تنميط أدوار الجنسين. 
لكننا نجد التنميط دائمًا. لا نسمع بأية ثقافة قالت: بلا مواربةء إنه لا يوجد 
فرق بين الرجال والنساء إلا في الطريقة التي يسهمون فيها في خلق الجيل 
التالي؛ وإنهم؛ من جهة أخرى. ببساطة وفي جميع المجالات» بشر يتمتعون 


184 


اللغزالأنثوي 


بمواهب مختلفةء لا يمكن لأي منها أن تكون مقصورة على أي من الجنسين. 
هل نتعامل مع ضرورة. لا نتجرأ على الهزء بهاء لأنها متجذرة عميقًا في 
طبيعتنا البيولوجية اللبون إلى حد أن الهزء بها يعني مرضًا فرديًا واجتماعيّاة 
أم مع ضرورةء على الرغم من أنها ليست متجذرة إلى تلك الدرجة من العمق: 
فهي مناسبة جدًا اجتماعيًا ومُجرِّبة جدًا إلى درجة أنه لن يكون من المفيد 
أن نهزأ بها؛ ضرورة تقول على سبيل المثالء إنه سيكون من الأسهل أن نجعل 
الأطفال يولدون ويتفذون إذا نمّطنا سلوك الجنسين على نحو مختلف جداء 
وعلمناهم أن يسيروا ويلبسوا ويتصرفوا بطرق متعاكسة وأن يتخصصوا في 
أنواع مختلفة من العمل1!9) 


دفي موضع اخرة 


يجب أن نسأل أيضًا: ما هي إمكانيات اختلافات الجنس؟... إذا كان على 
الفتيان الصغار أن يواجهواء ويستوعبواء الصدمة المبكرة المتمثلة في معرفة 
أنهم لا يستطيعون أن يخلقوا طفلًا. مع التأكد واليقين بأنّ ذلك حق للمرأة 
بالولادة. فكيف يجعلهم ذلك أكثر طموحًاء على نحو خللاق. وكذلك أكثر 
اعتمادًا على الإنجازة وإذا كان للفتيات الصغيرات إيقاع نمو يعني أن جنسهن 
يبدو لهن أصلًا أقل تأكدًا من أخوتهن. وبالتاليء يعطيهن إشارة زائفة صغيرة 
إلى إنجاز تعويضي يخمد دائمًا تقريبًا قبل يقين الأمومة. فربما يعني هذا 
تحديدًا لحشهن بالطموح, ولكن. ما الإمكانيات الإيجابية الموجودة أيضًا؟2) 


تخون مارجريت ميدء في هذه الفقرات من كتاب ذكر و وأنئى» وهو 


الكتاب الذي أصبح حجر الزاوية للغز الأنثوي» توجهها الفرويدي» على 
الزغم من ها تمد بار لكل جملة تل على حن حقيقة علمية بكلمة (إذا» 
صغيرة. لكنها «إذا» مهمة جدًا. لأنه عندما تصبح الفروق الجنسية أساس 
مقاربتك للثقافة والشخصية» وعندما تفترض أن الجنسانية هى القوة 
المحركة للشخصية الإنسانية (افتراض أخذته من فرويد)» وعندماء فوق 
ذلك» تعرف» كأنثروبولوجيء أن ليس هناك فروق جنسية صحيحة لكل ثقافة 


(1) Margret Mead, Male and Femaie, New York, 1955, pp. 16-18. 
{2) Ibid., .م‎ 26. 


الفصل السادس: التجميد الوظيفي وال حتجاج المؤنث ومارجريت ميد 185 
إلا تلك المتضمنة فى فعل الإنجاب» فستعطىء ولا شك» ذلك الاختلاف 
البيولوجى الوحيد» الاختلاف فى الدور الإنجابىء» أهمية متزايدة فى تحديد 
شخصية المرأة. 

لم تخفٍ مارجريت ميد حقيقة أن المبادئ الفرويدية القائمة على مناطق 
الجسم كانت» بعد عام 1 جزءًا من التجهيزات الت لتي أخذتها معها في 
رحلاتها الميدانية الأنثروبولوجية”». وهكذاء بدأت تساوي «تلك الجواتب 
الإبداعية الجازمة من الحياةء التي تقوم عليها البنية الفوقية لحضارة ما»» 
بالقضيب» وتحدّد الإبداع الأنثوي على أساس «الاستقبالية السلبية» للرحم. 


سأكون. في مناقشة الرجال والنساءء مهتمة بالفروق الأساسية بينهماء الفرق 
في أدوارهما الإنجابية. فيما عدا الأجساد المخلوقة وفق أدوار تكمّل بعضها 
بعضًا لاستمرار الجنس البشري» ما الفروق التي تظهر في أداء الوظيفة أو 
في القدرات أو في الحساسيات أو في نقاط الضعف؟ كيف يتعلق ما يستطيع 
الرجال أن يقوموا به بحقيقة أن دورهم الإنجابي ينتهي في فعل واحدء وما 
الذي تستطيع النساء القيام به فيما يتعلق بحقيقة أن دورهن الإنجابي يستغرق 
تسعة أشهر من الحمل. والى وقت قريب. عدة أشهر من الإرضاع الطبيعي؟ ما 
إسهام كل جنس. منظورًا إليه كما هو وليس على أنه مجرد نسخة غير تامة 
من الآخرة 

بما أننا نعيش في العالم المعاصرء لابسين ومكبوتين ومجبرين على نقل 
إحساسنا بأجسامنا بلغة الرموز البعيدة. مثل عصي المشي والمظلات 
والحقائب. فمن السهل أن نفقد رؤية مخطط الجسم البشري عن كثب. ولكن, 
عندها يعيش المرء وسط شهوب بدائية. حيث لا ترتدي النساء سوى مريلة 


(1) lbid., footnotes, pp. 289 f: 
.1931 لم ابدأ العمل جديا على موضوع مناطق الجسم إلى أن ذهبت إلى أرابيش عام‎ 
وفي حين كنت مطلعة عمومًا على غمل فر ويد الأساسي في هذ! الموضوع. فإنني لم أرَ‎ 
ار ا د ا ساعطه ممت الميداني الأول‎ 4 
لتحليل النفسي لأنماط الثقافة البدائية؛ ... ثم أرسلت إلى الوطن لأطلب ملخص‎ 
وبعد د إريكسون المنهجية لهذه‎ .K. Abraham أعمال ل ك. أبراهام‎ 
الأفكار. أصبحت جزءً! عضويًا من تجهيزاتي النظرية.‎ 


186 اللغزالأنثوي 


صغيرة مصنوعة من العشب. وحتى هذه قد يطرحنها لإهانة بعضهن البعض 
أو ليستحممن في مجموعةء ولا يرتدي الرجال سوى شريط رخو التثبيت من 
لحاء الشجر المدقوق على شكل حرف (6)... ولا يلبس الأطفال الصفار أي 
شيء على الإطلاق. تصبح الاتصالات الأساسية التي تجري بين الأجساد 
حقيقية جدًا . لقد اخترعنا في مجتمعنا الآن طريقة علاجية يمكن أن تستنبط 
بجهد من ذكريات العُصابي. أوا الخيالات المطلقة للذهاني, كيف شكل الجسم 
البشري ومداخله ومخارجه أصلًا نظرة الفرد المتنامية عن العالم!!). 
في الواقع» بدت عدسة «التشريح قدر» صحيحة على نحو خاص 
لرؤية ثقافات وشخصيات ساموا ومانوس وأرابيش ومندوغومر وتشامبولي 
وآيتمول (01اة1) وبالي (8211)؛ صحيحة» كما لم تكن صحيحة قطء 
في ذلك التشكيل» لفيينا عند نهاية القرن التاسع عشر أو أمريكا في القرن 
العشرين. 
كان القدر ما يزال هو القدر في الحضارات البدائية لجزر بحر الجنوب 
عندما زارتها مارجريت ميد لأول مرة. أمكن لنظرية فرويدء بأن الغرائز 
البدائية تحدّد شخصية البالغ» أن تجد إثبانًا مقنعًا. لم تشكل الأهداف 
المعقّدة للحضارات الأكثر تقدمًا حينها -والتي يدير العقل البشري فيها 
الغريزة والبيئة» ويحولهماء على نحو متزايد- المصفوفة غير القابلة للنقض 
لكل حياة إنسانية. لابدٌ أن رؤية الفروق البيولوجية بين الرجال والنساء على 
أنها القوة الأساسية في الحياة لدى تلك الشعوب البدائية العارية كانت 
أسهل بكثير. ولكن» لا يمكن إلا إذا ذهبت إلى جزيرة كتلك» واضعًا عدسة 
فرويدية على عينك» ومتقبلاء قبل أن تبدأء ما أسماه بعض الأنثروبولوجيين 
غير الموقرين نظرية ورق التواليت في التاريخ» أن تستنتج من . المشاهدات 
في الحضارات البدائية عن دور الجسد العاري» للذكور والإناث» درشا 
للمرأة العصرية يفترض أن الجسد العاري يمكن أن يقرّرء بالطريقة ذاتهاء 
مسار الحياة الإنسانية والشخصية في حضارة حديثة معقدة. 


(1) Ibid., pp. 50 f. 


الفصل السادس: التجميد الوظيفي والاحتجاج المؤتث ومارجريت ميد 187 


الأنثروبولوجيون. اليو أقل ميلا إلى أن يروا في الحضارة البدائية 
مخبرًا لمراقبة حضارتناء نموذجًا مصغرًا ترتسم عليه الأمور غير ذات الصلة؛ 
فالحضارة ليست مجورّد موضوع غير ذي صلة. 
بما أن الجسد الإنساني لا يتغير بين قبائل بحر الجنوب البدائية وفي 
المدن الحديثة» يمكن لأنثروبولوجيء يبدأ بنظرية نفسية تختصر الشخصية 
الإنسانية والحضارة بتشابهات جسدية» أن ينتهي ناصحًا النساء المعاصرات 
بالعيش بأجسادهن بالطريقة ذاتها التي تعيش فيها نساء بحار الجنوب. 
المشكلة هي أن مارجريت ميد لم تستطع أن تعيد تكوين عالم» كعالم بحر 
الجنوب» لنعيش فيه: عالم تكون فيه ولادة طفل قمة التحقق الإنساني. (إذا 
كان الإنجاب الحقيقة الرئيسية والوحيدة للحياة الإنسانية» فهل سيعاني 
جميع الرجال اليوم من «حسد الرحم»؟). 
في بالي. تسير البنات الصغيرات اللواتي أعمارهن بين الثانية والثالثة معظم 
الوقت ببطون صغيرة بارزة عمدًاء وتنقر النساء الأكبر سنا عليها ملاعبات 
حين يمررن. ويداعبنهن قائلات: «حامل». وهكذاء تتعلم البنت الصغيرة أنها. 
على الرغم من أن علامات عضويتها في جنسها قليلة. إذ ليس نهداها سوى 
زين صغيرين ليسا أكبر من نهدي شقيقهاء وأعضاؤها التناسلية مجرد ثنية 
بسيطة غير واضحة؛ ستصبح ذات يوم حاملاء وذات يوم. ستلد» وأن ولادة 
طفل هي» بالعموم» واحد من أروع الإنجازات الأكثر التي يمكن أن تعرض 
لعيني الأطفال الصغار في تلك العوالم البسيطة التي لا يرتفع أعلى مبنى فيها 
أكثر من خمسة عشر قدمًا. ولا يتجاوز أكبر قارب عشرين قدمًا طولا. إضافة 
إلى ذلك. تتعلم الفتاة الصغيرة أنها ستلد طفلا. لا لأنها قوية أو مليئة بالطاقة 
أو مبتكرة. ولا لأنها تعمل وتكافح وتحاول» وفي النهاية تنجح؛ بل بيساطة لأنها 
فتاة وليست صبيّاء والفتيات يتحولن إلى نساء. ؤفي النهاية -إذا حافظن على 
أنوثتهن- يلدن أطفالا!!). 
كم هي مغرية» لامرأة أمريكية في القرن العشرين تنافس في مجال 
يتطلب المبادرة والطاقة والجهد. وفيه يمتعض الرجال من نجاحهاء لامرأة 





(1) Ibid., pp. 72 ff. 


٠ 188‏ اللفزالأنثوي 
ذات إرادة وقدرة على المنافسة أقل من تلك التي لمارجريت ميد رؤية عالم 
بحر رت ذاك حيث تنجح المرأة» ويحسدها الرجال لمجرد أنها امرأة. 
رؤيتنا الفربية للحياة. تستطيع النساء المخلوقات من ضلع الرجل. في 
الحد الأقصى, أن يكافحن بلا نجاح لتقليد قوى الرجل المتفوقة ومهنه العليا. 
لكنّ الفكرة الأساسية في الدين الشعائري هي أنّ النساء. بفضل قدرتهن على 
إنجاب الأطفال؛ يحملن سر الحياة. دور الرجل غير أكيد وغير محدّد وربما غير 
ضروري. وبجهد كبير توصل الرجل إلى طريقة للتعويض عن نقصه الأساسي. 
يستطيع الرجال -مساحين بأدوات غامضة متنوعة تصدر ضجيجًاء تكمن 
قوتها في بقاء أشكالها الفعلية غير معروفة لأولئك الذين يسمعون أصواتها 
-وهكذاء يجب ألا تمرف النساء والأطفال أنها في الواقع آلات ناي (عانا؟) 
من الخيزران أو زنود خشبية مفرغة -أن يأخذوا الأطفال الذكور بعيدًا عن 
النساء. ويّسمونهم كناقصين» ويقومون. هم أنفسهم. بتحويل الصبيان إلى 
رجال. صحيح أن النساء يصنعن البشرء لكن الرجال فقط هم من يستطيع 
أن يصنع نع الرجال!!». 
صحيح أن هذا المجتمع البدائي كان (بنية مزعزعة محمية بعدد لامتناه 
من المحرمات والمحاذير» -بخجل النساء وخوفهن المرفرف وغفرانهن 
تفاهة الذكور- ولم يتمكن من الاستمرار إلا بقدر ما حافظ الجميع على 
القواعد. «لقد كسر المبشّر الذي أرى النساء آلات الناي الثقافة بنجاح»©. 
لكنّ مارجريت ميدء التي قد تكون أرت الرجال والنساء الأمريكيين «نايات» 
محرماتهم ومحاذيرهم وخجلهم ومخاوفهم وغفرانهم تفاهة الذكور 
الاعتباطية والمزعزعة» لم تستخدم معرفتها بتلك الطريقة. خارج الحياة 
بالطريقة التي كانت عليها -في ساموا وبالي حيث حسدٌ جميعٌ الرجال 
النساءً- رفعت مارجريت ميك مثالا للسناء الأمريكيات أعطى واقعًا جديدًا 
لبنية التحيّز الجنسي المزعزعة: اللغز الأنثوي. 
اللعة أتثروبولوجية؛ والنظريةء المّقَدّمة على أنها حقيقة» فرويديةٌ لكنّ 


(1) Ibid., pp. 84 ff. 
(2) Ibid. .م‎ 85. 


الفصل السادس: التجميد الوظيفي والاحتجاج اتمؤنث ومارجريت ميد 189 
التوق هو للعودة إلى جنة عدن: جنة لا تحتاج فيها النساء إلا إلى نسيان 
«السخط الإلهي» الذي ولد من التعليم ليعدن إلى عالم يصبح فيد الإنجاز 
المذكر مجرد تعويض بائس عن الحمل. 
مشكلة الحضارة المتكررة هي تحديد الدور الذكوري على نحو مرض بما 
يكفي -سواء كان بناء الجنائن أو تربية القطيع. قتل الطرائد أو قتل الأعداء: 
بناء الجسور أو تداول الأسهم المصرفية- بحيث قد يصل الذكر. في مجرى 
حياته. إلى معنى ملموس لإنجاز لا يمكن الرجوع عنهء كانت معرفة طفولته 
عن الإشباع الذي يمنحه الحمل قد أعطته فكرة عنه. في حالة النساء. من 
الضروري فقط أن يسمح لهن بموجب الترتيبات الاجتماعية المعينة بتحقيق 
دورهن البيولوجي. لإحراز هذا الشعور بالإنجاز الذي لا رجعة علة. إذا كانت 
النساء سيشعرن بالقلق والتساؤل» حتى في مواجهة الحملء فلا بد أن يصبحن 
كذلك عن طريق التربية(". 
لم يكن ما أخذه اللغز الأنثوي من مارجريت ميد هو رؤيتها إمكانية 
المرأة الإنسانية العظيمة غير المختبرة» بل ذاك التمجيد للوظيفة الجنسية 
المؤنثة» التى اختبرت بالفعل فى كل ثقافة» ولكن قلّما اختبرت فى الثقافات 
المتحضرة» والتي تقدّر عاليًا إمكانية الإبداع الإنساني غير المحدودةء الذي 
قدّمه الرجل بشكل رئيسى» حتى الآن. كانت الرؤية التى أخذها اللغز من 
مارجريت ميد هی لعالم تكسب فيه النساء» لمجرّد أنهن نساء يلدن الآطفالء 
الاحترام ذاته الممنوح للرجال على إنجازاتهم الإبداعية -كما لو أن امتلاك 
الرحم والثديين يضفي على النساء مجدًا لا يمكن أن يعرفه الرجال. حتى 
إذا عملوا طيلة حياتهم لخلقه. في ذلك العالم» كل الأشياء الأخرىء التي 
تستطيع المرأة أن تقوم بها أو تكونهاء هي مجرد بدائل للحمل بطفل. وتصبح 
الانوثة أكثر من تحديدها من قبل المجتمع؛ تصبح قيمة يجب أن يحميها 
المجتمع من هجوم الحضارة المدمر مثل الجاموس المعرض للانقراض. 
جعلت صفحات مارجريت ميد البلاغية عددًا كبيرًا من النساء 


سسس 


(1) Ibid., pp. 125 ff. 





190 اللفز الأنثوي 


الأمريكيات يحسدن 0 الصافية لامرأة عارية النهدين من سامواء 
ويحاولن أن يحوّلن أنه نفسهن إلى بدائيات ضعيفات» نهود غير مقيدة بحمالة 
النهدين التي صنعتها الحضارةء وأدمغة لا تزعجها المعرفة التي صنعها 
الإنسان حول أهداف التقدم الإنساني. 
لمجال النساء المهني البيولوجي بنية أوجيّة (:011723) طبيعية يمكن تفطيتها 
وإسكاتها وكبتها وإنكارها علناء ولكنها تبقى عنصرًا جوهريًا في نظرة 
الجنسين إلى نفسيهما... تتحدث الفتاة البالينيزية الشابة التي يقول لها أحدٌ 
ما: «اسمك آي تيوا؟» فتشدّ قامتها وتجيب: «أنا أمّ باوا» على نحو قاطع. هي 
أمّ باوا؛ وباوا قد يموت غدًّاء لكنها تبقى أمّ باوا؛ وفقط إذا مات قبل أن يعطى 
اسمًاء يناديها جيرانها «الأم المجرّدة». وهكذاء تقف مرحلة بعد مرحلة في 
تواريخ حيوات النساء منجزة نهائية لا جدل فيها. وهذا يعطي أساسًا طبيعيًا 
لتأكيد الفتاة الصغيرة على الوجود أكثر من تأكيدها على العمل. يتعلم الصبي 
الصغير أن عليه أن يتصرف مثل صبيء أن يقوم بالأشياء؛ ويثبت أنه صبيء 
ويثبت ذلك المرة تلو المرة؛ في حين تتعلم الفتاة الصغيرة أنها فتاة؛ وأن كل 
ما عليها القيام به هو الإحجام عن التصرف مثل صبي!!). 
وهكذا تجري الأمور باستمرار حتى يميل المرء إلى القول: وماذا إذا؟ 
أنت تولدين» تكبرين» تحبلين» تلدين طفلاء يكبر الطفل؛ هذا صحيح في 
كل الثقافات المدوّنة وغير المدوّنة» تلك التي نعرفها من الحياةء وتلك 
المبهمة التي لا يعرفها إلا الأنثروبولوجي الذي سافر بعيدًا. ولكن هل هذا 
كل ما في الحياة للمرأة اليوم؟ ۰ 
ليس الأمر إنكارًا لأهمية البيولوجيا حين نشكك في تحديد طبيعة المرأة 
القائم كلية على اختلافها البيولوجي عن الرجل. قد تكون بيولوجيا الأنثى 
-«المجال المهني البيولوجي» للمرأة- ثابتة -هي نفسها في نساء العصر 
الحجري منذ عشرين ألف سنة» ونساء ساموا فى الجزر النائية والنساء 
الأمريكيات في القرن العشرين- لكنّ طبيعة العلاقة الإنسانية مع البيولوجيا 


(1) Ibid., pp. 135 ff. 


الفصل السادس: التجميد الوظيفي والاحتجاج المؤنث ومارجريت ميد 191 





تغيّرت. لقد أعطتنا معارفنا المتزايدة والقوة المتزايدة للذكاء الإنساني إدراكا 
بالغايات والأهداف يتجاوز الحاجات البيولوجية البسيطة من جوع وعطش 
وجنس. وحتى هذه الحاجات البسيطة ليست لدى الرجال والنساء اليوم 
نفسها كما كانت في العصر الحجري أو ثقافات بحر الجنوب. لأنها الآن 
جزءٌ من نمط أكثر تعقيدًا من الحياة الإنسانية. 
كانت مارجريت ميد بالطبع تعرف ذلك بوصفها أنثروبولوجية. وتوجد 
في جميع كلماتها التي تمخد الدور الأنثئوي كلمات أخرى تصوّر عجائب 
عالم تستطيع النساء فيه أن يحققن كل إمكانياتهن. لكنّ هذه الصورة مكسوّة 
تقريبًاء وعلى نحو ثابت» بالحذر العلاجي والفوقية التلاعبية اللذين يعتبران 
حالة نموذجية لدى كثيرين من العلماء الاجتماعيين الأمريكيين. عندما يتّحد 
هذا الحذر مع مبالغة في تقييم قوة العلم الاجتماعيء لا لمجرّد فهم الثقافة 
والشخصية» بل ولترتيب حياة المجتمع» فإ كلماتها تكتسب هالة حملة 
عنيفة قويمة؛ حملة عنيفة ضد التغيير. وهي تنضمٌ إلى العلماء الاجتماعيين 
الوظيفيين الآخرين في توكيدهم على التكيف مع المجتمع كما نجده» على 
عيش حيواتنا ضمن إطار التحديدات الثقافية التقليدية للأدوار المذكرة 
والمؤنثة. وهذا الموقف واضح في الصفحات الأخيرة من كتاب ذكر وأنثى 
.Male and Female‏ 
إِنْ إعطاء كل جنس ما يستحقه. اعتراف كامل بحساسياته وحاجاته إلى 
الحمايةء يعني النظر إلى ما وراء التشابهات السطحية خلال فترة الطفولة 
المتأخرة. ی يبدو كل من الصبيان والفتيات. وقد وضع كل منهما جانبًا 
العديد من مشاكل التكيّف الجنسيء تواقين للتعلم. وبالتالي قادرين على 
تعلّم الأشياء ذاتها... لكنّ كل تكيّف يقلّل من اختلاف أو حساسية لدى أحد 
الجنسين؛ أو من نقطة قوة تفريقية لدى الجنس الآخر. يقلل من إمكانيتهما 
على إكمال أحدهما الآخر. ويقابل -رمزيًا- منع الوصول إلى الاستقبالية 
البثّاءة للأنثى والفاعلية البناءة المتجهة خارجًا القوية للذكر. مسكنًا إياهما 
معًا في النهاية ليتحوّلا إلى نسخة أكثر مللا من الحياة الإنسانية يُحرّمِ كل 


منهما غيها من اتساع الإنسانية التي كان يمكن لكل منهما أن يحصل عليه . 
ليس هناك موهبة إنسانية قوية بما يكفي حتى تزهر تمامًا لدى شخص 
مهدّد بخسارة عضوية الجنس... بغض النظر عن أية نية طيبة قد نباشر بها 
برنامجًا لتربية الرجال والنساء على أن يقدموا إسهاماتهم الكاملة والخاصة 
في كل العمليات المعقدة للحضارة -الطب والقانونء التربية والدين» الفنون 
والعلوم- فإن المهمة ستكون صعبة جدًا... 
ليس لتعبئة مواهب النساء سوى قيمة مشكوك فيها. إذا كان إدخالهن إلى 
مجالات حُدّدت أصلا على أنها ذكرية يخيف الرجالء ويُققد النساء قوتهن 
الجنسيةء ويقمع الإسهام الذي يمكن أن تقدمه النساء. ويشوهه. إما لأنّ 
وجودهنٌ يستبعد الرجال من المهتة. أو لأنه يفيّر نوعية الرجال الذين 
يدخلونها... من الحماقة أن نتجاهل الإشارات التي تحدّرنا إلى أن الشروط 
الحالية التي تُفرّى فيها النساء بفعل فضولهن ودوافمهن التي تطورت في ظل 
النظام التعليمي نفسه مثل الرجال... سيئة لكل من الرجال والنساء©. 
كان من شأن دور مارجريت ميد» بوصفها الناطقة المهنية باسم الأنوثةء أن 
يكون أقل أهمية لو أن النساء الأمريكيات قد أخذن العبرة من حياتهاء بدلا من 
الاستماع إلى ما قالته في كتبها. لقد عاشت مارجريت ميد حياةً من التحدي 
المفتوح» وعاشتها بفخر كامرأة» إذا كانت أحيانًا واعية لذاتها. لقد تحرّكت 
على تخوم الفكر وأضافت إلى البنية الفوقية لمعارفناء وأظهرت قدرات أنثوية 
تتجاوز بكثير ولادة طفل» وشقّت طريقها فيما كان ما يزال إلى حد بعيد «عالم 
الرجل» دون إنكار أنها امرأة؛ وفي الحقيقة» أظهرت في عملها معرفة امرأة 
فريدة لم يكن في مقدور أي أنثروبولوجي ذكر أن ينافسها. بعد قرون عديدة 
من سلطة ذكرية غير قابلة للجدل» كم من الطبيعي لشخص أن ينادي بسلطة 
أنثوية. ولكن الرؤى الإنسانية العظيمة المتعلقة بإيقاف الحروب وشفاء 
المرض وتعليم الأعراق أن تعيش معًا وبناء مباني جديدة وجميلة للناس حتى 
يعيشوا فيهاء هي أمور أكثر من «طرق أخرى في إنجاب الأطفال». 








.)1( Ibid., pp. 274 fF. 
(2) Ibid., pp. 278 ff. 


الفصل السادس: التجميد الوظيفي والاحتجاج المؤنث ومارجريت ميد 193 








ليس من السهل محاربة التحيّزات القديمة جدًا. لكن» بوصفها عالمة 
اجتماعية وامرأة» وجهت ضربات معينة للصورة المتحيّزة عن المرأة قد 
تستمر طويلا بعد حياتها. ففي إصرارها على أن النساء كائنات بشرية - 
كائنات بشرية فريدة» لا رجال ينقصهم شيء ما- خطت خطوة أبعد من 
فرويد. ولكن» لأنّ ملاحظاتها كانت تستند إلى مشابهات فرويد الجسدية» 
فقد اختصرت رؤيتها للنساء بتمجيد معجزة الأنوثة اللغزية» التي تحققها 
النساء ببساطة لمجرد أنهن نساءء تاركات النهود تكبر» ودم الطمث يتدفق» 
والطفل يرضع من الثدي المنتفخ. وتعبر مارجريت ميد مرة أخرى عن خيار 
غير ضروري عندما تحر النساء اللواتي يبحثن عن الإنجاز خارج دورهن 
الببولوجي من أنهن يعرّضن أنفسهن لخطر أن يتحولن إلى ساحرات 
فاقدات لقدرتهن الجنسية. وتقنع النساء الأصغر سنًا بأن يتخلين عن جزء 
من إنسانيتهن التي كسبنها بجهد كبير حتى لا يخسرن أنوثتهن. وفي النهاية» 
فعلت الشيء ذاته الذي حذّرت منه؛ إذ أعادت في عملها خلق الحلقة 
المفرغة التي كسرتها في حياتها: 
قد نصعد السلّم من الفروق الجسدية البسيطة عبر التمايزات المتمّمة التي 
تبالغ في التأكيد على دور الاختلاف في الجنس» ونوسّع ذلك على نحو غير 
مناسب إلى جوانب الحياة الأخرى. إلى قوالب جاهزة من تلك النشاطات 
المعقدة كتلك الداخلة في الاستخدام الشكلي للذكاء. في الفنون وفي الإدارة 
الحكومية وفي الدين. 
لقد وجد هذا الميل إلى القيام بتحديدات اصطناعية تقصر نشاطًا ما على 
جنس واحد وتلك النشاطات التي تعتبر مجد الجنس البشريء والتي يعتمد 
عليها أملنا في البقاء في هذا العالم الذي بنيناهء في جميع إنجازات الحضارة 
المعقدة هذه. ونحنء بإنكارنا الإمكانيات الفعلية للكائنات البشرية. لا نحد 
الرجال والنساء معًا ؤحسب. بل وبنفس الدرجةء نحدٌّ تطوّر النشاط نفسه... 
هناء توجد حلقة مفرغة لا يمكن أن نحدّد فيها بداية ولا نهاية؛ وفيها تقود 
مبالفة الرجال في تقدير أدوار النساءء أو مبالفة النساء في تقدير أدوار 
الرجال. أحد الجنسين, أو الآخر. إلى انتحال جزء من إنسانيتنا التي فزنا 


104 اللفز الأنثوي 


بها بعد جهد جهيد أو إهماله أو حتى التنازل عنه. وهؤلاء الذين من شأنهم 
أن يكسروا العلقة: هم نفستهم» نتاج لهاء ويعبرون عن بعض عيوبها هي كل 
إيماءة. وقد لا يكونون أقوياء بما يكفي إلا لتحديهاء وليسوا قادرين على كسرها 
فعلًا. ومع ذلك, عندما يتم تحديدها وتحليلها. فيجب أن يكون ممكنًا خلق 
مناخ من الرأي يستطيع فيه آخرون -هم بدرجة أقل نتاج الماضي الأسود 
لأنهم نشؤوا حاملين في يدهم ضوءًا يمكن أن يشعٌ إلى الخلف وكذلك إلى 
الأمام- أن يقومواء بدورهم. بالخطوة التالية!!). 
زبما كان الاحتجاج الأنثوي خطوةً ضرورية قامت بها بعض الناشطات 
النسويات» بعد الاحتجاج المذكر. كانت مارجريت ميد واحدة من أوائل 
النساء اللواتي برزن في الحياة الأمريكية بعد الظفر بحقوق المرأة. كانت 
أمها عالمة اجتماعية وجدّتها مدرّسة؛ وكانت لديها صور خاصة عن نساء 
استكملن إنسانيتهن تمامّاء وحصلت على تعليم مساو لتعليم أي رجل. 
وكانت قادرة على القول باقتناع: من الجيد أن تكوني امرأة» لست بحاجة 
لأن تكوني نسخة عن الرجل» تستطيعين أن : تحترميٰ نفسك لأنك امرأة. 
قامت باحتجاج أنثوي مدو في حياتها وفي عملها. . وكانت خطوة إلى الأمام 
عندما أثرت في النساء العصريات المتحررات ليخترنء بناءًا على ذكائهن 
الحرء أن يلدن أطفالاء أن يحملن بهم بوعي فخور ينكر الألم» ويرضعنهم 
في سن الإرضاعء ويكرّسن العقل والجسم للعناية بهم. كانت خطوة إلى 
الأمام في رحلة النساء المتعلمات الحماسية -وهي خطوة صارت ممكنة 
بفضل تلك الرحلة- حتى يقلن «نعم» للأمومة كغاية إنسانية واعية لا كعبء 
يفرضه الجسد. لأنْ حركة الولادة الطبيعية والإرضاع الطبيعي» التي ساعدت 
مارجريت ميد في إلهامهاء لم تكن على الإطلاق عودة إلى أمومة الأرض د 
الأم البدائية. هي حركة راقت للمرأة الأمريكية الشجاعة المتعلمة المستقلة» 
ونظيراتها في أوروبا الغربية وروسياء لأنها مكنتها من المرور بتجربة الولادة» 
لا كحيوانة بلا عقل» لا كموضوع يتعامل معه الطبيب المُولد» بل كشخص 
مكتمل» ا اعد عمل مارجرييت 


0 Ibid., pp. 276-285. 


الفصل السادس: التجميد الوظيفي والاحتجاج المؤنث ومارجريت ميد 195 


ميد» ربما بدرجة أقل أهمية من ضبط النسل والحقوق الأخرى التي جعلت 
النساء أكثر مساواة مع الرجل» في أنسنة الجنس. لقد احتاج الأمر بائعة علمية 
خارقة لتعيد في الحياة الأمريكية العصرية خلق مجرد شكل للظروف التي 
كان رجال القبائل البدائية يقلّدون فيها بحسد الأمومة» ويفصدون أنفسهم. 
(يجتاز الزوج العصري التجارب اللاهثة مع زوجته فيما هي تستعد للولادة 
الطبيعية). ولكن هل تبيع النساءً أكثر مما لديها؟ 

را يكن عطاها آنا أجلت بغري يك أ الإتساك ديكا ار 
مهنة لدرجة استبعاد كل نوع آخر من السعي الإبداعي» واستمرّت النساء في 
إنجاب الأطفال لأنهن لم يعرفن طريقة أخرى للإبداع. غالباء ما كان يُستشهد 
بكلامها مقتطعًا من سياقه من قبل الوظيفيين الأقل شأنًا والمجلات النسائية. 
ولقد تجاهل» هؤلاء الذين وجدوا عملها تأكيدًا لتحيّزاتهم ومخاوفهم التي 
لا يعترفون بهاء لا تعقيد كل عملها فقطء بل والعبرة من حياتها المعقدة 
أيضًا. وعلى الرغم من كل الصعوبات التي لاب وأنها واجهتها رائدة كامرأة» 
مملكة الفكر المجرّد الذي كان مجال الرجل (يشير تقييم نقدي من جملة 
واحدة لكتاب الجنس والمزاج ۳٤۸۲‏ ۲4ءم٣ء٣‏ 4ة ×5 إلى الاستياء الذي 
غالبًا ما واجهته: «مارجريت» هل وجدت حتى الآن ثقافة يلد فيها الرجال 
الأطفال؟»)» فهي لم تتراجع قط عن الطريق الشاق نحو تحقيق الذات الذي 
لم تسافر فيه سوى قلة من النساء منذ ذلك الحين. لطالما قالت للنساء 
أن يبقين على ذلك الطريق. وإذا كنّ لم يسمعن سوى كلماتها التحذيرية 
الأخرى. واستجبن لتمجيدها للأنوثة» فذلك ربما لأنهن لم يكنّ واثقات 
من أنفسهن ومن قدراتهن الإنسانية مثلما كانت هي. 

عرفت مارجريت ميد» والوظيفيون الأقلَ شأتاء آلام اختراق النقد 
القاسي الاجتماعي القديم ومخاطره'”". وكانت هذه المعرفة هي المبرر 
الذي اتخذوه لتخفيف تصريحاتهم بخصوص قدرات النساء» فنصحوهن 


سم ت ع ع ا يت" 
Margaret Mead, Introduction to From the South Seas, New York, 1939, P. xil.‏ )1( 


196 اللغز الأنثوي 


بعدم منافسة الرجال» وبالسعي إلى كسب الاحترام لأصالتهن كنساء. من 
الصعب القول أنها كانت وصية ثورية؛ لم تقلب الصورة التقليدية عن المرأة 
بأكثر مما قلبها الفكر الفرويدي. ربما كانت نيتهم تحطيم الصورة القديمة 
لكنهم بدلا من ذلك أعطوا اللغز الجديد مرجعيته العلمية. 

بدأت مارجريت ميدء ويا للسخرية» في الستينيات تنبّه تنه إلى خطر «عودة 
امرأة الكهوف)؛ ارتداد النساء الأمريكيات إلى الحياة المنزلية الضيقة» فى 
حين كان العالم يرتجف على حافة المحرقة التكنولوجية. وتساءلت في 
مقطع من كتاب بعنوان النساء الأمريكيات: الصورة المتغيّرة ۸۳۴۲1٥۵۸‏ 
Women: The Changing Image‏ ظهر في مجلة ساتردي إيفنينغ بوست 
)Saturday Evening Post)‏ في 3 آذار/ 1963: 

لماذا عدناء رغم كل التقدم التكنولوجيء» إلى صورة العصر الحجري؟... 


عادت النساء كل واحدة إلى كهفها المنفصل. منتظرةٌ بقلقي عودة 
وأطفالها “وتحارسة زوجها بغيرة من النساء الأخريات, جاهلة كليةٌ تقر ته يبا بأية 


حياة خارج باب بيتها... ليست المرأة القرد هن من يلت عليه النوم فى هذا 

الارتداد إلى الخصوية. إنه مناخ الرأي الذي تطوّر في هذا البلد... 

من الواضح أن مارجريت ميد لا تعترف» أو ربما لا تدرك» دورها 
الخاص كمهندسة معمارية رئيسية في «مناخ الرأي» ذاك. من الواضح أنها 
قد تغاضت عن الكثير من عملهاء الذي ساعد في إقناع عدة أجيال من النساء: 
الأمريكيات العصريات القادرات «في أسلوب امرأة الكهف اليائسة لتكريس. 
كل حياتهن للحياة المنزلية الضيقة -أولا في أحلام تلميذة المدرسة والبحث: 
عن أدوار تجعلهن جاهلات بإعجاب. ثم كأمهات» وبعدها كجدّات...' 
قاصرات نشاطاتهن على المحافظة على وجودهن الخاص والممل غالبًا). . 

على الرغم من أن مارجريت ميد قد تبدو الآن وكأنها تحاول إخراج النساء 
من البيوت» فما زالت تسبغ خصوصية جنسية على كل ما تفعله المرأة. ففي, 
محاولتها لإغراء النساء بعالم العلم الحديث» بوصفهن «أمهات-معلّماتا 





الفصل السادس: التجميد الوظيفي والاحتجاج المؤنث ومارجريت ميد 197 





العلماء الأطفال», ما زالت تترجم الإمكانيات الجديدة المفتوحة للنساء 
والمشاكل الجديدة التي تواجههن كعضوات في الجنس البشري إلى تعابير 
AE‏ الآن توسّعت «تلك الأدوار التي عادت تاريخيًا إلى النساء» 
لتشمل المسؤولية السياسية عن شل السلاح النووي -«ليبقين في ا لا 
أطفالهن فقطء بل وأطفال العدو أيضًا». لأنها تتوصّل الآنء مبتدئة بالمقدمة 
ذاتهاء ومتفحصة المجموعة ذاتها من الأدلة الأنثروبولوجية» إلى دور جنسيّ 
للنساء مختلف قليلًا؛ دور قد يشكك جديا بالأساس الذي : تقرّر عليه الأدوار 
التى يجب أن تلعبها المرأة- وتجد من السهل جدًا تغيير أدوار اللعبة من 
عقد إلى العقد الذي يليه. 

لقد توّصل علماء اجتماعيون آخرون إلى خلاصة مدهشة مفادها: 0 
كرتي ابراة لم يكن اعتررولا أل من أن تكوني إنسانة». لكنّ تخلمًا ثقا 
أدخل في اللغز الأنثوي. فبحلول الوقت الذي كانت فيه قله من العلماء 
تكتشف العيوب في «دور المرأة»» كان المربّون الأمريكيون قد قبضوا عليه 
مثل كلمات سحرية. وبدلا من تربية النساء استعدادًا للنضج الأكبر اللازم 
للمشاركة في المجتمع المعاصر -بكل ما ينطوي عليه ذلك من مشاكل 
وصراعات وعمل شاقء للمربين كما للنساء- بدؤوا يربونهن على «لعب 
دور المرأة»). 


(1) Marie Johada and Joan Havel, ‘’Psychological Problems of Women in 
Different Social Roles - A Case History of Problem Formulation in Research. 
Educational Record, Vol. 36, 1955. pp. 325-333. 





الفصل السابع: مريّون مُوَجُهون بالجنس 199 





الفصل السابع 
مربون مُوَجهون بالجنس 


لابدٌ أن الأمر استمر عشرة أعوام أو خمسة عشر عامًا قبل أن يشك به 
المرتون.. المرتون قدامى الطراز بالطبع. أصيب المربّون الموجهون بالجنس 
الجدد بالدهشةء لأن أحدًا ما قد أصابته الدهشة. وأصابتهم الصدمةء لأنَّ 
أحدًا ما قد أصابته الصدمة. 

الصدمة» اللغزء للساذج الذي راودته آمال عظيمة لأن التعليم العالي 
للنساء تجلّى بارتياد الجامعة من قبل عدد من النساء أكبر من أي وقت 
مضى» لكن قَلة قليلة منهن كنّ يتابعن بعد الجامعة ليصبحن فيزيائيات أو 
فيلسوفات أو شاعرات أو طبيبات أو محاميات أو سيدات دولة أو رائدات 
اجتماعيات أو حتى أستاذات جامعيات. و فى السنوات الأخيرة» كان عدد 
الخريجات الجامعيات اللواتي تابعن ليتميزن في مهنة أو وظيفة أقل من 
عدد أولئك اللواتي تخرجن قبل الحرب العالمية الثانية الانقسام العظيه”". 
وكان عددٌ أقل فأقل من الجامعيات يحضرن أنفسهن لمهنة أو وظيفة تتطلب 
ما هو أكثر من الالتزام العَرّضي. كانت فتاتان من كل ثلاثة فتيات دخلن 
الجامعة يتركنها قبل إنهاء الدراسة. وفي الخمسينيات من القرن العشرين» 





(1) الانقسام العظيم» أو الانقسام القاري» هو سلسلة من الشقوق الجبلية تمتد من آلاسكا 
إلى المسكيك» وتشكل الحد الفاصل الرئيسي لشمال أمريكا - المترجم. 


200 اللغزالآنثوي 


لم تُظهر تلك اللواتي بقين في الجامعة» وحتى أكثرهن موهبةء أية إشارة 
على إرادتهن في أن يصبحن أي شيء أكثر من ربات منازل وأمهات من 
الضواحي. وفي الحقيقة» بدت الفتيات فجأة للأساتذة في جامعات فاسار 
وسميث وبرنارد» الذين كانوا يلجؤون إلى وسائل مستميتة لإثارة اهتمامهن 
بأي شيء يمكن أن تعلمهن إياه الجامعة» عاجزات عن أي طموح وأيّة رؤية 
وأيّ شغف سوى السعي إلى خاتم زواج. وبَدّون في سعيهن ذاك مستقتلات 
تقريبًا منذ السنة الجامعية الأولى. 

وبعيدًا عن الوفاء لذلك الوهم الذي لا طائل منه والمتزايد شيئًا فشيئًا 
-أهمية التعليم العالي للنساء- بقي الأساتذة الطهرانيون هادئين في البداية. 
لكنّ إهمال التعليم العالي ومقاومته من قبل النساء الأمريكيات أخذ في 
النهاية يظهر في الإحصاءات”؟: في مغادرة رؤساء الجامعات والباحثين 


(1) Mabel Newcomer, 4 Century of Higher Education for Women, New York, 
1959, pp. 45 ff. 


زادت نسبة النساء بين طلبة الجامعات فى الولايات المتحدة: من 21 فى المثة عام 
0 إلى 47 في المئة عام 1920؛ وانخفضت إلى 35.2 في المئة عام 1958. 
أغلقت خمس جامعات نسائية» وتحولت 21 أخرى إلى جامعات مختلطة. واثنتان إلى 
كليات للراشدين. عام 1956» كانت 3 من كل 5 نساء في الجامعات المختلطة يدرسن 
مقررات في السكرتارية أو التمريض أو الاقتصاد المنزلي أو التربية. نالت أقل من واحدة 
من كل 10 درجة الدكتوراةء بالمقارنة مع واحدة من كل 6 عام 1920ء و13 في المئة 
عام 1940. لم يحدث» منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى» أن انخفضت نسب النساء 
الأمريكيات اللواتي يتلقين درجات مهنية على النحو الذي انخفضت إليه في هذه الفترة. 
ويمكن أيضًا قياس مدى فشل النساء الأمريكيات على أساس فشلهن في التطور وفق 
إمكانيتهن. استنادًا إلى 0'65م1/0:032» من بين جميع النساء الشابات القادرات على 
القيام بالعمل الجامعي» لا تذهب سوى واحدة من كل أربعة إلى الجامعة» بالمقارنة مع 
واحد من كل رجلین؛ ولا تقوم سوى واحدة من كل 300 امرأة قادرة على الحصول 
على شهادة دكتوراة بذلك فعلاء بالمقارنة مع واحد من كل 30 رجلا. وإذا استمر الوضع 
الحالي؛ فقد تُصتّف النساء الأمريكيات قريبًا بين أكثر النساء «تخلمًا» في العالم. قد تكون 
الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي انخفضت فيها نسبة النساء اللواتي يحصلن 
على تعليم عال في السنوات العشرين الماضية؛ في حين ارتفعت هذه النسبة بثبات في 


gf e ma 


الفصل السابع: مربّون مُوَجُهونَ يالجنس 201 





أو السخرية الباردة بين أولتك الذين بقوا منهم؛ وأخيرّاء في روح الشك 
التي سادت في الكليات والجامعات حول قيمة استثمار الأستاذ وقته في 
أية فتاة أو امرأة» بغض النظر عما تبدو عليه من موهبة وطموح. توقفت 
بعض الجامعات النسائية عن العمل؛ وقال بعض الأساتذة فى الجامعات 
المختلطة أن واحدًا من كل ثلاثة مقاعد دراسية فى الجامعات نحن الا 
يهدر على النساء؛ وتحدّث رئيس جامعة سارة ا وهي جامعة نسائية 
ذات قيم فكرية رفيعة» عن فتح المكان للرجأل؛ وتتبأ رئيس جامعة فاسار 
بنهاية كل الجامعات النسائية الأمريكية العظيمة التي كانت رائدة في التعليم 
العالي للنساء. 


والمربّين الذكور للجامعات النسائية؛ وفي خيبة الأمل أو الإحباط المحيّر 


عندما قرأت أول إشارات حذرة حول ما كان يجري في التقرير الأولى 
للدراسة النفسية-الاجتماعية-الأنثروبولوجية التي أجرتها مؤسسة ميلون 
Foundation)‏ 3/61102) حول فتيات جامعة فاسار في عام 1956» قلت في 
نفسى: «يا للهول! كيف أمكن لفاسار أن تنحط هكذا؟» 


الالتزام القوي بنشاط أو مهنة» غير عمل ربة المنزلء نادرٌ جدًا. طالبات 
كثيرات» ربما الثلث. مهتمات بالدراسات العليا وبالحصول على مهنة 
كالتدريس مثلا. لكنّ قلّة منهن تخطط للاستمرار في حيأة مهنية إذا كانت 
ستتعارض مع الاحتياجات العائلية... لكن. بالمقارنة مع فترات سابقة؛ مثل 
«مرحلة الناشطات النسويات» على سبيل المثال. فإن عددًا قليلا من الطالبات 
: السويد وفرنسا وبريطانيا وكذلك في الدول الناشئة في آسيا والبلدان الشيوعية. مع حلول 
الخمسييات» كانت نسبة النساء الفرنسيات اللواتي يحصلن على التعليم العالي أعلى 
من الأمريكيات؛ وزادت تسبة النساء الفرنسيات فى المهن بأكثر من الضعف فى غضون 
جنيع س وة الاه الق تات ف هة الولف و عا هى ية أضعاك لك 
التي تلا الأمريكيات؛ و20 ف المئة مى الأطباء فى الاتحاد الشوقييي ناء بالتقارثة 
مع 5 في المثة في أمريكا. انظر: ] 
Alva Amyrdal and Viola Klein, Womens Two Roles - Home and Work,‏ 
london, 1956, pp. 33-64.‏ 


202 اللفز الأنثوي 


مهتمات بالسعي وراء مهن تتطلب العمل بجدٌء كالقانون أو الطب» بغض النظر 
عن الضغوط الشخصية أو الاجتماعية. وبالمثلء لا يجد المرء سوى أمثلة قليلة 
على شخصيات من مثل إدنا فنسنت ميلاي ) «(Edna St. Vincent Millay‏ 
شخصيات ملتزمات تمامًا بمواهبهن في وقت المراهقة ومقاومات لكل 
محاولات العبث بها...(. 

وتوسّع تقرير لاحق في ذلك: 
اقتنعت طالبات فاسار. علاوة على ذلك بأن أخطاء المجتمع ستصحّح نفسها 
تدريجيًا بقليل من التدخل؛ أو دون تدحّل مباشر. من جانب طالبات الكليات 
النسائية... لا تتوقع فتيات فاسار. على العموم» تحقيق الشهرة أو القيام 
بإسهام طويل الأثر في المجتمع. أو استكشاف المناطق الحدودية أو بطريقة 
أخرى. هر سكون نظام الأشياء الساكن... لا تتوقف المسألة عند النظر إلى 
العنوسة على أنها مأساة شخصية وحسب. بل تمتدّ لتعتبر النسل ضرورية 
للحياة الكاملة؛ وتؤمن طالبة فاسار أنّها على استعداد لتبنّي أطفال» إذا كان 
ذلك ضروريّاء لتكوين عائلة. باختصار. تحصر هويتها المستقبلية؛ إلى درجة 
كبيرة. بدور الزوجة-الأم المتوقع لها... وفي وصف المزايا التي يجب أن 
يحققها الزوج المثالي؛ فإِنْ غالبية فتيات فاسار واضحات تمامًا في تفضيلهن 
الرجل الذي يتحمل الدور الأكثر أهمية. ألا وهو الاهتمام بمهنته واتخاذ غالبية 
القرارات التي تؤثر في الأمور خارج المنزل... إِنّ الفكرة القائلة إن الأنثى 
يجب أن تحاولء في تفكيرهم. اغتصاب امتيازات الذكرء هي فكرة كريهة من 
شأنها أن تخرّب جديا دورهن المتوقع بوصفهن زوجات مساعدات ومكمّلات 
مخلصات لرجل البيت2). 
رأيت التغيير» تغييرًا حقيقيًا جذّاء عندما عدت إلى جامعتي عام 1959» 

لأعيش لمدة أسبوع مع الطالبات في بيت الطالبات في جامعة سميث» ومن 

ثم انطلقت لأجري مقابلات مع فتيات من كليات وجامعات في عموم 

أرجاء الولايات المتحدة. 

(1) Mervin B. Freedman: “The Passage through College” in Personality 

Development During the College Years« ed. by Nevitt Sanford« Journal of 

Social Issues« Vol. 211» No. 4» 1956١ pp. 15 f. 


(2) John Bushnel, “Student Culture at Vassar,” in The American College, ed. by 
Nevitt Sanford, New York and London, 1962, pp. 509 f. 


الفصل السابع: مربّون مُوَجُهون بالجنس 8 203 


اشتكى أستاذٌ محبوبٌ في علم النفس على وشك التقاعد: «إنهن ذكيات 
بما يكفي. لاب أن يكنّ كذلك ليصلن إلى هنا الآن. لكنهن ببساطة لا يدعن 
أنفسهنّ يهتممن/ يبدو أنهن يشعرن أن ذلك سيقف في طريقهن عندما 
يتزوّجن المدير الشاب» ويربين كل أولئك الأطفال في الضواحي. لم أستطع 
أن أجدول الحلقة الدراسية الأخيرة لطالباتي الممتازات في سنتهن الأخيرة. 
تداخلت حفلات كثيرة من تلك التي تنظم في البيوت للفتيات قبل الزواج. 
ولم تعتبر أية واحدة منهن الحلقة الدراسية مهمة بما يكفي لتؤجل حفلتها». 

قلت في نفسي: «إنه يبالغ». 

التقطثٌ نسخة من جريدة الكليّة التي كنت محرّرتها ذات يوم. وصفت 
الطالبة المحررة الحالية صفا حكوميّاء كانت خمس عشرة فتاة من الفتيات 
العشرين فيه يحكن الصوف «بتركيز السيدة دوفارج”' ذات الوجه المتخجر. 
أعلن المدرّس بتحد» أكثر مما هو بجدية» أن الحضارة الغربية تتجه إلى 
نهايتها. فتحوّلت الطالبات إلى دفاترهن وكتبن «الحضارة الغربية تتجه إلى 
نهايتهاا» كل ذلك دون إسقاط غرزة واحدة». 

لم يحتجن إلى مثل هذا الإغراء؟ تساءلتُ؛ متذكرةً كيف كنا نتحلق 
بعد الصف لنناقش ما قاله الأستاذ؛ النظرية الاقتصادية» الفلسفة السياسية» 
تاريخ الحضارة الغربية» علم الاجتماع 1 العلم والخيال» وحتى تشوسر 
(67عدنة©). سألت طالبة شقراء فى السنة الأخيرة ترتدي اللباس الجامعى: 
اما المقررات التي تهتم بها الطالبات حاليًا؟». ربما الفيزياء النووية؟ الفن 
المعاصر؟ حضارات أفريقيا؟ فردت عليّء وهي تحدّق فيّ كما لو أنني 
ديناصور من عصور ما قبل التاريخ: 


«لم تعد الفتيات يهتممن بأشياء من هذا القبيل. نحن لا نريد مهئًا. يتوقع 





() السيدة دوفارج: إحدى الشخصيات الرئيسية في رواية تشارلز ديكنز قصة مدينتين - 


المعرهم. 


204 اللغز الأنثوي 
أهانا منا أن نذهب إلى الجامعة. فنذهب جميعًا. أنت منبوذة اجتماعيًا في 
البيت إذا لم تفعلي. لكن» من شأن الفتاة التي تأخذ جديا أي شيء تدرسه 
-كأن ترغب في المتابعة والقيام بأبحاث- أن تعتبر غريبة» غير أنثوية. أعتقد 
أن كل واحدة تريد أن تتخرج وفي إصبعها خاتم ألماسي. ذلك هو الأمر 
المهم). 

اكتشفت قاعدة غير مكتوبة تمنع «الكلام المتخصص» حول المقررات» 
الكلام الفكري» في بعض البيوت الجامعية. وفي الحرم الجامعي» بدت 
الفتيات كما لو أنهن في عجلة من أمرهن» مندفعات... مندفعات. لم 
يجلس أحد. باستشناء بضع عضوات في الكلية» للحديث في المقاهي 
الرخيصة أو مخزن الأدوية عند الزاوية. كان من عادتنا أن نجلس ساعات 
نتناقش حول الحقيقة والفن للفن والدين والجنس . والحرب والسلم 
وفرويد وماركس» وكل الأمور الخطأ في العالم. قالت لي طالبة باردة في 
ستتها الجامعية قبل الأخيرة: 

انحن لا نضيع وقتنا على هذا النحو. ليس لدينا جلسات هراء حول 
أشياء مجرّدة. نحن نتحدث» في المقام الأول» عن مواعيدنا مع الشبان. على 
أية حال» آنا أقضي ثلاثة أيام في الأسبوع خارج الحرم الجامعي. هناك شاب 
أهتم لأمره. أريد أن أكون معه». 

واعترفت لي طالبة ذات عينين سوداوين في السنة الأخيرة» كما لو كانت 
تتحدث عن إدمان سريء أنّها تحب أن تتجول بين رفوف الكتب في المكتبة 
و«التقاط الكتب التي تثير اهتمامي». 

«تتعلمين في السنة الأولى أن تشمخي بأنفك رافضة الذهاب إلى 
المكتبة. لكن لاحمًا.. حسئاء يضدمك أنك لن تكونى فى الجامعة فى 
السنة القادمة. وفجأةً تتمنين لو أنك قرأت أكثرء وتحدثت أكثر زات 
المقررات الصعبة التي حذفتها. وهكذا تعرفين ما أنت مهتمة به. لكني أعتقد 


الفصل السابع: مريّون مُوَجُهون بالجنس 205 
أن هذه الأشياء لا تهج عندما تكوني متزوجة. لأنك حينها تهتمين ببيتك 
وتعليم أطفالك السباحة التزحلقء وفي الليل تتحدثين مع زوجك. أعتقد 
أننا سنكون أسعد مما كانت عليه الجامعيات من قبل». 

تصرفت تلك الفتيات كما لو أن الجامعة مرحلة فاصلة يجب تجأوزها 
بفارغ الصبر وبكفاءة وبملل؛ لكن مثل الأعمال» بحيث يمكن أن تبدأ الحياة 
«الحقيقية». وكانت الحياة الحقيقية تبدأ عندما تتزوجين وتعيشين في بيت 
في الضواحي مع زوجك وأبناءك. هل كان طبيعيًا تمامًاء هذا الملل وهذه 
العجلة التي تشبه الأعمال؟ هل كان حقيقيًا هذا الانشغال بالزواج؟ لم تكن 
الفتيات» اللواتي أنكرن بلا تكلّف أي اهتمام جديّ بتعليمهن مع الحديث 
عن «عندما أتزوج»» غالبًا مهتمات جديا برجل معين» كما اكتشفت. لم يكن 
لدى الفتيات» اللواتي كنّ يردن الانتهاء من العمل الجامعي ليقضين ثلاثة 
أيام في الأسبوع خارج الحرم الجامعي» أحيانًا موعد حقيقي يردن المحافظة 
عليه. 


فى زمانی» كانت الفتيات المحبوبات» اللواتى قضين الكثير من عطل 
نهاية الأسبوع في ييل (9/216)» غالبًا جديات حيال عملهن مثلما هو الحال 
مع «انذكيات». حتى إذا كنت عاشقة مؤقتًا أو جدية تمامّاء كنت خلال 
الأسبوع في الجامعة تعيشين حياة العقل» وتجدينها ممتعة ومتطلبة» وأحيانًا 
مثيرة» ودائمًا حقيقية. هل يمكن لهؤلاء الفتيات» اللواتى يجب أن يعملن 
الآن بجدّ أكبر بكثير» وأن يحزن قدرة أكبر بكثير ليدخلن جامعة كهذه في 
ظروف منافسة متنامية» أن يكنّ فعلا ضجرات إلى هذه الدرجة من حياة 
اللعقل؟ 

استشعرت تدريجيًا التوتر» الاحتجاج التكدَ تقريبّاء الجهد المتعمّد -أو 
الجهد المجتنب عمدًا- الكامن خلف واجهاتهن الباردة. لم يكن ضجرهن 
مطابقًا لما يظهر منه. كان دفاعًا.. رفضًا للمشاركة. مثلما تكون المرأة» التى 
تعتقد أن الجنس إثجٌ. غير حاضرة وهي تمارس الجنس كعمل روتيني» 


206 اللفز الأنثوي 


بل تكون في مكان آخرء كذلك هؤلاء الفتيات» هن في مكان آخر. يقمن 
بالعمل بشكل روتيني» لكنهن يدافعن عن أنفسهن ضد أهواء العقل والروح 
المجرّدة التي تغرسها فيهن الجامعة -أهواء الفكر غير الجنسية الخطيرة. 

شرحت لي طالبة جميلة في السنة الثانية: «الفكرة هي أن تكوني عَرَضية 
ودقيقة جدًا. لاي جد تجاه عملك» أو أي شيء آخر. الطالبات 
اللواتي يأخذن الأمور بجدية كبيرة هنّ إلى هذه الدرجة أو تلك» موضع 
شفقة وسخرية. كأن تريدي الغناء» فإذا كنت مصممة جدًا عليه» تجعلين 
الآخرين غير مرتاحين. غريبة). 

وتوسّعت فتاة أخرى: «قد يشعرن بالأسف تجاهك. أعتقد أنك يمكن 
أن تكوني جدية في عملك. وألا ينظر إليك على أنك مثقفة تمامّاء إذا كئت 
تتوقفين هنا وهناك وتفكرين: أليس هذا هستيريًا جدًا. لأنك تقولين ذلك 
على نحو ساخره فلا بأس». 

وقالت فتاة تضع شعار أخويّة ما على كنزتها القرنفلية: «ربما يجب أن 
نأخذ الأمر بمزيد من الجدية. لكن لا تريد أية واحدة أن تتخرج» وتدخل في 
شيء لا يمكنها استخدامه. إذا كان زوجك رجل مؤسسة ماء فلا يمكن أن 
تكوني متعلمة بمستوى فائق. فالزوجة مهمة جدًا لمهنة زوجها. ولا يمكن 
أن تكوني مهتمة جدًا بالفن أو بشيء من ذاك القبيل». 

وأخبرتني فتاة انسحبت من مرتبة الشرف في التاريخ: «لقد أحببت 
الأمر. كنت متحمسة جدًا لعملي إلى حد أنني كنت أحيانًا أذهب إلى 
المكتبة في الثامنة صباحًا ولا أخرج منها حتى العاشرة ليلا. حتى أنني 
فكرت في أنني قد أرغب في الذهاب إلى كلية للدراسات العليا أو كلية 
للحقوق» وأن استخدم عقلي فعا لكني فجاة شفك مما قد عدت 
أردت أن أحيا حياة مليئة غنية. أريد أن أتزوج وأن أنجب الأطفال وأن 
يكون لدي بيت جميل. فجأة أحسست: لماذا أوجع دماغي؟ وهكذاء 


الفصل السابع: مريّون مُوَجُهون بالجنس 207 


أحاول في هذه السنة أن أحيا حياة كاملة. أحضر المقررات» لكنني لا أقرأ 
ثمانية كتب» ومع ذلك أشعر أنني أقرأ التاسع. أتوقف وأذهب إلى السينما. 
كانت الطريق الأخرى أصعب وأكثر إثارة. لا أعرف لماذا توقفت. ربما 
لأنني فقدت الشجاعة وحسب». 


لا تبدو الظاهرة محصورة بكليّة بعينها؛ فالمرء يجدها بين الفتيات في 
أية كليّة» أو قسم في كلية» ما تزال تعرّض الطلاب لحياة العقل. قالت طالبة 
في السنة قبل النهائية من جامعة جنوبية: «منذ أن كنت فتاة صغيرة» كان 
للعلم سحر علي. كنت سأتخصص في علم الجراثيم» وأدخل في مجال 
أبحاث السرطان. لكني تحوّلت الآن إلى الاقتصاد المنزلي. أدركت أنني 
لا أريد الدخول في شيء بذلك العمق. لو أنني تابعت» لكنت واحدة من 
أولئك اللواتي يكرسن كل وقتهن لما يقمن به. استحوذ علي الأمر في أوّل 
سنتين» حتى أنني لم أكن أغادر المخبر. أحببته» لكني كنت أفتقد الكثير من 
الأشياء. كنت» إذا حرجت الفتيات للسباحة بعد الظهرء أبقى لأعمل على 
لطاخاتي وشرائحي. لا توجد فتيات في قسم علم الجراثيم هنا؛ فقط آنا 
مع ستين شابًا في المخبر. لم أعد أستطيع الاستمرار مع الفتيات اللواتي 
لا يفهمن في العلوم. لست مهتمة جدًا بالاقتصاد المنزلي» مثلما كنت بعلم 
الجراثيم» لكنني أدرك أن التغيير والخروج مع الناس كان أفضل لي. أدركت 
أن عليّ ألا آخذ الأمور بكل تلك الجدية. سأعود إلى البيت» وأعمل في 
مجمع تجاري إلى أن أتزوج». 

اللغزء بالنسبة لي» ليس في دفاع تلك الفتيات عن أنفسهن ضد الانخراط 
في حياة العقل» بل في أن المرتين يجب أن يرتبكوا من دفاعهن» أو يلقوا 
باللوم في ذلك على ثقافة الطالب»» كما فعل بعض المربّين. الدرس 
الوحيد, الذي لم يكن بمقدور الفتاة أن تتفادى تعلمه. إلا بصعوبة» إذا ذهبت 
إلى الجامعة بين عامي 1945 و1960 هو ألا تهتم» تهتم جديا بأي شيء 
إلى جانب الزواج وإنجاب الأولادء هذا إذا أرادت أن تكون طبيعية وسعيدة 


208 اللغز الأنثوي 


ومتكّفة وأنثوية. وأن يكون لديها زوج ناجح وأطفال ناجحون» وأن يكون 
لها حياة جنسية طبيعية وأنثوية ومتكيّفة وناجحة. قد تكون تعلمت شيئًا من 
هذا الدرس في البيت» وشيئًا من الفتيات الأخريات في الجامعة» لكنّها 
تعلمته أيضاء وبلا شك. من أولئك الذين عهد لهم تطوير فكرها النقدي 
الإبداعي: أساتذتها الجامعيين. 

لقد جرى تغيير دقيق وغير ملحوظ تقريبًا في الثقافة الأكاديمية للنساء 
الأمريكيات فى السنوات الخمس عشرة الماضية: توجّه مربّيهن الجديد نحو 
الجنس. تلقل ام بعض رؤساء الجامعات وأساتذتها المكلفين بتعليم 
النساءء تحت تأثير اللغز الأنثوي. مهتمين بالقدرة المستقبلية لطالباتهم على 
الوصول إلى الرعشة الجنسية» أكثر من اهتمامهم باستخدامهن المستقبلي 
لذكائهن المدرّب. في الحقيقة» بدأ بعض مربي النساء الرائدين بإشغال 
أنفسهم» عن وعي» بحماية الطالبات من غواية استخدام تفكيرهن النقدي 
الخلاق» مستخدمين الطريقة الحاذقة المتمثلة بتعليمه ألا يكون نقديًا أو 
خلاقا. وهكذاء أضاف التعليم العالي وزنه إلى العملية التي جرى فيها 
تشكيل النساء الأمريكيات خلال هذه الفترة» على نحو متزايد» وفق وظيفتهن 
البيولوجيةء وعلى نحو متناقص» لتلبية قدراتهن الفردية. لم تستطع الفتيات» 
اللواتي ذهبن إلى الجامعةء أن يتجنبنء إلا بصعوبةء تلك النتف من فرويد 
ومارغريت ميد أو أن يتجنبن مقررًا في «الزواج والحياة العائلية» بعقائديته 
الوظيفية حول «كيف تلعبين دور المرأة». 

على كل حال» لم يكن التوجه الجديد نحو الجنس في تعليم النساء 
مقصورًا على مقرر معيّن أو قسم أكاديمي. لقد دخل في جميع العلوم 
الاجتماعية؛ لكنه أكثر من ذلك» أصبح جزءًا من التعليم نفسه» لا لأن أستاذ 
اللغة الإنكليزية أو الموجّه أو رئيس الجامعة قد قرأ فرويد وميد بل لأنْ 
التعليم كان الهدف الرئيسي للغز الجديد؛ تعليم الفتيات الأمريكيات مع 
الفتيان أو مثلهم. إذا كان الفرويديون والوظيفيون على حقء فإن المربّين 





الفصل السابع: مرون مُوَجُّهون بالجنس 209 





مذنبون» وذنبهم هو نزع أنوثة النساء الأمريكيات أو الحكم عليهن بالإحباط 
بوصفهن ربات منازل وأمهات أو بممارسة مهن خاصة بالنساء العازيات 
جع اة وو در ميف كان ا ن ا ف الد فوا 
الجامعات والمنظرين التربويين بذنبهم دون تذمّر» ووقعوا في الحقل الموجه 
بالجنس. كانت هناك بضع صرخات غضب. بالطبع» من المربّين العتيقين» 
الذين مازالوا يؤمنون أن العقل أكثر أهمية من فراش الزوجية» لكنهم كانوا 
في الغالب على وشك التقاعدء وسيحل محلهم عاجلا مدرّسون أصغر سنًا 
وأكثر تشربًا عقائديًا للتوجه بالجنس بكل ما في الكلمة من معنى» أو كانوا 
غارقين في مواضيعهم الخاصة بحيث لم تكن لهم كلمة تذكر في السياسات 
العامة للكلية. 

كان المناخ التعليمي العام ناضجًا للحقل الجديد الموجه بالجنس مع 
تأكيده على التكيّف. وكان هدف التعليم القديم» المتمثل بتطوير التفكير عن 
طريق التبخر القوي في المجالات الفكرية الرئيسية» أصلا محل ازدراء بين 
المربّين الذين يركزون على الطفل. وكان معهد إعداد المدرّسين في كولومبيا 
المرتع الطبيعي للوظيفيّة التعليمية. ومثلما نفذ علم النفس والأنثروبولوجيا 
وعلم الاجتماع إلى كامل الجو المدرسي. فان تعليم الأنوثة أيضًا انتشر من 
ميلز (141115) وستيفنز (5160605) ومدارس الفتيات الخاصة (حيث كانت 
قاعدته تقليدية أكثر منها نظرية) إلى المعاقل الأكثر تفاخرًا في مجموع 
الكليات الراقية”' للنساء. وهي الجامعات التي كانت رائدة في التعليم 
العالي للنساء في أمريكاء وكانت شهيرة بمعاييرها الفكرية المتشددة. 


بدلا من فتح آفاق جديدة وعوالم أوسع أمام النساء الموهوبات» تقدّم 

)7( في الأصل: League‏ ا وهو اصطلاح يُستَخْدّم لوصف المجتمعات الراقية» ولدى 
الإشارة بهذا الاصطلاح إلى الجامعات فإن اا المقصودة هي تلك التي تحتل 
المراتب الأولى في كلفة التعليم وجودته وعلى راسها هارفرد» وبراون» وكورنيل. 
ویبل» وبرنکستن» وينسلفانياء ودارتموث» وكولومبيا - المترجم. 


210 اللغز الأنثوي 


المرتون الموجهون بالجنس ليعلّموهن التكيّف مع عالم المنزل والأطفال. 
وبدلًا من تعليم الحقائق» لمواجهة تحيّزات الماضي الشعبية» أو الطرق 
النقديّة في التفكير التي لا يمكن للتحيّز أن يصمد في مواجهتهاء قدّم 
المرتون الموجهون بالجنس للفتيات خلطة مركبّة من الوصفات والأحكام 
غير النقدية المقيّدة للعقل والمؤذية للمستقبل أكثر بكثير من تلك الأوامر 
والنواهي التقليدية. تم معظمها عن وعي» ولأفضل الأسباب المساعدة» 
من قبل المريّين الذين آمنوا باللغز على النحو الذي قدّمه لهم فيه العلماء 
الاجتماعيون. حتى إذا لم يجد أستاذ ذكر أو رئيس جامعة هذا اللغز مصدر 
راحة إيجابي» توكيدًا لتحيّزاته هو. فليس لديه أي سبب لعدم الإيمان به. 

تماشت النساء القليلات» اللاتي كن رئيسات جامعات أو أستاذات 
جامعيات» مع الوضع أو كانت سلطتهن -بوصفهن مدرّسات ونساء- 
مشككا بها. إذا كنّ عوانسء إذا لم يكن لديهن أطفال» فيحرّم عليهن اللغز 
أن يتحدثن كنساء. (من شأن كتاب المرأة العصرية: الجنس الضائع أن يحرّم 
عليهن حتى التعليم). كانت العالمة اللامعة -التي لم تتزوج» ولكنها ألهمت 
أجبالا غديدة من السا الجاتدات أن ينين وزاء الحقيعة ت موسي بانها 
معلمة للنساء. لم تسم رئيسة للكلية النسائية التي أوصلت تقليدها الفكري 
إلى أعلى مستوى؛ وش تعليم الفتيات لرجل وسيم ورزين أكثر مناسبة 
لتلقين الفتيات عقيدة دورهن الأنثوي المناسب. غالبّاء ما تركت العالمة 
كلية النساء لترأس قسمًا في جامعة كبيرة حيث حمَّلّة شهادة الدكتوراه 
المحتملون هم» بأمان» من الرجال الذين لم تكن رغبتهم بالمنحة الدراسية 
وسعيهم وراء الحقيقة يعتبران عائقًا أمام التحقق الجنسي. 

من حيث اللغز الجديدء كانت العالمة محل شك» ببساطة لأنها امرأة. لم 
تكن تعمل لتعيل منزلها؛ لا ب أنها كانت مذنبة بالتزام غير أنئوي حتى تستمر 
في العمل في مجالها طيلة كل تلك السنوات من العمل الجاد المضني قليل 
الأجر وصولا إلى الدكتوراه. وكانت أحياناء في دفاعها عن شيا على 


الفصل السابع: مريّون مُوَجُهون بالجنس 211 


البلوزات المزخرفة أو نسخة أخرى غير ضارة من الاحتجاج الأنثوي. (لاحظ 
مراقب مر في مؤتمرات المحللين النفسيين» أن المحللات السيدات 
يموّهن أنفسهن بقبعات أنثوية على الموضة جميلة ومزهرة من شأنها أن 
تجعل ربة المنزل العادية من الضواحي تبدو مذكرة بكل تأكيد). دكتورة في 
الطب أو حاملة دكتوراه. تقول هذه القبعات والبلوزات المزخرفة: لا تدعوا 
أحدًا يشكك بأنوئتنا. لكنّ الحقيقة هي أن أنوثتهن كانت موضع شك. تبنت 
إحدى الجامعات النسائية الشهيرة شعارًا دفاعيًا يقول: «نحن لا نعلّم النساء 
ليكنّ عالمات؛ بل نعلّمهن ليكنّ نساء وأمهات». (تعبت الفتيات أنفسهن 
فى النهاية كثيرًا من تكرار هذا الشعار كاملاء فاختصرنه فى ثلاثة حروف 
«ن و »). 

لم يصل الجميع في إعداد المناهج الموجهة بالجنس إلى الحذ الذي 
وصله لين وايت (17/616 00ل1)» وهو رئيس سابق اعبار كوليج» ولكن. 
إذا انطلقت من المقدمة القائلة أن:النساء يجب ألا تعلمن مكل الرجالة بل 
من أجل دورهن كنساء» فيجب أن تنتهي تقريبًا بمنهاجه» الذي وصل إلى 

يبدأ المرّي المُوجّه بالجنس بقبول فكرة مسؤولية التعليم عن إحباط 
النساء الأمريكيات. العام والجنسى. 

على مكتبي رسالة من أم شابة؛ تركت الجامعة منذ بضعة سنين: 

«لقد أدركت أنني عُلّمت لأكون رجلا ناجحًاء ويجب أن أتعلم الآن بنفسي أن 

أكون امرأة ناجحة». لا يمكن التعبير بمزيد من الإيجاز عن اتعداغ الصلة 

الأساسي في كثير مما يمرّر على أنه تعليم نسائي في أمريكا. اقدل ا 

أنماط حياة الرجال والنساء العاديين مسؤول جزئيًا. على الأقل. عن الاستياء 

والقلق العميقين اللذين يؤثران في ملايين النساء... 





)1( في الأصل 4 أي .Women and mothers‏ نساء وأمهات. 


212 اللغز الأنثوي 


سييدو وكأنه يجب على النساءء إذا أردن أن يستعدن احترامهن الذاتيء أن 

يقلبن تكتيكات النسوية القديمة التي أنكرت بسخط الاختلافات المتأصلة في 

ميول الرجال والنساء الفكرية والعاطفية. لا يمكن للنساء أن ينقذن أنفسهن. 

في أعينهن هن. من الاعتقاد أنهنّ أدنى شأنًا إلا بإدراك تلك الاختلافات 

والإصرار عليها!!). 

يساوي المرتي الموج بالجنس بين «إبداعيتنا الثقافية المبالغ في تقديرها 
على نحو واسع» و«قبولنا غير النقدي 'للتقدم' على أنه جيد بذاته» و«مذهب 
الفردانية الأنوية» و«الابتكار» و«البناء المجرد» و«التفكير الكمّى»» والتى 
فيهاء بالطبع» الرمز المرعب هو إا الشيوعية أو القنبلة الذرية» بوصفها أمورًا 
مذكرة. وبالمقابل» هناك مساواة بين «الإحساس بالأشخاص وبما هو مباشر 
وبالعلاقات النوعية غير الماديةء ومقت الإحصاءات والكميات» و«البديهى») 
و«العاطفي» وجميع تلك القوى التي «تهتم» بما هو «خيّر وحقيقي وجميل 
ومفيد ومقدّس». و«تحافظ» عليه» على أنها أمور مؤنثة. 


قد يض التعليم العالي المؤنث علم الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم 
النفس. («هذه دراسات أقل اهتمامًا بعبقرية الرجل القوي المكللة بالغار»» 
كما يمتدحها حامي الأنوثة التعليمي. «وهي مكرسّة لاستكشاف قوى 
المجتمع وقوى العقل الهادئة وغير المرئية... هي تطوّق الانشغال الأنثوي 
بالمحافظة والدلال»). وهي لا تشملء إلا بصعوبة» العلم الصرف (لأن 
النظرية المجردة والتفكير الكمّى ليسا أنثويين) أو الفنون الجميلة المذكرة 
و«المتوهجة والمجردة». لكن الفنوة التطبيقية» أو الأقل شأناء أنثوية: فن 
الخزف والنسيج والعمل الذي يصاغ باليد أكثر مما يصاغ بالدماغ. «تحب 
النساء الجمال بقدر ما يحبه الرجال» لكنهن يردن جمالا مرتبطا بعمليات 
المعيشة... اليد رائعة وتستحق الاحترام مثل الدماغ». 

يستشهد المريّون الموجهون بالجنس باستحسان بقول كاردينال 


(1) Lynn White, Educating our Daughters, New York, 1950, pp. 18-48. 


الفصل السابع: مربون مُوَجُهون بالجنس 213 


الس ا سس اااي اس سس سس سس يس سي سس اس 


تيسيرانت (1155618851 0801081): «يجب تعليم النساء بحيث يكن قادرات 
على النقاش مع أزواجهن». وهو يصب قائلا: دعونا نوقف التعليم المهني 
للنساء بمجمله؛ فجميع النساء يجب أن يتعلمن كيف يصبحن ربات منازل. 
حتى الاقتصاد المنزلي وعلم التدبير المنزلي» كما تُدرّس حاليًا في الجامعة» 
مذكرة لأنها «تقدّم على مستوى التدريب المهني»'. 
ها هنا تعليم أنثوي حقيقة: 
قد يتنبأ المرء بثقة أنه عندما تبدأ النساء بتمني أمنياتهن المميزة المحسوسة 
بتعابير منهجية افتن تددم كل كلية ببتائية كية ومؤسسة مختلطة مقررًا نوويًا ثابنًا 
في العائلة وحسب» بل وستشعٌ منها سلسلة مناهج تتعامل مع الغذاء والتفذية 
والنسيج والألبسة والصحة والتمريض والتخطيط المنزلي والديكور الداخلي 
وتصميم الحدائق وعالم النبات التطبيقي وتطور الطفل... هل سيكون من 
المستحيل أن نقدّم مقررًا ابتدائيًا في الفذاء على درجة من الإثارة والصعوبة 
إلى حدّ يحرّض على العمل بعد الجامعة؛ كما هي الحال. مع مقرر في 
الفلسفة بعد الكانطية5... لنضع جانبًا الكلام عن البروتينات والكربوهيدرات 
وما شابه؛ إلا سهوًاء كما على سبيل المثال حين نشير إلى أن كرنب بروكسل 
الإنكليزي المغلي جدًا ليس فقط أسوأ في الطعم والقوام» بل وفي Ca‏ 
البروتيني أيضًا. لمّ لا ندرس نظرية وتحضير طبق من بايلا الباسك أو شيش 
كباب منقوع جيدًا بالخل أو كلاوي خروف محمّرة بخمر الشيري أو كاري 
موثوق أو استخدام الأعشاب: حتى تلك التطويرات البسيطة من مثل تقديم 
الأرضي شوكي مع الحليب الطازج!2). 


بالكاد يتأثر المربّي الموجّه بالجنس بالحجة القائلة أن المنهاج الجامعي 
يجب ألا يتلوّث أو يضعف بمواخ ضيع كالطبخ أو التدريب اليدوي الذي 
0 تعليمه بنجاح في مستوى المدرسة الثانوية. درّس هذه الأمور للفتيات 
في المدرسة الثانوية» ودرّسها مرة أخرى «بمزيد من التكثيف والخيال» فى 
الجامعة. والفتيان أيضًاء يجب أن يحصلوا على شيء من التعليم «الذي يهتم 


(1) Ibid., .م‎ 76. 
(2) Ibid., pp. 77 ff. 


214 اللغز الأنثوي 


بالعائلة» ولكن ليس في وقتهم الجامعي الثمين؛ فالتدريب اليدوي المبكر 
في المرحلة الثانوية كاف «لتمكينهم في سنوات مستقبلهم من العمل بسعادة 
على طاولة النجارة فى المرآب أو فى الحديقة» محاطين بحلقة معجبة من 
الأطفال...أو في حفلة شواء»"©. 1 
أصبح هذا النوع من التعليم» باسم التكيّف مع الحياة» حقيقة في حرم 
العديد من المدارس الثانوية كما في الجامعات. لم يكن من المتخيّل أن 
يعود بنمو النساء إلى الوراءء لكنّه ساعد على ذلك بالتأكيد. عندما بدأ 
المرتون الأمريكيون» أخيرًاء التحقيق فى هدر مواردنا الوطنية من الذكاء 
الإبداعي» وجدوا أن الذين جمرناهي» والذيق كان يمكن أن يكونوا مثل 
أينشتاين أو شفايتزر أو روزفلت أو إديسون أو فورد أو فيرمي أو فروست» 
هم من النساء. لم يذهب إلى الجامعة من بين الأربعين بالمائة الألمع بين 
حملة الشهادة الثانوية سوى النصف؛ وكان ثلثا النصف الذي توقف من 
الفتيات”. عندما عبر الدكتور جيمس بي كونانت (008880 .8 وعميةة) 
البلاد ليتحرّى ما الخطأ فى المدارس الثانوية الأمريكية» اكتشفف أن الكثير 
من الطلاب يأخذون مقررات سهلة حول كيفية القيام بالأمورء وهذا لا 
يوسّع فعلا عقولهم. ومرة أخرى» كان معظم أولئك الذين كان يجب أن 
يدرسوا الفيزياء والجبر المتقدم والهندسة التحليلية وأربع سنوات من اللغة 
-ولم يفعلوا- من الفتيات. كان لديهن الذكاء والملكة الخاصة التي لم تكن 
مُوجَهة بالجنسء لكن كان لديهن أيضًا الموقف الموجّه بالجنس القائل أن 
تلك الدراسات "غير أنثوية». 
كاتف فتاة ها احباناء ترد آن تالكذ موضوعًا ضعا لکن کان مرشد» 
أو مدرّس ماء ينصحها بأن ذلك مضيعة للوقت -كما هوء على سبيل المثال 
حال الفتاة في مدرسة ثانوية شرقية جيدة التي أرادت أن تصبح مهندسة 
ا 


5 Ibid., p. 79. 
2) See: Dae! Wolfle, Americas Resources of Specialized Talent, New York, 1954. 


الفصل السابع: مريّون مُوَجُهون بالجنس 215 


معمارية. ونصحها مرشدها بقوة بعدم التقدم بطلب قبول في آي شيء له 
علاقة بالعمارة» على أساس أنّ النساء نادرات فى تلك المهنة وأنها لن 
تدخلها على أية حال. لكنّها تقدمت بعناد إلى ا تمنحان درجات 
في العمارة» وكلاهماء لدهشتهاء قبلتاها. فقال لها مرشدها بأنه» على الرغم 
من قبولهاء ليس هناك فعلًا أي مستقبل للنساء في العمارة؛ وأنّ من شأنها أن 
تقضي عمرها في غرفة رسم. ونُصحت بالذهاب إلى معهد متوسط» حيث 
سيكون العمل أسهل بكثير من العمارة» وحيث تتعلم كل ما تحتاج إلى 
معرفته عندما تتزوج""". 

ربما كان تأثير التعليم الموجه بالجنس أكثر مكرًا في مستوى التعليم 
الثانوي» مما هو في التعليم الجامعي» لأنْ فتيات كثيرات ممّن خضعن له 
لم يدخلن الجامعة قط. التقطت خطة الدرس لواحد من تلك المقررات عن 
التكيّف الحياتى التى تُدرّس الآن فى مدرسة إعدادية فى الضاحية التى أعيش 
فيها. تحت توان «الفتاة البارعة» slick Chick‏ 6. يعطي الدر 2 «أوامر 
ونواهي وظيفية للمواعدة» إلى فتيات في الحادية والثانية والثالثة عشرة من 
العمر -نوع من الإدراك المبكر أو القسري لوظيفتهن الجنسية. وعلى الرغم 
من أن كثيرات منهن ليس لديهن بعد ما يملأن به حمالة الصدرء يُطلب منهن 
بمكر عدم ارتداء كنزة دون حمالة» وأن يرتدين شلحات تحت فساتينهن 
حتى لا يرى الصبيان أجسادهن. من غير المفاجئ أن تصبح فتيات متألقات 
كثيرات في السنة الثانية في هذه المدرسة واعيات لوظيفتهن الجنسية» 
ضجرات من جميع المواد في المدرسة» ولیس لديهن أيّ طموح سوى 
الزواج وإنجاب الأطفال. لا يستطيع المرء إلا أن يتساءل (خصوصًا عندما 
جل يعض تلك الفتيات: في السنة الثائية من المدرسة الاو ويتزوجن 
في عمر الخامسة عشرة أو السادسة عشرة) إن لم يكنّ ة قد تعلمن ما يتعلق 


(1) Cited in an address by Judge Mary 8. Donlon in proceedings of “Conference 
on the Present Status and Prospective Trends of Research on the Education of 
Women,” 1957, American Council on Education, Washington, D.C. 





216 
بوظيفتهن الجنسية أبكر من اللازم» في حين تمضي مواهبهن الأخرى دون 
إعاقة الفتيات الموهوبات هذه عن النمو غير الجنسى الطبيعى منتشرة 

في أرجاء البلاد. /15 فقط من بين العشرة بالمائة الأوائل من خريجي 
المدارس الثانوية الذكور في إنديانا في عام 1955 لم يتابعوا تعليمهم» في 
حين /36 من الفتيات لم يتابعن تعليمهن”. وفي السنوات ذاتها التي أصبح 
فيها التعليم العالي ضرورة لكل من يريد وظيفة حقيقية تقريبًا في مجتمعنا 
المنفجر. اتخفضت نسبة النساء بين طلاب الجامعات سنة بعد سنة. فى 
الخمسينيات» تسرّبت النساء من الجامعات أيضًا بمعدل أسرع من الرجال؛ 
إذ لم تتخرج سوى /37 من النساء مقابل /55 من الرجال*. وفي الستينيات 
أصبحت نسبة المتسربين من الرجال من الجامعة مساوية لنسبة النساء©. 
لکن في هذه الحقبة من المنافسة الحادة على المقاعد الجامعية» تكون 
كل فتاة تدخل الجامعة مقابل كل شابين «منتقاة بسوية أعلى»» واحتمال 
تركها الجامعة نتيجة الفشل الدراسي أقل. تتسرب النساءء كما يقول ديفيد 
ريسمان. إما ليتزوّجن, أو لخشيتهن من أن تشكل كثرة التعليم «عقبة أمام 
ار ل متوسط العمر عند الزواج الاولء في السنوات الخمس 
عشرة الأخيرة» إلى أصغر عمر في تاريخ هذا البلدء الأصغر بين بلدان العالم 
الغربي» بلغ تقريبًا المستوى ذاته الذي كان سائدًا في البلدان المسماة الأقل 
تطورًا. فمع وصول العلم والتعليم إلى بلدان آسيا وأفريقيا الجديدة» يرتفع 
عمر النساء عند الزواج الآن. واليوم» بفضل تعليم النساء الوظيفي الموجه 
بالجنس جزتيًاء أصبح معدل الزيادة السكانية السنوية في الولايات المتحدة 


(1) See: “The Bright Girl: A Major Source of Untapped Talent,” Guidance 
Newsletter. Science Research Associates Inc., Chicago, Ill., May, 1959. 

(2) See Dael Wolfle, op. cit. 

)3( John Summerskill, “Dropouts from College,” in The American College, Pp. 
631. 








الفصل السابع: مربّون مُوَجُّهون بالجنس 217 





بين أعلى المعدلات في العالم - تقريبًا ثلاثة أضعاف ذاك السائد في دول 

0 الغربية» وتقريبًا ضعف اليابان» وقريب جدًا من ذاك الذي في أفريقيا 
والهند". 

وقد لعب المربّون الموجهون بالجنس دورًا مزدوجا في هذا 
الاتجاه: بتعليم الفتيات بفعالية القيام بوظيفتهن الجنسية (والتي ربما 
سيقمن بها دون ذلك التعليم» وبطريقة يكون احتمال منع نموهن 
فيهاء في الاتجاهات الأخرى. أقل)؛ وبالتخلي عن مسؤوليتهم نحو 
تعليم النساءء بالمعنى الفكري الصارم. يرجح أن تقوم النساء بدورهن 
البيولوجي» وأن يختبرن الحب الجنسي والأمومة. مع تعليم أو دونه. 
لكن دون تعليم» من غير المرجّح أن تُطوّر النساءء أو الرجالء اهتمامات 
عميقة تتخطى البيولوجيا. 

يجب أن يجعل التعليم وهو يستطيع ذلك- الشخص «واسعًا في 
نظرته ومنفتحًا على التجارب الجديدة ومستقلا ومنظمًا في تفكيره وملتزمًا 
بعمق ببعض النشاط المتج؛ وتستحوذ عليه التقاليد المستندة إلى فهم العالم 
وتكامل شخصيته». العائق الرئيسي أمام ذلك النمو لدى الفتيات هو 
تصورّهن المسبق الصارم حول دور المرأة» الذي يعرّزه المرون الموججهون 
بالجنس» صراحة أو بعدم توجيه قدرتهم ومسؤوليتهم لاختراقه. 


(1) doseph M. Jones. “Does Overpopıulation Mean Poverty?” Center 10! 
International Economic Growth, Washington, 1962. See also: United Nafioiis 
Demographic Yearbook, New York, 1960, pp. 580 ff. 

بحنول عام 1958ء كان عدد أكبر الفتيات في الولايات المتحدة يتزوج بعمر -15 
9 أكثر من أية فئة عمرية أخرى. في جميع الدول المتقدمة الأخرى وفى العديد من 
الدول الناشئة الأقل تطورّاء كانت معظم الفتيات يتزوجن بعمر 20-24 أو بعد الخامسة 
والعشرين. لم يكن نمط الولايات المتحدة في زواج المراهقات يوجد إِلَّا في بلدان مثل 
بار راغواءع ي وفنزويلا وهندوراس وغواتيمالا والمكسيك ومصر والعراق وجزر فيجي . 


(2) Nevitt Sanford, “Higher Education as a Social Problem" in The America! 
College, p. 23. 


0 


218 اللفزالأنثوي 


انكشف ذلك المأزق المُوجّه بالجنس فى الأعماق السحيقة لتلك 
الدراسة المؤلفة من ألف صفحة» الا رة عبد ليل اترا 
التي تشكل دافعًا لدخول الجامعة)ء في بحث شمل 1045 فتى و1925 فتاة. 
تدرك الدراسة أن الحاجة إلى الاستقلالية وإيجاد هوية في المجتمع؛ لا 
عن طريق الدور الجنسي أساسّاء بل عن طريق العمل» هي ما تجعل الفتيان 
ينمون في الجامعة. أمَا تهرّب الفتاة من النمو في الجامعة فتشرحه الحقيقة 
القائلة أن الهوية بالنسبة للفتاة جنسية حصرًا؛ وبالنسبة للفتاة» لا يُنظر إلى 
الجامعة ذاتهاء حتى من قبل هؤلاء العلماء» على أنها المفتاح لهوية أوسعء 
بل على آنها «منفذ متخف للدوافع الجنسية». 


مسألة الهوية. بالنسبة للشاب. هي أساسًا مسألة مهنية-حرفية؛ في حين 
يعتمد تعريف الذات, بالنسبة للفتاة. بشكل مباشر أكثرء على الزواج. وهذا 
التمييز يستتبع عددًا من الاختلافات. تتمركز هوية الفتاة على نحو أكثر 
حصريةٌ على جنسها-دورها -زوجة من سأكون, وأيّ نوع من العائلة سيكون 
لدينا- في حين يتشكل تعريف الفتى لذاته حول نواتین» سيكون زوجًا وأبًا 
(هويته القائمة على الجنس-الدور): لكنّه سيكون. أيضًا وأساسّاء عاملا. يتبع 
ذلك اختلاف ذو صلة وأهمية خاصة في المراهقة: الهوية المهنية هي على 
العموم مسألة خيار شخصي يمكن أن يبدأ باكرّاء ويمكن أن توجّه إليه جميع 
موارد التخطيط المعقول والمدروس بعمق. يستطيع الفتى أن يبدأ التفكير 
والتخطيط لهذا الجانب من هويته مبكرًا... لا تسمح الهوية الجنسية, الحاسمة 
جدًا للتطور الأنثوي. بجهد واع أو منظم من ذلك القبيل. إنها مسألة رومانسية 
غامضة مشحونة بالخيال واللفز والوهم. قد تتعلم الفتاة مهارات وأنشطة 
سطحية معينة عن الدور الأنثوي؛ لكنء سيّتظر لها على أنها غير رصينة وغير 
انثوية. إذا كانت جهودها تجاه الأنوثة واعية بوضوح شديد. الجوهر الحقيقي 
للاستقرار الأنثوي -العيش بحميمية مع رجل محبوب- هو توقع مستقبلي بلا 
تدريب مسبق. وجدنا أنْ لدى الفتيان والفتيات في المراهقة مقاربات مختلفة 
للمستقبل؛ فالفتيان يخططون, ويختبرون بفعالية. من أجل تكوين هويات عمل 
مستقبلية. ويمحصون بوضوح البدائل في مسعى لإيجاد الدور الذي ينسجم. 
بأقصى راحة مع مهاراتهم واهتماماتهم المعينة وخصائصهم المزاجية 


الفصل السابع: مريون مُوَجُهون بالجنس 219 


وحاجاتهم. أما الفتيات. فعلى العكس, مأخوذات أكثر بتخيلاتهن عن الفتيان 
وشعبيتهن والزواج والحب. 

من الواضح أن حلم الجامعة يعمل بوصفه بديلا لانشغال أكثر مباشرةٌ 
. بالزواج: الفتيات اللواتي. لا يخططن للذهاب إلى الجامعة» هن أكثر وضوحًا 
في رغبتهن بالزواج» ولديهن حسٌ أكثر تطورًا بدور جنسهن. هن أكثر إدراكًا 
وأكثر انشفاك بصراحة بالجنسانية.. .. تتبع رؤية ة الخيال على أنه منفذ للدوافع 


الجنسية تصور التحليل النفسي العام القائل أن الدوافع aa‏ من التعبير 
المباشر عن نفسها ستبحث عن نمط مقنّع من الإشباع' 0 
الأوسط أجبن على سؤال «ما الذي تأملين أن تخرجي به من الجامعة؟»؛ من 
بين أمور أخرىء بارجل لي» . كما فشروا الإجابات التي تث تشير إلى رغبة في 
درك البيت» أو «السفر» والإجابات المتعلقة بالمهن الممكنة والتي قدمتها 
نصف الفتيات على أنها رموز على «الفضول تجاه الألغاز الجنسية». 
الجامعة والسفر بديلان عن اهتمام أكثر انفتاحًا بالجنسانية. الفتيات اللواتي 
ينهين دراستهن بالمرحلة الثانوية أقرب إلى القيام بدور جنسي بالغ في زواجات 
مبكرةء ولديهن تصورات أكثر تطورًا عن دوافعهن الجنسية وأدوارهن الجنسية. 
أما الفتيات اللواتي يدخلن الجامعة؛ من الجانب الآخر. فيؤخرن التحقق 
الجنسي المباشر وتعيين الهوية الجنسية؛ لفترة من الزمن على الأقل. وخلال 
الفترة الانتقالية تتحول الطاقة الجنسية. وتشبع عن طريق نظام خيال يركز على 
الجامعة وسحر الحياة الجاهبية: والتسامي إلى تجربة حسية عامة م25 
لماذا يرى المريئون الا وفقط الفتيات» من هذا المنظور الجنسى 
بالكامل؟ فالفتيان أيضًا لديهم دوافع جنسية يمكن أن يتأجل إرضاؤها نتيجة 
الجامعة. لكن. فيما يخص الفتيان» لا يهتم المريّون ب«الخيال» الجنسي» 
بل يهتمون ب«الواقع»» ويُتوقع من الفتيان أن يحققوا الاستقلالية والهوية 
الذاتيتين عن طريق «تسليم أنفسهم لعالم ثقافتنا الجدير أخلاقيًا إلى أقصى 
Elizabeth Douvan and Carol Kaye, “Motivational Factors in College Entrance.”‏ )1( 


in The American College, pp. 202-206. 
(2) Ibid., pp. 208 f. 








220 اللغز الأنثوي 


حد -عالم العمل- والذي يُقدّرون فيه كأشخاص ذوي إنجازات وإمكانيات 
مقدّرة». حتى إذا كانت تصورات الفتيان وأهدافهم المهنية غير واقعية في 
البدأية -وهذه الدراسة أظهرت أنها لم تكن واقعية- فإن المربين الموجهين 
بالجنس يدركون أن دوافع الفتيان وأهدافهم واهتماماتهم وتصوراتهم 
المسيقة الطفؤلية تلك يمك أن تتغير. ويدركوة أيضًا أن آخر فرصة 
حاسمة للتغير هي» للغالبية» في الجامعة. لكن» من الواضح أن الفتيات لا 
يُتوقع منهن أن يتغيرن» ولا يُعطين الفرصة لذلك. حتى في كليات التعليم 
المختاط. لا تحصل إلا قلة من الفتيات على التعليم ذاته الذي يحصل 
عليه الفتيان. وبدلا من تحفيز ما افترض علماء النفس آنه قد يكون رغبة 
اكامنة» بالاستقلالية في الفتيات» فإن المربّين الموجهين بالجنس حَفَّروا 
خيالهن الجنسي في تحقيق كل رغبتهن في الإنجاز والمكانة والهوية على 
نحو غير مباشر عن طريق الرجل. وبدلا من تحدّي تصوّر الفتيات المسبق 
الضبّق الصارم الطفولي عن دور المرأة» فإنهم يغذّونه من خلال تزويدهن 
بخليط من مقررات الفن الحرء التي لا تنفع إلا للمظاهر الخادعة للزوجات» 
أو برامج ضيقة من مثل «الغذائيات المؤسسية!» أقل بكثير من قدراتهن» 
وليست مناسبة إلا لعمل مؤقت بين الجامعة والزواج. 

وكما يعترف المربّون أنفسهم» فإن تدريب الكليات النسائية لا يجهزهن 
غائبًا لدخول عالم الأعمال أو العالم المهني عند مستوى ذي معنى» سواء 
عند التخرج أو بعده؛ إّه غير مجهّز للإمكانات المهنية التي من شأنها أن تبرر 
التخطيط والعمل المطلوب من أجل التدريب المهني العالي. يقول المربّون 
الموجهون بالجنس» وهم موافقون على ذلكء إن الجامعة للنساء هي مكان 
للعثور على رجل. على افتراض أن الحرم الجامعي هو «سوق الزواج 
الأفضل في العالم». كما لاحظ أحد المربّين» فهذا ينطبق على الجنسين. 
في حرم الجامعات اليوم» يتفق الأستاذ والطالب على الأمر التالي: الفتيات 
هن المهاجمات في تصيد الزواج. الفتيان» سواء كانوا متزوجين أم لاء هناك 





الفصل السابع: مريّون مُوَجُهون بالجتس 221 

يكشف البحث أنّ /90 أو أكثر من العدد المتزايد من الزوجات فى 
الحرم الجامعي» اللواتي حمزهن «الخيال والحاجة إلى التكيّف» للزواج» 
ينتحن» بالمعنى الحرفى للكلمة» طريق أزواجهن فی الام الفتاة 
التي تلسحب من المدرسة الثانوية أو الجامعة لتتزوج» وتنجب ف 3 أو 
لتستلم عملا لتشق طريق زوجها هي امرأة معاقة عن ذلك النوع من النمو 
العقلى الطبيعى والفهم اللذين يجب أن يؤمنهما التعليم العالى» تمامًا مثلما 
يعيق عمل الأطفال نموهم الجسدي. كما تُمنع من الاستعداد والتخطيط 
الواقعيين لمهنة أو التزام من شأنه أن يوظف قدراتهاء ويجعلها مهمة 
للمجتمع و لنفسها. 

في الفترة التي كان المربّون الموجهون بالجنس يكرشون أنفسهم 
لتكيّف النساء الجنسى والأنوثة» بيّن الاقتصاديون تغيرًا جديدًا وثوريًا فى 
التشغيل الأمريكى: لقد وجدوا تحت جزر ومدّ الازدهار والركود انخفاضا 
طلقا لولبيًا في فرص تشغيل غير المتعلمين وغير المهرة. لكن» عندما 
رار اقتصاديو الحكومة حول دراسة (قوة العمل النسائية) حرم الجامعات» 
وجدوا أن الفتيات لا يتأثرن بالاحتمال الإحصائى القائل أنهن سيقضين 
خمسًا وعشرين سنة» أو أكثر» من أعمارهن بعد سن البلوغ في أعمال 
خارج المنزل. حتى عندما يكون من المؤكد عمليًا أن معظم النساء لن 
يفضين بعد الآن معظم أعمارهن ربات منازل متفرغات» فقد طلب منهن 
المربون الموجهون بالجنس ألا يخططن لحياة مهنية خوفًا من إعاقة 
Esther Lloyd-Jones,. “Women Today and Their Education,” Teachers ` College‏ )1( 
Record, Vol. 57, No. 1, October, 1955; and No. 7, April, 1956. See also: Opal‏ 


David, The Education of Women-Signs for the Future, American Council o" 
Education, Washington, D.C., 1957. 





222 اللغزالأنثوي 


منذ بضع سنوات» تسرّب التعليم الموجّه بالجنس أخيرًا إلى جامعة 
نسائية شهيرة» كانت فخورة في الماضي بحصتها الكبيرة من الخريجات 
اللواتي تابعن مسيرتهن ليلعبن أدوارًا ريادية في التربية والقانون والطب 
والفتون والعلرع والسكوية رالكيمة الأجتماعة: كانت رة هده الجامعة 
ناشطة نسوية سابقة» وكانت ربما قد بدأت تعاني شيئًا من الشعور بالذنب 
لفكرة جميع أولئك النساء المتعلمات كالرجال. أشار استبيان أرسل إلى 
خريجات من جميع الأعمار إلى أن الغالبية العظمى منهن كنّ راضيات 
عن تعليمهن غير الموجه بالجنس؛ لكنّ أقلية اشتكت من أن تعليمهن قد 
جعلهن مدركات على نحو مفرط لحقوق النساء والمساواة مع الرجال» 
ومهتمات زيادة عن اللازم بالمهن» ويستحوذ عليهن شعور متذقر بأنهن 
يجب أن يفعلن شيئًا ما في المجتمعء وأنهن يجب على الأقل أن يواظين 
على القراءة والدراسة وتطوير قدراتهن واهتماماتهن الخاصة. لمَ لم يتعلمن 
أن يكنّ ربات منازل وأمهات سعيدات؟ 

أدخلت رئيسة الجامعة الشاعرة بالذنب مقررًا وظيفيًا في الزواج والعائلة 
إلزاميًا لجميع الطالبات في السنة الثانية من الكلية -شاعرة بالذنب شخصيًا 
لأنها رئيسة جامعة» بالإضافة إلى أن لديها عددًا كبيرًا من الأطفال وزوجًا 
ناجححا؛ وشاعرة بالذنب أيضًا لأنها كانت ناشطة نسوية متحمسة في أيامهاء 
ولأنها تقدّمت كثيرًا في مهنتها قبل أن تتزوج؛ ومتلقية وابلا من هجمات 
العلماء الاجتماعيين العلاجيين الذين اتهموها بمحاولة قولبة هؤلاء الفتيات 
الشابات في صورتها غير الأنثوية الخيالية المتطلبة ذاتيًا النشيطة المهجورة 
ونانف ا 

بقيت الظروف التي أدّت إلى قرار الجامعة» بعد سنتين من ذلك» بإسقاط 
ذلك المقرّر الوظيفي مغلفة بالسريّة. لن يتحدث أحد ممن لهم ارتباط. 
رسمي بالجامعة عن ذلك. لكنّ أحد المرين من الجوار» وكان هو نفسه 
وظيفيًا عنيدّاء قال بشيء من الاحتقار للتفكير الخاطئ الساذج إنهم صُدمواء. 


الفصل السابع: مربون مُوَجُهون بالجتس | 223 





ولا شكء لأ الفتيات اللواتي أخذن المقرر الوظيفي تزوّجن بسرعة كبيرة. 
(تضمّن سجل صف عام 1959 في تلك الجامعة 75 زوجةء وهو ما يعادل 
تقريبًا ربع الفتيات اللواتي كنّ ما يزلن في ذلك الصف). قال لي بهدوء: 
لم يجب أن يقلقوا هناك لأنْ الفتيات يتزوجن أبكر قليلا؟ لا ضير في الزواج 
المبكر مع الإعداد المناسب. أخمّن أنهم لا يستطيعون أن يتجاوزوا الفكرة 
القديمة القائلة أن النساء يجب أن يتعلمن ليطوّرن عقولهن. هم ينكرون ذلك. 
ولكن لا يستطيع المرء أن يمتنع عن الشك في أنهم مازالوا يؤمنون بالحياة 
المهنية للنساء. للأسف. فكرة ذهاب النساء إلى الجامعة ليحصان على زوج 
ملعونة لدى بعض المربّين. 
في تلك الجامعة موضوع حديثناء يُدرّس «الزواج والعائلة» مرة أخرى 
كمقرّر في علم الاجتماع» منشقًا وفق التحليل النقدي لتلك المؤسسات 
الاجتماعية المتغيرة» لا وفق الفعل الوظيفي أو العلاج الجماعي. لكن» في 
المؤسسة المجاورة يشغل الأستاذ الذي زوّدني بالمعلومات الموقع الثاني 
في إدارة قسم مزدهر يتخصص في «تعليم الحياة العائلية» يحضر حاليًا مائة 
طالب دراسات عليا لتدريس مقررات وظيفية في الزواج في الجامعات 
ودُور المعلمين الحكومية وكليات الراشدين وكليات المجتمعات المحلية 
والمدارس الثانوية على امتداد أمريكا. يشعر المرء أن هؤلاء المربّين 
الموجهين بالجنس يظتّون أنفسهم فعلا محاربين -محاربين ضد قيم الفكر 
القديمة غير العلاجية غير الوظيفية» ضد التعليم القديم المتطلب عديم 
الجنسء الذي حصر نفسه بحياة العقل والسعي وراء الحقيقة» ولم يحاول 
قط أن يساعد الفتيات في ملاحقة الرجال أو الوصول إلى النشوة الجنسية 
أو التكبّف. كما شرح مزوّدي بالمعلومات: 
تلك الفتيات مهتمات بالمواعدة والجنس» وكيف يتفاهمن مع الفتيان. وهل 
من المناسب إقامة علاقات قبل الزواج. ربما تحاول فتاةٌ ما أن تتخذ قرارًا 
بخصوص مجال اختصاصها؛ تفكر في مهنة ماء وتفكر أيضًا بالزواج. وهكذاء 
تنظمين موقفا يقوم على تمثيل الأدوار لمساعدتها على فهم الأمر -وهكذا 


224 اللفز الأنئوي 


ترى الأثر في الأولاد. ترى أنه لا يتوجب عليها أن تشعر بالذنب حيال أن تكون 

ربة منزل فقط. 

هناك غالبا جو من الدفاعية عندما يُطلب من مرت موجه بالجنس أن 
يعرّف «الطريقة الوظيفية» لشخص غير عالم بها. قال أحدهم لمراسلة 


صحفية: 


من الجيد جدً! أن تتحدتي عن الأمر كله بكلمات كبيرة -تعميمات فكرية. 
مفاهيم مجردة: الأمم المتحدة- ولكن. علينا فى مكان ما أن نبدآ بمواجهة 
تلك المشاكل المتعلقة بالعلاقات بين الأشخاص على نطاق أكثر تواضمًا. يجب 
أن نتوقف عن الطريقة المتمركزة على المدرّس وأن نعتمد الطريقة المتمركزة 
على الطالب. لا يتعلق الأمر بما تعتقدين أنهم يحتاجون إليه. بل بما يعتقدون 
انهم يحتاجون إليه. تلك هي الطريقة الوظيفية. تدخلين الصف وهدفك لم 
يعد تغطية محتوى معين» بل خلق جو يجعل طلابك يشعرون بالراحة. ويتحدثون 
بحرية حول العلاقات بين الأشخاص بمصطاحات أساسية لا بتعميمات فيها 
الكثير من الإدعاء. 
تميل الفتيات في سن المراهقة إلى أن يكن مثاليات جدًا. يعتقدن أنهن 
يستطعن أن يكتسبن مجموعة مختلفة من القيم وأن يتزوجن فتى من خلفية 
مختلفة وأنّ ذلك لا يهم فيما بعد. لكننا نجعلهن دن ينتبهن إلى أن ذلك يهم؛ 
حتى لا يمضين بخفة إلى زواجات مختلطة!!! و من الراك , 


الت المراسلة لماذا تدس مواضيع «اختيار القرين» و«التكيف مع 
الزواج» و«التعليم من أجل الحياة العائلية» أصلا في الجامعات» إذا كان 
المدرّس ملتزمًا بعدم التدريس» إذا لم يكن يجب تعلّم مادة ما أو تغطيتهاء 
وإذا كان الهدف الوحيد هو مساعدة الطالب على فهم المشاكل والعواطف 
الشخصية. بعد معاينة عدد من مقررات الزواج لصالح مجلة مادموزيل 


ا المختلط هو الزواج الذي يكون فيه الزوجان من عرقين مختلفين» أو دينين 
- المترجم. 
Mary Ann Guitar, “College Marriage Courses-Fun or Fraud?” Mademoiselle,‏ )2( 
February, 1961.‏ 





الفصل السابع: مرون مُوَجُهونَ بالجنس 225 








(ه1ا81206015) توصلتٌ إلى خلاصة تقول: «فقط في أمريكا قد تسمع 
خلسة طالبًا لم يتخرّج بعد يقول لآخر ببراءة تامة: كان يجب أن تكون في 
الصف اليوم. تحدثنا عن لعب أدوار مذكرة» وقد فتح زوج من الطلاب 
قلبيهماء وتحدّثا في أمور شخصية». 

الفكرة من لعب الأدوار» وهي تقنية مأخوذة من العلاج الجماعي» هي 
جعل الطلاب يفهمون المشاكل «على مستوى المشاعر؟. تثار الانفعالات 
التي تتسم بأنها أكثر عنفًا من تلك التي تثيرها القاعة الدراسية العادية في 
كلية» بلا شك. عندما يدعو الأستاذ الطلاب إلى تمثيل مشاعر «شاب وفتاة 
ليلة زفافهما». 

هناك جو علاجي زائف عندما يستمع الأستاذء بصبرء إلى أحاديث لا 
تنتهي لطلاب خجولين حول المشاعر الذاتية («يعټرون عنها بالكلمات») 
على أمل إثارة ابصيرة المجموعة». ولكن» على الرغم من أن المقرر 
الوظيفي ليس علاجًا جماعيّاء فهو بالتأكيد إضفاء طابع عقائدي على الآراء 
والقيم عن طريق التلاعب بانفعالات الطلاب؛ وتحت هذا القناع التلاعبي» 
لا يعود خاضعًا للتفكير النقدي المطلوب في الميادين الأكاديمية الأخرى. 

يأخذ الطلاب الْنتف الموضوعة في كتبهم المدرسيةء التي تشرح فرويد 
او نتن من مارجريت مید على أنها كلام مقدس؛ ليس لديهم الإطار أو 
المرجع الذي يأتي من الدراسة الفعلية لعلم الاجتماع أو الأنثروبولوجيا. 
في الحقيقة. تعطي مقرراتٌ الزواج تلك الزائفة علميّاء من خلال المنع 
الواضح للمواقف النقدية العادية في الدراسة الجامعيةء قوة القانون العلمي 
لأمور ليست غالبًا أكثر.من رأي شعبي. قد يكون الرأي راجا حاليّاء أو 
قديئا أصلاء في أوساط الطب النفسي» لكنّه غالبًا ما يكون مجرّد تحيز 
مدسّم برطانة سيكولوجية أو سوسيولوجية وإحصاءات منتقاة بعناية لجعله 
يبذو بمظهر الحقيقة العلمية غير القابلة للجدل. 





226 اللفز الأنثوي 


يقود النقاش حول العلاقة الجنسية قبل الزواج عادة إلى نتيجة علمية 
تقول إنها خطأ. يبني أستادٌ ما حجته ضد العلاقة الجنسية قبل الزواج على 
إحصاءات انتقائية لتبيّن أن التجربة الجنسية قبل الزواج تميل إلى جعل 
التكيّف مع الزواج أصعب. ولن يطلع الطالب على الإحصاءات الأخرى 
التي تدحض هذا الرأي؛ إذا كان الأستاذ يعرف بهاء فيستطيع في مقرر الزواج 
الوظيفي أن يشعر بحرية إهمالها لأنها غير وظيفية. («مجتمعنا مجتمع 
مريض. يحتاج طلابنا إلى نوع محدّد دقيق من المعرفة)). وهي «معرفة» 
وظيفية بحيث «لا يمكن إلا للنساء الاستثنائيات أن يلتزمن بمهنة». وبالطبع» 
بما أنه لم تكن لدى معظم النساء في الماضي مهن فان القلّة التي كانت 
لديهن مهنة كنّ جميعًا «استشنائيات» -مثلما الزواج المختلط «استثنائى» 
والعلاقة الجنسية قبل الزواج للفتاة استثنائية. كلها ظواهر بأقل من /51. 
ويبدو أن الفكرة كلها من التعليم الوظيفي هي: ما يفعله 517 من السكان 
اليوم» يجب أن يفعله /100 غدًا. 

وهكذاء فالمربي الموجه بالجنس يعرز تكيّف الفتاة عن طريق ثنيها 
بالإقناع عن أي التزام سوى الالتزام «الطبيعي» بالزواج والعائلة. تتخطى : 
مربية من ذلك النوع لعب الأدوار الخيالي» وتحضر إلى الصف أمهات 
عاملات سابقات ليتحدّئن عن ذنب ترك أطفالهن في الصباح. وبطريقة, 
ماء قلما تسمع الطالبات بامرأة كسرت التقاليد بنجاح -الطبيبة الشابة التي 
تدئرت أحتها أمر مزاولتها للمهنة عند ولادة أطفالهاء الأم التي رتبت ساعات 
نوم أطفالها وفق جدول عملها دون مشاكلء الفتاة البروتستانتية السعيدة التي. 
تزوجت من كاثوليكي» الزوجة المستقرة جنسيًا التي لا يبدو أن تجربتها قبل 
الزواج قد أضرّت بزواجها. ليس للحالات «الاستثنائية» أي شأن عملي لدى 
الوظيفي» على الرغم من أنه يعترف بدقة أن هناك استثناءات. (تحمل كلمة 
«الطفل الاستثنائى» فى اللغة التربوية التخصصية معنى الإعاقة: الأعمي: 
المُقعد» المعاق» العبقري» خارق التقاليد -أي شخص مختلف عن العموم؛ 


الفصل السابع: مريّون مُوَجُهونَ بالجنس 227 





بأية طريقة فريدة- تحمل عارًا شائعًا؛ إنه «استشنائى»). وبطريقة ماء تصل 
الطالبة إلى فكرة مفادها أنها لا تريد أن تكون «المرأة الاستثنائية». 

يُدحَل التوافق مكوّنًا عضويًا في تعليم التكيّف مع الحياة بطرق عديدة. 
لا يوجد سوى القليل من التحدّي أو النظام الفكري في مجرّد تعلّم التكيّف. 
مقرّر الزواج هو الأسهل في كل جامعة تقريبًاء بغض النظر عن مدى اهتمام 
الأساتذة في محاولتهم جعله صعبًا عن طريق فرض قراءات كثيفة وتقارير 
أسبوعية. لا يتوقع أحد أن تؤدي القصص التاريخية (التي ليست عندما تقرأ 
بلا انتفاع جدي» أكثر من مجرّد مسلسل درامي نهاري إذاعي أو تلفزيوني في 
الطب النفسي) أو لعب الأدوار أو الحديث حول الجنس في الصف أو كتابة 
أوراق شخصية إلى التفكير النقدي؛ ليست هذه هي الفكرة من الاستعداد 
للزواج. ش 

ليس هذا لنقول إن دراسة علم اجتماعي ماء بذاتهاء تنتج التوافق لدى 
النساء والرجال. فلا نصل إلى هذه النتيجة إلا بصعوبة وذلك عند دراستها 
نقديّا وبدافع من الأهداف المعتادة للمواضيع الفكرية» أو عند إتقانها 
بهدف الاستخدام المهني. أما بالنسبة للفتيات اللواتي يحرّم عليهن اللغز 
الجديد الالتزام المهني والفكري على السواء فإن دراسة علم الاجتماع 
والأنثروبولوجيا وعلم النفس هي غالبًا مجرد دراسة «وظيفية». وفي المقرر 
الوظيفى نفسه» لا تأخذ الفتيات تلك. الدّتّف من فرويد وميد والإحصاءات 
الجنسية والأفكار العميقة للعب الأدوار حرقيًا وخارج سياقها فحسب» بل 
وشخصيًا أيضًا -ليتصرّفن وفقها في حياتهن الخاصة. وهذاء في النهاية» هو 
الجوهر الأساسي لفكرة تعليم التكيّف مع الحياة. TEE‏ 
تقريبًا في أي مقرر يشمل مادة انفعالية أساسية. وستحدث بالتأكيد عندما 
اندم المادة قميتاء لا لاه معرفة تقديةه بل لإتارة الاتتعالات الششخصية: 
يتطلب العلاج في تقليد التحليل النفسي التقليدي كبت التفكير النقدي 
(مقاومة فكرية) حتى تخرج الانفعالات الحقيقية وتّدرّس. في العلاج» قد 


228 اللفزالأنثوي 
ينفع ذلك. ولكن» هل ينفع التعليم مختلطا بالعلاج؟ لا يمكن لمقرر واحد 
إلا بصعوبة أن يكون حاسمًا في حياة أي رجل أو امرأة» لكن عندما يتقرر أن 
هدف تعليم المرأة ذاته يجب ألا يكون النمو الفكري, بل التكيّف الجنسي» 
فإن مسائل معينة قد تكون حاسمة جدًا. 

قد يسأل المرء: إذا كان التعليم الموجه نحو نمو العقل الإنساني يضعف 
الآنوثة» فهل يضعف التعليم موجه نحو الأنوثة نموّ العقل؟ ما الأنوثةء إذا 
كان بالإمكان تدميرها بتعليم يجعل العقل ينموء أو تستثار بعدم السماح 
للعقل بالنمو؟ 

حن أن المرء قل سال سنؤالاابمضط تحاف فرويدية: ها الذئ يلاتك 
عندما يصبح الجنس» لا هوية للنساء وحسب» بل والأنا والأنا العليا 
أيضًا؛ وعندما يتركز التعليمء بدلا من تطوير الذات» على تطوير الوظائف 
الجنسية؟ ما الذي يحدث عندما يعطي التعليم سلطة جديدة لمجموعة 
ال«يجب» الأنثوية -التي لها أصلا سلطة التقليد والعرف والتحيّر والرأي 
الشعبي- بدلا من إعطاء النساء سلطة التفكير النقدي والاستقلالية 
للتشكيك في السلطة العمياءء قديمة أو جديدة؟ في كليّة بيمبروك 
(©605101)» وهي كلية نسائية في جامعة براون في مدينة بروفيدنس 
(Providence)‏ في رود آيلاند «(Rhode Island)‏ ا محللة نفسية زائرة 
لإدارة جلسة طنّانة حول «معنى أن تكوني امرأة». بدت الطالبات مرتبكات 
عندما قالت المحللة الضيفةء د. مارجريت لورانسء بلغة إنكليزية غير 
فرويدية بسيطة إن من الحماقة بمكان أن نقول للنساء اليوم أن مكانهن 
الرئيسي هو البيت» في حين يجري معظم العمل الذي اعتادت النساء 
على القيام به في الماضي الآن خارج البيت» و يقضي كل الآخرين في 
لي ده الى عن لاقمل لون الاين جنير 

ينضممن إلى بقية العائلة» هناك خارجاء في العالم؟ 


الفصل السابع: مربّون مُوَجُهون بالجنس 229 
سيدة» لأنه أقلق» على عكس الدرس الموجه بالجنس الوظيفي العاديء 
الايجب» الأنثوية التقليدية. وتضمّن أيضًا أنهن يجب أن يبدأن اتخاذ 
الدرس الوظيفي يمنح الراحة لطالبة السنة الثانية غير الواثقة التي لم تقم 
بالانفصال تمامًا بعد عن طفولتها. فهو لا يتحدى الأعراف الآمنة المريحة؛ 
ويقدّم لها كلمات معقدة لتقبل وجهة نظر أهلهاء أو وجهة النظر الشعبية» 
دون أن تكون مضطرة إلى اكتشاف وجهات نظر خاصة بها. كما إنه يؤكد لها 
مرة أخرى أنها غير مضطرة للعمل في الكلية؛ أنها تستطيع أن تكون كسولة» 
وتتبع نزواتهاء وأنها غير مضطرة إلى تأجيل متعتها الحالية من أجل أهداف 
مستقبلية؛ وليست مضطرة لقراءة ثمانية كتب من أجل حلقة بحث في 
التاريخ» أو لأخذ مقرر الفيزياء الصعب. قد يسبب لها ذلك عقدة الذكورة. 
ففي النهاية» يقول الكتاب: 
يُدفع ثمن عقلانية المرأة إلى درجة كبيرة على شكل فقدان مزايا أنثوية 
ثمينئة... تشير جميع المشاهدات إلى الحقيقة القائلة أن المرأة المثقفة 
مسترجلة؛ فقد خضعت المعرفة الحدسية الدافكة فة فيها للتفكير البارد غير 
المنتى. 
ليس على الفتاة أن تكون كسولة جدًاء غير واثقة جدًا حتى تلتقط 
الإشارة. التفكير» فى نهاية المطاف» عمل صعب. وفى الحقيقة» سيكون 
عليها أن تقوم بتفكير صعب بارد جدًا حول معرفتها الحدسية الدافئة لتتحدّى 
ليس من العجب أن أجيالًا عدة من فتيات الجامعة الأمريكيات ذوات 
العقل المرهف والروح المتقدة قد أخذن رسالة المرين الموجهين بالجنس» 
وهربن من الجامعة ومن الحياة المهنية» ليتزوجن» وينجبن الأطفال قبل 


سے 





(1) Helene Deutsch, op. cit., Vol. يآ‎ pp. 224 ff. 





230 اللفز الأنثوي 


أن يصبحن «مثقفات» أكثر من اللازم بحيث لا يتمكن معه من الاستمتاع 
بالجنس» لا سمح الله «بطريقة أنثوية». 

تتعلم الفتاة» التي تكبر ولديها ذكاء وروح في أمريكاء في وقت مبكر بما 
يكفي» حتى دون مساعدة المرئين الموجهين بالجنس» أن تراقب خطوتها 
«لتكون مثل الأخريات جميعًا؛ لا لتكون ذاتها. تتعلم ألا تعمل بجد ألا 
تفكر كثيرًاء وألا تسأل الكثير من الأسئلة. تمتنع الفتيات عن الحديث علا 
فى الصف فى المدارس الثانوية وفى الكليات المختلطة خوفا من تصنيفهن 
ات وذ أثبتت دراسات عديدة هذه الظاهرة”)؛ ويمكن لأية فتاة أو 
امرأة ذكية أن تثبتها من تجربتها الشخصية. لفتيات براين ماور طريقة خاصة 
في الحديث عندما يوجد فتيان حولهنء مقارنة مع الحديث الفعلي الذي 
يمكن أن يسمحن لأنفسهن به عندما لا يكنّ خائفات من إظهار ذكائهن. 
وفي الكليات المختلطة؛ ينظر الآخرون إلى الفتيات -وهن يرين أنفسهن- 
ااعا ت و الجنسية كصديقات للمواعدة وزوجات مستقبل. 
يقلن «إني أبحث عن أماني فیه٤»‏ بدلا من إيجاد أنفسهن» وكل فعل من أفعال 
خيانة الذات يبعدهن أكثر عن الهوية» ويقرّبهن من احتقار الذات السلبي. 

هناك استثناءات» بالطبع. وجدت دراسة ميلون (8461108) أن بعض 
طلاب السنة الأخيرة في فاسار قد أظهرواء بالمقارنة مع طلاب السنة الأولى» 
نموًا كبيرًا في أربع سنوات -ذلك النوع من النمو نحو الهوية وتحقيق الذات 
الذي يعرف العلماء الآن أنه يحدث لدى الأشخاص في العشرينيات وحتى 
في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات من أعمارهم» بعد زمن طويل 
من توقف نموهم الجسدي. لكن» لم تظهر الكثير من الفتيات أية علامة على 
Mirra Komarovsky, ap. cit., p. 70. SS‏ )1( 
تشير الدراسات البحثية إلى أن .407 من الفتيات الجامعيات «يلعبن لعبة الصمت» مع 
الرجال. بما أن أولئك اللواتي لا يفعلن ذلك يشملن اللواتي لا يثقلن كاهلهن زيادة عن 
اللزوم بالذكاءء فإن الغالبية العظمى من الفتيات الأمريكيات اللواتي يتمتعن بذكاء عال 
يتعلمن بالتأكيد أن يخفين ذكاءهن. 


الفصل السابع: مربّون مُوَجُهون بالجنس 231 


النمو. كانت تلك الفتيات هنّ اللواتي قاومن بنجاح الانخراط في الأفكار 
أو في عمل الكلية الأكاديمي أو في المواضيع الفكرية والقيم الأكبر. قاومن 
التطور الفكري والتطوير الذاتي لصالح أن يكنّ «أنثويات»؛ غير ذكيات 
جدًاء غير مهتمات جدّاء غير مختلفات جدًا عن غيرهن من الفتيات. لم 
تكن المسألة أن اهتماماتهن الجنسية الفعلية تدخلت؛ فى الحقيقة» تولد 
لدى علماء النفس الانطباع أن الأمر مع العذيد من أولئك الفتيات هو أنَّ 
«الاهتمام بالرجال والزواج هو نوع من الدفاع ضد التطور الفكري». فبالنسبة 
لتلك الفتيات حتى الجنس ليس حقيقيًاء بل هو مجرد نوع من التوافق. ولن 
يجد المربّون الموجهون بالجنس أي خطأ في هذا النوع من التكيف. ولكن» 
على ضوء أدلة أخرى» قد يسأل المرء: هل يمكن أن يخفى ذلك التكّف 
فشلًا في النمو يصبح في النهاية تشوّمًا إنسائيًا؟ ١‏ 

منذ عدة سنوات» لاحظ فريق من علماء النفس من كاليفورنياء كانوا 
يتابعون تطور 0 طفلا ذكياء هبوطًا حادًا مفاجدًا في المنحنيات البيانية 
لمعدل الذكاء في بعض سجلات المراهقين. عند تى هذه المسالة وجدوا 
أنه في حين بقيت منحنيات معظم الأطفال في المستوى العالي نفسه» سنة بعد 
سنةء فإن تلك المنحنيات التي هبطت كانت كلها لفتيات. لم يكن للهبوط 
علاقة بالتغيرات النفسية في سن المراهقة؛ فهو لم يوجد لدى جميع الفتيات. 
ولكن» وجدت في سجلات الفتيات» اللواتي هبط معدل ذكائهن. تصريحات 
متكررة مفادها أن «ليس من الذكاء حقًا بالنسبة للفتاة أن تكون ذكية!. وبمعنى 
واقعي جدّاء كانت تلك الفتيات محتجزات في نموهن العقلي من قبل التوافق 

مع الصورة الأنثوية عند عمر الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة". 

الحقيقة هي أن الفتيات اليوم» وأولئك المسؤولين عن تعليمهن 
يواجهون فعلا خيارًا. يجب أن يختاروا بين التكيف والتوافق وتجنب التزاع 





(1) Jean Macfarlane and Lester Sontag, Research reported to the Commission on 
the Education of Women, Washington, D.C., 1954, (mimeo ms.). 


232 اللغزالأنثوي 
والعلاج» من جهة؛ والفردية والهوية الإنسانية والتعليم بمعناه الحقيقي» مع 
کل آلام النمو التي ترافقه» من جهة أخرى. لكن» ليس عليهم أن يواجهوا 
الخيار الخطأ الذي رسمه المريّون الموجهون بالجنس» بتحذيراتهم الكئيبة 
من فقدان الأنوثة والإحباط الجنسي. لأن عالم النفس عميق الإدراك الذي 
درس فتيات فاسار كشف دليلا جديدًا مفاجنًا حول الطالبات اللواتي 
اخترن أن ينخرطن 'فعلا فى تعليمهن. يبدو أن طالبات السنة الأخيرة» 
اللواتي أبدين أكبر إشارات على النموء كن أكثر «(ذكورةًا. بمعنى أنهن أقل 
سلبية وتقليدية؛ ولكنهن كن أكثر «أنثوية» فى حياتهن الانفعالية الداخليةء 
وقدرتهن على إشباعها. وكذلك فقد سجلن درجات عالية» أعلى بكثير من 
طالبات السنة الأولى» على مقاييس يفترض عمومًا أن تقيس العُصابات. 
وقد علق عالم النفس على ذلك بالقول: «توصّلنا إلى النظر إلى الارتفاعات 
على تلك المقاييس على أنها دليل على أن التعليم يأخذ مجراه». وجد 
أن الفتيات اللواتي لديهن نزاعات أظهرن نموًا أعلى من أولئك المتكيّفات 
اللواتى لا رغبة لديهن فى أن يصبحن مستقلات. كانت الفتيات الأقل تكيّفا 
هن أيضًا الأكثر تطورًا -«مستعدات أصلا حتى لمزيد من التغيرات ومزيد 
من الاستقلالية). ولم يتمكن مدير دراسة فاسار» فى إجماله لها من تجنْب 
المفارقة النفسية: تعليم النساء يجعل منهن بالفعل أقل أنوثة وأقل تكيّفاء 
أن تكوني أقل «أنوثة» يرتبط عن كثب بأن تكوني أكثر تعليمًا وأكثر نضوجًا... 
لكن من الممتع أن نلاحظ أن الحساسية الأنثوية. التي قد يكون لها مصادر 
في الفزيولوجيا والتعيينات الميكرة, لا تتخفض في السنوات الأريع؛ يمكن فهم 
الاهتمامات «الأنثوية» وسلوك الدور الأنثويء أي التقليدية والسلبية: على أنهما 
مكتسبات لاحقة وأكثر سطحيةء وبالتالي؛ أكثر عرضة للانخفاض حين يصبح 
الفرد أكثر نضجًا وتعليمًا... 


(1) Harold Webster, “Some Quantitative Results,” in Personality Development 
During the College Years, ed. by Nevitt Sanford, Journal of Social Issues, 
1956, Vol. 12, No.4, p. 36. 





النجل السابع: مربون مو جُهون بالجنس 23 





قد يقول المرءء إذا كنا مهتمين بالاستقرار وحده. فستفعل حسنًا بأن تعد 
برنامجًا يبقي طالبات السنة الأولى كما هن. بدلا من محاولة زيادة تعليمهن 
ونضجهن ومرونتهن فيما يخص السلوك القائم على الدوز الجنسي. طالبات 
السنة الأخيرة أقل استقرارًا لأن هناك المزيد مما يحتاج إلى استقرار: وأقل 
تأكدًا من هويتهن لأن مزيدًا من الاحتمالات مفتوحة أمامهن!!). 


لكنّ تلك النساء لم يكنّء عند التخرّج. إلا في «منتصف الطريق» في 
نموهن نحو الاستقلالية. توقف مصيرهنّ على ما إذا كن الآن يدخلن 
وضعًا يستطعن فيه متابعة النموء أو إذا كنّ يجدن بعض الوسائل السريعة: 
ولكن التراجعية للتخلص من الضغط». الطيران إلى الزواج هو الطريقة 
الأسهل والأسرع للتخلص من ذلك الضغط. بالنسبة للمربي الميّال إلى نمو 
السا نحو الاستقلاليةء ذلك الزواج «(رجعى). أما بالنسبة للمربى الموجه 
بالجنس» فهو تحقيق للأنوثة. 


أخبرني معالج في كلية أخرى عن فتيات لم يلتزمن بعمل ولا بأي نشاط 
آخر من نشاطات الكلية» وشعرن بأنهن سينهرن عاطفيًا لأنْ أهلهن رفضوا 
السماح لهن بترك الكلية ليتزوّجن الفتيان الذين وجدن فيهم «الأمان». عندما 
تقدمت أولئك الفتيات أخيرّاء مع بعض المساعدة» بطلب العمل -أو حتى 
بدأن يشعرن بمعنى الذات عبر المشاركة فى نشاط من مثل إدارة الطلاب 
أ اير ية الملرزسية- فقدة اخون الملسة آل لمان أنهي الدراسة 
الجامعيةء وعملن: وخرجن مع شباب أكثر نضجًاء وهن الآن يتزوجن على 
ااي عاطفي مختاف تمامًا. 


شعر هذا المعالج المحترف» على عكس السربي الموجّه بالجنس» أن 
تلاك اإلفتاة التي تعاني إلى درجه ة الانهيار تقر ييا ذ فى السنة الأخيرة» والتى 
موجه قرارًا م شخ eas‏ ا 7 متضادًا بين ال 


(1) Nevitt Sanford, ‘Personality Development During the College Years”, onal 
إن‎ Social Issues, 1956. Vol. 12, No. 4. 





24 اللفزالأنثوي 


والاهتمامات والقدرات التى أعطاها تعليمها لهاء والدور التقليدي لربة 

المنزل- «أصخ» من الفتاة المستقرة الهادئة المتكيفة, التي لم «يؤثر» بها 

التعليم قط» والتي تنتقل بسلاسة من دورها بوصفها طفلة أهلها إلى زوجة 

زوجهاء الأنثوي تقليديّاء دون أن تصحو قط على الهوية الفردية الموجعة. 
ومع ذلك فالحقيقة هي أن معظم الفتيات اليوم لا يدعن تعليمهن 

يؤر فيهن؛ يتوقفن قبل أن يقتربن من الهوية إلى تلك الدرجة. استطعت 

أن أرى ذلك فى الفتيات فى سميث» والفتيات اللواتى قابلتهن من الجامعات 
الأخرى. وكان ذلك راشا ايح ناسان اقوت دراسة فاسار أنه عندما 
تبدأ الفتيات الشعور بالنزاعات وبآلام الهوية المتنامية» فإنهن يتوقفن عن 
النمو. يوقفن بوعي» بدرجة أو بأخرى» نموّهن ليلعبن الدور الأنثوي. أوء 
حتى نعبّر عن الأمر بكلمات أخرى. يتفادين التجارب الإضافية المساعدة 
على النمو. حتى بدأت الآن هذه الإعاقة عن النمو الطبيعي» أو تفادي النموء 
تشر کا اشر تا ما ولكن عتما تابعت در اة فاسار الاه بغي اللينة 
الأخيرة في الجامعة» حيث كنّ على شفا هذه الخطوة الحاسمة الموجعة في 
النمو الشخصي: الخروج إلى الحياة» وحيث كنّ بمعظمهن يلعبن الدور 

الأنثوي التقليدي» ظهرت هذه الحقائق: 

1- جاءت تلك النساء» بعد عشرين أو خمس وعشرين سنة خارج 
الكلية» في مستوى أدنى من مستوى طالبات السنة الأخيرة على 
«مقياس التطور». الذي شمل كامل سلسلة النمو العقلي والانفعالي 
والشخصي. هنّ لم يفقدن كل النمو الذي انج في الجامعة (إذ 
سجلت الخريجات نقاطا أكثر من طالبات السنة الأولى)ء لكنهن 
-على الرغم من الاستعداد النفسي لمزيد من النمو في سن الحادية 
والعشرين- لم يتابعن نموهن. ٠‏ 

2- كانت تلك النساء» في معظمهنء متكيفات كربات منازل من الضواحي؛ 
وأمهات حيّات الضمير ونشيطات في مجتمعاتهن المحلية. لكن» فيما 





الفصل السابع: مريّون مُوَجُهون بالجنس 25 


عدا النساء المهنيات المحترفات» لم يتابعن السعي وراء اهتمامات 
عميقة خاصة بهن. بدا أن هناك سببًا ما للاعتقاد بأن انقطاع النمو يتعلق 
بانعدام الاهتمامات الشخصية العميقةء بانعدام الالتزام الفردي. 

3 - كانت النساء الأكثر إثارة للمتاعب للعالم النفسي» بعد عشرين سنة» هن 
الأكثر أنثوية بالمعنى التقليدي» أي أولئك اللواتي لم يكنّ مهتمات» 
حتى في الجامعة» بأي شيء سوى إيجاد زوج". 


كانت هناك في دراسة فاسار مجموعة من الطالبات اللواتي» وهنّ في 
السنة الأخيرة» لم يعانين من نزاع أوصلهن إلى حافة الانهياره ولم يتوقفن عن 
نموهن ليهربن إلى الزواج. هؤلاء هنّ الطالبات اللواتي كنّ يحضّرن لمهنة 
ما؛ لقد اكتسبن» في الجامعة» اهتمامات عميقة بما يكفي للالتزام بمهنة. 
وكشفت الدراسة أن كل تلك الطالبات اللواتي كانت لديهن طموحات 
مهنية كن يخططن فعليًا للزواج» لكنّ الزواج بالنسبة لهن هو نشاط يخترن 
المشاركة فيه طوعيّاء وليس شيئًا ضروريًا لأي إحساس بالهوية الذاتية. كان 
لدى تلك الطالبات إحساس واضح بالاتجاه ودرجة عالية من الاستقلالية 
والثقة بالذات أكثر من معظم الطالبات. قد يكنّ مخطوبات أو مرتبطات 
بحب عميق» لكنهن لا يشعرن أن عليهن أن يضخين بشخصيتهن الفردية 
أو طموحاتهن المهنية إذا كنّ يتمنين أن يتزوجن. لم يتولّد لدى العلماء 
النفسيين مع تلك الفتيات الانطباع» كما حدث مع العديد من الأخريات» 
بان الاهتمام بالرجال وبالزواج هو نوع من الدفاع ضد التطور الفكري. كان 
اهتمامهن برجل معين حقيقيًاء وفي الوقت ذاته لم يتدخل بتعليمهن. 

لكن تجلّت الدرجة التي غسل بها اللغز الأنثوي دماغ المربين الأمريكيين 
عندما وصف مدير دراسة فاسار لهيئة من زملائه فتاة «لا تحرز علامات عالية 
فقط. بل» وفي حالتهاء هناك احتمال عال لمتابعة مهنة علمية أو احترافية). 








(1) Mervin 8. Freedman, “Studies of College Alumni,” in The American College: 
P. 878. 





236 اللغزالأنوي 
والدة جولي مدرّسة وعالمة والقوة المحركة في العائلة... تأتي الأم بعد الأب 
لأنها تأخن الأمور ببساطة. لا يكترث الأب لأن تكون لزوجته وابنته ميول وأفكار 
تدل على ثقافة رفيعة.. فقط ألا تكون تلك الأمور له. تصبح جولي فتاة تحب 
قضاء وقت طويل خارجّاء منشقّة. تسيطر على أخيها الأكبر. لكنّ ضميرها لا 
يرتاح إذا لم تقم بالقراءة المطلوبة أو إذا تراجع معدل علاماتها. متمسكة 
بعزمها على القيام بدراسات عليا وبأن تصبح مدرسة. الشقيق !لأكبر مدرس 
جامعي حاليًا وجولي. وهي الآن طالبة دراسات علياء متزوجة من طالب 
دراسات عليا في العلوم الطبيعية. 
عندما كانت في السنة الأولى. عرضنا بيانات المقابلة معهاء دون تفسير. 
على مجموعة من الأطباء النفسيين والعلماء النفسيين والعلماء الاجتماعيين. 
فكرتنا عن فتاة واعدة حقًا. السؤال المعتاد: «ما مشكلتها؟» الرأي المعتاد: 
إنها بحاجة إلى معالجة نفسية. في الحقيقة لقد خُطبت في سنتها الثانية 
إلى عالمها المتفتح, وأصبحت واعية على نحو متزايد لذاتها كمثقفة ودخيلة, 
لكنها مع ذلك لم تستطع أن تهمل عملها. «لو أنني فقط تمكنت من الفشل في 
شيء ما» قالت. 
يتطلب الأمر مربيًا جريئًا جدًا اليوم ليهاجم الحقل الموجه بالجنس» 

لأن عليه أن يتحدى» فى الأساس» الصورة التقليدية للأنوثة. وتلك الصورة 

تقول إن النساء سلبيات» اتكاليات» ممتثلات للتقاليد» عاجزات عن التفكير 
النقدي أو الإسهام الأصلي في المجتمع؛ وفي أفضل تقاليد نبوءة التحقق 
الذاتي» يستمر التعليم الموجه بالجنس في جعلهن كذلك» كما في حقبة 
سابقة» عندما كان نقص التعليم يجعلهن كذلك. لا يسأل أحد ما إذا كانت 

امرأة اتكالية بسيطة أنثوية بشكل سلبي -في قرية بدائية أو في ضاحية- 

تستمتع فعلا بسعادة أكبر وبتحقق جنسي أعظم مما تحققه امرأة الترمت 

في الجامعة باهتمامات جدية تتجاوز البيت. لم يسأل أحدء إلا مؤخرًا 
جداء بعد أن أوصل الروس الأقمار إلى المدار والرجال إلى الفضاء ما 
إذا كان يجب أن يكون التكيّف هدف التعليم. فى الحقيقة» تمكن المربّون 


الفصل السابع: مريّون مُوجّهون بالجنس 237 








الموجهون بالجنس. الميالون جدًا إلى تكيّف النساء الأنثوي» بفرح من 
الاستشهاد بالحقائق الأكثر شؤمًا حول ربات المنازل الأمريكيات -فراغهن 
وكسلهن وضجرهن وإدمانهن على الكحول والمخدرات واستسلامهن 
للسمنة والمرض واليأس بعد الأربعين» عندما تكون وظيفتهن الجنسية قد 
أشبعت- دون أن ينحرفن قيد أنملة عن كفاحهن العنيف لتربية جميع النساء 
لهذه الغاية الوحيدة. 


وهكذاء يتخلّص المربى المو جه بالجنس من النساء الثلاثينيات اللواتى 
يرجح أن يعشن بعد الأربعين بثلاثة اقتراحات مرحة: 
1 - دورة في «القانون والنظام لربة المنزل» لتمكينها من التعامل: كأرملة مع 
التأمينات والضرائب والوصايا والاستثمارات. 
2- قد يتقاعد الرجال أبكر للمساعدة في البقاء برفقة زوجاتهم. 
3- الانخراط لفترة وجيزة في «خدمات مجتمعية طوعية أو في السياسة أو 
الفنون أو ما شابه»» على الرغم من أن القيمة الرئيسية ستكون علاجًا 
خمخا لأن الساء لن يكن مدزبات لمثل ذلك اعد الا واحداء 
كل قظلى العراء الى تررك ريق ق فعلة أن روئ اة مايص 
مدينتها أو بلدها من تلك الأكزيما المقرفة فى عالمنا المعاصر: ألا وهى 
لوحات الإعلانات الطرقية». 
ستبقى لوحات الإعلانات الطرقية وتتكاثر مثل بكتريا تغزو المنظر الطبيعي: 
لكن: على الأقل ستكون هي قد أخذت مقررًا تمليميًا قويًا للكبار في السياسة 
المحلية. ثم تستطيع أن تسترخي. وتكرّس نفسها لنشاطات الخريجات التي 
تقوم بها الكلية التي تخرّجت منها. لقد وجدت كل امرأة تقترب من منتصف 
العمر حماسا قويًا جديدًا في مطابقة نفسها مع الحياة الجارية لكليّتها وقي 
توسيع غرائزها الأمومية. الآن وقد كبر أولادهاء لتشمل الأجيال الجديدة من 
الطالبات التي تقيم في حرمها!!). 


(1) Lynn White, op. cit., p. 117. 


اللفز الأنثوي 


وقال» إنها يمكن أيضًا أن تأخذ عملا بدوام جزئي لكن لا يجب أن 


تأخذ العمل من الرجال الذي يعيلون أسرهمء وفي الحقيقة» هي لن تمتلك 
المهارات أو التجربة اللازمة لعمل «مثير» جدًا. 


... هناك طلب كبير على النساء المتمرسات. اللواتي يمكن الاعتماد عليهن, 
واللواتي يمكن أن يحررن النساء الأصغر سنًا من المسؤوليات العائلية في 
الأيام العادية أو بعد الظهرء حتى يستطعن أن يطوّرن اهتمامات مجتمعية؛ أو 
يستلمن أعمالا بدوام جزئي خاصة بهن... ليس هناك أي سبب يبرّر إحجام 
نساء ذوات ثقافة وذرّية. قمن على أية حال وعلى مدى سنوات ربما بمعظم 
عملهن المنزليء عن ترتيبات من هذا القبيل!!. 

قد تضحك امرأة على وصف نزيه كهذا للحياة التي يهيئها لها التعليم 
الموجّه بالجنس لو أن اللغز الأنثوي لم يدمّر حس الفكاهة لديها: لم شمل 
الخريجات عَرَضيًا والعمل المنزلي لامرأة أخرى. الحقيقة الحزينة هي 
آنه» في حقبة فرويد والوظيفية فية واللغز الأنثوي» لم ينج سوى مربّون قلائل 
من ذلك التشويه الجنسي لقيمهم. افترض اکس رر + وحتى ريسمان 


(1) Ibid., pp. 119 f. 
(2) Max Lerner, America 4s a Civilization, New York, 1957, pp. 608-611: 


لا تكمن الفكرة الجوهرية فيها في عجز النساء البيولو جي أو الاقتصادي» بل في شعورهن 
بأنهن عالقات بين عالم الرجلء الذي لا إرادة حقيقية حقيقية لديهن لتحقيقه» وعالم خاص بهن؛ 
بدن توه الس لي ناليمو E‏ ... عندما نصح وولت ويتمان النساء 
«بأن يتخلين عن الدمى والروايات الخيالية» وأن ينطلقن قدماء مثلما يفعل الرجال» فى 
قلب الحياة الحقيقية المستقلة العاصفة)ء فقد كان يفكر -كما العديد من معاصريه- فى 
النوع الخطأ من المساواة. ... إذا كانت ستكتشف هويتهاء فيجب أن تبدأ بإقامة إيمانها 
باعل ساس ا حال الشركة من أجل السسوية. شار فارج تام إل 
أن دورة حياة المرأة البيولوجية فيها مراحل معينة محددة جيدًا من بدء الحيض إلى ولادة 
أولادها إلى توقف الحيض؛ وأنها في هذه المراحل من دورة حياتهاء كما في إيقاعاتها 
الجسدية الأساسيةء تستطيع أن تشعر بالأمان في أنوثتهاء وليس عليها أن تؤكد قدرتها 
كما يفعل الرجل. وبالمثل» في حين إن الأدوار المضاعفة التى يجب أن تلعبها فى الحياة 
مذهلة» فإنها تستطيع أن تحقق تلك الأدوار دون ارتباك إذا عرفت أن دورها المركزي 
هو ذاك الذي لها كامرأة. ... لكن تبقى وظيفتها المركزية هي خلق أسلوب حياة لنفسها 
ولبيتها الذي تكون فيه خالقة حياة ومحافظة عليها. 


الفصل السابع: مربّون مُوَجُهون بالجنس 239 





(Riesman)‏ في كتابه الحشد المنعزل 0200 'إأ2م.! ۲1۵ أن النساء لسن 
مضطرات للبحث عن استقلاليتهن عن طريق الإسهام المنتج في المجتمع؛ 
فقد يساعدن أزواجهن على نحو أفضل على مواصلة إسهاماتهم» عن طريق 
اللعب. وهكذا فقد عزل التعليم الموجه بالجنس الأجيال الأخيرة من النساء 
الأمريكيات» بلا شك. مثلما عزل تعليم «منفصلين لكن متساوين» الزنوج 
الأمريكيين الموهوبين عن فرصة تحقيق قدراتهم الكاملة في التيار العام 
للحياة الأمريكية. 

إن قولنا إن الكليات في هذه الحقبة من التوافق لم تعلّم فعلا أحدًا 
لا يشرح أي شيء. لا يدرك تقرير جاكوب”"» الذي رفع هذا الاتهام ضدَ 
الجامعات الأمريكية عمومّاء وحتى الاتهام الأكثر دقةَ الذي أعدّه سانفورد 
(53010:0) ومجموعته» أن فشل الجامعات في تعليم النساء حتى يحققن 
هوية تتجاوز دورهن الجنسي كان بلا شك عاملا حاسمًا في تأبيد» إن لم 
يكن في إيجاد. ذلك التوافق الذي يشجبه المربّون اليوم على نحو رائج. 
لأنَ من المستحيل تعليم النساء تكريس أنفسهن لدورهن الجنسي على نحو 
مبكر وكامل إلى تلك الدرجة -النساء اللواتي» كما قال فرويدء يمكن أن 
يكنّ فاعلات جدًا بحق في تحقيق نهاية سلبية -دون جر الرجال إلى الفخ 
المريح ذاته. وفي الواقع» أدى التعليم الموجه بالجنس إلى نقص في الهوية 
لدى النساء حل بسهولة عن طريق الزواج المبكر. وأيٍّ التزام سابق لأوانه 
بأي دور -الزواج أو العمل- يغلق باب التجارب والاختبار والإخفاقات 
والنجاحات فى مجالات النشاط المختلفة الضرورية للشخص ليحقق 
النضج الكامل والهوية الفردية. 

لاحظ المربّون المُوجّهون بالجنس خطر إعاقة نمو الفتيان الطبيعي عن 
طريق العمل المنزلي المبكر. وكما عبرت مارجريت ميد عن ذلك مؤخرًا: 





(1) See Philip E. Jacob, Changing Values in College, New York,1957. 


240 النغز الأنثوي 
لقّد كان العمل المنزلي المبكر دائمًا خاصية من خصائص البدائيين ومعظم 
القرويين وفقراء المدن... إذا كان هناك أطفال فهذا يعني. كما نعلمء أن حلقة 
البحث الفصلية للاب تصيح مختلطة بزجاجة حليب الأطفال... يرؤض زواج 
الطلاب المبكر الفتيان بحيث لا تبقى لديهم غرصة للتطور الفكري الكامل. 
ليست لديهم غرصة لإعطاء وفتهم. ليس بالضرورة للدراسةء بمعنى البقاء 
في المكتبة» بل بمعنى أن الطلاب المتزوجين ليس لديهم الوقت ليجرّبوا 
وليفكروا وليقضوا الليل في مناقشات غير رسمية وليتطورا كافراد. هذا ليس 
مهما للمثتفين فقط. بل وللفتيان الذين سيصبحون رجال الدولة مستقبلا في 
البلد وسيصبحون محامين وأطباء وغيرها من المهن والأعمال!!). 
ولكن ماذا عن الفتيات اللواتي لن يكتبن أبدًا حلقات البحث الفصلية 

نتيجة زجاجة حليب الطفل؟ نتيجة اللغز الأنثوي» لم تر سوى نساء قليلات 

ان حبس أنفسهن في ذلك الشغف وحده.؛ الشغل وحده الدور وحده في 
الحياة يشكل مأساة. للمربين التقدميين في أوائل الستينيات خيالاتهم 
البهيجة حول تأجيل تعليم النساء إلى مأ بعد ولادة أطفالهن؛ وهم بالتالي 
يقرّون أنهم قد أسلموا أنفسهم. وبالإجماع تقريبّاء للزواجات المبكرة التي 

أستمرت في الحدوث ولم تتراجع. 
لكن» بتفضيل تلك الفتيات الأنوثة على النمو الموجع نحو الهوية 

الكاملةء وبعدم تحقيقهن جوهر الذات الصلب الذي لا يأتي من الخيال؛ بل 

سن إخصاع الواقع» حكم عليهن بالمعاناة أساسًا من ذلك الشعور المشتت 
الممل بفقدات الهدف» أو بعدم الوجود» أو بعدم الانخراط في العالم الذي 
يمكن أن يسمى شذوذاء أو بانعدام الهوية» أو ببساطة ذاك الذي يستشعر 

على آنه المشكلة التي لا اسم لها. 


ومع ذلك من السهل جدًا أن نجعل من التعليم كبش الفداء. أيّا تكن 
أخطاء المربين الموجهين بالجنس» فقد خاض المربون الآخرون معركة 


(1) Margaret Mead, “New Look at Early Marriages,” interview in U.S. News and 
World Report, June 6, 1960. 








الفصل السابع: مريّون مُوَجُهون باجنس 241 


سحافظة مخبطة لا طائل منها محاولين جعل التساء الموهويات «يتصورن 
اا جد ويتجون بالوضول إلى تلك الأعراق )1 لكو كن انان 
الأخيرء اختارت ملايين التساء الموعويات في هذا البلد الحرء بأنفسهن» 
ألا يستخدمن الباب الذي كان يمكن للتعليم أن يفتحه أمامهن. فقد كان 
خيار -ومسؤولية- التسابق في العودة إلى البيت» في النهاية» خيارهن. 





الفصل الثامن: الخيار الخطأ 243 





الفصل الثامن 


الخيار الخطأ 


لا يفرض لغ ما واا اس ل؟ اللغز الأنثوي أدمغة النساء 
الأمريكيات من الغايات الإنسانية غَيِر/الجنشية لأكثر من خمسة عشر عامّاء 
لاب أنه قد أشبع حاجات حقيقيةبلدى أؤلمك الللواتي تمسّكن به للأخريات» 
وأولئك اللواتي قبلن به لأنفسهن. ربما لم تكن هذه الحاجات هي نفسها 
لدى جميع النساء أو لدى جميغ موزعي اللغر؛ لكن» كانت هناك حاجات 
عديدة في هذا الوقت المحَدّة“في أمريكا جعلتنا عاجزين عن مقاومة إغراء 
اللغز؛ حاجات إجبارية جدًا إلى حد أثنا,علقنا التفكير النقدي. كما يفعل 
المرء حيال حقيقة حدسية. والمشكلة هى أنه عندما تكون الحاجة قوية بما 
كن يعن للعنس تا أن كدت ' 

قبل أن يستحوذ اللغز الأنثوي على أمريكا مباشرة» كانت هناك حرب» 
تبعها كساد. وانتهت بتفجير قنبلة ذرية. وبعد وحشة الحرب» وفظاعة 
القنبلةء وفي مواجهة الشك المخيف. والضخامة الباردة للعالم المتغير» 
كانت النساءء وكذلك الرجال» يبحثن عن الواقع المريح.للبيت والأطفال. 
لقد علق الجنود الأمريكيون فى الخنادق صور بيتى غرابل 62616 /©861)» 
كن الأغانى التى طلبوا سماعها هی الأغانى التى كانت الأمهات يهدهدن 
# أطفالهن حتى يناموا. وعندما خرجوا من الجيش» كانوا أكبر سنا من أن 


244 اللفز الأنثوي 


يعودوا إلى البيت.. إلى أمهاتهم. الحاجات إلى الجنس والحب حقيقيةء 
على نحو لا يمكن إنكاره. لدى الرجال والنساءء الفتيان والفتيات» ولكن» 
لم بدت في ذلك الوقت للكثيرين الحاجات الوحيدة؟ 
أجيال مختلفة متعددة بجوع مكبوت إلى الزواج والبيت والأطفال» جوع 
كان الجميع قادرين على إشباعه فجأة في الازدهار الذي عرفته أمريكا بعد 
الحرب. كان الجندي الأمريكي الشاب. الذي جعلته الحرب أكبر من عمره. 
يستطيع أن يحفق حاجته الوحيدة إلى الحب والأمّ بإعادة تكوين منزل 
طفولته. بدلا من مواعدة عدة فتيات حتى الانتهاء من الجامعة والمهنة» 
كان يستطيع أن يتزوج معتمدًا على بوليصة الجندي» وأن يمنح أطفاله حب 
الأ الحنون الذي لم يعد هو طفلًا صغيرًا بما يكفي للبحث عنه لنفسه. م 
كان هناك الرجال الأكبر سنا قليلًا: رجال في الخامسة والعشرين أجلت 
زواجاتهم نتيجة الحرب» وشعروا الآن أنهم يجب أن يعوّضوا عن الوقت 
الضائع؛ رجال ثلاثينيون أبعدهم الكساد أولا : ثم الحرب عن الزواج أمّا إذا 
كانوا متزوجين» فقد حرموا من الاستمتاع بالراحة التي يؤمنها البيت. 

أمَا بالنسبة للفتيات» فقد أضافت سنوات الوحدة تلك إلحاحًا إضافيًا إلى 
بحثهن عن الحب. أولئك اللواتي تزوجن في الثلاثينيات ودّعن أزواجهن 
إلى الحرب؛ وأولئك اللواتي كبرن في الأربعينيات كنّ خائفات» وخوفهن 
محق» من أنهن قد لا يجدن الحب ولا البيت ولا الأطفال أبدّاء وهي أمور 
قلّة من النساء فقط على استعداد لأن يخسرنها عن طيب خاطر. وعندما 
عاد الرجال» حصل اندفاع متهور نحو الزواج. جعلت سنوات الوحدة التي 
كان الأزواج» أو الذين سيصيرون أزواجاء خلالها بعيدين في الحرب اوا 
يمكن أن يرسلوا بعيدًا لدى سقوط قنبلة- النساء عرضة» على نحو حاص 
للغز الأنثوي. قيل لهنّ أنّ البعد البارد للوحدة الذي أضافته الحرب إلئ 
حياتهن كان الثمن الضروري الذي توجب عليهن دفعه مقابل مهنة أو مقابل 


الفصل الثامن: الخيار الخطأ 245 





أي اهتمام خارج البيت. وضعهن اللغز أمام خيار: الحب والبيت والأولاد 
أو أهداف وغايات أخرى في الحياة. وبوضع النساء أمام هذا الخيارء هل 
كان من العجب أن تختار نساء أمريكيات كثيرات الحب ليكون كل غايتهن؟ 

حدثت الزيادة الكبيرة في معدل المواليد في سنوات بعد الحرب مباشرة 
في كل البلدان. لكنها لم تتداخل في معظم البلدان الأخرى مع لغز التحقق 
الأنئوي. ولم تود في البلدان الأخرى إلى زيادة أكبر في معدل المواليد في 
الخمسينيات مع زيادة الزواج والحمل ب asa as‏ 
تضاعف عدد النساء الأمريكيات اللواتى لديهن ثلاثة أبناء أو أكثر فى 
عشرين سنة. وقادت النساء n‏ به كل النساء الأخريات 
في السباق من أجل إنجاب المزيد من الأطفال'". (أظهر الجيل السابق 
على جيلي» أي النساء اللواتي ولدن بين 1910 و1919 التغيّر بحدّة أعلى. 
فعندما كن في العشرينيات من أعمارهن» أدى معدل الحمل المنخفض 
بينهن إلى تحذيرات بأن التعليم سيمحو الجنس البشري» وأظهرن في 
الثلاثينيات من أعمارهن فجأة زيادة حادة في معدل الحمل» على الرغم من 


(1) See: the United Nations Demographic Yearbook, New York, 1960, pp. 99-118 
and pp. 476-490; p. 580. 


كان المعدل السنوي لزيادة السكان في الولايات المتحدة في السنوات 1959-1955 
أعلى بكثير منه في بقية الدول الغربية» وأعلى من ذاك الذي في الهند واليابان وبورما 
والباكستان. وفي الواقع تجاوزت الزيادة في أمريكا الشمالية (1.8) المعدل العالمي 
(1.7). وكان معدل الزيادة في أوروبا 8 ٠‏ وفي الاتحاد السوفيبتي 7 ٠‏ وفي آسيا 1.8 وفي 
أفريقيا 9 ٠‏ وفي أمريكا الجنوبية 2.3. كانت الزيادة في البلدان الأقل تطورّاء بالطبع» نتيجة 
التقدم الطبي وانخفاض معدل الوفيات. أما في أمريكا فكانت بالكامل تقريبًا نتيجة زيادة 
معدل الولادة والزواج المبكر وزيادة حجم العائلة. فمعدل الولادة استمر في الزيادة في 
أرلاات ل موعاع 1956 العام 1858 في ين كان يخس في ,لبان من مطل 

نسا والنرويج والسو يد والاتحاد ال لسوفييتي والهند واليابان. كانت الولايات المتحدة هي 
الدولة ا لوحيدة المسماة «متقدمة؛ وإحدى الدول القليلة في العالم» عام 1958. التي كانت 
فيها أعداد متزايدة من الفتيات يتزوجن في عمر 15 -19 أكثر من أية فئة عتمرية أخرى. . حتى 
البلدان الأخرى التي أظهرت ارتفاعًا في معدل الولادة -ألمانيا وكندا والمملكة المتحدة 
دتشيلي ونيوزيلندة وبيرو- لم تظهر هذه الظاهرة من زواج المراهقات. 


246 اللفز الأنثوي 


القدرة البيولوجية المنخفضة التي تجعل معدل الحمل ينخفض مع العمر). 

يولد دائمًا مزيد من الأطفال بعد الحروب. لكنّ الانفجار السكاني 
الأمريكي اليوم يأتي» في جزء كبير منه» من زواج المراهقات. ارتفع عدد 
الأطفال المولودين لمراهقات بنسبة 165/7 بين 1940 و1957» استنادًا 
إلى أر قام ميتروبوليتان لايف إنشورانس .Metropolitan Life [surance‏ 
الفتيات اللواتي يفترض أن يذهبن إلى الجامعة بشكل عادي» لكنهن بدلا من 
ذلك يغادرنهاء أو يمتنعن عنها ليتزوجن (الزواج بعمر الثامنة عشرة والتاسعة 
عشرة هو الأكثر حدونًا في زواج الفتيات الأمريكيات اليوم؛ نصف النساء 
الأمريكيات لا يبلغن العشرين إلا وهن متزوجات)»ء هنّ منتجّات اللغز. 
يتوقفن عن التعليم بلا تردّد مقتنعات فعلا أنهن سيجدن «التحقق» بوصفهن 
زوجات وأمهات. أفترض أن لدى الفتاة التي تعرف اليوم من الإحصاءات 
أو من مجرّد المشاهدة أنها إذا انتظرت لتتزوج حتى تنهي جامعتهاء أو 
تتدرب على مهنة» فإن معظم الرجال سيكونون قد تزوجوا من امرأة أخرى. 
من الأسباب لتخشى خسارة التحقق الأنثوي ما كان لدى الفتيات في 
الأربعينيات نتيجة الحرب. ولكن هذا لا يفسّر لماذا يتركن الجامعة لإعانة 
أزواجهن» في حين يستمر الفتيان في تعليمهم. 

لم يحدث ذلك في البلدان الأخرى. حتى في البلدان التي قتل فيها في 
أئناء الحرب عدد أكبر من الرجال» وأجبر عدد أكبر من النساءء وإلى الأبد. 
على خسارة التحقق بالزواج» لم تركض النساء عائدات إلى البيت في ذعر. 
وفي البلدان الأخرى اليوم الفتيات متعطشات مثل الفتيان للتعليم الذي يعد 
الطريق إلى المستقبل. 

جعلت الحرب النساء عرضة على نحو خاص للْغزء لكنّ الحرب بكل 
إحباطاتها لم تكن السبب الوحيد لعودتهن إلى البيت. ولا يمكن تفسيرها 
ب«مشكلة الخادمة»» وهي عذر تعطيه المرأة المتعلمة غالبا لنفسها. في أثناء 
الحرب» عندما ذهبت الطباخات والخادمات للعمل في المعامل الحربية» 


الفصل الثامن: الخيار الخطأ 247 


كانت مشكلة الخادمة أشدّ حتى ممأ هى عليه فى السنوات الأخيرة. لكن فى 
ذلك الوقت» غالبا ما كانت النساء المتحمسات يجرين ترتيبات منزلية غير 
تقليدية للوفاء بالتزاماتهن المهنية. فرك ال ن شابتين في زمن الحرب» 
كانتا تجمعان القوى فيما كان زوجاهما في الخارج. كانت إحداهماء وهي 
ممثلة» تأخذ أطفال الاثنتين في الصباح» فيم الأخرى تقوم بعملها ما بعد 
الجامعي؛ وكانت الثانية تستلم المهمة بعد الظهرء عندما يكون لدى الأولى 
تدريب أو حفلة نهارية. وعرفت أيضًا امرأة قلبت ليل طفلها نهارًا بحيث 
ينام في بيت جارتها خلال الساعات التي تذهب فيها إلى مدرسة طبية). 
وفي المدنء كانت الحاجة حينها إلى حضانات أطفال ومراكز رعاية نهارية 
لأطفال الأمهات العاملات ملحوظة ومحققة. 

لكن» في سنوات أنوئة ما بعد الحرب» اختارت النساء. اللواتي كا 
باستطاعتهن توفير المال لمربية أو مدبرة منزل بدوام كامل وإيجادهاء أن 
يهتممن بالمنزل وبالأولاد بأنفسهن. وفي المدن في الخمسينيات» اختفت 
جميع مراكز الحضانة والرعاية النهارية للأمهات العاملات؛ وأثار مجرد 
اقتراح الحاجة إليها صرخات هستيرية من ربات المنازل المتعلمات وكذلك 
من مروّجي اللغز'"". 

وبالطبع» عندما انتهت الحرب. عاد الجنود لأخذ الأعمال وملء 
المقاعد فى الكليات والجامعات التى امتلأت لوهلة من الزمن بأعداد كبيرة 
من اتات ولوقت قصيرء كاك الاق حادة» وجعلت عودة ظهور 
التحيّزات القديمة المضادة للأنوثة فى الأعمال والمهن من الصعب على 
فتاة أن تحتفظ بعمل» وأن تتقدم ف وهداء سيل شك ا أرسل نساء كثيرات 
راكضات إلى غطاء الزواج والبيت. مازال التمييز الدقيق ضد النساء حتى 
لا نقول أي شيء عن التفريق في الأجور على أساس الجنس» قانونًا غير 


(1) See: “The Woman with Brains (continued),” New York Times Magazine. 
January 17, 1960, for the outraged letters in response to an article by Marya 
Mannes, “Female Intelligence-Who Wants lt?” New York Times Magazine. 
January 3, 1960. 


248 اللغز الأنثوي 


مكتوب اليوم» وآثاره مدمّرة» ومحاربتها صعبة مثل المعارضة الفظيعة التي 
واجهتها الناشطات النسويات. لا تستطيع باحثة في مجلة تايم» على سبيل 
المثال» وبغض النظر عن موهبتهاء أن تطمح إلى أن تصبح كاتبة» فالقانون 
غير المكتوب يجعل الرجال كتابًا ومحررين والنساء باحثات. هي لا تغضب؛ 
فهي تحب عملهاء وتحب رئيسها في العمل. وهي ليست مقاتلة عنيفة من 
أجل حقوق النساء» فهذه ليست قضية لجماعة الصحيفة. ولكنها مثبطة رغم 
كل شيء. إذا كانت لن تصل إلى أي مكان, فلم الاستمرار؟ 

غالباء ما كان يتم استبعاد النساء ممتلئات بالمرارة» عن مجالاتهن 
المختارة وذلك بتجاهلهن لصالح رجل ماء على الرغم من أنهن جاهزات 
وقادرات على القيام بعمل أفضل. في بعض الأعمال؛ كان على المرأة أن 
ترضى بالقيام بالعمل في حين يحصل الرجل على الفضل. أو كان عليها إذا 
حصلت على عمل أفضل أن تواجه مرارة الرجل وعدوانيته. ولأن السباق على 
التقدم في المؤسسة الكبيرة في كل مهنة في أمريكا تنافسي جدًا للرجال» فإن 
منافسة النساء هي الطامة الكبرى» ومن السهل خوضها ببساطة عبر استحضار 
ذلك القانون غير المكتوب. خلال الحرب» كانت قدرات النساء والمنافسة 
التي لا مناص منها مُرَحبًا بهماء أما بعد الحرب» فقد ووجهتا بتلك الستارة 
المهذبة» بل المستغلقة من العدائية. كان من الأسهل على المرأة أن حب 
وتحبء وأن يكون لديها عذر لعدم التنافس مع الرجال. 

ومع ذلك» ففي أثناء الكساد. ضحت الفتيات الجسورات الموهوبات» 
وحاربن التحيّز» وتجرأن على المنافسة حتى يتابعن مهنهن» على الرغم من 
وجود عدد قليل فقط من الأماكن للمنافسة عليها. ولم تجد الكثيرات منهن 
أي تضارب بين المهنة والحب. فى السنوات المزدهرة بعد الحرب» كانت 
هناك وفرة من الأعمال ووفرة من الأماكن في جميع المهن؛ لم تكن هناك 
اة ج الفخلي عن كل شي من أجل الحب والزواج قفي نهاية 
المطاف. لم تترك الفتيات الأقل تعليمًا المعامل ويعدن خادمات. ارتفعت 
نسبة النساء في الصناعة بثبات منذ الحرب» ولكن» لم يكن ذلك في نسبة 


الفصل الثامن: الخيار الخطأ 249 


ا ا سسا اا u‏ س 


النساء في المهن التي تتطلب تدريبًا وجهدًا والترامًا ذاتيًا”'. قالت لي واحدة 
فن بنات جيلي بصراحة: «أعيش من خلال زوجي وأطفالي. هكذا أسهل. 
في هذا العالم الراهن» من الأسهل أن تكوني امرأةء إذا استفدت من ذلك». 

بهذا المعنىء فان ما حدث للنساء هو جزء مما حدث لنا جميعًا فى 
شترا ها بعد الحرب..وجدنا أعذارًا لعدم مواجهة المشاكل الى وجدنا 
الشجاعة يومًا لمواجهتها. سقطت الروح الأمريكية في نوم غريب؛ ذهل 
الرجال والنساءء الليبراليون الخائفون والراديكاليون المتحررون من الوهم 
والمحافظون» وأحبطوا بفعل التغيير؛ توقفت الأمة كلها عن النمو. وعدنا 


See: National Manpower Council, Womanpower, New York, 1957.‏ (1) 
في عام 1940ء كان أكثر من نصف النساء العاملات في الولايات المتحدة 
تحت الخاعسة والعشرين» وخمسهن أكثر من 45. وفي الخمسينيات تحدث ذروة 
المشاركة في العمالة المأجورة بين النساء الشابات اللواتي أعمارهن 19-18 سنةه 
والنساء فوق الخامسة والأربعين» ومعظمهن يشغلن وظائف لا تتطلب سوى القليل من 
التفكير. ويعود هذا الرجحان الجديد للنساء المتزوجات الأكبر سنا في قوة العمل إلى 
حشيقة ة أن عددًا قليلا من النساء ذ فى العشرينيات والثلاثينيات م“ ن أعمارهن يعملن الآن 
في الولايات المتحدة. اثنتان من بين كل خمسة نساء عاملات الآن يبلغن أكثر من 45 
سنة من العمرء معظمهن زوجات وأمهات يعملن في دوام جزئي في عمل غير ماهر. 
هذه التقارير عن الملايير ن من الزوجات الأمريكيات اللواتي يعملن خارج البيت مضللة 
بأكثر من طريقة: : من بين جميع النساء العاملات» هناك الثلث فقط يشغلن أعمالا بدوام 
كامل» وثلث يشغلن أعمالا بدوام كامل ولكن في جزء من السنة فقط -البائعات في 
المناجر اللواتي يعملن استثنائيًا في فترات الأعياد مثلا- والثلث يعملن في دوام جزئي 

في جزء من السنة. النساء ة في المهن هنء في الجزء الأكبرء تلك الأقلية المتضائلة من 

النساء العازبات؛ تتركز الزوجات والأمهات غير المدريات الأكبر سنا من مثل أولئك 
البالغات 18 سنة غير المدربات» عند الطرف الأدنى من سلّم المهارات وسلّم الرواتب 
في المعامل والخدمات والعمل المكتبى. إذا ما أخذنا نمو السكان وزيادة الاحترافية في 
العمل في أمريكاء فإن الظاهرة المخيفة ليست الزيادة غير المهمة نسبيًا والمروّج لها 
كثيرًا في أعداد النساء الأمريكيات اللواتي يعملن الآن خارج البيت» بل حقيقة أن اثنتين 
من كل ثلاث نساء بالغات : يعمان خارج البيت» الملايين المتزايدة من النساء الشابات 
غير الماهرات أو غير المتعلما ت بما يكفي للعمل في أية مهنة. 


See also: Theodore Cap low, The Sociology of Work, 1954, and Alva Myrdal 
and Viola Klein, Women s Two Roles-Home and Work, London, 1956. 


2<0 اللفز الأنثوي 





جميعًا إلى إشراق البيت الدافئ» بالطريقة التي كنا عليها عندما كنا صِغارًا 
ننام بسلام في الطابق الأعلى» فيما أهلنا يقرؤون» أو يلعبون البريدج في 
غر فة ال ٠‏ أو يتأرجحون على الشرفة الأمامية فى أماسى الصيف في 
مدننا الأصاية. 
عادت النساء !! لى البيت مرة أخرى حالما تحرّر الرجا جال من القنبلة» ونسوا 
معسكرا ت الاعتقال» وتغاضو! عن الفساد.ء وسقطوا في توافق عاجز؟ تماما 
مثلما تجتّب المفكرون المشاكل الأكبر والأعقد لعالم ما بعد الحرب. كان 
أسهل وأكثر أمنا أن نفكر في الحب و ال ندل عو الشيوعية ومكارثي 
والقنبلة !لد ي لا يمكن التحكم بها. كان ن أسهل أن نبحث عن الجذور 
الجنسية الفرويدية في سلوك الإنسان وأفكاره وحروبه» بدلا من النظر نقديًا 
الارتداد الذاتى» حتى من جانب الأشخاص الأبعد نظرًا والأكثر جرأة؛ أنزلناا 
عيوننا عن الأفق» وتأمّلنا بثبات في سررنا. 
نستطيع أن نرى كل ذلك الآن بطريقة استعادية. ؛ ثم ثم كان أسهل أن تُدخل. 
الحاجة إلى الحب والجنس فى هدف الحياة النهائى. متجنبين الالتزام: 
الشخصي بالحقيقة في التزام جامع «بالبيت» و«العائلة». بالنسبة للعامل 
ام والعالم النفسي والعدد الكبير من مستشاري «العائلة»» كان" 
العلاج الموخه تحليليًا للمرضى الخاصين حول المشاكل الذاتية المتعلقة 
باجنس والشخصية والعلاقات بين الأشخاص أكثر أمنًا وكسبًا من السبر 
العميق بحثا عن الأسباب الشائعة لمعاناة الإنسان. إذا كنت لم تعد تريد 
التفكير في كامل الجنس البشري: فعلى الأقل تستطيع أن «تساعد» الأفزاد 
دون آل قہ ع فى مشاكل. كتب إيروين شو (اكقط5 مزبنم[). الذي نخس يوم 


قو م 
EE‏ 
of‏ 


الضمير ١‏ لامر يكى بخصوص . القضايا الكبرى المتعلقة بالحرب والسلم 


والتمييز العرقى» عن الجنس والبغاء؛ وحصر نورمان ميلر :N0۲٣47(‏ 
01311©7) والكتاب الوجوديون الشباب روحهم الثورية في الجنس والمتع| 





ا 


الفصل الثامن: الخيار الخطأ 251 


والمخدرات والدعاية لأنفسهم بكلمات مؤلفة من أربعة أحرف. كان أسهل 
وأكثر رواجًا للكتاب أن يفكروا في علم النفس بدلا من السياسة» وفي 
الدوافع الخاصة بدلا من الأهداف العامة. وارتدٌ الرسّامون إلى انطباعية 
تجريدية تباهت بالنظام» ومخدت التهّرب من المعنى: وقلّص الكتّا 
المسرحيون الهدف الإنساني إلى هراء مدّع لاذع: «مسرح العبث». أعطى 
الفكر الفرويدي عملية التهرّب الكاملة هذه بعدها المتعلق باللغز الفكري 
معدت اللانهائي: عملية ضمن عملية» ومعنى ضمن معنى» حتى اختفى 
المعنى نفسه» ولم يوجد العالم الخارجي الباهت اليائس إلا بصعوبة. وكما 
قال ناقدٌ مسرحي» في ملاحظة نادرة على تغيّر في عالم خشبة المسرح عند 
تینیسی وليامز Williams)‏ rennessee)ء‏ كان الأمر كما لو أنه لم يبق للإنسان 
أي واقع سوى انحرافاته الجنسية وحقيقة آنه أحب أمه» وكرهها. 

لقد أشبع الهوس الفرويدي في الثقافة الأمريكية أيضّاء فضلًا عن 
ممارسة العلاج النفسي نفسه» حاجة حقيقية في الأربعينيات والخمسينيات: 
الحاجة إلى أيديولوجياء إلى هدف وطني» إلى تطبيق للعقل على مشاكل 
الناس. وافترض المحللون أنفسهم مؤخرًا أن غياب أيديولوجية أو هدف. 
وطني قد يكون مسؤولا جزئيًا عن الفراغ الذاتي الذي يرسل بالعديد من 
الرجال والنساء إلى العلاج النفسي؛ هم فعلا يبحثون عن هوية لا يمكن 
للعلاج وحده أن يؤمنها. توافق الإحياء الديني في أمريكا مع الاندفاع إلى 
التحليل النفسى» وريما حدث للسبب ذاته؛ خلف البحث عن هويةء أو 
عن ملاذ» هناك فراغ هدف أكبر. وإنه لذو مغزى الآن أن يقضي العديد من 
الكهان الكثير ر من وقتهم في تقديم العلاج النفسي +مشورات رعوية- إلى 
أعضاء أبرشياتهم. فهل يتهربون بذلك» أيضًاء من الأسئلة الأكبر» من البحث 
الحقيقى؟ 


عندما كنت أجري مقابلاتي في حرم الجامعات في أواخر الخمسينيات» 





252 اللغزالأنثوي 
شهد القساوسة وعلماء الاجتماع» على حد سواء» على «خصوصيانية)”© 
الجيل. وكانوا يشعرون أن سببًا رئيسيًا لحركة الزواج المبكر هو أن الشباب 
لم يروا أية قيمة حقيقية أخرى في المجتمع المعاصر. من السهل على 
الناقد الاجتماعي المحترف أن يلوم الجيل الشاب على استغراقه الكلبي 
(1ءا«رء) الكامل فى المتعة الشخصية والأمن المادي -أو على السلبية 
الفارغة للبيتية. لکن» إذا كان آباؤهم ومعلموهم ووتحاظهم قد تخلوا عن 
الأهداف التي تعتبر أكبر من التكيّف العاطفي الشخصي والنجاح المادي 
والأمن» فأي هدف أكبر قد يتعلمه الشباب؟ 

أشبع الأطفال الخمسة والحركة إلى الضواحي و«افعل ذلك بنفسك» 
وحتى البيتية الحاجات المنزلية؛ وأخذت هذه الأشياء مكان تلك الحاجات 
والأهداف الأكبر التي انشغل بها ذات يوم الأشخاص الأكثر حيوية في هذه 
الأمة. «أنا ضجرٌ من السياسة. .. ليس هناك ما يمكن أن 3 تقوم به حيالها على 
أية حال». عندما كان 0 أرخص أو أغلى من أن تعيش حياة كاملة في 
سبیله» وكان كل مجتمعك يبدو وكأنه لا يهتم إلا قليلا بغير ذلك» كانت 
العائلة وحبها 50 كان ذلك على الأقلء جيدًا وحقيقيًا. وأعطى 
التصديق الساذج الحرفي لفرويد الوهم بأنه كان أكثر أهمية مما هو في 
الواقع لكامل المجتمع المعذب. لأنْ الحفظ الببغائي الحرفي للتعابير 
الفرويدية ضلل الأفراد المعذبين» بحيث يعتقدون أنهم قد شفواء في حين 

إنهم من الداخل لم يواجهوا بعد مشاكلهم الحقيقية. 

(1) mءنا۷2إ۴:‏ مسلك في الحياة يتجاهل فيه المرء كل ما يقع خارج اهتماماته الخاصة - 
المترجم. 

(2) بمعطانمندء8: حركة البيتيين (المُرهقين)» حركة نشأت في الولايات المتحدة في 
الخمسينيات: أطلق أصحابها على حركتهم هذا الاسم دلالة على ضيقهم بقيود المجتمع 
وقيوده الأخلاقية» وإلى رغبتهم في التماس السعادة عن طريق الانغماس في الملذات 
وإدمان المخدرات وإطلاق شعر الرأس واللحية وإهمال شأن النظافة الشخصية - 


المترجم. 








الفصل الثامن: الخيار الخطأ 253 





لكن» تحت المجهر الفرويدي» بدأ مفهوم مختلف جدًا للعائلة يظهر. 
أصبح صراع أوديب وتنافس الأشقاء كلمات منزلية. وكان !لاكتئاب خطرٌ 
كبيرًا على الأطفال كالحمّى القرمزية. وكانت «الأمّ» هي من اختير من أجل 
تنقي اهتمام خاص. فقد اكتّشف فجأة أنْ من الممكن إلقاء اللوم على الأمّ 
في كل شيء تقريبًا. في تاريخ حالة كل طفل مضطرب» أو بالغ كحولي 
أو اتتحاري أو فُصامي أو سيكوباتي أو عُصابي» أو ذكر عاجز جنسيًا أو 
مثلي الجنسء أو أنثى باردة مشوشة» أو أمريكي مصاب بالقرحة أو بالربو 
أو منزعج لأي سبب آخر» يمكن أن توجد أمّ. امرأة مكتئبة» مقموعة» 
منزعجة» معذّبة» غير راضية» غير سعيدة. زوجة متطلبة» نقّاقة» شكسة. أمّ 
رافضة» مبالغة في الحماية» مهيمنة. كشفت الحرب العالمية الثانية أن ملايين 
الرجال الأمريكيين كانوا عاجزين نفسيًا عن مواجهة صدمة الحرب وعن 
مواجهة الحياة بعيدًا عن «الماما». من الواضح أن النساء الأمريكيات عانين 
من «خطأ» ما. 

وبصدفة مشؤومة» حدث هذا الههجوم على الأمهات في الوقت ذاته الذي 
كانت النساء الأمريكيات قد بدأن يستخدمن حقوق تحريرهن» ويذهبن إلى 
الجامعأت والمدارس المهنية بأعداد متزايدة» ويبرزن في الصناعة والمهن 
في منافسة لا مناص منها مع الرجال. كانت النساء قد بدأن للتو يلعبن دورًا 
في المجتمع الأمريكي الذي لم يعتمد على جنسهنء بل على قدراتهن 
الفردية. كان جليًا للعين المجرّدة وواضحًا للجنود العائدين أن أولئك النساء 
الأمريكيات كنّ بالفعل أكثر استقلالية وقوة عقل وجازمات في إرادتهن 
ورأيهن وأقل سلبية وأنثوية» على سبيل المثال» من الفتيات الألمانيات أو 
اليابانيات اللواتي تباهى .الجنود الأمريكيون بأنهن «غسلن لنا ظهورنا». 
ولكن» لم يكن جليًا بالدرجة ذاتها أن أولئك الفتيات كن مختلفات عن 
أمهاتهن. وربما لهذاء وبشيء من التشويه الغريب للمنطق» ألقي باللوم فيما 
يتعلق بجميع عُصابات الأطفال الماضية والحالية على استقلالية وفردية 


د 


254 اللفزالأنثوي 
هذا الجيل الجديد من الفتيات الأمريكيات - الاستقلالية والفردية اللتان لم 
تملكهما ربات المنازل-الأمهات في الجيل السابق. 

بدا الدليل محتومًا: الأرقام المتعلقة بالتسريحات من الجيش لأسباب 
نفسية في الحرب» ودور الأمهات في تواريخ حالاتهن؛ أرقام كينزي 
(/إ25ز>1) الأولية حول عجز النساء الأمريكيات عن الاستمتاع بالرعشة 
الجنسية» ولاسيما المتعلمات منهن؛ حقيقة أن الكثير من النساء كنّ 
محبطات» وحوّلن ذلك إلى أزواجهن وأبنائهن. * شعر المزيد والمزيد من 
الرجال في أمريكا أنهم غير ملائمين وعاجزين. كثيرات من تلك الأجيال 
الأولى من ٠‏ النساء المهنيات فقدن فعلا الحب والأولاد. امتعضن من الرجال 
الذين نافسوهن» وامتعضوا منهن. وكان المزيد والمزيد من الرجال والنساء 
والأطفال الأمريكيين يذهبون إلى المستشفيات والعيادات العقلية والأطباء 
النفسيين. وضع كل ذلك أمام عتبة بيت الأمَ الأمريكية المحبطة» «المسترجلة» 
بفعل تعليمها والممنوعة. بإصرارها على المساواة والاستقلالية» مر ن إيجاد 
التحقق الجنسى كأمرأة. 

ركب ذلك كله مع الحخة الفرويدية القائلة أن أحدًا لم يتوقف ليدرس 
كيف كانت أمهات ما قبل الحرب أولئك فعلا. كن محبطات بالفعل. لكنء 
لم تكن أمهات الجنود غير المنسجمين. ذكور ما بعد الحرب المزعزعين 
العاجزین» نساءًا عاملات متعلمات مستقلات» بل «مامات»270-ربات منازل 
معَذّبات تابعات مضحيات بذاتهن. 

في عام 940 كان أقل من ربع النساء الأمريكيات يعملن خارج البيت؛ 
وأولئك في معظمهن لم يكن متزوجات. كانت نسبة .2.5 فقط من الأمهات 
#نساءًٌ عاملات». وُلدت أمهات الجنود الأمريكيين» الذين كانت أعمارهم 
بين 8 و30 عامًا فى عام 0 فى القرن التاسع عشر أو أوائل القرن 
(1) نستخدم كلمة «مامات» 700505 جمعًا لكلمة «ماما؟ 2200 مقصود مقابل «أمهات» 
5 حجمعًا لكمة «أم» mother‏ - المتر جم 











الفصل الثامن: الخيار الخطأ 255 
العشرين» وكبرن قبل أن تحصل النساء الأمريكيات على حق التصويت. 
أو يتمتعن بالاستقلالية والحرية الجنسية وبالفرص التعليمية أو المهنية التي 
توفرت لهن في العشرينيات. و لم تكن هؤلاء الامامات» نأشطات 
نسويات» ولا نتاج الحركة النسوية» بل نساءًا أمريكيات يعشن الحياة 
الأنثوية التقليدية التي لربة منزل وأمَ. هل فعلا كان التعليم. أو الأحلام 
المهنية أو الاستقلالية هو ما جعل ال«مامات» محبطات: ونقلن ذلك إلى 
أبنائهن؟ يؤكد حتى كتابٌ ساعد فى بناء اللغز الجديذ -كتاب إدوارد ستركر 
(Edward Strecker)‏ أبناء أمهاتهم -heir Mothers" Sons‏ الحقبقة القائلة 
أن 1 ل«مامات» لم يكن : نبانا St Sh o e SS‏ 
تعليمهن» إذا كنّ متعلمات؛ لقد عشن من أجل أبنائهن» ولم يكن أادبهن أية 
اهتمامات تتجاوز البيت و والأطفال والعائلة أو جمالهن. إنهن» فى الحقيقة. 
ملائمات لصورة اللغر الأنثوي دأتها. 

ها هنا «الماما» التي وجدها الدكتور ستركره بوصفه مستشارًا للطبيب 
العام للجيش والقوات البحرية؛ مذنية في تاريخ حالات الأغلبية الساحقة 
من ال1825000 رجل المرفوضين من الخدمة العسكرية نتيجة إضطرابات 
نفسية» وال600000 المسرّحين من الجيش لأسباب نفسية-عصبية. 
وال500000 الإضافيين الذين حاولوا أن يتهرّبوا من السحب إلى الجيش - 
أي نحو 3 ملايين رجل من أصل 15 مليونًا في الخدمة ار تدوا إلى الغصاب: 
وغالبًا بعد بضعة أيام فقط من الدخول في ال لحمو لان لسو لني 

و«القدرة على مواجهة الحياةء والعيش مع الآخرين والتفكير بأنفسهم 

والوقوف على قدميهم". 

«الماما» امرأة يحرض سلوكها الأمومي البح عن تعويضص عاطفي عن 

الضربات التي سددتها' الحياة لأناها. في علاقتها مع أبنائهاء كل فعل. 

وتقريبًا كل نفس. مصمُّمٌ على نحو غير واع. ولكنه حصري. لاستيعاب أولادها 

عاطفيًا. ولربطهم بها بإحكام. وحتى تحقق هذا الهدف. لابدّ أن تدمغ أولادها 

بنمط السلوك غير الناضج... ليست أمهات الرجال والنساء القادرات على 


256 اللفز الأنثوي 


موأجهة الحياة بنضج ميالات لأن يكن من النوع التقليدي للماما. الأرجح أن 
الماما لطيفة. شغوفة. مضحية بذاتها... تتحمل مشاكل كثيرةء ولا توفر على 
نفسها عناء انتقاء ملابس أبناتها البالغين. إنها تراقب عقص شعرهم وأنتقاء 
ا ورفقائهم ورياضتهم ومواقفهم وآرائهم الاجتماعية. . هي. . إجمالاء 
تقوم بالتفكير نيابة عنهم... تكون لاهذه الهيمنة 11 أحيانًا شديدة واستبدادية, 
لكنهاء في غالب الأحيانء ناعمة وإقناعية وملتوية على نحو ما... الطريقة 
الأكثر شيوعًا هي الطريقة المداورة التي يُجعل الطفل فيها يشعر أن الماما 
متأذية وأنها تحاول بجهد كبير إخفاء ذلك الأذى. الطريقة الناعمة أكثر 
نجاحًا دائمًا في منع مظاهر التفكير والفعل الشابّين 
قد تعترف الماما «المضحية بذاتها», بتردد. عندما تكون تحت ضغط شديد, 
أنّها ربما تبدو «منهكة». وأنها فعلا متعبة ظليلا . لكنها تزقو بابتهاج «وماذا 
في ذلك؟.... المعنى هو أنها لا تبالي بكيف تبدو أو تشعر. لأنّْ في قلبها 
فرح الخدمة. تجد سعادتها من الفجر وحتى وقت متأخر من الليل في رعاية 
أطفالها. البيت يعود لهم. «يجب أن يكون هكذا تمامّاء؛ الوجبات في مواعيدها 
على الدقيقة؛ ساخنة وشهية. الطعام متوفر على مدار الساعة... ليس هناك 
أزرار ضائعة من الملابس في هذا البيت المرتّب. كل شيء في مكانه الصحيح. 
والماما تعرف أين هو. تضع الأشياءء بلا تذمّر وبسعادة: في أمكنتها بعد أن 
يبعثرها الأولاد هنا وشناك وفي كل مكان... أي شيء يحتاج إليه الأولاد أو 
يريدونه. ستحصل لهم الماما عليه بابتهاج. إنه البيت الكامل... ويرجّح جذاء 
أن يبقى واحد. أو أكثر من الأبناء. نتيجة إخفاقه في إيجاد ملاذ هادئ مضاه 
له في العالم الخارجيء في البيت السعيد, أو يعود إليهء ليحتمي في رحمه إلى, 
الأبد 00 


قد تكون ال«ماما» أيضًا هي «الحمقاء اللطيفة» بعبادتها القائمة على' 
الجمال والملابس ومواد التجميل والعطور وتسريحات الشعر والنظام, 
الغذائي والتمرين» أو «المثقفة الزائفة التي تتبع دائمًا دورات» وتحضر. 
محاضرات» ولا تدرس بجد موضوعًا واحدّاء وتزيد معلوماتها فيه على نحو' 
شامل» بل في شهر ما الصحة العقلية» وفي التالي مواد التجميل» فالعمارة 


(1) Edward Strecker, Their Mothers ’ Sons, Philadelphia and New York, 1946. pp. 
52-59. 


الفصل الثامن: الخيار الخطأ 257 
اليونانية» ورياض الأطفال». أولئك كنّ «مامات» الأولاد الذين لم يستطيعوا 
أن يكونوا رجالا على الجبهة أو في الوطنء في السرير أو خارجه. لأنهم 
أرادوا فعلا أن يكونوا أطفالا. وكان لدى كل هؤلاء المامات شيء مشترك 
فيما بينهن: 
...الرضا العاطفي» إلى حد التخمة تقريبًاء الذي تشتقه من إبقاء أولادها 
يطرطشون حولها بأقدامهم في نوع من السائل السَّلويًا '' النفسي. بدلا من 
تركهم يسبحون بضربات النضج المصمّمة الجريئة مبتعدين عن رحم الأمّ 
العاطفي... وبما أنها هي ذاتها غير ناضجةء فإنها تفذي عدم النضج في 
أولادهاء وهم؛ إجمالاء محكوم عليهم أن يعيشوا حياة من النقص والتماسة 
على المستوبين الاجتماعي والشخصيي :كا 
أستشهد بالدكتور ستركر بإسهاب لأنّه كان ويا للغرابة» أحد 
المرجعيات في الطب النفسي الذي يستشهد فيه كثيرًا فى طوفان المقالات 
والخطابات التى سادت بعد الحربء والتى تدين النساء الأمريكيات على 
أنوثتهن الضائعة» وتطلب منهن العودة بسرعة إلى بيوتهن وتكريس حياتهن 
لأولادهن. في الواقع» كان مغزى حالات ستركر هو العكس تمامًا؛ فقد 
كانت للأبناء غير الناضجين أمهات كرّسن الكثير من حياتهن لأبنائهن» 
أمهات كان عليهن أن يبقين أولادهن ا كي لا تنتهي حياتهنّ نهائياء 
أمهات لم يصلن قط إلى النضج» أو لم يُشجَعن على الوصول إليه: «حالة 
أو خاصية أن تكون ناضجة؛ النضج. ا الكامل. .. استقلالية الفكر 
والفعل».. خاصية أن تكون إنسانة تمامًا. وهذا ليس مثله مثل الأنوثة تما 
تؤخذ الحقائق من قبل لغز ما وإلى درجة كبيرة بالطريقة ذاتهاء فيما 
أظن. التي للظاهرة الغريبة التي تصبح فيها شطيرة همبرغر يلتهمها كلب 
كلب وتصبح الشطيرةٌ 5 التي يلتهمها إنسانٌ إتسانًا. أبعت حقائق صاب 
:Am note F14 )17‏ مادة سائلة توجد داخل الكيس الغشائي المحيط بالجنين داخل الرحم 


- المترجم. 
Ibid., pp. 31 ff.‏ )2( 


258 اللفز الأنثوي 


الجنود الأمريكيين فى الأربعينيات دليلا على أن النساء الأمريكيات قد 
ضللن عن التحقق الأثثوي بتعليم معد من أجل الحياة المهنية والاستقلالية 
والمساواة مع الرجال و تحقيق الذات بأيّة ية تكلفة»» على الرغم من أن معظم 
تلك النساء ا و E‏ وبمفارقة ساحرة» حرف 
اللغرُ الأنثوي الدليلٌ الكبير على الأذى النفسي» الذي وقع على الصبيان 
والبنات من قبل الأمهات المحبطات اللواتى كرّسن كل وقتهن لتلبية 
اعات الكولاد» إلى بوعوات للجيل الجدرد ع اعات للعودة إلى الت 
وتكريس أوقاتهن لتلبية حاجات الأولاد. 
لم يجعل أي شيء شطيرة الهمبرغر تلك أل مذاقا من أرقام كينزي 
الأولية التي أظهرت أن الإحباط الجنسي لدى النساء يتعلق بتعليمهن. 
الحقيقة المفزعة» التي تم اجترارها مرارًا وتكراراء هي أن ما بين 50 و85 
بالمائة من النساء الجامعيات المشمولات بالدراسة لم يعرفن قط النشوة. 
الجنسية» في حين أن أقلّ من خمس النساء المتعلمات حتى المرحلة الثانوية 
ا . وكما فشر كتاب المرأة المعاصرة: : الجنس الضائع : 
تج كينزي الأولية هذه: 
انخفض الفشل الكامل فى تحقيق النشوة بين النساء اللواتى أكملن مرحلة. 
الدراسة الابتدائية أو أقل إلى ما يقارب الصفر. وأشار الدكتور كينزي, 
وزملاؤه إلى أن 100% من التفاعل المتمثل بهزة جماع كاملة وَجد عمليًا بين 
النساء الزنجيات غير المتعلمات. .. وبالتالي فالقاعدة النفسية-الجنسية التي 
تبدأ بالتشكل هي التالية: كلما كانت المرأة متعلمة أكثر؛ زاد احتمال وجودا 
اضطراب جنسي لديهاء بدرجة أكثر حدّة أو أقل...!!) 


0١ Farnham and Lundberg, Modern Woman, The Lost Sex, p. 271. See also: Lynn 
White, Educating Our Daughters, p. 90. 

تشير النتائج الأولية لدراسة دقيقة للعادات الجنسية الأمريكية يقوم بها د. أ سي. كينزي : 
من جامعة إنديانا إلى أن هناك ارتباط عكسي بين التعليم وقدرة المرأة على انجاز تحقيق ٠‏ 
هزة جماع اعتيادية في الزواج. وفق الدليل الحالي» والذي نعترف أنه غير نهائي /65 
تقريبًا من الجماع الزوجي الذي تقوم به نساء بخلفيات جامعية يتم دون هزة جماع من 
قبلهن» بالمقارنة مع نحو /15 للنساء المتزوجات اللواتي لم يتجاوزن المرحلة الابتدائية. 


الفصل الثامن: الخيار الخطأ 259 


مر عقد تقريبًا قبل نشر تقرير كينزي الكامل عن النساءء وجاء مناقضًا 
تمامًا لتلك النتائج الأولية. كم امرأة تدرك» حتى في هذا الوقت» أن تاريخ 
ال5940 حالة من النساء الأمريكيات اللواتي درسهن كينزي أظهر أن 
عدد الإناث اللواتي يصلن إلى النشوة في الزواج» وعدد الإناث اللواتي 
يصلن إلى النشوة في 100/7 من المرات تقريبًا كان يتعلق بالتعليم» ولكن 
بالعكس: فكلما زاد تعليم المرأة كان احتمال التحقق الجنسي عندها أعلى. 
كان احتمال ألا تعرف المرأة» التي لم تحصل إلا على التعليم الابتدائي» 
الرعشة الجنسية قط أعلى» فى حين كان احتمال أن تحقق المرأة. التى أنهت 
الجامعة» وتابعت دراساتها العليا أو المهنية» الرعشة الجنسية الكاملة فى 
107 من المرات أعلى بكثير. وبكلمات كينزي نفسه: ١‏ 
وجدنا أن عدد الإناث اللواتي يصلن إلى الرعشة الجنسية. في أية فترة من 
خمس سنوات, هي أعلى بوضوح بين النساء اللواتي يتمتعن بخلفية تعليمية 
أعلى... أخفق عدد اكبر من إناث العينة اللواتي تمتمن بمستوى تعليمي 
منخفضء في كل فترة من فترات الزواجء من السنة الأولى وحتى السنة 
الخامسة عشرة على الأقل» تمامًا في الوصول إلى الرعشة الجنسية خلال 
الجماع الزوجيء بينما أخفق عدد صغير من الإناث الأفضل تعليمًا بالدرجة 
لا تتوافق هذه البيانات مع عملية حساب أولية غير منشورة قمنا بها 
منذ بضع سنوات. فاستنادًا إلى عينة أصغرء وإلى طريقة في الحساب أقل 
ملاءمة» يبدو أننا وجدنا عددًا أكبر من الإناث ذوات المستويات التعليمية 
الأدنى يحقق الرعشة الجنسية في الجماع الزوجي. لكن هذه البيانات تحتاج 
الآن إلى تصحيح...". 
لكنّ اللغز الذي ازدهر بالأرقام المغلوطة الأولية لم يُصَحّح بسهولة. 
ثم كانت هناك الأرقام المخيفة وتواريخ حالات أطفال مهجورين 


(1) Alfred ©. Kinsey. et al., Staff of the Institute for Sex Research, Indiana 
University, Sexual Behavior in the Human Female, Philadelphia and London, 
1953. pp. 378 f. 


260 اللغز الأنثوي 


ومنبوذين لأنَ أمهاتهم كنّ عاملات. كم امرأة تدرك حتى في هذا الوقت» 
أن الأطفال في تلك الحالات المنشورة» الذين ذبلوا نتيجة نقص الحنان 
الأمومي. لم يكونوا أبناء أمهات متعلمات من الطبقة الوسطى» تركنهم 
تحت رعاية آخرين بضع ساعات في اليوم ليمارسن مهنة أو ليكتبن قصيدة 
أو ليخضن معركة سياسيةء بل أطفالا مهجورين فعلًا: لقطاء متروكين» على 
الأغلب عند الولادة» من قبل أمهات غير متزوجات وآباء سكارىء أطفال لم 
يكن لهم قط بيت» ولم يتلقّوا قط رعاية محيّة حنونة. كانت العناوين الرئيسية 
تُقدّم من قبل أية دراسة تتضمن أن الأمهات العاملات مسؤولات عن جنوح 
الأحداث والصعوبات المدرسية أو الاضطرابات العاطفية لدى أطفالهن. 
مؤخرًاء حللت عالمة نفسيةء هى الدكتورة لويس ميك ستولز 116610 وأمآ. 
2) من جامعة ستانفورد. 5 الأدلة من تلك الدراسات» واكتشفت 
أن المرء يستطيع في الوقت الحاضر أن يقول أي شيء -جيدًا كان أم سيئًا- 
حول أبناء الأمهات العاملات» ويدعم قوله ببعض النتائج البحثية. لكنء 
ليس هناك أي دليل حاسم على أن الأبناء أقل سعادة أو صحة أو تكيّقًا لأن 
أمهاتهم يعملن”". 

لا تحظى الدراسات. التي تظهر النساء العاملات على أنهن أمهات 
أسعد وأفضل وأكثر نضجًاء بكثير من الدعاية. يقول أحدهم: بما أن جنوح 
الأحداث يتزايد» والمزيد من النساء يعملن أو «متعلمات للقيام بنوع ما من 
أنواع العمل الفكري»» فهناك بالتأكيد علاقة سبب-نتيجة مباشرة. باستثناء أن 
الدليل يشير إلى أنه لا توجد مثل تلك العلاقة. منذ عدة سنواتء كان هناك 
الكثير من الدعاية لدراسة تقارن مجموعات متكافئة من الفتيان الجانحين 
وغير الجانحين. توصلت» من بين أمور أخرىء إلى أن نسبة الجنوح أو 
الهرب من المدرسة لم تكن أعلى في حالة الأمهات العاملات في عمل 
منتظم منها في حالة ربات المنازل. لكنّ عناوين مثيرة حذّرت من أن عددًا 


(1) Lois Meek Stolz, “Effects of Maternal Employment on Children: Evidence 
from Research,” Child Development, Vol. 31. No.4, 1960, pp. 749-782. 


الفصل الثامن: الخيار الخطأ 261 
أكبر» على نحو ملحوظ» من الجانحين كانت أمهاتهم يعملن بلا انتظام. 
سببت هذه النتيجة الشعور بالذنب والكابة للأمهات المتعلمات اللواتي 
تخلين عن مهن تتطلب تأهيلًا عاليّاء لكنهن نجحن في متابعة اختصاصهن 
بالعمل في دوام جزئي» أو بالعمل لحسابهن» أو باستلام أعمال مؤقتة مع 
فترات انقطاع يقضينها في البيت. استشهدت نيويورك تايمز بأمّ من هذا 
القبيل: «لقد كنت هنا ولسنوات أستلم قصدًا أعمالا مؤقتة وأعمالا بدوام 
جزئي» فا ترتيب حياتي العملية وفق مصلحة الأولاد المثلى» والآن 
يبدو كما لو أنني كنت أقوم بأسوأ ما يمكن!)'. 

في الحقيقة» كانت هذه الأم» وهي امرأة حاصلة على تدريب مهني» 
وتعيش في حي مريح للطبقة الوسطى» تساوي نفسها بالأمهات في تلك 
الدراسة اللواتي تبيّن أنهن لم يكنّ يعشن في ظروف اقتصادية-اجتماعية 
فقيرة وحسب» بل وفى العديد من الحالات هنّ أنفسهن كنّ جانحات. 
وغالبًا ما كان أزواجهن مضطربين عاطفيًا. 

وافترض الباحثون. الذين قاموا بتلك الدراسة» أن أبناء تلك النساء 
كانوا يعانون من صراعات عاطفيةء لأنْ دافع الأمّ إلى العمل المتقطع 
«ليس الإضافة إلى دخل العائلة» بقدر ما هو للهرب من العمل المنزلي 
والمسؤوليات الأمومية». لكنّ اختصاصيًا آخر اعتبر» في تحليله للنتائج 
ذاتهاء أن السبب الأساسي لكل من عمل الأمّ المتقطع وانحراف الابن هو 
عدم الاستقرار العاطفي لكلا الأبوين. أيّا يكن السبب» لم يكن الوضع بأي 
شكل من الأشكال مضاهيًا لذاك الذي لمعظم النساء المتعلمات اللواتي 
وجدن أنفسهن فيه. في الواقع» كما بين الدكتور ستولز» تشير دراسات 
عديدة أسيء تفسيرها ك«دليل» على أن النساء لا يستطعن الجمع بين 
المهنة والأمومة فعليًاء إلى أنه» حين تكون الشروط الأخرى متساوية؛ فإن 





)1( 8. F. Southard, “Mothers? Dilemma: To Work or Not?” New York Times 
Magazine, July 17, 1960. 


262 اللفز الأنثوي 


احتمال أن يعانى أبناء الأمهات العاملات. لأنهن يردن العملء من القلق» أو 
أن يتعرضوا لمشاكل في المدرسة. أو «ينقصهم الشعور بالقيمة الشخصية». 
أقل من احتمال أبناء ربات المنازل. 


أجريت الدراسات الأولى على أبناء الأمهات العاملات في فترة كانت فيها 
قنّة من النساء المتزوجات يعملن: في رياض أطفال نهارية تخدم الأمهات 
العاملات اللواتي كن بلا أزواج نتيجة الموت أو الطلاق أو الهجر. وقد قام 
بهذه الدراسات عمال اجتماعيون واقتصاديون للضغط من أجل إصلاحات 
من مثل راتب الأمهات التقاعدي. أمّا الاضطرابات ومعدل الوفيات المرتفع 
بين هؤلاء الأطفالء فلم يعثر عليها في دراسات أجريت في هذا العقد الأخيرء 
حيث واحدة فقط من بين كل ثمانية من ملايين النساء المتزوجات العاملات 
لا تعيش مع زوجها. 

في دراسة حديثة من هذا القبيل. استندت إلى ألفي أمّ. كانت الفوارق الوحيدة 
ذات المغزى هي أن عدد الأمهات-ربات المنازل اللواتي صرّحن: «يجعلني 
الأولاد عصبية» أكبر من عدد الأمهات العاملات اللواتي عبّرن عن الأمر ذاته؛ 
كما بدا أن ربات المنازل لديهن «مزيد من الأطفال». انتهت دراسة شهيرة في 
شيكاغو. يبدو أنها أظهرت أن عددًا أكبر من أمهات الجانحين يعملن خارج 
المنزل: إلى مجرّد إظهار أن عددًا أكبر من الجانحين قد جاؤوا من بيوت 
مفككة. وأظهرت دراسة أخرى على 400 طفل يعاني من اضطراب جدي (من 
مجتمع إحصائي مدرسي مؤلف من 16000 طفل) أنه حيث لم يكن البيت 
مفككًاء إن عدد أمهات الأطفال المضطربين اللواتي عملهن ربات منازل هو 
كلاكة أضعاف عدد الأمهات العاملات. 

وأظهرت دراسات أخرى أنّ احتمال أن يكون أبناء الأمهات العاملات إما 
عدوانيين بشدّة أو مكبوتين بشدّة. واحتمال أن يكون أداؤهم في المدرسة 
ضعيمًاء أو «ينقصهم الشعور بالقيمة الشخصية» أقل من احتمال أبناء ربات 
المتازل: وان احتمال أن فرج الأمهات العاملات بالحمل أعلى'من اعمال 
فرح ربات المنازل بذلك. واحتمال أن يعانين من «دور الأم» أقل. 

كما بدا أن هناك علاقة أقرب وأكثر إيجابية مع الأولاد بين الأمهات العاملات؛ 
اللواتي أحببن عملهن. من تلك التي للأمهات-ربات المنازل. أو الأمهات. 


الفصل الثامن: الخيار الخطأ 263 





اللواتي لم يكن عملهن يروق لهن. ولم تظهر دراسة في الثلاثينيات عن 

الأمهات المتعلمات حتى المرحلة الجامعية. وهن الأقدر على اختيار العمل 

الذي يحببنه. أي أثر سلبي لعملهن على تكيّفهن الزوجي والعاطفيء أو على 

عدد مشاكل الأبناء وجديّتها. عمومًاء تشاطرت النساء العاملات فى صفتين 

فقط: كان احتمال حصولهن على تعليم عال أعلىء وكذلك احتمال أن يمشن 

في المدن!!). 

أنَا في عصرنا نحن» حيث أصبحت حشود من النساء المتعلمات ربات 
منازل يعشن في الضواحيء فقد كان بينهن من لم يشغل بالها قط أن يكون 
تبوّل طفلها في السرير أو مصه لإبهامه أو مبالغته بالأكل أو رفضه الأكل أو 
انسحابه أو قلة أصدقائه أو عدم قدرته على البقاء وحيدًا أو عدوانيته أو جبنه 
أو بطؤه فى القراءة أو مبالغته بالقراءة أو نقص انضباطه أو قسوته أو كبته 
أو اسراف ار تشرد الجنسي المبكر أو نقص اهتمامه الجنسي علامة 
على عُصاب أوّلي. فهذه» إذا لم تكن شذودًا فعليًا أو جنوحًا فعليًاء فيجب 
أن تكون على الأقل علامات على فشل أبوي» أو نذر تمصاب مستقبلي. 
وقد كانت كذلك أحياتا. كان على الأمومة» تحت بقعة الضوء الفرويدية» أن 
تصبح عملا ومهنة بدوام كامل إن لم تكن عبادة دينية. قد تعني خطوةٌ زائغة 
واحدة كارثة. تستطيع الأمهات بلا مهن وبلا أي التزام غير التزامهن ببيوتهن 
أن يكرّسن كل لحظة لأولادهن؛ يمكن أن يو جهن كامل اهتمامهن لإيجاد 
علامات على عٌصاب أوّلي-وربما لإنتاجه. 

يمكنك دائمًا بالطبع أن تجد في تاريخ كل حالة حقائق مهمة حول 
الأ ولاسيما إذا كنت تبحث عن حقائق» أو ذكريات» عن تلك السنوات 
الخمس الأولى التي يفترض أنها حاسمة. فبعد كل شيء, الأمّ في أمريكا 
دائمًا حاضرة؛ ويفترض أن تكون حاضرة. هل حقيقة أنهن حاضرات 
دائمّاء وأنهن حاضرات فقط بوصفهن أمهات» تتعلق على نحو ما بعٌصابات 
أبنائهن؟ الكثير من الثقافات تنقل صراعاتها إلى الأبناء عن طريق الأمهات» 


س 


(1) Stolz, op. cit. See also Myrdal and Klein, op. cit., pp. 125 ff. 


264 اللفز الأنثوي 


لكنء في الثقافات العصرية للعالم المتحضّرء ليست كثيرة تلك التي تعلّم 


أقوى نسائها وأقدرهن أن يتخذن من أبنائهن مهنة. 


اعترف الدكتور سبوك قبل زمن غير طويل» وبشيء من الصعوبةء أن 
الأطفال الروس. الذين لأمهاتهم عادة هدف ما في حياتهن إضافة إلى الأمومة 
-يعملن في الطب أو العلم أو التربية أو الصناعة أو الحكومة أو الفن- بدوا 
على نحو ما أكثر استقرارًا وتكيمًا ونضجًا من الأطفال الأمريكيين» الذين لا 
تعمل أمهاتهم المتفرغات أ شيء سوى القلق بشانهم. أيمكن أن تكون 
النساء الروسيات» على نحو ماء أمهات أفضل لأنْ لديهن هدفًا جديا فى 
حياتهن؟ على الأقل» أولئك الأمهات» كما قال الدكتور سبوك الطيب» أكثر 
ثقة بأنفسهن كأمهات. لا يتكلن» كالأمهات الأمريكيات» على آخر كلمة 
قالها الخبراء» وأحدث بدع رعاية الطفل”'. من الواضح أنه عبء مريع 
على الدكتور سبوك أن تكون لديه 13500000 من الأمهات غير واثقات من 
أنفسهن إلى حدّ أن يربّين أبنائهن حرفيًا وفق كتابه» وأن يتصلن به» على نحو 
يرثى له» طلبًا للمساعدة عندما لا ينفع الكتاب. 


لم تشر أية عناوين رئيسية إلى انشغال الأطباء النفسيين المتزايد بمشكلة 
«الاتكال» لدى الأطفال والأولاد البالغين الأمريكيين. درس الطبيب النفسي. 
ديفيد ليفى (ل0ا6.آ 04۷14). فى دراسة شهيرة جدًا عن «الحماية الأمومية 
المفرطة!» بتفصيل دقيق» عشرين أقاً دقرن أبناءهن إلى حدّ مرضيّ عن 
طريق «المعاملة الأمومية لهم كأطفال وتدليلهم والحماية المفرطة لهم»”. 
وكانت حالة نموذجية حالة صبى فى الثانية عشرة من عمره عانى من «نوبات 
غضب مزاجية مان كن عم الحادة ع عندما رفضت أمه أن تدهن. 
له خبزته بالزبدة. كان ما ل يطلب مساعدتها في اوركذا انيه لمن 
Benjamin Spock. “Russian Children Don’t Whine, Squabble or Break Things-‏ )1( 


;_ Why?” Ladies’ Home Journal, October, 1960. 
;{2) David Levy, Matemal Overprotection, New York, 1943. 


الفصل الثامن: الخيار الخطأ 265 
متطلباته فى الحياة بإتقان شديد بقوله إن من شأن أمه أن تدهن خبزته بالزبدة 
إلى أن يتزوج» وبعد ذلك ستفعل زوجته ذلك...٠.‏ 

كانت جميع هؤلاء الأمهات» وفق مؤشرات فزيولوجية من مثل الحيض 
وحليب الثدي والعلامات المبكرة على «النمط الأمومي في السلوك»» 
قويات على نحو غير عادي فى أساسهن الغريزي الأتثري أو الأمومى. إذا 
كان الأمكاة وميك الام على ا كات اا الروت اد 
اثنتين» كما وصفهن الدكتور ليفى نفسه» مسؤولات ومستقرات وعدوانيات: 
بان الككائب القماك آذ اتراي نر املو لك الم ل غل ام 
أمومي واضح من السلوك؛ لقد يونت 8 امرأة من الأمهات العشرين 
المبالغات في حمايتهن منذ الطفولة». ولم يكن لدى أي منهن أيّ أثر لرفض 
غير واع للطفل أو للأمومة. 

ما الذي جعل تلك النساء العشرين الأموميات بقوة (من الجلي أن 
القوةء وحتى العدوان؛ ليست مذكرة عندما يعتبرها طبيب نفسي جزءًا من 
الغريزة الأمومية) ينتجن أولئك الصبيان الطفوليين على نحو مرضي؟ لشيء 
واحد» «استّخدم الابن وسيلة لإرضاء رغبة شاذة في الحب». كانت تلك 
الأمهات ينتعشن» ويضعن أحمر الشفاه عندما يحين موعد عودة الصبي من 
المدرسة» مثل زوجة تتزين من أجل زوجها أو فتاة لموعدها الغرامي» إذ 
لم تكن لديهن أية حياة أخرى بالإضافة إلى الابن. كانت لدى معظمهن. 
كما قال ليفى» طموحات مهنية مخذولة. كانت «الحماية الأمومية المفرطة» 
في !لواقع ا قوة تلك الأمهات وطاقتهن الأنثوية الأساسية -المسؤولة 
والمستقرة والفعالة والعدوانية- التي تنتج المرض في الطفل عندما منعت 
الأم من «قنوات التعبير الأخرى». 

وكانت لمعظم تلك الأمهات. أيضًا أمهات مسيطرات وآباء مذعنون: 
كما كان أزواجهن أبناء مطيعين لأمهات مسيطرات؛ وحسب المصطلحات 
الفرويدية» كانت الخصائية المحيطة بهم من كل جانب شديدة. خضع 


266 اللفز الأنثوي 
الأبناء والأمهات لعلاج كثيف بطريقة التحليل النفسي على مدى سنوات» 
كان الأمل منه أن يكسر الحلقة المَرّضية. لكن» عندما فحص عاملو البحث»ء 
بعد بضع سنوات من الدراسة الأصليةء تلك الأمهات والأبناء الذين خضعوا 
لحماية مفرطة على نحو مرضيء لم تكن النتائج كما كان متوقعًا تمامًا. لم 
يكن العلاج النفسي» في معظم الحالات» فعالا. ومع ذلك» لم يصبح بعض 
الأولاد مرضى عند البلوغ» ولم يكن ذلك نتيجة العلاج» بل نتيجة ظرف 
حصلت فيه الأمّ على اهتمام أو نشاط ما في حياتها الخاصة» فتوقفت 
ببساطة عن عيش حياة ابنها نيابة عنه. وفي بضعة حالات أخرى. نجا الابن 
لأنه؛ باستخدام قدرته الخاصة» وجد لنفسه مساحة من الاستقلالية لم تكن 
أمه جزءًا منها. 

شاهد علماء اجتماعيون إشارات أخرى على مشكلة علاقة الأمّ-الابن 
الحقيقية في أمريكا دون أن يخترقوا اللغز. فاكتشف عالم اجتماع اسمه 
أرنولد جرين (۵۸٠إ6‏ 4:2014)» بالصدفة تقريبًاء بعدًا آخر للعلاقة بين تغذية 
حب الام أو نقصه» والعصاب. 

يبدو اَن جيل كاملا قد تر بی في مدينة ماساشوستس الصناعية» حيث 
e‏ ال E‏ ظروف سلطة أبوية 
لاعقلانية حاقدة» بل ووحشية» وفقدان كامل لل«حب» بين الأهل والطفل. 
حاول الآباء» وهم من المهاجرين البولنديين» أن يفرضوا على أبنائهم قواعد 
قاسية من العالم القديم» لم يكن أبناؤهم الأمريكيون يحترمونها. وجعل 
احتقار الأولاد وغضبهم وسخريتهم الأهل المذهولين يلجؤون إلى «سلطة 
لاعقلانية شخصية حاقدة لم تعد تجد سندًا لها في الآمال والطموحات 
المستقبلية للأولاد). 

طبّق الأهل. في حنقهم وخوفهم من فقدان السيطرة التامة على أبنائهم: 

سياسة القبضة والسوط على أبنائهم على نحو تنقصه الفطنة. فأصوات 

الصفعات والصرخات والأنين والمناكدات وعويل التعذيب والحقد شائعة 


الفصل الثامن: الخيار الخطأ 267 





كثيرًا على طول صفوف البيوت الخُربَّة التابعة للمعامل. حتى أن العاير لا 

يعيرها سوى القليل من الاهتماه!!). 

وبالتأكيدء هنا كانت تكمن بذور العُصابات المستقبلية» كما فهمها 
جميع الأهل الطيبين بعد الفرويدية في أمريكا. ولكن» عندما عاد جرين» 
وتفخص ععالم اجتماع العُصابات التي لابه وفق الكتاب» من أن تكون 
منتشرة جدّاء لم يجد» ويا لذهوله» أية حالة معروفة عن رفض الجيش نتيجة 
صاب في الجالية البولندية المحلية» ولم يجد في السلوك الصريح لجيل 
بأكمله في القرية «أي تعبير عن القلق أو مشاعر الذنب» أو قسوة الردّ أو 
العدوانية المكبوتة» وهي الأعراض المتنوعة الموصوفة على أنها خاصيّة 
الشخصية العُصابية الأساسية». وتعجب جرين. لماذا لم يصبح هؤلاء الأبناء 
عُصابيين» ولماذا لم تدمّرهم تلك السلطة الأبوية اللاعقلانية الوحشية؟ 

لم يكن لديهم شيء من ذلك الحب الثابت المراقب الراعي الذي أل 
على أمهات الطبقة الوسطى من قبل ممارسي الطب النفسي للأطفال؛ كانت 
أمهاتهم؛ مثل آبائهم» يعملن طيلة النهار في المعمل؛ وكانوا يُتركون في رعاية 
الأخوات أو الأخوة الأكبر سئّاء ويركضون بحرية فى الحقول والغابات» 
ويتجتبون آباءهم ما أمكنهم ذلك. كان التشديد في تلك العائلات يوضع 
على العمل لا على العاطفة الشخصية: «الاحترام» لا الحب» هو الرابطة 
التي تجمع». لم تكن مظاهر الحب إجمالا معدومة» حسب قول جرين» 
«لكن ليس هناك سوى القليل مما يجمعها مع تعريفات حب الوالد-الولد 
الموجودة في المجلات النسائية للطبقة الوسطى». 

خطر في بال عالم الاجتماع أن غياب حب الأ الراعي الغامر هذا 
ذاته قد يفشر لمَ لم يعان هؤلاء الأبناء من الأعراض العُصابية الموجودة 
بشكل عام لدى أبناء أهل الطبقة الوسطى. كانت سلطة الأهل البولنديين؛ 
مهما كانت وحشية ولاعقلانية» «خارجية بالنسبة لجوهر الذات»» كما 


(1) Amnold W. Green, “The Middle-Class Male Child and Neurosis,” American 
Sociological Review, Vol. Il, No.1, 1946. 





268 اللغز الأنثوي 
عبر جرين عن الأمر. لم يمتلك الأهل البولنديون الأسلوبء ولا الفرصة» 
«لاستيعاب شخصية الطفل». وافترض جرين أنه ربما لم يسبب «نقص 
الحب» و«السلطة اللاعقلانية» في ذاتهما العُصابء إلا في سياق معين من 
«أمتصاص الشخصية)- تسود ش الطفل الجسدي والعاطفي الذي يسبب 
الاتكال الخانع على 7 والموجود بين أبناء الطبقة الوسطى المتعلمة 
جامعيًا الحضرية الأمريكية البيضاء البلدية. 
هل «نقص الحب» هو سبب العصاب» أم التنشئة الأبوية للطبقة الوسطى 
التى «تمتص) إلذات المستقلة للطفل» وتخلق فيه حاجة مفرطة إلى الحب؟ 
لطالما ركز المحللون النفسيون على بذور العٌُصابات؛ وأراد جرين أن 
«يكتشف ما الذي فى والد من الطبقة الوسطى الحديثة حتى يخصّب تربة 
عُصاب الطفلء كيفما زرعت البذرة الفردية». 
وكالعادة» أشار السهم. > على نحو مصيبء إلى الأم. لكنّ جرين لم 
يكن مهتمًا بمساعدة الأم الأمريكية العصرية على التكيّف مع دورها؛ بل 
بالعكس» وجد أنها تفتقد أي «دور» حقيقي كامرأة ف في المجتمع الحديث. 
إنها تدخل في الزواج» وربما تحمل بطفل دون دور محدّد ومجموعة من 
الوظاكف. كما في الماضي... وتشعر بالدونية تجاه الرجلء لأنها كانت نسبيًاء 
ومازالت. مقيّدة أكثر منه. لقد كان مدى التحرير الفعلي للنساء مبالفًا به على 
نحو شائع... 
تحرز فتاة الطبقة الوسطى عن طريق زواج «جيد» مكانةٌ أعلى بكثير من تلك 
الممكنة لها عن طريق مهنة خاصة بها. لك فترة مداعبة الوهم بمهنةء أو 
مباشرة واحدة؛ تتركها غير مناسبة للعمل الشاق المتمثل بتنظيف المنزل 
والبياضات وتحضير الوجبات... ليس لدى الأ سوى القليل لتقوم به. داخل 
البيت أو خارجه؛ فهي الرفيق الوحيد لابنها الوحيد. تفرض «العناية العلمية 
بالطفل» الحديثة إشرافا متواصلا وقلمًا مسهبًا على صحة الطفل وتناوله 
السبائخ ونمو الأنا لديه؛ ويتعقّد ذلك بالحقيقة المتمثلة في أنّ الكثير من 
الطاقة تصرف على إكراه الطفل على السير مبكرًا وتدريبه على استخدام 
التواليت والكلام. لان الأهل المنحدرين من الطبقة الوسطى في بيكة تتسم 


الفصل الثامن: الخيار الخطاً 269 





بالمنافسة الشديدة يقارنونء على نحو متواصل» ومن يوم الولادة. تطور ابنهم 
مع تطوّر أبناء الجيران. 


ويخمّن جرين أنْ أمهات الطبقة الوسطى ربما... 
.. يكن قد جعلن «الحب» ذا أهمية فائقة في علاقتهن بالابن: حبهن له وحبه 
لهن» وذلك. في جزء منه. نتيجة عقدة الحب في زماننا . التي تتفرّع في الطبقة 
الوسطى» وفي جزء آخرء بوصفه تعويض عن التضحيات رة الي يعسن 
بها تجاه الطفل. يعاني الطفل من الحاجة إلى الحب بالضبط لأنّهِ قد كَيّف 
بحيث يحتاج إليه. كتج هم ی غا اة .. ليست الحاجة إلى الحب 
الأبوي» بل التهديد المتواصل بسحبه بعد أن يكون الطفل قد كيّف وفق تلك 
الاج فوا يعم ف عدر التهنا بات ار اة و 
الماما إذا لم تأكل صحنك من السبانخ. أو لم تتوقف عن إسقاط قطرات 
من حليبك؛ أو لم تنزل عن تلك الأريكة. إلى حدّ أن شخصية الطفل تمتص 
ويلقى به في حالة من الذعر عبر هذه الطريقة في التعامل... قد تخلق نظرة 
استنكار. لدى طفل كهذاء رعبًا أكبر من ذاك الذي تخلقه عشرون دقيقة من 
الجّلد في ستانيسلاوس ووجكيك (kذءزه۷ (Stanislaus‏ الصغيرة. 
لم يهتم جرين بالأمهات إلا من حيث تأثيرهن على أبنائهن. ولكن. 
خطر له أن «امتصاص الشخصية» وحده لا يمكن» في نهاية المطاف. أن 
يفشر العُصاب. وإِلّا لكانت نساء الطبقة الوسطى من الجيل السابقء كما 
يقول» جميعًا قد عانين من تلك العُصابات» في حين أن أحدًا لم يذكر مثل 
تلك المعاناة لدى أولئك النساء. لا شك أن شخصية فتاة الطبقة الوسطى 
في أواخر القرن التاسع عشر كانت «مستغرقة» من قبل أهلها وبمطالب 
«الحب» والطاعة التامة. لكنْ «معدل العٌصاب في ظل تلك الظروف لم 
يكن ربما مرتفعًا جدًا؛» كما يستخلص عالم الاجتماع» لأنه على الرغم من 
أن شخصية المرأة كانت «مستغرقة»» فإنها كانت مستغرقة باتساق «في دور 
تغيّر قليلا نسبيًا من الطفولة إلى المراهقة قة إلى المغازلة وأخيرًا إلى الزواج»؛ 
لم تستطع قط أن تكون هي ذاتها. 





270 اللغزالأتثوي 


ومن جهة آخرى» فإن الصبي من الطبقة الوسطى الحديثة مجبر على 
التنافس مع الآخرين.. على الإنجازء الأمر الذي يتطلب درجة معينة من 
الاستقلالية وثبات الهدف والعدوانية وتوكيد الذات. وبالتاليء فإن الحاجة 
إلى أن يحبه الجميع» والتي رعتها الأم فيه» وعجزه عن وضع قيمه وأهدافه 
الخاصة عَصابيَانَ لكنهما ليسا كذلك في الفتاة. 

هذا التخمين الذي قام به عالم اجتماع في عام 6 مستفزٌء لكنه لا 
ينفذ أبعد من الدائرة الداخلية للنظرية الاجتماعية» لا ينفذ من حاجز اللغز 
الأثئوي» رغم الوعي الوطني المتزايد بأن شيئًا ما في الأمهات الأمريكيات 
لم يكن على ما يرام. حتى هذا العالم الاجتماعي» الذي نجح في اختراق 
اللغزء وفي أن يرى الأطفال من منظور مختلف عن حاجتهم إلى مزيد من 
حب الأمّ» لم يكن مهتمًا إلا بمشكلة الأبناء الذكور. ولكن» ألم يكن المعنى 
الحقيقي أن دور ربة المنزل الأمريكية من الطبقة الوسطى أجبر كل أمّ على 
خنق شخصية كل من أبنائها وبناتها وامتصاصها؟ رأى الكثيرون الضياع 
المأساوي للأبناء الأمريكيين» الذين جُعلوا عاجزين عن الإنجاز والقيم 
الفردية والفعل المستقل؛ ولكنهم لم يروا ضياع البنات» أو الأمهات اللواتي 
حدث لهن ذلك قبل أجيال» على نحو مأساوي بالطريقة ذاتها. إذا كانت 
ثقافة ما لا تتوقع نضا إنسانيًا من نسائهاء فإنّها لا ترى نقصه ضياعَاء أو سببًا 
محتملا للعُصاب أو النزاع. الإهانةء الانعكاس الحقيقي لدور النساء على 
تعريف ثقافتناء هي أننا لم نلاحظء كأمّة» أن هناك خطب ما يتعلق بالنساء 
إلا عندما رأينا تأثيراته على أبنائهن. 


هل من المدهش أننا أخطأنا في فهم ما الذي كان فعلا خطأ؟ كيف تمكنًا 
من فهمه وفق المصطلحات الجامدة للوظيفية والتكيّف؟ صفق المربون 
وعلماء الاجتماع عندما كانت شخصية فتاة الطبقة الوسطى تعدّل «باستمرار» 
من الطفولة عبر البلوغ عن طريق «دورها كامرأة». فليحيّ الدور إذا كان 
يخدم التكيّف. لم يكن ضياع الذات الإنسانية يعتبر ظاهرة تجب دراستها 





الفصل الثامن: الخيار الخطأ 271 


في النساء- بل فقط الإحباط الناتج عن «التناقضات الثقافية في التكيّيف مع 
الدور»» مثلما وصفت العالمة الاجتماعية الكبيرة روث بينيديكت (1اRu‏ 
)Benedict‏ حالة النساء الأمريكيات. حتى النساء أنفسهن. اللواتي شعرن 
بالبؤس وبانعدام الحيلة حيال نقص الذات لديهن» لم يفهمن ذلك الشعورء 
فأصبح المشكلة التي لا اسم لها. وفي إحساسهن بالعار والذنب. استدرن 
مرة أخرى نحو أبنائهن ليهربن من المشكلة. وهكذاء تكمل الدائرة ذاتهاء 
من الأم إلى الأبناء والبنات» جيلا بعد جيل. 

قد ينبئق الهجوم المتواصل على النساء؛ الذي أصبح شغل الأمريكيين 
الشاغل في السنوات الأخيرة» أيضًا من الدوافع الهروبية التي أعادت 
الرجال والنساء إلى أمان البيت. يقال إن حب الأم مقدس في أمريكاء 
لكنّ الماماء مع كل التبجيل والتملّق الذي يقال لهاء هي هدف آمن تماما 
بغض النظر عن مدى صحة أو عدم صحة تفسير إخفاقاتها. لم يُدرج 
أحد على القوائم السوداءء» أو يُفصل من عمله نتيجة هجومه على «المرأة 
الأمريكية». وبالإضافة إلى الضغوط النفسية من الأمهات والزوجات» كان 
هناك الكثير من الضغوط غير الجنسية في أمريكا العقد الماضي: المنافسة 
الم الف بالا العمل في المؤسسة الكبيرة المُْمّل الاسم 
والخالي غالبًا من الهدف- وقد منع ذلك أيضًا الرجل من الشعور كما 
يشعر الرجل. الأسلم له أن يلقي باللوم في ذلك على زوجته وأمه. بدلا 
من إدراك الفشل في نفسه أو في الطريقة الأمريكية المقدسة في الحياة. 
لم يكن الرجال دائمًا يمزحون عندما يقولون أن زوجاتهم محظوظات 
لتمكنهن من البقاء في البيت طوال اليوم. وكان ذلك أيضًا مسكنًا لتبرير 
التنافس العنيف بالقول لأنفسهم أنهم واقعون فيه «من أجل الزوجة 
والأولاد». وهكذا أعاد الرجال تكوين طفولتهم في الضواحي» وجعلوا 
من زوجاتهم أمهات. وقع الرجال في فخ اللغز دون أية همهمة معارضة. 
فقد وعدهم بأمهات لبقية حياتهم» كسبب لوجودهم وكتبرير لإخفاقاتهم 


272 اللغز الأنثوي 
معًا. هل من الغريب جدًا أن يصبح الصبيانء الذين يكبرون مع كثير من 
حب الأمّ رجالا غير قادرين على الاكتفاء قطّ؟ 


ولكن. راسي او ل ا ع 
ترفع ثقافة ما عائمًا بعد عائق تى أمام النساء كذوات مستقلة؛ عندما تكون ثقافة 
ما قد رفعت عوائق قانونية وسياسية واجتماعية واقتصادية وتعليمية أمام 
قبول النساء النضج- حتى بعد أن تحطم كل هذه العوائق؛ يبقى من الأسهل 
على المرأة أن تبحث عن ملاذ في البيت. من الأسهل أن تعيش من خلال 
زوجها وأولادهاء بدلا من أن تشقّ طريقها الخاص في العالم. لأنها ابنة 
الماما ذاتها التى جعلت من الصعب جدًا على الفتاةء كما على الصبى» أن 
تكبر. والحرية شيء مخيف. من المخيف أن تكبر أخيرّاء وتصبح متحررة 
من التبعية السلبية. لماذا يجب على امرأة ما أن تزعج نفسها في أن تكون 
أي شيء أكثر من زوجة وأ إذا كانت جميع قوى ثقافتها تخبرها أنها غير 
مضطرة لأن تفعل» وأن من الأفضل ألا تكبر؟ 

وهكذاء قامت المرأة الأمريكية بخيارها الخطأ. أسرعت عائدة إلى البيت 
لتعيش على الجنس وحده مبادلة شخصيتها الفردية بأمنها. وانجرٌ زوجها 
خلفهاء وأغلق الباب في وجه العالم الخارجي. وبدآ يعيشان الكذبة الجميلة 
للغز الأنثوي. ولكنء هل يستطيع آي منهما أن يصدقها؟ فهي» في نهاية 
المطاف. امرأة أمريكية.. منتبَاً غير غكوس لثقافة تقف مقصّرة تمامًا عن 
إعطائها هوية منفصلة. وهوء فى نهاية المطاف» رجل أمريكى يعتبر احترامه 
لفرديته وحريته في الخيار مفخرة أمته. ذهبا إلى المدرسة معًا؛ هو يعرف من 
هي. هل يتخفى استعداده الخنوع لتلميع الأرضية بالشمع وغسل الصحون» 
عندما يعود إلى البيت تعبًا عند الساعة 6:55) عن إدراكهما المذنب للواقع 
الكامن خلف الكذبة الجميلة؟ ما الذي يجعلهما ب يستمرّان في تصديقه. على 
الرغم من الإشارات المحذّرة التي نبتت فجأة على امتداد أرض الضواحي؟ 





الفصل الثامن: الخيار الخطأ 23 


ما الذي يبقى النساء فى البيت؟ أية قوة فى ثقافتنا هى على درجة من القوة 
كافية لكا «المينة: منزل» إلى EES‏ 7 جميع الإمكانيات 
الأخرى للنساء غائمة تقريبًا؟ 

تجب خدمة القوى النافذة فى هذه الأمة عن طريق هذه الصور الأسريّة 
الجميلة التي تحدّق بنا في كل مكانء مانعة المرأة من استخدام قدراتها في 
العالم. قد تكون للمحافظة على اللغز الأنثوي» بهذا المعنى» معان ليست 
أنشوية قط. عندما يبدأ المرء التفكير فى الأمرء أمريكا تعتمد بقوة نوعًا ما على 
نس السناء انيه على BER‏ كا المرءها يرال بريد 
أن يسميها كذلكء النساء الأمريكيات غاية البيع الجنسي وضحيته. 


الفصل التاسع: البيع الجنسي 25 


الفصل التاسع 


منذ بضعة أشهرء عندما بدأت أركب أجزاء لغز انسحاب النساء إلى 
البيت» راودني شعور بأنَّ شيئًا ما مفقود. تمكنت من تتبع المسارات التي 
الف بها التفكير الدقيق على نفسه ليُؤتد صورة مهجورة للأنوثة؛ تمكنتٌ من 
رؤية كيف تشابكت تلك الصورة مع تحيّز وإحباطات أسيء تفسيرها لإخفاء 
خواء «المهنة: ربة منزل» عن النساء أنفسهن. 

ولكن, ما الذي يمد ذلك كله بالطاقة؟ إذا كان لدى كلد من النساء 
فقط -على الرغم من اليأس الذي لا اسم له لعدد كبير من ربات المنازل 
الأمريكيات» وعلى الرغم من الفرص المفتوحة لجميع النساء اليوم- هدف 
ما في الحياة» غير أن يكنّ زوجات وأمهات؛ فلاب وأن يكون شخصٌ ماء 
أو شي ماء نافذٌ إلى حدّ ما فاعلا فعله. كانت الطاقة الكامنة وراء الحركة 
النسوية ديناميكية إلى حد تسرّبها حتى الجفاف؛ كان يجب أن تغل أو 
تحوّل بشيء أكثر قوةً من قوة النساء تلك التي لم تقدّر حق قدرها. 

هناك حقائق معينة فى الحياة واضحة وشائعة إلى حدٌ أن المرء لا يتحدث 
عنها أبدًا. الطفل وحده يكشفها دون تفكير: لم لا يذهب الناس في الكتب إلى 
المرحاض؟» لم لا يقال إن الوظيفة الحاسمة فعلاء إن الدور المهم فعلًا الذي 
تقوم به النساء بوصفهن ربات منازل هو شراء مزيد من الأشياء للمنزل. ينسى 





216 اللفز الأنثوي 


المرء في الحديث عن الأنوثة ودور المرأة» أن الأعمال الحقيقية لأمريكا هي 
التجارة. لكن» لتأبيد العمل المنزليء لنمو اللغز الأنثوي» معنى (ودولارات) 
عندما يدرك المرء أن النساء هنّ الزبونات الأساسيات للأعمال الأمريكية. كان 
يجب أن يكتشف أحدٌّ ماء في مكان ماء وعلى نحو ماء أن النساء يشترين مزيدًا 
من الأشياء إذا بقين في وضعهن ربّات منازل حيث عملهن قليل» وتوقهن لا 
اسم له» ولديهن طاقة يجب التخلّص منها. 

ليست لدي أدنى فكرة كيف حدث ذلك. ليس صنع القرار في الصناعة 
سهلًا ومعقولاء كما يدعي أولئك الذين يؤمنون بالنظريات التآمرية في 
التاريخ. أنا متأكدة أن رؤساء جنرال فودز وجنرال إلكتريك وجنرال موتورز 
ومحلات ماكي وجيمبل والمدراء المتنوّعين لجميع الشركات التي تصنع 
المنظفات والخلاطات الكهربائية والمواقد الحمراء ذات الزوايا الدائرية 
والفرو الصناعي والشموع وتلوين الشعر ونماذج الخياطة المنزلية والنجارة 
المنزلية وغسولات تنظيف الأيدي والمبتضات التي تحفظ المناشف ناصعة 
البياض لم يجلسوا قط حول طاولة اجتماعات من خشب الماهوجاني في 
غرفة مجلس الإدارة في ماديسون أفينيو أو وول ستريت» ويصوّتوا على 
اقتزاح: «أيها السادة» أقترح» لمصلحة الجميع» أن نبدأ حملة متفق عليها 
بخمسين مليار دولار لوقف هذه الحركة الخطيرة للنساء الأمريكيات خارج 
البيت. يجب علينا أن نبقيهن ربّات منازل» دعونا لا ننسى ذلك». 

يقول نائب رئيس مفكر: انساءٌ كثيراتٌ يتعلمن» ولا يردن البقاء في البيت. 
هذا غير صحي. إذا كنّ جميعًا سيصبحن عالمات وما شابه» فلن يكون لديهن 
وقت للتسوق. فكيف نستطيع أن نبقيهن في البيت؟ هنّ يردن مهئًا الآن». 

يقترح المدير الجديد الذي يضع نظارات ذات إطار من العظم» ويحمل 
شهادة دكتوراه في علم النفس: «سنحررهن لتكون لديهن مهن في البيت. 
سنجعل التدبير المنزلي إبداعيًا". 

وبالطبع» لم يحدث الأمر على ذلك النحو تمامًا. لم تكن مؤامرة 


الفصل التاسع: البيع الجنسي 27 


اقتصادية موجهة نحو النساء. كانت منتجًا ثانويًا لخلطنا العام مؤخرًا بين 
الوسائل والأهداف؛ شيءٌ ما حدث للنساء عندما بدأ خلط أعمال الإنتاج 
والبيع والاستثمار في الأعمال التي تهدف إلى الربح من جهة -وهذه ليست 
سوى الطريقة التي نّم فيها اقتصادنا ليخدم حاجات الإنسان بكفاءة- بهدف 
أمتنا.. بغاية الحياة نفسهاء من جهة أخرى. لا مزيد من الدهشةء إخضاع 
حيوات النساء في أمريكا لأهداف الشركات» على أن تُخضع علوم السلوك 
الإنساني لتجارة تضليل النساء بخصوص حاجاتهن الحقيقية. سيستغرق 
اقتصاديّ ذكيّ من الوقت ليكتشف ما الذي قد يبقى اقتصاد الرفاه لدينا 
مستمرًا إذا بدأ سوق ربات المنازل بالتناقص تمامًا ما قد يستغرقه اقتصادي 
ليكتشف ما الذي يجب فعله إذا لم يكن هناك تهديد بالحرب. 

من السهل أن نرى لمّ حدث ذلك. عرفت كيف حدث عندما ذهبت 
لرؤية رجل يحصل على مليون دولار تقريبًا في السنة مقابل خدماته المهنية 
فى التلاعب بعواطف النساء الأمريكيات لخدمة حاجات الأعمال. دخل 
هذا الرجل إلى الطابق الأرضي لعمل الإقناع الخفي في عام 1945: وواظب 
على تقدمه. المقرٌ الرئيسي لمعهده للتلاعب الدافعي هو قصر فخم لبارون 
في ويستشستر العليا. جدران قاعة الرقص بارتفاع طابقين مليئة برفوف 
معدنية تحمل ألف دراسة ونيف للتجارة والصناعة» و300 ألف مقابلة 
معمقة فردية معظمها مع ربات منازل أمريكيات20. 

تركني أرى ما أريد. وقال إنني أستطيع أن أستخدم أي شيء غير سري 
لشركة بعينها. ليس هناك أي شيء لإخفائه عن أي شخص أو للشعور 
بالذنب حياله - هناك فقطء في صفحة تلو الأخرى من تلك الدراسات 
العميقة, إدراك مرح لاذع للحياة الفارغة وغير الإبداعية والخالية من الهدف 








(1) تم إجراء الدراسات» التي بنيتٌ عليها هذا الفصلء على يد طاقم عمل معهد الأبحاث 
التحفيزية for Motivational Research‏ عانااناكهك» بإدارة د. إرنست دتشر. وقد تكرم 
الدكتور دتشر» وزوملاؤه» بتوفير النتائج لي» وهي مُضمَّنة في ملف المعهد في كورتون- 
أون-هدسون في نيويورك. 


218 اللفزالأنثوي 


وحتى الكئيبة جنسيًا التي تعيشها معظم ربات المنازل الأمريكيات. أراني 
هذا المُقنع الخفي الأكثر فائدة بينهم» مستخدمًا تعابيره قليلة الحياء الوظيفة 
التى يخدمها إبقاء النساء الأمريكيات ربات منازل: الخزان الذي يخلقه 
من الهوية رنف لدف د راع يحي ا إلى و ارات عند 
الشراء. 

إذا ما تم التلاعب ((إذا لم تكوني خائفة من استخدام الكلمة» كما قال) 
بربات aT‏ » فيمكن منحهن الإحساس بالهوية 
والهدف والإبداعية وتحقيق الذات وحتى البهجة الجنسية التي يفتقدنها عن 
طريق شراء الأشياء. أدركت فجأة مغزى التباهى بأن النساء يسيطرن على 
5:7 من القوة الشرائية في أمريكا. رأيت عاذ السام الأمريكيات ضحايا 
تلك الهبة المروّعة» تلك القوة عند لحظة الشراء. كشفت الأفكار العميقة 
التي شاركني بها بحرية عدة أشياء... 

كشف مسح أجري في عام 1945 لصالح ناشر مجلة نسائية رائدة حول 
مواقف النساء من الأجهزة الكهربائية عن معضلة الأعمال. واعتبرت الرسالة 
محل اهتمام لجميع الشركات التي كان عليهاء والحرب على وشك النهاية؛ 
أن تجعل المبيعات الاستهلاكية تحل محل عقود الحرب. كانت دراسة في 
اعلم نفس التدبير المنزلي»؛ وقد حذّرت بأنه «لا يمكن فصل موقف المرأة 
من الأجهزة المنزلية عن موقفها من التدبير المنزلي عمومًا». 

فُسمت الشسناء الأمريكيات: باستخدام عينة وطنية من 4500 زوجة (من 
الطبقة الوسطى وتعليمهن ثانوي أو جامعي)» إلى ثلاث فثات: «ربة المنزل 
الحقيقية» و«المرأة المهنية» و«مدبرة المنزل المتوازنة». وفي حين تطابق 
7 من النساء حينها مع «نمط ربة المنزل الحقيقية» («يعتبر التدبير المنزلي 
من وجهة نظر نفسية اهتمام المرأة المسيطر. وفيه تحقق أقصى فخرها 
ورضاها في المحافظة على بيت مريح ومدار جيدًا لعائلتها. وهي تشعر 
-بوعي أو بلا وعي - أنه لا يمكن الاستغناء عنهاء وأن لا أحد آخر يمكن 





الفصل التاسع: البيع الجنسي 29 


أن يتولّى عملها. ليس لديها سوى القليل من الرغبة» إن وجدت» في وظيفة 
خارج المنزل» وإذا كانت لديها مثل تلك الوظيفة فذلك لأنها مجبرة أو بفعل 
الظروف أو بفعل الضرورة»)» كان من الواضح أن هذه المجموعة تتناقص» 
وربما ستستمر في التناقص. لأ مجالات واهتمامات جديدة أصبحت الآن 
متو ةلا 

لكنْ أكبر سوق على الأجهزة كان سوق «ربة المنزل» هذه» على الرغم 
من أن لديها «مقاومة» معينة لقبول الأجهزة الجديدة يجب إدراكها والتغلب 
عليها. («فهي قد تخشى أيضًا أنها [الأجهزة] ستجعل الطريقة القديمة في 
القيام بالأمور التي لطالما ناسبتها غير ضرورية»). فقد كان العمل المنزلي» 
في نهاية المطاف» مبرّر كل وجودها. (قالت ربة منزل حقيقية: «لا أظن أن 
هناك طريقة لجعل العمل المنزلي أسهل لي» لأنني لا أعتقد أن الآلة يمكن 
أن تأخذ محل العمل بجد)). 

ممّل النوع الثاني من النساء -المرأة المهنية أو الراغبة في أن تكون مهنية- 
أقلية» ولكنه كان «غير صحي» من وجهة نظر البائعين؛ حُذّر المعلنون بأنّه 
لن يكون في مصلحتهم أن يدعوا هذه المجموعة تكبر. لأنْ أولئك النساء 
على الرغم من أنهن لسن بالضرورة ممن يشغلن وظائف» «لا يؤمنّ أن مكان 
المرأة هو أساسًا في البيت». («العديدات في هذه المجموعة لم يعملن قط 
فعليّاء لكنّ موقفهن هو التالي: أعتقد أن التدبير المنزلي هو إضاعة مرعبة 
للوقت. لو أن أبنائي كبروا بما يكفي. ولو كنت حرّة في مغادرة المنزل» 
لاستخدمت وقتي على نحو أفضل. لو أمكن أن يهتم أحد ما بوجبات 
عائلتي وغسيلهاء لكان من دواعي سروري أن أخرج وأحصل على عمل 1). 
الفكرة التي يجب إبقائها في الذهن فيما يتعلق بالنساء المهنيات» كما قالت 
الدراسة» هي: صحيح أنهن يشترين الأجهزة الحديثة» ولكنهن لسن النوع 
الأمثل من الزبائن. فهن كثيرات الانتقاد. 

النوع الثالث -ربة المنزل المتوازنة- هو «من وجهة نظر السوقء النوع 


280 اللغز الأنثوي 


النموذجي». لديها بعض الاهتمامات الخارجيةء أو شغلت عملا ما قبل أن 
تعود حصريًا إلى التدبير المنزلي؛ هي «تقبل باستعداد» المساعدة التي يمكن 
أن تقدمها الأجهزة الميكانيكيةء لكنها «لا تنوقع منها أن تقوم بالمستحيل)» 
لأنها تريد أن تستخدم موهبتها الإدارية «في إدارة منزل حسن التسيير». 

كان مغزى الدراسة واضحًا: «بما أن مدبرة المنزل المتوازنة تمل السوق 
ذا الإمكانات المستقبلية الأكبر» فسيكون فى مصلحة مصئعى الأجهزة أن 
يجعلوا النؤيد والمزيد من النساء راغبات في الاتثماء إلى هذه المجموغة, 
علّمْهن عبر الإعلانات أن من الممكن أن تكون لديهن اهتمامات خارجيةء 
وان يصبحن واعيات للتأثيرات الفكرية الأوسع (دون أن يصبحن نساء 
مهنيات). يجب أن يكون فنّ التدبير المنزلي الجيد هدف كل امرأة طبيعية). 

كانت المشكلة -التي إن كان قد أدركهاء في حينه» مُقنع خفيّ لصناعة 
الأجهزة المنزلية» فقد أدركها بالتأكيد آخرون ينتجون منتجات منزلية- 
هي أن جيل جديدًا كاملا من النساء يجري تعليمه للقيام بأعمال خارج 
البيت. إضافة إلى ذلك فإنّ رغبة متزايدة في التحرّر أكيدةٌ». فكان الحل 
ببساطة تامة هو تشجيعهن على أن يكنّ ربات منازل «عصريات». المرأة 
المهنية» أو الراغبة في أن تصبح مهنية» والتي تكره بصراحة التنظيف ونفض 
الغبار والكيّ وغسل الملابس» أقل اهتمامًا بشمع جديد أو مسحوق غسيل 
جديد. المرأة المهنية -على عكس «ربة المنزل الحقيقية» و«مدبرة المنزل 
المتوازنة»» اللتين تفضلان أن يكون لديهما أجهزة كافية» وأن تقوما بالعمل 
المنزلي بنفسيهما- «تفضّل الخدم لأنْ العمل المنزلي يأخذ الكثير من 
الوقت والطاقة». لكنها تشتري الأجهزة» سواء كان عندها خدم أم لاء لكنء 
«الأرجح أن تشتكي من الخدمة التي تقدمها الأجهزة»؛ كما أن «من الصعب 
بيعها). 

فات الأوان على إعادة أولئك النساءء اللواتى يرغبن فى أن يكنّ مهنيات» 
أو قد يصبحن كذلكء إلى ربات ازل عبات لكق الدراسة اهارت في 


الفصل التاسع: البيع الجنسي 281 
عام 1945 إلى إمكانية التدبير المنزلي المتوازنء أي المهنة البيتية. دعهن 
«ايرغبن في الحصول على كعكتهن» ويأكلنها أيضًا... ويوفرن الوقت» 
ويحصلن على مزيد من الراحة» ويتجنبن الوسخ والفوضى» ويحصلن على 
إشراف مُمَكئّنء ومع ذلك لا يردن التوقف عن الشعور بالإنجاز الشخصي 
والفخر في بيت حسن الإدارة» وهما أمران يأتيان من «قيامك بالأمر 
بنفسك). وكما قالت ربة منزل شابة: من اللطيف أن تكونى عصرية» كما 
لو أنك تديرين معملا لديك فيه أحدث الآلات)». ٠‏ 

لكن» لم يكن ذلك عملا سهلا للشركات ولا .للمعلنين. غص السوق 
بالات جديدة قادرة على القيام بكل العمل المنزلي تقريبًا؛ وكانت هناك 
حاجة إلى إبداع متزايد لإعطاء النساء الأمريكيات ذلك «الشعور بالإنجاز) 
والإبقاء مع ذلك على العمل المنزلي هدفهن الرئيسي في الحياة. توججب 
باستمرار مقاومة التعليم والاستقلالية والفردية المتنامية وكل ما جعل منهن 
مستعدات لأهداف أخرى» وإعادة توجيهه نحو البيت. 

أصبحت خدمات المتلاعب قَيّمةً على نحو متزايد. وفي مسوح لاحقة» 
لم يعد يجري مقابلات مع نساء مهنيات؛ إذ لم يكنّ في البيت في أثناء النهار. 
فكانت النساء فى عيناته» قصدّاء ربات منازل حقيقيات أو متوازنات» ربات 
المنازل الجديدات فى الضواحى. المتتجات المنزلية والاستهلاكية معدّة 
في نهاية المطاف للنساء؛ تنفق خمسةٌ وسبعون بالمائة من جميع الميزانيات 
الإعلانية الاستهلاكية لاستدراج النساء؛ وهذا يعني ربات المنازل» أي 
النساء اللواتي تتاح مقابلتهن في أثناء النهار» النساء اللواتي لديهن وقت 
للتسوّق. وكانت مقابلاته المعمّقة واختباراته الإبرازية'!» و«مختبراته الحية» 
مصممة بحيث تؤثّر في زبائنه» لكنها تضمّنت في معظم الأحيان الأفكار 
لعميقة البارعة لعالم اجتماعي ماهرء الأفكار التي يمكن استخدامها بربح. 
)1 ) 1651 i۷eاeمزها:‏ اختبار نفسي يكشف عن شخصية الشخص الذي يجري عليه الاختبار 

من خلال الطريقة التي يبرز فيها حقيقته لحوافز الاختبار - المترجم. 


252 اللفز الأنثوي 


وقيل لزبائنه إِنّ عليهم القيام بشيء ما حيال حاجة النساء الأمريكيات 
المتنامية هذه إلى القيام بعمل إبداعي.. «حاجة ربة المنزل العصرية غير 
المُليَاة الرئيسية». فقد كتب في أحد التقارير على سبيل المثال: 

يجب القيام بكل جهد لبيع الخلطة (س) على أنها أساسٌ تستخدم فيه المرأة 

جهدها الإبداعي. 

يجب أن يشدّد الإغراء على حقيقة أن الخلطة (س) تساعد المرأة في التعبير 

عن إبداعيتها لأنها تخلصها من الإرهاق. وفي الوقت ذاتهء يجب التأكيد على 

مناورات الطبخ والتسلية التي ترافقها بما يسمح لك بالشعور أنَّ خَبّز الخلطة 

(س) هو حْبّز حقيقي. 

لكنّ المعضلة مرة أخرى: كيف تجعل المرأةً تنفق المال على الخلطة 
التي تزيل شيئًا من إرهاق الحَبْز عن طريق القول لها إنها «تستطيع أن تستخدم 
طاقتها حيث تكون مقدّرة فعلا»» وفي الوقت نفسه. تمنعها من أن «تنشغل 
بحيث لا تجد وقنًا للخَبْز»؟ («أنا لا أستخدم الخلطةء لأنني لا لأقوم بأي حََبْز 
قط. هناك مشاكل كثيرة فيه. فأنا أعيش في شقة واسعة» فماذا عن المحافظة 
عليها نظيفةء والاهتمام بطفلي» وعملي بدوام جزئي؛ لا وقت لدي للححز»). 
ماذا أفعل حيال «شعورهم بالخيبة» عندما يخرج البسكويت من الفرن» وهو 
فعلّا مجرد حُبزء وليس هناك أيّ شعور بالإنجاز الإبداعي؟ («لمَ يجب أن 
أخبز بسكويتي في حين هناك الكثير من الأشياء الجيدة في السوق التي لا 
تحتاج إلا إلى تسخين؟ لا معنى قط لتحمّل عبء القيام بخلطتك الخاصة» 
ثم تزييت الصاج» ثم خبز البسكويت)). ماذا تفعل حين لا تحصل المرأة 
على الشعور الذي كانت أمها تحصل عليه عندما كان يجب صنع الكعك 
من أول العملية إلى آخرها؟ («كان عليك» في الطريقة التي كانت أمي تصنع 
بها الكعك» أن تنخلي الطحين بنفسك» وأن تضيفي البيض والزبدة» وكنت 
تعرفين أك قد صنعت شيئًا تستطيعين حمًا أن تفخري به)). 


الفصل التاسع: البيع الجنسي 283 


وأكد التقرير أن المشكلة يمكن معالجتها: 

باستخدام الخلطة (س) تستطيع المرأة أن تثبت نفسها زوجة وأمّاء لا بالخَبّز 

فقط. بل وبقضاء مزيد من الوقت مع عائلتها أيضًا. ... ويجب» بالطبع. أن 

يكون واضحًا أن الأطعمة المعٌّدة في البيت أفضل من جميع النواحي من تلك 

المعدّة في المخبز... 

وامنح» فوق كل شيء» الخلطة (س) «قيمةً علاجيةً» من خلال عدم 
التشديد على سهولة طريقة التحضير والتشديد بالمقابل على «الجهد 
المحفز للحَبز. وهذاء من وجهة نظر إعلانية» يعني التأكيد على آنه «مع 
وجود الخلطة (س) في البيت» ستكونين امرأة مختلفة. ا 

إضافة إلى ذلك» قيلّ للزبون إِنَ تعبيرًا في إعلانه يقول: «واصنعي تلك 
الكعكة بأسهل وأكسل طريقة موجودة» أثار «ردة فعل سلبية» لذى ريات 
المنازل الأمريكيات؛ فقد أصاب نقطة قريبة جدًا من «إحساسهن الأساسي 
بالذنب». («بما أنهن لا يشعرن قط أنهن يبذلن فعا جهدًا كافيّاء فمن الخطأ 
بالتأكيد القول لهِنّ أن الحَبْز باستخدام الخلطة (س) هو الطريقة الكسولة»). 
وافتراض أن هذه الزوجة والأمٌ المتفانية وراء موقد المطبخ» وهي تعد بقلق 
كعكة أو فطيرةً لزوجها أو أبنائهاء كما أوحى» «تطلق ببساطة العنان لتوقها 
إلى الحلويات». والحقيقة ذاتها القائلة إن الحَبْز لربة المنزل عمل يساعدها 
على تبديد أية شكوك قد تراودها حيال دوافعها الحقيقية. 

ولكن هناك طرق سهلة للتلاعب بإحساس ربات المنازل بالذنب» إذ 
ذكر التقرير: 

قد يكون من الممكن أن توحي من خلال الإعلان أَنّْ عدم الاستفادة من جميع 

الاستخدامات الاثني عشر للمزيج يعني أنّ المرأة تحدّ من مساعيها لمنح 

عائلتها السعادة. يمكن إنجاز تحويل في الإحساس بالذنب. فبدلا من إحساس 

المرأة بالذنب حيال استخدام الخلطة (س) للحلويات» ستّقاد إلى الشعور 

بالذنب إذا لم تستفد من فرصة منح عائلتها 12 متعة لذيذة ومختلفة. «لا 

تهدري مهارتك؛ لا تضعي حدودًا لنفسك». 





284 اللفز الأنثوي 


مع منتصف الخمسينيات» ذكرت التقارير بسعادة أن المرأة المهنية 
(«المرأة التي نادت من أجل المساواة.. تقريبًا من أجل الهوية في كل ميدان 
من ميادين الحياة» المرأة التي ردّت على العبودية المنزلية) بسخط وشذة») 
قد ولّتء وحلّت محلّها المرأة «الأقلّ دنيوية» الأقلّ تعقيدًا»» التي يمنحها 
نشاطها في جمعية أولياء الأمور والمعلمين «اتصالات ا مع العالم 
خارج بيتها»» ولكتها «تجد في العمل المنزلي وسيطا للتعبير عن أنوثتها 
وشخصيتها الفردية». هي ليست مثل ربة المنزل المضحية بنفسها القديمة؛ 
فهي تعتبر نفسها مساوية للرجل. ولكنهاء مع ذلك» تشعر أنها «كسولة 
ومهملة ومسكونة بمشاعر الإحساس بالذنب»». لأنه ليس لديها ما يكفي 
من العمل تقوم به. يجب على المعلن أن يتلاعب بحاجتها إلى «إحساس 
بالإبداع»» ويحوّلها إلى شراء منتجه. 
وهي تميل» بعد مقاومة أولية. إلى قبول القهوة السريعة والأطعمة المجمّدة 
والأطعمة الجاهزة والمواد التي توقر التعب كجزء من روتينها. لكنّها تحتاج 
إلى تبريرء وتجده في الفكرة القائلة «إنني؛ باستخدام الأطعمة المجمّدة: أحرّر 
نفسي حتى أتمكن من إنجاز أعمال أخرى مهمة بوصفي أمّا وزوجة عصرية». 
الإبداع جواب المرأة العصرية الديالكتيكي على مشكلة موقعها المتفير في 
الأسرة. الفرضية: أنا ربة منزل. الفرضية المضادة: أنا أكره العمل الشاق. 
حصيلتهما: أنا مبدعة! 
وهذا يعنى جوهريًا أنه حتى إذا كانت ربة المنزل قد تشترى طهامًا معلبًا على 
سبيل المثال, وتوفر بذلك الوقت والجهد. فَإِنّها لا تترك الأمر يسير على هذا 
النحو. لديها حاجة كبيرة إلى «معالجة» العلبةء وبالتالي إلى إثبات مشاركتها 
الشخصية واهتمامها بإرضاء عائلتها. ١‏ 
يخدم الشعور بالإبداع أيضًا هدمًا آخر: إِنه منفدٌ لمواهب المرأة العصرية 
المحرّرة وذوقها الأفضل وخيالها الأكثر حرية ومبادرتها الأعظم. وهو يسمح 
لها بأن تستخدم في البيت جميع القدرات التي يمكن أن تظهرها في مهنة 
خارج البيت. 


يشكل التوق إلى فرص ولحظات إبداعية جانبًا رئيسيًا من جوانب دوافع الشراء. 


الفصل التاسع: البيع الجنسي 285 


المشكلة الوحيدة» كما تحذر التقارير» هي أنها تحاول أن تستخدم عقلها 
ومحاكمتها. وسرعان ما تبتعد عن المحاكمة باستخدام المعابير الجماعية 
أو معابير الأغلبية. إنْها تطوّر معايير «مستقلة». («لا يهمّني الجيران. فأنا لا 
أريد أن أعيش وفق معاييرهم» أو أن أقارن نفسي بهم في كل مناسبة»). لا 
يمكن الوصول إليها دائما بالثول : «فلتجاري آل جونز»؛ إذ يجب أن يلتمس 
المعلن حاجتها هي إلى أن تعيش 
التمس ذلك الظماً . 000 
إلى حياتهاء وإن في متناول يدها الآن أن سدوق تجارب جديدة. وإنها تستحق 
أن تتذوّق هذه التجارب. وعلى نحو أكثر إيجابيةٌ. يجب أن تنقل لها أنك تعطيها 
«دروسًا في العيش». 
قُدمت نصيحة إلى منتج نوع معين من أجهزة التنظيف 7 تقول: يجب أن 
يكون تنظيف البيت مسليًا». وعلى الرغم من أنْ منتبّه ربما كان أقل كفاءة 
من المكنسة الكهربائية» فقد كان يسمح لربة المنزل أن تستخدم المزيد من 
طاقتها في العمل. أكثر من ذلك كان يترك لربة المنزل أن تتوهّم بأنها قد 
أصبحت «محترفة.. خبيرة في تحديد أدوات التنظيف التى ستستخدمها فى 
أعمال معينة». ١ ١‏ 
شعور ربة المنزل هذا بأنها محترفة هو دفاع نفسي ضدّ أن تكون مجرّد «سيدة 
مكنسة» عامة وخادمة وضيعة لعائلتها في يوم تحرير العمل العام وعصره. 
يخدم دور الخبيرة وظيفةٌ عاطفية مزدوجة: 1) يساعد ربة المنزل على تحقيق قَيق 
مكانة. 2) وهي تتحرك في مدار يتخطى بيتها وصولًا إلى عالم العلم الحديث 
في بحثها عن طرق جديدة أفضل للقيام بالأشياء. 
وفي النتيجة؛ لم يكن هناك مناخ نفسي أفضل للأجهزة والمنتجات 
المنزلية. ربة المنزلم العمصرية في الحقيقة هجومية في مساعيها لإيجاد 
تلك المنتجات التي تحقق حاجتها فعلًا. حسب رأي خبيرها. هذا الاتجاه 
مسؤول عن شهعبية المواد الشمعية والتلميعية المختلفة في البيت وعن 
الاستخدام المتنامي لملمّعات الأرضية وعن تشكيلة الممسحات وأدوات 
التنظيف للأرضياتوالجدران. 


256 اللغز الأنثوي 


تكمن الصعوبة فى أن تمنحها «الشعور بالإنجاز)ء الشعور باتعزيز 
الأنا»» الذي اقتنعت بالبحث عنه في «مهنة» ربة المنزل» بينما في الواقع» 
«ليست المهمة التى تستهلك وقتها -التدبير المنزلى- يلا نهاية وحسب» 
بل هى مهمة يستخدم المجتمع لها الأفراد والمجموعات الأدنى والأقل 
تدريبًا والأكثر اضطهادًا ... يستطيع أيّ شخص يتمتع بظهر قوي كفاية- 
ودماغ صغير كفاية أن يقوم بهذه الأعمال اليومية التافهة». ولكن» حتى هذه 
الصعوبة يمكن التلاعب بها لبيع ربة المنزل المزيد من الأشياء: 

إحدى الطرق التي تبني بها ربة المنزل هيبتها كمنظفة لبيتها هي استخدام 

منتجات متخصصة لمهمات متخصصة... 

عندما تستخدم منتجًا لفسيل الملابس وثانيًا للأطباق وثالفًا للجدران 

ورابعًا للأرضيات وخامسًا للستائر إلخ. بدلا من استخدام منظف لجميع 

الاستعمالات. فإن شعورها بأذها مثل عامل غير ماهر يقل ويزداد شعورها 

بأنها مثل مهندس أو خبير. 

وهناك طريقة أخرى لإشادة مكانتها الخاصة. وهي: «أقوم بالأشياء بطريقتي»؛ 

فتؤسّس لنفسها دور الخبيرةء وذلك بخلق مجموعتها الخاصة من «أسرار 

المهنة». فعلى سبيل المثال؛ قد يكون ذلك بأن «أضع دائمًا قليلا من المبيّض 

في كلّ غسيلي -حتى الملوّن منه- لجعله نظيمًا فعلًا» 

ساعدها على «تبرير مهمتها الوضيعة» وذلك ببناء دورها الخاص 
بوصفها حامية العائلة؛ قاتلة الملايين من الميكروبات والجراثيم!» كما نصح 
التقرير. «ساعدها على أن تكون خبيرة» لا عاملة وضيعة ... اجعل العمل. 
المنزلي مسألة معرفة ومهارة» لا مسألة قوة عضلية وكسل وجهد متواصل». 
وهناك طريقة فعّالة للقيام بذلك» هي تقديم منتج جديد. إذ يبدو أن هناك 

جة متنامية من ربات المنازل «اللواتى يتطلعن إلى منتجات جديدةء لا 

مو ية من رد تي 1 

يلهث المرء إعجابًا بالإبداع الكامن في ذلك كله؛ تستطيع المرأة ك 


الفصل التاسع: البيع الجنسي 287 


تشارك في العلم ذاته بمجرد شراء شيء جديد» أو شيء قديم أعطيت له 
شخصية جديدة تماما. 

بالإضافة إلى زيادة مكانة المرأة المهنيةء يزيد جهاز تنظيف أو منتج جديد 

شعور المرأة بالأمان الاقتصادي والترف. تمامًا مثلما تفعل سيارة جديدة 

بالرجل. ورد ذلك على لسان 28% من النساء اللواتي أجبن على الاستبيان. 

حيث وافقن على هذا الرأي المحدّد: «أحبٌ أن أجرب أشياء جديدة. لقد بدأت 

للتو أستخدم سائل تنظيف جديدء وهوء على نحو ماء يجعلني أشعر وكأنني 

ملكة». 

ولكنّ مسألة ترك المرأة تستخدم عقلهاء بل وتشارك في العلم عن طريق 
العمل المنزلي ليست بلا عوائق. يجب ألا يريح العلم ربات المنازل جدًا 

من العمل الشاق؛ بل يجب بالأحرى أن يركز على خلق وهم بذلك الشعور 
بالإنجاز الذي يبدو أن ريات المنازل يحتجن إليه. 

ولإثبات هذه النقطة» أعطيت 250 ربة منزل اختبارًا عميقًا: طُلب منهن 
أن يخترن بين أربع طرق متخيّلة في التنظيف. كانت الطريقة الأولى نظامًا 
أوتوماتيكيًا بالكامل لإزالة الغبار والأوساخ» ويعمل باستمرار مثل نظام 
التدفئة المركزية. وفي الثانية» يجب على ربة المنزل أن تضغط على زر 
ليقلع. وكانت الطريقة ية الثالثة أداةً محمولةء يجب على ربة المنزل أن تدور 
بهاء وتوجهها إلى منطقة ما لإزالة الأوساخ منها. أما الرابعة» فكانت شيئًا 
عصريًا جديدا تمامّاء وفيها تستطيع أن تكنس الوسخ بنفسها. جاء كلام 
ربات المنازل لصالح هذا الجهاز الأخير. إذا كان «يبدو جديدًا وعصريًا» 
فستميل ربة المنزل إلى اقتناء الجهاز الذي يسمح لها أن تعمل بنفسهاء كما 
قال التقرير. «أحد الأسباب المقنعة هو رغبتها فى أن تشاركء لا أن يقتصر 
دورها على كبس الزر», كما لاحظت إحدى ربات المنازل. «أما بالنسبة 
لنظام تنظيف سحري يقوم على كبسة زرء حستاء ماذا سيحدث لتمريني» 
لإحساسي بالإنجاز وماذا سأفعل في صباحاتي؟2. 

كشفت هذه الدراسة القاتنة مصادفة أن جهاز تنظيف إلكتروني معين 


288 اللغز الأنثوي 


-لطالما اعتبر واحدًا من أعظم الأجهزة التي توفر وقتنا- قد جعل فعليًا 
«التدبير المنزلي أكثر صعوبة مما يحتاج إليه. بدا من ردود .807 من ربات 
المنازل أولئك أنه ما أن تشعْل المرأة هذا الجهاز حتى «تشعر أنّها مجبرة 
على القيام بتنظيف ليس ضروريًا فعلا». فالجهاز الإلكتروني فرض فعليًا 
مدى التنظيف الذي يجب القيام به ونوعه. 

هل يجب إِذا تشجيع ربة المنزل على العودة إلى المكنسة الرخيصة 
البسيطة التى تترك لها أن تنظف فقط بقدر ما تشعر أنه ضروري؟ لاء قال 
التقريرء بالطبع لا. ببساطة أعط تلك المكنسة العتيقة «مكانة» الجهاز 
الكهربائي بوصفها «ضرورة لتوفير وقت» ربة المنزل العصرية «وسترى أن 
مدبرة المنزل العصرية ستمتلك» وعلى نحو طبيعي» الاثنتين». 

لم ينكر أحد, ولا حتى الباحثين في العمقء أن العمل المنزلي لا ينتهي» 
وأ تكراره الممل لا يمنح ببساطة الكثير من الرضاء ولا يتطلب الكثير من 
المعرفة الخبيرة التبجحية. ولكن» كانت ديمومته مفيدة من وجهة نظر البائع. 
كانت المشكلة هي إبعاد الإدراك الأساسي الذي يكمن بخطر في «آلاف 
المقابلات المعمقة التي أجريناها حول عشرات من الأنواع المختلفة من 
منتجات التنظيف المنزلى»- إدراك أنه» كما قالت إحدى ربات المنازل» 
«أمر مرهق! يجب أن أقوم به فقوم به. إنه شر لابدّ منه» هذا كل ما في 
الأمر». ماذا تفعل؟ قدّمْ لشيء واحد المزيد والمزيد من المنتجات» اجعل 
التعليمات أكثر تعقيدّاء اجعل من الضروري فعلا لربة المنزل أن «تكون 
خبيرةٌ». (قدّمّ التقرير نصيحة مفادها أن غسل الملابس يجب أن يصبح 
أكثر من مسألة رمي الملابس في الغسالة وصب الصابون عليه. يجب فرز 
الألبسة بعناية» بعض الألبسة تحتاج برنامج الغسيل (4)» وبعضها تحتاج 
البرنامج (8) :وبعضها يجب غسله باليد. وعندها يمكن لربة المنزل أن 
«اتشعر بفخر عظيم من معرفة أي منتج من مستودع المنتجات تلك تستخدم 
في كل مناسبة»). 


الفصل التاسع: البيع الجنسي 259 





وتابع التقرير: استفدٌ من «إحساس ربة المنزل بالذنب حيال الوسخ 
المخمي ٠‏ حتى تفلى بيتها فليًا فی عملية «تنظيف شامل»» وهو ما يمنحها 
«إحساسًا بالكمال» عدّة أسابيع. («أوقات التنظيف الشامل هي الأوقات 
التي تكون فيها مستعدة أعلى استعداد لتجريب منتجات جديدة» وإعلان 
«التنظيف الشامل؛ يحمل الوعد بالكمال»). 
ويجب أن يؤكد البائع أيضًا على بهجة القيام بكل مهمة منفصلة متذكرًا 
أن اجميع مدبرات المنازل تقريبًاء حتى أولئك اللواتى يمقتن عملهن جدّاء 
يجدن» ويا للمفارقة» مهربًا من قدرهن النهائي بقبوله؛ باإلقاء نفسي فيه كما 
تقول ربة المنزل». 
تنسى لوهلةء وقد استفرقت في عملها -محاطة بكل الأدوات والكريمات 
والمساحيق والصابون- كيف سيكون عليها أن تقوم بالمهمة مرة أخرى عاجلا. 
بكلمات أخرى» تسمح ربة المنزل لنفسها أن تنسى لحظة أن حوض المجلى 
سيمتلى بسرعة مرة أخرى بالصحون. وأنّ الأرض ستتسخ بسرعة مرة أخرى. 
وتتمسّك بلحظة إنجاز مهمة ما على أنّها لحظة من السعادة الخالصة؛ كما 
لو أنّها أنهت للتو تحفة فنيةٌ سترتفع مثل نصب تذكاري يشيد بها إلى الأبد. 
هذا هو نوع التجربة الإبداعية الذي يمكن أن يمنحه بائع الأشياء لربة 
المنزل. وحسب تعبير إحدى ربات المنازل: 
لا أحب العمل المنزلي مطلقًا. آنا عاملة منزلية وسخة. لكنني بين فترة وأخرى 
أصبح نشيطة. وأذهب إلى المدينة فعلًا... عندما أحصل على نوع جديد من 
مواد التنظيف -مثلما حدث عندما ظهر جلاس واكس (11/32 01355 ) للمرة 
الأولى أو مُلمّعات الأثاث السيليكونية تلك- فإنني أستمتع به فعلاء وأحوم في 
البيت ملمّعةٌ كل شيء. أحبٌ أن أرى الأشياء تلمع. أشعر بأنني على ما يرام 
طابق منتجك مع المكافآت المادية والروحية التي تحصل عليها ربة المنزل 
من الإحساس شبه الديني بالأمان الأساسي الذي يؤْمّنه بيتها. تحدّث عن 


290 اللغز الأنثوي 





«مشاعرها المسالمة السعيدة الخالية من الهموم» وعن «شعورها العميق 
بالإنجاز.. ... لكن» تذكر أنها لا تريد المديح من أجل المديح ... وتذكر أيضًا 
أنّ مزاجها ليس «مرحًاء ببساطة. هي متعبة ومكتثبة قليلًا. ظاهريًاء الصفات 
أو الأنوان البهيجة لا تعكس مشاعرها. وهي تستجيب بتفضيل أكبر للرسائل 
البسيطة والدافئة والمخلصة. 
وجاء في الخمسينيات الاكتشاف الثوري لسوق المراهقات. بدأت 
المراهقات والمتزوجات الشابات يظهرن على نحو بارز في التقارير. 
اكثشف أن الزوجات الشابات اللواتي لم يذهبن إلا إلى المدرسة الثانوية» 
ولم يعملن قط هنّ الأكثر «قلقَا والأقل استقلاليةء واللواتي يكون البيع 
لهِنْ أسهل. يمكن القول لهؤلاء الشابات أنهن يستطعن» من خلال شراء 
الأشياء الصحيحة؛ أن يحققن المكانة التي للطبقة الوسطى» دون عمل أو 
دراسة. من شأن البيع القائم على أساس مجاراة آل جونز أن ينفع مرة أخرى؛ 
لم تكن الفردية والاستقلالية اللتان تحصل عليهما النساء الأمريكيات من 
التعليم والعمل خارج المنزل مشكلة كبيرةً مع العرائس المراهقات. وذكر 
التقرير: في الحقيقية إذا كان من الممكن ترسيخ نمط «السعادة عن طريق 
الأشياء»» عندما تكون تلك النساء صغيرات بما يكفي» فيمكن تشجيعهن 
بأمان على الخروج والحصول على عمل بدوام جزئي لمساعدة أزواجهن 
على دفع ثمن كل الأشياء التي يشترونها. كانت الفكرة الرئيسية الآن هي 
إقناع المراهقات أن «السعادة عن طريق الأشياء» لم تعد امتيارًا للأغنياء أو 
الموهوبين؛ بل يمكن أن يستمتع بها الجميع إذا تعلموا «الطريقة الصحيحة)» 
الطريقة التي يقوم بها الآخرونء إذا تعلّموا حرج أن تكون مختلقًا. 
وبكلمات أحد هذه التقارير: 
كانت 4990 من العرائس الجديدات مراهقات. ومزيد من الفتيات يتزوجن في 
عمر الثامنة عشرة أكثر مما يتزوّجن في أي عمر آخر. وهذا التكوين المبكر 
للعائلة ينتج عددًا أكبر من الشباب الذين هم على عتبة تحمل مسؤولياتهم 
واتخاذ قراراتهم في الشراء... 


القصل التاسع: البيع الجنسي 291 


لكنْ الحقيقة الأكثر أهمية هي ذات طبيعة نفسية: فالزواج اليوم ليس مجرّد 
ذروة ارتباط رومانسي. بما أنه أكثر وعيًا وأكثر وضوحًا مما كان في الماضي. 
فهو أيضًا قرار بإقامة شراكة لتأسيس بيت مريح مجهّز بعدد كبير من 
المنتجات المرغوبة. 

وجدناء من خلال الحديث إلى عشرات من الأزواج الشباب والفتيات المقبلات 
على الزواج» أن أحاديثهن وأحلامهن كانت كقاعدة عامةء تدور الى درجة 
كبيرة حول بيوتهن المستقبلية وفرشها وحول التسوّق «لأخذ فكرة». وحول 
مناقشة محاسن ومساوئ المنتجات المختلفة .. 

العروس العصرية مقتنعة بقوة بالقيمة الفريدة للحب الزوجي وبإمكانيات 
إيجاد السعادة الحقيقية في الزواج وتحقيق مصيرها الشخصي في الزواج 
وعن طريقه. 

لكنّ فترة الخطوبة في هذه الأيام ليست رومانسيةٌ وحالمةً ومُسكرةٌ إلا لمدة 
محدودة. قد يكون من الآمن القول إن فترة الخطوبة تنحو إلى أن تكون تدريبًا 
على واجبات الزواج ومسؤولياته المادية. وفي أثناء انتظار العرس, يعمل 
الزوجان بجدٌ. ويدّخران المال لشراء مشتريات معينة؛ ويبدآن حتى الشراء 
وفق خطة بالتقسيط. 

ما المعنى الأعمق لهذا الخليط الجديد من القناعة شبه الدينية بأهمية 
الحياة الزوجية وجمالهاء من جانب؛ ووجهة النظر المرتكزة على المنتج؛ من 
جهة أخرى5... 


تبحث العروس العصرية عن هدف واع رأته ا چ العديد من الحالات. 


قدا أعمى: ورأته أمها عبودية. هذا الهدف هو أن < تفتمى إلى رجل» وأن يكون 
لها بيت وأولاد. وأن تختار من بين جميع المهن: الممكنة مهنة الزوجة-الأمّ- 
مديرة المنزل. 


قيل للمعلنين إن للحقيقة القائلة بان العروس الشابة تبحث الآن في 
زواجها عن «التحقق» التام» وأنها تتوقع الآن أن «تثبت قيمتها»» وأن تجد 
كل «المعاني الأساسية» للحياة في بيتهاء وأن تشارك من خلال بيتها في 
«الأفكار المثيرة للعصر الحديث والمستقبل»» هي «تطبيقات عملية» هائلة. 


292 اللغز الأنثوي 


لأنّ جميع هذه المعاني التي تبحث عنها في زواجهاء حتى خوفها من أن 
نترك خلفااء يمكن توجيها نحو شراء المنتجات. فعلى سبيل المثال» فيل 
لصانع منتجات من الفضة الإسترلينية» وهي منتّجات من الصعب جدًا بيعها: 
أكد لها من جديد أنها بالفضة الإسترلينية وحدها يمكن أن تكون آمنة تمامًا 
في دورها الجديد... فهي ترمز إلى نجاحها كامرأة عصرية. وفوق ذلك, 
صور لها بطريقة درامية. التسلية والفخر اللذين تحصل عليهما من تنظيف 
الفضة. حرّض عندها فخر الإنجاز. «كم ستشعرين بالفخر وأنت تقومين بتلك 
المهمة الصغيرة المليئة بالتسلية...». 
وعلاوةً على ذلكء قدّم هذا التقرير نصيحة بالتركيز على الفتيات 
المراهقات الصغيرات جدًا. فالصغيرات يردن ما تريده «الأخريات»» حتى 
إذا كانت أمهاتهن لا يردنه. («كما قالت إحدى مراهقاتنا: القد بدأت كل 
الشلة بتشكيل مجموعاتهن الخاصة من الفضة الإسترلينية. نحن متحمسات 
حقيقيات لها.. نقارن النماذج» ونبحث في الإعلانات معًا. لم تملك عائلتي 
أية فضة إسترلينية» وهم يعتقدون أنني أتباهى عندما أنفق مالي عليهاء لأنهم 
يعتقدون أن المصنوعات المطليّة تتمتع بالجودة ذاتها. لكنّ البنات يعتقدن 
أنهم مخطئون»). فلتصل إليهن في المدارس والكنائس ونوادي الفتيات 
والنوادي الاجتماعية. فلتصل إليهن عن طريق مدرّسي الاقتصاد المنزلى 
وقادة المجموعات وبرامج المراهقين التلفزيونية والإعلانات الموجهة 
للمراهقين. «هذا هو سوق المستقبل الكبير» والإعلان» الذي يعتمد على 
نقل الأحاديث من شخص لآخر بالإضافة إلى ضغط المجموعة» ليس التأثير 
الأكثر فعالية وحسبء بل هو -في غياب التقليد- تأثير ضروري جدًا أيضا». 
أمَا فيما يخص الزوجة الأكبر سا والأكثر استقلالية» فيمكن تلبية تلك 
النزعة التعيسة إلى: استخدام مواد لا تتطلب إلا القليل من العناية -أطباق 
من الستانلس ستيل أو من البلاستيك أو المناديل الورقية- بجعلها تشعر 
بالذنب نتيجة أثرها على الأطفال. («كما قالت لنا زوجةٌ شابةٌ: اأنا خارج 
البيت طوال اليوم» وبالتالي لا أستطيع أن أحضر الوجبات» وأقدّمها بالطريقة 


الفصل التاسع: البيع الجنسي 293 


التي أريد. لا أحبٌ الأمر على هذا النحو؛ فزوجي وأولادي يستحقون راحة 
الا أفكر نجنا يانه قد کر الأفقيل ا ارا يزان وا 
ونحصل على حياة بيتية حقيقية» لكن هناك دائمًا أشياء كثيرة نحتاج إليها»). 
يؤكد التقرير على أن ذلك الإحساس بالذنب يمكن استخدامه لجعلها ترى 
المنتح -الفضة- على أنه وسيلة لتماسك العائلة؛ فهو يمنح «قيمة نفسية 
مضافة». أكثر من ذلك» يستطيع المنتج حى لمجي عه ال 
إلى الهوية: وج أنه يصبح فعلا جزءًا منك. يعكسك. لا تخش الإيحاء» 
على نحو غامض» بأل الفضة الإسترلينية ستكيف نفسها 0 بيت وأي 
شخص». 

وأشار تقرير آخر إلى أن صناعة الفرو تعاني من المشاكلء لأنّ فتيات 
المدارس الثانوية والجامعات الشابات يساوين بين معاطف الفرو و«انعدم 
النفع» و«الخليلة». ومرّة أخرى» كانت النصيحة هي الوصول إلى الفتيات 
الصغيرات جدًا قبل أن تتشكل لديهن مثل هذه الأفكار التعيسة. («بإطلاع 
الشابات على تجارب إيجابية مع الفرو تتعزّز احتمالات تسهيل طريقهن 
إلى شراء الملابس في سنوات المراهقة»). أشر إلى أن «ارتداء ثوب من 
الفروييوطد أنوثة المرأة وجنسانيتها». («إنه الشيء الذي تتطلع الفتاة إليه. إنه 
يعني شيئًا ما. إنه أنثوي». «إنني أربّي ابنتي على نحو صحيح. هي دائمًا تريد 
أن ترتدي «معطف الماما). ستريد هذه الأشياء. إنها فتاة حقيقية»). لكنء 
تذكر أن «فرو المنْك قد مثّل رمزية أنثوية سلبية لكامل سوق الفرو». لسوء 
الحظ» كانت اثنتان من كل ثلاث نساء يشعرن أنْ لابسات فرو المنك هنّ 
«نهابات... مستغلات... اتكالتّات... غير منتجات اجتماعيًا...) 

وقال التقرير: إن الأنوثة اليوم لا يمكن أن تكون نهابة واستغلالية على 
هذا النحو الصريح» كما لا يمكن أن تكون لديها «الأفكار القائمة على 
التميّز عن بقية الحشد والتمركز على الذات» التي قامت عليها آخر صيحات 
الموضة في الماضي. وهكذاء يجب الحدّ من «التوجه نحو الأنا» في الفروء 


204 اللغز الأنثوي 
واستبداله بالأنوثة الجديدة لربة المنزل» التي يجب ترجمة التو جه نحو الأنا 
بالنسبة لها إلى «الوجود معًا» والتوجه نحو العائلة. 
أبدأ بخلق الشعور بأن الفرو ضرورة.. ضرورة مبهجة... وبالتاليء امنح الزبونة 
إذنًا أخلاقيًا بشراء شيء تشعر الآن أنه موجّه نحو الأنا. ... امنح أنوثة الفرو 
شخصية أوسع. مطوّرًا بعض الرموز الآتية التي تدلٌ على الهيبة والمكانة: 
امرأة سعيدة عاطفيًا... زوجة وأمّ تحظى بحب زوجها وأبنائها واحترامهم 
نتيجة ما هي عليه من شخصية؛ ونوعية الدور الذي تقوم ققد ءءء 
ضع ملابس الفرو في محيط عائلي؛ أظهر السعادة والإعجاب الئذين تحصل 
عليهما العائلة والزوج والأبناء بفعل ثوب من: الفرو؛ أظهر فخرهم بمظهر 
أمهم, بامتلاكها ثوبًا من الفرو. طوّر ألبسة من الفرو لتكون بمثابة هدايا 
«عائلية».. مكن جميع العائلة من الاستمتاع بذلك الثوب في عيد الميلاد 
وغيره. وهكذا تقلّل من توجهه نحو الأنا بالنسبة لصاحبته. وتزيل إحساسها 
بالذنب نتيجة انفماسها بالملذات الظاهرية. 
وهكذاء فقد كانت الطريقة الوحيدة التى يفترض بربة المنزل أن تعر 
بها عن نفسهاء ولا تشعر بالذنب حيالهاء هي شراء منتجات للبيت والعائلة. 
وأية دوافع إبداعية قد تكون لديها يجب أيضًا أن تكون موجهّة نحو البيت 
والعاتلة» كما ذكر تقرير أخر لصناعة الخياطة المنزلية. 
تحمّق تلك النشاطات. من مثل الخياطة. معنى جديدًا ومكانة جديدة. 
فالخياطة لم تعد مترافقة مع الحاجة المطلقة. ... إضافة إلى ذلك. مع 
الارتفاع المعنوي للنشاطات الموجهة نحو المنزل. فإن الخياطة -وكذلك 
الطبخ والبستنة والديكور المنزلي- تقدر بوصفها وسيلة للتعبير عن الإبداعية 
والفردية؛ وكذلك وسيلة لتحقيق «النوعية» التي يفرضها مستوى جديد من 
الذوق. 
النساء اللواتي يخطنء كما اكتشف هذا المسحء هن ربات المنازل 
العصريات النشيطات الفعّالات الذكيات» النساء الأمريكيات العصريات 
الجديدات الموجهات نحو البيت. اللواتى لديهن حاجة كبيرة غير مشبعة 
إلى الإبداع والإنجاز وتحقيق الشخصية الفردية» التي يجب أن تمتلئ 


الفصل التاسع: البيع الجنشي أ 295 


بنشاط بيتي ما. كانت المشكلة الكبيرة لصناعة الخباطة المنزلية هي أن 
«صورة» الخياطة (باهتة»؛ فهي على نحو ما لم تحقق الشعور بإبداع شيء 
مهم. فيجب على الصناعة عند بيع منتجاتهن أن تركز على «الإبداع الدائم» 
فى الخياطة. 

ولكن» حسب النصيحة المقدمة إلى منتح أحد النماذج» لا يمكن حتى 
للخياطة أن تكون مبدعة جدًا أو فردية جدًا. كانت متابعة نماذجه تتطلب 
بعض الذكاء» وتترك مجالا واسعًا للتعبير الفردي» وكان المنتج يعاني من 
المشاكل لذلك السبب بالضبط؛ فقد كانت نماذجه تفترض أنّ المرأة اتعرف 
ما تحب» وربما تكون لديها أفكار محددة». وصح بتوسيع هذه «الشخصية 
في الموضة المحدودة جدًاا؛ وأن يحصل على شخصية تحقّى «توافقا في 
الموضة مع ما هو سائد»» وتروق ل«المرأة غير المطمئنة لأزيائها»» (عنصر 
المتوافقة مع الموضة» التي تشعر «أن ليس من الأناقة أن تلبس على نحو 
مختلف جدًا». لأ مشكلة المنتج بالطبع لم تكن تلبية حاجة المرأة إلى 
الفردية والتعبير والإبداعية» بل أن يبيع المزيد من النماذج» وهو ما يتحقق 
على نحو أفضل من خلال بناء توافق مع الموضة. 

حللت التقارير» المرة تلو المرةء وعلى نحو ثاقب» حاجات ربة المنزل 
الأمريكية» بل وإحباطاتها السرية؛ وكان من الممكن تحريضها في كل مرّة» 
إذا ما تم التلاعب بتلك الحاجات بشكل صحيح» على شراء المزيد من 
«الأشياء». ففي عام 1957» ذكر تقرير للمتاجر الشاملة أن دورها في هذا 
العالم الجديد لا يقتصر على ابيع» ربة المنزل وحسبء بل وأن يشبع حاجتها 
لى «التعليم»؛ أن يشبع توقهاء وهي تجلس وحيدة في البيت.. إلى الشعور 
بأنها جزء من العالم المتغير. سيبيعها المتجر المزيد» كما قال التقريرء إذا 
فهم أن الحاجة الحقيقية» التي تحاول المرأة إشباعها عن طريق التسوّقء 
لبست شيئًا يمكنها أن تشتريه فيه. 

لدى معظم النساءء لا حاجة مادية فحسب» بل ونوع من الإكراه النفسي على 





296 اللغز الأنثوي 


زيارة المتاجر الشاملة. هن يعشن في عزلة نسبية. أفقهن محدود وكذلك 

تجاريهن. وهن يعرفن أن هناك حياة أوسع أبعد من أفقهن؛ ويشعرن بالخوف 

من أن تتجاوزهن الحياة. 

تحط .الاجر الشاملة لك العولة: هالعرآة الك تخل جرا شاملا تشر 

فجأةٌ أنها تعرف ما يجري في العالم. المتاجر الشاملة؛ أكثر من المجلات أو 

التلفاز أو أية وسيلة اتصال جماهيرية أخرى. هي مصدر المعلومات الرئيسي 

لدى النساء فيما يتعلق بجوائب الحياة المتنوعة... 

وتابع هذا التقرير: هناك حاجات عديدة يجب أن يلبيها المتجر الشامل. 
فأولاء ربة المنزل «بحاجة إلى أن تتعلّم وتتقدّم في الحياة». 

نحن نرمز لمكانتنا الاجتماعية بالأشياء التي نحيط أنفسنا بها. فالمرأة 

التي كان زوجها يكسب ستة آلاف دولار منذ بضع سنوات. وهو الآن يكسب 

عشرة آلاف» تحتاج إلى أن تتعلم مجموعة جديدة كاملة من الرموز. والمتاجر 

الشاملة هي أفضل معلميها في هذا الموضوع. 

وثائئاء هناك الحاجة إلى الإنجازء التى تشبعها ربة المنزل العصرية 
الجديدة أساسًا عن طريق «صفقة». 

لقد وجدنا في اقتصاد الوفرة الذي نعيش فيه أن الاهتمام بالأسعار ليس 

-إلى درجة كبيرة- حاجة ماليةء بقدر ما هو حاجة نفسية لدى غالبية النساء. 

6.6 وبالتالي. فكلمة «صفمة» لا تعني -وعلى نحو متزايد - أنني «أستطيع الآن أن 

مثلما يفعل زوجي تمامًا عندما يعمل ويحضر إلى البيت شيك الراتب». 
السعر في حدٌ ذاته لا يكاد يه قال التقرير: 

بما أن الشراء هو مجرّد ذروة علاقة معقّدة. تستند -إلى حد كبير- إلى توق 

المرأة إلى معرفة كيف تكون امرأة جذابة وربة منزل أفضل وأمًا خارقة؛ إلخ» 

فاستخدمٌ هذا الدافع في جميع نشاطك الترويجي والإعلاني. اغتنم كل فرصة: 

لتشرح لها كيف سيساعدها متجرك على تحقيق أعرّ أدوارها في الحياة... ' 


إذا كانت المتاجر مدارس المرأة في الحياة. فالإعلانات هي كتبها المدرسيةم 


297 لفصل التاسع: البيعا لجنسي‎ ١ 
لديهنٌ شره لا ينضب إلى هذه الإعلانات التي تمنحهنٌ الوهم بأنهنّ على‎ 
اتصال مع ما يجري في عالم الأشياء غير الحيةء أشياء يعبّرن من خلالها‎ 
كثيرًا عن الكثير من دوافمهن...‎ 


مرّة أخرى.» أشار تقرير في عام 1957 بمتهى الدقة» إلى أنه على الرغم 
م“ ن «الجوانب الإيجابية العديدة للحقبة الجديدة | کک على البيت)» إن 
عددًا زائدًا من الحاجات قد ترز لسوء الحظء غل انث إلى حدٌ أنْ 
الت لم يكن قادرًا على أن يفي بها. هل هذا مبب ب لإطلاق جرس الإنذار؟ 
لاء فی الواقع؛ فحتى هذه الحاجات هى مصدر للتلاعب. 
ليست العائلة دائمًا هي القدر الذهبي النفسي الموجود عند نهاية قوس فرح 
الوعد بحياة عصرية, كما زعم أحيانًا. وفي الحقيقةء توضع على العاثلة اليوم 
ولحسن حظ المنتجين والمعلنين في أمريكا (وأيضًا العاكلة والرفاه النفسي 
لمواطنينا). يمكن ملء الكثير من هذه الفجوة بالحصول على سلع أستهلاكية. 
تفي مئات المنتجات بمجموعة كاملة من الوظائف النفسية التي يجب أن 
يعرفها المنتجون والمعلنون» ويستخدموها في تطوير طرق في البيع أكثر 
كفاءة. وتمامًا مثلما خدم الإنتاج يومًا متنفسًا للتوتر الاجتماعي؛ فالاستهلاك 
الآن يخدم الهدف نفسه. 
يصكف شراء الأشياء تلك الحاجات التي لا يمكن فعلا إشباعها عن 
طريق البيت والعائلة؛ حاجة ريات المنازل "إلى التطابق مع شيء يتجاوزر 
أنفسهن + الإحساسٌ بالحركة مع الآخرين نحو أهداف تمنح الحياة سعنى 
وهدقًا)» اهدفٌ اجتماعی غير مفند يمكن لكل فرد أن يكردس جهوده له. 
مناات ايه عبيعة في ا البشريه إلى ل مكان ی د و 
تسعى إلى تحقیق تحصو أهيداف اجتماعية ذات معنى. وعندما لا يتحمق ذلك يصبح 
الفرد قلقًا. و يفسّر لماذا نسمع. عندما نتحدث إلى الناس على امتداد 
الوطن. المرّة تلو المرّة. أسئلة من مثل: دما معنى كل ذلك؟. «إلى أين 
أذهب6». «لمَّ لا تبدو الأشياء أجدر فيم نعمل جميعًا بجدّء ونملك الكثير من 


298 اللغز الأنثوي 





الأشياء لتلعب بھا؟. 

لسؤال هو: هل يستطيع منتجك أن يملا هذه الفجوة؟ 

كانت (المحاجة المحبطة إلى الخصوصية فى الحياة العائلية»). فی هله 
الحقبة من «الوجود معا أمنية سرية أخرى تكشّفت في مسح معمق. 
ولكن. يمكن استخدام هذه الحاجة لبيع سيارة ثأنية.. 

إضافة الى السيارة التي تستمتع ألعاكلة كاملة بها ما هناك السيارة للزوج 

والزوجة؛ كل على حدة؛ «قد يحصل المرء على استراحة قصيرة يحتاجها 

بشدة في السيارة وحده. وقد 0 السيارة بوصفها فلعته الخاصة أو 

وسيلته لاستعادة الخصوصية». أو معجون الأسنان أو الصابون أو الشاميو 

«الفر ردي»: » الشخصي». 

أشار مسح آخر إلى أنه كان هناك «نزعًا [ محيّرًا] للجنس من الحيا 
الزوجية»؛ على الرغم من التأكيد الشديد على الزواج والأسرة ا 
المشكلة: ا ی عاق ا ا 
الجنسية؟» الحل: نصح التقرير البائعين ب(إعادة الليبيدو إلى إعلاناتهم». 
على الرغم ا 0 
الجنس» فإن الجنس -كما وجد في الدعايات التلفزيونية والإعلانات في 
المجلات الوطنية- - تنقصه الحرارة جدّاء وهو ضيّق ق جدا» كما ذكر التقرير. 
تزيل الاستهلاكية» الرغبة الجنسية من الأمريكيين لأنها «فشلت في أن 
تعكس قوى الحياة الفاعلة في كل فرد» وهو ما يتجاوز بكثير العلاقة 
الجنسين2. يبدو أن البائعين قد أخرجوا الجتسانية من الجنس» باستخدام 


(000) 0 oT 
الجنسن بيه‎ 


يعكس معظم الإعلان العصري نزعتنا انوطنية الحالية نحو الحط من مكانة 
الجوائب اله لمثيرة والمتمردة والحماسية في دواقع الحياة لدى الجنس البشري 
وتبسيطها وتقليلها ؛ ويبالغ جدا في تلك النزعة. . .. لا أحد يفترض أن الإعلان 
يمكن, أرجت أن يصبح فاحشًا أو بذينًا. تكمن المشكلة في أنه. من خلال 


0( في الأصل : of sex‏ اناه sexed the sex‏ - المترجم. 


الفصل التاسع: البيع الجنسي 209 
جبنه ونقص الخيال فيه يواجه خطر أن يصبح فقيرًا في الليبيدو. وبالتالي 
غير واقعي وغير إنساني ومضجر. 
كيف نستعيد الليبيدوء ونسترجع العفوية المفقودة والدافع و-حب الحياة 

والفردية» وهي الأمور التي يبدو أن الجنس في أمريكا يفتقدها؟ يستنتج 

التقرير؛ في لحظة من شرود الذهن» أن حت الحياة» بدا من الجنس 
الآخر» يجب أن يبقى غير ملوّث بالدوافع د دع الزوجة تكون 

أكثر من ربة منزل... يجب أن تتحول إلى امرأة... 
دُعيت ذات يوم» وقد غمرت نفسي في الأفكار المتنوعة لهذه التقارير 

الى لظالبا تفت إلى الخلين الاريك على مدى لسر ات الخ 

عدر ا إلى فار الد هع اكل الذى: يدوو ع الت 
الدافعي تلك. ولقد كان مفيدًا جدًا في إظهاره لي القوى التجارية الكامنة 
وراء اللغز الأنثوي» وربما استطعت أن أكون مفيدة له. سألت بسذاجة: ما 
دام وجد من صعوبة كبيرة في منح النساء شعورًا حقيقيًا بالإبداع والإنجاز 
في العمل المنزلي» وحاول أن يخفف من إحساسهن بالذنب والتحرّر من 
الوهم والإحباط» عن طريق جعلهنَ يشترين المزيد من «الأشياء»» فلماذا 
لا يشجعهنّ على شراء الأشياء بناءًا على ما تساويه تلك الأشياء بحيث 
يكون لديهنّ الوقت للخروج من البيت والسعي وراء أهدافٍ إبداعية فعلًا 
في العالم الخارجي 

فقال: «لكننا ساعدناها في إعادة اكتشاف البيت بوصفه التعبير عن 
إبداعها. نساعدها على التفكير في البيت العصريء كما لو أنه استديو 
المنان أو مخبر العالم». وهر كتفيه متابعا: «وبالإضافة إلى ذلك فإِنّ معظم 

المنتجين» الذين نتعامل معهم» ينتجون أشياء لها علاقة بالتدبير المنزلي». 
وتابع: «يجب علينا في اقتصاد السوق الحر أن نطوّر الحاجة إلى 

منتجات جديدة. وحتى نفعل ذلك يجب علينا أن نحرّر النساء حتى يرغبن 

بهذه المنتجات الجديدة. نساعدهنّ على إعادة اكتشاف أن التدبير المنزلي 


300 اللغزالأنثوي 
أكثر إبداعًا من التنافس مع الرجال. وهذا يمكن التلاعب به. نبيعهنّ ما يجب 
أن يردنه» نسرّع اللاوعي» نسير به قدمًا. المشكلة الكبيرة هي تحرير المرأة 
من خوف: ما الذي سيحصل لها إذا لم تكن مضطرةً إلى قضاء وقت طويل 
في الطبخ والتنظيف». 

قلت: «هذا ما أعنيه. لماذا لا يقول إعلان خلطة الشطيرة للمرأة أنها 
تستطيع أن تستخدم الوقت الذي توقره لتكون عالمة فلك مثلا؟» 

فأجاب: «ليس ذلك صعبًا جدًا. بضع صور.. عالمة الفلك تحصل 
على رجلهاء عالمة الفلك بطلة اجعلي من الساحر للمرأة أن تكون عالمة 
فلك... ولكن لا). وهر كتفيه مرّة أخرى. «سيخاف الزبون كثيرًا. فهو يريد 
أن يبيع خلطة الشطيرة. يجب أن تريد المرأة البقاء في المطبخ. والمنتج 
يريد أن يأسرها مرة أخرى في المطبخ.. ونحن نريه كيف يفعل ذلك بشكل 
صحيح. إذا قال لها إِنّ كل ما تستطيع فعله هو أن تكون زوجة وأمّاء فستبصق 
في وجهه. أما نحن فنريه كيف يقول لها إِنّ من الإبداع أن تكون في المطبخ. 
نحن نطلق حاجتها إلى أن تكون إبداعية في المطبخ. إذا قلنا لها أن تكون 
عالمة فلك» فربما تبتعد عن المطبخ». وأضاف: «إضافة إلى ذلك إذا أردت 
أن تقومي بحملة لتحرير النساء ليصبحن عالمات فلك فيجب أن تجدي 
أحدًا مل جمعية التعليم الوطنية ليدفع من أجل ذلك». 

يجب أن يُمنح الباحثون الدافعيون الفضل على تبصراتهم في واقع حياة 
ربة المنزل وحاجاتها.. واقمٌ يفوت غالبًا على زملائهم في علم الاجتماع 
الأكاديمي وعلم النفس العلاجي» الذين رأو | النساء عبر الستار الوظيفي- 
الفرويدي. واكتشف المتلاعبون» لمصلحتهم ومصلحة زبائنهم. أن لدى 
الملايين من ربات المنازل الأمريكيات. اللواتى يفترض أنهن سعيدات» 
اينات مشتدة لا ينك الريك والمائلة و و 
إذا استندنا إلى أخلاقية تتجاوز الدولارء فإِنْ المتلاعبين مذنبون باستخدام 
أفكارهم لبيع النساء أشياء لن تلبي قط تلك الحاجات الملحّة باضطرادء 





القصل التاسع: البيع الجنسى 301 
مهما كانت مبتكرة. هم مذنبون» لاهم يقنعون ربات المنازل بالبقاء في 
البيت مسمّرات أمام التلفاز» وحاجاتهن غير الجنسية مجهولة وغير مشبّعة 
ومنصرفة بفعل البيع الجنسي إلى شراء الأشياء. 

لا يمكنء إلا بصعوبةء اتهام المتلاعبين وزبائنهم في عالم الأعمال 
الأمريكي بخلق اللغز الأنثوي. لكنهم الأكثر قوةً بين من يسعون إلى تأبيده؛ 
وملايينهم هي التي تغطي الأرض بصور مقنعة تتملق ربة المنزل الأمريكية. 
بذلك بنجاح كبير» إذ استخدموا تقنيات ومفاهيم العلم الاجتماعى الحديث» 
وحوّلوها إلى تلك الإعلانات والدعايات الشائنة الذكية البسيطة على نحو 
مخادع» إلى حدّ أن مراقبًا للمشهد الأمريكي اليوم يقبل فكرة أن الغالبية 
العظمى من النساء الأمريكيات ليس لديهنّ أيّ طموح غير أن يكنّ ربات 
منازل على أنها حقيقة. إذا لم يكونوا مسؤولين كليّة عن إرسال النساء إلى 
اا و من الصعب تفادي خطابهم 
المتواصل فى هذا الزمن من الاتصالات الجماهيرية؛ لقد سكبوا اللغز 
الأنثوي عميقًا في عقل كل امرأق وفي عقول زوجها وأولادها وجيرانها. 
لقد جعلوا منه جزءًا من نسيج حياتها اليومية» ووبّخوها لأنها ليست ربة 
منزل أفضل» ولا تحب عائلتها كفاية» ولأنها تهرم. 

ا ا وا 

Whi‏ ) أبوابٌ للفرن يمكن فکهاء وأدراجٌ 8 يمكن تنظيفها في 

الحوض» وصفيحة للزيت المتقطر يمكن سحبها بسهولة... أوّل موقد تستطيع 

ية امرأة أن تبقيه نظيفًا تمامًا بسهولة... وتجعل أي شيء مطبوخ ألنّ مذاقًا. 

يقال الحب بطرق عديدة. إِنْه عطاءٌ وقبول. نه حماية وانتفاء .. . وأنت تمرف 

ما الأكثر أمنًا لأولئك الذين تحيهم . ورق التواليت لديهم هو دائمًا ماركة 

(56011)... وهو الآن متوفرٌ بأربعة ألوان وبالأبيض. 

بأية مهارة يحوّلون حاجتها إلى الإنجاز إلى أوهام جنسية تعدها بالشباب 


الأبدي» ويبلدون إحساسها بمرور الوقت. يقولون لها حتى إنها تستطيع أن 
هل هي... أم لا إنها مليئة بالمرح متل أبنائهاء ونّضرة الطلّة مثلهم تمامًا! 
طبيعيتها. والطريقة التى تي يتلألاً بها شعرها . ويلتقط الضوءء كما لو أنها وجدت 
السرٌ أل اق نجل الوق شونا كنا . وبطريقة 3 ما لديها... 
تمد الإعلانات» بمهارة متزايدة» «دور» المرأة بوصفها ربة منزل 
أمريكية» فالمعلنون يعرفون أنْ افتقارها ذاته إلى الهوية فى ذلك الدور 
i‏ سيجعلها تنخدع دع بي شيء يبيعونه. 
من هي؟ !نها تد تتحمس مثل طفلتها البالغة من العمر ست سنوات لدى افتتاح 
المدرسة. إنها تفكر في الأيام التي واجهتها في القطارات. وفي وجبات الغداء 
الموضّبة والأصابع المضمّدة وألف تفصيل وتفصيل. يمكن أن تكونّ أنت؛ في 
حاجة إلى نوع خاص من الملابس لحياتك النشيطة الواعدة بالمكافآت. 
هل أنت هذه المرأة؟ تمنحين أطفالك المتعة والمزايا التي تريدينها لهم؟ 
تأخذينهم إلى أماكن. وتساعدينهم على القيام بالأشياء؟ وتقومين بما هو 
متوقع منك في أمور الكنيسة والمجتمع... وتطورين مواهبك بحيث تصبحين 
أكثر إثارة للاهتمام؟ يمكنك أن تكوني المرأة التي تتوقين إلى أن تكونيها 
وبليموث (2190501:11) كلها ملكك... اذهبي أينما شئت» ومتى شئت في 
بليموث جميلة. هي لك. وليست لأي شخص آخر... 
ولكن. لا يجعل موقدٌ جديدٌ» أو ورق توأليت أنعم؛ من المرأة زوجة أو 
أمّا أفضل» حتى إذا كانت تظن أن ذلك هو ما تحتاج إلى أن تكونه. فصبغ 
شعرها لا يمكن أن يوقف الزمن؛ وشراء سيارة بليموث لن يمنحها هوية 
جديدة؛ وتدخين المارلبورو لن يؤمّن لها دعوة إلى الفراش» حتى إذا كانت 
تظن أن ذلك ما تريده. ولكن» يمكن لهذه الوعود غير المشبعة أن تبقيها إلى 
الأبد جائعة للأشياء» وتبقيها بعيدة دائمًا عن معرفة ما تحتاج إليه» أو تريده. 
إن عاذ هن مه E‏ رر ا 





الفصل التاسع: البيع الجنسي 303 
حزيران/ 1962 «مخصصًا للمرأة التي تقضي عمرها وهي تعيش وفق 
إمكانيتها!» وقد كتب تحت صورة امرأة جميلة مزخرفة بفستان سهرة 
ومجوهرات وطفلين جميلين: #البرنامج الوحيد المتكامل كلا لماكياج مغذ 
للبشرة وللعناية بها.. مصمّم لرفع جاذبية المرأة إلى ذروتها الكاملة. المرأة 
التي تستخدم ألتيما) يملؤها إحساس عميق بالتحقق. نوع جديد من الفخر. 
لَأنْ مجموعة مواد التجميل هذه هى النهاية... لا شىء بعدها». 

يبدو الأمر كله مضحكا عندما تفهم ما هنّ مستعدات له. قد لا يكون 
لدى ربة المنزل من تلقي باللوم عليه سوى نفسها إذا ما سمحت للمتلاعبين 
بتملقها أو تهديدها لشراء أشياء لا تلبى حاجات عائلتها ولا حاجاتها 
الخاصة. ولكن» إذا كانت الدعايات والإعلانات تمثل حالة واضحة على 
رالرى فجن الا قالع الج سه الي في موي 
افتتاحية مجلة أو برنامج تلفزيوني» أقل إضحاكًا وأكثر مكرًا في الآن : ذاته. هنا 
رية ة المنزل غالبًا ضحية غير واعية. لقد كتبت لصالح بعض المجلات التي 
يتصل البيع الجنسي فيها على نحو معقّد بمحتوى افتتاحياتها. فالمحررون» 
يا و 

المنزل الأمريكية؛ الخدمة في جميع المجالات التي تحوز على ا ا 

من المعلنين الذين هم أيضًا رجال أعمال. إنها تقدّم للمعلنين تركيزا قويًا 

من مدبّرات المنازل المتفانيات الجادات ذوات الضمير الحي. نساء أكثر 

اهتمامًا بالبيت والمنتجات المعدّة للبيت. نساء أكثر استعدادًا للدفع وأكثر 

قدرةٌ عليه... 

لا حاجة إطلاقا لكتابة مذكرة أو لقول جملة فى مؤتمر لمحرري 
المجلات؛ فالرجال والنساء الذين يتخذون القرارات التحريرية يقومون 
بتسوية معاييرهم الرفيعة ذاتها وفق مصالح الدولار الإعلاني. وتأثير 
المُعلن» كما كشف محرّرٌ سابقٌ لمجلة ماك كول مؤخرّاء غالبًا لا يكاد يكون 
ملحوظا. فالذي يفرض نوع البيوت المصورة في صفحات «الخدمات» هم 





304 اللفز الأننوي 
بما لا يقبل الشك» أصحاب الكلمة النهاثية في الإعلان. 

ومع ذلك فأية شركة يجب أن تحقق ربخا من منتجاتها؛ وأية مجلة أو 
شبكة بحاجة إلى الإعلان حتى تبقى. ولكن. حتى إذا كان الربح هو الدافع 
الوحيد ومعيار النجاح الوحيد» فإني أتساءل عمًّا إذا كانت وسائل الإعلام 
لا ترتكب خطأ عندما تعطى الزبون ما تظن أنه يريد. وأتساءل عمّا إذا كان 
التحدي والفرص أمام الاقتصاد الأمريكي وأمام الشركات نفسها لا يكمن 
على المدى البعيد في السماح للنساء بالتموء بدلا من تغطيتهن بمصل 
الشباب الذي يبقيهن غافلات ومتعطشات للأشياء. 

الجريمة الحقيقية هي القبول المتزايد والقاسي بنصيحة المتلاعب» بغض 
النظر عن مدى ربحيتها للاقتصاد الأمريكي» ب«الوصول إليهن صغيرات»؛ 
الإعلانات التجارية التلفزيونية التي يغتيها الأطفال» أو يتلونهاء حتى قبل 
ا لر افر الاأعلانات الجميلة لكين والسهلة رة ان“ 
سالي» انظري!» التي تصمّمها المجلات عمدًا لتحوّل الفتيات المراهقات 
إلى ربات منازل مبتاعات للأشياء قبل حتى أن يبلغن ويصبحن نساء: 

إنها تقرأ مجلة (س) من بدايتها إلى نهايتها ... وتتعلم كيف تتسؤّق وتطبخ 

وتخيط وكل شيء اخر يجب أن تعرفه الفتاة الشابة. وهي تصمم ملابسها 

وفق ملابس مجلة (س). وتنتبه إلى ما يقوله مستشار المجلة في أمور الجمال 

والمتأنقين ... وتستشار مجلة (س) حول أحدث بدع الموضة للمراهقات .. 

وأما كيف تشتري من هذه الإعلانات في مجلة (س)! تبدأ عادات الشراء 

في مجلة (س). أن تبدأ عادةٌ أسهل من أن توقف واحدةًا (اكتشف كيف 

تحمل النشرةٌ الفريدة لمجلة (س) -مجلة (س) في المدرسة- إعلاناتك إلى 

صفوف الاقتصاد المنزلي في المدرسة الثانوية). 

إننا نضخي بفتياتنا للغز الأنثوي» مثلما كانت ثقافة بدائية تضحي 
بالفتيات الصغيرات لآلهتها القبلية» ونعدّهن بكفاءة أكثر من أي وقت مضى 
من خلال البيع الأنثوي ليصبحن مستهلكات الأشياء التي أصبحت أمتنا 
مكرّسة لبيعها بربح. ظهر إعلانان مؤخرًا في مجلة إخبارية وطنية» لم يكونا 





القصل التاتمع: البيع الموئسي 305 





موجهين للفتيات المراهقات» بل للمديرين الذين ينتعجون ويبيعون الأشياء. 
أظهر أحدهما صورة صبي: 
أنا ذاهبٌ هكذا إلى القمر... أما أنت فلا يمكنك الذهاب لأنك فتاة! الأطفال 
يكبرون أسرع هذه الأيام. اشامات يمكن أن تشمل طيفًا واستكا جدًا - من 
الزلاجات بعجلات إلى الصواريخ. والشركة (س) كبرت أيضّاء مع طيف واسع 
من المنتجات الإلكترونية للاستخدامات الفضائية والصناعية والحكومية على 
المستوى العالمي. 
أما الإعلان الثاني فأظهر وجه فتاة: 
أيجب أن تكبر طفلة موهوبة لتصبح ربة منزل؟ يقدّر خبراء التربية أن مَلَكة 
الذكاء الشديد يملكها واحد فقط من كل خمسين طقلا في أمتنا. فعندما 
تملك فتاة تلك المّلكة. فإن السؤال الذي لا مناص من طرحه هو: «هل ستضيع 
هذه الملكة النادرة إذا أصبحت الفتاة ربة منزل6». دعوا أولئك الفتيات 
الموهوبات يجبن عن ذلك السؤال بأنفسهن. أكثر من 90% منهنْ يتزوجن. 
والغالبية تجد عملها ربة منزل متحديًا ومجزيًا بما يكفي للاستفادة الكاملة 
من كل ذكائهن ووقتهن وطاقتهن... هي في أدوارها اليومية -ممرضة ومربية 
واقتصادية ومجرّد ربة منزل بسيطة- تبحث باستمرار عن طرق لتحسين 
حياتها العائلية... ملايين النساء -اللواتي يتسؤقن لنصف العائلات في 
أمريكا- يقمن بذلك عن طريق توفير طوابع (ع). 
إذا كانت تلك الفتأة الموهوبة تكبر لتصبح ربة منزل» فهل يستطيع حتى 
المتلاعب أن يجعل طوابع السوبر ماركت تستخدم كل ذكائها الإنساني 
رطافتها الإنسانية في القرن الذي قد تعيشه فيما يذهب ذلك الصبي إلى 
الف ؟ 
يقول إعلان آخر: «لا تستخف قط بقوة المرأة». لكنّ تلك القوة كانت» 
ومازالت» محل استخفافب في أمريكا. أو بالأحرى. لم تكن تقدر إلا من 
حيث يمكن التلاعب بها لدى الشراء. لا يدخل ذكاء المرأة الإنساني 
وطاقتها في الحسبان حمًا. لكنهما مع ذلك يوجدان. ليستخدما من أجل 
عاية ما أعلى شأنًا من العمل المنزلي وشراء الأشياءء أو يهدران. قد تكون 


306 اللغز الأنثوي 


العلة أن المجتمع مريض لا أكثر» غير مستعد لمواجهة مشاكله الخاصة 
وغير قادر على تخيّل الأهداف والغايات المكافئة لقدرة أفراده ومعارفهم؛ 
مجتمع يختار أن يتجاهل قوة نسائه. وربما العلّة هي أنه مجتمع مريض أو 
غير ناضج فحسب» يختار أن يجعل من نسائه «ربات منازل»» لا أشخاص. 
وربما المسألة ببساطة هى أن الرجال والنساء غير ناضجين» وغير مستعدين 
لمواجهة ديات المجشمم الكبيرة» ويسظيعون الاسيحات لفترة طويلةة 
دون أن يعانوا من كرب غير محتملء. إلى ذلك البيت الذي تستحوذ عليه 
الأشياء» ويجعلون منه غاية الحياة نفسها. 





المصل العاشر: التدبير المنزئي يتمدد ليملا الوقت المتاح 307 





الفصل العاشر 


التدبير المنزلي يتمدد 
ليملا الوقت المتاح 


مضيت - وقد أصبحت لدي رؤية عن ربة المنزل العصرية السعيدة 
كما وصفها التلفاز والمجلات وعلماء الاجتماع الوظيفيون والمريّون 
الموججهون بالجنس والمتلاعبون يتراقصون أمام عيني- بحدًا عن واحدة 
من تلك المخلوقات اللغزية. ومثل ديوجين حاملا مصباحه» مضيت 
كمراسلة صحافية من ضاحية إلى ضاحية باحثة عن امرأة تتمتع بالموهبة 
والتعليم وحققت نفسها بوصفها ربة منزل. ذهبت أولا إلى مراكز الصحة 
العقلية والعيادات الإرشادية في الضواحي وإلى محللين محليين ذوي 
سمعة طيبة وإلى قاطنين محليين ذوي اطلاع» وبعد أن شرحت لهم هدفي» 
طلست منهم أن يو جهوني» لا إلى ربات المنازل الغصابيات المحبطات» 
بل إلى النساء المؤهلات الذكيات المتعلمات اللواتي كنّ ربات منازل 
وأمهات متفرغات ومتكيّفات. 

قال محلل نفسى: «أعرف الكثير من ربات المنازل أولئك ممن وجدن 
التحقق بوصفهن نساءً». فطلبت منه أن يحدّد لي أربعًا منهن» وذهيت 
لرؤيتهن. 





308 النغز الأنثوي 


الأولى؛ لم تعد بعد خمس سنوات من العلاج امرأة مندفعةء لكنها لم 
تكن أيضًا ربة منزل متفرغة؛ فقد أصبحت مبرمجة حواسب. و كانت الثانية 
امرأة متألقة بالحيوية والنشاط مع زوج ناجح وثلاثة أولاد موهوبين مليئين 
بالحيوية والنشاط. عملت طوال حياتها الزوجية محللة نفسية محترفة. 
وتابعت الثالثة جديًا بين حمولها مهنتها كراقصة. وكانت الرابعة تنتقل» بعد 
معالجة نفسية وبالتزام جدي متزايد. إلى السياسة. 

اتصلت بمرشدي مرة أخرى» وقلت له إِنّهِ في حين بدت النساء الأربعة 
(متحققات»» فان أيّةَ واحدة منهنْ ليست ربة منزل متفرغة» بل إِنْ إحداهن 
كانت» في نهاية الأمرء زميلته في المهنة. فقال: «هذه مصادفة مع أولئك 
النساء الأربع». لكتّي أتساءل عمّا إذا كانت مصادفة حمًا. 


وُجهت في مكان آخر إلى امرأة» قال مصدر معلوماتي إِنْها حققت ذاتها 
فعا كربّة منزل» («إنها تخبز بنفسها"). اكتشفت أُنّهاء في الفترة التي كانت 
أعمار أبنائها خلالها أقل من ست سنوات» وكتبت في استمارة التعداد العام 
«المهنة: ربة منزل)» قد تعلمت لغة جديدة (وحصلت على شهادة للتعليم)» 
وأنْها قد استخدمت تدريبها السابق في الموسيقى لتعمل عازفة أورغن 
متطوعة في الكنيسة» وبعد ذلك عازفة محترفة بأجر. وبعد مقابلتي لها بمدة 
قصيرة» استلمت وظيفة في التعليم. ۰ 

لكنّ النساء اللواتي قابلتهن في العديد من الأمثلة كن منسجمات حقيقةً 
مع الصورة الجديدة للتحقق الأنثوي: أربعة أولاد أو خمسة أو ستة. يخبزن 
بآنفسهن» ويساعدن في بناء البيت بأيديهن» ويخطن ملابس أبنائهن. لم تكن 
لدى تلك النساء أية أحلام بالحصول على مهنة» ولا رؤى عن عالم أوسع 
من البيت؟؛ كانت كل طاقتهن متركزة على حياتهن بوصفهن ربات منازل 
وأمهات؛ وقد تحقق طموحهن الوحيد وحلمهن الوحيد. ولكن» هل كنّ 
نساء متحققات؟ 


الفصل العاشر: التدبير المنزلي يتمدد ليملا الوقت المتاح 309 

فى ضاحية لذوي الدخل العالى» أجريت فيها مقابلات» كانت هناك 
ثمان وعشرون زوجة. كان بعضهن خريجات جامعيات في الثلاثينيات أو 
مطلع الأربعينيات من العمرء أمَا الزوجات الأصغر سنا فقد تركن الجامعة 
لكي يتزوجن. وكان أزواجهن» وإلى درجة كبيرة» مستغرقين في أعمال 
في مهنة؛ في حين جعل معظمهن من الأمومة مهنة مع شيء من النشاط 
المجتمعى. وكانت تسمع عشرة امرأة سن النساء الثمانى والعشرين قد ولدن 
ولادة طبيعية (كان الأزواج والزوجات فى حفلات العشاء هناك» ومنذ 
الصحيحة معًا). وكانت عشرون امرأة منهن يرضعن أطفالهن إرضاعًا 
طبيعيًا. وكان العديد منهن حوامل في عمر الأربعين أو نحوه. كان لغز 
التحقق الأنثوي مسَّبعَا حرفيًا في ذلك المجتمع إلى درجة أنه إذا قالت فتاة 
صغيرة: اعندما أكبر سأصبح طبيبة)» فستصحح أمها كلامها: «لايا عزيزتى» 
أنت فتاة. وستصبحين زوجة وأمّاء مثل الماما». 


ولكن ما الذي كانت عليه الماما حمًا؟ كانت ست عشرة امرأة من 
النساء الثماني والعشرين خاضعات للتحليل أو للعلاج النفسي التحليلي. 
وثہانى عشر منهن يتناولن المهدئات» وحاول بعضهن الانتحار» ودخل 
ني اسيك نوات نكتلو عع سات ارين لال كان ضايف 
التشخيص. («ستدهشين من عدد تلك الزوجات السعيدات في الضواحي» 
اللواتي ببساطة يصيبهن الجنون في ليلة ماء ويركضن في الشارع صائحات 
بلا ملابس»» هذا ما قاله الطبيب المحليء الذي لم يكن طبيبًا نفسيّاء والذي 
كأ يستدعى في مثل تلك الحالات الطارتة). من بين النساء اللواتي كن 
يرضعن أطفالهن إرضاعًا طبيعيًاء استمدت واحدةٌ في ذلك طویلا حتى 
أخز ابنها يعاني من نقص في التغذية اضطر معه طبيبها إلى التدخل بالقوة. 


310 اللغز الأنثوي 








ودخلت اثنتا عشرة واحدة منهن في علاقات خارج الزواج في الواقع أو 
الخيال. 

كانت تلك النساء نساءً أمريكيات ذكيات رائعات» يمكن أن يكنّ موضع 
حسد على بيوتهن وأزواجهن وأولادهن وعلى مواهبهن الشخصية» العقلية 
والروحية. لماذا كانت الكثيرات منهن ذوات دافع شخصي؟ عندما رآیت 
فيما بعد هذا النموذج نفسه يتكرر مرارًا وتكرارًا في ضواح متشابهة» أدركت 
أن من الصعب أن تكون تلك مصادفة. كانت تلك النساء متشابهات أساسًا 
فى مجال واحد: كانت لديهن قدرات عقلية غير عادية ومقدرة غذّتها على 
الأقل بدايات التعليم العالي؛ وقد حرمتهن حياة ربات المنازل قاطنات 
الضواحي. التي كن يعشنهاء من الاستخدام الكامل لتلك القدرات. 

وأولئك هنّ النساء اللواتى بدأت أنتبه إلى الملاحظات التى يذكرنها عن 
المشكلة التي لا اسم لها؛ كانت أصواتهن كئيبة وباردة أو عصبية وهائجة؛ 
كنّ فاترات وضجرات» أو «مشغولات» باهتياج بأمور البيت أو المجتمع. 
كن يتحدثن عن «التحقق» كزوجات وأمهات حسب شروط اللغزء لكنهنٌ 
كنّ تواقات جدًا إلى الحديث عن «المشكلة» الأخرى التي بدا أنهن متآلفات 
معها جدًا في الواقع. 

قادت امرأة البحث عن مدرسين جيدين في النظام المدرسي المتخلف 
جديا في مستقبلها في عمر التاسعة والثلاثين بعد أن دخل أولادها جميعًا 
المدرسة: هل يجب أن تعود إلى الجامعة» وتحصل على الماجستير» 
وتصبح مدرّسة محترفة؟ لكنها بعد ذلك قرّرت فجأةً ألا تتابع» وبدلا من 
ذلك أنجبت طفلها الخامس. سمعت تلك النبرة الباردة فى صوتهاء وهى 
تبلغني أنها قد تقاعدت من القيادة المجتمعية حتى «تتفزغ مرةً أخرى لأمور 


البيت). 





الفصل العاشر: التدبير المنزلي يتمدد ليملا الوقت المتاح 311 





وسمعت ذات النبرة الباردة الحزينة في صوت امرأة أخرى وهي تقول 
لي: «إنني أبحث عن شيء يلبي رغبتي. أعتقد أن العمل سيكون أروع شيء 
في العالم: أن أكون مفيدة. لكني لا أعرف كيف أفعل أي شيء. زوجي 
ES a 5 0‏ 2 35 ع8 
لا يمن بعمل المرأة المتزوجة. إنا مستعدة لقطع ذراعيّ الاثنتين لو أنني 
أستطيع إعادة أولادي صغارًا وأعيدهم إلى البيت. يقول زوجى: ١جدي‏ 
شينًا ممتعًا تشغلين نفسك به» لمَ يجب أن تعملي؟! وهكذا فأنا الآن ألعب 
الغولف كل يوم تقريبا ووحدي تمامًا. عندما تمشين ثلاث أو أربع ساعات 


في اليوم» فعلى الأقل تستطيعين النوم ليلا». 


قابلت امرأةً أخرى في المطبخ الكبير لبيت ساعدت في بنائه بنفسها. 
كانت تعجن بانهماك العجين لخبزها البيتي الشهير؛ وكان فستان تقوم 
يشاطته لابتتها تصف مته على ماكينة الخياطة؟ وكان تول يدوي يتتضب 
في إحدى الزوايا. وكانت مواد الأطفال الفنية وألعابهم مبعثرة في كل أرجاء 
المنزل؛ من الباب الأمامي حتى الموقد: لم يكن في هذا المنزل العصري 
الثمين» كما في العديد من البيوت ذات الغرف الكبيرة والقليلة الأبواب التي 
انتشرت في تلك الحقبة» باب بين المطبخ وغرفة المعيشة. ولم تكن لدى 
هذه الأمّ أية أحلام أو رغبة أو فكرة أو إحباط خاص بها لفصل غرفتها عن 
غرف أولادها. كانت حاملا بابنها السابع؛ وكانت سعادتها تامة» كما قالت» 
وهي تقضي أيامها مع أبنائها. ربما كنا هنا أمام امرأة سعيدة. 

ولكنني قبل أن أغادر مباشرة قلث» كما لو أن الفكرة خطرت لي في 
تلك اللحظة: إنني اغتقدنت أنها كانت تمزخ حين ذكرت أنها قحد جارتها: 
وهي مصممة محترفة إضافة إلى أنها أ لثلاثة أولاد. فردّث: «لاء لم أكن 
أمزح». وأخذت ربة المنزل الهادثة تلك التي تعجن العجين لصنع الخبز 
الذي تصنعه دائمًا بنفسهاء بالبكاء. وقالت: «أحسدها بشدة. فهي تعرف ما 
تريد أن تفعل. أما أنا فلا أعرف. لم أعرف قط. عندما أكون حاملًا والأطفال 


312 الالغز الأنثوي 





صغارء أكون أحدًا ما» وأخيرّاء أمّا. لكنهم بعد ذلك يكبرون. ولا يمكننى 
الاستمرار فى إنجاب الأطفال». 

في حين لم أجد قط امرأةٌ تتوافق فعلا مع صورة «ربة المنزل السعيدة» 
تلك» لاحظتٌ شيئًا آخر يتعلق بأولئك النساء القادرات اللواتى يعشن 
حياتهن في ظل اللغز الأنئوي الذي يمنحهن الحماية. كن مشغولات 
جدًا.. مشغولات بالتسوّق وبقيادة السيارة وباستخدام جلايات الصحون 
والمُجففات والخلاطات الكهربائية والبستنة والتلميع بالشمع والصقل 
وبمساعدة الأولاد في وظائفهم والتماسك من أجل الصحة العقلية والقيام 
بألف عمل يومي صغير. وفي سياق مقابلاتي مع تلك النساءء بدأث أرى 
شيئًا ما خاصًا يتعلق بالزمن الذي يأخذه العمل المنزلي اليوم. 

على الطريق في إحدى الضواحيء. كان هناك منزلان على طراز 
المستعمرات» فى كل منهما غرفة معيشة مريحة كبيرة ومكتبة صغيرة وغرفة 
طعام رسمية ومطبخ كبير مبهج وأربعة أسرّة وحديقة ومرجة بمساحة فدّان» 
وهناك في كل أسرة زوج يسافر كثيرًا وثلاثة أولاد بعمر المدرسة. كان 
المنزلان مرتبين جيدّاء وامرأة تأتي للتنظيف مرتين في الأسبوع؛ لكنّ الطبخ 
وغيره من العمل المنزلي» كانت تقوم به الزوجة التي كانت في الحالتين في 
أواخر الثلاثينيات من عمرها وذكية ومعافاة وجذابة وحسنة التعليم. 

في البيت الأولء كانت السيدة (و)» وهى ربة منزل متفرغة» مشغولة 
معظم اليوم بالطبخ والتنظيف والتسوّق وقيادة السيارة والاهتمام بالأولاد. 
أما جارتها السيدة (د)» وهي عالمة أحياء دقيقة» فكانت تنجز كل هذه 
الأعمال الصغيرة قبل أن تذهب إلى مخبرها عند الساعة التاسعة» أو بعد أن 
تعود إلى البيت عند الساعة الخامسة والنصف. ولم يكن الأطفال مهملين 
في أي من العائلتين» لكنّ أولاد السيدة (د) كانوا أكثر اعتمادًا على أنفسهم. 
وكانت السيدتان تقضيان وقنًا لا بأس به فى التسلية. كانت السيدة (و)» ربة 


الفصل العاشر: التدبير المنزلي يتمدد ليملا الوقت المتاح .313 











المنزل» تقوم بالكثير من العمل المجتمعي الروتيني» لكن» لم يكن «لديها 
الوقت» لتستلم وظيفة لرسم السياسات.. وهو ما عرض عليها كثيرًا لأنها 
أمرأة مؤهلة ذكية. انمي ها كانت بشع ن لجنة لإدارة عرض راقص أو 
سوق خيرية لجمعية أ أولياء الأمور والمعلمين. أما السيدة (د)» العالمت فلم 
تكن تقوم بأي - ل مجتمعي روتيني» لكنها كانت. إضافة إلى عملها وبيتهاء 
تعرف في خماسي وتري متخصص (فقد كانت الموسيقى مجال اهتمامها 
الرئيسي ي حارج العدم)» وقد شغلت منصيًا فو في رسم السياسات في منظمة 
الشؤونث العالمية» وهو أحدا هتماماتها من أيام الجامعة. 


كبف أمكن لنفس حجم البيت ونفس حجم العائلة وفي ظل شروط 
متماثلة تقريبًا من حيث الدخل والمساعدة الخارجية وأسلوب الحياة أن 
يأخذ من وقت السيدة (و) أكثر بكثير من وقت السيدة (د)؟ مع أن السيدة 
(و) لم تكن كسونة مطلقاء في الحقيقة. لم يكن لديها قط وقت في المساء 
حتى لتقرأء وهو ما كانت السيدة (د) تفعله غاليًا. 


وفي بناية عصرية كبيرة في مدينة شرقية كبيرة» كانت هناك شقتان تضم 
كأ, واحدة منهما ست غرف» وكلاهما قليلة الترتيب نوعًا ماء فيما عدا 
الأوقات إلتي تكون فيها المرأة التي تقوم بالتنظيف قد غادرت للتو أو قبل 
إقامة حفلة. ولدى كل عائلة من العائلتين» عائلة السيد (ج) وعائلة السيد 
در ثلاثة أطفال تحت العاشرة» ما يزال أحدهم رضيعًا. كان الزوجان 
أوائل الثلاثينيات» وكان عملاهما بتطابان الكثير من الجهد والوقت 


ع 


e 


TT‏ 2 ج)» الذي كانت زوجته ربة منز > متشرغة» أن 
يشوم يعمل منزلي عندما بعود إلى البيت لیلد أو في م السہت» وكان 
يشوم , بذاك فعا أكثر مما كان ذلك متوقعًا من اليد 00 الذي كانت 
زوجته تعمل رسامة رسوم توضيحية مستقلة» وكان عليها بالتأكيد القيام 
بنمس حجم العمل المنزلي فيما بين الساعات التي تقضيها وراء مرسمها. 


314 اللفز الأنثوي 





لم تكن السيدة (ج) لسبب ما تستطيع أن تنهي عملها المنزلي قبل عودة 
زوجها إلى البيت ليلا حيث تكون متعبة جدًا وعليه أن يقوم بالعمل. كيف 
كانت السيدة (ر) التي لم تكن تعتبر العمل المنزلي عملها الرئيسي تقوم 
به في زمن أقل بكثير؟ 

شاهدت هذا النمط المرة تلو المرة» في مقابلاتي مع النساء اللواتي 
عرّفن أنفسهن على أنهن «ربات منازل»ء وقارنتهن مع القليلات ممن 
كنّ يتابعن مهنة» سواء بدوام كامل أو جزئي. وكان النمط نفسه يصح 
حتى حين يكون لدى ربة المنزل والمرأة صاحبة المهنة مساعدة منزلية 
متفرغة. حتى لو اختارت «ربات المنازل» القيام بعملهن المنزلي بتفرغ. 
حتى عندما يكنّ قادرات على توفير ما يكفي من المال لخادمتين. ولكني 
اكتشفت أيضًا أن العديد من ربات المنازل المتفرغات النشيطات باهتياج 
أصابهن الذهول لدى اكتشاف أنهن قادرات على أن ينهين في ساعة العمل 
المنزلي الذي يستغرق منهن ست ساعات -أو الذي يبقى غير منجز حتى 
وقت الغداء- عندما يبدأن الدراسة أو العمل أو يكون لديهن شأن مهم 
خارج البيت. 

لاعبة بسؤال كيف يمكن لساعة من العمل المنزلي أن تمتد لتملأ ست 
اا فق الت تسن العم 4 تقد اروج )عدت هر أخرى ]ل 
المفارقة الأساسية للغز الأنثوي: لقد ظهر لتمجيد دور المرأة بوصفها ربة 
منزل في اللحظة ذاتها التي كانت فيها العوائق أمام مشاركتها الكاملة في 
المجتمع قد تقلصتء في النحظة ذاتها التي جعل العلم والتعليم وإبداع 
المرأة من الممكن لها أن تكون زوجة وأمّاء وأن تقوم في الآن ذاته بدور 
فعَال في العالم خارج البيت. ومن ثم يبدو تمجيد «دور المرأة» متناسبًا مع 
مقاومة المجتمع لمعاملة النساء على أنهن إنسانات كاملات؛ ولأ الوظيفة 
لحقيقية لذلك الدور أقل» زاد تزيينه بتفاصيل لا معنى لها لإخفاء خوائه. 
لقد لوحظت هذه الظاهرة» بشكل عام في حوليات العلم الاجتماعي وفي 





الفصل العاشر: التدبير المنزلي يتمدد ليملا الوقت المتاح 315 


التاريخ -فروسية العصور الوسطىء على سبيل المثالء والأساس المصطنع 
للمرأة الفيكتورية- لكن قد تكون صدمةء من نوع ما للمرأة الأمريكية 
المتحررة أن تكتشف أن ذلك ينطبق إلى درجة كبيرة وملموسة على وضع 
ربة المنزل في أمريكا اليوم: ۰ 

هل ينشأ اللغز الجديد للأنوثة المنفصلة؛ لكن المتساويةء لأثه لم يعد 
ممكنًا قمع نمو المرأة في أمريكا عن طريق لغز الدونيّة الأنثوية القديم؟ هل 
يمكن منع النساء من تحقيق كل قدراتهن من خلال جعل دورهن في البيت 
مكافنًا لدور الرجل في المجتمع؟ لم يعد من الممكن القول «مكان المرأة 
بيتها» بنبرة من الاحتقار. يجب تزيين العمل المنزلي وغسيل الصحون 
وتبدبل البياضات باللغز الجديد حتى يصبح مساويًا لانقسام الذرّة واختراق 
الفضاء الخارجي وإبداع فنّ ينير المصير الإنساني والقيام بأعمال ريادية 
على الخطوط الأمامية للمجتمع. يجب أن يصبح إخفاءٌ الحقيقة الواضحة» 
الذي ليس سوى بداية» غاية الحياة ذاتها. 

عندما تنظر إليه بهذه الطريقة يصبح التضليل المضاعف للغز الأنثوي 
جام قماما: 


- كلما زاد تجريد المرأة من وظيفتها في المجتمع على مستوى قدراتها 
الذاتية» تمدّد عملها المنزلي وعملها أمّا وزوجة» وزادت مقاومتها 
لإنهاء عملها المنزلي أو عملها أمّا وزوجة» ولأن تكون دون أية وظيفة 
على الإطلاق. (من الجلي أن الطبيعة البشرية تمقت أيضًا الفراغ» حتى 
في النساء). 

2- تتناسب المدة اللازمة للقيام بالعمل المنزلي» لأيّة امرأة: عكسيًا مع 
متطلبات العمل الآخر الذي تلتزم به. إذا لم يكن للمرأة اهتمامات 
خارجية» تكون مجبرة عمليًا على تخصيص كل لحظة من وقتها لتوافه 
ترتيب المنزل. 


316 اللغز الأنثوي 

صيعَ المبدأ البسيط القائل «يتمدّد العمل ليملا الوقت المتاح» للمرة 
الأولى من قبل الإنكليزي سي. نورئكوت باركنسون (800016,ه21 .© 
150 بناءً! على تجربته مع البيروتراطية الإدارية في الحرب العالمية 
الثانية. ريمكن ببساطة إعادة صياغة قانون باركنسون لربة المنزل الأمريكية: 
يتمدّد العمل المنزلي ليملا الوقت المتاح» أو تتمدّد الأمومة لتملأ الوقت 
المتاح» أو حتى يتمدّد الجنس ليملأ الوقت المتاح. هذا » بلا شك» هو 
التفسير الحقيقي للحقيقة القائلة إنه حتى بوجود كل الأجهزة الجديدة التي 
توفر الجهدء فإن ربة المنزل الأمريكية العصرية تقضي من الوقت في العمل 
المنزلي أكثر مما كانت جدتها تفعل. وهذا أيضًا جزء من تفسير انشغالنا 
الوطني بالجنس والحب والزيادة المستمرة في معدل المواليد. 


دعونا نؤجل حاليًا المضامين الجنسية» وهي كثيرة» ولنفكر في بعض 
ديناميكيات القانون نفسه. كتفسير للتخلّص من الطاقة الأنثوية في أمريكا. 
لنعد إلى الوراء عدة أجيال: لقد افترضت أن السبب الحقيقي لكل من النسوية 
وإحباط النساء هو فراغ دور ربة المنزل. كان عمل المجتمع الرئيسي وقراراته 
يجريان خارج البيت» وشعرت النساء بالحاجة إلى المشاركة في هذا العملء 
أو قاتلن من أجل الحق في ذلك. إذا ما تابعت النساء» واستخدمن تعليمهن 
الذي فزن به حديئًاء ووجدن هوية جديدة في هذا العمل خارج البيت» فمن 
شأن آليات التديير المنزلي أن تحتل في حياتهن المكان الثانوي ذاته الذي 
تحتله السيارة والحديقة ومنضدة العمل الحرفي في حياة الرجل. ومن شأن 
الأمومة والزوجية والحب الجنسي والمسؤولية العائلية أن تكتسب وحسب 
أهمية عاطفية جديدة» مثلما هو حالها مع الرجال. (لاحظ العديد من 
المراقبين الابتهاج الجديد الذي يستوعب فيه الرجال الأمريكيون أطفالهم 
-مع اختصار أيام عملهم الأسبوعي- دون تلك الحدّة في الغضب الذي 
تشعر به النساء اللواتي يكون أطفالهن هم عملهن). 


:لفصل العاشر: التدبير المنزلي يتمدد ليملا الوقت المتاح 317 





ولكن» عندما أعاد لغز التحقق الأنئوي النساء إلى البيت. كان على 
التدبير المنزلي أن يتمدّد ليصبح عملا بدوام كامل. وصار على الحب 
الجنسى والأمومة أن يصبحا كل ما فى الحياة» أن يستنزفا طاقات النساء 
اللخلتة وأن يسخلصا متها يجب أن مده طيعة المسؤولية الناكلة ةا 
نتحل محل المسؤولية تجاه المجتمع. وعندما بدأ ذلك يحدث. أدخل 
كل جهاز يقوم بتوفير الوقت إلى العمل المنزلي ترتيبات تتطلب مزيدًا 
من العمل. وفرض كل تقدّم علمي -كان يمكن أن يحرّر المرأة من العمل 
المرهق للطبخ والتنظيف والغسيل» وبالتالي يمنحها مزيدًا من الوقت 
لغايات أخرى- ھا من ذلك عملا مرهقًا جديدًا» حتى أن العمل 
المنزلي لم يتمدد ليملا الوقت المتاح فقط» بل بالكاد يمكن القيام به في 
الوقت المتاح. 

لا توفر'مجمفة الملابس الأوتوماتيكية للمرأة الساعات الأربع أو 
الخمس في الأسبوع التي كانت تقضيها عند حبل الغسيل» إذا كانت» على 
سبيل المثال» تشعْل غسالتها الآلية ومجففتها كل يوم. ففي نهاية المطاف 
مازال عليها أن تملأ الآلة وتفرغها بنفسهاء وأن تفرز الملابس وتضعها في 
مكانها. وكما قالت أمّ شابة: «من الممكن الآن تبديل الملاءات بأخرى 
نظيفة مرتين في الأسبوع. لكن في الأسبوع الماضي تعطلت المجففة عندي 
ولم نبدّل الملاءات مدة ثمانية أيام. أخحذ الجميع يشتكون. وشعرنا جميعًا 
اا دون واا احسينت بالثنت؟ ال ذلك س 

تقضي ربة المنزل الأمريكية العصرية وقَنًا في الغسيل والتجفيف والكي 
أكثر يكير من الوقت الذي كانت أمها تقضيه. إذا كان لذيها مجمّدة كهربائية 
أو خلاط كهربائي فإِنْها تقضي وقنًا في الطبخ أطول من ذاك الذي تقضيه 
امرأة لا تملك تلك الأجهزة التي توفر العمل. فالمجمدة المنزلية تأخذ 


(1) Jhan and June Robbins, “Why Young Mothers Feel Trapped,” Redbook. 
September, 1960. 





318 اللغز الأنثوي 
بمجرّد وجودها مزيدًا من الوقت: إذ يجب قطف الفاصولياء المزروعة في 
حديقة المنزل وتحضيرها للتجميد. وإذا كان لديك خلاط كهربائي فيجب 
أن تستخدميه: تستغرق تلك الوصفات الدقيقة بالكستناء المهروسة ونبات 
القدّة واللوز وقنًا أطول من الوقت اللازم لشواء شرحات الخروف. 
استنادًا إلى مسح أجرته جامعة براين ماور بعد الحرب مباشرة» كان 
لحمل المنزلي يستغرّق 60.55 ساعة أسبوعيًا في عائلة زراعية نموذجية في 
الولايات المتحدة» بينما يستغرق 78.35 ساعة في عائلة تعيش في مدينة 
عدد سكانها أقل من 100 ألف» و80.57 ساعة في عائلة تعيش في مدينة 
عدد سكانها أكثر من 100 ألف3'. فمع كل أجهزتن. تقضي ربات المنازل 
في الضواحي والمدن وقًا في العمل المنزلي أطول من ذاك الذي تقضيه 
زوجة مزارع نشيطة؛ مع أن لديها بالطبع عملا أكثر تقوم به. 
في الخمسينيات» تحدّث علماء الاجتماع وعلماء الاقتصاد المنزلي 
عن لغز وتناقضات محيّرة تتعلق بالوقت الذي كانت النساء يقضينه في 
العمل المنزلي حتى ذلك الوقت. فقد كشفت دراسة تلو الأخرى أن 
ربات المنازل الأمريكيات يقضين من الوقت في التدبير المنزلي الوقت 
000 وحتى أكثر من الذي كانت النساء يقضينه قبل ثلاثين سنة» 
الرغم من من أن البيوت أصبحت أصغر والاهتمام بها أسهل. وعلى 
ST‏ ل نوك 
المنزلي. لكن كانت هناك بعض الاستثناءات. كانت النساء اللواتي يعملن 
عدة ساعات في الأسبوع خارج المنزل -سواء في أعمال مأجورة أو في 
العمل المجتمعي- يقمن بالتدبير المنزلي» الذي ما زالت ربة المنزل 
المتفرغة تقوم به في ستين ساعة في الأسبوع» في نصف الوقت. ما 
زلن» على ما يبدوء يقمن بكل أعمال التدبير المنزلي التي تقوم بها ربة 


(1) Carola WoerishofTer Graduate Department of Social Economy and Social 
Research, “Women During the War and After,” Bryn Mawr College, 1945. 











الفصل العاشر: التدبير المنزلي يتمدد ليملا الوقت المتاح 319 
المنزل -الوجبات والتسوّق والتنظيف والأولاد- ولكن» حتى مع خمس 
وثلاثين ساعة من العمل في الأسبوع في وظيفة» فإن أسبوع عملهن لم 
يكن أطول من أسبوع عمل ربة المنزل إلا بساعة ونصف في اليوم. وألا 
تكون تلك الظاهرة الغريبة قد تسببت إلا بالقليل من التعليقات فمرده 
إلى الندرة النسبية لتلك النساء. أمّا الظاهرة الأغرب: والتى أخفى اللغز 
مغزاها الحقيقي» فهي أنه» على الرغم من نمو لو الان في أمريكاء 
وعلى الرغم من حركة أولئك السكان من الريف إلى المدينة مع النمو 
الموازي للصناعة والمهن الأمريكية في السنوات الخمسين الأولى من 
القرن العشرين» فإن نسبة النساء الأمريكيات العاملات خارج البيت لم 
تزدد إلا قليلا في الواقع» في حين أن نسبة النساء الأمريكيات في المهن 
قد انخفضت في الواقع”". | 
المهنية للبلاد في عام 1930 إلى /35 فقط في عام 1966». على الرغم 
من أنْ عدد الخريجات الجامعيات قد تضاعف ثلاث مرات تقريبًا. كانت 
الظاهرة هي الزيادة الكبيرة في أعداد النساء المتعلمات اللواتي اخترن أن 
يكنّ ربات منازل فقط. ١‏ 


نخفضت نسبة النساء من نحو نصف القوة 


)7( يشير تبودور في )234 .ص (The Sociology of Work,‏ إلى أنه مع الاقتصاد المتوسّع 
بسرعة من عام 1900. والتمدين السريع جدًا للولايات المتحدة فإن الزيادة في تشغيل 
النساء من /20.4 في عام 1900 إلى 28.57 في 1950 كانت متواضعة جدًا. أوجزت 
جين وورن (١١٣۲ة۷‏ «4ء[) الدراسات الحديثة حول الوقت الذي تقضية ربات المنازل 
الأمريكيات فى العمل المنزلى. والتى تؤكد وصفى لأثر باركنسون (”غ٥ ٣|": R0۲‏ 
.(or Utility," Jounal of Home Economics, Vol. 49, January, 1957, pp. 21 fF‏ 
وتستشهد ألفا مير دال (1ەل )A 1a Myr‏ و فيو ل كلين (Viola Klein)‏ فى Women's Two)‏ 
)Roles-Home and Work‏ بدراسة فرنسية أظهرت أن الأمهات العاملات اختصرن 
الوقت الذي يقضينه في العمل المنزلي بمقدار 30 ساعة أسبوعيّاء مقارنة مع ربة منزل 
متفرغة. ينقسم أسبوع عمل الأم العاملة والتي لديها ثلاثة أولاد إلى 35.2 ساعة في 
العمل 48.3 ساعة فى العمل المنزلى» فى حين تقضى ربة المنزل المتفرغة 77.7 ساعة 
في العمل المنزلي. وكانت الأم التي لديها عمل بدوام كامل أو مهنةء بالإضافة إلى تدبير 
أمور المنزل والأطفال» تعمل ساعة واحدة فقط في اليوم أكثر من ربة المنزل المتفرغة. 








320 النفز الأنثوي 

ومع ذلك» تبقى الحقيقة لربة المنزل من الضواحي والمدن أن المزيد 
والمزيد من الأعيال» التي كانت تدم في الببت» قد أصبحت خارجه: 
التعليب والخبز ونسج القماش وصنع الألبسة وتعايم الصغار والعناية 
بالمرضى ورعاية المسنين. من الممكن للنساء أن يعكسن التاريخ -أو 
يخدعن أنفسهن بأنهن يستطعن عكسه- عن طريق خبز خبزهن؛ لکن 
القانون لا يسمح لهن بتعليم أبنائهن في البيت» وقلة من ربات المنازل فقط 
قد يجارين في ها يسمى مهارتهن العامة. الخبرة المهنية للطبيب والمستشفى 
لتمريض طفل يعاني من التهاب اللوزتين أو ذات الرئة في البيت. 


هناك إذن» أساس حقيقي للشكوى القائلة إن عددًا كبيرًا من ربات 
المنازل لديهن: «شعور بنوع ما من الفراغ» وبأنني غير نافعة» كما لو أنني 
غير موجودة». «أشعر في بعض الأوقات كما لو أن العالم يمرّ من أمام 
بابي فيما أجاس وأر اقب وحسب». هذا الإحساس ذاته بالفراغ» هذا 
الإنكار القلق للعالم خارج البيت» 0 شا قود رية المنزل إلن هزيف من 
الجهد. مزيد من العمل المنزلي المهتاج لإبقاء المستقبل بعيدًا عن الرؤية. 
والخيارات التي تقوم بها ربة 8 لمزء ذلك الخواء -على الرغم من 
أنها تبدو وكأنها تقوم بها لأسباب منطقبة وضرورية- تعدبسها أكثر في 
الرؤتين السولن البحذك. ۰ 


المرأة التي لديها ولدان» على سبيل المثال» والتي تشعر بالضجر 
والملل في شقتها في المدينة» يقودها إحساسها بالعبث والفراغ إلى 
الانتقال» «لمصلحة الأولاد؛» إلى منزل واسع في الضواحي. هذا البيت" 
يستغرق زمنًا أطول لتنظيفه» وأعمال التسوّق والبستنة وقيادة السيارة 
و«افعل ذلك بنفسك» تستغرق كثيرًا من الوقت بحيث تبدو مسألة الفراغ 
-لوهلة من الوقت- قد حلّت. ولكن عندما يصبح البيت مجهرًا والأولاد 
في المدرسة ومكانة العائلة في المجتمع قد توضحت» لا يعود هناك «أي: 


الفصل العاشر: التدبير المنزلي يتمذد ليملا الوقت المتاح 321 


شيء للتطلع إليه»» كما عبرت إحدى النساء اللواتي قابلتهن عن الأمر. 
يعود الإحساس بالفراغ مرة أخرىء وبالتالي» يجب أن تعيد تزيين غرفة 
المعيشة» أو تلميع أرضية المطبخ بالشمع أكثر مما هو ضروري -أو 
إنجاب طفل آخر. قد يبقيها تغيير حفاضات الطفلء بالإضافة إلى كل 
العمل المنزلي الآخرء راكضة بسرعة بحيث تحتاج فعلا إلى مساعدة 
زوجها في المطبخ ليلا. ومع ذلك» ما من شيء فيه حقيقيّ تمامًا أو 
ضروري تمامًا كما يبدو. 

كانت الحركة الانفجارية نحو الضواحى أحد التغيرات الكبرى فى 
أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية؛ تلك الامتدادات البشعة التي لانهاية لهاء 
والتي بدأت تتحوّل إلى مشكلة وطنية. يشير علماء الاجتماع إلى ملمح مميز 
لتلك الضواحي, هو أن النساء اللواتي يعشن هناك أفضل تعليمًا من نساء 
المدينة» وأن غالبيتهن ربات منازل متفّغات27. 

قد يظن المرءء لدى النظرة الأولى» أن نموّ الضواحى ووجودها ذاته 
يجعل النساء الأمريكيات العصريات المتعلمات يتحوّلن إلى ربات منازل 
متفرغات ويبقين كذلك. أم إن انفجار الضواحي بعد الحرب جاء جزتيا 
على الأقل» نتيجة الخيار التوافقي لملايين النساء الأمريكيات «بالبحث عن 
التحقق في البيت“؟ كان قرار الانتقال إلى الضواحي «لمصلحة الأولاد»» بين 
النساء اللواتي قابلتهنء يأتي بعد قرار التخلي عن العمل أو المهنة والتحوّل 
إلى ربة منزل متفرغة» وعادة بعد ولادة الطفل الأول أو الثانى حسب عمر 
المرأة عندما يصيبها اللغز. وبالطبع» كان اللغزء في حالة الزوجات الأصغر 
سئاء يضرب مبكرًا جدًا بحيث كان خيار التفرّغ للزواج والأمومة يلغي 
التعليم من أجل أية مهنة» وكان الانتقال إلى الضواحي يأتي مع الزواج أو 
حالما لا تعود الزوجة مضطرة إلى العمل لدعم زوجها خلال الجامعة أو 
مدرسة الحقوق. 


(1) Robert Wood, Suburbia, Its People and Their Politics, Boston, 1959. 





322 اللفز الأنثوي 

وانتقال العائلات» التي تنوي الزوجة فيها متابعة هدف مهني محدد» إلى 
الضواحي أقلٌ احتمالا. هناك في المدينة بالطبع أعمال أكثر وأفضل للنساء 
المتعلمات؛ جامعات أكثر وأحيانًا مجانًا» ودورات مسائية معدّة للرجال 
الذين يعملون نهارّاء وغالبًا أكثر ملاءمة من البرنامج التقليدي النهاري 
للام الشابة التي تريد أن تكمل الجامعة أو تعمل لتحصل على درجة في 
الدراسات العليا. هناك أيضًا عرض أفضل من المربيات بدوام كامل أو 
جزئي والمساعدة في التنظيف ورياض الأطفال ومراكز الرعاية النهارية 
وبرامج النشاط بعد الدوام المدرسي. ولكن كل هذه الاعتبارات ليست 
مهمة إلا للمرأة التي لديها التزامات خارج البيت. 

وفرصة أن يتمدّد التدبير المنزلي ليملا الوقت المتاح في المدينة أقل. 
يأتي ذلك الشعور ب«الزمن المراوح» القلق مبكرًا إلى ربة المنزل المدينية 
المؤهلة المتعلمة» على الرغم من أن الوقت» عندما يكون أطفالها صغارّاء 
يكون أكثر من مليء؛ دفع العربة جيئة وذهابًا في الحديقة» الجلوس على 
مقعد في الملعب لأنْ الأولاد لا يستطيعون اللعب خارجًا وحدهم. ومع 
ذلك لا يوجد مجال في شقة المدينة لمجمّدة منزلية» ولا حديقة لزراعة 
الفاصولياء. وكل المؤسسات في المدينة كبيرة جدّاء والمكتبات مبنية سلقًاء 
وهناك مربيات محترفات يدرن رياض الأطفال وبرامج الاستجمام. 

ليس مفاجئًاء إذن» أن تصوّت العديد من الزوجات الشابات للانتقال 
إلى الضواحي في أسرع وقت ممكن. ومثلما أغرت سهول كانساس الخالية 
المهاجر القلقء فإِنْ الضواحى قدّمتء؛ بجدّتها ونقص الخدمة الهيكلية 
فيهاء في البداية على الأقل» تحديًا غير محدود لطاقة النساء الأمريكيات 
المتعلمات. والنساء» اللواتي كنّ قويات بما يكفي ومستقلات بما يكفي» 
اغتنمن الفرصة وأصبحن قائدات ومبتكرات في هله المجتمعات الجلايلة: 
لكنّ أولئك كنّء في معظم الحالات» نساء متعلمات من قبل فترة التحقق 


الفصل العاشر: التدبير المنزلي يتمدد ليملا الوقت المتاح 323 


الأنثوي. تبدو قدرة الحياة في الضاحية على تحقيق المرأة الأمريكية 
المتعلمة» أو استخدام فدرا تالو عة متي قعل ةغل او 
أو تحقيق ذاتها مسبقًا -أي على قوتها في مقاومة ضغوط التوافق» مقاومة 
العمل الذي يهدف إلى ملء الوقت وحسب في بيت الضاحية ومجتمع 
الضاحية» وإيجاد نفس النوع من الالتزام الجدي خارج المنزل الذي كانت 
لتقوم به في المدينة» أو خلقه. كان من المرجّح لمثل ذلك الالتزام في 
الضواحي» في البداية على الأقل» أن يكون على أساس طوعي» لكنّه كان 
متحديًا وضروريًا. 

لكنْ» عندما تولى اللغز الأمر جاء صنف جديد من النساء إلى الضواحي. 
كنّ يبحثن عن ملتجأً؛ وكنّ راغبات تمامًا في قبول مجتمع الضاحية كما 
وجدنه (كانت مشكلتهن الوحيدة هي «كيفية الانسجام فيه»)؛ كن مستعدات 
تمامًا لملء أيامهن بتوافه العمل المنزلي. ترفض النساء من هذا النوع» 
ومعظم أولئك اللواتي قابلتهن كنّ من جيل الخريجات الجامعيات بعد 
عام 1950. أن يستلمن أية وظائف متعلقة برسم السياسات في المنظمات 
المجتمعية؛ كنّ فقط يجمعن المال من أجل الصليب الأحمر أو مسيرة 
الدايمات (115065) والكشّافة أو مشرفات أو يستلمن الأعمال الأقل مستوى 
في جمعية أولياء الأمور والمعلمين. ويشرحن مقاومتهن لتحمّل مسؤولية 
اجتماعية جدية عادة بالقول: «لا أستطيع أن آخذ الوقت من عائلتي». 
لكنْ الكثير من وقتهن يضيع في عمل لا معنى له. نوع العمل المجتمعي 
الذي يخترنه لا يتحدى ذكاءهن -ولا حتى يملأ وظيفة حقيقية أحيانًا. ولا 
يحصلن منه على الكثير من الرضا الشخصيء لكنه يملأ الوقت فعلا. 

وهكذاء يشغل رجإلٌ» وعلى نحو متزايد في الضواحي التي يقطنها 
بشرٌ يسافرون يوميًا إلى المدينة للعملء الأعمال الطوعية المثيرة فعلًا 
للاهتمام؛ قيادة دور الحضانة التعاونية والمكتيات المجانية ووظائف 
مجالس المدارس والوظائف المحلية الرسمية وحتى رئاسة جمعية أولياء 


34 اللغز الأنثوي 


الأمور والمعلمين في بعض الضواحي”". فربة المنزل التي ليس «لديها 
وقت» لتحمّل مسؤولية جدية في المجتمع» مثل المرأة التي ليس «لديها 
وقت» لمتابعة مسيرة مهنية» تتجنّب القيام بالتزام جدّي قد تحقق عن 
طريقه ذاتها ف في النهاية؛ وهي تنجتب ذلك من خلال التقذم في روتينها 
المنزلي حتى تعلق في فيه تمامًا. 

تبدو أبعاد الفخ راسخة ماديّاء لأ الانشغال الذي يملا يوم ربة المنزل 
يبدو ضروريًا على نحو لا يمكن تفاديه. لكن هل ذاك الفخ المنزلي وهم على 
الرغم من واقعه المتين جدّاء وهم خلقه اللغز الأنثوي؟ خذواء على سبيل 
المثال» التصميم المفتوح للبيت المؤلف من طابقين أو المبني على طراز 
بيوت المزارع» والذي يتراوح سعره بين 14990 دولارًا و54990 دولاراء 
والذي بني بالآلاف من مرتفعات روزلين إلى أجراف الباسيفيك. إِنْها تخلق 
وهمًا بأتها توفر مزيدًا من المساحة مقابل مبلغ أقل من المال. لكنّ النساء 
اللواتي تباع إليهن هذه البيوت شبه مضطرات إلى عيش اللغز الأنثوي. 
ليس هناك جدران أو أبواب فعلية؛ فلا تكون المرأة في المطبخ الإلكتروني 
الجميل منفصلة أبدًا عن أبنائها. لا تحتاج أبدًا إلى أن تشعر بأنها وحدها وإن 
لدقيقة واحدة» لا تحتاج أبدًا إلى أن تخلو بذاتها. يمكنها أن تنسى هويتها 
في تلك البيوت الصاخبة ذات التصميم المفتوح. يساعد التصميم المفتوح 
أيضا على إطالة العمل المنزلي ليملا الوقت المتاح. وفي ما هو أساسًا غرفة 
واحدة ب يتم التنقّل فيها بحرية» بدلا من عدّة غرف منفصلة بجدران وأدراج» 
هناك أشياء مبعثرة تحتاج باستمرار إلى التقاط. يغادر الرجل بالطبع البيت 
معظم النهار. لكنّ اللغز الأنثوي يحرّم ذلك على المرأة. 


«(1) See: “Papa’s Taking Over the PTA Mama Started,” New York Herald Tribune, 
February to, 1962. 


كشف المؤتمر الوطني لجمعيات أولياء الأمور والمعلمين في عام 1962 أن 321 من 
رؤساء الجمعيات البالغ عددهم 7 هم من الرجال. وفي بعض الولايات» كانت 
نسبة رؤساء الجمعيات الذكور أعلى» بما في ذلك نيويورك (/33) وكونيكتيكت (/45) 
وديلاوير (/80). 


الفصل العاشر: التدبير المنزلي يتمدد ليملا الوقت المتاح 35 


حصلت صديقة لي» وهي كاتبة موهوبة تحؤّلت إلى ربة منزل متفرغة» 
على تصميم لبيت أحلامها في الضواحي على يد مهندس معماري وفق 
مواصفاتها الخاصةء وذلك في الفترة التي حدّدت نفسها فيها كربّة منزل ولم 
تعد تكتب. كان البيت» الذي كلف 50 ألف دولار تقريباء أشبه بمطبخ كبير 
بكل معنى الكلمة. كان هناك أستوديو منفصل لزوجهاء المصوّر» وحجيرات 
نوم صغيرة» لكن لم يكن هناك أي مكان تستطيع الخروج إليه من المطبخ» 
بعيدًا عن أولادهاء في أثناء ساعات العمل. كان خشبٌ الماهوجاني 
والستانلس ستيل لخزانات مطبخها المصمّم حسب طلبها والأجهزة 
الكهربائية حلمًا حقيقيًاء لكنني عندما رأيت ذلك البيت تساءلت: إذا أرادت 
يومًا أن تعود إلى الكتابة فأين ستضع آلتها الكاتبة؟ 


من الغريب قلة الأماكن التي يمكنك أن تكون فيها وحيدًا في تلك 
البيوت الواسعة والضواحي الممتدة. وجدت دراسة قام بها عالم اجتماع 
على الزوجات قاطنات الضواحي ذات الدخل المرتفع واللواتي تزوّجن 
صغيرات» واستيقظن» بعد خمسة عشر عامًا من حياة الأطفال وجمعية 
أولياء الأمور والمعلمين و«افعل ذلك بنفسك» والحديقة والشواء» على 
إدراك أنهن أردن أن يقمن بعمل حقيقي بأنفسهن» أن أولئك اللواتي قمن 
بشيء ما حيال الأمر غالبا ما انتقلن مرة أخرى إلى المدينة. ولكن 
بين النساء اللواتي تحدئتٌ إليهن» كانت لحظة الحقيقة هذه تتميّز» على 
الأرجح» بإضافة غرفة لها باب إلى تصميم بيتهن المفتوح» أو ببساطة 
بوضع باب لإحدى غرف المنزل» «وهكذا أستطيع أن يكون لي مكان 
أخلو إليه مجرّد باب يفصل بيني وبين الأولاد عندما أريد أن أفكر»» أو 
أعمل أو أدرس أو أكون وحدي. ' 





)1( Nanette E. Scofield, “Some Changing Roles of Women in Suburbia: A Social 
Anthropological Case Study,” transactions of the New York Academy of 
Sciences, Vol. 22, No. 6, April, 1960. 


326 اللفز الأنثوي 


لكنّ معظم ربات المنازل الأمريكيات لا يغلقن ذلك الباب. ربما 
يخشين في النهاية أن يبقين وحيدات في تلك الغرفة. قال عالم اجتماع 
آخر إن معضلة ربة المنزل الأمريكية هي أنها لا تتمتع بالخصوصية لمتابعة 
اهتمامات حقيقية خاصة بهاء ولكن حتى لو كان لديها ما يكفي من الوقت 
والمكان لتخلو لنفسهاء فلن تعرف ما الذي تفعله بهما”'. إذا جعلت من 
الزواج والأمومة سيرة حياتهاء كما يقول لها اللغز» وإذا أصبحت مديرة 
البيت -وأنجبت من الأولاد ما يكفي لإعطائها ما يكفي من العمل لتقوم 
به-» وإذا بذلت القوة الإنسانيةء التى يمنعها اللغز من بذلها فى مكان آخر» 
في إدارة بيت مثالي والإشراف على أبنائها ومشاركة زوجها حياته المهنية 
بذلك التفصيل الدقيق» بحيث لا يبقى لها سوى بضع دقائق تدّخرها للعمل 
المجتمعي» ولا يبقى لها أي وقت لاهتمامات جدية أكبر» فمن ذا الذي 
فول إن تلك ليت طريقة فى قاد التحياة لها وات أهفة وم ااال د 
الضليعة بأسرار الذرّة أو النجوم أو تأليف السيمفونيات أو ريادة مفهوم 
جديد في الحكم أو المجتمع؟ 

إن التبرير الوحيد الممكن بالنسبة للمرأة الموهوبة جداء والتي لديها 
القدرة على الخلق الثقافي بالإضافة إلى الخلق البيولوجي» هو أن تقنع 
نفسها -مثلما يحاول اللغز الجديد بقوة إقناعها- أن التفاصيل المادية 
الدقيقة للعناية بالطفل هي في الواقع خلاقة على نحو غامض؛ حتى أن 
طفلها سيكون محرومًا على نحو مأساوي إذا لم تكن حاضرة كل دقيقة؛ 
والعشاء الذي تقدّمه لزوجة رئيس زوجها في العمل حاسمٌ لمستقبل 
زوجها المهني تمامًا مثلما هي القضية التي يقاتل من أجلها في المحكمة 
أو المشكلة التي يحلّها في المخبر. ولأنّ الزوج والأبناء سيصبحون عاجلًا 
خارج البيت معظم اليوم» فيجب الاستمرار في إنجاب أطفال جدد» أو في 
جعل التفاصيل الدقيقة للعمل المنزلي نفسه مهمة بما يكفي» وضرورية بما 


(1) Mervin B. Freedman, “Studies of College Alumni,” in The American College, 
pp. 872 f. 





الفصل العاشر: التدبير المنزلي يتمدد ليملا الوقت المتاح 327 


يكفي» وصعبة بما يكفي» وخلاقة بما يكفي لتبرير وجودها نفسه. 

إذا كان كامل وجود امرأة يُبدّر بهذه الطريقة» وإذا كان عمل ربة المنزل 
مهما حمًا إلى هذه الدرجة وضروريًا إلى هذه الدرجة» فلماذا يجب أن يرفع 
أي شخص حاجبيه دهشة لأنْ زوجة أينشتاين جديد تتوقع من زوجها أن 
يضع جانبًا نظرية النسبية الباردة تلك ويساعدها في العمل الذي يفترض أن 
يكون جوهر الحياة نفسها: غيّر حفاض الطفل» ولا تنس أن تشطف الحفاض 
المتسخ في المرحاض قبل أن تضعه في سلّة الحفاضات» ثم شمّع أرضية 
المطبخ. 

الدليل الأكثر سطوعًا القائل بأن «المهنة: ربة منزل»» بغض النظر عن 
مدى دقته» ليست بديلًا ملائمًا لعمل متطلب فعلا ومهم بما يكفي للمجتمع 
ليدفع نقوده مقابله» ينبثق من مسرحية «الوجود معًا». قيل للنساءء اللواتي 
يمثلن في مسرحية الفضيلة والرذيلة هذه. إن لهن الأدوار الرئيسية» بحيث أن 
أدوارهن مهمة مثل -إن لم يكن أكثر من- أدوار أزواجهن التي يمثلونها في 
العالم خارج البيت. هل كان من غير الطبيعي» إذن» أن تلخ النساءء بما أنهن 
يقمن بذلك العمل الحيوي» على أن يشارك أزواجهن في العمل المنزلي؟ 
كان بالتأكيد إحساسًا غير منطوق وإدراكا غير منطوق لوقوع زوجات الرجال 
في الفخ» ذاك الذي جعل عددًا كبيرًا جدًا منهم يستجيبون لطلبات زوجاتهم 
بدرجات متفاوتة من الفضل. لكن» عندما جعلت النساء أزواجهن يشاركون 
في العمل المنزلي لم يعوّضن فعليًا عن استبعادهن من العالم الأكبر. وإذا 
كان ذلك قد فعل شيئَاء حتى بإزالة المزيد من وظائفهن. فإنّه زاد إحساسهن 
بالفراغ الفردي. كنّ بحاجة إلى أن يشاركن» على نحو غير مباشرء المزيد 
والمزيد من حيوات أزواجهن وأبنائهن. كان «الوجود معًا» بديلا تعيسًا عن 
المساواة؛ كان تمجيد دور النساء بديلا تعيسًا عن المشاركة الحرة في العالم 
بوصفهن أفرادًا. 

لقد تكسف الفراغ الحقيقي تحت الرتابة التي تعيشها ربة المنزل 


328 اللغز الأنثوي 


الأمريكية بطرق عديدة. قرأ مدرّس اسمه موريس إينغهاوسن (213102106 
(K. Enghausen‏ مؤخرًا في مدينة مينيابوليس قصة في الجريدة المحلية 
عن أسبوع العمل الطويل لربة المنزل اليوم. فأعلن هذا الأعزب البالغ 
من العمر 36 سنة فى رسالة إلى محرّر الصفحة أن «أيّ امرأة تنفق كل 
تلك الساعات هي إمّا بطيئة جدًا أو منظمة سيئة لوقتها أو أنهاء ببساطة 
غير مؤهلة»» وعرض أن يتولى أمور أي منزل ليريهن كيف يمكن القيام 
بالعمل. 

وتحدّته عشرات ربات المنازل الغاضبات في أن يثبت ذلك. تولّى أمور 
منزل السيد والسيدة روبرت دالتون» اللذين لديهما أربعة أطفال تتراوح 
أعمارهم بين سنتين وسبع سنوات» مدة ثلاثة أيام. فقام في يوم واحد بتنظيف 
الطابق الأول وغسل ثلاث وجبات من الملابس وتعليقها خارجًا لتجفف 
وكى كل الغسيل بما فى ذلك الملابس الداخلية والملاءات» وأعِدّ غداءًا 
فق الا والشطائر وعشاءًا كبيرًا في باحة الدار» وصنع كعكتين» وحضر 
نوعين من السلطة لليوم التالي» وألبس الأولاد وبدّل ملابسهم وغسلهم» 
وغسلّ القطع الخشبية» وفرك أرضية المطبخ. قالت السيدة دالتون إِنّه كان 
أفضل منها في الطبخ. وأضافت: «أما بالنسبة للتنظيف» فأنا أكثر شموليةء 
ولكن ربما ليس ذلك ضروريًا». 

وبعد أن شار إينغهاوسن إلى آنه قد رتب أمور بيته بنفسه على مدى سبع 
سنوات» وأنه قد كسب المال فى الجامعة من خلال العمل المنزلى» أضاف: 
امازلت أتمنى لو أن تعليم 115 طاليًا هو بسهولة التعامل مع أربعة أطفال 
وبيت ... مازلت مصرًا على أن العمل المنزلى ليس بذلك العمل اليومى 
الذي لا ينتهي كما تدّعي النساء»”©. ۰ ۰ 

تعرّز هذا الادّعاء» الذي عبّر عنه الرجال مرارًا وتكرارًا في مجالسهم 


(1) Murray T. Pringle, “Women Are Wretched Housekeepers,” Science Digest, 
June, 1960. 





الفصل العاشر: التدبير المنزلي يتمدد ليملا الوقت المتاح 2329 


الخاصة وفي العلن؛ بدراسة حديثة تشمل الوقت والحركة. استخلصت هذه 
الدراسة من خلال تسجيل كل حركة قامت بها مجموعة من ربات المنازل 
وتحليلها أن معظم الطاقة المبذولة في العمل المنزلي زائدة عن اللزوم. 
ركفت له م الدزاسانت المكلفة جرت اة جمفة الق فى 
ميشيغان في جامعة واين (٥رة۷)‏ أن «النساء يبذلن أكثر من ضعفي الجهد 
الذي يجب أن يبذلنه»» مبدّدات طاقتهن عن طريق العادة والتقليد في حركة 
مهدورة وخطوات غير ضرورية. 

يلقي السؤال المحيّر عن «تعب ربة المنزل» ضوءًا إضافيًا. أشار 
الأطباء في عدّة مؤتمرات طبية حديثة إلى فشلهم في شفائه أو الوصول 
إلى سببه. أشار طبيبٌ من كليفلاند في اجتماع للكلية الأمريكية لأطباء 
التوليد والنسائية إلى أن الأمهات اللواتي لا يستطعن التغلّب على «ذلك 
الشعور بالتعب»» ويشكين من أن أطباءهن لا يساعدونهن في ذلك» لسن 
مريضات ولا سيئات التكتّفء وإنما هنّ متعبات فعلًا. وقال الدكتور ليونارد 
لوفشين (2نطة07.آ 1.608350) من عيادة كليفلاند: «ليست هناك ضرورة 
لأيّ تحليل نفسي أو سبر عميق. فيوم عملها ست عشرة ساعة» سبعة أيام 
في الأسبوع... وبما أنْها صاحبة ضمير حي» فهي تشارك في فرق الكشافة 
للبنات والصبيان وفي اجتماعات جمعية أولياء الأمور والمعلمين وفي 
(021765 663:6) وعمل الكنسية ونقل الأطفال إلى الموسيقى والرقضة. 
لكنّ الغريب» حسب ملاحظته» هو أن كمية العمل الذي تقوم به ربة 
المنزل وتعبها لا يتأثران بعدد أولادها. فمعظم تلك المريضات لم يكن 
لديهن سوى طفل أو اثنين. قال الدكتور لوفشين: «تشعر المرأة التي لديها 
طفل واحد بالتعب مع ذلك الطفل أربعة أضعاف المرأة التي لديها أربعة 
أطفال. وفي النهاية الأمر كله سواء؟. 

قال بعض الأطباء الذين لم يجدوا أية مشكلة عضوية لدى تلك 
الأمهات المتعبات تعبا مزمنًا لهن: «هذا كله في عقلك»» فيما أعطاهن 


3320 اللفز الأنثوي 


آخرون حبوبًا وفيتامينات وحقنًا ضد فقر الدم وضغط الدم المنخفض 
وضعف الاستقلاب» أو وصفوا لهن حمية غذائية (لدى ربة المنزل العادية 
زيادة في الوزن ما بين 12 و15 رطلا)» أو منعوهن من الشرب (هناك نحو 
مليون ربة منزل كحولية معروفة في أمريكا)» أو أعطوهن مهدئات. كانت 
كل تلك العلاجات بلا جدوى. أن تلك الأمهات كنّ متعبات فعلاء كما 
قال الدكتور لوفشينت”". 


وزعم أطباء آخرون» وقد وجدوا أن تلك الأمهات ينمن قدر حاجتهنّ 
وأكثر, أن السبب الأساسي لم يكن التعب بل الملل. أصبحت هذه المشكلة 
حادةً جدًا إلى حدّ أن المجلات النسائية تعاملت معها باستهجان -حسب 
المصطلحات التفاؤلية للغز الأنثوي. كانت «العلاجات»». التي اقتّرحت في 
سيل من المقالات ظهرت في أواخر الخمسينيات» عادةٌ تشكيلة تتمحور 
على «المزيد من الإطراء والتقدير من جانب الزوج»» على الرغم من أن 
الأطباء الذين جرت مقابلتهم في تلك المقابلات أشاروا بوضوح كاف إلى 
أن السبب يكمن في دور «ربة المنزل-الأمٌ». لكنّ المجلات توصّلت إلى 
خلاصتها الطبيعية: هذا قدر المرأة» وسيكون كذلك دائمّاء وعليها فقط أن 
تحصل منه على أفضل ما يمكن. وهكذا نشرت مجلة ريدبوك» في مقالة 
بعنوان «سبب التعب الدائم لدى ربات المنازل» في أيلول/ 1959» نتائج 
دراسة باروخ (اعنصة8) عن مريضات التعب المزمن: 
... التعب من أي نوع هو إشارة إلى وجود شيء لا يسير على ما يرام. التعب 
الجسدي يحمي الكائن الحي من الأذى الناجم عن نشاط كبير جدًا لأي 
جزء من الجسم. والتعب العصبي. من جهة أخرىء هو عادةٌ إنذار بوجود 
خطر على الشخصية. وهذا يتبدى واضحًا جدًا في المريضة التي تشكو 
بمرارة من أنها «مجرّد ربة منزل» ومن أنها تضيّع مواهبها وتعليمها في 
عمل منزلي مرهق؛ وتفقد جاذبيتها وذكاءها وفي الواقع هويتها نفسها 
كشخصء كما يشرح الدكتور هارلي ساندز (539805 ٣.‏ 'إ©1:ة11). وهو 


(1) See: Time, April 20, 1959. 


الفصل العاشر: التدبير المنزلي يتمدد ليملا الوقت المتاح 331 
أحد الروساء المشارعين فى مشروع بازوخ: وفى الضتاعة: الأعمال الأكثر 
إرهاقا هي تلك التي لا تشغل انتباه العامل إلا قليلاء ولكنها. في الوقت 
نقسه» تمتعه من التركيز على أي شيء آخر. تقول نساء كثيرات أن هذه 
الرمادية (01ا0-/إ818) العقلية هي أكثر ما يزعجهن في اهتمامهن بالبيت 
والاطفال. «بعد فترة يصبح عقلك فارغا» كما يقلن. «لا تستطيعين التركيز 
على أي شيء. الأمر مثل السير أثناء النوم». 
واستشهدت المجلة أيضًا بطبيب نفسي اسمه جونز هويكنز (71005 

5 قال ما فحواه أن العامل الرئيسي الذي ينتج التعب المزمن لدى 

المريضات هو رتابة لا يقطعها أي نصر أو كارثة كبيرين)» ولاحظ أن هذا 

«يلخص مأزق العديد من الأمهات الشابات». وتورد المجلة أيضًا نتائج 
دراسة جامعة ميشيغان التي سئلت فيها 524 امرأة: «اذكري بعض الأشياء 
التي تجعلك تشعرين أنك «مفيدة ومهمة)» ولم تجب أية واحدة منهن تقريبًا 
«العمل المنزلي2»؛ وبين النساء العاملات» «كانت الأغلبية الساحقة من 
النساء المتزوجات والعازبات تشعر أنْ العمل أكثر إرضاءًا لِهنّ من العمل 
المنزلي». وعند هذه النقطة تقحم المجلة وجهة نظر هيئة التحرير: ١لا‏ 
يعني هذا بالطبع أن المهنة هي بديل التعب للام الشابة. إذا كان هناك أي 
شيء» فالأ العاملة قد يكون لديها من المشاكل أكثر مما لدى العقيلة الشابة 
المحصورة بالعمل المنزلي». والخاتمة السعيدة للمجلة: «بما أن متطلبات 
العمل المنزلي وتربية الأولاد لا تتمتع بكثير من المرونة؛ فليس هناك حل 
كامل لمشاكل التعب المزمن. ولكنء تستطيع نساء كثيرات أن يخففن من 
التعب إذا توقفن عن طلب الكثير من أنفسهن. فمن خلال محاولة الفهم 
الواقعي لما تستطيع امرأة فعله» والأهمّ ما الذي لا تستطيع, قد تصبح» على 

المدى الطويل» زوجة وأمًا أفضل» وإن كانت متعبة».. 
وتساءلت مقالةٌ أخرى من هذا النوع بعنوان «هل الملل سي لك؟» 

في مجلة ماك كول. في نيسان/ 1957: «هل تعب ربة المنزل المزمن ناتج 

عن الملل فعلا؟» وأجابت: «نعم. تعب العديد من ربات المنازل المزمن 


332 اللفز الأنثوي 


ناجم عن تكرار أعمالهن ورتابة الوضع والعزلة ونقص الدافع. لقد وُجد 
أن الأعمال المنزلية الثقيلة غير كافية لتفسير التعب. ... كلما فاق ذكاؤك 
متطلبات عملك. زاد مللك. والأمر على هذا النحو إلى حدّ أنْ الموظفين 
المتمرسين لا يستخدمون ذكاءًا أعلى من المعدّل فى الأعمال الروتينية. ... 
وهذا الملل إضافةء بالطبع؛ إلى الإحباطات اليومية التي تجعل عمل ربة 
المنزل العادية أكثر إرهاقا عاطفيًا من عمل زوجها». العلاج: «الاستمتاع 
الصادق في جزء من العمل كالطبخ أو حافرٌ ما كحفلة في عرض البحر 
وإطراء الذكرء فوق كل ذلك» هي بمثابة ترياق جيد ضد الملل المنزلي». 

بدا لي أن المشكلة بالنسبة للنساء اللواتي قابلتهن لم تكن في كثرة 
المطلوب منهن بل في قلته. قالت لي امرأة: «يغمرني نوع من الخدر عندما 
أعود إلى البيت من المهمات. كما لو أنه ليس هناك فعلا ما يجب علي القيام 
به» على الرغم من وجود الكثير مما يجب القيام به في أنحاء البيت. وهكذا 
أحتفظ بزجاجة مارتيني في البرّاد وأصبّ لنفسي كأسًا حتى أشعر بأنني أقوم 
بشيء ما. أو أمرّر الوقت إلى أن يعود دون إلى البيت». 

بعض النساء يأكلن فيما هنّ يمدّدن العمل المنزلي» لمجرّد أن يملأن 
الوقت المتاح. لطالما تمّ الربط بين البدانة والكحولية» كما العصاب» 
وأنماط الشخصية التي تنبثق من الطفولة. ولكن» هل يفشز ذلك معاناة 
ربات منازل أمريكيات كثيرات ممن بلغن نحو الأربعين من العمر من 
نفس النظرة الباهتة الباردة؟ هل يفسّر فقدانهن للحيوية والتشابه القاتل في 
حيواتهن والوجبات الخفيفة المختلسة بين الوجبات الرئيسية والمشروبات 
والمهدّئات والأقراص المنوّمة؟ حتى إذا أخذنا الشخصيات المختلفة لتلك 
النساء» فيجب أن يكون هناك شيء ما في طبيعة عملهن أو نمط حياتهن 
يدفعهن إلى هذه المهارب. 


وهذا صحيح بالنسبة لعمل ربة المنزل الأمريكية بقدر ما هو صحيح 
لعمل معظم الرجال الأمريكيين على خطوط التجميع أو في مكاتب 


الفصل العاشر: التدبير المنزلي يتمدد ليملا الوقت المتاح 33 


الشركات: العمل الذي لا يستخدم كامل قدرات الرجل يترك لديه حاجة 
خالية فارغة إلى مهرب: التلفاز أو المهدئات أو الكحول أو الجنس. لكنّ 
أزواج النساء اللواتي قابلتهن كانوا غالبا منخرطين في أعمال تتطلب القدرة 
والمسؤولية والقرار. ولاحظت أنْهم عندما كانوا يُرمَقون بعمل منزلي» كانوا 
ينهونه في زمن أقل بكثير من ذاك الذي تستغرقه زوجاتهم. ولكن بالطبع؛ 
لم يكن ذلك العمل هو ما يبرّر حياتهم. وسواء وضعوا فيه مزيدًا من الطاقة 
لذلك السبب» أي لكي ينهونه باستخدامهاء أو لم يكن يجب أن يأخذ العمل 
المنزلي الكثير من طاقتهم» فقد كانوا يقومون به أسرع» وأحيانًا كانوا يبدون 
مستمتعين به أكثر. 

لطالما اشتكى النقاد الاجتماعيون خلال فترة «الوجود معًا؛ من أن 
المستقبل المهني للرجال يتأثر بكل هذا العمل المنزلي. لكنء يبدو أن معظم 
رجال النساء اللواتي قابلتهن لم يدعوا العمل المنزلي يتدخل في مستقبلهم 
المهني. عندما كان الأزواج يقومون بذلك الجزء من العمل المنزلي في 
المساءات أو في أيام العطلة الأسبوعية لأنْ زوجاتهم لديهن مهن» أو لأن 
زوجاتهم قد جعلن من العمل المنزلي مهنة لا يستطعن القيام بها بأنفسهن. 
أو لأنّ زوجاتهم سلبيات جدًا أو اتكاليات أو أضعف من أن يقمن به أو 
حتى لأنّ زوجاتهم يتركن العمل المنزلي لأزواجهن» انتقامًا منهم» فإنه لم 
يكن يتمدّد. 

ولكنني لاحظت أن العمل المنزلي كان يتمدّد ليملأ الوقت المتاح لدى 
بعض الأزواج الذين يبدو أنهم يستخدمون الأعمال المنزلية بمثابة عذر 
عن مواجهة تحديات مهنهم. قالت لي زوجة أستاذ جامعي: «أتمنى لو أنه 
لا يصب على تنظيف البيت كله بالمكنسة الكهربائية فى مساءات الثلاثاء. 
فالبيت لا يحتاج ذلك» وهو يمكن أن يعمل على كتابه». وقد أدارت 
بدورهاء بوصفها عاملة اجتماعية مؤهلة» كل حياتها المهنية لتستنبط طرقا 
للعناية ببيتها وأولادها دون توظيف خدم. وكانت» بمساعدة ابنتهاء تقو 


334 اللغز الأنثوي 


بتنظيف شامل للبيت يوم السبت؛ فلم يكن بحاجة إلى تنظيف بالمكنسة 
الكهربائية يوم الثلاثاء. 


إن القيام بالعمل الذي تكون مؤهلا للقيام به هو علامة على النضج. 
ليست متطلبات العمل المنزلي والأطفال أو غياب الخدم هي ما يمنع معظم 
النساء الأمريكيات من النضج ليقمن بالعمل المؤهلات له. في حقبة سابقة» 
عندما كانت هناك وفرة من الخدم» لم تستخدم معظم نساء الطبقة الوسطى 
اللواتي استخدمن الخدم حريتهن للقيام بدور أكثر فعالية في المجتمع؛ كن 
مقيدات بحكم «دور المرأة» بالفراغ. في بلدان مثل إسرائيل وروسياء حيث 
يتوقع من النساء أن يكنّ أكثر من مجرّد ربات منازل» قلما يوجد خدم» ومع 
ذلك فالبيت والأولاد والحب ليست مهملة بالتأكيد. 

إن لغز التحقق الأنثوي» وعدم النضج الذي يغذيه» هما ما يمنعان 
النساء من القيام بالعمل المؤهلات له. ليس من الغريب أن تشعر النساء 
اللواتي عشن عشر أو عشرين سنة ضمن اللغزء أو اللواتي تكيّفن معه وهنّ 
صغيرات جدًا حتّى أنهن لم يجربن قط أن يكنّ مسؤولات عن أنفسهن» 
بالخوف من مواجهة اختبار العمل الحقيقي في العالم» وأن يتمشكن 
بهويتهن ربات منازل؛ كما لو أنهن بذلك يحكمن على أنفسهن بالشعور 
ابالفراغ وعدم التفع كما لو أنني غير موجودة». يمكن لذلك العمل 
المنزلي» بل يجب عليه» أن يتمدّد ليملا الوقت المتاح عندما لا يبدو 
هدف آخر في الحياة واضحًا على نحو مقبول. ففي نهاية المطاف» عندما 
لا يكون لدى ربة المنزل المتألقة والحيوية دق 7ه في الحياة» فإنهاء 
إذا قامت بالعمل المنزلى خلال ساعة من الوقت والأولاد فى المدرسة. 
ستجد فراغ أيامها لا يطاق. 1 

وهكذاء طردت امرأة من سكارسديل (563550816) خادمتهاء ولم 
تتمكن حتى مع قيامها بالعمل المنزلي والعمل المجتمعي العادي من 


الفصل العاشر: التدبير المنزلي يتمدد ليملا الوقت المتاح 335 
استنفاد كل طاقتها. «حللنا المشكلة»» قالت متحدثة عن نفسها وعن 
صديقة حاولت الانتحار. «نذهب للعب البولينغ ثلاث مرات في الأسبوع. 
ولولا ذلك لكنّا فقدنا عقولنا. نستطيع الآن على الأقل أن ننام في الليل». 
«هناك دائمًا طريقة ما تستطيعين بها التخلص من ذلك». هذا ما سمعت 
امرأة تقوله لأخرى أثناء الغداء فى (5651850) وهما تناقشان بشىء من 
عدم الام ازمر فاده دود اقفن داه هن ا المنزلي 
الذي أمر به طبيباهما. لقد أصبحت أطعمة الحمية وصالات التمارين 
عملا مربحًا في تلك المعركة غير المجدية لإزالة الدهن الذي لا يمكن 
تحويله إلى طاقة إنسانية من قبل ربة المنزل الأمريكية. إِنّه لمن الصادم 
قليللا أن تفكر أن النساء الأمريكيات المتعلمات الذكيات مجبرات على 
«التخلص» من طاقتهن الإنسانية الخلاقة بتناول مسحوق طباشيري 
ومصارعة آلة. ولكن» لم تصب الصدمة أحدًا نتيجة الإدراك بأنْ التخلص 
من طاقة النساء الخلاقة» بدلا من استخدامها في هدف أكبر في المجتمع» 
هو جوهر هوية ربة منزل ذاته. 


يتوقف العيش وفق اللغز الأنثوي على عكس التاريخ» على الحط 
من التقدّم الإنساني. كانت إعادة النساء إلى البيت» لا كما فعل النازيون 
عندما أمروهنٌ القيام بذلك» بل «بالدعاية بهدف استعادة حسٌ النساء 
بالمكانة والتقدير الذاتى كنساءء أمهات فعليات أو ممكنات ... النساء 
اللواتي يعشن کنساء)» تعني أنّ النساء يجب أن يقاومن «بطالتهن 
التكنولوجية». لم تغلق معامل المعلبات والمخابز» لكن» حتى صاع 
اللغز شعروا بالحاجة إلى الدفاع عن أنفسهم ضد سؤال: «هل نحاول» 
في افتراضنا أن النسساء قد يسترددن بإرادتهن بعض وظائفهن في البيت 
كالطبخ وحفظ الأغذية وتزيين البيت» أن نعيد عجلة التقدم إلى 
الوراء؟)20. 


(1) تمقطدةظ‎ and Lundberg, Modern Women: The Lost Sex, p.369. 


336 اللفز الأنثوي 


وهم يجادلون بأن التقدّم ليس تقدمًا؛ فنظريّاء تحرير النساء من إرهاق 
العمل المنزلي يحرّرهن من أجل تبئّي أهداف أعلى» لكن «عندما تُفهم تلك 
الأهداف» تتم الدعوة إلى الكثير منهاء ولا يُختار سوى القليل» وهذا ينطبق 
على الرجال كما على النساء». وبالتالي» دع جميع النساء يسترجعن ذلك 
العمل في البيت» الذي تستطيع جميع النساء القيام به بسهولة» ودع المجتمع 
يدير كواليسه بحيث أن هيبة النساء «تحوّل بقوة إلى أولئك النساء المقدّرات 
لأنهن يخدمن المجتمع على أكمل وجه بوصفهن نساء». 

على مدى خمسة عشر عامًا وأكثر» كانت هناك حملة دعاية» عليها 
إجماع في هذا البلد الديمقراطي كما في الديكتاتوريات الأكثر كفاءة» 
لإعطاء النساء «هيبة» بوصفهن ربات منازل. ولكن» هل يمكن إعادة خلق 
حس الذات في المرأة» الذي ارتكز مره على العمل الضروري والإنجاز في 
البيت» عن طريق العمل المنزلي الذي لم يعد ضروريًا بالفعل أو يستخدم 
بالفعل الكثير من القدرات» في بلد وفي وقت تستطيع النساء فيه أن يكن 
حرّات أخيرًا في الانتقال إلى ما هو أكثر. من الخطأ لأي امرأة ولأي سبب 
كان أن تقضي أيامها في عمل لا يتحرّك فيما العالم من حولها يتحرك في 
عمل لا يستخدم حقًا طاقتها الخلاقة. النساء أنفسهن يكتشفن أنه على الرغم 
من أنْ هناك دائمًا «طريقة ما للتخلص منها»» لا يمكنهن أن يحصلن على 
الطمأنينة حتى يبدأن باستخدام قدراتهن. 

هناك بالتأكيد الكثير من النساء في أمريكا السعيدات في هذه اللحظة 
كربات منازل» وبعضهن يستخدمن قدراتهن كلية في دور ربة المنزل. لكنّ 
السعادة شيء وحيوية استخدام قدراتهن بالكامل شيء آخر. وكذلك ليس 
الذكاء الإنساني والقدرة الإنسانية شيئًا ساكئًا. لا يستطيع العمل المنزلي» 
مهما تمدّد لملء الوقت المتاح» أن يستخدم» إلا بصعوبةء قدرات امرأة ذات 
ذكاء إنسانى عادي أو متوسطء وبدرجة أقل بكثير قدرات الخمسين بالمائة 
من الإناث اللواتي كان ذكائهن في الطفولة فوق المتوسط. 





الفصل العاشر: التدبير المنزلي يتمدد ليملا الوقت المتاح 337 


منذ بضعة عقود اكتشفت مؤسسات مهتمة بالأشخاص المتخلفين 
عقليًا أن العمل المنزلي مناسب على نحو خاص لقدرات الفتيات ضعيفات 
العقل. وفي الكثير من المدنء كان هناك طلب كبير على نزلاء مؤسسات 
رعاية المتخلفين عقليًا للعمل في المنازلء والعمل المنزلي كان حينها 
أصعب بكثير مما هو عليه الآن. 
وبالطبع تستلزم قراراتٌ أساسيةٌء كتلك المتعلقة بتنشئة الأطفال 
والديكور الداخلي وإعداد قائمة الطعام والميزانية والتعليم والاستجمام 
الذكاءً. لكن» كما عبر واحد من الخبراء القلائل في أمور البيت والعائلة 
عن الأمرء عندما رأى سخف اللغز الأنثوي» فإِنَ معظم العمل المنزلي» أي 
ذلك الجزء الذي يأخذ معظم الوقت» «يمكن أن يقوم به طفلٌ في الثامنة من 
العمر يكفاءة». 
إن دور ربة المنزل هوء بالتاليء مشابه لذاك الذي لرئيس شركة ليس من شأنه 
أن يقرّر سياساتها ويضع خططها العامة فحسب. بل ويقضي القسم الأكبر 
من وقته وطاقته في نشاطات من مثل كنس المعمل وتزييت الآلات. الصناعة 
بالطبع تعاني من شح في قدرات موظفيها أشدّ من أن تسمح لنفسها بهدرها 
بتلك الطريقة. 
يأتي الإشباع الحقيقي الناجم عن «تكوين بيت» والعلاقة الشخصية مع الزوج 
والأبناء وجو الضيافة والطمأنينة والثقافة والدفء والأمان الذي تمنحه امرأة 
للبيت من شخصيتهاء لا من مكنستها أو موقدها أو حوض الصحون. سيكون 
حصول امرأة على شعور مثيب بالخلق الكامل عن طريق الأعمال الرتيبة 
المتعددة التي تشكل حصتها اليومية من العمل غير عقلاني تمامًاء مثله كمثل 
ابتهاج عامل على خط تجميع يشعر أنه قد صنع سيارة لمجرّد أنه ثبّت عزقة 
فيها. من الصعب أن أرى كيف يمكن للتنظيف بعد الوجبات ثلاث مرات في 
اليوم وإعداد قوائم المشتريات (3 ليمونات. كيسان من مسحوق الفسيل. علبة 
حساء) والوصول إلى الغبار المتجمع في مشعات التدفتّة بالأداة المطاطية 
القاسية للمكنسة الكهربائية وتفريغ سلة المهملات وغسيل أرضيات الحمام 
يومًا بعد يوم وأسبوعًا بعد أسبوع وسنة بعد سنة أن يضيف إلى المجموع العام 





338 اللغز الأنثوي 


لأيٍّ شيء فيما عدا التفاصيل قليلة الأهمية التي في توضعها طرمًا لطرف. لا 
تقود إلى أي مكان!!). 


ويمكن النظر إلى عدد من الظواهر الجنسية المرفوضة أكثر في هذه 
المرحلة الآن على أنها النتيجة التي لا مناص منها لذلك التوجيه السخيف 
لملايين النساء بقضاء أيامهن في عمل يستطيع طفل في الثامنة من عمره 
القيام به. إذ بغض النظر عن مدى عقلنة «مهنة البيت والعائلة» لتبرير 
ذلك الهدر المروّع لقوة المرأة المؤهلة؛ وبغض النظر عن مدى إبداعية 
المتلاعبين فى ابتكار كلمات جديدة تبدو علمية» من مثل «05غ12ئءطنا!» 
اھا عا الوهم بأن إلقاء الملابس في الغسالة الآلية هو فعل شبيه 
بفك رموز الشفرة الوراثية؛ وبغض النظر عن مدى مد العمل المنزلي ليملا 
الوقت المتاح» فإنه يبقى لا يمثّل إلا القليل من التحدي لعقل الإنسان 
البالغ. ولقد فاضت إلى هذا الفراغ العقلي مجموعة لا نهائية من الكتب 
عن فن الطبخ وبحوث علمية حول العناية بالطفل وفوق كل ذلك نصيحة 
حول تقنيات «الحب الزوجي». والاتصال الجنسي. وهذه أيضًا لا تمثل 
سوى القليل من التحدي لعقل الإنسان البالغ. لقد كان بالإمكان التنبؤ 
تقرييًا بهذه التتائج. ولخوف الرجال الكبيرء أصبحت زوجاتهم فجأةٌ 
«خبيرات)» يعرفن كل شيء» وأصبح من المستحيل منافسة تفوقهن الراسخ 
فى البيت» وهو مجال كانا يشغلانه معّاء ومن الصعب جدًا التعايش معه 
أيضًا. وكما عبر راسل لاينز (y۸5ا‏ ااعeووںR)‏ عن الأمر: بدأت النساء 
يعاملن أزواجهن على أنهم خدم بدوام جزئي» أو على أنهم أحدث 
الأجهزة الجديدة”. بدأت الزوجة الأمريكية الشابة» مسلحة بدورة سريعة 
في الاقتصاد المنزلي أو الزواج والعائلة تحت حزامها وبنسخ من الدكتور 


(1) Edith M. Stem, “Women are Household Slaves,” American Mercury, January, 
1949. 

(2) Russell Lynes, “The New Servant Class,” in 4 Surfeit of Honey, New York, 
1957, p. 49-64. 


الفصل العاشر: التدبير المنزلي يتمدد ليملا الوقت المتاح 339 





سبوك والدكتور فان دو فيلد (6106/ 06 88هلا) إلى جانب بعضهما على 
الرف؛ وبكلٌ ذلك الوقت والطاقة والذكاء الموجهين إلى الزوج والأولاد 
والبيت» بسهولة وحتما وعلى نحو مشؤوم» بالهيمنة على العائلة تماماء 
أكثر حتى من «أمها». 


الفصل الحادي عشر: الباحثات عن انجنس 341 


الفصل الحادي عشر 
الباحثات عن الجتنس 


لم أقم بدراسة كيتَرّتّة!'/#ولكن اعئدما كنت أتعقّب المشكلة التي 
لا اسم لهاء كانت ربات المنازل قى#الضواحي اللواتي قابلتهن يعطينني 
غالبًا بصراحة جوابًا جنسيًا على سؤالم ليس /جنسيًا على الإطلاق. كنت 
أسأل عن اهتماماتهن الشخصيّة|ل[اظموخحاتهن إوما الذي يفعلنه أو ما 
الذي يرغبن في القيام به» ليس بالضرورة بوصفهن زوجات أو أمهات» 
بل عندما لا يكن مشغولات بأزواجهن أو أبثائهن أو عملهن المنزلي. 
وربما كان السؤال حتى-عمًا يفعلنه بتعليمهن//ولكنّ بعضًا من تلك 
النساء افترضن ببساطة أن سؤالى كان عن الجنس: هل كانت المشكلة 
التي لا اسم لها مشكلة جنسية في نهايّة“المطاف؟ كان يمكن أن أفكر 
على ذلك النحوء لولا وجود نغمة زائفة» ميزة لا واقعية غريبة فى كلمات 
قلف اا وه يلاتن فن الس كن قبن لیات فة أن 
اشارات واضحة: رک اقات إلى أن تسالن عن الس وغالنا عا عة 
يتباهين بسرد التفاصيل الصريحة لمغامرة جنسية ماء حتى لو لم أسأل. 
لم يكن يختلقن تلك المغامرات» فقد كانت حقيقية» ولكن» ما الذي 
جعلها تبدو غير جنسية وغير حقيقية؟ 
(:) نسبة إلى ألفرد كينزي '56هنك1 41864» عالم بيولوجيا أمريكي (1894-1956) - 

امرجم 





342 اللفزالأنثوي 


قالت لي أم لأربعة أطفال في الثامنة والثلاثين من عمرهاء إن الجنس هو 
الشيء الوحيد الذي يجعلها «تشعر أنها حية». لكن حدث خطأ ماء فزوجها 
لم بهد سكها ذلك e‏ كانا يفعلانه بطريقة روتينية» إذ لم يكن مهتمًا 
فعلا. وكانت قد بدأت تشعر بازدراء من قبله في الفراش. وقالت: «أحتاج 
إلى الجنس لأشعر أنني حيةء لكنني لا أشعر بذلك حما». 

وقالت أمّ لخمسة أولاد في الثلاثين من عمرها بصوت واقعي بارد» 
أضاف إلى لاواقعية الحالة» وهي تحوك سترة بهدوء» إنها كانت تفكر 
بالهرب -ربما إلى المكسيك- لتعيش مع رجل على علاقة به. لم تكن 
تحبه» لكنّها فكرت في أنّها إذا أعطته نفسها «كلية»» فقد تجد ذلك الشعور 
الذي تعرف الآن أنه «الشيء الوحيد المهم في الحياة». وماذا عن الأولاد؟ 
كانت» على نحو غامض» تظن آنها ستأخذهم معهاء لأنّه لم يكن يمانع. 
ما الشعور الذي كانت تبحث عنه؟ لقد وجدته في البداية مع زوجهاء كما 
افترضت. هي على الأقل تتذكر أنها عندما تزوجته -وكانت في الثامنة عشرة 
حينها- كانت «تشعر أنها سعيدة جدًا إلى حدّ الموت». لكنه لم «يمنحها 
نفسه كلية»؛ كان يعطي الكثير من ذاته لعمله. وهكذاء وجدت ذلك الشعور 
وهلة من الزمن» كما ظنت» مع أطفالها. وبعد وقت قصير من فطام ابنها 
الخامس في سن الثالثة أقامت أول علاقة. واكتشفت آنها «منحتني ذلك 
الشعور المدهش مرة أخرى؛ أن أمنح نفسي كلية لشخص آخر». لكنْ تلك 
العلاقة لم يكتب لها أن تستمر؛ فقد كان لديه أولاد كثيرون» وكذلك هي. 
قال لها عندما انفصلا: «لقد منحتني إحساسًا بالهوية». وتساءلت: «وماذا 
عن هويتي أنا؟». وهكذا خلت بنفسها شهرًا في ذلك الصيف تاركة الأولاد 
مع زوجها. «کنت أبحث عن شيء لم أكن eT‏ ة الوحيدة 
التي كنت أحصل فيها على ذلك الشعور هي أن أعشق شخصًا ما». أقامت 
ا 0 وهكذا مع هذه 
العلاقة الجديدة» أرادت أن تذهب بعيدًا تمامًا. قالت وهي تحوك بهدوء: 


الفصل الحادي عشر: الباحثات عن الجنس 343 


«الآن وقد عرفت كيف أحصل على ذلك الشعور» سأظلء بكل بساطة» 
أجرّب حتى أجده ثانية». 

وسافرت بالفعل إلى المكسيك مع ذلك الرجل الظليل الذي لا ملامح 
له آخذة معها أولادها الخمسة؛ لكنها عادت بعد ستة أشهر مع أولادها وكل 
شيء. من الواضح أنها لم تجد ذلك «الشعور» الخيالي. وأيًّا يكن ما حدث» 
فإنه لم يكن حقيقيًا بما يكفي للتأثير في زواجها الذي استمر كما من قبل. 
ما هو بالضبط الشعور الذي توقعت الحصول عليه من الجنس؟ ولماذا كان 
دائمًا على نحو ما بعيدًا عن متناولها؟ هل يصبح الجنس غير حقيقي» خيالاء 
عندما يحتاج المرء إليه ليشعر أنه «حيّ»» وليشعر ب«هويتي الخاصة»؟ 

تحدّئتٌ في ضاحية أخرى إلى امرأة جذابة في أواخر الثلاثينيات من 
رها ولديها اعتمامات تاوف لكتها عام رع ما غير مركو كانت 
تبدأ رسم لوحات ولا تنهيهاء وتجمع نقودًا لحفلات موسيقية لا تذهب 
إليهاء وتقول أنها لم «تجد مركز توازنها بعد». واكتشفتٌ أنها تورّطت في 
نوع من البحث الجنسي عن المكانة» كانت له نفس الادعاءات الغامضة 
وغير المركزة التي لاهتماماتها الثقافية» وكان في الواقع جزءًا منها. تباهت 
بالبراعة الفكرية والتميّز المهني للرجل الذي ألمحت إلى أنه أراد أن ينام 
معها. قالت لى: «هذا يجعلك تشعرين بالفخره كأنه إنجاز. ولا ترغبين 
بإخفاله. تزيدين أن يعرف الجتميع به عندما يكون رجلا بمكائتة». أما إلى 
أي مدى أرادت هي أن تنام مع ذلك الرجلء بمكانته المهنية أو دونهاء فتلك 
مسألة أخرى. عرفتٌ فيما بعد من جيرانها أنّها كانت أضحوكة المجتمع 
المحلي. كان الجميع «يعرفون» في الواقع أن عروضها الجنسية لم تكن 
تتعلق بالشخصء وكانت متوقعة إلى حدّ أن لا أحد إلا -اللهم- زوج 
جديد في المنطقةء قد يأخذها على محمل الجد بما يكفي للاستجابة لها. 

لكنّ الحاجة الجنسية النهمة» على نحو واضح. لأ لأربعة أولاد أصغر 
سنا بقليل في تلك الضاحية ذاتها لم تكن أضحوكة. كان لبحثها الذي لا 


344 اللفز الأنثوي 


يشبع عن الجنس» رغم إقامتها علاقة تلو الأخرى» مختلطا بالكثير من 
حقيقية وكارثية على زواجين آخرين على الأقل. عاشت أولئك النساء 
وأخريات مثلهن» من الباحثات عن الجنس اللواتى يعشن فى الضواحى. 
حرفيًا ضمن الحدود الضيقة للغز الأنثوي. كن ذكيات» لكنهن «ناقصات» 
على نحو غريب. لقد توقفن عن محاولات جعل العمل المنزلي أو العمل 
المجتمعي يمتدٌ ليملا الوقت المتاح» وتحوّلن بدلا من ذلك إلى الجنس. 
ومع ذلك» لم يشعرن بالتحقق. لم يكن أزواجهن يرضونهن» كما قلن؛ ولم 
تكن العلاقات خارج الزواج أفضل حالا. وفي مصطلحات اللغز الأنثوي» 
إذا راود امرأةَ حسٌٌ ب«الفراغ» الشخصي.ء إذا لم تشعر بالتحقق» فيجب أن 

وتمامًا مثلما استخدمت فتيات الجامعة الخيال الجنسي عن الحياة 
الزوجية لحمايتهن من النزاعات وآلام النمو والعمل الملتزم بالعلم أو الفن 
أو المجتمع» هل كانت النساء المتزوجات يضعن.» فى بحثهن الجنسى الذي 
لا يشبع» تلك الطاقات الهجومية التي يمنعهن اللغز الأنثوي من استخدامها 
لغايات إنسانية أكبر؟ هل يستخدمن الجنس أو الخيال الجنسى لملء 
حاجات ليست جنسية؟ هل هذا هو السبب فى أن جنسهن يبدو خالا حتى 
عندما يصلن إلى النشوة الجنسية؟ هل يندفعن إلى ذلك البحث الجنسى 
الذي لا يشبع» لأنْهنَ لم يجدن في الزواج الاكتفاء الجنسي الذي يعد به 
اللغز الأنثوي؟ أم إن ذلك الشعور بالهوية الشخصية. بالاكتفاءء الذي يبحثن 
عنه في الجنس هو شيء لا يستطيع الجنس وحلده أن يمنحه؟ 

الجنس هو الحدّ الوحيد المفتوح للنساء اللواتي لطالما عشن ضمن 
قيود اللغز الأنثوي. لقد أجبر الحدّ الجنسى خلال السنوات الخمس عشرة 
الماضية على التمدّد. ربما إلى ما بعد حدود الممكن» ليملا الوقت المتاح» 





الفصل الحادي عشر: الباحثات عن أنجنس 345 
ليملا الفراغ الذي خلقه إنكار أهداف وغايات أكبر على النساء الأمريكيات. 
لقد أثبت الجوع الجنسي المتزايد لدى النساء الأمريكيات إلى حد الغثيان 
من قبل كينزي ومن قبل علماء الاجتماع وروائبي الضواحي ووسائل 
الإعلام الجماهيرية والإعلانات والتلفاز والأفلام والمجلات النسائية التي 
تروّج للشهية الأنثوية الشرهة إلى الخيال الجنسي. ليس من المبالغة القول 
أن عدّة أجيال من النساء الأمريكيات المؤهلات قد قلصت بنجاح إلى 
مخلوقات جنسيةء إلى باحثات عن الجنس. لكنء لا شك في أن شيئًا لم 
يجر على ما يرام. 

وبدلّا من تحقّق الوعد بنعيم هزة الجماع المطلقة» يصبح الجنس في 
أمريكا اللغز الأنثوي اندفاعًا وطنيًا كثيبًا على نحو غريبء إن لم يكن زيفا 
احتقاريًا. وتصبح الروايات المتخمة بالجنس صريحة على نحو متزايد 
وبليدةٌ على نحو متزايد؛ ولهرّة الجنس في المجلات النسائية كابةٌ تبعث 
على المرض؛ يشير التدفق الذي لا ينتهي من الكتيبات التي تصف طرائق 
جنسية جديدة إلى نقص دائم في الإثارة. وينم قياس نهود فثانات هوليوود 
النأشئات الذي يزداد باستمرارء والظهورٌ المفاجى للرموز القضيبية الذكرية 
بوصفها «وسيلة تحايل» إعلانيةء عن هذا الملل الجنسي. لقد أصبح الجنس 
غير شخصيء وينظر إليه من وجهة نظر هذه الرموز المبالغ فيها. ولكن الأكثر 
سخرية من بين جميع الظواهر الجنسية الغريبة التي ظهرت في فترة اللغز 
الأنثوي هو ازدياد الجوع الجنسي المحبّط لدى النساء الأمريكيات واشتداد 
صراعاتهن حول الأنوثةء عندما تحوّلن من النشاط المستقل إلى البحث عن 
التحقق الفردي عن طريق دورهن الجنسي في البيت. وفيما حولت النساء 
الأمريكيات اهتماماتهن نحو السعي الحصري والواضح والهجومي إلى 
التحقق الجنسيء أو تمثيل الوهم الجنسي» تزايدت أيضًا لامبالاة الرجال 
الأمريكيين الجنسية وعدائيتهم تجاه النساء. 

وجدت دليلًا على هذه الظواهر في كل مكان. هناك كما قلت» جو 


346 اللفز الأنثوي 


من اللاواقعية المبالغ بها حول الجنس اليوم» سواء تجلّى في الصفحات 
الفاسقة بصراحة لرواية شعبية أو فى الأجساد الغريبة التى تكاد تكون عديمة 
الجنس للنساء اللواتي يستخدمن في صور الأزياء. واستنادًا إلى كينزي» لم 
تكن هناك زيادة في «المنافذ» الجنسية في العقود الأخيرة. لكنّ العقد الأخير 
شهد زيادة هائلة في الاستغراق الأمريكي بالجنس والخيال الجنسي". 
درس عالم نفسي في كانون الثاني/ يناير» 21950 ومرة أخرى في كانون 
الثانى/ يناير» 1960« كل الإشارات إلى الجنس فى الصحف والمجلات 
وبرامج التلفاز والراديو والمسرحيات والأغاني الشعبية والروايات الأكثر 
مبِيعًا والكتب غير الروائية في أمريكا. ووجد زيادة هائلة في الإشارات 


(1) لقد علّق العديد من المؤرخين على الانشغال الأمريكي بالجنس من وجهة نظر مذكرة. 
«لقد وصلت أمريكا إلى التركيز على الجنس أكثر من أية حضارة منذ الرومان»» كما قال 
ماكس ليرنر في (678 .م ,/منلمعذاااة© ۾ كه م47:21 )ء ويطلق ديفيد ريسمادأ في كتابه 

ff‏ 172 .م ,1950 »)7he lonely Crowd) New Haven,‏ على الجنس: «الحدٌّ الأخير». 

يتخلل الجنس» أكثر من أي وقت» ومع انخفاض الاهتمام بالعملء وقت النهار بالإضافة 

إلى الشعور بوقت التسلية. وينظر إليه على أنه سلعة استهلاكية» لا من قبل الطبقات الغنية 

القديمة التي لم تكن بحاجة للعمل» بل ومن قبل الجماهير المتعطلة الحديثة أيضًا. ... 

أحد أسباب التغيير هو أن النساء لم يعدن أشياء للمستهلك الاكتسابيأ بل هنّ أنفسهن 

نظيرات في المجموعات. ... اليوم» أصبحت الملايين من النساءء المتحررات بفضل 
التكنولوجيا من الكثير من مهمات العمل المنزلي. واللواتي أعطتهن التكنولوجيا العديد 
من المساعدات على الرومانسية؛ رأئدات مع الرجال غلى تخوم التجنس ريما أن الرجال 

أصبحوا زبائن عارفين» فإن قلقهم من عدم إرضاء النساء قد نما أيضًا... 

كان الأطباء السريريون هم من لاحظ أساسًا أن الرجال هم غالبا أقل تلهمًا من زوجاتهم 

كهمستهلكين» جنسيين. قال الدكتور الراحل أبراهام ستون. الذي قابلته قبل وفاته 

بوقت قصيرء إن الزوجات يشكين أكثر فأكثر من الأزواج «غير الملائمين؟ جنسيًا. 

ويذكر الدكتور كارل مينينجر أنه مقابل كل زوجة تشكو جنسانية زوجها المفرطةء هناك 

دزينة من الزوجات اللواتي يشكين من أن أزواجهن فاترون وعاجزون جنسيًا. يستشهد 
بهذه «المشاكل» فى وسائل الإعلام الجماهيرية على أنها دليل إضافى على أن النساء 
الأمريكات عدن او ضهن ةوا يوق دح جديدة لاط ` 

John Kord Lagemann, “The Male Sex,” Redbook, December, 1956. 


الفصل الحادي عشر: الباحثات عن الجنس 347 


الصريحة إلى الرغبات والتعبيرات الجنسية (بما في ذلك «العري والأعضاء 
الجنسية ودراسة البراز و«القذارة؛ والخلاعة والاتصال الجنسى)2). وقد 
كلت عة رمن مه من الإغارات الملحوظة إل الجنسانية الأنسانة: 
في حين حل «الجماع خارج الزواج» (بما في ذلك «الزنا والبغاء والعلاقات 
الجنسية غير المشروعة والدعارة والأمراض التناسلية») في المرتبة الثانية. 
وكانت الإشارات إلى الجنس في وسائل الإعلام الأمريكية في عام 1960 
أكثر بمرتين ونصف من مثيلتها في عام 1950» ما شكل زيادة من 509 
إشارات جنسية «مباحة» إلى 1341 إشارة في وسائل الإعلام المائتين التي 
جرت عليها الدراسة. أمّا ما يسمى ب«المجلات الرجالية» فلم تبلغ زيادات 
جديدة في استغراقها بأعضاء جنسية أنثوية معينة وحسب» بل إن طفرةً في 
اللات رترت هر اة و هو الو ف الظافر: 
الجنسية الجديدة الأكثر مفاجأة كانت بوضوح هي الخلاعة «النهمة في 
الروايات الأكثر مبيعًا وقصص الدوريات التي تشكل النساء جمهورها 
الأساسي. 

وعلى الرغم من قبول العالم النفسي من وجهة نظر مهنية الموقف 
«المجيز» من الجنس بالمقارنة مع الإنكار الزائف له فيما مضىء فقد انتقل 
إلى التخمين: 

أصبح وصف الأعضاء الجنسية شاتعًا جدًا في الروايات العصريةء إلى حدّ 

أن المرء يتسا ءل عما إذا كان ذلك شرطًا لازمًا لإرسال عمل روائي إلى قائمة 

الكتب الأكثر مبيعًا . بما أن الوصف القديم المعتدل للاتصال الجنسي قد فقد 

على ما يبدو قدرته على الإثارة وحتى الانحرافات الجنسية أصبحت الآن 

شائعة في الرواية المصريةء فالخطوة المنطقية الحالية تبدو هي الوصف 

التفصيلي للأعضاء الجنسية نفسها. ومن الصعب تخيّل ما ستكون الخطوة 

التالية في الخلاعة7!). 

بهت اهتمام الرجال» من عام 1950 إلى عام 1960.» بتفاصيل الاتصال 


(1) Albert Ellis, The Folklore of Sex, New York, 1961, .م‎ 123. 


348 اللغز الأنثوي 


الجنسي أمام شره النساء» سواء كما صّوّرت في وسائل الإعلام تلك أو 
بوصفهم جمهورها. وأصلا مع حلول عام 1950 كانت التفاصيل الشهوانية 
للفعل الجنسي التي يمكن أن توجد في المجلات الرجالية موجودة على 
نحو أكثر بكثير في الروايات الأكثر مبيعًا التي تباع أساسًا للنساء. 

وفي أثناء الفترة ذاتهاء أظهرت المجلات النسائية استغراقًا متزايدًا 
بالجنس متخفيًا على نحو مثير للغثيان”"©. وصفت تلك المقالات الرئيسية 
«الصحية» -من مثل «إنجاح الزواج». «هل يمكن إنقاذ هذا الزواج؟». «قل 
لي يا دكتور»- التفاصيل الجنسية الأكثر حميمية في هيئة أخلاقية على أنها 
«مشاكل»» وكانت النساء يقرأن عنها بالروحية نفسها التي يقرأن بها تاريخ 
الحالات المرضية في كتب علم النفس. ونمّت الأفلام والمسرح عن 
استغراق متنام بالجنس المنحرف أو المريض» فكل فيلم جديد وكل مسرحية 
جديدة أكثر إئّارة قليلا مما سبقهما في محاولة للمفاجأة أو الدغدغة. 

وفي الوقت ذاته» كان المرء يستطيع أن يرى في خطوة موازية تقليص 
الجنسانية الإنسانية إلى أضيق حدودها النفسية في عدد كبير جدًا من 
الدراسات النفسية عن الجنس في الضواحي وفي تحقيقات كينزي. عالج 
تقريرا كينزي فى عامى 1948 و1953 الجنسانية الإنسانية بوصفها لعبة 
خت عن المكانة الهدت فيا هو أكر ده مكح مق #المتانل»ة الرصفات 
المتحققة على قدم المساواة عن طريق الاستمناء أو الاحتلام أو ممارسة 
الجنس مع الحيوانات وفي وضعيات مختلفة مع الجنس الآخر وقبل الزواج 
وخارجه وبعده. كان كل ما ذكره محقّقو كينزي والطريقة التي ذكروه بهاء 
والذي لا يقل عن الروايات والمجلات والمسرحيات المتخمة بالجنس» 
أعراضًا لنزع الشخصية المتزايد وعدم النضج والتعاسة والانعدام الزائف 
للمعنى في استغراقنا الجنسي المبالغ به. 





(1) See the amusing parody, “The Pious Pornographers,” by Ray Russell, in The 
Permanent Playboy, New York, 1959. 


الفصل الحادي عشر: الباحثات عن الجتس 349 

أصبحت الحقيقة القائلة إِنَّ هذا التصعيد فى «الشهوة والإثارة والخلاعة» 
الجنسية لين تاعا :غلامة جلية على التوكيد الضجي للاتضال الجشي 
الإنساني» فيما أخلت صورة الرجال اللاهثين وراء النساء المكان للصورة 
الجديدة التي تلهث النساء فيها وراء الرجال. وبدت الحدود القصوى المبالغ 
فيها والمنحرفة للأوضاع الجنسية ضرورية لإثارة البطل والجمهور على حد 
سواء. وربما كان أفضل مثال على هذا القلب المنحرف هو الفيلم الإيطالي 
الحياة حلوة (1/1]8 20162 14)» الذي نجح في أمريكاء بكل مزاعمه الفنية 
والرمزية» نتيجة دغدغته الجنسية التي رُوّج لها كثيرًا. وعلى الرغم من أن هذا 
الفيلم كان تعليقا على الجنس والمجتمع في إيطالياء فقد كان في الخصائص 
الرئيسية لاستغراقه الجنسي وثيق الصلة بالمشهد الأمريكي. 

وكما هي الحال على نحو متزايد في الروايات والمسرحيات والأفلام 
الأمريكية» كانت الباحثات عن الجنس بشكل رئيسي هنّ النساءء اللواتي 
يُقدّمن على أنهن مخلوقات جنسية بلهاء يبالغن في لبسهنء أو يلبسن ما 
هو أدنى من المألوف (نجمة هوليوود) والطفيليات الهستيريات (صديقة 
الصحفي). إضافة إلى ذلك هناك الفتاة الغنية المتخبطة جنسيًا التي تحتاج 
إلى المحاكاة المنحرفة لسرير العاهرة المستعارء والنساء المتعطشات 
للجنس في عربدة القصور المترفة اللواتي يلعبن «الغميضة» على ضوء 
الشموع» وأخيرًا المرأة المطلقة التي تؤدي رقصة تعر متمعجة أمام جمهور 
متوخد ضجر لامبال. 

كان جميع الرجال في الحقيقة أكثر ضجرًا وأكثر انشغالًا من أن يزعجوا 
أنفسهم. البطل السلبي اللامبالي المنجرف من امرأة باحثة عن الجنس إلى 
أخرى -دون جوان» مثلى جنسى كامن» منجرٌ فى الخيال إلى الفتاة الصغيرة 
عديمة الجنس. البعيدة 37 e‏ عبر الماء. هان الحدود القصوى المبالغ 
بها للأوضاع الجنسية تنتهي أخيرًا في تجرد عن الشخصية يخلق مللا منتفححا 
لدى البطل والجمهور على حد سواء. (قد يشرح الملل من الجنس المتجرد 


350 اللفز الأنثوي 


عن الشخصية أيضًا الحضور المتناقص لمسارح برودواي وأفلام هوليوود 
والرواية الأمريكية). وقبل المشاهد الأخيرة لفيلم (1/1:2 201٠‏ 14) بكثير 
-حين يخرجون جميعًا للتحديق فى السمكة الميتة المنتفخة- أصبحت 
رسالة الفيلم واضحة تمامًا: «الحياة الحلوة» بليدة. 

كما ظهرت صورة المرأة الباحثة عن الجنس الهجومية أيضًا في 
روايات من مثل »)he Chapman Report)y (Peyton Place)‏ التي ت 
عن وعي» الجوع الأنثوي إلى الخيال الجنسي. وسواء كانت هذه الصورة 
الروائية للأنثى المتحرقة للجنس تعنى أن النساء الأمريكيات قد أصبحن 
باحثات شرهات عن الجنس في الحياة الحقيقية أم لاء فعلى الأقل لديهن 
شهية لا تشبع نحو الكتب التي تعالج الفعل الجنسي؛ شهية لا يبدو أن 
الرجال دائمًا -في الرواية وفي الحياة الحقيقية- يشاركون فيها. قد يكون 
لهذا التناقض في الاستغراق الجنسي بين الرجال والنساء في أمريكا -في 
الرواية أو في الواقع- تفسير بسيط. تبحث ربات المنازل في الضواحي 
على نحو خاص غالبًا عن الجنس أكثر مما يجدنه» لا بسبب المشاكل التى 
يمثلها الأوتلاد العائدون إلى البيت من المدرسة, أو السيارات المركونة ۴ 
المداخل الخاصة والخدم الذين ينشرون الشائعات فحسبه بل وببساطة 
تامة لأنّ الرجال ليسوا متوفرين بكثرة. الرجال عمومًا يقضون معظم 
ساعاتهم في مساع وأهواء غير جنسية» وحاجتهم إلى جعل الجنس يتمدّد 
حتى يملأ الوقت المتاح أقل. وهكذا فالنساء الأمريكيات محكوم عليهن من 
سن المراهقة حتى أواخر منتصف العمر أن يقضين معظم حياتهن في خيال 
جنسي. حتى عندما تكون العلاقة الجنسية -أو «المداعبات خارج الزواج» 
والتي وجد كينزي أنها في تزايد- حقيقية» فإِنّها لا تصل قط إلى مستوى 
الحقيقية التي دفع اللغز النساء إلى الإيمان بوجودها. 


وكما عبّر كاتب (5عاتهة6 تنظ )27 عن الأمر: 


(1) الذين يعيشون في مناطق مزدهرة بعد الضواحي - المترجم. 





الفصل الحادي عشر: الباحثات عن الجنس 351 





في حين قد تكون العلاقة بالنسبة لشريكها شيئًا عرضيًا تمامّاء ومن المحتمل 
أنها كذلك فعلا وخ بالظبع تعلام درل متك حيصا اا 
بالەكس تمامًا فإنها غالبًا ما تعلق بصدق تمامًا بما تت تتصور أنه حب حياتها 
الحقيقي. ولأنها مثبطة بفعل عيوب زواجها ومضطربة وغير سعيدة وغاضبة 
وغالبًا ذليلة نتيجة سلوك زوجهاء فإنها تكون مستعدةٌ نفسيًا للرجل الذي 
سيطبق عليها بمهارة وترو سحره وذكاءه وسلوكه المفوي... وهكذاء في 
الحفلات الشاطئية وفي حفلات مساءات أيام السبت وفي الرحلات الطويلة 
بالسيارات من مكان إلى مكان -حيث في كل هذه المناسبات يتفرّق الزوجان 
بشكل طبيعي- يمكن قول أوّل الكلمات. وتحضير الأرضية تحضيرًا أولياء 
وإثارة أول الخيالات. وتبادل النظرات الأولى ذات المعنى» واستراق القبلة 
المتهورة الأولى. وغاليًاء فيما بعد عندما تدرك المرأة أن ما كان مهما لها 
كان عرضيًا له تستطيع أن تبكي. ثم تستطيع أن تجفَّف دموعها وتنظر حولها 


م حدں (1) 
من جد د ب 


لكن» ما الذي يحدث عندما تقيم امرأة كل هويتها على دورها الجنسي؛ 
عندما يكون الجنس ضروريًا لجعلها «تشعر أنّها حية»؟ وللتعبير عن الأمر 
وكذلك على زوجها و«رجولته». قال لي استشاري في شؤون الزواج إن 
ثقيلة على الحب والزواج» لكن ليس هناك أية إثارة أو لغز وأحياناء وتقريئا 
حرفياء له يحدث شىء). 

إنه شيء تدرّبتٌ عليه وتعلّمت من أجله. كل هذه المعلومات الجنسية والاستحواذ 

الجنسي. هذا النمط المرسوم بوضوح والقائل إنها يجب أن تكرّس نفسها 

لتصبح زوجة وأمًا. ليس هناك عجب في أن يجد غريبان. رجل وامرأة؛ كائنان 
منفصلان: أحدهما الآخر. كل ذلك مرسوم مسبقًاء ٠‏ سيناريو يبع دون صراع 
الحياة وجمالها وروعها الغامض. وهكذا تقول له: اففل شيفًاء اجعلني أشعر 

بشيء ماء ولكن ليس في نفسها أية قوة لإثارة ذلك. 

يصرّح طبيب نفسي أنه لطالما رأى الجنس «يذبل ويموت ببطء» عندما 

(1) A. C. Spectorsky, The Exurbanites, New York, 1955, .م‎ 


2 


352 اللغزالأتثوي 


في تحقيتق الأهداف والإشباع في المجتمع الأوسع”". أحياناء كما قال 
لى «لا يكون هناك سوى القليل من الحياة الحقيقية بحيث فى النهاية حتى 
الجنس يتدهور» ويموت تدريجيّاء وتمر شهور بلا أية رغبات على الرغم من 
أنهما في سنّ الشباب». فالفعل الجنسي «يميل إلى أن يصبح آليّا ومجردًا 
عن الشخصية وتفريعًا جسديًا يترك الشريكين أكثر وحدة بعد الفعل مما 
كانا عليه قبله. ويذبل التعبير عن العاطفة الرقيقة. ويصبح الجنس مجالًا 
للصراع من أجل الهيمنة والتحكم. أو يصبح عملا روتيتيا مما فارعًاء يتم 
وفق جدول زمني». 

وعلى الرغم من أن أولئك النساء لا يجدن أي اكتفاء في الجنسء فإنهن 
يتابعن بحئهن الذي لا ينتهي. بالنسبة للمرأة التي تعيش وفق اللغز الأنثوي. 
ليس هناك أي طريق للتحقّق أو المكانة أو الهوية إلا الطريق الجنسي: 
والهوية بوصفها زوجة ناجحة جنسيًا وأم. ومع ذلك» ولأن الجنس لا يلي 
فعا تلك الحاجات» فإنها تسعى إلى دعم خوائها بالأشياء إلى أن يصبح 
حتى الجنس نفسه في النهاية» والزوج والأولاد الذين تقوم عليهم هويتهاء 
ممتلكات وأشياء. تعيش المرأة» التي ليست هي نفسها سوى غرض جنسي 
في النهاية. في عالم من الأغراض وغير قادرة على أن تلمس في الآخرين 
الهوية الفردية التى تفتقدها هى ذاتها. 

هل الحاجة إلى نوع من الهوية أو الإنجاز هي التي تدفع ربات المنازل 
في الضواحي إلى تقديم أنفسهن بتوق إلى الغرباء والجيران؛ وهو ما يجعل 
الأزواج «أثاًا» في بيوتهم؟ في رواية صدرت حديثًا حول الخيانة الزوجية 
في الضواحي» يتحدّث الكاتب على لسان لخام يتغل .وباك المتازل 
الوحيدات فى الجوار: 


(1) Nathan Ackerman, The Psychodynamics of Family Life, New York, 1958, pp. 
112-127. 





الفصل الحادي عشر: الياحثات عن انجئس 353 
أتعرف ما هي أمريكا؟ إنها حوض زلق كبير من الضجر ... ولا يمكن لأي 
زوج أن يفهم ذلك الحوض الزلق. ولا يمكن لأيّ امرأة أن تشرحه لأخرى لأنَّ 
فعله هو الفهم. نعم يا حبيبتي. أعرف. أعرف. حياتك تعيسة. هاك بعض 
الأزهار, هاك بعضص العطر, هاك كلمة «أحيك».. و.. اخلمي بنطالك. 5 
وأناء نحن أثاث في بيتينا. ولكن: إذا ذهبنا إلى البيت في الجوار. فآما هناك 
نحن أبطال! كلهن يبحثن عن المغامرة العاطفية لأنهن تعلمنها من الكتب 
والأفلام. وما الذي يمكن أن يكون أكثر مغامرةًٌ من رجل مستعد للمخاطرة 
بتلقي طلقة من زوجك مقابل الحصول عليك... والشيء الوحيد المثير في 
هذا الرجل هو أنه غريب ... هي لا تملكه. تقول لنفسها إنها عاشقة؛ وإنها 
مستهدة للمخاطرة ببيتها وسعادتها وكبريائها وكل شيء. فقط لتكون مع هذا 
الغفريب الذي يملؤها مرّة في الأسبوع. ... في أي مكان تجد فيه ربة منزلء 
تجد أيضًا خليلة محتملة لفريب!!) 
وجد كينزي من مقابلاته مع 5940 امرأة أن الزوجات الأمريكيات» 

ولاسيما من الطبقة الوسطى» بعد عشرة أعوام أو خمسة عشر من الزواج» 

قد تحدثن عن رغبة جنسية أكبر مما يبدو أن أزواجهن يشبعونها. لقد دخلت 

واحدة من كل أرب بع شامع وضو ما إلى سن الأربعين في علاقة ما خارج 
الزواج» على نحو متقطع عادة. وبدت بعضهن قادرات بنهم على «رعشات 
متعددة) . وانخرط عدد متزايد منهن في «مداعبات خار- ج الزواج» أكثر شبهًا 
بممارسات سن المراهقة. وجد كينزي أيضًا أن الرغبة الجنسية للأزواج 
الأمريكيين» ولاسيما فى المجموعات المتعلمة من الطبقة الوسطى» على 
ما يبدو تتضاءل فيما رغبات زوجاتهم تتزاید. 


ولكنّ الأكثر تَسبَبًا بالقلق» من العلامات على الجوع الجنسي المتزايد 
وغير المشبع بين النساء الأمريكيات في هذه المرحلة من اللغز الأنثوي. 
هي تلك العلامات على النزاع المتزايد على أنوثتهن. هناك دليل على أن 


(1) Evan Hunter, Strangers When We Meet, New York, 1958, pp.23 1-235. 
(2) Kinsey, et al., Sexual Behavior in the Human Female, pp. 353 ff., p. 426. 





354 اللغز الأنثوي 


العلامات على النزاع الجنسي الأنثويء والذي يشار له غالبا بلباقة باسم 
«المشاكل الأنثوية)» تحدث في وقت أبكر من أي وقت مضى» وعلى نحو 
مكتف» في هذه المرحلة حيث تسعى النساء إلى تحقيق أنفسهن في وقت 
مبكر جدًا وحصريًا عن طريق الجنس. 

أخبرني رئيس قسم الأمراض النسائية في مستشفى شهير أنه يرى» وعلى 
نحو متزايد» لدى الأمهات الشابات نفس الاعتلال في الدورة المبيضية 
-إفراز مهبلي» تأخر في الدورة الشهرية» عدم انتظام في التدفق الطمثي 
وفترة التدفق» أرق» متلازمة التعب» عجز جسدي- وهي أمور لم يكن يراها 
إلا لدى نساء في أثناء انقطاع الطمث. قال: 

المسألة هي ما إذا كانت الأمهات الشابات سينهرن مرضيًا عندما يفقدن وظيفتهن 

الإنجابية. أرى نساء كثيرات يعانين من هذه الصعويات الطمثيةء وأنا واثق من 

أنْ فراغ حياتهن يفمّلهاء مثلما تفمّلها حقيقة أنهن ببساطة قد قضين آخر ثمانية 

وعشرين عامًا متعلقات بآخر ابن حتى لم يبق لديهن ما يتعلقن به. وعلى العكس 

من ذلك. لا تعاني النساء اللواتي أنجبن أولادًاء وأقمن علاقات جنسية, لكنهن 

يتمتعن على نحو ما بشخصيات أكثر حماسا ٠‏ دون أن يكن مضطرات باستمرار 

إلى تبرير أنفسهن كنساء بإنجاب طفل آخر والإصرار عليه إلا من القليل من 

هبّات الحرارة والأرق والاضطراب والهياج العصبى. 

النساء اللواتي يعانين من مشاكل أنثوية هنّ اللواتي أنكرن أنوثتهنء أو 
الإناث مرضيًا. ولكننا نرى هذه الأعراض الآن لدى المزيد والمزيد من 
الزوجات الشابات في العشرينيات من أعمارهن, نساء شابات استنزفن في 
أولادهن. نساء لم يطوّرن أية موارد سوى أولادهن؛ يدخلن مع الاعتلال ذاته 
في دورتهن المبيضية» والصعوبات الطمثية المميّرة لفترة انقطاع الطمث. 
أقول لامرأة في الثانية والعشرين من العمر لديها ثلاثة أولادء وتعاني من 
أعراض تظهر أكثر في فترة انقطاع الطمث: «مشكلتك الوحيدة هي أنك 
أنجبت عددًا كبيرًا من الأولاد أسرع مما ينبغي»» وأحتفظ لنفسي برأبي» «لم 
تتطور شخصيتك بما يكفي». 


الفصل الحادي عشر: الباحثات عن انجنس 355 

وفى هذا المستشفى نفسه» أجريت دراسات على نساء فى فترة النقاهة 
حمول صعبة. أولئك النساء الأكثر معاناةً من الألم والغثيان والإقياء والكرب 
الانفعالي والجسدي والاكتئاب وفتور الشعور والقلق هن النساء «اللواتي 
كانت حياتهن تدور» وعلى نحو حصري تقريبّك حول الوظيفة الإنجابية 
وإرضائها بالأمومة. عبّرت امرأة عن نموذج أصلي يمثّل هذا الموقف 
بالقول: احتى أكون امرأة» يجب أن أكون قادرة على أن أكون أ5ا)2. أما 
الأقل معاناة من النساء فكنّ يتمتعن «بذوات متكاملة جيدًا»» وبعناصر من 
الذكاء» وكانت اهتماماتهن» حتى في المستشفى» تتجه نحو الخارج. بدلا 
من الانشغال بأنفسهن ومعاناتهن. 

وقد رأى أطباء التوليد ذلك أيضًا. قال لي أحدهم: 

إنه لشيء مضحك. النساء اللواتي يعانين من آلام الظهر والنزيف وصعوية 

الحمل والولادة. هن اللواتي يعتقدن أن كل هدفهن في الحياة هو أن ينجبن 

أطفال. أمّا النساء اللواتي لديهن اهتمامات أخرى غير أن يكن آلات إنجابية 

فمشاكلهن في إنجاب الأطفال أقل. لا تسأليني عن تفسير ذلك. فأنا لست 

طبيبًا نفسيًا. ولكننا لاحظناه جميمًا. 

وتحدث طبيب نسائية آخر عن مريضات كثيرات فى هذه الفترة من 
«تحقيق الأنوثة» ممن لم يجلب لهن إنجاب الأطفال ولا الاتصال الجنسي 
«التحقق». كنّْ حسب كلماته: 

نساءًٌ يشعرن بعدم التأكد فيما يتعلق بجنسهن وحاجتهن إلى إنجاب الأطفال 

مرة تلو الأخرى ليثبتن أنهن أنثويات؛ نساءً أنجبن طفلهن الرابع أو الخامس 

شيء آخر يهيمنْ عليه؛ ومن ثم لدي مئّات المريضات. وهنْ فتيات جامعيات لا 

يعرفن ما يفعلن بأنفسهن, تأتي بهن أمهاتهن لتركيب واق أنثوي ضد الحمل. 
Doris Menzer-Benaron M.D., et al., “Patlerns of Emotional Recovery from‏ )1( 


Hysterectomy,” Psvchosomatic Medicine, XIX. No.5, September, 1957. pp. 
378-388. 


356 اللفز الأنثوي 


ولأنهن غير بالغات فالذهاب إلى السرير لا يعني لهن شيئًا؛ إنه مثل تناول 

الدواء. لا نشوة ولا شيء. والزواج بالنسبة لهن تهرب. 

المعدّل العالي لحدوث المغص الشديد مع الطمث والغثيان والإقياء في 
أثناء الحمل والاكتئاب مع الولادة والكرب النفسي والفيزيولوجي الشديد 
مع انقطاع الطمث أصبحت أمور تقل على أنها جزء «طبيعي» من بيولوجيا 
الأنئى”". هل هذه الوصمات التي تسمٌ مراحل الدورة الجنسية الأنثوية 
-الطمث - الحمل - انقطاع الطمث - هي جزء من طبيعة النساء الثابتة 


(1) لقد أثبتت دراسات كثيرة الحقيقة القائلة أن :75-85 من الأمهات الشابات في أمريكا 
اليوم تراودهن مشاعر سلبية -الاستياء والحزن وخيبة الأمل والرفض التام- عندما يحملن 
للمرة الأولى. في الواقع» يورد مرتكبو اللغز الأنثوي نتائج تؤكّد للأمهات الشابات أنهن 
«طبيعيات» تمامًا حين يراودهن ذلك الرفض الغريب للحملء وأن المشكلة الحقيقة 
الوحيدة هي «الإحساس بالذنب» حيال ذلك الشعور. وهكذا تذكر مجلة ريدبوك في 
مقالة بعنوان «كيف تشعر النساء حقيقة حيال الحمل؟» (تشرين الثاني/ نوفمبر 1958) 
أن مدرسة هارفارد للصحة العامة وجدت أن 80-857 من «النساء الطبيعيات يرفضن 
الحمل عندما يحملن»؛ ووجدت عيادة كلية لونغ آيلاند أن أقل من الربع «سعيدات» 
بحملهن؛ وتجد دراسة نيو هافن أن 17 فقط من بين 100 امرأة كن «سعيدات» حيال 
إنجاب طفل. تعليقات صوت السلطة التحريرية: 
«الخطر الحقيقي الذي ينشأ عندما يكون حمل ما غير مرغوب فيه ويمتلئ بالمشاعر 
المضطرية هو أن المرأة قد تصاب بالإحساس بالذنبء وينتابها الذعر لأنها تعتقد أن 
ردود أفعالها غير طبيعية أو شاذة. يمكن تدمير كل من العلاقات الزوجية وعلاقات الأم- 
الطفل نتيجة ذلك. ... وأحيانًا يكون اختصاصي في الصحة العقلية مطلوبًا لتهدئة مشاعر 
الذنب. ... ليس هناك أي وقت لا تراود المرأة العادية فيه مشاعر الاكتئاب والشك عندما 
تعلم أنها حامل». 
لا تذكر هذه المقالات الدراسات العديدة التى تشير إلى أن النساء فى البلدان الأخرى» 
سواء الأكثر أو الأقل تقدمًا من الولايات المتحدة؛ وحتى النساء الأمريكيات «المهنيات»: 
لديهن احتمال أقل للمعاناة من ذلك الرفض العاطفي للحمل. قد يكون الاكتئاب عند 
الحمل «طبيعيّا لربة المنزل-الأم في حقبة اللغز الأنثوي» ولكنه ليس طبيعيًا للأمومة. 
وكما قالت روث بينيديكت» فإنه ليس ضرورة بيولوجية. لكنها ثقافتنا التي تخلق 
الانزعاجات» الجسدية والنفسية» عن الدورة الأنثوية. انظر مؤلفها: Continuities and‏ 


.Discontinuities in Cultural Conditioning 


الفصل الحادي عشر: الباحثات عن الجنس 357 


والأبدية» كما يفترض شعبيّاء أم أنها تتعلق» على نحو ماء بذلك الخيار غير 
الضروري بين «الأنوثة» والنمو الإنساني والجنس والذات؟ عندما تكون 
المرأة «مخلوقًا جنسيًا»» فهل ترىء بلا وعي» في كل خطوة من خطوات 
دزز ا الج الأنكوية عاذ لا عن سيت وسحودها نقمه» أوالوعا من الوت 
أولئك النساء اللواتى يملأن العيادات هنّ تجسيدات للغز الأنثوي. نقص 
النشوة الجنسية» و«المشاكل الأنثوية» المتزايدة» والبحث النهم المشؤّش 
عن الجنس والاكتئاب عند اللحظة التي تصبح فيها أمّاء وتوق النساء الغريب 
إلى استئصال أعضائهن الجنسية الأنثوية عن طريق عمليات استئصال الرحم 
دون سبب طبي - كل هذه الأمور تبيّن كذبة اللغز الكبيرة. ومثل نبوءة الموت 
المتحققة ذاتيًاء فإن اللغز الأنثوي -من خلال صرخته ضد فقدان الأنوثة- 
يجعل من الصعب على النساء -وعلى نحو متزايد- أن يثبتن أنوثتهن» وعلى 
الرجال أن يكونوا ذكوريين فعلاء وعلى الرجال والنساء أن يستمتعا بالحب 
الجنسي الإنساني. 

رأيت فجأة لماذا كان وجود جو اللاواقعية» الذي خيّم على مقابلاتي 
مع الباخثات عن الجنس من ربات المنازل في الضواحي» اللاواقعية التي 
تخللت الروايات والمسرحيات والأفلام التي استحوذ عليها الجنس -مثلما 
تخللت الحديث الشعائري عن الجنس في حفلات الضواحي- خيالا صرفا 
على جزيرة شديدة البعد ظاهريًا عن الضواحي التي يكون البحث عن 
الجنس فيها كلي الوجود. في أثناء الأسبوع تعيش هذه الجزيرة مثل ضاحية 
فيها الكثير من المبالغة» لأنها بعيدة تمامًا عن المؤثرات الخارجية» عن عالم 
العمل والسياسةء وحتى الرجال لا يعودون إلى البيت ليا خلال الأسبوع. 
وكانت النساء اللواتي يقضين الصيف هناك ربات منازل شابات جذابات 
جدًا. لقد تزوجن باكرّاء ويعشن من خلال أزواجهن: وأبنائهن؛ ولم يكن 
لديهن أي اهتمام بالعالم خارج البيت. وهنا على هذه الجزيرة» على عكس 
الضاحية» لم تكن هناك أية طريقة أمام تلك النساء لتشكيل لجان أو مط 


٠ 358‏ اللفز الأنثوي 


العمل المنزلي حتى يملا الوقت المتاح. لكنهن وجدن لهوًا جديدًا يضربن 
به عصفورين بحجر واحدء لهوًا أعطاهن حسًا زائفا بالمكانة الجنسية. 
لكنه أراحهن من الضرورة المخيفة لإثباته. كانت هناك على تلك الجزيرة 
مستوطنة من «الفتيان» خارجة للتو من عالم تنيسي وليامز (160065566 
.)s‏ وكانت تلك النساء خلال الأسبوع» عندما يكون رجالهن 
في المدينة من أجل العمل يقمن بحفلات قصف «وحشية» تستمر طوال 
الليل مع أولئك الفتيان عديمي الجنس. وبنوع من الحيرة المرحة» تساءل 
زوج استقل اج الجزيرة» على نحو غير متوقع» في ليلة من ليالي 
الأسبوع العادية ليسلي زوجته الوحيدة الضجرة: «لماذا يقمن بذلك؟ ربما 
للأمر علاقة بأن هذا المكان أصبح أموميًا». 

وربما أيضًا له علاقة بالملل؛ إذ لم يكن لديهن أي شيء آخر يفعلنه 
هناك. لكنه كان يبدو كالجنس؛ وهذا ما جعله مثيرًا جدّاء على الرغم من أنه 
لم يكن هناك بالطبع أي احتكاك جنسي. ربما حققت ربات المنازل أولئك 
وأصدقائهن أنفسهم بعضهم بالبعض الآخر. لأنهم كانواء مثل البغي التي 
تستدعى بالهاتف فى رواية ترومان كابوتى (09016 1510382) فطور عند 
تيفاني «Breakfast at Tiffany's‏ التي تقضي الليل بلا جنس مع مثلي جنسي 
سلبي» مثل الأطفال تمامًا في معتزلهم عن الحياة. وكانا يبحثان بعضهما في 
البعض الآخر عن إعادة التأكيد غير الجنسي نفسه. 

ولكن» في الضواحي حيث في معظم ساعات النهار لا يوجد عمليًا أي 
رجال -لإضفاء حتى مظهر جنسي- يجب أن تبحث النساء» اللواتي ليست 
لهن أية هوية غير أن يكنّ مخلوقات جنسية» في النهاية عن إعادة تأكيدهن 
عن طريق امتلاك «الأشياء». ويرى المرء فجأة لماذا يلبي المتلاعبون الجوع 
الجنسي في محاولتهم لبيع منتجات ليست جنسية ولو من بعيد. طالما أمكن 
توجيه حاجات المرأة إلى الإنجاز والهوية نحو البحث عن مكانة جنسية» 
فإنها تكون ضحية سهلة لأي منتج يعدها على نحو مفترض بتلك المكانة؛ 





الفصل الحادي عشر: الباحثات عن الجتس 359 





مكانة لا يمكن تحقيقها بجهد أو إنجاز خاصين بها. وبما أن ذلك البحث 
الذي لا ينتهي عن المكانة» كغرض جنسي مرغوب. قَلّما يُشْبَع في الواقع 
لمعظم ربات المنازل الأمريكيات (اللواتي يستطعن في أفضل الأحوال 
أن يبدين مثل إليزابيت تايلور)» فإنه يترجم بسهولة شديدة إلى بحث عن 
المكانة عن طريق امتلاك الأشياء. 

وبالتالي» فالنساء هجوميات في البحث عن المكانة في الضواحي. 
وبحثهن يتمتع بنفس زيف بحثهن عن عن الجنس ولاواقعيته. فالمكانة -في 
نهاية المطاف- هي ما يبحث عنه الرجال ويحصلون عليه عن طريق عملهم 

في المجتمع. لا يمكن لعمل امرأة -عملها المنزلي- أن يمنحها مكانة؛ 
فمكانته هي أدنى مكانة تقريبًا من أي عمل في المجتمع. ويجب أن تحقق 
المرأة مكانتها على نحو غير مباشر عن طريق عمل زوجها. فالزوج ذاته 
وحتى الأولاد يصبحون رمورًا للمكانة» لأنه عندما تحدّد امرأة نفسها ربة 

منزل» يصبح البيت والأشياء الموجودة فيه بمعنى من المعاني هويتها؛ إنها 

تحتاج إلى هذه الزخارف الخارجية لتدعم فراغها الذاتى. لا لأن الأشياء 
التي تحتاجها من أجل المكانة تأت في النهاية من عمل زوجهاء ولكن لأنها 
يجب أن تهيمن عليه وتملكه» نتيجة فقدان هوية خاصة بها. إذا لم يكن 
زوجها قادرًا على تأمين الأشياء التي تحتاجها من أجل مكانتهاء فإنه يصبح 
موضوع احتقارء تمامًا مثلما تحتقره إذا لم يستطع إشباع حاجاتها الجنسية. 
إن عدم رضاها عن ذاتها نفسه تشعر به عدم رضا عن زوجها وعلاقتهما 
الجنسية. وقد عبر طبيب نفسي عن الأمر بالقول: «إنها تطلب الكثير من 
الإشباع من علاقاتها الزوجية. ويمتعض زوجها من الأمر ويصبح غير قادر 
على القيام بوظيفته الجنسية معها على الإطلاق». 

أيمكن أن يكون هذا هو سبب الموجة العارمة من الامتعاض بين 
الأزواج الشباب الجدد تجاه الفتيات اللواتي طموحهن الوحيد هو أن يكن 
زوجاتهم؟ قد تبهت العدوانية القديمة ضد «المامات» المستبدات والفتيات 


360 النغزالأنثوي 





المهنيات الهجوميات على المدى الطويل أمام العدوانية الذكرية الجديدة 
جديدًا من الهيمنة والعدوان. فأن يصبح الرجل هو الأداة أو الوسيلة الجنسية 
أو «الرجل الحاضر فى البيت»» ليس بالتأكيد حلمه الذي يتحقّق. 
فى آذار/ مارس 1962ء أشار مراسل صحفى فى مجلة ريدبوك إلى 
ظاهرة جديدة على مشهد الضواحيء «يشعر الآباء الشباب أنهم عالقون في 
الفخ»: 
يشعر أزواج كثيرون أن زوجاتهم؛ من خلال اقتباسهن المحكم للسلطات في 
مجأل إدارة البيت وتربية الأطفال والحب الزوجي. قد أقمن نظامًا مبرمجًا 
بإحكام وموضوعًا وفق تصورات ضيقة للحياة العائلية: لا يترك مجالا لسلطة 
الزوج اووجهة نظره. (قال احد الازواج: «مند ان تزوجت» اشعر أنني فقدت 
كل شجاعتي. لم أعد أشعر أنني رجل. مازلت شابًا. ولكني لا أستمتع كثيرًا 
بالحياة. لا أريد نصيحة:؛ لكني أشعر أحيانا وكأن شيئًا ما يتفجّر في داخلي»). 
اعتبر الأزواج زوجاتهم المصدر الرئيسي لإحباطهم. يأخذن محل الأولاد 
وأصحاب العمل والموارد المالية والأقرباء والمجتمع والأصدقاء. ... الأب 
الشاب لم يعد حرًا في أن يرتكب أخطاءه. أو يقوم بدوره في أزمة عائلية. 
فزوجته وقد قرأت الفصل السابع تعرف ما الذي يجب القيام به بالضبط. 


وتتابع المقالة لتقتبس من عامل اجتماعي: 
قد يشكل إلحاح المرأة العصرية على تحقيق الاكتفاء الجنسي لنفسها مشكلة 
كبيرة لزوجها. يمكن ملاطفة الزوج وإطراؤه وتملقه على أدائه وكأنه محبٌ 
خبير. لکن إذا ازدرته زوجته» وانتقدتهء وكانه اثبت أنه عاجز عن حمل جذع 
شجرة إلى علية المنزل؛ فهذه إشارة إلى أن هناك مشكلة. ... إنه لأمر ينذر 
بالخطر أن نلاحظ أن عددًا لا بأس به من الأزواج بعد خمس سنوات من 
الزواج قد مارسوا الخيانة الزوجية؛ وأنّْ نسبة أكبر بكثير لديها إغراء جديّ 
لممارستها. وغالبًا ما تكون تلك الخيانة وسيلة لتوكيد الذات أكثر مما هي 
بحث عن المتعة. ۰ 
أجريتٌ منذ أربع سنوات مقابلات مع عدد من الزوجات في طريق 

ذي مظهر ريفي مصطنع في ضاحية رائجة. كان لديهن كل ما يردن: بيوت 


الفصل الحادي عشر: الباحثات عن الجتس 361 


جميلة وعدد من الأولاد وزوج لطيف. اليوم» وفى ذلك الطريق ذاته» هناك 
فيض متنام من بيوت الأحلام التي تعيش فيها -ولأسباب متعددة» وأحيانًا لا 
تحصى - الزوجات وحيدات مع الأولادء في حين انتقل الأزواج -وهم أطباء 
ومحامون ومديرو حسابات- إلى المدينة. استنادًا إلى علماء الاجتماع» فإن 
كانت الزوجة هي من يحصل عليه”". هناك بالطبع أسباب عديدة للطلاق» 
لكن يبدو أن السبب الرئيسى بينها هو المقت والعدائية المتزايدان لدى 
الرجال تجاه أحجار الطواحين الأنثوية المعلقة حول أعناقهم» عدائية غير 
موجهة دائمًا إلى زوجاتهم» بل وإلى أمهاتهم والنساء اللواتي يعملن معهم؛ 
فى الحقيقة إلى النساء عمومًا. 

طبقًا لكينزي» فإن غالبية المنافذ الجنسية للرجال الأمريكيين من الطبقة 
الوسطى ليست علاقاتهم مع زوجاتهم بعد السنة الخامسة عشرة من الزواج؛ 
وفي سن الخامسة والخمسين ينخرط رجل من كل رجلين أمريكيين في 
علاقة جنسية خارج الزواج. هذا البحث الذكري عن الجنس -العلاقة 
الغرامية فى المكتب» والعلاقة العرضية أو الأكثر ثباتًاء وحتى الجنس من 
أجل الجنس المجورّد عن الشخص» كما سخر منه مؤخرًا فيلم الشقة (166 
4 2 تحرّاضه ببساطة الحاجة إلى الهرب من الزوجة المفترسة. 
وأحيانا يبحث الرجل عن العلاقات الإنسانية التي تضيع عندما يصبح مجرّد 
ملحق ل«عمل» زوجته المنزلي الهجومي. وأحيانًا يجعله مقته لزوجته في 
النهاية يبحث فى الجنس عن غرض بعيد تمامًا عن أية علاقة إنسانية. وأحيانًا 
يبحث في الخيال أكثر مما في الواقع عن طفلة ماء عن لوليتا”" (هناه.1) ماء 


(1) See William J. Goode. After Divorce. Glencoe, ,الا‎ 1956. 
(2) A. C. Kinsey, et al., Sexual Behavior in the Human Male, Philadelphia and 
London, 1948, p. 259. pp. 585-588. 


(3) بطلة رواية فلاديمير ناب وكوف الشهيرة» والتي تحمل اسمها. ولوليتاء في الروايةء فتاة في 
الثانية عشرة يقع في حبها زوج أمها الخمسيني - المترجم. 


362 اللغزالانثوي 


كغرض جنسي» حتى يهرب من تلك المرأة البالغة» التي تكرّس كل طاقاتها 
الهجومية» بالإضافة إلى طاقاتها الجنسيةء للعيش من خلاله. لا شك في 
أن الغضب الذكري من النساء -وضد الجنس بالضرورة- قد تزايد على 
نحو هائل في فترة اللغز الأنثوي”. وكما كتب رجلٌ في رسالة إلى صحيفة 
فيليج وين (1/010 1/111386)» وهي صحيفة قرية جرينيتش في نيويورك» 
في شباط/ فبراير» 1962: «لم تعد المشكلة ما إذا كان البيض أفضل من أن 
يتزوجوا السود أو العكسء بل ما إذا كانت النساء جيدات بما يكفي لأن 
يتزوجن الرجال» لأن النساء على طريق الخروج). 

الرمز العام لهذه العدائية الذكرية هو هروب كتاب المسرح والروائيين 
الأمريكيين من مشاكل العالم إلى نوع من الهوس بصور الأنثى المفترسة» 
البطل الذكر المستشهد السلبى (فى ملابس المثلية أو الغيرية الجنسية)» 
البطلة الطفولية المتختتطة جنسياء والتفاصيل الجسدية للتطور الجنسي 
المكبوح. إِنّه عالم خاصء ولكنه ليس خاصًا إلى حدّ لا تستطيع معه 
الملايين من الرجال والنساءء الفتيان والفتيات» أن يتماثلوا معه. ومسرحية 
تنيسى وليامز فجأة فى الصيف الماضى 1321265نا5 1,354 '(100651ا5 هى مثال 
فاضح على هذا العالم. ١ ٠‏ 

لقد أضاع البطل المثلي جنسيًا الهَرم من عائلة جنوبية قديمة والمسكون 
بالطيور العملاقة التي تلتهم السلاحف البحرية الصغيرة حياته في السعي 
وراء شبابه الذهبي الضائع. وقد «التهم» هو نفسه من قبل أمه الأنثوية 
المغوية» تمامًا مثلما في النهاية الهم حرفيًا على يد عصابة من الفتيان صغار 
السن. وإنه لذي مغزى ألا يظهر بطل هذه المسرحية أبدّا؛ هو بلا وجه وبلا 
جسم. والشخصية الوحيدة «الحقيقية». على نحو لا يمكن إنكاره هي الأم 
(1) الاحتقار المذكر للمرأة الأمريكيةء كما قولبت نفسها وفق اللغز الأنثويء تبيّن على نحو 

محزن في عدد تموز/ يوليو 1962 من مجلة إسكواير (ع:اناود5) «المرأة الأمريكية» 


وجهة نظر جديدة». انظر على نحو خاص: 
2 .م “The Word to Women-’No’” by Robert Alan Aurthur,‏ 





الفصل الحادي عشر: الباحثات عن الجئنس 363 
آكلة الرجال. وهي تظهر مرارًا وتكرارًا في مسرحيات وليامز وفي مسرحيات 
وروايات معاصريه بالإضافة إلى الأبناء مثليى الجنس و البنات الشهو انيات 
والدونجوانات الذكور الحقودين. كل هذه الس بات هى صرخة متألمة 
من الحب-الكره المهووس ضد النساء. وإنه لأمر ذي ا أن يكون كتّاب 
جنوبيون قد كتبوا عددًا كبيرًا من هذه المسرحيات » حيث تبقى «الأنوثة» 
التي يرفعها اللغز إلى مستوى القداسة سليمة إلى أقصى حد. 

هذا الغضب الذكري هو بالتأكيد نتيجة حقد لا يهدأ نحو النساء الطفيليات 
اللواتي يمنعن أزواجهن وأبناءهن من النضجء ويبقينهم مغمورين في ذلك 
المستوى الممرض من الخيال الجنسي. لأن الحقيقة هي أن الرجال أيضًا 
يُسحبون الآن من عالم الواقع الكبير إلى عالم الخيال انجنسي المعوّق عن 
النموء الذي كانت بناتهم وزوجاتهم وأمهاتهم مجبرات على البحث عن 
«التحقق» فيه. وبالنسبة للرجال أيضاء يتبنى الجنس نفسه شخصية الخيال 
اللاواقعية؛ أي يصبح مجردًا عن الشخص وغير مُشبع وأخيرًا غير إنساني. 

هل هناك في النهاية صلةٌ بين ما يحدث للنساء في أمريكا والمثلية 
الجنسية الذكرية العلنية المتزايدة؟ وفق اللغز الأنثوي» ينتج «استرجال» 
النساء الأمريكيات, الناتج عن التحرير والتعليم والحقوق المتساوية والمهن» 
سلالة من الرجال «الأنثويين» على نحو متزايد. ولكن هل هذا هو التفسير 
الحقيقي؟ في الحقيقة» لم تظهر أرقام كينزي زيادة في المثلية الجنسية لدى 
الأجيال التي شهدت تحرير النساء. كشف تقرير كينزي في عام 1948 أن 
7 من الرجال الأمريكيين قد مرّوا بتجربة مثلية جنسية واحدة على الأقل» 
وأنْ 137 كانوا مثليين جنسيًا أساسًا (مدة ثلاث سنوات على الأقل بين عمر 
6 و55)» و/3 كانوا مثليين جنسيًا حصرّاء أي نحو مليونى رجل. ولكن 
«لم يكن هناك دليل على أن مجموعة المثليين جنسيًا ضمّت رجالا الآن أكثر 
أو أقل مما كان عليه الوضع قي الأجيال الأكبر سنا0("©. 


(1) Kinsey, et al., Sexual Behavior in the Human Male. p. 631. 


364 اللفز الأنثوي 
وسواء كانت هناك زيادة في المثلية الجنسية في أمريكاء أم لاء فقد كانت 
هناك بالتأكيد زيادة في السنوات الأخيرة في تجلياتها””. ولا أعتقد أن ذلك 
لا علاقة له بالاعتناق الوطنى للغز الأنثوي. لأن اللغز الأنثوي قد مجد 
باسم الأنوثة عدم نضج طفلي سلبي يجري تمريره من الأمهات إلى الأبناء 
بالإضافة إلى البنات» وأبّده. ليس المثليون الجنسيون الذكور -والدون 
واعية- أقل من الباحثات عن الجنس؛ إنهم مثل بيتر بان. أطفال إلى الأبدء 
خائفون من العمرء يتمسكون بالشباب في بحثهم الدائم عن إعادة تأكيد 
أشار فرويد والمحللون النة لنفسيون بدقة إلى دور الأمّ في | لمثلية الجنسية. 
لكنّ الأمّ التي يصبح ابنها مثليًا ليست عادة المرأة «المتحرّرة» التي تنافس 
الرجال في العالم» بل نموذج اللغز الأنثوي ذاته. أي المرأة التي تعيش من 
خلال ابنهاء التي تُستخدم أنوثتها في إغواء افتراضي لابنهاء والتي تربط ابنها 
بها بنوع من التبعية لا يستطيع معه أن ينضج ليحب امرأة» كما لا يستطيع 
غالبًا أن يتعامل كشخص بالغ مع الحياة من ذاته. وحبّه للرجال يقنع حه 
المفرط المحرّم لأمه؛ وكرهه لكل النساء» ونفوره منهن» هما ردة فعل على 
المرأة الوحيدة التي منعته من أن يصح رجلا. وشروط حب الأم-الابن 
المفرط هذا معقدة. كتب فرويد: 
تحمّقنا -في جميع الحالات التي درسناها- من أن الانقلابات التي تحدث 
لاحقًا تمر في طفولتهم عبر مرحلة من التثبّت الكثيف جدًا؛ والذي لا يستمر 
إلا فترة قصيرة؛ على المرأة (عادةٌ الأمّ): وبعد تجاوزها يماثلون أنفسهم 
بالمرأة ويعتبرون أنفسهم موضوعًا جنسيًا؛ وهكذاء يقومون على أساس 
See: Donald Webster Cory, The Homosexual in America; New York, 1960,‏ )1( 
preface to second edition, pp. xxii ff. Also: Albert Ellis, op. cit., pp. 186-190.‏ 
Also: Seward Hiltner, “Stability and Change in American Sexual Patterns,”‏ 


in Sexual Behavior in American Society, Jerome Himelhoch and Sylvia Fleis 
Fava, eds., New York, 1955, p. 321. 





القصل الحادي عشر: الياحثات عن الجئنس 365 


نرجسي بالبحث عن شباب يشبهونهم. في أشخاص يرغبون في أن يحبوهم 

كما أحبتهم مهات 

ويستطيع المرء أن يقول مستنتجًا من أفكار فرويد, إن ذلك الإفراط في 
الحب-الكره متضمّن تقريبًا في علاقة الأمّ والابن؛ حيث يجبرها دورها 
الحصري بوصفها زوجة وأمّاء ونفيها إلى البيت» على العيش من خلال 
ابنها. كانت المثلية الجنسية الذكرية» ومازالت» أكثر شيوعًا بكثير من المثلية 
الجنسية الأنثوية. فالأب لا يُغرى أو يُجبر من قبل المجتمع بنفس الدرجة 
على أن يعيش من خلال ابتته أو يغويها. ليس الرجال الذين يصبحون 
مثليين مكشوفين كثرًاء ولكنّ عددًا كبيرًا منهم قد كبت ما يكفي من هذا 
الحب-الكره ليشعرء لا باشمئزاز شديد من المثلية وحسب» بل وبتحوّل 
عام وتصعيدي نحو النساء. 


اليوم» حيث آي التزام جدّي خارج البيت» وليس المهنة فقط» هو 
خارج المجال المسموح به لربات المنازل-الأمهات «الأنثويات». 
فإ نوع تكريس الأمّ-الابن الذي يمكن أن ينتج مثلية جنسية كامنة» أو 
صريحة؛ لديه مجال واسع ليتمدد حتى يملأ الوقت المتاح. ب يمنع ألفتى 
الذي خنق بهذا الحب الأمومي الطفيلي من النموء لا E‏ 3 بل 
بجميع الطرق. المثليون جنسيًا غالبًا ما ينقصهم النضج لإنهاء المدرسة 
والقيام بالتزامات مهنية مستمرة. (وجد كينزي المثلية أكثر شيوعًا بين 
الرجال الذين لا يتجاوزون المرحلة الثانويةء وأقل شيوعًا , ا 
الجامعيين): 
ا ا السطحية وعدم النضج وغياب الاكتفاء 
المستمر -التي تميّز حياة المثلي الجنسية- عادةً كل جياته واهتماماته 
Sigmund Freud, Three Contributions to the Theory of Sex, New York, 1948,‏ )0 
p. 10.‏ 


(2) Kinsey, et al., Sexual Behavior in the Human Male, pp. 610 ff. See also: 
Donald Webster Cory, op. cit., pp. 97 ff. 


366 اللفز الأنثوي 


النقص في الالتزام الشخصي بالعمل وبالتعليم وبالحياة خارج الجنس هو 
«أنثوية» ملازمة. ومثل بنات اللغز الأنثوي. يقضي الأبناء معظم حياتهم في 
الجنس من ربات المنازل الشايات. 

لكنّ المثلية الجنسية المنتشرة فوق المشهد الأمريكي مثل ضباب معتم 
الشابات الهجوميات فى زواجات مبكرة أصبحت القاعدة لا الاستثناء. وهى 
ليست أقل إخافة من سلبية الرجال الشباب الذين يذعنون للزواج المبكرء 
بدلا من مواجهة العالم وحدهم. يبدأ ضحايا اللغز الأنثوي أولئك بحثهم 
عن العزاء في الجنس في عمر أصغر فأصغر. أجريت في السنوات الأخيرة 
مقابلات مع عدد من الفتيات المتخبّطات جنسيًا من عائلات مرتاحة فى 
الضواحي. بما في ذلك عدد -وهذا العدد متزايل(2)- من الفتيات اللواتي 
يتزوجن في مرحلة مبكرة من المراهقة لأنهن حوامل. من خلال الحديث 
بسرعة أن الجنس بالنسبة لهن ليس جنسًا على الإطلاق. لم يبدأن حتى 
-الجنس المزيف- ليمحون نقص الهوية؛ وقلما يهتممن بالفتى الذي يقمن 
معه العلاقة؛ فالفتاةء عندما لا يكون لديها هى أي حسنٌ بذاتهاء لا «ترى» 
شريكها بالمعنى الحرفي للكلمة تقزيبًا. ولن يكون لديها حسّ بذاتها إذا 
كانت تستخدم تبريرات اللغز الأنثوي السهلة لتتهرّب في البحث عن الجنس 
من الجهود التي تؤدي إلى الهوية. 

لقد كان الجنس المبكر والزواج المبكر دائمًا من خصائص الحضارات 
(1) ازدادت الولادات خارج الزواج بنسبة 194 في المئة بين عامي 1956 و1962» 


وازدادت الأمراض التناسلية بين الشباب والشابات بنسبة 132 في المئة. (مجلة التايم» 
6 آذار/ مارسء» 1962). 





الفصل الحادي عشر: الباحثات عن الجتس 367 
الأقل تطوراء وفي أمريكا من خصائص المناطق الريفية والأحياء الفقيرة 
في المدن. لكنّ إخدى نتائج كينزي الملفتة للانتباه هي أن تأجيل النشاط 
الجنسي لم يكن مميّرًا للأصل الاجتماعي-الاقتصادي بقدر ما كان مميرًا 
كذلك للهدف النهائي مقاسًا بالتعليم على سبيل المثال. كان فتى منحدر من 
حي فقير يتابع دراسته في الجامعة ليصبح عالمًا أو قاضيًا يبدي نفس التأخير 
في نشاطه الجنسي في المراهقة الذي يبديه الآخرون الذين صاروا فيما 
اغا رة ري اعون لحرو دن الي اق ذاه افا 
الفتيان الذي حافظوا على مسارهم» الذين لم ينهوا دراستهم الجامعية» ولم 
يصبحوا علماء أو قضاةء فأظهروا مزيدًا من ذلك النشاط الجنسى المبكر 
افك حو ذا كروما يشير اله هذا ر الم بين 
الجنس والفكرء فقد بدا أن تأجيلا معيئًا في النشاط الجنسي يرافق النمو في 
النشاط العقلي اللازم للتعليم العالي والناتج عنه وتحقيق المهن ذات القيم 

وحسب تقرير كينزيء بدا أنه توجد» حتى بين الفتيات» علاقة بين 
المستوى النهائي للنمو العقلي أو الفكري مقاسًا بالتعليم والاكتفاء الجنسي. 
فالفتيات اللواتي تزوجن في سن المراهقة -واللواتي في حالات كينزي 
توقفن عادةً عن التعليم في المرحلة الثانوية- بدأن القيام بعلاقات جنسية 
قبل الفتيات اللواتي تابعن تعليمهن في الجامعة أو في التعليم المهني. لكنّ 
هذا النشاط الجنسي المبكر لم يكن يؤدي عادة إلى النشوة الجنسية؛ وكانت 
أولئك الفتيات مازلن يعانين من مستوى من التحقق الجنسي» من حيث 
لنشوة بعد خمس سنوات أو عشر أو خمس عشرة سنة من الزواج» أقل من 
ولئك اللواتي تابعن تعليمهن”. وكما هو الحال مع الفتيات المتخبطات 
جنسيًا في الضواحيء بدا أن الاستحواذ الجنسي المبكر يشير إلى جوهر 
ذاتي ضعيف أخفق حتى الزواج في تقويته. 


1 
ا 


(1) Kinsey, et al., Sexual Behavior in the Human Male, pp. 348 ff.,427-433. 
(2) Kinsey, et al., Sexual Behavior in the Human Female, pp. 293, 378, 382. 


368 اللغز الأنتوي 
هل هذا هو السبب الحقيقي لذلك النوع من البحث عن الجنس 
الاندفاعي الذي نراه اليوم في التخْبّط الجنسيء المبكر منه والمتأخر» أو 
الغيرية الجنسية أو المثلية الجنسية؟ أهي صدفة أن تصبح الظواهر العديدة 
للجنس اللاشخصى -جنس دون ذات» جنس نتيجة فقدان الذات- متفشية 
ف القن الى قال فيه لا اكات أن يعقن بعلن الج 
أهي صدفة أن يتمتع أبنائهن وبناتهن بذوات ضعيفة جدًا بحيث يلجؤون في 
عمر يزداد انخفاضًا إلى البحث عن جنس لا إنساني ولا وجه له؟ أوضح 
الأطباء النفسيون أن المشكلة N‏ في التختط الجنسي هي عادة 
«انخفاض التقدير الذاتي» والذي يبدو أنه ينبثق غالبًا من ارتباط مبالغ به 
بين الأمّ والابن؛ ونوع البحث عن الجنس هو غير ذي صلة نسبيًا. كما تقول 
كلارا ثومبسون (500م12051 01358) في حديثها عن المثلية الجنسية: 


قد تعبّر المثلية الجنسية الصريحة عن الخوف من الجنس المقابل؛ الخوف من 
المسؤولية لدى البالغين ... قد تمتّل رحلةً من الواقع إلى الاستغراق في الإثارة 
الجسدية شبيهة جدًا بالنشاطات الجنسية الذاتية للشخص الشيزوفريني. أو 
قد تكون عرضًا من أعراض تدميرية الذات أو الآخرين. ... لدى الأشخاص 
الذين يعانون من ضعف التقدير الذاتي ميل إلى التمسّك بجنسهم لأنّه أقل 
إخافة. ... لكنّ الاعتبارات الواردة أعلاه لا تنتج المثلية الجنسية داثمًاء نتيجة 
الخوف من رفض الثقافة والحاجة إلى التوافق اللذين يدفعان غاليًا هؤلاء 
الأشخاص نفسهم إلى الزواج. أن يكون الشخص متزوجًا لا يعني بأي حال من 
الأحوال أنه شخص ناضج. ... يُكتشف أحيانًا أن ارتباط الأمٌّ-الابن هو الجزء 
المهم من اللوحة. ... ربما يكون التخبّط الجنسي أكثر شيوعًا بين المثليين 
الجنسيين منه بين الغيربين: لكنْ مغزاه في بنية الشخصية متشابه جدًا في 
الحالتين. إن الاهتمام الرئيسي في الحالتين هو بأعضاء التناسل وتحفيز 
الجسد. أما الشخص المختار للمشاركة في العملية فليس مهمًا. فالعملية 
الجنسية اندفاعية وهي محل الاهتمام الوحيد!!). 


(1) Clara Thompson, “Changing Concepts of Homosexuality in Psychoanalysis” 
in 4 Study of Interpersonal Relations, New Contributions ما‎ Psvchiatrv, 
Patrick Mullahy, ed., New York, 1949, pp. 218 f. 





الفصل الحادي عشر: الباحثات عن النجنس 369 


يخفي النشاط الجنسي الاندفاعي عادةٌ» سواء كان مثليًا أم غيريّاء فقدانًا 
للقوة في مجالات الحياة الأخرى. وعلى عكس اللغز الأنثويء ليس الإشباع 
الجنسي بالضرورة دليلًا على التحقق لدى المرأة أو الرجل. واستنادًا إلى ما 
يقوله إريك فروم: 

يرى المحللون النفسيون غالبًا مرضىء قدرتهم على الحب, وبالتالي على أن 

يكونوا قريبين من الآخرين: مدمّرة. ومع ذلك فهم يؤدُون وظيفتهم جنسيًا 

على نحو جيد جدًاء وفي الواقع يجعلون الإشباع الجنسي بديلا عن الحب لأنّ 

قدرتهم الجنسية هي القوة الوحيدة التي يثقون بها. فهم يوازنون عجزهم عن 

أن يكونوا منتجين في جميع مجالات الحياة الأخرى والتعاسة الناتجة عن ذلك 

بنشاطاتهم الجنسية. ويُمَنَعونهما بها(!). 

هناك صوت خفيض مشابه للبحث عن الجنس في الجامعات» على 
الرغم من أن القدرة الكامنة على أن يكون المرء «منتجًا في جميع مجالات 
الحياة الأخرى» عالية. أشار طبيب نفسي استشاري لطلاب جامعة هارفارد- 
رادكليف مؤخرًا إلى أن فتيات الجامعات غالبا ما يبحثن عن «الأمان» فى 
هذه العلاقات الجنسية الكثيفة نتيجة شعورهن بعدم الكفاية» عندما کر 
عليهن» ولأول مرة في حياتهن» أن يعملن بجدّء ويواجهن منافسة حقيقية» 
ويفكرن بإيجابية بدلا من التفكير بسلبية؛ وهي «ليست تجربة غريبة فقط» بل 
تقريبًا قريبة من الألم الجسدي». 

الحقائق المهمة هي نقص التقدير الذاتي والنقص في المتعة والطاقة والقدرة 

على العمل بطريقة خلافة. وييدو الاكتئاب وكانه نوع من إعلان الاستقلال» من 

العجز. وصرخة مكتومة للمساعدة أيضًا. وهو يحصل في وقت ما وبدرجات 

مختلفة عمليًا لدى كل فتاة في أثناء مسيرتها في الجامعة!2). 

قد يمثل كل هذا ببساطة «الاستجابة الأولى لمراهق ساذج حساس لبيئة 
RE Vee o E‏ لماو Erich Fromm, “Sex and Character: the‏ )1( 
e of Psychoanalysis,” in Sexual Behavior in American Society, P-‏ 


(2) Carl Binger, “The Pressures On College Girls Today,” Atlantic Monthly, 
February, 1961. 


30 اللفز الأنثوي 


جديدة ومعقدة ومتطورة على نحو مخيف»» كما قال الطبيب النفسي. لكن. 
كان الآمر عمو بعرا تف نحن الواضيع انعييوب الا تتوقع متها أن تراه 
التحدي» وأن تت تتقن العمل المؤلم» وأن تواجه المنافسة» كما هو الحال مع 
الفتى. ويعتبر الطبيب النفسي أنْ من «الطبيعي» أن تبحث الفتاة عن «أمانها» 
في «الحب»» على الرغم من أن الفتى نفسه قد يكون «وعلى نحو مدهش 
غير ناضج دا واتكاليًاة؛ «قصبة ضعيفة» على الأقل من وجهة نظر 
حاجات الفتاة». يخفى اللغز الأنثوي الحقيقة القائلة أن هذا البحث المبكر 
عن الجنس» ضار يما يكفي لفتى -أو الفا الذي لا يبحث عن أكثر متا 
يقدمه الجنس» لا يستطيع أن يمنح أولئك النساء الشابات تلك «الصورة 
الأوذ ضح عن عن أنفسهن» والتقدير 52 الذي يحتجن إليه و«القوة لإتباع 
حياة خلاقة ومُرضية». لكنْ اللغز لا يخفي عن الفتى دائمًا الحقيقة القائلة 
إن اتكال الفتاة عليه ليس جنسيًا في الحقيقةء وإنه قد يخنق نموه. هذا هو 
سبب عدوانية الفتى؛ حتى عندما يستسلم بععجز للدعوة الجنسية. 
كتبت طالبة من جامعة رادكليف مؤخرًا وصفًا حساسًا للمرارة التي تدمو 
لدى فتى تجاه الفتاة التي لا تستطيع أن تدرس من دونه؛ مرارة لم يخفقف 
منها حتى الجنس الذي يتهربان به ليلا من الدراسة معا. 
هي كانت تشي زاوية الصفحة. وهو أراد أن يطلب منها التوقف؛ أثاره 
الفعل الميكانيكي الصفير على نحو لا يتناسب مع حجمهء وتساءل عما 
إذا كان متوترًا لأنهما لم يمارسا الجنس مدة أربعة أيام... وفكر: أراهن 
على أنها تحتاج إليه الآن. وهذا هو سبب ارتعاشها بهذه الطريقة, 
والدموع على وشك أن تطفر من عينيهاء وقد يكون سبب تخريب الامتحان 
عليّ. لكنه كان يعرف أن ذلك لم يكن عذرًا؛ وشعر باستيائه يتفاقم وهو 
يتساءل لماذا لم يراجع فعلًا. ... ما كانت الساعة لتدعه ينسى كم من 
الوقت كان يضيّع ... أخذ يغلق كتبه بقوة يصدر عنها صوت اصطفاق؛ 
وأخذ يكوّمها فوق بعضها. رفمت إليانور نظرهاء ورأى الرعب في عينيها... 
قال: «انظري. سأرافقك في طريق العودة الآن. هناك ما يجب علي القيام به 


الفصل الحادي عشر: الباحثات عن انجنس 3/1 


الليلة»... تذكر أنّ أمامه طريق طويل للعودة: ولكنه عندما انحنى بسرعة ليقبّلها 
ألقت ذراعيها حوله. واضطر إلى الارتداد بحدّة حتى ينصرف. في النهاية 
تركته يذهب. وهمست وقد غابت ابتسامتها: «هال» لا تذهب». تردّد. «أرجوك, 
لا تذهب. أرجوك...». ورفعت نفسها لتقبّله؛ وعندما فتحت فمها شعر أنّ هناك 
حيلة عليه؛ لأنه إذا وضع لسانه بين شفتيهاء فلن يكون قادرًا على الرحيل. 
قبّلهاء وبدأً. نصف واع:؛ ينسى أَنَّ عليه الذهاب... شدّها نحوه وهو يسمعها تثن 
بألم واستثارة. ثم ارت إلى الوراء. وقال بصوت متهدّج: «أليس هناك مكان 
نستطيع الذهاب إليه5»... كانت تنظر حولها بتلهف وأملء وتساءل مرّة أخرى, 
كم من رغبتها شفف» وكم منها جشع: الفتيات يستخدمن الجنس ليسيطرن 
عليك» كان يعرف ذلك؛ من السهل جدًا عليهن أن يتظاهرن بالإثارة". 


أولئك» بالطبع» هم أوائل الأبناء الذين كبروا في ظل اللغز الأنثوي» 
أولئك الشباب الذين يستخدمون الجنس كعزاء سهل على نحو مشكوك فيه 
عندما يواجهون أوّل الحواجز الصعبة في السباق. لِمّ يصعب على أولئك 
الشباب أن يتحمّلوا المشقّة» أن يقوموا بجهد ماء من أجل تأجيل المتعة 
الحالية مقابل أهداف مستقبلية طويلة الأجل؟ الجنس والزواج المبكر هما 
أسهل مخرج؛ ادعاء البلوغ في عمر التاسعة عشرة يُجَنْبِ مسؤولية النضج 
على انفراد. وحتى إذا كان أب يحاول أن يجعل ابنه يصبح «مذكرًا»» أن 
يصبح مستقلًا وفعالا وقويّاء فقد كان الأب والأمّ» كليهماء يشجّعان ابنتهما 
بتلك التبعية الجشعة الضعيفة السلبية المعروفة ب«الأنثوية» متوقعين منها 
بالطبع أن تجد «الأمان» في فتى» وغير متوقعين منها قط أن تعيش حياتها 
الخاصة. 

وهكذا تضيق الحلقة .يلقي اجس بلا تفج لمرن إلى وريه اعدا 
على يد اللغز الأنثوي ظلا يزداد قتامة على صورة الرجل عن المرأة وصورة 
المرأة عن نفسها. يصبح أصعب على الفتى والبنت» كليهماء أن يهربا ليجدا 
نفسيهما في العالم ليحبّا أحدهما الآخر في علاقة جنسية إنسانية. تنم 


(1) Sallie Bingham, “Winter Term,” Mademoiselle, July, 1958. 


372 اللغز الأنثوي 


ملايين المتزوجات قبل سن التاسعة عشرة -في محاكاة مضحكة للبحث 
عن الجنس في عمر أصغر فأصغر- عن زيادة في عدم النضج والتبعية 
العاطفية والسلبية من جانب الضحايا الجديدات للغز الأنثوي. قد يتبدّد 
ظل الجنس بلا نفس للحظة في بيت أحلام مشمس في الضواحي. ولكن» 
ما الذي ستفعله تلك الأمهات الطفوليات والآباء غير الناضجين لأطفالهم 
في ذلك الفردوس الخيالي» حيث يخفي السعي وراء المتعة والأشياء ذات 
الصلات الرخوة بالواقع المعاصر المعقّد؟ أي نوع من الأبناء والبنات 
ستربّي تلك الفتيات اللواتي أصبحن أمهات قبل أن يواجهن ذلك الواقع» 
أو يقطعن صلاتهن به بأن يصبحن أمهات؟ 

هناك معان مخيفة لمستقبل أمتنا في التنعيم الطفيلي الذي يُمَرّر إلى 
الجيل الجديد من الأبناء نتيجة اعتناقنا العنيد للّغز الأنثوي. ليست مأساة 
الأبناء الذين يمثلون أدوار الخيالات الجنسية لأمهاتهم-ربات المنازل 
سوى إشارة واحدة من إشارات التجريد المتزايد من الإنسانية الجاري على 
أرض الواقع. وب«تمثيل» الأطفال هذا تمكن رؤية اللغز الأنثوي أخيرًا في 
كل مراهقته المريضة والخطيرة. 


الفصل الثاني عشر: التجريد المتزايد من الإنسانية: معسكر الاعتقال المريح 33 


الفصل الثاني عشر 


التجريد المتزايد من الإنسانية: 
معسكر الاعتقال المريح 


تؤكد لنا الأصوات التي ترثي الآن لانسحاب النساء الأمريكيات إلى 
البيت مرة أخرى أن البندول قد بدأ يتأرجح في الاتجاه الآخر. ولكن هل 
بدأ فعلا؟ هناك أصلا إشارات إلى أن بنات النساء المؤهلات والنشيطات 
اللواتي عدن إلى البيت ليعشن في صورة ربة المنزل يجدن من الصعب 
عليهن أكثر مما هو على أمهاتهن أن يمضين قدمًا في العالم. ويبدو أن 
تغيّرًا دقيقًا ومدمًّا قد جرى على شخصية الأطفال الأمريكيين. لقد شاهد 
أطباة ريز يوق ومحللون تفسون وغلماء ا اعون كرون دلبلا على 
شيء شبيه بمشكلة ربة المنزل التي لا اسم لها وعلى نحو مَرَضيّ أكثر في 
أبنائها وبناتها. وقد لاحظوا بقلق متزايد ظاهرةً جديدةً ومخيفة لدى الأطفال 
الأمريكيين هي ما يبدو عليهم من سلبية ورخاوة وضجر. ليست التنافسية 
التي أحدثها فريق صغار كرة البايسبول أو السباق إلى الجامعة هي ما تمثل 
الإشارة الخطرة » بل نوع من التطفيل يجعل أطفال الأمهات-ربات المنازل 
عاجزين عن المحاولة وعن تحمّل الألم والإخباط وعن الانضباط اللازم 
للمنافسة على أرض ملعب البايسبول أو عن الدخول إلى الجامعة. هناك 
أيضًا نوع جديد من الأطفال الحمقى المسرنمين الذين يمتّلون دورّاء الذين 


374 اللغزالأنثوي 


يفعلون ما يفترض بهم أن يفعلوه» أي ما يفعله الأطفال الآخرون» ولكن لا 
يبدو أنهم يشعرون بأنهم على قيد الحياة أو حقيقيون في فعله. 

سمعت في ضاحية شرقية في عام 1960 طالبًا في الصف الثاني الثانوي 
يوقف طبيبًا نفسيّاء كان قد ألقى لتوه كلمة في اجتماع» ويسأله عن «اسم تلك 
الحبة التي يمكن أن تأخذها لتنوّم نفسك مغنطيسيًا بحيث تستيقظ وأنت 
تعرف كل شيء تحتاج إليه في الامتحان دون أن تدرس». وفي ذلك الشتاء 
نفسه أخبرتني فتاتان جامعيتان في قطار إلى نيويورك في أثناء متتصف أسبوع 
الفحص النصفى أنهما كانتا ذاهبتين إلى بعض الحفلات «لتصفية ذهنيهما» 
بدلا من الدراسة من أجل الامتحانات. وشرحت لى إحداهما: «لقد أثبت 
علم النفس أنه عندما يكون لديك الدافع فعلاء فإنك تتعلمين بسرعة. أا 
إذا كان المدرّس لا يستطيع أن يجعل الدرس ممتعًا بما يكفي لتتعلميه دون 
جهد» فتلك مشكلته» وليست مشكلتك». وقال لي طالب لامع» كان قد ترك ' 
الجامعة» إنها مضيعة للوقت؛ «فالحدس» هو المهم» ولكنهم لا يعلمون 
ذلك في الجامعة. عمل بضعة أسابيع في محطة وقود وشهرًا في محل لبيع 
الكتب. ثم توقف عن العمل وأخذ يقضي وقته لا يفعل أي شيء بالمعنى 
الحرفي للكلمة؛ ينهض ويأكل ويذهب إلى السريره لا يقرأ حتى. 

رأيت هذه النوعية نفسها من السرنمة الحمقاء لدى فتاة في الثالثة عشرة 
من عمرهاء أجريت معها مقابلة في ضاحية من ضواحي ويستشيستر في 
تحقيق عن التخبّط الجنسي لدى المراهقين. كانت بالكاد تنجح في عملها 
المدرسي على الرغم من ذكائها؛ «لم تكن تستطيع أن تعمل بجد؛ كما قال 
الموجّه. كانت تبدو دائمًا ضجرة وغير مهتمة ومشوّشة. كما لم تكن تبدو 
واعية تمامّاء مثل دمية يحرّك خيوطها شخص آخر. عندما كانت كل يوم بعد 
الظهر تذهب في سيارة مع مجموعة من الفتيان الأكبر ستاء وكانوا جميعًا 
ممن تركوا المدرسة في بحثهم عن «الملذات». 

لقد رأى العديد من المراقبين هذا الشعور بأن هؤلاء الأطفال الجدد. 


الفصل الثاني عشر: التجريد المتزايد من الإنسائية: معسكر الاعتقال المريح 35 





لسبب ماء لا ينضجون «فعلا». واكتشف مربٌ من تکساس» وقد أحسّ 
بالضيق لأن فتيان الجامعة لم يكونوا مهتمين فعلا بالمقررات التي يعتبرونها 
جواز سفر آليّا إلى العمل المناسب» ولأنّهم أيضًا لم يكونوا يهتمون فعلًا 
بأي شيء يقومون به خارج المدرسة. كانوا في الأغلب «يقتلون الوقت» 
وحسب. وكشف استبيان أنه لم يكن لدى هؤلاء الأطفال» بالمعنى الحرفي 
للكلمة» أي شيء يكنّون نحوه شعورًا قويًا بما يكفي لأن يموتوا من أجله إذ 
لم يكن هناك أي شيء يقومون به فعلا ويشعرون أنهم أحياء حمًا فيه. كانت 
الأفكار والتفكير التصوّريء التي تميّز الإنسان وتصنع فرادته» غائبة تمامًا 
عن عقولهم وحيواتهم”". 

حاول ناقد ومحللان نفسيان عميقا البصيرة أن يحدّدا بدقة هذا التغيّر 
في الجيل الأصغر سنا بوصفه تغيّرًا في الشخصية الأمريكية. وسواء كان 
نحو الأفضل أو نحو الأسوأء وسواء كان مسألة مرض أم صحة» فقد رأوا أن 
الشخصية الإنسانية التي يمكن تمييزها بجوهر ذاتي قوي ومستقر تستبدل 
اابشخصية يقودها الآخرون» غير متبلورة وغامضة. لم يجد ديفيد ريسمان 
في الخمسينيات أي فتى» أو فتاة» يتمتع بذلك الحس الناشى بالذات والذي 
يستخدم ليميّز المراهقة الإنسانية» «على الرغم من أنني بحثت عن شباب 
مستقلين في عدّة مدارس عامة وعدّة مدارس خاصة». 

وفي جامعة سارة لورانس» حيث كان الطلاب في السابق يتحمّلون 
مسؤولية كبيرة عن تعليمهم وتنظيم أمورهم الخاصة؛ اكتّشف أن الجيل 
الجديد من الطلاب أصبح ضعيقًا ولامباليًا وعاجرًا عن التعامل مع تلك 


(1) Marjorie K. McCorquodale, “What They Will Die for in Houston,” Harper ولأ‎ 
October, 1961. 1 

(2) See David Riesman, The Lonely Crowd; also Erich Fromm, Escape From 
Freedom, New York and Toronto, 1941, pp. 185-206. Also Erik H. Erikson, 
Childhood and Society, p. 239. 

(3) David Riesman, introduction to Edgar Friedenberg’s The Vanishing Adolescent, 
Boston, 1959. 


376 اللغزالأنثوي 


الحرية. فإذا ما تركوا لتنظيم نشاطاتهم بأنفسهم» فلن ينظموا أية نشاطات؛ 
ولم يعد مقرّر معد لاهتمامات الطلاب الخاصة صالحًا لأنّ الطلاب لم تعد 
لديهم اهتمامات قوية خاصة بهم. وقد وصف هارولد تايلور» الذي كان في 
حينها رئيس جامعة سارة لورانسء التغيّر على النحو الآتي: 
في حين كان من الممكن في سنوات سابقة الاعتماد على دافع الطلاب القوي 
ومبادرتهم لممارسة أمورهم الخاصة ولتشكيل تنظيمات جديدة ولابتكار 
مشاريع جديدة» سواء في الخدمة الاجتماعية أو الميادين الفكريةء فقد بات 
واضحًا الآن أن المسؤولية عن الإدارة الذاتية تعتبر غالبا للكثير من الطلاب 
عبءًا يحب تحمله, للا حمّا يحب المحافظة عليه. اء الطلاب الذين منحوا 
حرية كاملة في إدارة حيواتهم الخاصة واتخاذ قراراتهم الخاصة لم يرغيوا 
متزايدة في تسلية أنفسهم» بعد أن أصبحوا معتادين على الاتكال على تسلية 
مرتّبة لهم يقتصر دورهم فيها على المشاركة في ترتيبات معدّة سلمًا. ... كان 
الطلاب عاجزين عن أن يخططوا لأنفسهم أي شيء يجدونه ممتعًا بما يكفي 
للانخراط فيه!!). 
فى البداية» ألقى المربئّون باللائمة فى ذلك على الحذر والمحافظة 
اللذين وسما حقبة المكارثية» أو على العجز الذي ولدته القنبلة الذرّية؛ لكن 
فيما بعد» وفي مواجهة التقدّم السوفيبتي في سباق الفضاءء ألقى السياسيون 
والرأي العام باللائمة على «الرخاوة» العامة من جانب المريّين. لكن. أيّا 
تكن نقاط ضعف المربّين» فإن أفضلهم أدركوا جيدًا أنهم يتعاملون مع سلبية 
جلبها الطلاب معهم إلى المدرسةء «سلبية أساسية» مخيفة... «تطلب أشياء 
بطولية من أولئك الذين يجب عليهم أن يتعاملوا يوميًا معهم في المدرسة 
أو خارجها». تجلت سلبية الجيل الأصغر سنا الجسدية هذه فى انهيار 
عضلي جعل ناقوس الخطر يدق أخيرًا في البيت الأبيض. وكانت سلبيتهم 
Harold Taylor, “Freedom and Authority on the Campus,” in The American‏ )1( 


College, pp. 780 ff. 
(2) David Riesman, introduction to Edgar Friedenberg’s The Vanishing Adolescent. 


الفصل الثاني عشر: التجريد المتزايد من الإنسانية: معسكر الاعتقال المريح 37 


الانفعالية واضحة في الحركة البيتية- وهي شكل من أشكال ثورة المراهقة 
اغا كنف افا ديه بدأت نسب جنوح الأحداث المرتفعة 
بالدرجة ذاتها التي في الأحياء المدينية الفقيرة تظهر في ضواحي غرف 
النوم البهيجة بين أبناء أعضاء المجتمع الناجحين المتعلمين المحترّمين 
والذين يحترمون أنفسهمء وأولاد الطبقة الوسطى الذين يتمتعون بكل 
«المزايا» و«الفرص». ما كان لفيلم اسمه «كنتٌ فرانكشتاين مراهمًا؛ ! 
Was a Teenage Frankenstein‏ أن يبدو مضحكا للأهل في ويستشستر 
وكونيكتيكت الذين زارتهم الشرطة الأخلاقية في عام 1960 لأنْ أطفالهم 
كانوا يتناولون المخدرات في حفلات يقيمونها في غرف لعب كل منهم 
المكسوة بخشب الأناناس؛ أو لأهل في مقاطعة بيرجن» اعتقل أطفالهم في 
عام 1962 نتيجة انتهاك جماعي للقبور في مقبرة في ضاحية:؛ أو لأهل في 
ضاحية في لونغ آيلاند» كانت بناتهم البالغات من العمر ثلاثة عشر عامًا 
يشغْلن خدمة «بغي هاتف» افتراضية. كانت هذه السلبية الجديدة خلف. 
تخريب الممتلكات العامة أو الخاصة الذي لا معنى له وأعمال الشغب 
في فلوريدا في عطلة الربيع والتخبط الجنسي وارتفاع الأمراض الجنسية 
بين المراهقين وحالات الحمل غير الشرعية والتسرب المنذر بالخطر 
من المدرسة الثانوية والجامعة. كانت «الملذات» بالنسبة لهؤلاء الأطفال 
«التهمين» الضجرين الكسالى هي الطريقة الوحيدة لقتل رتابة الوقت الفارغ. 
استشعر أولئك الذين درسوا سلوك الجنود الأمريكيين» ممن كانوا 
أسرى حرب في كوريا في الخمسينيات» الحقيقة القائلة أن هذه السلبية 
كانت أكثر من مسألة ضجرء وأنها إشارة إلى تدهور في الشخصية الإنسانية. 
لاحظ الطبيب فى الجيش الرائد كلارنس أندرسون (502مء0هة «(Clarence‏ 
الذي المع باود ج بين يسكات ان التعالجة اوري 
في المسيرء كان الجندي القوي. في المعسكرات المؤقتة والدائمة؛ يأخن 
اا من الضعيف. ولم يكن هناك أي نظام لمنع ذلك. كان رجال كثيرون 


378 اللغزالأنثوي 
مرضى» وبدلا من مساعدتهم وتمريضهم من قبل الآخرين, كانوا يتعرضون 
للإهمال. أو لما هو أسوأ من ذلك. كان الرّحار شائعًاء وجعل بعض الرجال 
ضعيفين إلى حدّ يمجزون معه عن السير. وضي ليالي الشتاءء كان رفاق الرجال 
العاجزين المصابين بالزّحار يدحرجونهم خارج الأكواخ ويتركونهم ليموتوا 
في البرو". 
مات نحو /38 من الأسرى. وهو معدل موت بين الأسرى أعلى منه 

في أية حرب أمريكية سابقة» بما في ذلك الثورة الأمريكية. أصبح معظم 

الأسرى هامدين غير فاعلين منسحبين داخل قواقع صغيرة نصبوها في 


See Eugene Kinkead, In Every War But One, New York, 1959.‏ (1) 
كانت هناك محاولة في السنوات الأخيرة لرفض أو التخفيض من هذه النتائج. لكنّ شريطًا 
مسجلا لحديث أدلى به أمام جمعية الأطباء النفسيين الأمريكيين في عام 1958 الدكتور 
وليام مايرء الذي كان في أحد فرق الجيش من الأطباء النفسيين وضباط الاستخيارات 
الذين قابلوا السجناء العائدين في عام 3 وحللوا البيانات» جعل العديد من أطباء 
الأطفال واختصاصيى الطفل يسألون» بكلمات الدكتور سبوك: «هل الأهل المتساهلون 
على نحو استلنائي أكثر عددًا إليوم» وهل يضعفون شخصية أطفالنا؟». 
(Benjamin Spock, "Are We Bringing Up Our Children Too 'Soft' for the Stem‏ 
Realities They Must Face?" Ladies ' Home Journal, September, 1960.)‏ 
مهما كانت الننيجة واخزة لكبريائنا الأمريكي» يجب أن يكون هناك تفسير لانهيار الجنود 
الأمريكيين الأسرى في كورياء لأنه كان مختلفاء لا عن سلوك الجنود الأمريكيين في 
الحروب السابقة وحسبء بل وعن سلوك جنود الدول الأخرى أيضًا في كوريا. لم ينجح 
جندي أمريكي واحد في الفرار من معسرات اعتقال العدوء كما فعلوا في كل الحروب 
الأخرى. ولم يكن معدل الوفيات الصادم الذي بلغ :38 بينهم قابا للشرح» حتى 
بالنسبة للسلءلات العسكرية» على أساس المناخ أو الطعام أو المرافق الطبية غير الملائمة 
في المحسكرات» كما لم يكن ناتجًا عن الوحشية أو التعذيب. «التهاب الاستسلام» هو 
ما وصف به طبيب المرض الذي مات الأمريكيون بفعله؛ كانوا ببساطة يقضون الأيام 
ملتفين تحت البطانيات» ويقصرون نظامهم الغذائى على الماء وحده» حتى الموت» 
وعادة خلال ثلاثة أسابيع. بدت تلك الظاهرة حكرًا على الأمريكبين. لم يفقد الرجال 
الأتراك» الذين كانوا جزءًا من قوة الأمم المتحدة في كورياء أي رجل نتيجة المرض 
أو الجوع؛ كانوا يبقون معا ويطيعون أوامر ضباطهم» ويتمسكون بالأنظمة الصحيةء 
ويتعاونون في العناية بالمرضى» ويرفضون الإخبار عن بعضهم بعضًا. 


الفصل الثاني عشر: التجريد المتزايد من الإنسائية: معسكر الاعتقال المريح 379 





مواجهة الواقع. لم يفعلوا أي شيء للحصول على الطعام أو الحطبء أو 
ليحافظوا على نظافتهم» أو ليتواصلوا مع بعضهم مع الحاو الآخر. تفاجأ 
الرائد لأنْ هؤلاء الجنود الأمريكيين الجدد. وبشكل عام تقريباء كانت 
تنقصهم سعة الحيلة الأمريكية القديمة». أي القدرة على a‏ ل مع ى 
وضع جديد وبدائي. وخلص إلى ما يلي: «كان ذلك جزكيًا -وجزئيًا فقط» 
حسب اعتقادي- نتيجة الصدمة النفسية الناتجة عن الأسر. 6 كان أيضًاء 
فيما أظن» نتيجة ة فشل جديد في تدريب شبابنا في الطفولة والمراهقة - 
رخاوة جديدة» . وعلق عالم نفسي» مسقطا من اعتباره غاية الجيش الد عائية: 
«كان هناك بالتأكيد شيء ما يمثّل خطأ مريعًا في هؤلاء الشباب؛ لا الرخاوة» 
بل الصلابة والصقل والهشاشة. سأسميه فشل الأناء انهيار الهوية. 
يستطيع نمو المراهقء ويجب. أن يؤدي إلى نضج إنساني كامل معرّفٍ على 
أنه تطوير حسّ مستقر بالذات...»'. 

كان الأسرى الكوريونء بهذا المعنى» نماذج على نوع جديد من 
الأمريكيين» الذين من الواضح آنهم تربوا بطرق «معادية للوضوح والنمو» 
على أيدي أفراد هم أنفسهم «لم تتشكل شخصياتهم بما يكفي» لأن يطوّروا 
«ذلك النوع من الشخصية والذهن الذي يرى نفسه على نحو أكثر وضوحًا 
من أن يوافق على خيانته». 

كان الإدراك المفاجئ بأنّ هذا الغياب السلبي للهوية هو اشيء جديد في 
التاريخ»» جاء -وجاء فقط- عندما بدأ يظهر في الفتيان. اما اسورد اللامبالي 
الاتكالي الطفولي الذي لا غاية له والذي يبدو لاإنسائيّاء على نحو لافت 
للنظره عند النظر إليه على أنه الشخصية الناشئة للرجل الأمريكى الجديده 
فهو يذكر على نحو غريب بالشخصية «الأنثوية» المألوفة كما حدّدها اللغز. 
ألبيست المخضائص الرئيسية للأنوثة -والتي ربطها فروية خطأ بالبيولوجيا 
الجنسية- هي السلبية وضعف الأنا أو الإحساس بالذات وضعف الأنا 


)1( Edgar Friedenberg, The Vanishing Adolescent, pp. 212 ff. 


380 اللفز الأنثوي 


الأعلى أو الضمير الإنساني ونكران الأهداف العملية والطموحات 
واهتمامات المرء الخاصة بأن يحيا من خلال الآخرين وعدم القدرة على 
التفكير المجرّد والانسحاب من النشاط الموجّه نحو العالم لصالح النشاط 
الموجّه نحو الداخل أو الخيال؟ 

ما معنى هذا؟ هذا الظهور الآن لشخصية مأسورة في مستوى من 
الخيال الطفولي والسلبية لدى الفتيان الأمريكيين كما لدى الفتيات؟ 
الفتيان والفتيات» الذين رأيت المشكلة لديهم» هم أبناء الأمهات اللواتي 
عشن ضمن حدود اللغز الأنثوي. كن يحققن أدوارهن كنساء بطريقة عادية 
مقبولة. بعضهنٌ تمتعن بما هو أكثر من الموهبة العادية» وبعضهن تمتعن 
بما هو أكثر من التعليم العادي» لكنهن كنّ متشابهات في درجة انشغالهن 
بأولادهن الذين كانواء على ما يبدو» اهتمامهن الرئيسي والوحيد. 

أخبرتني إحدى الأمهات» وهي تعاني من اضطراب مريع لأنّ ابنها لم 
يتمكن من تعلم القراءة» أنها كانت» عندما عاد إلى البيت مصطحبًا التقرير 
المدرسي الأول من الروضة عن تقدمه» «مهتاجة مثل طفل» منتظرة أن 
يطلب مني أحد ما الخروج في موعد غرامي مساء السبت». كانت مقتنعة 
أن المعلمات مخطئات في قولهن أنه كان يتجوّل في أرجاء الغرفة حالمّاء 
غير قادر على الانتباه زمئًا طويلا بما يكفي للقيام باختبار الاستعداد للقراءة. 
وقالت أمّ أخرى أنْها لم تكن تستطيع تحمّل أن يعاني أبناؤها من أية مشكلة 
أو ألم على الإطلاق. كان الأمر كما لو أنهم هي نفسها. قالت لي: 

كنت أسمح لهم أن يقلبوا الأثاث. وأن يبنوا بيونًا في غرفة المعيشة تبقى على 

حالها أيامّاء حتى لم يكن هناك مكان لي أجلس فيه وأقرأ. لم أستطع أن أتحمّل 

جعلهم يفعلون ما لا يريدون فمله. حتى تناول الدواء ا ايكونون مرضى. 

لم أستطع أن أحتمل أن يكونوا تميسين. أو أن يتشاجرواء أو أن يغضبوا مني. 

لم أستطع أن أفصلهم عن نفسي على نحو ما. كنت دائمًا متفهمة وصبورة. 

كنت أشعر بالذنب إذا ما تركتهم ولو بعد ظهر يوم ما. كنت أهتمٌّ بكل صفحة 

من وظائفهم؛ كنت أركز دائمًا على أن أكون أمّا جيدة. كنت فخورة بأن ستيف 


الفصل الثاني عشر: التجريد المتزايد من الإنسانية: معسكر الاعتقال المريح 381 


لم يدخل في مشاجرات مع الأطفال الآخرين في الحي. ولم أدرك أن شيئًا 

ما لا يسير على ما يرام إلا حين بدأ أداؤه في المدرسة يسوءء وبدأت تراوده 

كوابيس بخصوص الموت. ولم يعد يرغب في الذهاب إلى المدرسة خوفا من 

الصبيان الاخرين. 
وقالت امرأة أخرى: 

اعتقدت أن علي أن أكون في البيت كل يوم بعد الظهر عندما يعودون من 

المدرسة. قرأت كل الكتب المعّينة لهم حتى أستطيع أن أساعدهم في عملهم 

المدرسي. لم أكن على مدى سنوات سعيدة ومتحمسة قدر سعادتي وحماسي 

في تلك الأسابيع التي كنت أساعد فيها ماري على تحضير ملابسها للجامعة. 

لكنني انزعجت حين لم تختر دراسة الفنون. كان ذلك حلميء قبل أن أتزوج 

بالطبع. ربما يكون من الأفضل أن تعيشي أحلامك الخاصة. 

لا أعتقد أنها مجرد صدفة أن تكون السلبية المتزايدة -واللاواقعية 
الشبيهة بالأحلام- لأطفال اليوم قد أصبحت منتشرة إلى هذه الدرجة 
في السنوات ذاتها التي سبع فيها اللغز الأنثوي الغالبية العظمى من 
النساء الأمريكيات -بما في ذلك أكثرهن موهبةء والأعداد المتزايدة من 
المتعلمات- على التخلي عن أحلامهن» بل وتعليمهن أن يعشن من خلال 
أبنائهن. لقد ازداد» ولا شك في هذه السنوات «امتصاص» شخصية الطفل 
من قبل أمهات الطبقة الوسطى» وهو ما كان واضكًا أصلا لعالم اجتماع 
عميق النظر في الأربعينيات. كانت النساء» دون اهتمامات جدية خارج 
البيت ومع جعل العمل المنزلي روتينيًا بفضل الأجهزة» قادرات على تكريس 
أنفسهن. وعلى نحو حصري تقريبًاء لعبادة الطفل من المهد حتى الروضة. 
وحتى عندما كان الأولاد يذهبون إلى المدرسةء كانت أمهاتهم قادرات على 
مشاركتهم حياتهم» على نجو غير مباشر وأحيانا حرفيًا. أضبحت العلاقة مع 
الأبناء بالنسبة للعديد منهن علاقة حب أو نوعًا من «التكافل». 

«التكافل»»ء إذا أردنا التعبير عنه بطريقة يقة بسيطة» » مصطلح بيو لوجي يشير 
إلى عملية يعيش فيها كائنان حيّان كأنهما واحد. في حالة الكائنات الإنسانية» 


382 اللغز الأنثوي 





عندما يكون الجنين في الرحم» فإن دم الأمّ يمه بأسباب الحياة؛ فالطعام 
الذي تأكله بنا يديو واكنتجهه بای من الهؤاء الذي ية وعن رت 
فضلاته. هناك وحدة بيولوجية في البداية بين الأمّ والطفلء عملية معقّدة 
اة لكنّ هذه العلاقة تنتهي مع قطع الحبل السرّي ومجيء الطفل إلى 
العالم كائنًا إنسائيًا منفصلا. 

عند هذه النقطة» يفشر علماء نفس الطفل «تكافلا» نفسيًا أو انفعاليًا 

بين الأمّ والطفل» » يحل حب الأمّ فيه محل السائل الأمينوسى الذي كان 
ار و و الر حم. يغلي هذا التكافل لاال 
الطفل حتى يصبح مستعدًا لأن یولد نفسيّاء كما كان. وهكذا يصوّر الکتاب 
النفسيون -مثل مدّاحي الحب الأمومي الأدبيين والدينيين قبل الفترة 
النفسية- حالة تكون الأمّ والطفل فيها ما يزالان يحتفظان بالوحدة الصوفية؛ 
ليسا بالفعل كائنين منفصلين. تضمّن «التكافل» بقوة» على أيدي الناشرين 
النفسيين التبسيطيين» أن الرعاية المحيّة الثابتة من قبل الأمّ ضرورية بالمطلق 
لنمو الطفل على مدى عدد غير محدد من السنوات. 

لكنّ مفهوم «التكافل» زحف في السنوات الأخيرة» وبنسبة متزايدة» 
إلى تاريخ الحالات المرضية للأطفال المضطربين. يبدو أن المزيد والمزيد 
من أمراض الأطفال الجديدة تنبع من تلك العلاقة التكافلية مع الام والتي 
منعت الأطفال من أن يصبحوا ذوانًا مستقلة. ويبدو أن هؤلاء الأطفال 
المضطربين «يمتلون» رغبات الأ اللاواعية أو صراعاتها؛ الأحلام الطفولية 
التي لم تتخلص منها أو لم تتوقف عنها بعد بل مازالت تحاول أن تشبعها 
لنفسها في شخص ابتها. 

يُستخدم مصطلح «تمث » في العلاج النفسي لوصف سلوك مريض 
المح ع لحت ا ب وا بز هر كور عن وعاف اللدواة عبر واعية 
أو خيال. يبدو قولناء إن الرغبات الطفولية اللاواعية التي «يمتلها» الطفل 
المضطرب ليست رغياته هوء. بل رغبات أمه» غامضًا. لكنْ المعالجين 


الفصل الثاني عشر: التجريد المتزايد من الإنسانية: معسكر الاعتقال المريح ١‏ 383 
يستطيعون أن يتعقبّوا الخطوات الحقيقية التي تدفع بها الأم» بلا وعيء ابنها 
-وهي تستخدمه لإشباع أحلامها الطفولية- إلى السلوك المدمّر لنموّه. لم 
تدرّب زوجة المدير في ويستشسترء التي دفعت ابنتها في عمر الثالثة عشرة 
إلى التخبط الجنسي» على تطوير مفاتنها الجنسية فحسب -وبطريقة تتجاهل 
تمامًا شخصية الطفلة- بل وغرست فيهاء حتّى قبل أن يبدأ نهداها بالظهور: 
وعن طريق التنبيهات ودرجة معينة من الارتياب» توقعها بأن تمثّل الطفلة في 
الحياة الحقيقية خيالات أمها عن الدعارة. 

لم يُعتبر تمثيل الأمهات ولا للآباء أحلامهم من خلال أبنائهمٍ أموًا 

مَرَضِيَاً قط إلا عندما يتجاهل الحلم واقع الطفل أو يشوهه. لقد كتبت 

الروايات وتواريخ الحالات المرضية عن الفتى الذي أصبح رجل أعمال 
سيئ لأنْ ذلك كان حلم أبيه له فيما كان يمكن أن يكون عازف كمان جيدًا؛ 
أو الفتى الذي ينتهي الأمر به في مستشفى عقلي ليحبط حلم أمه في أن 
يصبح عازف كمان عظيم. إذا كانت العملية في السنوات الأخيرة قد أخذت 
تبدو مَرَضية» فلأن أحلام الأمهات التي يمثلها الأطفال قد أصبحت طفولية 
على نحو متزايد. لقد أصبحت تلك الأمهات أنفسهن أكثر طفولية» ولأنهن 
مجبرات على البحث عن المزيد والمزيد من الإشباع من خلال الطفلء 
فإنهن غير قادرات على فصل أنفسهن فى النهاية عنه. وهكذاء فسيبدو أن 
الطفل هو من يدعم الحياة في الأم في تلك العلاقة «التكافلية»» والطفل 
عمليًا يجري تدميره في العملية. 

أدخل هذا التكافل المدمّرء بالمعنى الحرفي للكلمةء في اللغز الأنثوي. 
والعملية مستمرة. تبدأ في جيل وتستمر في الجيل التالي على النحو الآتي تقريبًا: 
1 - إن اللغز الأنثوي..من خلال السماح للفتيات بالتهرب من اختبارات 

الواقع والالتزامات الحقيقية في المدرسة والعالم» وذلك بوعد التحقق 

السحري عن طريق الزواج» يحتجز تطورهن عند مستوى طفولي 

تنقصهن فيه الهوية الشخصية مع ضعف أكيد في الجوهر الذاتي. 


384 اللفز الأنثوي 


2 - كلما كان تطفيل الفتاة أكبر وجوهرها الذاتي أضعف» كان بحثها عن 
«التحقق) كزوجة وام أبكرء وازدادت حصرية عيشها من خلال زوجها 
وأبنائها. وبالتالي تصبح صلاتها بعالم الواقع وحسها الذاتي بذاتها 
أضعف باضطراد. 

3 - بما أن لدى العضوية الإنسانية حافز حقيقي للنموء فإن المرأة التي 
تهرب من نموّها الذاتي عبر التمسّك بالحماية الطفلية بدور ربة المنزل 
ستعاني على نحو متزايد -إلى الحد الذي لا يسمح لها فيه ذلك الدور 
بالنمو الذاتي- من المرض» الفسيولوجي منه والانفعالي. وستكون 
أمومتها مَرَضية على نحو متزايد لها ولأولادها. كلما زاد تطفيل الأمّ» قل 
احتمال أن يتمكن الولد من تحقيق فرديته الإنسانية في العالم الحقيقي. 
سيكون لدى الأمهات الطفليات أولاد أكثر طفليّة» سينسحبون في وقت 
أبكر حتى إلى الخيال من اختبارات الواقع. 

4 - ستكون علامات هذا الانسحاب المَرّضي أكثر وضوحًا في الصبيان» 
لأنه» حتى في الطفولة» يُتوقع من الصبيان أن يقوموا باختبارات الواقع 
التي يسمح اللغز الأنثوي للفتيات بأن يتهربن منها بالخيال الجنسي. 
لكنّ هذه التوقعات نفسها في النهاية تجعل الصبيان ينمون أكثر باتجاه 
تكوين ذاتٍ قوية» وتجعل الفتيات أسوأ الضحايا إضافة إلى أنهن 
«ناقلات عدوى» التجريد المتزايد لأبنائهن من الإنسانية. 
علمت من أطباء نفسيين وأطباء سريريين في الضواحي كيف تعمل 

هذه العملية. يصف طبيب نفسى اسمه أندراس أنجيال (21/زعتة Anda‏ 

ليس بالضرورة بالعلاقة مع النساءء العملية بأنها «تهرّب عصابي من النمو». 

وهناك طريقتان رئيسيتان للتهرّب من النمو. الأولى «عدم الالتزام»: حيث 

يعيش رجل حياته -مدرسته وعمله وزواجه- «متحرکا مع التيار دون أن 
يكون أبدًا ملتزمًا من أعماقه بأية أفعال». وهو يشعر بنفسه على نحو غامض 
بأنه يلعب دورًا». على السطح» يبدو وكأنه يتحرك بشكل طبيعي في الحياةء 

ولكن ما يفعله فعلا هو «السير مع التيار». 


الفصل الثاني عشر: التجريد المتزايد من الإنسانية: معسكر الاعتقال المريح 385 


أا الطريقة ة الأخرى في التهدب من النمو فسمّاها أنجيال طريقة «العيش 
البديلي». وهي تكمن في إنكار منهجي وكبت لشخصية المرء» ومحاولة 
استبدالها بشخصية أخرى» «تصوّرٌ مرفوع إلى درجة المثال» معيار للطيبة 
المطلقة يحاول المرء أن يعيش على أساسهاء قمع كل تلك الدوافع الحقيقية 
المخالفة للمعيار غير الواقعي والمبالغ فيه» أو ببساطة أخذ الشخصية التي 
ع «النموذج الرائج في وقتها». 
التجلّي الأكثر انتشارًا للعيش البديلي هو اعتماد مبني خصوصًا على شخص 
آخرء وهو ما يؤخذ غالبًا خطأ على أنه حب. لكنّ تلك الارتباطات المتماسكة 
والشديدة جدًا قدت تفتقد كل الجوانب الجوهرية في الحب الحقيقي: الإخلاص 
والتفهم البديهي والفرح بوجود الشخص الآخر لما هو عليه وبطريقته. 
وبالمكس» فإن هذه الارتباطات تملّكية جداً وتميل إلى تجريد الشريك من 
«حياة خاصة به». ... هناك حاجة إلى.الشخص الآخرء لا بوصفه شخصًا 
ما يربط المرء نفسه به. بل ليملأ فراغه الداخلي وتفاهته. لم تكن هذه 
التفاهة أصلًا سوى خيال. لكنها مع الكبت الذاتي المتواصل تقترب من أن 
تخفق كل هذه المحاولات لكسب شخصية بديلة عن طريق العيش البديلي في 
الحقيقية الشخص في حالة من الخواء الانفعالي المؤلم وتقريبًا مع حس بعدم 
الوجود...(1). 
ويخلص أنجيال إلى أنه «يمكن فهم عدم الالتزام والعيش البديلي على 
أنها محاولات لحلّ الصراع بين الدافع إلى النمو والخوف من مواجهة 
أوضاع جديدة»» ولكن» على الرغم من أنها قد تخفف مؤقتًا من الضغط› 
فإنها لا تحل فعلياً المشكلة؛ «فنتيجتها هى دائمًا التهرّب من النمو الشخصيء 
حتى إذا لم يكن ذلك قصدها». 
Andras Angyal, M.D., “Evasion of Growth,” American Journal of Psychiatry,‏ )1( 


Vol. 110, No. 5, November, 1953, pp. 358-361. See also Erich Fromm, Escape 
Jfrom Freedom, pp. 138-206. 


386 اللفز الأنثوي 


وعلى أية حال» عدم الالتزام والعيش البديلي هما في صلب تعريفنا 
التقليدي للأنوثة. هذه هي الطريقة التي يعلّم فيها اللغز الأنثوي الفتيات أن 
يبحثن عن «التحقق بوصفهن نساءًا»؛؟ هذه هي الطريقة التي تعيش و 
معظم النساء الأمريكيات اليوم. ولكن إذا كان لدى العضوية الإنسانية 
دافع داخلي للنمو وللامتداد ولتصبح كل ما تستطيع أن تصبحه» فليس من 
المفاجئ أن تبدأ أجساد النساء السليمات وعقولهن بالتمرّد وهن يحاولن 
التكيف مع دور لا يسمح بذلك النمو. إن أعراضهن التي ڌ تحيّر الأطباء 
اا سطس ساون ودود هوه وله 
أن يتهرّبن من نموهن بدون معركة. 

رأيت هذه المعركة تخوضها نساء أجريت معهن مقابلات ونساء من 
مجتمعي» وهي غالبا لسوء الحظ معركة خاسرة. تخلّت فتاة شابة» أولًا 
في المدرسة الثانوية» ولاحمًا في الجامعة» عن كل اهتماماتها وطموحاتها 
الجدية لتصبح «محبوبة». تزوّجت في عمر مبكرء ولعبت دور ربة المنزل 
التقليدية إلى حدّ كبير بالطريقة ذاتها التي لعبت بها دور الفتاة الجامعية 
المحبوبة. لا أعرف فى أية ية نقطة فقدت الأثر ف فى التمييز بين ما كان حقيقيًا 
وها كان ملحا كديا عتما اتی :ائ كانت أحيانًا تستلقي على 
الأرض» وترفس بقدميها في ذلك النوع من الغضب الذي لم تكن قادرة 
على معالجته لدى ابنتها البالغة من العمر ثلاث سنوات. وفي عمر الثامنة 
والثلاثين جرحت رسغيها في محاولة للانتحار. 

وعانت امرأة ذكية جدًا من اكتئاب حا قبل ولادة طفلها تمامًاء كانت 
هذه المرأة قد تخلّت عن مهنة تتطلب الكثير من الجهد والوقت» هي العمل 
في أبحاث السرطانء لتصبح ربة منزل. وبعد أن تعافت» كانت «قريبة» جدًا 
من طفلها لدرجة أنها اضطرت للبقاء معه في الحضانة كل صباح مدة أربعة 
أشهرء لأنه كان» إن لم تفعل» يصاب بهياج عنيف مع دموع ونوبات غضب. 
في الصف الأولء كان غالبًا ما يتقيأ في الصباح عندما يضطر لتركها. وعنفه 


الفصل الثاني عشر: التجريد المتزايد من الإنسانية: معسكر الاعتقال المريح 387 


في الملعب وصل إلى حد الخطر على نفسه وعلى الآخرين. وعندما أخذ 
أحد الجيران منه مضرب كرة كان على وشك أن يضرب به طفل على رأسه. 
اعترضت أمه بعنف على «إحباط» ولدها. وجدت من الصعب جدًا عليها 
أن تضبطه بنفسها. 

وعلى مدى فترة عشر سنوات» وفيما هي تجتاز على نحو صحيح كل 
حركات الأمومة في الضواحي» باستثناء عدم قدرتها على التعامل بصرامة مع 
أبنائها» بدت بوضوح أقلّ نشاطا فأقل» وأقلّ فأقل تأكدًا من قيمتها الخاصة. 
في اليوم الذي سبق شنقها نفسها في قبو منزلها ذي الطابقين أخذت أطفالها 
الثلاثة للفحص عند طبيب الأطفالء وقامت بترتيبات حفلة عيد ميلاد ابنتها. 

لجأت قلّة من ربات المنازل في الضواحي إلى الانتحار» ومع ذلك 
فهناك دليل آخر على أن النساء يدفعن ثمنًا انفعاليًا وجسديًا باهظا للتهدب 
من نموهن. وكما نعرف الآن» لسنّ بيولوجيًا الطرف الأضعف في الجنس 
البشري. فعدد النساء اللواتي يتوفين في كل مجموعة عمرية أقل من عدد 
الرجال. لكن في أمريكاء من الوقت الذي تتحمل فيه النساء دورهن الجنسي 
الأنثوي كربات منازل» لا يعدن يعشن بالحيوية والمتعة وحس الهدف» وهي 
أمور تعتبر مميّزة للصحة الإنسانية الحقيقية. ١‏ 

في الخمسينيات» لاحظ أطباء نفسيون ومحللون نفسيون وأطباء في 
جميع الميادين أن متلازمة ربة المنزل بدت وكأنها تصبح مَرَضية على نحو 
متزايد. تحوّلت الأعراض المعتدلة مجهولة السبب -بثرات نازفة وتوعقك 
وعصبية وإعياء لدى ربات المنازل الشابات- إلى نوبات قلبية وقرحات 
نازفة وارتفاع ضغط الدم والتهاب القصبات والرئة؛ والكرب الانفعالي 
الذي لا اسم له د تحول إلى انهيار ذهاني. وشهد هذا العقد وحده بين ربات 
المنازل-الأمهات الجديدات في ب بعض الضواحي التي يضيئها نور الشمس 
زيادة خيالية في «الذهانات الأمومية» وحالات اكتئاب تتراوح بين المعتدلة 
والانتحارية وهلوسات حوالي الولادة. واستنادًا إلى السجلات الطبية التي 


358 اللفزالأنثوي 


جمّعها الدكتور ريتشارد جوردون (601008 81053:04) وزوجته كاثرين 
(هو طبيب نفسي وهي عالمة نفس اجتماعي) في ضواحي بيرجن كاونتي 
في ولاية نيوجيرسي خلال الخمسينيات» فإِن واحدة من كل ثلاث أمهات 
تقريًا عانت من الاكتئاب أو الانهيار الذهانى حوالى الولادة. وهذا يضاهى 
التقديرات الطبية السابقة للانهيار الذهانى لدف و اا 400 ا 
وحالات الاكتئاب الأقل حدةً لدى واحدة من كل 80. 


في فترة ما بين عامي 1957-1953 كان واحد بالعشرة من بين المرضى 
النفسيين البالفين البالغ عددهم 746 في بيرجن كاونتي زوجات شابات 
أصبن بالانهيار حوالي الولادة. في الحقيقة أصبحت ربات المنازل الشابات 
(تتراوح أعمارهن بين 18 و44) اللواتي يعانين» لا من اكتئاب الولادة فقط. 
بل ومن جميع الاضطرابات النفسية والنفسية-البدنية متزايدة الخطورة, 
في الخمسينيات. وإلى حدّ بعيد. المجموعة الغالبة بين المرضى النفسيين 
الراشدين. وكان عدد الزوجات الشابات المضطربات. مرة أخرى» أكبر من 
عدد الأزواج الشباب بأكثر من النصف. وأكبر من أية مجموعة أخرى بثلاثة 
أضعاف (أعطت تقارير أخرى عن مرضى المستشفيات الخاصة والعامة في 
الضواحي نتائج مشابهة). من بداية الخمسينيات حتى نهايتهاء حلّت ربات 
المنازل الشابات أيضاء وعلى نحو متزايد» محل الرجال بوصفهن المعانيات 
الرئيسيات من النوبات القلبية والقرحات وارتفاع الضغط والتهاب القصبات 
الرئوية. وفي المستشفى الذي يخدّم هذه المقاطعة ذات الضواحي» تشكل 
النساء الآن 40% من مرضى القرحة'. 


(1) See Richard E. Gordon and Katherine K. Gordon, “Social Factors in the 
Prediction and Treatment of Emotional Disorders of Pregnancy,” American 
Journal of Obstetrics and Gynecology, 1959, 77:5, pp. 1074-1083; also Richard 
E. Gordon and Katherine K. Gordon, “Psychiatric Problems of a Rapidly 
Growing Suburb,” American Medical Association Archives of Neurology and 
Psychiatry, 1958, Vol. 79; “Psychosomatic Problems of a Rapidly Growing 
Suburb,” Journal of the American Medical Association, 1959, 170:15; and 
“Social Psychiatry of a Mobile Suburb,” International Journal of Social 
Psychiatry, 1960, 6: 1, 2, pp. 89-99. 


شرت بعض هذه التتائج والاستنتاجات البحثية في كتاب الزوجين جوردون بالتعاون مع 
ماكس جنشرء والذي ضم دراسات الحالات وتسجيل المشاهدات. 


الفصل الثاني عشر: التجريد المنزايد من الإتساتية: معسكر الاعتقال المريح 389 


ذهبت لأرى الدكتور جوردون وزوجته كاثرين» اللذين عرَّوًا الأمراض 
المتزايدة بين ربات المنازل الشابات الجديدات أولئك -والتي لم توجد 
بين النساء في مناطق ريفية مشابهة» أو في الضواحي والمدن الأقدم- إلى 
«تنقليّة» سكان الضواحي الجدد. لكنّ الأزواج «المتنقلين» لم يكونوا 
ينهارون مثلما كانت زوجاتهم وأبناؤهم. أشارت دراسات سابقة عن اكتئاب 
الولادة إلى أن النساء المهنيات أو العاملات الناجحات يعانين أحيانًا من 
اتضارب الأدوار» عندما يصبحن ربات منازل-أمهات. لكنّ أولئك الضحايا 
الجديدات» اللواتي كان معدل اكتئاب أو انهيار الولادة بينهن أكبر بكثير من 
كل التقديرات السابقة» لم يردن قط أن يكنّ أكثر من ربات منازل-أمهات؛ 
كان ذلك كل ما هو متوقع منهن. أشار الدكتور جوردون وزوجته إلى أن 
نتائجهما لا تشير إلى أن ربات المنازل الشابات هن بالضرورة عرضة لضغط 
أكثر من أزواجهن؛ وتظهر النساء ببساطة ميلا متزايدًا للاستسلام للضغط. 
أيمكن أن يعني ذلك أن دور ربة المنزل-الأم كان كبيرًا عليهن؟ أم أنه لم 
يكن كافيًا؟ 


تشترك أولئك النساء فى بذور العٌغصاب ذاتها من الطفولة؛ وفى 
الحقيقة» بعضهن لم يظهرن أي من تلك البذور. لكنّ تشابهًا مفاجدًا ظهر 
في تواريخ حالاتهن المرضية تمثّل في حقيقة أنهن قد تخلين عن تعليمهن 
عند مستوى أدنى من مستوى قدراتهن. المُعانيات هن اللواتى انسحبن 
من المدرسة الثانوية أو الكلية؛ وهنّء أكثر من النساء المماثلات لهن فى 
العمره قد دخان الجا ور ها عا بعد غ والعديذات هن 
أيضًا قد جئن من «المجموعات الإثنية الأكثر تقييدًا» (إيطالية أو يهودية) 
أو من مدن صغيرة في الجنوب حيث «النساء محميات ويبقين اتكاليات». 
والعديدات لم يتابعن الدراسة ولا العملء ولم يتحركن في العالم بمفردهن 


(1) Richard E. Gordon, “Sociodynamics and Psychotherapy,” 4 . M.A. Archives of 
Neurology and Psychiatry, April, 1959, Vol. 81, pp. 486-503. 


30 اللغز الأنثوي 





بأية صفة كانت. قلة منهنٌّ» وهنّ اللواتي انهرن» سبق وشغلن أعمالا قليلة 
المهارة نسبيّاء أو كانت لديهن بدايات اهتمامات ولكنهن تخلين عنها عندما 
أصبحن ربات منازل-أمهات في الضواحي. لكن لم تكن لدى معظمهن أية 
طموحات سوى أن يتزوجن رجلا ذا مستقبل واعد؛ العديدات كنّ يحققن» 
لا أحلامهن فقطء بل وأحلام أمهاتهن المحبطة بالمكانة عن طريق الزواج 
من رجال مؤهلين طموحين. وكما وصفهن الدكتور جوردون لي: «لم تكن 
لديهن أية كفاءة. لم يقمن بأي شيء. لم يتمكن حتى من تنظيم اللجان التي 
كان يجب تنظيمها في تلك الأماكن. لم يُطلب منهن قط أن يستخدمن 
أنفسهن» أن يتعلمن كيف يقمن بعمل ومن ثم يقمن به فعلا. العديدات منهنٌ 
انسحبن من المدرسة. الحصول على طفل أسهل من الحصول على علامة 
تامة. لم يتعلمن قط أن يتحمّلن الضغوط أو الألم أو العمل الشاق. ما أن 
صار السير عسيرًاء حتى انهرن». 

ربما لأن أولئك الفتيات كنّ سلبيات واتكاليات أكثر من غيرهن 
ومحصورات في الضواحي» فقد كنّ أحيانًا يبدين وكأنهن يصبحن 
طناك رمقل اطفالين .و أطهر اراهن س وطفرلية بدك قرفي 
وكانت تظهر في عمر مبكر لدى الأبناء الصبيان. يجد المرء في عيادات 
الصحة النفسية في الضواحي اليوم الغالبية الساحقة من المرضى الأطفال 
صبياناء في عكس مأساوي ومتعذر تفسيره من نواح أخرى للحقيقة 
القائلة إن معظم المرضى البالغين في جميع العيادات ومكاتب الأطباء 
اليوم هم نساء» أي ربات منازل. قال لي محلل نفسي من بوسطن» لديه 
العديد من المريضات» واضعًا جانبًا المصطلحات النظرية لمهنته: 
«صحيح أن هناك نساء مريضات أكثر بكثير من الرجال. وشكاواهن 
متنوعةء لكن إذا نظرت عميقاء فستجدين ذلك الشعور الكامن بالفراغ» 
ين وبل كنوع شه التفاعة. المسالة هن أو لا سه إلى 
تحقيق أية أهداف اة بهن). 1 


الفصل الثاني عشر: التجريد المتزايد من الإنسانية: معسكر الاعتقال المريح 391 


وأخبرني طبيب آخر في عيادة للصحة النفسية في الضواحي عن أمّ شابة 
لفتاة في السادسة عشرة من العمر انشغلت كليّاء منذ انتقالهم إلى الضاحية 
منذ سبع سنوات» بأولادهاء باستثناء قليل من عمل الخير في المجتمع. 
وعلى الرغم من قلق هذه الأمّ الدائم على ابنتها («أفكر فيها طوال اليوم» 
ليس لديها أصدقاء» وهل ستدخل الجامعة؟»)» فقد نسيت اليوم الذي كان 
على ابنتها فيه أن تجري امتحانات دخول الجامعة. 


كان فلقها على ابنتها وما تقوم به قلقها الوحيد على ذاتها وعلى مأ لم تكن تقوم 
به. عندما تعاني أولئك النساء من الانشفال الكامل بما لا يقمن به بأنفسهن. 
لا يكون لدى الأولاد فعليًا سوى القليل جدًا من التواصل معهن. أفكر في طفل 
آخر. عمره سنتان: يعاني من أعراض حادة جدًا لأن هناك غيابًا شبه تام 
للتواصل الفعلي مع أمه. هي مشفولة بالبيت طوال اليوم وكل يوم. يجب عليّ 
أن أعلمها أن تقوم حتى بالتواصل الجسدي مع طفلها. لكنّ المشكلة لن تحل 
حتى تواجه الأم حاجتها هي إلى تحقيق الذات. الاستجابة للأبناء لا علاقة 
لها بمقدار الوقت. والقدرة على الحضور لكل طفل من حيث ما يحتاج إليه 
يمكن أن يحدث في جزء من الثانية. والأمّ يمكن أن تكون موجودة هناك طوال 
اليوم» ومع ذلك فهي ليست هناك بالنسبة للطفلء؛ بسبب انشغالها بنفسها. 
وهكذا يحبس انفاسه في نوبات غضب انفمالية؛ يتشاجر بفضب؛ يرفض ان 
يدعها تتركه في الحضانة؛ حتى في عمر التاسعة يطلب الصبي أن تذهب أمه 
معه إلى الحمّام؛ أن تستلقي معه. وإلا فإنه لا يستطيع النوم. أو يصبح انطوائيًا 
م 1 

إلى درجة الفصام. وهي تحاول باهتياج أن تستجيب لحاجات الطفل ومطالبه. 
ولكن إذا كانت قادرة فعلا على تحقيق نفسهاء فستكون قادرة على أن تكون 
موجودة من أجل ولدها. يجب أن تكون هي نفسها كاملة؛ وموجودة بنفسهاء 
حتى تساعد الطفل على النمو وتعلم كيف يتعامل مع الواقع؛ وأن يعرف حتى 
ما هي مشاعره الحقيقية. 


وفي عيادة أخرى» تحدّث مُعالج عن أمّ مذعورة لأ ابنها لم يكن قادرًا 


على تعلّم القراءة في المدرسة على الرغم من أن اختبارات الذكاء لديه 
أعطت نتائج عالية. كانت الأم قد تركت الجامعة» وألقت بنفسها في دور ربة 


392 اللغز الأنثوي 


المنزل» وعاشت الوقت الذي كان الصبي فيه سيدخل المدرسة» وستحقق 
هي ذاتها عن طريق إنجازاته. وإلى أن جعل العلاج الأم «تفصل» نفسها عن 
الطفل» لم يكن لديه أيّ حس بذاته ككائن مستقل. ما كان يستطيع القيام بأي 
شيء» وما كان ليقوم به» حتى في اللعب» إلا إذا طلب منه أحد ما ذلك. لم 
يستطع حتى أن يتعلم القراءة التي تتطلب ذانًا خاصة به. 


الأمر الغريب» كما قال المُعالج» هو أنهاء مثل الكثير من النساء 
الأخريات في هذه الحقبة من «الدور الأنثوي»ء في محاولتها لأن تكون 
(أمراةحقظية و وام جيذ و گنت لت فحلا دو را د کور ا جد 
كانت تدفع الجميع حولها -مسيطرة على حيوات الأولاد» مسيّرة البيت بيد 
من حديد» مديرةً أعمال النجارة؛ تلخ على زوجها بأن يقوم بأعمال عابرة لم 
ينهها قطء مديرةٌ المالية» مراقبة الاستجمام والتعليم- وكان زوجها مجرد 
رجل يدفع الفواتير». 


اكتّشف مؤخرًا في مجتمع ويستشستر» ذات النظام المدرسى المشهور 
على المستوى العالميء أن أداء الخريجين ذوي السجلات الممتازة في 
المدرسة الثانوية في الجامعة ضعيف جدّاء ولم يحرزوا الكثير من النجاح 
الذاتي فيما بعد. وكشف تحقيق سببًا نفسيًا بسيطا. كانت الأمهات طوال 
المرحلة الثانوية يقمن» بالمعنى الحرفي للكلمة» بوظائف أبنائهن وأوراقهم 
الفصلية. كنّ بهذه الطريقة في الغش يبعدن أبناءهن وبناتهن عن النمو 
العقلي. وأوضح محلل آخر كيف أن جنوح الأحداث ينتج عن "تمثيل» 
الطفل لحاجات أمه؛ عندما يكون نمو الأمّ قد عَوّق. 

عادةء كان يُنظرء في العقل الباطنء إلى الوالد الأكثر أهمية -عادةٌ الأم. على 

الرغم من أن الأب دائمًا معني على نحو ما- على أنه يشْجّع سلوك الطفل غير 

الأخلاقي وغير الاجتماعي. إذ تشبع حاجات الوالد القصابية. على نحو غير 

مباشر. عن طريق سلوك الطفل. وهذه الحاجات العصابية للوالد توجد إمّا 


الفصل الثاني عشر: التجريد المتزايد من الإتسانية: معسكر الاعتقال المريح 393 

نتيجة عجز حالي ما عن إشباعها في عالم البالفينء أو نتيجة تجارب مُعَوْقة 

في طفولته؛ أو نتيجة مزيج من كلا العاملين. وهو الأكثر شيوعًا!!. 

لقد رأى هؤلاء الذين راقبوا الجانحين الصغارء وحاولوا م اعد 
عملية التجريد المتزايد من الإنسانية هذه على أرض الواقع. واكتشفو! أن 
الحبّ لا يكفي لمواجهتها. ليس الحب التكافلي أو التساهلء الذي كان 
ترجمة لحب الأمّ في أثناء سنوات اللغز الأنشويء كافيًا لخلق د ضمير اجتماعي 
وقوة شخصية في الطفل. ولهذا فإنه يقتضي أمّا ناضجة تتمتع بجوهر ذاتى 
راسخ؛ وحاجاتها الغريزية والجنسية متكاملة مع ضمي رها الاجتماعي. يدل 
الرسوخ على والد تعلّم كيف يمكن الوصول إلى جميع يع أهدافه الرئيسية في 
مسار إبداعي ما...)2. 

وذكر معالجٌ حالة فتاة في التاسعة من عمرها قامت بالسرقة. قالت 
أمها الراغبة في حمايتهاء بشيء من «التساهل الناتج عن حاجتها إلى إشباع 
بديلي». إنها ستتخلص من ذلك مع مرور الزمن. وفي لحظة معينةه سألت 
الفتاة ذات التاسعة المُعَالج: «متى ستقوم أمي بالسرقة الخاصة بها؟». 

يمكن رؤية هذا النمط من التجريد المتزايد من الإنسانية فى حالته 
القصوى. في حالات الأطفال الفصاميين: الأطفال الخو أو 
«الشاذين»» كما يطلق عليهم أحيانًا. زرت عيادة مشهورة مضى عليها في 
دراسة هؤلاء الأطفال عشرون عامًا. وقد بدا للبعض أن حالات هؤلاء 
الأطفالء المحتجزة عند مستوى بدائى قبل-طفلى» خلال هذه الفترة» في 
ا الموكاس نيما مي م 
كانت فعا في ازدياد أم إنها فقط بدت كذلك لأن تشخيصها الآن أصبح أكثر. 
فحتى وقت متأخرء كان يعتقد أن معظم هؤلاء الأطفال متخلفون عقليًا. لكن 
الحالة أصبحت ملحوظة أكثر الآن في المستشفيات وفي العيادات ومن قبل 
Adelaide M. Johnson and S. A. Szu rels, “The Genesis of Antisocial Acting‏ )1( 


Out in Children and Adults,” Psychoanalytic Quarterly, 1952,21 :323-343. 
(2) Ibid. 





394 اللغز الأنثوي 


أطباء وأطباء نفسيين. وهي تختلف عن الأنواع العضوية من التخلف العقلي 
التي لا يمكن شفاؤها. إذ يمكن أن تعالج» وأن تشفى أحيانًا. 

يماثل هؤلاء الأطفال أنفسهم غالبا مع أشياء أو أغراض غير حية 
كالسيارات وأجهزة الراديو وغيرهاء أو مع حيوانات كالخنازير والكلاب 
والقطط. ويبدو أن لب المشكلة هو أن هؤلاء الأطفال لم ينظموا ذوات 
قوية بما يكفي أو يطوروها للتعامل مع واقع الطفل؛ لا يستطيعون أن يميّزوا 
أنفسهم على أنهم مستقلون عن العالم الخارجي؛ وهم يعيشون على مستوى 
الأشياء أو الدافع البيولوجي الغريزي الذي لم يُنظم مطلقًا ضمن إطار عمل 
إنسانى. أما بالنسبة للأسباب» فقد شعرت المرجعيات أنّها «يجب أن 
شخص ششخخصية الأب رهي الوسيظ: الذي يحول الطفل البدائق فيه جه إل 

ئن إنساني اجتماعي»'. 

زرت في العيادة (مركز جيمس جاكسون باتنام للأطفال في بوسطن) 
العاملين الذين كانوا حذرين بخصوص استخلاص نتائج تتعلق بالأطفال 
الذين يعانون من اضطراب عميق. لكنّ أحد الأطباء قال بشيء من انعدام 
الصبر فيما يخص التيار المتزايد من «الأنوات المفقودة والأنوات الهشة 
والأنوات ضعيفة التطور» التى صادفهاء «إنه الشيء الذي لطالما عرفناه؛ إذا 
كان الوالد يعاني من أنا هسَة» فسيعاني الطفل منها أيضًا». 

كانت معظم أمهات الأطفال الذين لم يطوروا جوهرًا ذاتيا إنسانيًا هن 
أنفسهن «أفرادًا غير ناضجين إلى أبعد حد»» على الرغم من أنهن على السطح 
«ايعطين الانطباع بأنهن متكيّفات جيدًا". كن اتكاليات على أمهاتهن» وهربن 
من الاتكالية إلى زواج مبكرء و«قد كافحن ببطولة من أجل بناء الصورة التي 
خلقنها للمرأة والزوجة والأمّ الرائعة والمحافظة عليها». 





(1) Beata Rank, “Adaptation of the Psychoanalytical Technique for the Treatment 
of Young Children with Atypical Development,” Americun Journul of 
Orthopsychiatry, XIX, 1, January, 1949. 


الفصل الثاني عشر: التجريد المتزايد من الإنسانية: معسكر الاعتقال المريح 395 


إن حاجة المرأة إلى أن تصبح أمّا. والأمل والتوقعات بأنها من خلال هذه 
التجربة قد تصبح شخصًا حقيقيًا وقادرةً على اختبار العواطف الحقيقية, 
قويةٌ إلى حدّ أنها بذاتها قد تخلق القلق والتردّد والخوف من. الفشل. ولأنها 
محرومة تمامًا من التعبيرات التلقائية عن المشاعر الأموميةء فإنها تدرس 
بانتياه جميع الطرق الجديدة في التنشئة وتقرأ مقالات حول الصحة الجسدية 
والنفسية!!). 


ولا تقوم رعايتها الكلية لابنها على التلقأئيةء بل على إتباع «الصورة التي 
يجب أن تكون عليها الأم الجيدة)» على أمل أنها «من خلال التطابق مع 
الطفلء الذي من لحمها ودمهاء قد تختبر على نحو غير مباشر أفراح العيش 
الحقيقى والمشاعر الحقيقية»). 


وهكذاء يُحوّل الطفل من «القصور الذاتي السلبي» إلى «الصراخ في 
الليل» إلى اللاشفقة. «لا يشكل الطفل السلبي تهديدّاء لأنه لا يبالغ في طلباته 
من أمه» التى تشعر دائمًا أنها معرضة لخطر انكشاف أن ليس لديها عاطفيًا ما 
تقدمه سوى القليل» أو لا شىء» وأنها مجرّد خداع». عندما تكتشف أنها له 
تستطيع أن تجد تحقّقها الشخصي فعلا من خلال الطفل: 

... فإنها تقاتل بشراسة للسيطرة. ريبما لا على نفسها فقط. بل وعلى الطفل 

أيضًا. الصراعات حول التدريب على استخدام المرحاض والفطام هي عمومًا 

معارك تحاول من خلالها أن تعيد الاعتبار لذاتها. ويصبح الطفل هو الضحية 

الحقيقية؛ ضحية عجز الأم الذي يخلق بدوره فيها عدائية تصل إلى حد 

انتدمير. والطريقة الوحيدة الباقية أمام الطفل حتى ينجو هي أن يتراجع. أن 

ينسحب. لا من الأمّ الخطيرة فقط. بل ومن كل العالم أيضًا!2. 

وهكذا فإنه يصبح مجرّد «شيء! أو حيوان أو «هائم قلق يبحث عن لا 
أحد ولا مكانء يترنّح في الغرفة متمايلا نحو الأمام والخلف ودائرًا حول 
الجدران كما لو كانت قضبانًا يجب أن يخترقها». 


(1) Ibid. 
(2) Ibid. 





394 اللغز الأنثوي 


كان الأطباء في هذه العيادة قادرين على تتبع أثر نمط مشابه يعود بضعة 
أجيال إلى الوراء. كان التجريد من الإنسانية متزايدًا حقا. 

يمكن أن نفترض على ضوء الملاحظات السريرية أن النزاع الذي اكتشفناه في 

جيلين ربما وَجد على نطاق واسع على مدى أجيال من قبل وأنه سيستمرٌ في 

أجيال قادمة. ما لم يُقاطع هذا النمط بتدخل علاجي أو يُتَمّذ الطفل من قبل 

شخص- أب مذكّرء وهو رجاء لن تقودنا تجربتنا إلى توقعه!!). 

ولكن لا انعلاج ولا الحب كافيان لمساعدة هؤلاء الأطفالء إذا استمرت 
الأم في العيش على نحو غير مباشر عن طريق الطفل. لاحظت هذا النمط 
فاته لدي ال هن الا اللواتن اا ا طن على ا 
أو يربينهن على أساس الاتكالية والتوافق السلبيان» أو يدفعنهن بلا وعي إلى 
القيام بنشاطات جنسية. كانت إحدى أكثر النساء اللواتي قابلتهن مأساوية 
أمّ تلك الفتاة ذات الثلاثة عشر عامًا التي تمشي في نومها. زوجة مدير 
ثرية حياتها مليئة بكل أشكال الزخارف» كانت تعيش وفق صورة «الوجود 
معًا» ذاتها للعيش فى الضواحى» باستثناء أنه كان مجرّد قشرة. كانت حياة 
زوجها الحقيقية هي عمله؛ ج لم يستطعء أو لم يشأء أن يشاطر زوجته 
فيها. ربحثت عن استرداد إحساسها بالحياة عن طريق دفع ابنتها ذات الثلاثة 
عشر عامًا بلا وعى إلى التخيّط الجنسى. كانت تعيش فى حياة ابنتها الجنسية 
الزائفة» التي كانت بالنسبة للفتاة خالية من الشعور الفعلى بحيث أصبحت 
فيهأ روني ١‏ 

كان عددٌ قليلٌ من المعالجين والاستشاريين يحاولون «مساعدة» الأم 
والأس. مفترضين» كما أظن» أنه لو كانت حاجات الأم العاطفية-الجنسية 
مشبعة في الزواج من قبل زوجهاء لما كانت بحاجة إلى حلها عن طريق ابنتهاء 
ولكنانت ابنتها نفسها قادرة على النمو بعيدًا عن «التشيّوٌ) نحو الأنوثة. وقد 


(1) Beata Rank, Marian C. Putnam, and Gregory Rochlin, M.D., “The Signilîca: :ce 
of the ‘Emotional Climate’ in Early Feeding Difficulties,” Psychosomatic 
Medicine, X, 5, October, 1948. 








الفصل الثاني عشر: التجريد المتزايد من الإنسانية: معسكر الاعتقالالمريح 397 
حدث ذلك لأن الزوج لديه مشاكل كثيرة خاصة به بدت معها توقعات الأم 
بالحصول إلى الأبد على حب كاف منه معتمةء فكان الاستشاريون يحاولون 
أن يجعلوا الأمّ تطور بعض الاهتمامات الحقيقية في حياتها الشخصية. 

لکن» مع نساء أخريات قابلتهن -كنّ قد تهرّبن من نموّهن الذاتي بالعيش 
البديلي ونقص الغايات الشخصية- لم يفلح حتى الأزواج الأكثر حبّا في 
إيقاف الأذى المتزايد لحيواتهن وحيوات أبنائهن. لقد رأيت ما يحدث عندما 
تدفع النساءء بلا وعي» بناتهن إلى النشاط الجنسي في عمر صغير جدًاء لأنّ 
المغامرة الجنسية هى المغامرة الوحيدة الحقيقية -أو وسيلة تحقيق المكانة 
أو الهوية- في حب واليوم» تعاني تلك الفتيات -اللواتي كن «يمثلن» 
أحلام أمهاتهن وطموحاتهن المحبطة بالطريقة الأنثوية «العادية». واللواتي 
ربطن عرباتهن بالنجوم الصاعدة لرجال مؤهلين وطموحين- في حالات 
كثيرة» من ذات الإحباط وعدم التحقق اللذين عانت منهما أمهاتهن. لا 
يندفعن جميعًا حافيات الأقدام إلى مخفر الشرطة خائفات من أن يقتلن 
الزوج والطفل اللذين أوقعاهن في فخ ذلك البيت» كما يعتقدن. لا يصح 
جميع أبنائهن تهديدات عنيفة في الحي وفي المدرسة؛ ولا #تمثّل» جميع 
بناتهن خيالات أمهاتهن الجنسية» ويحملن في سن الرابعة عشرة. كما لا 
تبدأ كل ربات المنازل أولئك تناول المشروب عند الساعة الحادية عشرة 
صباحًا لإخفاء الأنين المكتوم لغسالة الصحون أو الغسالة الآلية أو المجففة 
والتي هي» في النهايةء أصوات الحياة الوحيدة في ذلك البيت الخالئء لأن 
جميع الأولاد يخرجون واحدًا تلو الآخر إلى المدرسة. 

لکن» في ضواح مثل بيرجن كاونتيء ارتفع معدل «الانفصال» على نحو 
مفرط ليصل إلى 1007 تقريبًا في الخمسينيات» لأن الرجال الطموحين 
المؤهلين تابعوا نموهم في المدينة» في حين تهرّبت زوجاتهم من النمو عن 
طريق العيش البديلي أو عدم الالتزام محققات دورهن الأنثوي في البيت. 
ما دام الأولاد في البيت» وما دام الزوج موجودّاء كانت الزوجات يعانين 


398 اللفز الأننوي 
على نحو متزايد من أمراض حادة. لكنهن يتعافين منها. لكن كانت هناك 
فى بيرجن كاونتى فى ذلك العقد زيادة حادة فى عدد حالات الانتحار بين 
الاد الا فور ال وا ن وف غد ارجات الات 
اللواتي جئن للاستشفاء ممن كبر أبناؤهن وغادروا البيت”. كانت ربات 
المنازل اللواتي دخلن للاستشفاء ولم يتعافين بسرعة» فوق كل ذلك هنّ 

أولئك اللواتي لم يطوّرن قدراتهن الخاصة في العمل خارج المنزل”. 
ما زال الانهيار الكبير» الذي قد يحدث عندما تصل أعداد متزايدة من 
ربات المنازل-الأمهات الشابات الجديدات تلك واللواتي هنّ منتجات 
للغز الأنثوي» إلى سن الأربعين» مسألة تأمّل. لكنّ التطفيل المتزايد 
لأبنائهن وبناتهن» كما ينعكس في سلسلة الزواجات المبكرة» قد أصبح 
حقيقية منذرة بالخطر. في المؤتمر الوطني لجمعية دراسات الأطفال 10ن1© 
Study Association‏ الذي عقد في آذار/ مارس 1962 تمّ الإدراك أخيرًا أن 
الزواجات والأبوّة المبكرة الجديدة» والتي كانت في الماضي تعتبر مؤشرًا 
على «تحسّن النضج العاطفي» لدى الجيل الأصغر سنّاء هي علامة على 
«التطفيل» المتزايد. اتفق المهنيون العاملون في مجال الطفل والأسرة على 
أن ملايين الشباب الأمريكيين» الذين كانوا فى الستينيات يتزوجون قبل 
سن العشرين» دليل على عدم النضج والاتكالية العاطفية اللذين يبحثان 
عن الزواج بوصفه طريقًا مختصرًا سحريًا إلى حالة النضج» حل سحري 
لمشاكل لا يستطيعون مواجهتها بأنفسهم. وتم تشخيص هؤلاء العرسان 
والعرائس الطفليين على أنهم ضحايا «علاقة الحب الحزين والمريض [لهذا 

الجيل] مع أبناتهم». 

مارك فتيات كثيرات أنهن يردن الزواج لأنهن لم يعدن يردن العمل. إنهن 
يخفين الأحلام التي يحلمن بموجبها أن يعتني أحد ما بهن بقية حياتهن دون 


(1) Richard E. Gordon and Katherine K. Gordon, “Social Psychiatry of a Mobile 
Suburb,” op. cit., pp. 89-100. 
(2) Ibid. 





الفصل الثاني عشر: التجريد المتزايد من الإنسائية: معسكر الاعتقال المريح 399 
قلق مع القليل فقط من الأثاث ليقمن بالقليل من العمل المنزلي وجولات التسوّق 
الممتعة في المدينة وأطفال سعداء وجيران لطفاء. ويبدو الحلم بزوج. على 
نحو ماء قليل الأهمية. لكنهء في خيالات الفتيات عن الزواج: يتعلّق عادةٌ برجل 
يملك قوّة أب قوي موثوق لا يتهدّم ولطف أمّ طيبة وعطاءها وحبها المتفاني. 
أما الشباب ففالبًا ما يرجعون رغبتهم في الزواج إلى الرغبة في الحصول 
على امرأة حنون في البيت وممارسة الجنس بانتظام بطلبه منها دون عناء ولا 
إزعاج. ... في الحقيقة؛ ما يفترض أن يضمن النضج والاستقلالية هو رجاء 
مكتوم بضمان الاتكالية وإطالة علاقة الطفل-الأهل مع مزايا أن يكون المرء 
طفلا وبأقل ما زک من القيود!!), 
وكانت هناك علامات مشؤومة أخرى على امتداد الأمة على وجود عنف 

متزايد غير مضبوط بين الأهل الشباب وأبنائهم عالق في فخ تلك الاتكالية 

السلبية. ذكر طبيب نفسي أن ردة فعل تلك الزوجات على عدائية أزواجهن 
هي أن يصبحن أكثر اتكالية وسلبية» حتى يصبحن أحيانّاء وبالمعنى الحرفي 
للكلمةء عاجزات عن الحركة أو القيام بخطوة واحدة بأنفسهن. وهذا لم 
يجعل أزواجهن يعاملونهن بمزيد من الحب» بل بمزيد من الغيظ. وما الذي 
كان يحدث للغيظ الذي لم تكن الزوجات يجرؤن على استخدامه ضد 

أزواجهن؟ فكروا في هذا الخبر الذي نشر مؤخرًا (مجلة تايم» 20 تموز/ 

يوليو 1962) حول «متلازمة الطفل المنتهك». 
تصبح الحادثة للعديد من الأطباء متشابهة على نحو مفجع. يُحضر طفل. 
عمره عادةٌ أقل من ثلاث سنوات. إلى المكتب وهو يعاني من كسور متعددة, 
تتضمن غالبًا كسرًا في الجمجمة. يعبّر الأبوان عن قلق مناسب ويقولون أن 
الطفل سقط عن السرير أو تدحرج على الدرج أو تأذى على يد أحد زملائه 
في اللعب. لكنْ صورة الأشعة وخبرة الطبيب تقوده إلى نتيجة مختلفة: لقد 
تعرّض للضرب على يد أبويه. 
وجد فريق من جامغة كولورادو من خلال الوثائق التي جمعها من 71 


(1) Oscar Sternbach, “Sex Without Love and Marriage Without Responsibility,” 
an address presented at the 3811 Annual Conference of The Child Study 
Association of America, March 12, 1962, New York City (mimeo ms.). 


400 اللفز الأنثوي 
مستشفى 302 حالة طفل منتهك في سنة واحدة؛ مات منهم 3 وعانى 85 
من ضرر دماغي دائم. وكان احتمال عيش الأهل الذي دفعوا إلى رفس 
أبنائهم ولكمهم ولي أذرعهم وضربهم بالمطارق أو بالطرف ذي الإبزيم من 
أحزمتهم وحرقهم بالسجائر أو المكاوي الكهربائية» في تلك البيوت ذات 
الطابقين في الضواحي مثل احتمال عيشهم في شقق. وتنبأت الجمعية الطبية 
الأمريكية أنه عندما تكتمل الإحصاءات المتعلقة بمتلازمة الطفل المنتهك» 
«فالأرجح أن نكتشف أن تكون سببًا للموت أكثر انتشارًا من تلك الأمراض 
المدروسة على نحو شامل والمعروفة جيدًا كاللوكيميا والتليف الكيسي 
و الحثل العضلي ‘muscular dystrophy‏ . 
كان الأرجح أن الأم هي من تقوم بضرب الطفل المنتهك. كما قالت أم 
شابة لأربعة أطفال للطبيب وهي تعترف بأمنيتها في قتل نفسها: 
لا يبدو هناك أيّ سبب أمامي للاستمرار في العيش. ليس هناك ما أتطلع 
إليه. أنا وجيم لم نعد حتى نتحدث ممًا إلا عن الفواتير والأشياء التي تحتاج 
إلى إصلاح في البيت. أعرف أنه مستاء من أنه عجوز إلى هذه الدرجة ومن 
أنه مربوط هكذا وهو ما يزال شابّاء وهو يلقي باللوم في ذلك علي لأنني من 
أراد أن نتزوج حينها. لكنّ أسوأ ما الأمر هو أنني أشعر بالحسد تجاه أطفالي. 
وتقريبًا أكرههم. لأنّ لديهم حيواتهم أمامهم» أما حياتي فقد انتهت. 


قد تكون مصادفة رمزية» وقد لا تكون» لكن في الأسبوع ذاته الذي 
أدركت فيه جمعية الطفل والأسرة المعنى الحقيقى للزواجات المبكرة» 
أظهرت مراجعة الكتب في صحيفة نيويورك تايمز (الأحد في 18 آذار/ 
مارس 1962) شعبية جديدة غير مسبوقة بين البالغين الأمريكيين للكتب 
التي تدور عن علاقات «الحب» بين البشر والحيوانات. خلال نصف قرن» 
لم يكن هناك كتب عن الحيوانات على قائمة الكتب الأكثر مبِيعًا بمقدار 
ما كان منها خلال السنوات الثلاث الماضية (1959-1962). وفي حين 
هيمنت الحيوانات دائمًا على أدب الأطفال الصغاره فإنْ البشر مع سن 


الفصل الثاني عشر: التجريد المتزايد من الإنسانية: معسكر الاعتقال المريح 401 





النضج يصبحون أكثر اهتمامًا بالبشر الآخرين. (إنه مجرّد رمزء لكنّ رجحان 
صور الحيوان على صور الإنسان» في اختبار رورشاخ «(Rorschach test)‏ 
هو علامة على التطفيل). وهكذا فقد حمل التجريد المتزايد من الإنسانية 
العقل الإنساني في السنوات الخمس عشرة الماضية من عبادة الشباب 
إلى «علاقة الحب المريض» تلك مع أبنائنا؛ من الاستغراق في التفاصيل 
الجسدية للجنس منزوعًا من إطاره الإنساني إلى علاقة حب بين الإنسان 
والحيوان. فأين سينتهي الأمر؟ 

أعتقد أنه لن ينتهي, ما دام اللغز الأنثوي يقنع فراغ دور ربة المنزل 
مشجعًا الفتيات على التهرّب من نموّهن عن طريق العيش البديلي وعن 
طريق عدم الالتزام. لقد مضينا بعيدًا جدًا في إلقاء اللوم على الأمهات 
اللواتي التهمن أبناءهن, أو الإشفاق عليهن, الأمهات اللواتي بذرن بذور 
التجريد المتزايد من الإنسانية» لأنهن أنفسهن لم يبلغن مرحلة الإنسانية 
الكاملة. إذا كانت الأمّ هي المخطئة» فلم لا يكون هذا هو الوقت لكسر 
هذا النمطء وذلك بحت كل تلك الحسناوات النائمات على النضج وعيش 
حياتهن الخاصة؟ لن يكون هناك قط ما يكفي من الأمراء الساحرين» أو 
ما يكفي من المعالجين» لكسر ذلك النمط الآن. إنه عمل المجتمع» وفي 
النهاية» عمل كل امرأة بمفردها. إذ ليست قوة الأمهات هي المخطئة بل 
ضعفهن» اتكاليتهن الطفولية وعدم نضجهن السلبيان اللذان يُؤْخذان خطأً 
على أنهما (أنوثة». يجبر مجتمعنا الصبيان» إلى الحد الذي يستطيعه» على 
النضج وتحمّل آلام النمو وتعليم أنفسهم العمل والاستمرار. فلماذا لا 
تجبر الفتيات على النضجء وعلى أن يحققن» على نحو ماء الجوهر الذاتي 
الذي سينهى المعضلة غير الضرورية» الخيار الخطأ بين الأنوثة والإنسانية 
المتضمن في اللغز الأنقوي؟ 

لضان ال للتو قف عرد عت الأميات عا فحن ان اكه 
ولمواجهة المفارقة بين طلب اللغز من النساء أن يكرّسن أنفسهن تمامًا لبيتهن 


402 اللغز الأنثوي 


وأولادهن والحقيقة القائلة أن معظم المشاكلء التي تعالج الآن في عيادات 
إرشاد الأطفالء لا ثحل إلا بمساعدة الأمهات على تطوير اهتمامات مستقلة 
خاصة بهن وبال يحتجن إلى إشباع حاجاتهن العاطفية من خلال أولادهن. 
لقد حان الوقت للتوقف عن حض النساء على أن يكن أكثر «أنوثة». حين 
ينمّى ذلك فيهن سلبية واتكالية تجعل الجنس مجردًا عن الشخص» ويفرض 
عبنًا مستحيآا على أزواجهن؛ سلبية متنامية في أبنائهن. 

ليست مبالغة أن نطلق على الوضع الراكد لملايين ربات المنازل 
الأمريكيات صفة المرض» مرض على هيئة ضعف متزايد في الجوهر الذاتي 
الإنساني ينقلنه إلى أبنائهن وبناتهن في وقت تجعل الجوانب المجردة من 
الإنسانية للثقافة الجماهيرية العصرية من الضروري للرجال والنساء أن 
يمتلكوا جوهرًا ذاتيًا قويّاء قويًا بما يكفي للمحافظة على الفردية الإنسانية 
عن طريق ضغوط بيئتنا المتغيرة المخيفة والتي لا يمكن التنبؤ بها. ليست قوة 
النساء سبب هذا المرض» بل دواءه. لا يمكن تحطيم اللغز الأنثوي وإيقاف 
تجريد الأولاد المتزايد من الإنسانية إلا عند السماح للنساء باستخدام كامل 
قوّتهن وبالنمو حتى يحققن كامل قدراتهن. لم تعد معظم النساء يستطعن» 
بوصفهن ربات منازل» استخدام كامل قوّتهن وأن ينمون حتى تحقيق كامل 
قدراتهن. 

من الملخ أن نفهم كيف أن الظرف نفسه الذي تكون المرأة فيه ربة منزل 
يمكن أن يخلق لديها إحساسًا بالفراغ وبعدم الوجود وبالتفاهة. هناك جوانب 
في دور ربة المنزل تجعل من المستحيل تقريً على امرأة تتمتع بذكاء امرأة 
بالغة أن تحتفظ بحسل بالهوية الإنسانية وبالجوهر الذاتى المتين أو بال«أنا» 
التى لا يكون الإنسان -رجلا أو امرأة- حيًا بالفعل قوق أنا مقتنعة أن 
هناك, بالنسبة للنساء الموهوبات في أمريكا اليوم» شيءٌ خطير في وضع 
ربة المنزل نفسه. وبمعنى ماء ليس ذلك بعيد الاحتمال كما يبدو؛ فالنساء 
اللواتي «يتكيّفن» كربات منازل» اللواتي يكبرن وهنّ يردن أن يكن «ربة منزل 





الفصل الثاني عشر: التجريد المتزايد من الإنسانية: معسكر الاعتقال المريح 403 


فقط»» هنّ في خطر يعادل الخطر الذي كان فيه ملايين الأشخاص الذين 
ساروا إلى حتفهم في معسكرات الاعتقال» والملايين الإضافية التي رفضت 
أن تصدّق وجود معسكرات الاعتقال. 

في الحقيقة» هناك فكرة غريبة غير مريحة عن السبب الذي يجعل امرأة 
قادرة بسهولة على فقدان حسها بالذات كريّة منزل فى مشاهدات نفسية معينة 
حول سلوك السجناء في معسكرات الاعتقال النازية. ففي تلك الأوضاع 
المبتكرة قصدًا من أجل تجريد الإنسان من إنسانيته» يصبح السجناء 
بالمعنى الحرفي للكلمة. «جئنًا تسير». تخلى أولئك الذين «تكيّفوا» مع 
ظروف المعسكرات عن هويتهم الإنسانية ومضوا بلامبالاة تقريبًا إلى 
موتهم. من الغريب» أن الظروف التي دمرت الهوية الإنسانية للكثير من 
السجناء ليست التعذيب والوحشية» بل ظروف شبيهة بتلك التي تدمّر هوية 
ربة المنزل الأمريكية 


كان السجناء في معسكرات الاعتقال مُجبرين على تبني سلوك طفولي» 
على التخلّي عن فرديتهم والاندماج في كتلة غير متبلورة. دُمّرت» منهجيّاء 
قدرتهم على تقرير المصير وعلى التنبؤ بالمستقبل والاستعداد له. كانت 
عملية تدريجية» حدثت في مراحل دقيقة عمليّاء ولكن في النهاية» مع تدمير 
الاحترام الذاتي لدى البالغين وإطارهم المرجعي اكتملت عملية التجريد 
من الإنسانية. كانت هذه هي العملية كما لاحظها برونو بيتلهايم (0من:8 
اذ |861:6)» وهو محلل نفسي وعالم نفس تربوي» عندما كان سجيئًا في 
داكاو (Dachau)‏ ويوختفالد (210«معطاعن2”)8 في عام 029 

عندما دخل السجناء معسكر الاعتقال» انفصلوا تقريبًا بطريقة صادمة 
عن اهتماماتهم الراشدة الماضية. وكان هذاء بحد ذاته» ضربة قوية ة لهويتهم 


(1) معسكرا اعتقال شهيران في ألمانيا النازية - المترجم. 
Bruno Bettelheim, The Informed Heart-Autonomy in a Mass Age, Glencoe.‏ (2) 
1ll., 1960.‏ 


404 اللفز الأنثوي 


فوق كل احتجازهم الجسدي. تمكنت قلة منهم» قلة فقطء من العمل سرًا 
بطريقة كانت محط اهتمامهم في الماضي. لكن كان من. الصعب القيام 
بذلك وحدهم؛ فقد كان حتى الحديث عن تلك الاهتمامات الراشدة 
الأكبر» أو إظهار شيء من المبادرة في السعي وراءهاء يثير عدائية السجناء 
الآخرين. كان السجناء الجدد ا أن يبقوا اهتماماتهم القديمة حيّة: 
لكنّ «السجناء القدامى بدوا مهتمين أساسًا بمشكلة كيف يعيشون بأحسن 
ما يمكن في المعسكر). 

كان معسكر الاعتقال بالنسبة للسجناء القدامى هو الحقيقة الوحيدة”"). 
لقد اخمّصر وجودهم إلى انشغال طفولي بالطعام وطرح الفضلات وإشباع 
الحاجات المادية البدائية؛ لم تكن لديهم أية خصوصية ولا أي حافز من 
العالم الخارجي. ولكن» فوق ذلك كله» كانوا مجبرين على قضاء أيامهم 
في عمل يسبب لهم إرهاقًا شديدًا؛ لا لأنه قاتل جسديّاء بل لأنه رتيب لا 
نهاية له ولا يتطلب أي تركيز عقلي ولا د يمنح أي أمل بالتقدم أو التقديرء 
وكان أحيانًا بلا معنى وتتحكم به حاجات الآخرين ¿ أو سرعة الآلات. لم 
ا ا NRL‏ 
بالتعبير عن الذات ولا حتى بتحديد حقيقي للوقت 

وكلما كان السجناء يتخلون ع الإنسانية الراشدة» كانوا 
يزدادون انشغالا بالخوف من فقدان قدرتهم الجنسية» ويصبحون أكثر 
انشغالا بالحاجات الحيوانية الأكثر بساطة. جلب لهم الراحة في البداية 
أن يتخلّوا عن فرديتهم» وأن يفقدوا أنفسهم في الكتلة مغفلة الأسماء؛ أن 
عرد ا لحت ARES‏ 
حقيقية في ظل هذه الظروف2 ». وحتى المحادثة» التي كانت تسلية السجين 
المفضلة» وكان لها دور كبير في جعل الحياة محتملة» توقفت بسرعة عن 


(1) Ibid., pp. 162-169. 
(2) Ibid., p. 231. 


الفصل الثاني عشر: التجريد المتزايد من الإنسائية: معسكر الاعتقال المريح 405 


أن يكون لها أي معنى حقيقي”'. وهكذا تصاعد الغضب فيهم. لكنّ غضب 
الملايين» الذي aE‏ الأسلاك الشائكة وبنادق 
قوات الشرطة النازية» ڌ تحوّلء بدلا من ذلك» ضد أنفسهم» بل وضد السجناء 
الأضعف منهم. ثم شعروا أنهم أضعف حتى مما هم عليه في الواقع» ورأوا 
قوات الشرطة والسياجات أكثر حصانة مما كانت عليه فعلا. 

وقيل» أخيرًا إن السجناء أصبحوا أسوأ عدو لأنفسهم» وليس قوات 
الشرطة. لأنهم لم يتمكنوا من تحتل رؤية وضعهم كما كان فعلا؛ لأتهم 
أنكروا حقيقة حقيقة مشكلتهم ذاتهاء وفي النهاية «تكيّفوا» مع المعسكر نفسه كما 
O‏ لد عشج زر الي حدر من ضع طقل لمر 
بنادق الشرطة قوية بما يكفي لإبقاء كل أولئك السجناء خاضعين. لقد تم 
التلاعب بهم ليبقوا أنفسهم في الفخ؛ حبسوا أنفسهم بجعل معسكر الاعتقال 
العالم كله» بإغلاق أعينهم عن عالم الماضي الأوسع وعن مسؤوليتهم تجاه 
الحاضر وعن إمكانياتهم من أجل المستقبل. هؤلاء الذين نجواء الذين لم 
يموتوا ولم يفنواء هم أولئك الذين حافظوا بدرجة جوهرية ما على القيم 
والاهتمامات الراشدة التي كانت جوهر هويتهم في الماضي. 

يبدو كل ذلك بعيدًا جدًا عن الحياة السهلة لربة المنزل الأمريكية ساكنة 
الضواحي. ولكن أليس بيتها في الحقيقة معسكر اعتقال مريح؟ ألم تحبس 
النساء اللواتي يعشن في صورة اللغز الأنثوي أنفسهن ضمن الجدران 
الضيقة لبيوتهن؟ لقد تعلّمن أن «يتكتفن» مع دورهن البيولوجي. لقد 
أصبحن اتكاليات وسلبيات وطفوليات؛ لقد تخلين عن إطارهن المرجعي 
الراشد ليعشن عند المستوى الإنساني الأدنى القائم على الطعام والأشياء. 
5 يقطات العدل الذي قسن به قدرا كا راشدة؟ لرا توي وغيز 
مُرض. . لا تجري بالطبع تهيئة النساء الأمريكيات للإبادة الجماعية. لكنهن 
يعانين من موت بطيء للعقل والروح. وتمامًا مثل السجناء في معسكرات 


(1) Ibid., pp. 233 ff. 


406 اللغز الأنثوي 





الاعتقال» هناك نساء أمريكيات قاومن ذلك الموت. وأفلحن فى المحافظة 
على جوهر ذاتي» ولم يفقدن التماس مع العالم الخارجي» ويستخدمن 
قدراتهن لغايات إبداعية ما. إنهن نساء ذوات روح وذكاء» وقد رفضن أن 
«يتأقلمن» مع دور ربة المنزل. 

قيل مرارًا وتكرارًا إن التعليم قد أبعد النساء الأمريكيات عن «التأقلم» 
يركز ما اكتشفه العقل الإنساني وأبدعه في الماضيء ويعطي الإنسان القدرة 
على خلق مستقبله- قد جعل المزيد والمزيد من النساء الأمريكيات يشعرن 
على أنه علامة واضحة على أن النساء قد تجاوزن دور ربة المنزل. 

من غير الممكن أن يحافظ المرء على هويته عن طريق التكيّف ولأية فترة 
من الزمن مع إطار مرجعي هو في حد ذاته مدمّر للهوية. إنه لمن الصعب جدًا 
على الإنسان أن يحتمل مثل ذلك الانقسام «الداخلي» المتوافق ظاهريًا مع 
واقع واحد» فيما هو يحاول أن يحافظ داخليًا على القيم التي ينكرها. معسكر 
الاعتقال الذي مشت إليه النساء الأمريكيات. أو أقنعن به» هو بالضبط حقيقة 
من ذلك القبيل» إطار مرجعي ينكر على المرأة الهوية الإنسانية الراشدة. 
ومن خلال التكيّف معه تقر زّم المرأة ذكاءها ليصبح طفوليًاء وتبتعد عن الهوية 
الفردية لتصبح روبوئًا بيولوجيًا بلا اسم ضمن حشد سهل الانقياد. ٠‏ تصبح 
أقل من إنسانء تقع فريسة الضغوط الخارجية» وهي بدورها توقع زوجها 
2 00 0 طال الكايقاا بن ا بأنها موجودة فعلا. 
باتبار قذرتها الجسية وتخيش اة بديلية e‏ 9 
اليقظة العامة أو من خلال زوجها وأولادها. لا تريد أن يذكرها أحد بالعالم 
الخارجي؛ تصبح مقتنعة أن ليس هناك ما تستطيع فعله بخصوص حياتها أو 
العالم الذي من شأنه أن يحدث فرقًا. ولكن بغض النظر عن عدد المرات 








الفصل الثاني عشر: التجريد المتزايد من الإنسانية: معسكر الاعتقال المريح 407 


التي تحاول فيها أن : ل لي 
تضحية ضرورية لأولادها وزوجهاء فإن ذلك لا يخدم أية غاية 

وبالتالي تصبح الطاقة الهجوميةء التي يجب أن تستخدمها في 0 بد 
من ذلك» الغضبٌ الرهيبٌ الذي لا تجرؤ على تحويله ضد زوجها وتشعر 
بالخجل من تحويله ضد أطفالهاء وفي النهاية تحوّله ضد نفسهاء حتى تشعر 
وكأنها لا توجد. ومع ذلك» في معسكر الاعتقال المريح كما في المعسكر 
الحقيقي» هناك شيء قوي جدًا في المرأة يقاوم موت ذاتها. 


يتحدث بيتلهايم» واصمًا تجربة لا تنسى في معسكر الاعتقال» عن 
مجموعة من السجناء العراة -الذين لم يعودوا بشرّاء بل مجرّد روبوتات 
سهلة الانقياد- الذين جرى صفهم في رتل لدخول غرفة الغاز. أمر الضابط 
الآمر في الشرطة النازية إحدى السجينات» بناء على معرفته أنها كانت راقصة 
فيما مضى» أن ترقص له. ففعلت» وفيما هي ترقصء اقتربت منه وانتزعت 
مسدسه وأطلقت النار عليه. أرديت قتيلة على الفورء لكن بيتلهايم يُدفع إلى 
السؤال: 
أليس محتملا أن يكون الرقص. على الرغم من الوضع الفريب الذي رقصت 
فيه. قد جعلها مرةٌ أخرى شخصًا. فمن خلال رقصها جرى تمييزها كفرد: 
وھا ان ودی ما کان بوتا مها التجفارة: لثمن تجرد رقم. سجينة 
مجردة من الشخصية لا اسم لهاء بل الراقصة التي كانتها يومًا. لكنها في 
تحوّلها للحظة استجابت. كما كانت ذاتها القديمة تستجيب. مدمّرة العدو 
المصمّم على تدميرها حتى إذا كان عليها الموت نتيجة لذلك. 
على الرغم من مئات الآلاف من الأشخاص الموتى وهم على قيد الحياة. الذين 
كانوا يسيرون بهدوء إلى قبورهم» فإن هذا المثال الواحد يبيّن أنه يمكن في 
ثانية استعادة الشخصية القديمة. وابطال تدميرهاء عندما نقرّر بذاتنا أننا 
نرغب في أن نتوقف عن أن نكون وحدات في النظام. وهذه الراقصة» ممارسة 
حريتها الضائعة التي لم يفلح حتى معسكر الاعتقال في سلبها -لتقرر كيف 
يمكن أن يرغب المرء في أن يفكر ويشعر بخصوص ظروف حياته- تحررت من 





408 اللغز الأنثوي 


سجنها الحقيقي. وقد تمكنت من القيام بذلك لأنها كانت مستعدة للمخاطرة 

بحياتها لتحقيق الاستقلالية مرة أخرى!!). 

ليس بيت الضواحى معسكر اعتقال ألمانى» ولا ربات المنازل 
الأمريكيات في طريقهن إلى غرفة الغاز. لكنهن عالقات في فخ» وحتى 
يتخلصن منه يجب عليهن» مثل الراقصة» أن يمارسن في النهاية حريتهن 
الإنسانية» وأن يستعدن إحساسهن بالذات. يجب أن يرفضن أن يكنّ بلا اسم 
ومجردات من الشخصية ومتلاعب بهن» وأن يعشن حيواتهن الخاصة مرة 
أخرى وفق الغاية التي يخترنها ذاتيًا. يجب أن يبدأن بالنمو. 





(1) Ibid., .م‎ 265. 





الفصل الثالث عشر: الذات المصّادرة 409 


الفصل الثالث عشر 


الذات المُصَادرة 


تزايد اهتمام علماء السلوك الإنساني بالحاجة الإنسانية الأساسية إلى 
النمو» وبإرادة الإنسان فى أن يكون كل ما هو مؤهل له. افترض مفكرون 
في مجالات عديدة -من بي رجسون إلى كورت جولدشتاين وهاینز هارتمان 
وأولبورت وروجرز ويونغ وأدلر ورانك وهورني وأنجيال وفروم وماي 
وماسلو وبيتلهايم ورايسمان وتيليش والوجوديين- جميعًا وجود نزعة 
أكثر امتلاءًا ونحو تحقّق الذات. لا تتضمن هذه «الرغبة في السلطة» أو 
«توكيد الذات» أو «الهيمنة» أو «الاستقلالية)» حسب التسميات المتنوّعة 
التى أطلقت عليهاء عدوانًا أو صراعًا تنافسيًا بالمعنى العادي؛ إنها الفرد 
مؤكدًا وجوده وإمكانياته كوجود متمتع بحقه الشخصي؛ إنها «الشجاعة 
في أن تكون فردًا»'. أكثر من ذلك» لقد قدّم العديد من هؤلاء المفكرين 
مفهومًا جديدًا للإنسان السليم نفسيّاء وللحالة السوية وعلم الأمراض. تعتبر 
Rollo May, “The Origins and Significance of thé Existential Movement in‏ )1( 
Psychology,” in Existence, 4 New Dimension in Psychiatry and Psychology,‏ 
Rollo May, Ernest Angel and Henri F. Ellenberger, eds., New York, 1958,‏ 
pp. 30 f. (See also: Erich Fromm, Escape from Freedom, pp. 269 ff.; A. H.‏ 


Maslow, Motivation and Personality, New York, 1954; David Riesman, The 
Lonely Crowd). 


410 اللفز الأنثوي 


الحالة السوية «أعلى تفوق يستطيع الإنسان الوصول إليه». والفرضية هي أن 
الإنسان لا يكون سعيدًا وراضيًا ذاتيًا وسليمًا وخاليًا من الإحساس بالذنب 
| لأاعنذها ىة يصبح ما يستطيع أن يكونه. 

في هذا التفكير النفسي الجديد الذي يبحث عن فهم ما يجعل الناس 
إنسأنيين» ويعددف ew‏ ذاك الذي يدمّر قدرة الإنسان على 
تحقيق وجوده الخاص» يصبح 1 لزمن المهم هو المستقبل. لي المرم 
ا 
e‏ 
بالحاة a‏ إنه یجرد من وجوده من خلال الفشل في تحقيق عدو 
وجوده كاملا. 


يو د كا ع يد 
3 طريق تكييفهم مع الثقافة. لحن ا او ایح ا ن 
e‏ ليس علاجًا إطلاقًاء وفقًا للمفكرين ن النفسيين الجدد. 
يقبل المريض عالمًا ضيقًا دون صراع. لأن عالمه الآن متماثل مع الثقافة. وبما 
أن القلق لا يأتي إلا مع الحريةء فإِنَّ المريض يتغلب بشكل طبيعي على قلقه: 
يتحرّر من أعراضه لأنه يتخلى عن الإمكانيات التي سببت قلقه. ... هناك 
بالتأكيد مسألة إلى أي هدى يستطيع هذا التحرّر من الصراع؛ عن طريق 
التخلي عن الوجود, أن ينجح دون أن يولد في الأفراد وضي المجموعات اسا 
مغمورًا. استياءً! سينفجر فيما بعد في تدميرية ذاتية ٠‏ فالتاريخ يعلن المرّة تلو 
المرّة أنّ حاجة الإنسان إلى الحرية ستندلع عاجلا أم آجلا!!). 


قد لا يعرف هؤلاء المفكرون مدى الدقة التي يصفون بها نوع التكيف 
الذي فرض على ربات المنازل الأمريكيات. ولكنّ ما يصفونه بتدمير ذاتي 
لدى الرجل ليس» كما أعتقدء أقل تدميرًا لدى النساء اللواتي يتكيّفن مع اللغز 





(1) Rollo May. “Contributions of Existential Psychotherapy,” in Existence, A Neu: 
Dimension in Psychiatry and Psychology, p.87. 








الفصل الثالث عشر: الذات المصادرة 411 


الأنثوي» اللواتي يتوقّعن أن يعشن من خلال أزواجهن وأبنائهنء اللواتي لا 
يردن سوى أن يكنّ محبوبات وآمنات» وأن يكن مقبولات من الآخرين» 
اللواتي لا يقمن باي التزام خاص بهن نحو المجتمع أو نحو المستقبل» 
اللواتى لا يحقّقن قط إمكانيتهن الإنسانية. لقد جردت أولئك النساء 
المتكيفات» أو التُعَالْجَاتة اللواتي يعشن بلا نزاع أو قلق في عالم البيت 
الضيّقء من وجودهن؛ أمّا الأخريات» المحبطات البائسات فمازال لديهن 
أمل. لأنّ المشكلة التي لا اسم لهاء التي تعاني منها نساء أمريكيات كثيرات 
اليوم» هي نتيجة التكيف مع صورة لا تسمح لهن بأن يكنّ ما يستطعن أن 
يكنّه الآن. إنه اليأس المتزايد بين النساء اللواتي جرّدن من وجودهن» على 
الرغم من أنهنّء عبر القيام بذلك» قد يكن أيضًا تهرّين من ذلك الشعور 
بالخوف والوحدة الذي يأتي دائمًا مع الحرية. 

يحدث القلق عند النقطة التي تواجه فيها إمكانية ناشئةٌ الفرد. إمكانية 


لتحقيق وجوده؛ ولكنْ هذه الإمكانية ذاتها تتضمن تدمير الآمان الحالي الذي 
يعطيء بناءٌ على ذلك» دفعة للنزعة إلى إنكار الإمكانية الجديدة!!). 


ليس من شأن التفكير الجديد» الذي ليس محصوراء بأي شكل من 
الأشكال» بالوجوديين؛ أن يزيل بالتحليل النفسي شعور شخص بالذنب 
نتبجة رفضه أن يقبل الإمكانيات الفكرية والروحية لوجوده. ليست المشاعر 
الإنسانية بالذنب 0 يلا الفا إذ لا يقتر رض ا النفسي أن يزيل 
ا نفسه. 0 الرجل: «كان المريض 
مذنبًا لأنه حبس فى داخله بعض الإمكانيات الجوهرية20". 


لم يدرس فشل النساء في تمحفية تحقيق كامل إمكانيات وجودهن علو أنه 
مرض. فهو يعتبر تكيمًا 7 طبيعيًا في أمريكا وفي معظم 0 في 


(1) Ibid., p. 52. 
(2) 1bid., p. 53. 





412 اللغزالأنثوي 





العالم. ولكن يستطيع المرء أن يطبق على ملايين النساء المتكيّفات في 
دور ربة المنزل أفكار أطباء الأمراض العصبية والأطباء النفسيين الذين 
درسوا مرضى ذكورًا ذهبت أجزاء من أدمغتهم وأشخاصًا فصاميين جرّدواء 
لأسباب أخرى. من قدرتهم على الارتباط بالعالم الحقيقي. يُنظر إلى هؤلاء 
الأشخاص الآن على أنهم قد فقدوا العلامة الفريدة على الوجود الإنساني: 
القدرة على السمو فوق الحاضر والتصرئف على ضوء الممكن, القدرة 
الغامضة على تشكيل المستقبل". 

إنها بالضبط هذه القدرة الإنسانية الفريدة على أن يسمو المرء فوق 
الحاضرء على أن يعيش حياته استنادًا إلى غايات تمت إلى المستقبل -أن 
يعيش لا تحت رحمة العالم» بل بوصفه بنّاء ذلك العالم ومصممه- وذلك 
هو التمييز بين السلوك الحيواني والإنساني» أو بين الإنسان والآلة. وجد 
الدكتور كورت جولدشتاين» في دراسته للجنود الذين أصيبوا بأذيّات دماغية 
دائمة» أن ما فقدوه لم يكن أكثر ولا أقل من القدرة على التفكير الإنساني 
المجرّد: أن تفكر على أساس «الممكن»» أن تنظم فوضى التفاصيل المادية 
بفكرة» أن تنحرك وفق غاية. كان أولئك الرجال مقيّدين إلى الوضع المباشر 
الذي وجدوا أنفسهم فيه؛ كان إحساسهم بالزمن والفراغ مبتورًا على نحو 
عنيف؛ لقد فقدوا حريتهم الإنسانية©. 

إن تشابه الأيام يقلّص عالم الفصامي المكتئب» الذي «كان كل يوم 
بالنسبة له جزيرة معزولة بلا ماض ولا مستقبل». عندما يكون لدى مريض 
من هذا القبيل وهمٌ مرعبٌ بأن إعدامه وشيك» فذلك انتيجة موقفه المشرّه 
تجاه المستقبل» ولیس سببه). 


)1( Ibid., pp. 59 f. 

(2) See Kurt Goldstein, The Organism, A Holistic Approach to Biology Derived 
From Pathological Data on Man, New York and Cincinnati, 1939; also 
Abstract and Concrete Behavior, Evanston, Ill., 1950; Case of Idiot Savant 
(with Martin Scheerer), Evanston, 1945; Human Nature in the Light of 
Psychopathology, Cambridge, 1947; After-Effects of Brain Injuries in War, 
New York, 1942. 


الفصل الثالث عشر: الذات المصّادرة 413 





لم يكن هناك أي فمل -أو رغبة-ء يمتدّ إلى المستقبل منبعتًا من الحاضر 
ورابطًا بين الأيام المتشابهة الباهتة. وفي النتيجة. حافظ كل يوم على 
استقلالية غير عادية؛ كان كل يوم من أيام الحياة -وقد فشل في أن ينفمس 
في إدراك أي استمرارية للحياة- يبدأ من جديد» مثل جزيرة معزولة في بحر 
رمادي لزمن عابر. ... لم يبد أن هناك أيّة رغبة في المضي أبعد من ذلك؛ 
كان کل يوم رتابة مثيرة للفضب بنفس الكلمات وبنفس الشكاوىء إلى أن يشعر 
المرء أن هذا الوجود قد فقد كل معنى للاستمرارية الضرورية.... لم يعش 
انتباهه إلا فترة قصيرة. وبدا هو عاجزًا عن المضي إلى ما هو أبعد من أكثر 
الأسئلة ابتذالا. ` ١‏ 


يكشف العمل التجريبي الذي يقوم به علماء نفس مختلفون أن الأغنام 
يمكن أن تربط الماضي والمستقبل بالحاضر مدة خمس عشرة دقيقة تقريبًاء 
وأنّ الكلاب يمكنها فعل ذلك مدة نصف ساعة. أا الإنسان فيستطيع 
أن يحضر ماضي آلاف السنين إلى الحاضر كموجه لأفعاله الشخصية» 
ويستطيع أن ينتقل بخياله إلى المستقبل» لا نصف ساعة فقطء بل أسابيع 
وسنوات. هذه القدرة على «التسامي فوق حدود الزمن المباشرة»» وعلى 
الفعل وردة الفعل» وعلى رؤية تجربة المرء في أبعاد الماضي والمستقبل 
معًاء هي خاصية فريدة من خصائص الوجود الإنساني”. وهكذاء فقد حكم 
على الجنود الذين تأت أدمغتهم بالجحيم اللاإنساني «للرتابة اليومية» 
الأبدية. 

ربات المنازل اللواتي يعانين من رعب المشكلة التي لا اسم لها هن 
ضحايا هذه «الرتابة اليومية» القاتلة ذاتها. وكما قالت لى واحدة منهن: 
«أستطيع فهم المشكلة الحقيقية؛ الأيام المملّة التي لا تنتهي هي ما تجعلني 
يائسة». ليس لدى ربات المنازل اللواتي يعشن وفق اللغز الأنثوي هدف 


(1) Eugene Minkowski, “Findings in a Case of Schizophrenic Depression,” in 
Existence, 4 New Dimension in Psychiatry and Psychology, pp. 132 f. 

(2) O. Hobart Mowrer, “Time as a Determinant in Integrative Learning,” in 
Learning Theory and Personality Dynamics, New York, 1950. 


414 اللفز الأنثوي 


شخصي يمتد إلى المستقبل. ولكنء بغير هدف من ذلك القبيل» يحرّض 
E‏ مكلت اللي عدر تيت لقرعي دون a E‏ 
القبيل» يفقدن الحسّ بحقيقتهنء لأنّ الهدف هو ما يعطي الحياة اليومية 
طابعها الإنساني”". 1 


لم تفقد ربات المنازل الأمريكيات أدمغتهن» ولا هنّ فصاميات بالمعنى 
السريري. ولكن. إذا كان هذا التفكير الجديد صحيحًاء والدافع الإنساني 
الأساسي ليس السعي نحو المتعة أو إشباع الحاجات البيولوجية» بل الحاجة 
إلى النمو وتحقيق المرء إمكانياته كاملة» فإن أيامهن المريحة الفارغة الخالية 


من الهدف هي -في الواقع- سببٌ لرعب لا اسم له. لقد تهرّبن» باسم 
الأنوثة» من الخيارات التي كان من شأنها أن تمنحهن هدفا شخصيًا.. حًا 
بوجودهن. لأ قيم الحياة الإنسانيةء» كما يقول الوجوديون, لا تتحقق من 
تلقاء نفسها أبدًا. «يمكن للإنسان أن يخسر وجوده نتيجة خياراته الشخصية 
على نحو لا تستطيعه الشجرة أو الحجر)2. 


إن لقول بأن المرأة» إذا ما حرمت من تحقيق طبيعتها الحقيقية» مريضة» 


Eugene Minkowski, op. cit., pp. 133-138:‏ )1( 
«إننا نفكر ونتصرّف ونرغب فيما وراء ذلك الموت ومع ذلك لم نتمكن من النجاة. 
يشير وجود الظاهر ذاتهء كالرغبة في القيام بشيء للأجيال المقبلة» بوضوح إلى موقفنا 
في هذا المجال. لدى مريضناء كان هذا الداقع نحو المستقبل هو ما بدا أنه غائب تمامًا. 
.. في هذا الدافع الشخصي. هناك صر توي إننا نتجاوز حدود ذاتنا ونترك بصمتنا 
الخاصة على العالم حولناء خالقين أعمالا تفصل نفسها عنا لتعيش حيواتها الخاصة. 
ويصاحب ذلك شعور إيجابي معين» ندعوه القناعة) وهي المتعة التي ترافق كل عمل 
مكتمل أو قرار حاسم. وهذا شعور فريد. ... يتألف تطورنا الفردي الكامل في محاولة 
التفوق على ما أنجز أصلا. عندما تظلم حياتنا العقلية» فإن المستقبل أمامنا يغلق 
Rollo May, “Contributions of Existential Psychotherapy,” pp. 31 f.‏ )2( 
فى فلسفة نيتشه» تتحدد الفردية والكرامة الإنسانيتان «كمهمة تُعطى لناء ويتوجب علينا 
حلها". وفي فلسفة تيليتش. إذا لم يكن لدى المرء «الشجاعة على الفعل؟» خسر وجوده. 
أما عند سارترء فإن خيارات المرء هي التي تقرر هويته. 








الفصل الثالث عشر: الذات المصادرة 415 
هو بالتأكيد صحيح بالنسبة لإمكانية المرأة الإنسانية الكاملة» بالدرجة نفسها 
لما كان منظرون نفسيون سابقون يعتبرونه صحيحًا فقط بخصوص إمكانيتها 
الجنسية. يمكن لإحباط قدرات فردية» وليس حاجات كالجنس مثلاء أن 
يسبب العصاب. يمكن تخفيف قلقها بالعلاج» أو تسكينه بالحبوب» أو 
تفاديه مؤقتًا بالعمل الدؤوب. لكنّ قلقها ويأسها هو. رغم ذلك إنذار على 
أن وجودها الإنساني في خطرء على الرغم من أنها قد وجدت التحقق؛ وفق 
معتقدات اللغز الأنثوي» وج وأمًا. 

لم نتوضّلء إلا مؤخرّاء إلى قبول الحقيقة القائلة إِنّ هناك تدر جا تطوريًا 
أو هرميًا لحاجات الإنسان المرأة)» تتدرّج من الحاجات» التي 
نسميها عادة الغرائز لأنها مشتركة مع الحيوانات» إلى الحاجات التي تأتي 
لاحقًا في التطور الإنساني. هذه 2 الك لاحات إلى الحغرقة 
وإ ی الذداك- غ ب بالمعنى الإنساني» مثل الحاجات المشتركة 

مع الحيوانات الأخرى إلى الطعام والجنس والبقء . يبدو ن الظهور الواضح 
للحاجات اللاحقة يستند إلى الإشباع السابق للحاجات الفزيولوجية. ليس 
لدى الإنسان الجائع إلى درجة الخطر أي اهتمام غير الطعام. أمَا القدرات 
غير المفيدة في إشباع الجوع فتدفع إلى المؤخرة. «ولكن ما الذي يحدث 
لرغبات الإنسان عندما تكون هناك وفرة من الطعام وبطنه ممتلئ داتمًا؟ 
تظهر فورًا حاجات أخرى (وأعلى)» وهذه الحاجات تهيمن على العضوية 
بدلا من الجوع الفزيولوجي»0". 

وبمعنى ماء تبتعد تراتبية الحاجات التطورية هذه أكثر فأكثر عن 
المستوى الفزيولوجي» الذي يعتمد على البيئة المادية» وتتجه نحو 
ستوى مستقل نسييًا عن البيئة» :ويتحده ذانيا اثر فأك ولكن» يمكن 
لإنسان ما أن يتثبت عند مستوى حاجات أدنى؛ ويمكن الخلط خطأ بين 
الحاجات الأعلى» أو توجيهها إلى سبل قديمة» وقد لا تظهر قط. يمكن 


(1) A. H. Maslow, Motivation and Personality, p. 83. 


416 اللفز الأنثوي 


تجميد التقدم الذي يقود في النهاية إلى أعلى مستوى إنساني بسهولة؛ 
تجميده بالحرمان من حاجة أدنىء كالحاجة إلى الطعام أو الجنس؛ و 
تتجميده نضا بتوجيه كل الوجود إلى مستوى أدنى من الحاجات أو رفض 
الاعتراف بوجود حاجات أعلى. 


لقد جمد تطوّر النساء في حضارتنا عند المستوى الفزيولوجي. 
ولم يتم الاعتراف» في حالات كثيرة» بأية حاجة أعلى من الحاجة إلى 
الحب أو الإشباع الجنسي. حتى الحاجة إلى احترام الذات وتقدير الذات 
وتقدير الآخرين -«الرغبة في القوة وفي الإنجاز وفي الكفاية وفي التفوّق 
والكفاءة وفي الثقة بمواجهة العالم وفي الاستقلالية والحرية»- ليس 
معترفًا بها بوضوح للنساء. ولكن بالتأكيد» يمكن لخذلان الحاجة إلى 
تقدير الذات» الذي ينتج مشاعر الدونية والضعف والعجز لدى الرجل» 
أن يكون له التأثير ذاته على المرأة. لا يمكن لتقدير الذات عند المرأة» 
كما عند الرجلء أن يقوم إلا على القدرة الحقيقية والكفاءة والإنجاز؛ 
على احترام مستحق من قبل الآخرين» بدلا من تزلّف غير: مبرر. وعلى 
الرغم من التمجيد الذي يسبغ على «المهنة: ربة منزل»» فإِنْ تلك المهنة 
لا تتطلب تحقيق المرأة لكامل قدراتها أو تسمح بهاء لا يمكنها أن تؤمّن 
تقديرًا ذاتيًا كافيّاء وأقل من ذلك بكثير أن تمهّد الطريق إلى مستوى أعلى 
من تحقيق الذات. 

إننا نمر بزمن اختزلت فيه الكثير من الحاجات الإنسانية العليا إلى 
حلول رمزية للحاجة الجنسيةء أو ينظر إليها على أنها كذلك. يشكك عدد 
من المفكرين المتقدمين الآن جديا بتلك «التفسيرات بالاختزال». ففي 
حين يمكن العثور على كل نوع من الرمزية الجنسية والمرض العاطفي 
من قبل أولئك الذين يستكشفون» وهذا هدفهم» الأعمال والحياة المبكرة 
لأشخاص من مثل شكسبير أو دافنشي أو لتكولن أو أينشتاين أو فرويد 
أو تولستوي» فإن هذه «الاختزاللات» لا تفسّر العمل الذي يعيش بعد 


الفصل الثالث عشر: الذات المصّادرة 417 


الإنسان, الإبداع الفريد الذي كان إبداعه هوء وليس إبداع إنسان يعاني من 
مرض شبيه. لكنّ رؤية الرمز الجنسي أسهل من رؤية الجنس نفسه كرمز. 
إذا كانت حاجات المرأة إلى الهوية وإلى التقدير الذاتي وإلى الإنجاز 
وأخيرًا إلى التعبير عن شخصيتها الفردية الإنسانية الفريدة غير معترف بها 
من قبلها هي» أو من قبل آخرين في حضارتناء فإنها مجبرة على البحث 
عن الهوية والتقدير الذاتى فى القنوات الوحيدة المفتوحة لها: السعى إلى 
التحقق الجنسى والأمومة وملكية الأشياء المادية. وعندما تقيّد إلى هذه 
المساعي» يعّوق نموها الطبيعي عند مستوى أدنى من العيش» وتمنع من 
تحقيق حاجاتها الإنسانية الأعلى. 

بالطبع» قليلٌ هو المعروف حول المرض أو آليات هذه الحاجات 
الإنسانية العليا -الرغبة في المعرفة والفهم والبحث عن المعرفة والحقيقة 
والحكمة والدافع لحل الألغاز الكونية- لأنها ليست مهمة في العيادة في 
التقليد الطبي لشفاء المرض. سيكون هذا النوع من علم الأمراض النفسية» 
بالمقارنة مع أعراض العُصابات الكلاسيكية» من مثل تلك التي رأى فرويد 
أنها تنبعث من كبت الحاجة الجنسية» باهنًا وحاذقاء ويمكن إهماله بسهولة» 

ولكنها حقيقةٌ» يثبتها التاريخ» إن لم تكن مثبتة في العيادة أو المخبر» 
تلك التى تقول إن الإنسان قد بحث دائمًا عن المعرفة والحقيقة» حتى فى 
مواجهة أعظم الأخطار. أكثر من ذلك» لقد أظهرت دراسات حديثة عن 
الأشخاص الأصحاء نفسيًا أن البحث فى المسائل الكبيرة والانشغال بهاء 
هو أحد الخصائص المحدّدة للصحة الإنسانية. هناك شيء أقل من إنساني 
تمامًا لدى أولئك الذين لم يعرفوا قط التزامًا بفكرة ماء الذين لم يخاطروا 
قط باستكشاف المجهولء الذين لم يحاولوا قط ذلك النوع من الإبداع 
الذي يعتبر الرجال والنساء قادرين عليه من حيث الممكن. وكما عبر أ. 
ه. ماسلو عن الأمر: 


418 اللفز الأنثوي 


تصرخ القدرات مطالبة باستخدامهاء ولا يتوقف صراخها إلا عندما 
تستخدم جيدًا. وهذا يعني أنّْ القدرات هي أيضًا حاجات. ليس استخدام 
قدراتنا تسلية وحسب. بل ضرورة أيضًا. يمكن أن تصبح القدرة غير 
المستخدمة؛ أو العضو غير المستخدم مركزًا للمرض. وإلا فإنه يضمر, 
0 ل 

ولا يُتوقع ذلك منهن. 1 يشجعن» 0 الأنوثة» على التهرّب من النمو 

الإنسانى. 
ليس للنمو جوائز ومتعة فقط. بل وأوجاع حقيقية عديدة أيضًاء وسيكون له 
ذلك دائمًاء كل خطوة ذو الأمام هي خطوة نحو اللامألوف» ويمِكن فيها 
على أنها قد تكون خطرة . وهي كثيرًا ما تعني التخلّي عن شيء مألوف وجيد 
ومُرض. . وكثيرًا ما تعني رحيلا وانفصالا مع ما يعقبه من حنين ووحدة وتفجّع. 
وهي أيضًا غاليًا ما د تعني التخلّي عن حياة أسط وأسهل وأقل جهدًا مقابل 
حياة أصعب وأكثر تَظلبًا. النمو يمضي على الرغم من هذه الخساراتء وهو 
لذلك يتطلب الشجاعة والقوة في الفرد وكذلك الحماية والإذن والتشجيع من 
المحيط ولاسيما للطفل. 


م 


ماذا يحدث إذا كان المحيط لا يحثذ تلك الشجاعة والقوة؛ وأحياتا 
يمنعهما عمليّاه وقلّما يشجع فعليًا ذلك النموذ في الطفل الذي تصادف أنه 
أنثى؟ ماذا يحدث إذا اعتبر النمو الإنساني تعاذيا للأنوثة» للتحقق كامرأة. 
لجنسانية المرأة؟ ينطوي اللغز الأنثوي على خيار بين «أن تكوني امرأة» أو 
المخاطرة بآلام النمو الإنساني. لقد قامت آلاف النساء. وقد اختصرن من 
قبل محيطهن إلى مجرّد العيش البيولوجي. ومُذْهِدَ لهن ليدخلن في شعور 
زائف بأمان مجهول في معسكرات اعتقالهن المريحة» بالخيار الخطأ. 
والسخرية في خيارهن الخطأ هي التالية: يقدّم اللغز «التحقق الأنثوي» 
A. H. Maslow, “Some Basic Propositions of Holistic-Dynamic Psychology,”‏ )1( 


an unpublished paper, Brandeis University. 
(2) Ibid. 


الفصل الثالث عشر: الذات المُصادرة 419 


على أنه الجائزة التي تحصل عليها المرأة مقابل أن تكون مجرّد زوجة وأم. 
ولكن» ليست صدفة ألا تكون آلاف ربات المنازل في الضواحي قد عثرن 
على تلك الجائزة» وستبدو الحقيقة البسيطة هي أن تلك النساء لن يعرفن 
ماده الاح اد ا لع اك د 

تحقيق كامل قوّتهن ككائنات إنسانية» ويُشبَعن على ذلك. لأنْ تحقيق 
ا استنادًا إلى المنظرين النفسيين» بعيدًا عن منع ا ر 
مرتبط على نحو معقد به. وهناك ما هو أكثر من سبب نظري للاعتقاد بان 
ميخم بال لاء معلا هو محم بالفية للرجال, 


فى أواخر الثلاثينيات بدأ البروفيسور ماسلو بدراسة العلاقة بين 
النشاط الجنسى وما أسماه «شعور السيطرة» أو «تقدير الذات» أو 
المستوى الأنا» لدى النساء؛ 130 امرأة ذوات تعليم جامعي أو مستوى 
يضاهيه في الذكاء» تتراوح أعمارهن بين العشرين والثامنة والعشرين» 
معظمهن متزوجات» ومن الطبقة الوسطى المدينية البروتستانتية". 
ووجد» على عكس ما قد يتوقعه المرء من منظور نظريات التحليل 
النفسى والصورة التقليدية للأنوثة» أنه كلما كانت المرأة أكثر «سيطرة» 
كانت أكثر استمتاعًا بنشاطها الجنسي» وكانت أقدر على «تسليم» نفسها 
بمعنى نفسي» على منح نفسها بحرية في الحب والوصول إلى النشوة 
الجنسية. لم تكن المسألة أنْ أولئك النساء اللواتي يحتللن مرتبة أعلى 
في «السيطرة» هن أكثر «رغبة جنسية»)» بل أنهن كنّ» فوق كل شيءء. 
على حقيقتهن؛ > على نحو أكثر اكتمالاء أكثر حرية في أن يكنّ أنفسهن؛ 
ويد ذلان و عا على فر مكايا بعر أعاى ىمح سين ين 
الحب. لم تكن تلك النساء «أنثويات» بالمعنى العادي» لكنهن استمتعن 


(1) A. H. Maslow, “Dominance, Personality and Social Behavior in Women,” 
Journal of Social Psychology, 1939, Vol. 10, pp. 3-39; and “Self Esteem 
(Dominance-Feeling) and Sexuality in Women,” Journal of Social Psychology. 
1942, Vol. 16, pp. 259-294. 








420 اللغز الأنثوي 


بالتحقق الجنسي إلى درجة أعلى بكثير من النساء الأنثويات بالمعنى 
التقليدي. في نفس الدراسة. 

لم أرَ قط مضامين هذا البحث تناقش في الأدبيات النفسية الشعبية 
حول الأنوثة أو جنسانية النساء. ربما لم يلاحظ في ذلك الوقت» حتى 
من قبل المنظرين» على أنه معلم رئيسي. لكنّ نتائجه محفّزة لتفكير النساء 
الأمريكيات اليوم» اللواتي يعشن حيواتهن وفق أوامر اللغز الأنثوي. تذكروا 
أن هذه الدراسة قد أجريت في أواخر الثلائينيات قبل أن يبلغ اللغز كامل 
قوته. فمن الواضح أنه لم يكن لدى تلك النساء القويات الشجاعات 
المتعلمات تضارب بين القوة التي تدفعهن ليكنّ هن أنفسهن وليحببن. وهنا 
الطريقة التي مايز فيها البروفيسور ماسلو تلك النساء عن أخواتهن الأكثر 
«أنوثة»» من حيث أنفسهن ومن حيث جنسانيتهن: 

يتضمن الشعور العالي بالسيطرة ثقةٌ جيدةٌ بالذات وتوكيدًا جيدًا وتقييمًا 

عاليًا لها ومشاعر بالقدرة العامة أو التفؤقء ويتضمنء من جانب آخرء قلة في 


الخجل والجبن والارتباك أو الحرج. ويتضمن الشعور المنخفض بالسيطرة قله 
في الثقة بالذات وتوكيدها وتقديرها؛ وهناك» بدلا من ذلك مشاعر شاملة 
بالدونية العامة والخاصة والخجل والجبن والخوف والارتباك.... المرأة التي 
تصف نفسها بأنها تفتقد تمامًا ما قد تطلق عليه «الثقة بالذات عمومًا» 
ستصف نفسها بأنها واثقة بذاتها في بيتها أو في الطبخ أو الخياطة أو في أنْها 
م ... ولكنها دائمًا تقريبًا تبخس إلى هذه الدرجة أو تلك قدراتها ومواهبها 
الخاصة؛ بينما تقيس المرأة عالية السيطرة عادةٌ قدراتها بدقة وواقعية!!). 


الم تكن تلك النساء ذوات السيطرة العالية «أنثويات» بالمعة 
التقليدي» وذلك في جزء منه لأنهن يشعرن بالحرية في الاختيار بدلا من 
أن يكنّ مقيدات بالتقليد» وفى جزء آخرء لأنهن قويات كأفراد أكثر من 


معظم النساء. 


(1) A. H. Maslow, “Dominance, Personality and Social Behavior in Women,” op. 
cit., pp. 3-11. 





الفصل الثالث عشر: الذات المصّادرة 421 


تفضل تلك النساء أن يعاملن «كأشخاص لا كنساء». يفضّلن أن يكن 
مستقلات. وأن يقفن على أقدامهنء وهنّ عمومًا لا يهتممن بالامتيازات التي 
تتضمّن أنهن أدنى أو ضعيفات أو أنهن يحتجن اهتمامًا خاصًاء ولا يستطعن 
الاهتمام بأنفسهن. وهذا لا يمني أنهن لا يستطعن التصرّف وفق الأعراف. 
بل يفعلن ذلك عندما يكون ضروريًا أو مرغوبًا لأي سبب» ولكنهن لا يأخذن 
الأعراف المادية على محمل الجد. هناك عبارة شائعة تقول: «يمكن أن أكون 
لطيفة وحلوة وعريشة متسلقة كأي شخص آخرء ولكنّ لساني في فمي». .. 

القواعد بحد ذاتها لا تمني عمومًا أي شيء لتلك النساء. إنهن لا يمتثلن 
للقواعد إلا عندما يقبلن بها ويتمكنٌ من رؤية الهدف من ورائها.... إنهن 
قويات وهادفات ويعشن وفق القواعدء لكنّْ تلك القواعد مستقلة ويتوصلن 
ا ا 

أما النساء ذوات السيطرة المنخفضة فهن مختلفات جدًا. فهن عادةٌ لا 
يتجرأن على كسر القواعد؛ حتى عندما لا يوافقن عليها (وهو أمر نادر). ... 
فضيلتهن وأخلاقهن عادةٌ تقليدية بالكامل. أي أنهنْ يفعلن ما علّمهن أفلهن 
ومعلموهن ودينهن القيام به. أمر السلطة عادةٌ لا يُشكك به علنًا. وهنّ أكثر 
ميلا إلى قبول الوضع الراهن في كل مجال من مجالات الحياةء الديني منها 
والاقتصادي والتعليمي والشياسي!!). 


وجد البروفيسور ماسلو أنه كلما زادت سيطرة امرأة أو قوة ذاتهاء 
كانت أقل تمركرًا على الذات» واهتمامها أكثر توجهًا نحو الخارج» نحو 
الناس الآخرين ومشاكل العالم. ومن جانب آخرء كان الانشغال الرئيسي 
للنساء ذوات السيطرة المنخفضة والأكثر أنوثة» بالمعنى التقليدي للكلمة» 
هو أنفسهن وعقد نقصهن. من وجهة نظر نفسية» كانت امرأة ذات سيطرة 
عالية أشبه برجل ذي سيطرة عالية منها بامرأة ذات سيطرة منخفضة. وهكذاء 
اقترح البروفيسور ماسلو أن عليك أن تطلق صفة «مذكر» على كل من الرجال 
والنساء ذوي السيطرة العالية» أو تسقط مصطلحي «مذكّر» و«مؤلّث» معًا 
لأنهما #مقللان» جدًا: ۰ 


)1( Ibid., pp. 13 f. 


422 اللغز الأنثوي 


تشعر نساؤنا ذوات السيطرة العالية بأنهن أقرب إلى الرجال منهن إلى النساء 
في الأذواق والمواقف والأهواء والقابليات والفلسفة والشخصية الداخلية 
عمومًا. ... كثيرًا ما تُشاهد لديهن العديد من الصفات التي تعتبر في ثقافتنا 
«رجولية». كالقيادة وقوة الشخصية والشخصية الاجتماعية القوية والتحرر 
من التوافه وانعدام الخوف أو الخجل وغير ذلك. وهنّ عادة لا يهتممن بأن 
يكن ربات منازل أو طباخات فحسب, بل يرغبن في أن يجمعن بين الزواج 
والعمل. ... قد لا يتجاوز راتبهن راتب مدبّرة منزل؛ لكنهن يشعرن أن العمل 
الآخر أكثرٌ أهمية من الخياطة والطبخ وغيره!!). 
وفوق كل ذلك» كانت المرأة ذات السيطرة العالية أكثر حريةٌ نفسيًا؛ أكثر 
استقلالية. أمَا المرأة ذات السيطرة المنخفضة فلم تكن حرة في أن تكون 
على حقيقتهاء بل موجّهة من قبل الآخرين. كلما زاد حطها من قدر ذاتها 
وعدم ثقتها بذاتهاء زاد احتمال شعورها بان رأي الآخرين أصحٌ من رأيهاء 
وأمنيتها لو كانت مثل شخص آخر. أولئك النساء «يُعجَبن عادةً بالآخرين» 
ويحترمنهم أكثر مما يحترمن أنفسهن»؛ وترافق هذا «الاحترام الهائل 
للسلطة» وتصنيم الآخرين وتقليدهم و«الخضوع ١‏ [التام] لھہ» 
ر الاخزين واد واالخضو الطوعي [النام !ليم 
والاحترام الكبير لهم مع «الكره والاستياء والحسد والغيرة والشك والريبة». 
وفى حين كانت النساء ذوات السيطرة العالية غاضيات بحرية» لم 
يكن لدى النساء ذوات السيطرة المنخفضة «من «الجرأة؛ ما يكفى لإظهار 
الغضب عندما يكون ضروريًا». وبالتالى» كان هدوؤهن «الأنثوي» مترافقًا 
مع «مشاعر الخجل والدونية وشعور عام بأ أي شيء يمكن أن يقلنه سيكون 
غبيًا ومثار سخرية». ١لا‏ تريد [المرأة التي من هذا القبيل] أن تكون قائدة إلا 
في خيالاتهاء لأنها تخشى أن تكون في المقدمة» تخشى المسؤولية» وتشعر 
أنها ستكون غير كفؤة». 
ومرة أخرى» وجد البروفيسور ماسلو صلة واضحة بين قوة الذات 
والجنسانية» حرية أن تكون المرأة هي ذاتها وحرية ١تسليم‏ نفسها». ووجد 


(1) Ibid., p. 180. 


الفصل الثالث عشر: الذات المصادرة 423 


أن النساء «الجبانات» الخجولات المتواضعات, المرتبات» اللبقات» 
الهادئاتء الانطوائيات» المتراجعات. الأكثر أنوثة والأكثر تقليدية» لم يكنّ 
قادرات على الاستمتاع بذلك النوع من التحقق الجنسيء الذي كانت النساء 
ذوات السيطرة العالية وتقدير الذات يستمتعن به بحرية. 
سيبدو وكأنّ كل دافع جنسي أو رغبة جرى الحديث عنهما في أي يوم من 
الأيام فد يظهران بحرية وبدون کابح لدی أولئك النساء. . .. يشكل عام» الفعل 


الجنسي قابلٌ لأن يؤخ لا على أنه طقس جدّيّ مع جوانب مخيفة ومختلف 
في صفته الأساسية عن جميع الأفمال الأخرى» بل بوصفه لعبةء > تسلية» فعل 


حيواني ممتع جدًا!!). 

أكثر من ذلك» وجد ماسلو أنه حتى في الأحلام والخيالات» تمبّعت 
النساء ذوات السيطرة التي تفوق المعدّل بالنشاط الجنسي» في حين كانت 
الأحلام الجنسية لدى النساء ذوات السيطرة المنخفضة دائمًا «ذات طبيعة 
رومانسية» أو قلقة ومشوّهة ورمزية ومكتومة». 

هل تجاهل صناع اللغز تلك النساء القويات المبتهجات جنسيّاء عندما 
عرّفوا السلبية ورفض الإنجاز الشخصي والنشاط في العالم بأنها ثمن التحقق 
الجنسي الأنثوي؟ ربما لم ير فرويد وأتباعه هذا النوع من النساء في عياداتهم 
عندما خلقوا تلك الصورة عن الأنوثة السلبية. وربما كانت قوة الذات التى 
وجدها ماسلو لدى الحالات التى درسها ظاهرة جديدة لدى النساء. 


(1) A. 2. Maslow, “Self-Esteem (Dominance-Feeling) and Sexuality in Women,” 
.مم‎ 


لكنّ ماسلو يشير إلى أن ال اللواتي يعانين من «عدم 020 الأنا» يتظاهرن 
«بتقدير ذاتي» لا يمتلكنه حقيقة. على هؤلاء النساء أن «يهیمرً) بالمعنى العادي؛ في 
علاقاتهن الجنسيةء للتعويض عن «عدم استقرار الأنا»؛ وبالتالي فقد كنّ إما خصائيات 
أو مازوشيات. وكما أشرت» يجب أن تكون أولئك النساء شائعات جدًا في مجتمع لا 
يعطي النساء سوى فرصة قليلة لتقدير الذات الحقيقي؛ وقد كان ذلك» بلا شك» أساس 
خرافة آكلات الرجالأ وأساس مساواة فرويد بين الأنوثة وحسد القضيب الخصائي و/ 
أو السلبية المازوشية. 


424 اللغز الأنثوي 


أبعد اللغز حتى العلماء السلوكيين عن استكشاف العلاقة بين الجنس 
: والذات لدى النساء في الحقبة التالية. ولكن» بتجاهل كامل لقضايا النساء 
أصبح العلماء السلوكيون في السنوات الأخيرة قلقين» على نحو متزايد» من 
إقامة صورتهم للطبيعة الإنسانية على دراسة لعيناتها المريضة أو معاقة النمو؛ 
مرضى في العيادات. وفي هذا السياق» شرع البروفيسور ماسلو بدراسة 
الأشخاص الأموات والأحياء الذين لم يظهروا أي دليل على العٌصاب أو 
الذعاق ار اة غات السخصية الأسحاض الذين أظهوواء من وه غ 
دليلا إيجابيًا على تحقيق الذاتء أو «إشباع الحاجات الذاتية»» التي يعرّفها 
على أنها «الاستخدام الكامل للمواهب والقدرات والإمكانيات واستغلالها. 
يبدو أن هؤلاء الأشخاص يحققون أنفسهم» ويقومون بأفضل ما يستطيعون 
القيام به 

انبطقت أمور عديدة من هذه الدراسة» وهي تؤثر مباشرة في مشكلة النساء 
في أمريكا اليوم. نتيجة أمر واحد؛ فمن بين الشخصيات العامة التي شملتها 
دراسة ماسلوء لم يتمكن من العثور إلا على امرأتين حققتا ذاتيهما فعلاء 
هما إليانور روزفلت وجين أدامز. (أمّا الرجالء فكان من بينهم لينكولن 
وجيفرسون وأينشتاين وفرويد وجي دبليو كارفر وديبس وشويتزر وكريسلر 
وغوته وثورو وم جيمس وسبينوزا ووايتمان وفرانكلين روزفلت 
وبيتهوفن). وفضلا عن الشخصيات العامة والتاريخية» درس عن كثب 
عددًا قليلًا من الأشخاص المجهولين الذين حققوا معاييره -جميعهم في 
الخمسينيات أو الستينيات من أعمارهم-» واستعرض 3000 طالب جامعة 
ليجد أن 20 تلان لهو ينا ا باتجاه سر | 2 


الذاتى» ا الكامل ا ا ر 


(1) A. H. Maslow, Motivation and Personality, pp. 200 f. 


الفصل الثالث عشر: الذات المصّادرة 425 
ووجد البروفيسور ماسلو في دراسته أن لدى الأشخاص الذي ين يحققون 
أنفسهم دائما التزام» حسل بأن لديهم رسالة في الحياة يجعلهم يعيشون 
في عالم إنساني كبير» إطار مرجعي يتجاوز الخصوصانية (1021550,م) 
والاستغراق بالتفاصيل الصغيرة للحياة اليومية. 
لدى هؤلاء الأفراد عادةٌ رسالة ما في الحياةء مهمة ينجزونهاء مشكلة خارج 
أنفسهم. تتطلب الكثير من طاقاتهم. ... وبشكل عام. ليست هذه المهمات 
وو ان NENG‏ أو بأمّة عمومًا. 
.. وبما أن هؤلاء الأشخاص يهتمون عادة بالقضايا الأساسية والمسائل 
الأبدية, فإنهم يعيشون عادةٌ في أوسع إطار مرجعي ممكن. ... إنهم يعملون 
ضمن إطار من القيم الواسعة وليس الصغيرة: الكونية وليس المحلية» وعلى 
.أساس قرن من الزمن وليس لحظة. ...(1). 


علاوة على ذلك» رأى البروفيسور ماسلو أن الأشخاص الذين 
يحققون ذاتهم» الذين يعيشون في عالم أكبر لا يبتذلون أنفسهم» في 
أستمتاعهم بالعيش اليومي» بالتفاهات التي يمكن أن تصبح مغيظة» على 
نحو لا يطاق» لأولئك الذين تعتبر لهم العالم الوحيد. «... لديهم القدرة 
المدهشة على أن يثمّنوا مرارًا وتكرارًا وبشكل جديد وببساطة خيرات 
الحياة الأساسية بورع ومتعة ودهشة وحتى نشوة» مهما تكن هذه التجارب 


قل أصبحت تافهة للآخرين»2. 


وذكر أيضًا: «الانطباع القوي ذاته بأن المتع الجنسية توجد بأقصى 
شدتها وكمالها البهيج لدى الأشخاص الذين يحققون ذاتهم». بدا وكأن 
تحقيق القدرة الشخصية في هذا العالم الأوسع فتح آفاقًا جديدةً للنشوة 
الجنسية. ومع ذلك؛ لم يكبن الجنس» أو حتى الحب» هو الغاية المحرّكة 
في حيواتهم. 


(1) Ibid., pp. 211 f. 
(2) Ibid., pp. 214. 


406 اللغز الأنثوي 


النشوة الجنسية لدى الأشخاص الذين يحققون ذاتهم هيء في الوقت ذاته, 
أكثر أهمية وأقل أهمية مما هي لدى الأشخاص العاديين. إنها غالبا تجربة 
عميقة وشبه صوفيةء ومع ذلك فهؤلاء الأشخاص يحتملون غياب النشاط 
الجنسي بسهولة أكبر. ... الحب عند مستوى حاجات أعلى يجعل الحاجات 
الأدنى وإحباطها وإشباعها أقِلّ أهميةٌ وأقل مركزية. وإهمالها أسهل. ولكنه 
أيضًا يجعل الاستمتاع بها أكثر حميمية عند إشباعها. ... هناك في الوقت ذاته 
استمتاع بالطعام: ونظرة له على أنه غير مهم نسبيًا في نظام الحياة الشامل. 
... يمكن الاستمتاع بالجنس من أعماق القلب» الاستمتاع به أكثر بكثير من 
إمكانية الشخص العادي» في الوقت ذاته الذي لا يلعب فيه دورًا مركزيًا في 
فلسفة الحياة. إنه شيء يجب الاستمتاع به» شيء يجب أخذه على أنه بديهيء 
شيء للبناء عليه. شيء مهم جدًا أساسًا مثل الماء والطعام. ويمكن الاستمتاع 
به قدر الاستمتاع بهماء ولكن إشباعه يجب أن يؤخذ على أنه بديهي!!). 


ليست النشوة الجنسية» لدى هؤلاء أشخاصء دائمًا «تجربة صوفية)؛ إذ 
يمكن أن تؤخذ أيضًا بشيء من الخفّة وعلى أنها تجلب «التسلية والمرح 
والابتهاج والشعور بالسعادة والفرح. ... إنها مبهجة وظريفة ولعوب؛ وليست 
كفاحًا في المقام الأول» إنها أساسًا متعة وبهجة». كما وجدء بالتناقض مع 
وجهة النظر التقليدية ومنظري الجنس الشريين» أن نوعية الحب والإشباع 
الجنسي لدى الأشخاص الذين يحققون أنفسهم تتحسّن مع ازدياد عمر 
العلاقة. («إنه أمر شائع جدًا أن يقول هؤلاء الأشخاص إن الجنس الآن 
أفضل مما كان عليه فى الماضى» ويبدو أنه يتحسن كل الوقت»). لأن 
شخصًا من هذا التو هت امم الدهرات على حه أكثر فأكثر» وأصدق 
مع نفسه» ويبدو أنه أيضًا تصبح لديه علاقات أعمق مع الآخرين» ويصبح 
قادرًا على المزيد من الاندماج والحب والتماثل مع الآخرين على نحو أكثر 
الا وبالمؤيد فزن الشيافن فرق جدود الذات» دون أن لى مطلقا' عن 
مقع ارو الا 


(1) Ibid., pp. 242 f. 


الفصل الثالث عشر: الذات المصّادرة 017 


ما نراه هو اندماج قدرة كبيرة على الحبء وفي الوقت ذاته. احترام كبير للآخر 

واحترام كبير للذات. ... يبقى هؤلاء الأشخاص في علاقات الحب الأشدّ كثافة 

وإبهاجًا هم أنقسهم. ويبقون في النهاية أسياد أنفسهم أيضًاء يعيشون وفق 

معاييرهم الخاصة. على الرغم من استمتاعهم الشديد مع الآخرين!!). 

لقدا غرف الح في مجتمعنا ُرقياء على الأقل بالتسة للنساء» على آنه 
اندما اج كامل لذاتين و للاستقلالية؛ او جود معا٤»‏ تخا ل عن الشخصية 
الفردية بدلا من تقويتها. ولكنّ ماسلو وجد. في حب الأشخاص الذين 
يحققون ذاتهم» أن الشخصية الفردية تقوى» وأنْ «الأناء بمعنى ماء تندمج 
بأنا أخرى» ولكنهاء بمعنى آخر» تبقى منفصلة وقوية كما هى دائمًا. يجب 
أن ينظر إلى النزعتين» إلى التسامي فوق الشخصية الفردية وإلى شحذها 
وتقويتهاء على أنهما شريكتان» ولیس على أنهما متناقضتان!. 


ووجد أيضًا في حب الأشخاص الذين يحققون ذاتهم النزعة إلى 
المزيد والمزيد من التلقائية التامة وإسقاط الدفاعات ونمو الحميمية 
والصدق والتعبير عن الذات. وجد هؤلاءٌ الأشخاص أن من الممكن أن 
يكونوا على حقيقتهم» وأن يشعروا أنهم طبيعيون؛ أن يكونوا عراة نفسيًا 
(وكذلك ا ومع ذلك يشعرون أنهم محبوبون ومرغوبون وآمنون؛ 
أن يتركوا أخطاءهم ونقاط ضعفهم ونواقصهم الجسدية والنفسية تظهر 
بحرية. لم يكن عليهم دائمًا أن يبذلوا أقصى جهدهم لإرضاء الآخرين؛ 
لإخفاء الأسنان الاصطناعية أو الشيب أو علامات العمر؛ لم يكن عليهم 
أن «يعملوا» باستمرار على علاقاتهم؛ كان لديهم القليل جدًّا من الغموض 
أو الفتنة والقليل جدًا من التحفظ والكتمان والسريّة. ولم يبد أنْ لدى هؤلاء 
ا pp. 257 f.‏ لوط[ )1( 
وجد ماسلو أن أشخاصه الذين حققوا ذواتهم «يتمتعون» على عكس الشائع» بالقدرة 
النادرة على أن يستمتعوا اا E‏ لا باجو e‏ 2 تلك 


.(Ibid.. p. 252) E بإنجازات اول ا‎ 


428 اللغز الأنثوي 


الأشخاص عدائية بين الجنسين. وفي الحقيقة» وجد أن أولئك الأشخاص 
«لم يقوموا بأي تفريق حاد حقيقي بين أدوار الجنسين وشخصياتهما». 
هذا يعني أنهم لم يفترضوا أن الأنثى سلبية والذكر إيجابي. سواء في الجنس 
أو الحب أو أي شيء آخر. كان جميع أولئك الأشخاص واثقين من رجولتهم 
إلى حدّ أنهم لم يكونوا يمانعون في أن يتحملوا بعض الجوانب التي تعتبر 
ثقافيًا خاصة بدور الجنس المقابل. وكان من الجدير بالملاحظة» على نحو 
خاصء أنهم كانوا قادرين على أن يكونوا محبين إيجابيين وسلبيين معّاء وكان 
ذلك أوضح ما يكون في الفعل الجنسي وفعل الحب الجسدي. التقبيل وتلقّي 
القبلات» أن يكونوا فوق أو تحت في الفعل الجنسي. أن يقوموا بالمبادرة وأن 
يبقوا هادئين ويتلقوا الحب» أن يسخروا وأن يُسحْر منهم؛ وقد وجدت كل هذه 
الأشياء لدى الجنسين!!). 
وهكذاء ففي حين يبدو الحب المذكر والمؤنث» الإيجابي والسلبي» 
من وجهة النظر التقليدية وحتى المتطورة» على قطبين متضادين» فلدى 
الأشخاص الذين يحققون ذاتهم «تُحلٌ الانشطارات ويصبح الفرد إيجابيًا 
ولام ناتا واا ماه مذكة اوو تا معا موا بذاتة و مهملا لهامما: 
والحب» بالنسبة للأشخاص الذين يحققون ذاتهم» يختلف عن التعريف 
التقليدي للحب من جهة أخرى أيضًا؛ إذ لم تكن الحاجة هي ما يحمزه» 
للتعويض عن نقص في النفس؛ بل كان بنقاء أكبر حبّا «هبة»» نوعًا من 
«الإعجاب العفوي». 
كان ذلك النوع من الإعجاب والحب النزيه يعتبر في الماضي قدرة فوق 
بشرية» لا قدرة إنسانية طبيعية. ولكن كما يقول ماسلو: «يُظهر البشر في 
أفضل حالاتهم» عندما يكونون ناضجين تماماء العديد من الخصائص التى 
كان المرء في حقبة ماضية يظنٌ أنْها امتيازات فوق طبيعية». 


وهناك» فى كلمتى «ناضجين تمامًاك» تكمن الإشارة إلى أحجية المشكلة 
.245 .م Ibid.,‏ )1( 
Ibid., p. 255.‏ )2( 


الفصل الثالث عشر: الذات المُصادرة 429 
التي لا اسم لها. لا يمكن بلوغ تسامي النفس في النشوة الجنسية» كما في 
التجربة الإبداعية» إلا من قبل شخص هو نفسه/ هاء كامل/ة» من قبل 
شخص قد حقق هويته/ ها. يعرف المنظرون أن هذا صحيح للرجال» على 
الرغم من أنهم لم يدرسوا تضميناته بالنسبة للنساء. لقد رآه الأطباء وأطباء 
النسائية وأطباء التوليد وأطباء إرشاد الأطفال العياديون وأطباء الأطفال 
واستشاريو الزواج والقساوسة في الضواحي الذين يعالجون مشاكل النساء 
دون أن يضعوا اسمًا له» أو حتى يذكروه بوصفه ظاهرة. إن ما رأوه يثبت ذلك 
للمرأة كما للرجل» فالحاجة إلى تحقيق الذات -الاستقلالية وتحقيق الذات 
والشخصية الفردية وإشباع الرغبات الذاتية- مهمةٌ أهمية الحاجة الجنسية» 
مع العواقب الخطيرة ذاتها التي لإحباطها. مشاكل المرأة الجنسية هي» بهذا 
المعنى» منتجات ثانوية لكبت حاجتها الأساسية إلى النمو وتحقيق إمكانياتها 
كإنسانة» إمكانيات يتجاهلها لغز التحقق الأنثوي. 

لقد شك محللون نفسيون فترة طويلة بأنْ ذكاء المرأة لا يزهر تمامًا 
عندما تنكر طبيعتها الجنسية؛ ولكن بالمثل هل يمكن لطبيعتها الجنسية أن 
تزهر تمامًا عندما يجب عليها أن تنكر ذكاءهاء قدرتها الإنسائية العليا؟ كل 
الكلمات التي كتبت منتقدة النساء الأمريكيات على خصاء أزواجهن وأبنائهن» 
أو على السيطرة على أبنائهن» أو على جشعهن المادي» أو على برودهن 
الجنسي» أو على إنكار الأنوثة» قد تغلف ببساطة حقيقة أساسية واحدة: لا 
تستطيع المرأة» بأكثر مما يستطيع الرجل» أن تعيش على الجنس وحده؛ وإِنّ 
كفاحها من أجل الهوية والاستقلالية -ذاك «التوجه المنتج شخصيًا المستند 
إلى الحاجة الإنسانية إلى المشاركة الفعالة في مهمة إيداعية»- يرتبط على 
نحو معقّد بتحققها الجنسي» كشرط على نضجها. يجب عليهاء في محاولة 
العيش على الجنس وحده في صورة اللغز الأنثوي» أن «تخصي» زوجها 
وأبناءها الذين لا يستطيعون أبدًا أن يمنحوها ما يكفي من الإشباع للتعويض 





430 اللغز الأنثوي 
عن نقص في الذات» ولتمرّر لبناتها خيبتها غير المنطوقة وتشويه سمعتها 
الذاتي واستياءها. 

قال لن البروفيسونماسلو إنه يعتقد أن تبحقيق الذات لبس مما لاء 
اھ قن أمزيكا إذا كان خض بسع أذ بين تن خلال ار لي إذا 
كانت المرأة تستطيع أن تحقق قق إمكانياتها من خلال زوجها وأولادها. «لا 
نعرف إذا كان ذلك ممكنًا أم لا». 

لقد تهرّب منظرو النفس الجددء وهم رجالء عادةً من مسألة تحقيق 
الذات للمرأة. افترضواء مُربكين أنفسهم باللغز الأنثوي» أنه يجب أن 
يكون هناك «فرق» غريب يسمح للمرأة بأن تجد تحققها الذاتي عن طريق 
العيش من خلال زوجها وأبنائهاء في حين أن الرجل يجب أن ينمو ليحقق 
ذاته. مازال صعبًا جدّاء حتى على المنظرين النفسيين الأكثر تقدمّاء أن 
يروا المرأة بوصفها ذانًا مستقلةء إنسانة غير مختلفةء في ذلك الخصوص» 
في حاجتها إلى النمو عن الرجل. تستند معظم النظريات التقليدية حول 
النساءء وكذلك اللغز الأنثويء إلى هذ! «الفرق». لكنّ الأساس الفعلي 
لهذا «الفرق» هو الحقيقة القائلة إن إمكانية تحقيق الذات الحقيقي للنساء 
لم يوجد حتى الآن. 

لقد ارتكب العديد من علماء النفس» ومن ضمنهم فرويد» خطأ 
الافتراض أن طبيعة المرأة الجوهرية هي أن تكون سلبية وممتثلة للتقاليد 
واتكالية وخائفة وطفلية» وذلك بناءًا على ملاحظات عن نساء لم يتمتعن 
بالتعليم وبالحرية اللازمين للعب دورهن كاملا في العالم؛ وذلك تمامًا 
مثلما ارتكب أرسطوء الذي أقام صورته عن الطبيعة الإنسانية على ثقافته 
وعصره: خطأ افتراض أن الطبيعة الجوهرية لرجل ما هي العبودية لمجرّد 
و ل 


الفصل الثالث عشر: الذات المصّادرة 431 
العظيمة -وهي جميع الطرق التي حقق الرجال أنفسهم عن طريقها- مفتوحة 
للنساءء فإن ظلّ الماضي المرفوع إلى درجة القداسة في لغز التحقق الأنثوي 
هو ما يمنع النساء من إيجاد طريقهن. يبشّر اللغز بتحقق النساء الجنسي عن 
طريق التنازل عن الذات. لكنء هناك دليل إحصائي كبير على أن فتح تلك 
الطرق أمام النساء الأمريكيات إلى هويتهن الخاصة في المجتمع قد أحدث 
eS‏ 
ستمتعت النساء الأمريكيات» في السنوات الواقعة بين «تحرير» النساء الذي 
لوحا الوا اك ل O‏ 
من عقا لعقد في النشوة الجنسية. وقد كانت النساء اللواتي اسي مالف 
على أكمل ما يمكن» فوق كل شيء» هنّ اللواتي تعلّمن من أجل المشاركة 
الفعالة في العالم خارج البيت. 

يوجد هذا الدليل في دراستين شهيرتين» لا يُستشهد بهما عادة لهذه 
الغاية. أولهماء دراسة كينزي» استندت إلى مقابلات مع 5940 امرأة 
وصلن سن النضج في عقود القرن العشرين المختلفة التي تم الظفر فيها 
بتحرير النساء وقبل حقبة اللغز الأنثوي. وحتى وفق مقياس كينزي للتحقق 
الجنسي» النشوة الجنسية (التي انتقدها العديد من علماء النفس وعلماء 
الاجتماع والمحللين نتيجة تشديدها الميكانيكي الضيّق فوق الفزيولوجي. 
وإهمالها للفوارق الدقيقة النفسية الأساسية)ء فإن دراسته تظهر زيادة 
كبيرة في التحقق الجنسي في تلك العقود. بدأت الزيادة مع الجيل الذي 
ولد بين عامي 1900 و1909» والذي بلغ أبناؤه سن النضج وتزوّجوا 
في العشرينيات؛ أي حقبة النسوية والظفر بحق التصويت والتشديد الكبير 
على حقوق النساء والاستقلالية والمهن والمساواة مع الرجال» بما في 
ذلك حق التحقق الجنسي. استمرت الزيادة في الزوجات اللواتي يبلغن 
النشوة الجنسية والانخفاض في النساء الباردات في كل جيل من الأجيال 


432 اللغز الأنثوي 
اللاحقة وصولا إلى الجيل الأصغر في عيّنة كينزي التي كانت تتزوج في 
الأربعينيات22. 

وأظهرت الضباء الأ اترا 'التناء اللواتق تعلمن إلى :نا بعد 
الجامعة من أجل مهن احترافية» قدرة على الاستمتاع الجنسي الكامل 
والنشوة الكاملة أكبر بكثير من البقية. أظهرت أرقام كينزي» على نحو 
يخالف اللغز الأنثوي» آنه كلما كانت المرأة أكثر تعلمّاء كان احتمال أن 
تستمتع بالنشوة الجنسية الكاملة في عدد أكبر من المرات أعلى» واحتمال 
أن تكون باردة جنسيًا أقل. ظهر الاستمتاع الجنسي الأكبر بين النساء اللواتي 
أكملن الجامعة» بالمقارنة مع أولئك اللواتي لم يتجاوزن المرحلة الابتدائية 
أو الثانوية» وكان أكبر حتى بين النساء اللواتي تابعن ما بعد الجامعة في 
تدريب مهني عال» من السنة الأولى للزواج» واستمر في الظهور في السنة 
الخامسة والعاشرة والخامسة عشرة من الزواج. وفي حين لم يجد كينزي 
سوى امرأة واحدة من كل عشر نساء لم تعرف قط النشوة الجنسية» فإن 
غالبية النساء اللواتي قابلهن لم يعرفنها كاملة» طيلة الوقت. أو تقريبًا طيلة 
الوقت» باستثئناء تلك النساء اللواتى تجاوزن فى تعليمهن المرحلة الجامعية. 
أظهرت أرقام كينزي أيضًا أن النساء اللواتي تزوّجن قبل العشرين كنّ الأقل 
احتمالا في أن يعرفن النشوة الجنسيةء والأرجح أن يستمتعن بها عددًا أقل 
من المرات في الزواج أو خارج الزواج» على الرغم من أنهن بدأن إقامة 
علاقات جنسية قبل النساء اللواتى أنهين دراستهن الجامعية أو ما بعد 
الجامعية بخمس أو ست ستوات. 

وفي حين أظهرت بيانات كينزي أن «نسبة أعلى بوضوح من الإناث 
الأفضل تعليمًاء على عكس الإناث الحاصلات على المرحلة الابتدائية و 





(1) (26) A. C. Kinsey. et al., Sexual Behavior in the Human Female, 
pp. 356 ff.; Table 97, .م‎ 397; Table 104, .(انظر الجدولين 1 و2) .403 .م‎ 





الفصل الثالث عشر: الذات المصّادرة 433 


الثانوية فقطء قد وصلن فعلا إلى النشوة في نسبة أعلى من عمليات الجماع 
الزوجية» مع مرور السنين» فإن الامجتاع المترايد اجس لبي للقسم 
الأكبر منهن» زيادة عدد مرات القيام بالجنس في حياة المرأة. إجمالاء كان 
هناك ميل خفيف في الاتجاه المعاكس. وكانت تلك الزيادة في الجنس 
خارج الزواج ملحوظة أقل بين النساء الحاصلات على تدريب مهني”". 


ربما مكن شيءٌ ما في ما يسمى القوة «غير الأنثوية»» أو تحقيق الذات 
الذي تحرزه النساء المتعلمات من أجل مهن احترافية» النساءَ من التمة 
باكتفاء جنسي في زواجاتهن أعلى من النساء الأخريات -مقاسًا بالنشوة 
الجنسية- وبالتالي فاحتمال أن يبحثن عنه خارج الزواج أقل. أو ربما لديهن 
ببساطة حاجة أقل للبحث عن المكانة أو الإنجاز أو الهوية في الجنس. 
تعرّزت العلاقة بين اكتفاء المرأة الجنسي وتحقيق الذات» التي أشارت إليها 
نتائج كينزي» بالحقيقة التي أشار إليها العديد من النقّاد. وهي أن عينة كينزي 
كانت أكثر تمثيلا للنساء المهنيات المحترفات و را بحاث الخامعاتة 
والنساء اللواتي ي يتمتعن «بسيطرة؟ عالية أو قوة شخصية. كما كانت عيّنة 
ا المنزل الأمريكية «النمطية؛ التي رن سباتها زوا 
وبيتها وأولادها؛ كانت أقل تمثيلا للنساء قليلات التعليم» فلأنها استخدمت 
متطوّعات. كانت أقل تمثيلا للنوع السلبي المذعن الممتثل للتقاليد من 
النساءء اللواتي وجد ماسلو أنهن عاجزات عن الاستمتاع الجنسي©. ربمالم 
تكن ربة المنزل الأمريكية «العادية» تشعر بزيادة التحقق الجنسى وانخفاض 
البرود اللذين وجدهما كينزي في عقود ما بعد تحرير النساء بالدرجة نفسها 
التي شعرت بها تلك القلة من النساء اللواتي عرفن التحرّر مباشرة عن طريق 
التعليم والمشاركة في المهن. ومع ذلك» فالانخفاض ف في البرود كان كبيرًا 
Ibid., p. 355.‏ )1( 
See Judson T. Landis, “The Women Kinsey Studied,” George Simpson,‏ )2( 


“Nonsense about Women,” and A. H. Maslow and James M. Sakoda, “Volunteer 
Error in the Kinsey Study,” in Sexual Behavior in American Society. 


434 اللغز الأنثوي 
جدًا فى تلك العينة الكبيرة» إذا كانت غير تمثيلية» البالغة نحو 6000 امرأة» 
التي وجدها حتى نقّاد كينزي مهمة. 


ولا يمكن إلا بصعوبة القول إن هذه الزيادة في اكتفاء المرأة الجنسي 
المصحوبة بتقدمها نحو المشاركة المتساوية في الحقوق والتعليم والعمل 
والقرارات في المجتمع الأمريكي هي مجرد صدفة. لقد كان التحرر 
الجنسي المطابق للرجال الأمريكيين -نزع حجاب الاحتقار عن العلاقة 
الجنسية والحط من قدرها- بالتأكيد مرتبطا بنظرة الرجل الأمريكي الجديدة 
إلى النساء الأمريكيات على أنهن مساويات له» أشخاص مثله» ولسن مجرّد 
غرض جنسي. من الواضح أنه كلما تقدّمت النساء مبتعدات عن تلك 
الحالة» أصبح الجنس فعل اتصال أكثر إنسانية» بدل أن يكون نكتة قذرة 
للرجال؛ وأصبحت النساء أقدر على حب الرجال» بدل الخضوع» بنفور 
سلبي» لرغبتهم الجنسية. في الحقيقة» ما كان للغز الأنثوي نفسه -مع 
اعترافه بالمرأة فاعلًا فى الفعل الجنسى» لا مجرّد مفعول به وافتراضه أن 
مشاركتها الفاعلة والراغبة أساسية لمتعة الرجل- أن يأتي لولا تحرير النساء 
نحو المساواة الإنسانية. وكما تنبأت أوائل الناشطات النسويات» لقد عزّزت 
حقوق النساء فعلا الوصول إلى تحقّق جنسي أكبر للرجال والنساء. 

أظهرت دراسات أخرى أيضًا أن التعليم والاستقلالية زادا من قدرة المرأة 
الأمريكية على الاستمتاع بالعلاقة الجنسية مع الرجل» وبالتالي على توكيدٍ 
أكمل لطبيعتها الجنسية كامرأة. أظهرت تقارير متكررة» قبل كينزي وبعده» 
أن النساء المتعلمات جامعيًا لديهن معدل طلاق أقل بكثير من المتوسّط. 
وبدقة أكبر. شارت دراسة اجتماعية ضخمة شهيرة» قام بها إرنست بيرغيس 
)Emest W. Burge55)‏ وليونارد كوتريل (1ا01© .5 Leonard‏ إلى أن 
فرص النساء بالسعادة في الزواج تزايدت مع زيادة إعدادهن المهني؛ حيث 
تظهر المعلمات والممرضات المحترفات والطبيبات والمحاميات عددًا أقل 
من الزواجات التعيسة بالمقارنة مع أية مجموعة أخرى من النساء. وكان 


الفصل الثالث عشر: الذات المصادرة 435 


احتمال استمتاع تلك النساء بالزواج أعلى من احتمال استمتاع النساء اللواتي 
يشغلن مناصب تتطلب مهارة» وهؤلاء بدورهن كانت لديهن زواجات أسعد 
من تلك النساء اللواتي لم يعملن قبل الزواج» أو اللواتي ليس لديهن أي 
طموح مهنيء أو اللواتي عملن في عمل غير متوافق مع طموحاتهن» أو 
اللواتي كان تدريبهن العملي» أو خبرتهن الوحيدة هي العمل المنزلي أو 
العمل غير الماهر. في الحقيقة» كلما كان دخل المرأة عند الزواج أعلى» زاد 
احتمال سعادتها الزوجية. وكما يعبر علماء الاجتماع عن الأمر: 

من الظاهر أنه في حالة الزوجات. تكون المزايا التي تؤهل للنجاح في عألم 

الأعمال: كما يقيسه الدخل الشهري. هي المزايا ذاتها التي تؤهل للنجاح في 

الزواج. الفكرة التي يمكن طرحها بالطبع هي أن الدخل يتيس على نحو غير 

مباشر التعليم لأن مقدار التدريب التعليمي تؤثر في الدخل!!). 

أظهر أقل من /10 من بين 526 زوجًا تكيْقًا زوجياً «منخفضًا» في 
الحالات التي كانت الزوجة فيها قد عملت مدة سبع سنوات أو أكثرء أو قد 
أنهت الجامعة أو التدريب المهنيء أو لم تتزوج قبل سن الثانية والعشرين. 
أما الزوجات اللواتى تعلمن إلى ما بعد الجامعة؛ فأقل من /5 من الزواجات 
سجلت علامات «متدنية» في الزواج. يبين (الجدول 3) العلاقة بين 
الزواج وإنجاز الزوجة التعليمي. 


كان من الممكن للمرء أن يتنبأء من ذلك الدليل» بوجود فرصة ضعيفة 
نسييًا للسعادة الزوجية أو للاكتقاء الجنسي أو حت للنشوة أمام النساء 
اللوأتي شجعهن اللغز على الزواج قبل العشرين» أو الامتناع عن التعليم 
العالي والمهن والاستقلالية والمساواة مع الرجال من أجل الأنوثة. وفي 
الواقع» أظهرت المجموعة الأصغر سنا من الزوجات اللواتي درسهن 


(1) Ermest W. Burgess and Leonard 5. Cottrell, Jr., Predicting Success or Failure 
in Marriage, New York, 1939, p. 271. 


(2) في ملحق الجداول في نهاية الكتاب - الناشر. 


436 اللغز الأنثوي 


كينزي -الجيل الذي ولد ب بين عامي 1920 و1929» اللواتي واجهن اللغز 
الأنثوي بكل مظاهره في الأربعينيات؛ عندما بدأ سباق العودة إلى البيت- مع 
السنة الخامسة من الزواج انقلابًا حادًا في ذلك الاتجاه إلى التحقق الجنسي 
الذي تزايد في الزواج والذي كان واضحًا في كل عقد منذ تحرير النساء في 
العشرينيات.: 
لقد ارتفعت نسبة النساء اللواتي يستمتعن بالنشوة الجنسية في كل الحياة 
الجنسية الزوجية: أو كلها تقريبًاء في السنة الخامسة من الزواج من 37% 
من النساء في الجيل الذي ولد قبل عام 1900 إلى 4290 في الأجيال التي 
لدت في العقدين التاليين. أما المجموعة الأصفر سنا والتي كانت سنتها 


الخامسة من الزواج في أواخر الأربعينيات» فقد تمتعت بالنشوة الجنسية 
الكاملة في عدد من الحالات (36%) أقل حتى من النساء اللواتي وُلدن قبل 
عام 1900 (1). 


هل من شأن دراسة جديدة لكينزي أن تكتشف أن الزوجات الشابات» 
اللواتي هنّ منتجات اللغز الأنثوي» يتمتعن بالتحقق الجنسي بدرجة أقل 
حتى من جدّاتهن الأكثر تحررًا والأكثر استقلالية والأكثر تعليما والأكثر 
نضبا عند الزواج؟ لم تكن سوى /14 من نساء كينزي قد تزوجن بعمر 
العشرين؛ فى حين أن أغلبية ظاهرة (/53) قد تزوجن بعمر الخامسة 
والعشرين. وهذا مختلف جدًا عن أمريكا الستينيات التي تتزوج :50 من 
النساء فيها بعمر المراهقة 


مؤخرًا دفعت هيلين دوتش (طعكاتاء10 06ه111) -وهي محللة نفسية 
بارزة تجاوزت حتى فرويد في المساواة ب بين الأنوثة والسلبية المازوشية» وفي 
17 النساء من أن «النشاط الموجّه نحو الخارج» والعقلانية «المسترجلة» 
تؤثّر في النشوة الأنثوية الكاملة- مؤتمرًا للتحليل النفسي إلى حالة من 
OEE‏ 


(1) A. C. Kinsey, et al., Sexual Behavior in the Human Female, p.403. 


الفصل الثالث عشر: الذات المصادرة 437 


في التشديد عليها. في الستينيات» أصبحت فجأة غير متأكدة جدًا من أن النساء 
يجب أن تكون لديهنء أو يمكن أن تكون لديهن؛ نشوة جنسية حقيقية. ربما 
يكون اكتفاء أكثر «تشتثّا هو كل ما يمكن توقعه. ففى نهاية الأمرء كان لديها 
مريضات دُهانيات بالتأكيد» ممن يبدو أنهن كنّ يحققن النشوة؛ لكن معظم 
النساء اللواتي رأتهن لا يبدو الآن أنهن كن يحققنها على الإطلاق. 


ما الذي يعنيه ذلك؟ أيمكن أن النساء لم يكنّ حينها يعرفن النشوة؟ 
أم إن شيئًا ما قد حدث في هذا الوقت الذي جرى فيه تشديد كثير على 
التحقق الجنسى لإبعاد النساء عن معرفة النشوة الجنسية؟ لم يوافق + 

2 عن معر 5 يوافى جميع 
الخبراء. ولكن فى سياقات أخرى غير مهتمة بالنساء» ذكرّ المحللون 
أن الأشخاص السلبيين الذين «يشعرون بالفراغ نفسيًا» -الذين يفشلون 
في «تطوير ذوات ملائمة)» ولديهم الإحساس ضعيف بهويتهم)- لا 
يستطيعون تسليم أنفسهم لتجربة النشوة الجنسية خوفا من عدم وجودهم 
الشخصى2©. لقد أنكرت نساء كثيرات» مشدودات إلى بحث جنسى 
يستهلك الجميع من قبل مبشطي «الأنوثة» الفرويدية» في الواقع كل 
شيء من أجل النشوة التي يفترض أن تكون هناك عند نهاية قوس قزح. 
Sylvan Keiser, “Body Ego During Orgasm,” Psychoanalytic Quarterly, 1952,‏ )1( 

Vol. XXI, pp. 153-166:‏ 
«يتصف الأفراد من هذه الفئة بالفشل في تطوير ذوات ملائمة ... يكذب التكريس 
القلق نحو أجسادهم والعناية المبالغ فيها بمشاعرهم الداخلية بالفراغ وعدم الكفاية ... 
لدى هؤلاء المرضى حس قليل بهويتهم الخاصةء وهم دائمًا مستعدون لأخذ شخصية 
شخص آخر. ليس لديهم سوى القليل من القناعات الشخصية» ويستسلمون بسهولة 
لآراء الآخرين... بين مثل هؤلاء المرضى أساسًا يمكن الاستمتاع بالمضاجعة فقط إلى 
نقطة الرعشة الجنسية ... لا يجرؤون على أن يسمحوا لأنفسهم بالتقدّم غير المكبوح 
نحو الرعشة الجنسية مع ما يلازمها من فقدان للسيطرة» أو فقدان للوعي بالجسم» أو 
الموت ... في حالات عدم اليقين حول بنية صورة الجسد وحدوده قد يقول المرء أن 
الجلد لا يخدم كمغلّف يحدّد بحدّة الانتقال من الذات إلى البيئة؛ يندمج الواحد تدريجيًا 
بالآخر؛ ليس هناك أي توكيد بكونك كيان مميّز ممنوح القوة على منح نفسه دون أن 
يعض سلامة المرء للخطر». 


438 اللفزالأنثوي 


باختصارء لقد وجهن الكثير من طاقاتهن الانفعالية وحاجاتهن نحو الفعل 
الجنسي. وكما قال شخصٌ ما عن امرأة جميلة حقّاء لقد بولغ في عرض 
صورتها في الإعلانات والتلفاز والأفلام» إلى درجة أنك تشعر بالخيبة 
عندما ترى الحقيقة. يمكن للمرء أن يفترض» دون حتى التنقيب في 
الأعماق المظلمة للاوعيء أنه كان يطلب كثيرًا من النشوة الجميلة؛ لا 
للعيش وفق مزاعمه المبالغ فيها في الإعلان فقطء بل لتشكيل ما يعادل 
علامة تامة في الجنس أو زيادة في الراتب أو تقبيمًا جيدًا في يوم الافتتاح 
أو ترقية إلى وظيفة محرّر رئيسي أو أستاذ مساعد» وبدرجة أقل بكثير 
«خبرة الذات» الأساسية» معنى الهوية”©. وكما ذكر معالج نفسي 


أحد الأسباب الرئيسية لعدم تحقيق عدد كبير من النساء التفتّح الكامل 
لجنسانيتهن اليوم هو. ويا للسخرية؛ أنهنْ يبالفن في تصميمهن على تحقيقها. 
يشعرن بالعار إذا لم يصلن إلى أعلى حسيّة تعبيرية إلى حدّ أنهن يدمرنء على 
نحو مأساوي, رغباتهن الخاصة. وهذا يعني أنه بدلا من التركيز بوضوح على 
المشكلة الحقيقية المطروحة. فإن أولتك النساء يركزن على مشكلة مختلفة 
الإشباع بلا صعوبة». نساء اليوم مهووسات غالبًا بفكرة كيف, بدلا من ماذاء 
يقمن بالأمر عندما يمارسن علاقات زوجية. وهذا مهلك. 


إذا كان الجنس نفسه» كما عبّر محلل نفسى آخر عن الأمرء قد بدأ يتحول 
إلى خاصية «مثيرة للكآبة» في أمريكاء فهذا ربما لأنْ الكثيرين من الأمريكيين» 





)1( Lawrence Kubie, “Psychiatric Implications of the Kinsey Repoıt,” in Sexual 
Rehayvior in American Society, pp. 270 fl: 


ايغطى هذا الهدف البيولو جى البسيط بالعديد من الأهداف الدقيقة التى لا يكون الفرد 
نفسه مدركا لها. بعضها قابل للتحقيق» وبعضها لا. وحيث تكون الغالبية قابلة للتحقق» 
فالنتيجة النهائية للنشاط الجنسى» عندهاء هى شفق اكتمال واكتفاء آمنين. ولكن. 
حيث لا تكون الأهداف غير الواعية قابلة للتحقق. فسواء حدثت الرعشة الجنسية أم 
لم تحدث» يبقى هناك حالة تالية للجماع من حاجة غير مشبعةء وأحيانًا من الخوف أو 
الغيظ أو الاكاب». 


الفصل الثالث عشر: الذات المُصّادرة 439 





ولاسيما النساء الباحثات عن الجنسء يقحمون في البحث الجنسي كل 
حاجاتهم المحبطة إلى تحقيق الذات. تعاني النساء الأمريكيات» ببساطة 
لا يمكن أبدًا أن يكون بديلا عن الهوية الشخصية؛ أن الجنس وحده لا 
يستطيع أن د يمنح المرأة هوية بأكثر مما يمنح الرجل؛ أنه قد لا يكون هناك 
تحقق جنسي للمرأة التي تبحث عن نفسها في الجنس. 

ساجع لجرك كار E‏ اي SE‏ ايضاق قدراته 
إلى أبعد حل وبالتالي ب يحقق الهوية» أمرًا مهمًا للفلاسفة والمفكرين 
الاجتماعيين والنفسيين في عصرناء ولسبب وجيه. نشر مفكرو أزمنة 
أخرى الفكرة القائلة إن الناس يتحدّدون» وإلى حد بعيدء بالعمل الذي 
يقومون به. يفرض العمل الذي يجب على الإنسان القيام به ليأكل» وليبقى 
حيّاء وليلبى الضرورات المادية لبيئته» هويته. وبهذا المعنى» عندما ينظر 
إلى العمل على أنه مجرّد وسيلة للبقاء» فإن الهوية الإنسانية قد فرضتها 
البيولوجيا. 

أما اليوم» فقد تغيّرت مشكلة الهوية الإنسانية. لأن العمل الذي حدّد 
مكان الإنسان في المجتمع وإحساسه بذاته قد غيّرا أيضًا عالم الإنسان. 
لقد خقّف العمل وتقدّمٌ المعرفة من اعتماد الإنسان على بيئته؛ لم تعد 
بيولوجيا الإنسان والعمل الذي يجب أن يقوم به من أجل البقاء البيولوجي 
كافيين لتحديد هويته. يمكن أن يُرى ذلك بأوضح ما يمكن في مجتمعنا 
ذي الوفرة؛ لم يعد البشر بحاجة إلى العمل طوال اليوم ليأكلوا. لديهم 
حرية غير مسبوقة في اختيار نوع العمل الذي سيقومون به؛ ولديهم أيضًا 
مقدار من الوقت غير مسبوق» فضلا عن الساعات والأيام التي يجب فعليًا 
قضاءها في كسب المعيشة. وفجأة» يدرك المرء أهمية أزمة الهوية اليوم 


440 اللغزالأنثوي 


على أنه مجرّد وسيلة للبقاء البيولوجي» بل بوصفه مانح الذات وما يقوم 
على قا ات برست الك الهوية الإسانية والتطوو الا 


لأن «تحقيق الذات» أو «تحقق الذات» أو «الهوية» لا تأتي من النظر في 
ال SS sS‏ 
أنفسهم على النحو الأكثر كمالاء بمعنى يستطيع العقل الإنساني إدراكه» على 
الرغم من عدم إمكانية تحديده بوضوح» فعلوا ذلك خدمة لهدف إنساني 
أكبر من أنفسهم. لقد استخدم رجال من ميادين مختلفة كلمات مختلفة 
لهذه العملية الغامضة التي يأتي منها معنى الذات. المتصوفون الدينيون» 
الفلاسفة» ماركس» فرويد.. تنه كاك لديهم أسماء مختلفة لها: يجد 
الإنسان ذاته بفقدان ذاته؛ الإنسان محدّد بعلاقته بوسائل الإنتاج؛ تنمو الأناء 
النفس» عبر فهم الواقع والسيطرة عليه» عبر العمل والحب. 


يبدو أن أزمة الهوية لدى الإنسان الأمريكي» التي أشار إليها إيريك 
إيريكسون وآخرون فى السنوات الأخيرة» تحصل نتيجة فقدان العمل 
أو القضية أو الهدف الذي يستثير إبداعه» وتاج بإيجادها". البعض لا 
يجدونها إطلاقًاء لأنها لا تأتى من الانشغال بالعمل أو من دق بطاقة العمل 
على ساعة الدوام. لا تأتي من مجرّد كسب المعيشة والعمل حسب خطة 
وإيجاد مكان آمن كرجل في مؤسسة. تفترض الحجة التي يقدّمها رايسمان 
وآخرون. والقائلة إن الإنسان لم يعد يجد هويته في العمل المحدّد على 
اال مر إن هوية الا عم سام 
Erik H. Erikson, Childhood and Society, pp. 239-283, 367- 380. See also Erich‏ )1( 


Fromm, Escape from Freedom and Man for Himself, and David Riesnian, The 
Lonely Crowd. 


الفصل الثالث عشر: الذات المصّادرة 441 


لقد أصبح العمل» وهو المادة الرئيسية الوسخة للاقتصادي» الحدّ 
الجديد لعلم النفس. لقد استخدم الأطباء النفسيون فترة طويلة «العلاج 
المهني» مع المرضى في مستشفيات الأمراض العقلية؛ وقد اكتشفوا مؤخرًا 
أنه حتى تكون له قيمة نفسية حقيقية» فيجب ألا يكون مجورّد «علاج»» بل 
عملا حقيقيّك يخدم غاية حقيقية في المجتمع. ويمكن النظر إلى العمل 
الآن على أنه مفتاح المشكلة التي لا اسم لها. بدأت أزمة الهوية عند النساء 
الأمريكيات منذ قرن» عندما انتزع منهن المزيد والمزيد من العمل المهم 
للعالم» والمزيد المزيد من العمل الذي يستخدم قدراتهن» والذي کن 
قادرات على إيجاد تحققهن الذاتي من خلاله. 

كانت هناك حاجة حتى القرن الماضي» وحتى في القرن الماضي. 
إلى النساء القويات القادرات من أجل تمهيد أرضنا الجديدة؛ فقد سيّرن 
مع أزواجهن المزارع والمزروعات والعرّب الغربية. كانت تلك النساء 
عضوات محترمات ويحترمن أنفسهن في مجتمع تتركز غايته الريادية في 
البيت. كانت القوة والاستقلالية والمسؤولية والثقة بالذات والانضباط 
الذاتي والشجاعة والحرية والمساواة جزءًا من الشخصية الأمريكية لكل من 
الرجال والنساء في كل الأجيال الأولى. عملت النساء اللواتي جئن في 
عنبر المسافرين ذي التعريفة الأرخص في السفن من ايرلندة وايطاليا وروسيا 
وبولنداء إلى جانب أزواجهن في دكاكين الحلويات وفي المصابغ» وتعلمن 
اللغة الجديدة» وادّخرن المال لإرسال أبنائهن وبناتهن إلى الجامعة. لم تكن 
النساء في أمريكا قط «أنثويات»» ولم يُعتبرن عارًا إلى ذلك الحد الذي كان 
عليه حالهن في أوروبا. بدت النساء الأمريكيات للرحّالة الأوروبيين قبل 
وقتنا بزمن طويل أقلّ سلبية وطفولية وأنوثة من زوجاتهم في فرنسا أو ألمانيا 
أو بريطانيا. بصدفة من صدف التاريخ» شاركت النساء الأمريكيات في عمل 
المجتمع فترة أطول» وكبرن مع الرجال. كان التعليم الابتدائي والثانوي 
للفتيان والفتيات على قدم المساواة دائمًا تقريبًا هو القاعدة؛ وفي الغرب». 


442 اللفزالأنثوي 
حيث شاركت النساء فى العمل الريادي أطول فترة» كانت حتى الجامعات 
مختلطة منذ البداية. 

لم تبدأ أزمة الهوية لدى النساء في أمريكا حتى الوقت الذي لم تعد فيه 
نار النساء الرائدات وقوتهن وقدرتهن لازمةء ولم تعد مستخدمة؛ في بيوت 
الطبقة الوسطى فى المدن الواقعة فى الشرق والغرب الأوسط. عندما انتهت 
الريادة وبدأ الرجال بناء المجتمع الجديد في صناعات ومهن خارج البيت. 
لكن» كانت بنات النساء الرائدات قد كبرن أكثر اعتيادًا على الحرية والعمل 
من أن يرضين بوقت الفراغ والأنوثة السلبية©. 





(1) انظر: and Viola Klein (Women's Two Roles)‏ اMyrda‏ دز ).؛ الذي أشار إلى أن 
عدد النساء الأمريكيات اللواتي يعملن الآن خارج البيت يبدو أكبر مما هو عليه لأن 
الأساس الذي تقام المقارنة معه عمومًا كان صغيرًا على نحو غير عادي: منذ قرن من 
الزمن» كانت نسبة النساء الأمريكيات العاملات خارج المنزل أصغر بكثير مما هي 
عليه في البلدان الأوروبية. وبكلمات أخرىء ربما كانت مشكلة المرأة في أمريكا قاسية 
على نحو غير عادي لأن إزاحة النساء الأمريكيات من العمل الجوهري والهوية في 
المجتمع كان أكثر عنفًا -أساسًا نتيجة النمو السريع جدًا وتصنيع الاقتصاد الأمر کن 
أبعدت النساء اللواتي كبرن مع الرجال في أيام الجبهة تقريبًا بين ليلة وضحاها إلى 
الشذوذ -وهم أسم اجتماعي معبّر جدًا لذلك الإحساس بعدم الوجود أو عدم الهوية 
الذي يعاني منه الشخص الذي ليس له مكان حقيقي في المجتمع- حيث ترك العمل 
المهم البيت» وحيث بقين. وعلى العكس» في فرنساء حيث كان التصنيع أبطأء والمزارع 
والمحلات العائلية الصغيرة ما تزال مهمة نسبيًا في الاقتصادء كانت النساء منذ قرن من 
الزمن مازلن يعملن بأعداد كبيرة -في الحقل وفي المحل- واليوم» ليست غالبية النساء 
الفرنسيات ربات منزل متفرغات بالمعنى الأمريكي للغزء لأ عددًا كبيرًا منهن مازال 
يعمل في الحقول» بالإضافة إلى ذلك» فإن واحدة من كل ثلاثة» كما في أمريكاء يعملن 
في الصناعة والمبيعات والمكاتب والمهن. كان نمو النساء في فرنسا متوازيًا إلى حذ 
كبير مع نمو المجتمع» لأن نسبة النساء الفرنسيات في المهن قد تضاعفت في خمسين 
سنة. ومن اللافت للانتباه أن اللغز الأنثوي لا يسود في فرنساء إلى الحد. الذي يفعله 
هنا؛ هناك صورة مشروعة في فرنسا للمرأة المهنية الأنثوية والمثقفة الأنثوية» ويبدو 
الرجال الفرنسيون مستجيبين للنساء جنسيّاء دون أن يساووا بين الأنوثة والفراغ الممجد 


الفصل الثالث عشر: الذات المصادرة 443 


لم تكن امرأة أمريكية -بل جنوب أفريقية» السيدة أوليف 000 
Schreiner)‏ iveا0)-‏ تلك التي درت عند مطلع القرن من أن نوعية 
وظائف النساء وكميتها في المجال الاجتماعي تتزايد بالسرعة ذاتها التي 
تتقدم بها الحضارة؛ وأنه إذا لم تظفر النساء مرة أخرى بحقهن في حصة 
كاملة من العمل المحترم والمفيدء فإن عقل المرأة وعضلاتها ستضعف في 
حالة طفيلية؛ ونسلهاء ذكورًا وإنائا» سبضعف على نحو متصاعد» والحضارة 
٠‏ ستتدهور”) 

رأت الناشطات النسويات بوضوح أن التعليم والحق في المشاركة في 
العمل المجتمعي الأكثر تقدمًا هما أعظم حاجات النساء. لقد كافحن من 
أجل الحقٌّ في هوية إنسانية كاملة وجديدة للنساء وظفرن بها. ولكن كم 
كانت بناتهن وحفيداتهن» اللواتي اخترن أن يستخدمن تعليمهن وقدراتهن 
لأية غاية خلاقة. لأي عمل مسؤول في المجتمع؛ قليلات؟ كم منهن قد 
جرى تضلیلهن»› أو ضللن أنفسهن» للتمساك بالأنوثة ة الطفولية التى شبّت 
عن الطوق ل«المهنة: ربة منزل»؟ 

لم يكن خيارهن الخطأ مسألة ثانوية. نحن نعرف الآن أن 0 
بطيف الإمكانيات ذاته الذي ب يتمتع به الرجال. لا تستطيع النساء» 
الرجال» أن يجدن هويتهن إلا في 0 الذي يستخدم كامل قدراتهن. لا 
يمكن لامرأة أن تجد هويتها عبر الآخرين؛ عبر زوجها وأولادها. لا يمكنها 
أن تجدها في رتابة العمل المنزلي الباهت. وكما قال مفكرون من جمبع 

أو تلك الأم الخصائية آكلة الرجال. ولم تضعف العائلة -في الواقع أو في اللغز- بعمل 

النساء في الصناعة والمهن. يظهر («أع!× همه [81508) أن النساء المهنيات الفرنسيات 
يستمررن في إنجاب الأطفال» ولكن ليس بالأعداد الكبيرة التي تنجب بها ريات المنازل 

الأمريكيات المتعلمات الجديدات. 


)1( Sidney Ditzion, Marriage, Morals and Sex in America, A History of ldeas. 
New York, 1933, p. 277. 





444 اللفز الأتثوي 


العصورء لا يمكن للإنسان أن يصبح مدركا حقًا لنفسه» ويبداً بأخذ وجوده 
على محمل الجدء إلا عندما يواجه بصراحة حقيقة أنه يمكن أن يجرّد من 
حياته الشخصية. أحيانًا لا يأتي هذا الإدراك إلا عند لحظة الموت. أحيانًا 
يأتي من مواجهة ألطف مع الموت: موت الذات في امتثال سلبي مع 
العادات» أو في عمل لا معنى له. يفرض اللغز الأنثوي تمامًا ذلك الموت 
الحي للنساء. يجب أن تبدأ المرأة الأمريكيةء مُواجهة موت ذاتها البطيء؛ 
بأخذ حياتها بجدية. ْ 


قال عالم النفس الأمريكي العظيم» وليام جيمس (065ةآ ها1¡ »)W‏ 
منذ نحو قرن من الزمن: (إننا نقيس أنفسنا بالعديد من المقاييس. قوتنا 
وذكاؤنا وثروتنا وحتى حظنا الجيد هي أشياء تدفى قلوبنا وتجعلنا نشعر 
بأنفسنا هلا للحياة. ولكن أعمق من كل هذه الأمور» هناك الإحساس 
بمقدار الجهد الذي يمكن أن نبذله» وهو قادر على كفاية حتى نفسه 
بدونها»'. 


إذا لم تبذل النساء في النهاية ذلك الجهد» ليصبحن كل ما في مقدورهن 
أن يصبحن» فسيُّجرّدن من إنسانيتهن الخاصة. اليوم» ترتكب المرأة التي ليس 
لديها أي هدف أو أية غاية أو أي طموح يشكل أيامها في المستقبل» ويجعلها 
تمت وتنمو إلى ما بعد ذلك العدد القليل من السنوات التي يستطيع جسدها 
فيها أن يفي بوظيفته البيولوجية» نوعًا من الانتحار. لأنْ ذلك المستقبلء بعد 
نصف قرن من انتهاء سنوات الحمل والولادة» هو حقيقة لا تستطيع امرأة 
أمريكية إنكاره. ولا تستطيع أن تنكر أنها بوصفها ربة منزل» تترك العالم 
يندفع من أمام بابهاء فيج هي تجلس وتراقب وحسب. الرعب الذي تشعر به 
حقيقيّ إذا لم يكن لها مكان في ذلك العالم. 


(1) William James, Psychology, New York, 1892, p. 458. 


الفصل الثالث عشر: الذات المُصّادرة 445 


لقد نجح اللغز الأنثوي في دفن ملايين النساء الأمريكيات على قيد 
الحياة. ليست هناك أية طريقة أمام تلك النساء لكسر معسكرات الاعتقال 
المريحة إلا بأن يبذلن أخيرًا جهدًا؛ ذلك الجهد الإنساني الذي يتخطى 
البيولوجياء يتخطى جدران البيت الضيقة» للمساعدة في تشكيل الستشيل: 
وفقط بمثل هذا الالتزام الشخصي بالمستقبل تستطيع النساء الأمريكيات أن 
يحطمن شرك ربة المنزل ويجدن التحقّق فعلا زوجات وأمهات؛ عبر تحقيق 
إمكانياتهن الفريدة بوصفهن كائنات إنسانية مستقلة. 


الفصل الرابع عشر: خصلة حياة جديدة للنساء 447 





«من السهل قول ذلاك»». إتااحظ الكثرأة داحل شرك ربة المنزل» «لكن 
ماذا أستطيع أن أفعل» وحيدة ف و اد ارلا رغوت ایل 
بجب فرزه» ولا توجد جدّة لتجلیس لمانو . من الأسهل أن تعيش 
شخص آخر بدلا من أن تصبح ذاتك الكافلة. الحرية في أذ تعيش سات 
الخاصة وتخططها مخيفة إذا لم تكن كد وأببهئها من قبل. مخيفةٌ عندما 
الاير أخيرًا أن ليس تتاك ج واب عن سوال «من أنا؟»: إلا الصوت 

غي داخلها. قد تمضي سنوات على أريّكة المحل ل /النفسي لتحقيق «تكي 
مع الدور الأنثري». وحل العوائق أمام (تحققها وة ة وأمًا». ومع ذلك. 
فقد يقول الصوت فى داخلها: اليس هذا هو). لا يستطيع حت 
محلل نفسي أن يمنحها الشجاعة للاستماع إلى صوتها الخاص. عندما لا 
يطلب المجتمع إلا القليل من النساء» فيجب على كل امرأة أن تستمع إلى 
ل ا و 0 يجب عليها أن تخلق 

جاتها وقدراتها خطة حياة جديدة» موفقة فيها بين الب والأرلاة 

ا 
غاية أكبر تُشكل المستقبل. 

مواجهة المشكلة لا تعنى حلها. ولكنء عندما تواجهها امرأة» مثلما تفعل 


448 اللغز الأنثوي 


النساء اليوم في كل أرجاء أمريكا دون مساعدة كبيرة من الخبراء» عندما تسأل 
نفسها: «ما الذي أريد القيام به؟» فإنها تبدأ بإيجاد أجوبتها الخاصة. عندما 
تنفذ رؤيتها إلى ما هو أبعد من أوهام اللغز الأنثوي -وتدرك أن لا زوجها 
ولا أولادها ولا الأشياء في بيتها ولا الجنس ولا التشابه مع جميع النساء 
الأخريات يمكن أن يمنحها ذانًا- فإنها غالبًا ما تجد الحل أسهل بكثير مما 


كانت تتوقعه. 


من بين النساء العديدات اللواتي تكلمت معهن في الضواحي والمدن» 
كان بعضهن قد بدأ للتو في مواجهة المشكلةء في حين كانت أخريات يسرن 
قدمًا في طريقهن إلى حلهاء فيم لم تعد تمثّل لأخريات مشكلة. في هدوء 
بعد ظهر يوم نيساني» قالت لي امرأة» وجميع أولادها في المدرسة: 

أضع كل طاقاتي في الأولاد. أتجوّل بهم بالعربة. وأقلق بشأنهم وأعلّمهم 

الأشياء. وفجأةٌ. أصبح هناك ذلك الشعور المرعب بالفراغ. وأصبح كل ذلك 

العمل الطوعي الذي التزمت به -الكشافة وجمعية أولياء الأمور والمعلمين 

واتحاد الأندية- فجأةٌ وكأنه لا يستحق القيام به. عندما كنت فتاة صفيرة. 

أردت أن أصير ممثلة. فات الأوان على العودة إلى ذلك. كنت أبقى في البيت 

طوال اليوم» أنظف أشياء لم أنظفها منذ سنوات. كنت أقضي كثيرًا من الوقت 
أبكي وحسب. تحدثت مع زوجي عن أن تلك هي مشكلة المرأة الأمريكية. كيف 
تتخلين عن مهنة من أجل الأولاد. ومن ثمّ تصلين إلى نقطة لا يمكنك العودة 
منها. شعرت أنني أحسد جدًا النساء القليلات اللواتي أعرفهن, واللواتي كانت 
لديهن مهارة محددة. وواظبن العمل عليها بخ لم يكن علبي بیان أصبح 
ممثلة واقعيًا؛ لم أعمل على تحقيقه. هل يجب علي أن ألقي بكامل نفسي 
للأولاد؟ لقد قضيت كل حياتي مغمورة تمامًا بالآخرين: ولم أعرف قط أي 
نوع من الأشخاص كنت أنا نفسي. الآن أعتقد أن حتى إنجاب طفل آخر لن 
يحلّ ذلك الفراغ طويلا. لا يمكنك العودة؛ عليك الاستمرار. يجب أن تكون 
هناك طريق حقيقية ما أستطيع السير بها بنفسي. 


كانت هذه المرأة قد بدأت للتو بحثها عن الهوية. وقد قامت امرأة أخرى 
بالأمر بطريقة مختلفة» وأصبح بإمكانها أن تنظر خلفها الآن» وترى المشكلة 


الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة للنساء 449 


بوضوح. كان بيتها حيويًا وعَرَضيًاء لكنها عمليًا لم تعد «مجرّد ربة منزل». 
كانت تحصل على أجر مقابل العمل الذي تقوم به رسّامة محترفة. قالت لي 
إنها عندما توقفت عن الامتثال لصورة الأنوثة التقليدية» فإنها بدأت أخيرًا 
تستمتع بأنها امرأة. قالت: 

كنت أعمل بجدّ للمحافظة على هذه الصورة الجميلة لنفسي زوجة وأمّا. ولدت 

جميع أولادي ولادة طبيعية. وأرضعتهم جميعًا إرضاعًا طبيعيًا. غضبت مرّة 
من امرأة أكبر سنًا في حفلة؛ عندما قلت إن الولادة هي أهمّ شيء في الحياة.. 
أنت فعلّا تريدين ما هو أكثرء ولكنك لا تعرفين ما هو. وهكذا تبذلين المزيد 
من جهدك في التدبير المنزلي. ليس عملا متطلبًا كفاية. مجرّد كي الفساتين 
من الکي٬‏ وتصنعين خبزك بنفسك؛ وترفضين الحصول على غسالة صحون. 
تعتقدين أنك إذا جعلت منه تحديًا كبيرًا بما يكفي. فسيكون مُرضيًا على نحو 
ما. ولكنه ليس مرضيًا. 
أوشكت على إقامة علاقة. كنت أشعر بسخط شديد على زوجي. كنت أشعر 
بنوية من الغضب إذا لم يساعد في عمل البيت. ألححت على أن يغسل 
الصحون؛ وينظف الأرضيات وكل شيء. ما كنا لنتشاجرء ولكن لا يمكن أن 
تخدعي نفسك أحيانًا في منتصف الليل. 
لم أتمكن من الظهور مسيطرة على هذا الشمور بأنني أردت من الحياة ما هو 
لكن ذلك لم ينفع. ثم ذهبت إلى طبيب آخر. جعلنيء على ما يبدو أكتشف 
من أناء وأنسى هذه الصورة الأنثوية الجميلة. أدركت أنني غاضبة من نفسي 
وغاضبة من زوجي. لأنني تركت المدرسة. 
كنت أضع الأطفال في الشيارة؛ وأقود فحسب. لأنني لم أكن أحتمل أن أبقى 
وحيدة في البيت. بقيت أريد أن أفعل شيئاء لكنني كنت خائفة من المحاولة. 
لم أتمكن من منع نفسي من القول: «هل تعطي دروسًاة». 


450 النغز الأنتوي 
كنت أهتم بائبيت والأولاد طوال اليوم» وبعد أن أنتهي من غسل الصحون ليلاء 
امع 1 توف ا ا طاطل حر كاز حي 
إحدى الليالي» كنت أعمل. 0 وفجأةٌ كانت الساعة الثانية صباحًاء وكنت 
قد انتهيت. نظرت إلى اللوحةء وكنت كما لو أنني أجد نفسي. 
لا أستطيع التفكير ما الذي كنت أحاول أت ٠‏ أذعله بحياد تي فبل ذلك أحاول 
أن أنسجم مع صورة 5ما لامرأة رائدة من رمن قديم. 5 علي أن أثبت أنني 
امرأة عن طريق خياطة ملابسي بنفسي. أنا امرأة, وأنا على حقيقتي» وأشتري 
ملابسي وأحبها. لم أعد تلك المريضة الملعونة؛ أو الأم المثالية المحدّة. لا 
أغيّر ملابس الأطفال من رأسهم حتى قدميهم كل يوم ولا مزيد من الأئبسة 
المكسّرة. لكن يبدو أنه قد صار لدي المزيد من الوقت لأستمتع بهم. لم أعد 
أقضي الكثير من الوقت في ألعمل المنزلي الآنء لكنه ينتهي قبل أن يعود زوجي 
إلى البيت. اشترينا غسالة صحون. 
كلما زاد الوقت الذي تقضينه في غسل الصحون: هَل الوقت الذي يبقى لك 
الداكرون وغسالات الصحون والقماش الذي لا يحتاج إلى كي.. هذا رائع» هذا 
هو الاتجاه الذي يجب أن تأخذه الحياة المادية. هذا وقتنا؛ وقتنا الوحيد على 
الأرض. لا يمكننا أن نستمر في هدره. وقتي هو كل ما أملك. وهذ! ما أريد أن 
أفمله به. 

ا بدأت أملك حسأا أ بذاتيء أصبحت أكثر معرفةٌ بزوجي. سابقًا ؛ کان كما 

لوأنه جزء مني. ولي : إنسانًا مستقلا. أظنّ أنني لم ايرأ الاستمتاع بأني امرأة 

إلا عندما توقفت عن محاولة أن أكون امرأة. 

ثم كانت هناك د أخريات؛ يتأرجحن حيئة وذهاياء مدركات للمشكلة» 
ولكنهنٌ لسن متأكدات تماما مما يجب أن يفعلاه ببخصوصها. قالت رئيسة 

لجنة لجمع الأموال فى الضراحى: 
أحسد جين التي تبقى في البيت» وتقوم بالعمل الذي تريد القيام به. لم 
أفتح مسند لوحات الرسم منذ شهرين. أبقى منخرطةً في لجان لا أهتمّ بها. 


ا[مصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة لنتساء ]45 
إنه الشيء الذي يجب القيام به للانسجام مع المجتمع هناك. ولكنّ ذلك لا 
يجعلني أشعر بالهدوء الداخلي» الطريقة التي أشعر بها عندما أرسم. قال 
لي فنان في المدينة: «يجب أن تأخذي نفسك بمزيد من الجدية. يمكن أن 
تكوني فنانة وربة منزل وأمًا؛ الأمور الثلاثة معّاء. أعتقد أن الشيء الوحيد 
الذي يوقفني هو أنه عمل شاق. 

وقالت لي شابة من أوهايو: 
لقد شعرت مؤخرًا بهذه الحاجة. شعرت أن علينا ببساطة أن نملك بينًا أكبر. 
أن نضيف ملحقًا للبيت. أو ننتقل إلى حي أفضل. ذهبت في جولة ترفيهية 
مسعورة؛ لكنها كانت مثل الميش في أوقات توكّف حياتك فقط. 
يعتقد زوجي أنني إذا كنت أمّا جيدة. فتلك أهمّ مهنة موجودة. أعتقد أنها 3 
حتى من مهنة. ولكني لا أعتقد أن معظم النساء هن أمهات بكليتهن. أستمتع 
مع أولاديء لكني لا أحب أن أقضي كل وقتي معهم. أنا مسلط لفحت رمن 
عمرهم. أستطيع جعل العمل المتزلي يأخذ المزيد من وقتي. لكنّ الأرضيات 
لا تحتاج التنظيف بالمكنسة الكهربائية أكثر من مرتين في الأسبوع. كانت أمي 
تكنسها كل يوم. 
أردت دائمًا العزف على الكمان. عندما ذهبت إلى الجامعة. كانت الفتيات 
اللواتي أخذن الموسيقى على محمل الجدّ مميزات. فجأة» بدا وكأن صونًا في 
داخلي يقول: هذا هو الوقت المناسب. لن تحصلي على فرصة أخرى. شعرت 
بالحرج» أن أمارس العزف في الأربعين. إنه يستنزغني ويوجع كتفي لكنه 
بجعلني أشعر أنني متوحدة مع شيء أكبر مني. يصبح العالم فجأة حقيقياء 
وأنت جزء منه. تشعرين أنك موجودة فعلا. 


۴ عم 


سيكون خطأ تمامًا مني أن أقدّم لأية امرأة أجوبة عملية سهلة عن هذه 
المشكلة. ليست هناك أجوبة سهلة في أمريكا اليوم؛ إنه لصعب على كل 
أمرأة» ومؤلم لهاء ويأخذ.ربما وقنًا طويلا منهاء حتى تخد جوابها الخاص. 
ار نحي أن ترش عا نو قاطع لصورة ربة المنزل. وهذا لا يعني» 
بالطبع» أن تطلق زوجهاء وتهجر أولادهاء وتتخلّى عن بيتها. ليس عليها 
أن تختار بين الزواج والمهنة؛ كان هذا هو الخيار الخطأ للغز الأنثري. في 


452 اللفز الأتثوي 


الواقع الفعلي» ليس الجمع بين الزواج والأمومة» وحتى الغاية الشخصية 
التي تمتد طوال العمرء التي أطلق عليها ذات يوم «المهنة)» صعبًا على النحو 
الذي يوحي به اللغز الأنثوي. بل يتطلب مجرّد خطة حياة جديدة؛ من حيث 
أنها تشمل كامل حياة المرأة. 

أول خطوة في تلك الخطة هي رؤية العمل المنزلي على ما هو عليه؛ لا 
على أنه مهنة» بل شيء يجب القيام به بأسرع وأكفأ ما يمكن. عندما تتوقف 
المرأة عن القيام بالطبخ والتنظيف والغسيل والكي و«شيء أكثر؛» يمكنها 
أن تقول: «لاء لا أريد فرنًا دائري الزواياء لا أريد أربعة أنواع مختلفة من 
الصابون». تستطيع أن تقول «لا» لأحلام اليقظة الكبيرة تلك التي تعرضها 
المجلات النسائية والتلفازء «لا» لباحثي الأعماق والمتلاعبين الذين 
يحاولون أن يسيّروا حياتها. ثم تستطيع أن تستخدم المكنسة الكهربائية 
وغسّالة الصحون وجميع يع الأجهزة الأوتوماتيكية» وحتى البطاطا المهروسة 
السريعة» حسبما تستحقه هذه الأشياء فعلاء لتوفير الوقت الذي يمكن 
استخدامه بطرق أكثر ابتكارًا. 

الخطوة الثانية» وربما الأصعب لمتتّجات التربية الموجهة بالجنس» 
هي رؤية الزواج على حقيقته» واضعات جانبًا حجاب التمجيد المبالغ به 
المفروض من قبل اللغز الأنثوي. كان العديد من النساء اللواتي تحدثت 
معهن يشعرن» على نحو غريبء أنهن منفصلات عن أزواجهن» وساخطات 
باستمرار على أبنائهن» عندما كن يرين في الزواج والأمومة التحقق النهائي 
لحيواتهن. لكن عندما بدأن باستخدام مواهبهن المتنوعة» واضعات غاية 
عافة يون بن ای » لم يتحدثن عن شعور جديد بأنهن «على قيد 
الحياة» أو «الكمال» فى أنفسهن وحسب» بل ومع فارق جدید» وإن كان 


صعب التحديد ف ا يقة التي كنّ يشعرن بها تجاه أزواجهن وأبنائهن. 
لقد رددت الكثيرات صدى كلمات هذه المرأة: 





الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة للئساء 453 


خاصة. في الماضي. عندما كنت أضع ذاتي بكاملها في الأولاد» كان الأمر 
كما لو أنني أبحث عن شيء ما من خلالهم. لم أكن أستطيع أن أستمتع بهم 
كما أفعل الآنء كما لو كانوا غروب الشمس» شيء ما يقع خارجي» منفصل 
عني. في الماضيء. كنت أشعر أنني مشدودة بقوة نحو الأسفل من قبلهم» كنت 
أحاول الهرب في عقلي. ربما يجب على المرأة أن تعتمد على نفسهاء لتكون 
فعلًا مع أبنائها. 
قالت لي زوجة محام من نيوإنجلاند: 

ظننت أنني انتهيت. وصلت إلى نهاية الطفولة, وتزوجت» وأنجبت طفاا. وكنت 
سعيدة بزواجي. لكنني كنت. على نحو ماء يائسة, لأنني افترضت أن تلك هي 
النهاية. كنت أرفع المنجّدات في أسبوع, ولوحات الأحد في الأسبوع الذي 
يليه. كان بيتي نظيفًا تمامًا. وكنت أكرّسء بكل معنى الكلمةء الكثير من الوقت 
لتسلية ابني. لم يكن بحاجة إلى كل تلك الرفقة مع شخص بالغ. امرأة بالفة 
تلعب مع طفل طوال اليوم؛ موزّعةٌ نفسها في مائة اتجاه لملء الوقت. طابخة 
طمامًا ممتازًا لا يحتاج أحد إليه. ثم أغضب إذا لم يأكلوه؛ تفقدين حسّك 
السليم ذاك المميّز للبالغينء كل حسّك بنفسك كإنسان. 


أنا الآن أدرس التاريخ, مقرر كل سنة. والأمر يسير على ما يرام لكنني لم 
أضيّع ليلة واحدة في سنتين ونصف. قريبًا سأصير مدرّسة. أحبٌ أي زوجة 
وأم» لكني أعرف الآن أنه عندما يكون الزواج هدف حياتك. لأنه ليست لديك 
رسالة أخرى. فإنه يصبح أمرًا موحشا تعيسًا. من قال إن النساء يجب أن يكنّ 
سعيدات»: وأن يلهون, وأن يتسلين؟ يجب أن تعملي. ولكنك لست مضطرة لأن 
يكون لديك وظيفة. ولكن يجب عليك أن تمالجي شيئًا ما بنفسكء وأن تدركي 
حقيقتهء حتى تشعري أنك على قيد الحياة. 


ليس الجواب على المشكلة التي لا اسم لها ساعة في اليوم» أو عطلة 
أسبوعية» أو حتى أسبوع إجازة من الأمومة. تفترض تلك «الساعة بلا عمل 
للام“ التي ينصح بها خبراء الطفل والأسرة أو الأطباء المربكين بمثابة 
ترياق لتعب ربة المنزل أو شعورها بأنها عالقة في الفخ» تلقاتيا أن المرأة 


(1) See “Mother’s Choice: Manager or Martyr,” and “For a Mother’s Hour,” New 
York Times Magazine, January 14, 1962, and March 18, 1962. 


454 اللفز الأنثوي 
هي ١مجرّد‏ ربة منزل»» أمٌ الآن وإلى الأبد. يستطيع شخص مستهلك تمامًا 
في عمله أن يستمتع «بوقت العطلة». لكنّ الأمهات» اللواتي تحدئت إليهن» 
لم يجدن أية راحة سحرية في «ساعة بلا عمل»؛ وفي الحقيقة» غالبًا ما كن 
يتخلين عنها لأدنى ذريعةء إا من الإحساس بالذنب أو من الملل. ستتابع 
المراق التي ليس لديها أي هدف خاص في المجتمع» المراةٌ الى.لا 
ترك نفسها تفكر في المستقبل» لأنها لا تفعل أي شيء لتمنح نفسها هوية 
حقيقية فيه» الشعورَ باليأس في الحاضر؛ بغض النظر عن عدد «الساعات بلا 
عمل» التي تأخذها. يجب أن تفكر حتى امرأة شابة جدًا الآن بنفسها كإنسان 
أولاء لا كأم: والوقت ما يزال في متناول يديهاء وأن تضع خطة حياة على 
أساس قدراتها الخاصةء والتزامًا خاضًا بها نحو المجتمع» يمكن بموجيها 
أن تتكامل التزاماتها زوجة وأمًا. 

لخصت إحدى النساء اللواتى قابلتهن» وهى عاملة فى مجال التثقيف 
الصحي النفسي» كانت على و سنوات امجرّد ربة منزل» في مجتمعها 
في ا الضواحي» الأمر قائلة: «أتذكر شعوري بأن الحياة لم تكن مليئة 
بما يكفي بالنسبة لي. كنت أستخدم نفسي على قدر قدراتي. لم يكن ترتيب 
البيت كافيًا. لا يمكنك أن تعيدي الجنّى إلى القمقم. لا يمكنك أن تنكري 
عقلك الذكي؛ أنت بحاجة إلى أن تكوني جزءًا من النظام الاجتماعي». 

وقالت وهي تنظر من فوق أشجار حديقتها إلى الشارع الفارغ الهادئ 


ف الضاحية: 
إذا قرعت على أي باب من هذه الأبواب؛ فكم إمرأة ت تستخد.م كل قد راتها 
ستجدین؟ ستجد ينهن يشربن:. أو يجلسن متراخيات: بتحدثن مع تساء 


ا ن كتابًا. لم بۇ ل سيد ف ا 
طريقة بعد لاستخدام مهاراتهن وقدراتهن: فيما عدا الحمل والولادة. أعتقد أن 
النساء؛ على مدى السئوات الخمس عشرة المأضية. كن يهربن من أننسهن. 
والسبب الذي جعل الشابات »نهن يصدقن بسذاجة هذا العمل الأنثوي هو 


الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة للنساء 455 
اعتقادهن بأنهن إذا عدن وبحثر, عن الرضا في البيت. فسيكون ذلك أسهل. 
ولكنه لن يكون. تانق نت - ءا على طول انخط يجب على المرأة أن تجد 
نفسها كشخصء إذا كانت ستتحياتج مع ذاتها. 
الطريقة ة الوحيدة للمرأةء كم تل جل» حتى تجد نفسهاء حتى تعرف 

نفسها كشخص» هي عمل إبداء, حاص بها. . ليست هناك طريقة أخرى. 

كن ا أي عمل» لن هړ الجواب؛ ففي الحقيقة» قد يكون جزءًا 

من الفخ. النساء اللواتى لا يبحثن عن أعمال مساوية لقدراتهن الفعلية» 

أو اللواتى لا يدعن أنفسهن تطوّر اهتمامات وأهداف تمت طوال الحياة 

وتتطلب تعليمًا وتدريبًا جديين» أو اللواتي يتولين عملا بعمر العشرين أو 

الأربعين «للمسأعدة فى البيت» أو لمجرّد قتل الوقت الإضافى» يمشين» 

بالتأكيد نفسه الذي لأولئك اللواتي يبقين داخل فخ ربة المنزل» إلى مستقبل 

غير موجود. 
إذا كان لعمل أن يكون مخرجًا من الفح لامرأة ماء فيجب أن يكون 

عملا تستطيع أخذه على محمل الجد بوصفه جزءًا من خطة حياتهاء عملا 

يمكنها أن تنمو فيه بوصفها جزءًا من المجتمع. تقدّم مجتمعات الضواحي» 

ولاسيما المجتمعات الجديدة التي لم تأخذ الأنماط الاجتماعية والثقافية 

والتر بوية والسياسية والاستجمامية فيها شكلها النهائي بعده عددًا كبيرًا من 

الفرص للمرأة الذكية الكفؤة. لكنّ ذلك العمل ليس بالضرورة «وظيفة». 

أقامت النساء في ويستشيسترء في لونغ آيلاند» في ضواحي فيلادلفياء 

ادات للصحة النفسية ومراكز فنية ومعسكرات نهارية. وكانت نساء فى 
المدن الكبيرة والصغيرة» فى كل مكان من نيوإنجلاند إلى كاليفورنياء 
رأئدات -عركات جديدة في السياسة والتعليم. حتى إذا لم يؤخذ هذا العمل 
على أنه «وظيفة» أو مهنة؛» فقد كان غالبا مهما جدًا للمجتمعات المتنوعة 

التي يدفع للمهنيين الآن أجر مقابل القيام به. 
لم يبق الآن في بعض الضواحي والمجتمعات سوى القليل من العمل 


456 اللفز الأنثوي 
الذي يتطلب الذكاء لغير المهنيين؛ باستثناء بضعة وظائف قيادية» تفتقر 
معظم النساء هذه الأيام إلى الاستقلالية والقوة والثقة بالذات لتولّيها. إذا 
كانت في المجتمع نسبة عالية من النساء المتعلمات» فليس هناك ببساطة 
عدد كاف من تلك الوظائف لتدويرها بينهن. ونتيجة ذلك غالبًا ما يتمدّد 
العمل المجتمعي في بنية مليئة باللجان والبيروقراطية لا تخدم إلا ذاتهاء في 
أنقى معنى لقانون باركنسون”"» حتى لتبدو غايتها الحقيقية وكأنها مجرّد 
إبقاء النساء مشغولات. ليس هذا العملء الذي لا غاية له سوى إبقاء النساء 
مشغولات» مُرضيًا للنساء الناضجات» ولا يساعد النساء غير الناضجات 
على النمو. ليس الهدف من ذلك القول إِنْ عمل المرأة مشرفةًٌ على الكشافة 
الصغارء أو في لجنة لجمعية أولياء الأمور والمعلمين» أو في تنظيم عشاء 
عامٌ» ليس مفيدًا؛ بل إنه ببساطة غير كاف لامرأة ذكية وموهوبة. 
انخرطت إحدى النساء اللواتي قابلتهن في دوامة لا نهاية لها من 
النشاطات المجتمعية ذات الشأن؛ لكنّ تلك النشاطات لم تكن تفضي إلى 
أي اتجاه بالنسبة لمستقبلهاء ولم تكن تستخدم فعلا ذكاءها الاستثنائي. وفي 
الواقع» بدا ذكاءها وكأنه يتراجع؛ كانت تعاني من المشكلة التي لا اسم لهاء 
وعلى نحو يزداد حدّة إلى أن قامت بخطوتها الأولى نحو التزام جدّي. هي 
اليوم «مدرّسة محترفة» وزوجة وأم هادئة. 
في البداية استلمتٌ لجنة جمع التبرعات في المستشفى, لجنة المتطوعين في 
أعمال كتابية للعيادة. كنت المشرفة على رحلات الأطفال الميدانية. كنت آخذ 
دروسًا في البيانو مقابل نحو 30 دولارًا في الأسبوع» وأدفع لجليسات الأطفال 
خت أستطيع العزف من أجل متعتي الخاصة. وضعت نظام ديوي العشري 
للمكتبة التي أنشأناهاء إضافة إلى دور المشرفة المعتاد وجمعية أولياء الأمور 
والمعلمين. كان الإنفاق المالي على جميع هذه الأشياء يقتطع شريحة لا بأس 





:arkins0«s Law )1(‏ قانون وضعه في القرن العشرين الباحث الإنكليزي سي باركنسون 
مفاده أن العمل يتمدد ليملا الوقت المتاح» وأن عدد المرؤوسين يتزايد بغض النظر عن 
مقدار العمل الناتج - المترجم. 


الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة لننساء 457 


بها من دخل زوجي. ومع ذلك فهي لا تملأ حياتي. كنت مضطربة ونكدة 
المزاج. كنت أنفجر باكية بلا سبب. لم أكن أستطيع التركيز حتى لإنهاء 
قصة بوليسية. 
كنت مشغولة جدًاء أركض من الصباح إلى المساءء ومع ذلك لم يكن لدي 
شعور حقيقي بالاكتفاء. أنت تربّين أطفالك. بالتأكيد. ولكن كيف يمكن أن 
يكون ذلك مبرّر حياتك5 يجب أن يكون لديك هدف نهائي ماء هدف طويل 
الأمدء يبقيك مستمرة. النشاطات المجتمعية هي أهداف قصيرة الأمد؛ 
تقومين بمشروع. وانتهى الأمر؛ ثم عليك أن تتصيدي مشروعًا آخر. يقولون 
إنك» فى العمل المجتمعي. يحب ألا تزعجي الأمهات الشابات اللواتي لديهن 
أطفال صفار. هذا عمل الأمهات اللواتي وصلن إلى منتصف العمر وكبر 
أبناؤهن. ولكن بالضبط أولئك المقيّدات بالأطفال هن من يحتجن إلى القيام 
بذلك. فمندما لا تكوني مقيدة بأطفال صفارء. أسقطي ذلك من حسبانك؛ 
لأنك تكونين بحاجة إلى عمل حقيقي. 
نتيجة اللغز الأنثوي (وربما نتيجة الخوف الإنسانى البسيط من الفشل» 
عندما ينافس المرء دون أفضلية جنسية أو عذر)» فإن القفزة من هاو إلى 
محترف هي غالبًا الأصعب بالنسبة للمرأة في طريقها للخروج من الفخ. 
ولكن حتى إذا لم 7 تكن المرأة مضطرة للعمل لتأكلء لا يمكنها أن تجد هوية 
إلا في عمل ذي قيمة حقيقية للمجتمع"؛ عمل يدفع مجتمعنا عادةً أجرًا 
مقابله. أن يدفع لك أجر هو بالطبع أكثر من مكافأة؛ فهو يتضمن التزامًا 


() يصبح معنى أن العمل يجب أن يكون «حقيقيًا». لا مجرّد «علاج» أو إضاعة وقت» لتأمين 
أساس للهوية جليًا على نحو متزايد في نظريات الذات» حتى عندما لا تكون هناك إشارة 
معينة إلى النساء. وبالتالي» في تحديد بدايات «الهوية» في الطفل» يقول إريكسون في 
الطفولة والمجتمع (208 .م :(Childhood and Society,‏ 
«يجب أن يشتق الطفل النامي» في كل خطوة» معنى حيويًا للواقع من إدراك أن طريقته 
الفردية في التحكم بالتجربة (تركيب أناه) هي متغير ناجح من هوية المجموعة وهي 
متوافقة مع زمكانها وخطة حياتها. وفي هذا لا يمكن خداع الأطفال بالمديح الفارغ 
والتشجيع المتعطف. ربما يجب أن يقبلوا الدعم المصطنع 0 الذاتي بدلا من شيء 
أفضل» لكنّ هوية ناهم لا تكتسب قوة حقيقية إلا من الاعتراف القويم والحار بالإنجاز 
الحقيقي» أي الإنجاز الذي له معنى في الثقافة». 


458 الافز الأنكوي 
محددًا. ونتيجة الخوف من ذلك الالتزام» تخدع مئات النساء المتعلمات 
والمؤهلات في الضواحي أنفسهن بخصوص الكاتبة أو الممثلة التي كان 
يمكن أن يكتّهاء أو يشغلن أنفسهن بالغن أو الموسيقى مغفلات (إغناء 
أنفسهن» على النحو الذي يفعله الهواةء أو يتقدمن بطلبات للعمل موظفات 
استقبال أو بائعات أو للعمل في أعمال أقل بكثير من مؤهلاتهن. وهذه أيم 
طرق للتهدب ر النمو 
لقد معزي ملل النساء الأمريكيات المتنامي من العمل الت و 
وتفضيلهن العمل بأجر ؛ بغض النظر عن مدى تدني مستواه» إلى الحقر ١:‏ 
القائذة إن المحترفات قد تولّين معظم الوظائف التي نتطلب ذكاء في 
المجتمع. . لكنّ الحقيقة القائلة [ن الاب لا بح نك ناك ران بقاري 
النساء في السنوات ا و 
يتطلب المبادرة والقيادة والمسؤولية» هي نتيجة اللغز الأنثوي. جرى تأكيد 
موقف عدم الالتزام هذا بين ربات المنازل الشابات بدراسة جرت مؤخرًا في 
مقاطعة ويستشيستر”". في ضاحية سكانها من ذوي الدخل العالي» أرادت 
أكثر من .507 من مجموعة من ربات المنازل اللواتي تتراوح أعمارهن بين 
5 و35» ممن ينتمي أزواجهن إلى المجموعة التي يفوق دخلها 25 ألف 
دولار سنويّاء الذهاب إلى العمل: /13 فورّاء والبقية في غضون 5-15 
سنة. ومن بين بين آولئك اللواتى خططن للذهاب للعمل كانت ثلاث من أصل 
كل 3 يشعرن أنهن غير وشا كفاية. (حصلت بجميع أولئك النساء 
ا ل N‏ ن تزوجن بعمر 
العشرين أو 'قبله) .لم تک ن الحاجة الاقتصادية هي دافع أولئك النساء لتذهاب 
إلى العملء بل ما أسماه عالم الأنثروبولوجيا الذي أجرى المسح «الحاجة 
النفسية إلى أن يكنّ منتجات اقتصاديًا». من الواضح أن العمل التطوعي 


(1) Nanette E. Scofield, “Some Changing Roles of Wor Women in in | Suburbia: شر‎ Social 
Anthropolcgicali Case Study,” Truusactions of hé Nev York Academy of 
Sciences, Vol. 22. 6, April, 1960. 


Ê 


الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة للنساء 459 





لم يحقق تلك الحاجة؛ فعلى الرغم من أن /62 من تلك النساء كنّ يقمن 
بعمل تطوعي» فقد كان من النوع الذي يستمر «يومًا واحدًا أو أقل». وعلى 
الرغم من أنهن كنّ يردن أعمالاء ويشعرن بأنهن غير مؤهلات كفاية فمن 
بين ال/45 اللواتى كن يأحذن مقررات تعليمية» كانت القليلات فقط يعملن 
للحصول على 2 جامعية. كان عنصر الخيال في خططهن للعمل ملحوظًا 
من خلال «المشاريع الصغيرة التي تبدأ وتنتهي بتكرار محزن». عندما رعت 
جمعية الخريجات متتدى مر ن جلستين في الضاحية حول «عودة النساء في 
منتصف العمر إلى العمل لم تحضر سوى 25 امرأة. وكخطوة أولى؛ 
طلب من كل امرأة أن تأتر ي إلى الاجتماع الثاني بملخص. كان الملخص 
يتضمن كنابة فكرة ما e‏ الغا على حد تعبير الباحث. تمتعت أمرأة 
واحدة فقط بما يكفي من الجدية لكتابة ملخص. 
وفى ضاحية أخرى» هناك مركز ذإ ا أععلى في السنوات الأولى 
.جر ا ا مدي عدي الذعاء افا امات ت 
في المجتمع. هم بالطبع» لم 00 بالعلاج قط لكنهم في السنوأت 
الأولى أداروا المركز وقادوا مجموعات أولياء الأمور للمناقشة حول 
الأمور التعليمية. أمَا الآن وقد أصبح «التعليم من أجل الحياة العائلية» 
مهنيّاء فإن محترفين يديرون المركز ويقودون مجموعات المناقشة وهؤلاء 
المحترفون يحملون شهادات ماجستير ودكتوراه في اختصاصهم. وفي عدد 
ل جدًا من الحالات التي «وجدت النساء فيها أنفسهن» في العمل في 
كز الإرشادء ا ا ا -حصد e‏ جستير أو 
0 أه. انسحب معظمهن عندما كان الاستمرار يعني الانقطاع عن دور ربة 
المنزل. والالتزام جديا بمهنة. 
إن النوع الوحيد من , العمل الذي يسمح لامرأة كفؤة بأن تحقة نحق قدراتها 
على نحو تام» وبأن تنجز هويتها في المجتمع في خطة حيأة يمكن أن تشمل 
الزواج والأمومة» هو ويا للسخرية» النوع الذي حرّمه اللغز الأنثوي؛ الالتزام 


460 اللغز الأنثوي 


مدى الحياة بن أو علم» بسياسة أو مهنة. والتزام من هذا القبيل ليس مقيدًا 
بعمل معين أو منطقة معينة. إنه يسمح بالتغيّر من عام لعام» قد يكون عملا 
مأجورًا بدوام كامل في مجتمع ما وبدوام جزئي في آخرء وقد يكون ممارسة 
مهارة احترافية في عمل تطوعي جدّيء أو فترة من الدراسة في أثناء فترة 
الحمل أو بداية الأمومة» عندما يكون عمل بدوام كامل غير ممكن عمليًا. إنه 
خيط مستمرء بقي حيًا عن طريق العمل والدراسة والاتصالات في الميدان» 
في أي جزء من البلد. 

لم تعان النساءء اللواتي وجدتٌ أنهن قمن بمثل تلك الالتزامات 
طويلة الأمدء وأبقينها حيّة» من المشكلة التي لا اسم لها. ولا هن يعشن 
في صورة ربة المنزل. ولكن» لا تقدّم الموسيقى أو الفن أو السياسة حلا 
سحريًا للنساء اللواتي لم يلتزمن جديّاء أو لم يستطعن القيام بالتزام من ذلك 
القبيل. تبدو «الفنون» من النظرة الأولى وكأنها الجواب المثالي للمرأة. إذ 
تمكن ممارستهاء في نهاية المطاف» في البيت. وهي لا تتطلب بالضرورة 
تلك المهنية المفزعة» فهي أنثوية على نحو مناسب» ويبدو أنها تقدّم 
مجالا لا محدودًا للنمو والهوية الشخصيين» دون الحاجة إلى المنافسة فى 
المجتمع من أجل الأجر. لكنني لاحظت أنه عندما لا تأخذ النساء الرسم أو 
فن الخزف جديا بما يكفي ليصبحن محترفات -ليحصلن على أجر مقابل 
عملهن» أو لتعليمه للآخرين» وليعترف بهن نظيرات للمحترفين الآخرين- 
فعاجلا أم آجلاء يتوقفن عن ذلك العمل الهاوي؛ فرسم يوم الأحد» وفن 
الخزف التافه لا يجلب ذلك الإحساس المطلوب بالذات» عندما لا يكون 
ذا قيمة لأي شخص آخر. فالهاوي الذي لا يكون عمله جيدًا بما يكفى لأن 
يرغب أحد ما بدفع أجر مقابل سماعه أو رؤيته أو قراءته لاكسب مكاة 
حقيقية عن طريقه في المجتمع» أو هوية شخصية حقيقية. فهذه محجوزة 
لأولئك الذين بذلوا جهدّاء واكتسبوا المعرفة والخبرة ليصبحوا محترفين. 

هناك بالطبع عدد من المشاكل العملية التي ينطوي عليها القيام بالتزام 





الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة للنساء 461 





مهنى جدي. ولكن» على نحو ماء لا تبدو هذه المشاكل غير قابلة للتذليل إلا 
عندما تبقى المرأة نصف منغمسة في معضلات اللغز الأنثوي وآثامه الزائفة؛ 
أو عندما تكون رغبتها في «شيء أكثر» مجرّد خيال» وهي غير راغبة بالقيام 
بالجهد الضروري. قالت لي نساء المرّة تلو المرة إن الخطوة الحاسمة لهن 
كانت ببساطة القيام بالزيارة الأولى إلى وكالة تشغيل الخريجات» أو إرسال 
طلب للحصول على شهادة معلّم» أو ترتيب مواعيد مع أشخاص من أعمال 
سابقة. من المدهش أن نرى بكم من العقبات والتبريرات يستطيع اللغز 
الأنثوي أن يفيض لمنع المرأة من القيام بتلك الزيارة أو كتابة تلك الرسالة. 

كانت ربة منزل أعرفها في إحدى الضواحي قد عملت مرّة في صحيفةء 
وكانت متأكدة من أنها لن تستطيع الحصول على عمل كهذا مرة أخرى» 
لأنها ابتعدت فترة طويلة. وبالطبع لم تكن تستطيع أن تترك أطفالها (الذين 
كانوا جميعًا في ذلك الوقت في المدرسة أثناء النهار). وكما تبن فيما بعد 
عندما قرّرت أخيرًا أن تفعل شيئًا ما حيال الأمر» وجدت عملا ممتارًا في 
مجالها القديم بعد زيارتين فقط إلى المدينة. وقالت امرأة أخرى» وهي عاملة 
اجتماعية نفسية» إنها لم تتمكن من تولي عمل منتظم في مؤسسة. وإنما 
أعمال تطوعية دون مواعيد نهائية تستطيع التخلي عنها عندما ترغب لأنها لم 
تكن تستطيع الاعتماد على عاملة التنظيف. وفي الحقيقةء لو أنها استخدمت 
عاملة تنظيف» وهو ما كانت الكثيرات من جاراتها يقمن به لأسباب أقل من 
ذلك بكثير» لكان عليها أن تلتزم بنوع العمل الذي من شأنه أن يمتّل اختبارًا 
حقيقيًا لقدراتها. من الواضح أنها كانت خائفة من اختبار كهذا. 


تنسحب أعداد كبيرة من ربات المنازل في الضواحي اليوم من النشاط 
التطوعي أو الفن أو العمل» أو يتخلين عن هذه الأشياء» في اللحظة ذاتها 
التي يكون كل ما هو مطلوب منهن فيها هو التزام أكثر جدية. لا تتقدم قائدة 
جمعية أولياء الأمور والمعلمين إلى مجلس المدرسة. وتخاف قائدة رابطة 
الناخبات من الاستمرار في الاتجاه السائد المضطرب لحزبها السياسي. 


462 اللغز الأنثوي 


تقول: ۸ا تس تستطيع النساء أن يحصلن على دور في صنع السياسات. لن ألعق 
الطوايم». بالطبع ست زا لب منها الفوز بدور في تست السبياسات في حزبها 
O‏ تحيئّزات الرجال والمتأفسة محهم. 

تتولى بعض النساء الوظأئف» ولكنهن لا يضعن خطة الحياة الجديدة 
الضرورية. قابلت امرأتين موهوبتین» وكلتاهما كانتا تد تشعران بالملل كرئتي 
منزل» وكلتاهما کانتا قد حصا على عمل فى مركز الأبحاث ذاته. أحبتا 
العمل الذي ينطوي على تحذ متزايد» وحصلتا بسرعة على ترقية. ولكن. 

فى الثلاثينيات من العمرء وبعد عشر سنوات من عملهما ربتي منزل: كانتا 
تكسبان القليل جدًا من المال. كانت المرأة الأولى» التي تدرك بوضوح 
المستقبل الذي يعدها به هذا العمل» تنفق عمايًا كامل راتبها على عاملة 
تنظيف تأتي ثلاثة أيام في“الأسبوع. أمّا المرأة الثانية» الني a‏ 
عملها ليس ما إلا إذا E‏ لعائلة» فما كانت تنفق أي مال 
على المساعدة في التنظيف لتنظيف. ولم تفكر في أن تطلب من زوجها وأولادها 
المساعدة في الأعيال الع نزلية الصغيرة» ولا في ي توفير الوقت عن طريق 
طلب البقالة بالهاتف وإرسال الغسيل إلى المصبخة. ترركت عملها بعل سئة 
من التعب المضني. لدى المرآة الأولى. التي قامت بالتغيبرات والتضحيات 
الم نزلية الضرورية اليوم -في سن الا لثامنة والثلاثين- ٠‏ عملا رائدا فو ى المعهد 
وتقدم إسهامًا كبيرًا فی دخل العائلة» عالاوة على ما تدفعه اف ف 
العمل !! او ای و جي أما إلثانية» فبدأت بعد أسبوعين من 
«الاستراحة) تعاني من اليأس القديم. ولكنها أقنعمت نفسها أنها ااستسخددع) 
زوجها وأبناءها أقل عن طريق عمل يمكنها أن تقوم به في ألييت. 

صورة ربة المنزل السعيدة التي تقوم بعمل إبداعي 5 لرسم أو النحت 
أو الكتابة- هي إحدى أنصاف أضاليل اللغز الأننوي. هناك رجال ونساء 
يستطيعون القيام بذلك؟ ولکن عندما يعمل رجل 56 اليك فإن زوجته 
تبقي الآولاد بصرامة بعيدين عن طريقهء وإلا فالويل لها. ولكن ليس ذلك 


الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة للنساء 463 
سهلا على المرأة؛ إذا كانت جادة بخصوص عملهاء فيجب غاليًا أن تجد 
مانا ما خارج البيت للقيام به. وإلا فإنها تخاطر بأن تصبح غولًا على أبنائها 
وهي تطالبهم بإلحاح بأن يتركوا لها شيئًا من الخصوصية. يتشتت انتباههاء 
ویتقطع ترک SL‏ رها بوصفها أما. يتطلب عمل بلا سفاسف 
يستد من التاسعة صباعًا إلى الخامسة بعد الظهر» مع فصل واضح بين العمل 
المهنى والعمل المنزلي. انضباطا أقل بكثير» وهر عادة أقل وحدةٌ. يكن 
أن تفقد المرأة» التي تحاول أن تكيّف مهنتها مع القبرد المادية لحياتها 
المنزلية» شيئًا من الحافز والصداقات الجديدة التى تأتى من أنها جزء من 
العالم المهني. 0 
يجب أن تقول المرأة «لا» للغز الأنثو ضوح تام في الواقع. حنى 
تحافظ عأ ب الاتشباط والجهد الذي يعلهما أي ارام وني فاللغز ليس 
مجرّد بنيان فكري. يمتلك عدد كبير من النساء. أو يعتقدن أنهن يمتلكن» 
3 حقا مكتسبًا في «المهنة: ربة منزل». مهما كان طويا الزمن الذي قد 
تأخذه المجلات النسائية وعلماء الم والمرئون والمحذلون النشسيون 
لتصحيح الأخطاء التي تند اللغز أ الأنثئوي» يجب على المرأة أن تعالجها 
الأن. في التحيّزات ولمخايات غير المحقة والمعضللات غير الضرورية 
التي يعر عنها زوجها أو أصدقاؤها أو جيرانها وربما القسيس أو الخرري أو 
الحاخام أو معلمة طفلها في الحضانة أو اُعامل الاجتساعي حسن النية في 
العيادة الإرشادية أو أطفالها الصغار الأبرياء. لكن المقاومة» من أي مصدر 
كانتء ثُرى على نحو أفضل لما هي عليه. 
حتى المقاومة التقليدية للأرتوذوكسية الدينية مقنعّة اليوم بالتقنيات 
التلاعبية للعلاج النفسي. فالنساء المنحدرات من أصل كاثوليكي أو يهودي 
تقليدي لا يخرقن بسهولة صورة ربة المنزل؛ فهي مرفوعة إلى درجة القداسة 
في قوانين دينهن» في فرضيات طفولتهن وطفولة آزواجهن» رفي تعاريف 
الكنيسة العقائدية للزواج والأمومة. نستطيع رؤية ال لسهولة التي يمكن تزيبن 


464 اللغزالأنثوي 


العقيدة بها في المغتقدات النفسية للغز في «موجز مقترح لنقاشات الأزواج 
المتزوجين» من مكتب حياة الأسرة في أبرشية نيويورك. وجه هيئة محلفين 
مؤلفة من ثلاثة أزواج متزوجين أو أربعة» حمر من ول اك ودر 
بأن تطرح سؤال: «هل يمكن لزوجة عاملة أن تشكل تحديًا لسلطة الزوج؟». 
معظم المخطوبين مقتنعون أن ليس هناك ما هو غير طبيعي أو خطأ في 
الزوجة العاملة. ... لا تثر العداوة, أعط إيحاءات؛ ولا تعط آراء جازمة. . 
يجب أن يشير الأزواج في الهيئة إلى أن العروس السعيدة في عمل يمتد من 
التاسعة صباحًا إلى الخامسة بعد الظهر يجب أن تفكر فيما يلي: 
- ربما تفوّضء بحذاقة, حسٌ زوجها بالمهنة باعتباره من يكسب قوت الأسرة 
ورأسها. يمكن لعالم العمل التنافسي أن يغرس في ذهن العروس العاملة 
مواقف وعادات قد تجعل من الصعب عليها التكيّف مع قيادة زوجها. .. 
- في نهاية يوم العملء تقدّم لزوجها ذهنًا وجسمًا متعبين في وقت يتطلع هو 
فيه إلى تشجيع مبهج وحماس نشيط من شريكته. .. 
- بالنسبة لبعض العرائس» قد يكون التوتر المضاعف الناتج عن أنهن نساء 
عاملات وربات منازل بدوام جزئي من بين العوامل العديدة التي تسهم في 
العقم ... 
انسحبت امرأة كاثوليكية قابلتها من مجلس الولاية لرابطة الناخبات 
عندما ادعى العالم النفسي في المدرسة. إضافة إلى استياء القشيس وزوجهاء 
أنْ صعوبات ابتتها في المدرسة ناجمة عن نشاطها السياسي. قالت لي: «من 
الف ا أن كص الد ست سكن 
أفضل للجميع أن أكون مجرّد ربة منزل». في تلك اللحظة رن جرس الهاتف. 
واسترقت السمع باهتمام إلى نصف ساعة من الحديث عن إستراتيجية 
سياسية رفيعة» من الظاهر أنها لم تكن من الرابطة» بل من اللجنة المحلية 
للحزب الديمقراطي. عادت السياسية «المتقاعدة» إلى المطبخ لتنهي إعداد 
الغداء» واعترفت أنّها الآن تقوم بنشاطها السياسي في البيت «مثل مدمن 
على الكحول أو المخدرات» ولكن لا يبدو أني قادرة على التخلي عنها». 


الفصل الرايع عشر: خطة حياة جديدة للئساء 465 


تخلّت امرأة أخرى.» وهي من الدين اليهوديء عن مهنتها طبيبةً عندما 
أصبحت زوجة طبيب» مكرّسة نفسها لتربية أبنائها الأربعة. ولم يشعر زوجها 
بالسعادة عندما بدأت تصقل معلوماتها لإعادة القيام بامتحاناتها الطبية بعد 
وصول أصغر أبنائها إلى عمر المدرسة. وبذلت كامرأة هادئة غير وائقة من 
ذاتها جهدًا يكاد لا يصدق للحصول على ترخيصها بعد خمسة عشر عامًا 
من اللا فاعلية. قالت لي بنبرة اعتذارية: «لا يمكنك التوقف عن الاهتمام. 
حاولت أن أجعل نفسي غير مهتمةء لكنني لم أستطع». واعترفت لي أنها 
عندما تتلقى استدعاءًا فى الليل» فإنها تتسلل شاعرةً بالذنب كما لو كانت 

وحتى بالنسبة لامرأة في تقليد أقل أرئوذكسية» فإن السلاح الأقوى للّغز 
الأنئوي هو حجة أنها ترفض زوجها وأبناءها نتيجة العمل خارج البيت. 
وإذا مرض طفلهاء أو عانى زوجها من مشاكلء لأيّ سبب من الأسباب» 
فان اللغز الأنئوي والأصوات الماكرة في المجتمع» وحتى صوت المرأة 
الداخلي» تلوم «رفضها» دور ربة المنزل. وعندها يحدث أن يموت الكثير 
من التزام المرأة تجاه نفسها والمجتمع في لحظة الولادة» أو يأخذ انعطافا 
جديًا. 

قالت لي امرأة إنها تخلت عن عملها في التلفاز لتصبح «مجرّد ربة 
منزل». لأنَّ زوجها قرّر فجأة أن مشاكله فى عمله هى نتيجة فشلها فى العب 
الدور الأنثوي»؛ كانت تحاول أن «تنافسه»؛ كانت تريد «أن تلبس البنطال». 
وكانت هيء مثل معظم النساء اليوم» حسّاسة تجاه اتهامات من هذا النوع؛ 
يطلق طبيب نفسي على ذلك اسم «متلازمة الإحساس بالذنب لدى المرأة 
المهنية». وهكذا بدأت تكرّس كل الطاقات. التي كانت تضعها يومًا في 
عملهاء لإدارة عائلتهاء ولاهتمام نقديّ نقاق بمهنة زوجها. 

لكنها في وقت فراغها في الضواحي» حققت شاردة الذهن نجاحًا محليًا 
باهرًا بوصفها مديرة مجموعة في المسرح المحلي. كان هذاء إضافة إلى 


466 اللفزالأنثوي 


اهتمامها النقدي بمهنة زوجهاء أكثر تدميرًا لأناه وأكثر استفزازًا له ولأبنائها 
من عملها المهني الذي نافست فيه بموضوعية مهنيين آخرين في عالم بعيد 
جدًا عن البيت. في أحد الأيام» وفيما كانت تدير تمريئًا في المسرح المحلي» 
صدمت سيارة ابنها. ألقت باللوم على نفسها نتيجة الحادث مقرّرةً هذه 
المرة» من قلبهاء أنها ستصير «مجرّد ربة منزل». 

وعانت» على الفور تقريباء من حالة حادة من المشكلة التي لا اسم لها؛ 
جعل اكتئابها واتكاليتها حياة زوجها جحيمًا. بحثت عن مساعدة تحليل- 
نفسية؛ أمرها معالجها عمليًا بالعودة إلى العملء مبتعدًا عن طريقة المحللين 
النفسيين التقليديين اللا توجيهية. بدأت كتابة رواية جدية بذلك النوع من 
الالتزام الذي تهرّبت منه حتى عندما كان لديها عمل. وفي استغراقها ذاك» 
توقفت عن القلق بشأن مهنة زوجها؛ وبدقة أكثرء توقفت عن تخيّل حادث 
آخر يصيب ابنها في كل مرة يبتعد فيها عن ناظريها. ومع ذلك وعلى الرغم 
من أنها بعيدة جدًا عن النكوص. فقد كانت أحيانًا تتساءل عما إذا كانت 
تضع زواجها على خشبة الفرم. 

وعلى نحو معاكس للَغز انكبٌ زوجها -مستجيبًا إما للمتنقس الذي 
أنه توقف اتكالها الهستيري أو لأسباب مستقلة خاصة به- على ما يعادل 
تلك الرواية في مهنته. بقيت هناك مشاكل بالطبع» لكنها كانت مختلفة عن 
المشاكل القديمة؛ فعندما حطما فخيهماء بدأت علاقتهما أحدهما بالآخر 
تنمو مرة أخرى. 

ومع ذلك, هناك مع كل نوع من النمو مخاطر. التقيت في إحدى 
مقابلاتي بامرأة» طلقها زوجها بعد ذهابها إلى العمل بوقت قصير. كان 
زواجهما قد أصبح هدّامًا جدًا. وربما يكون حص الهوية الذي حققته المرأة 
من عملها قد جعلها أقل استعدادًا لقبول التدميرية» وربما تستعجل الطلاق؛ 
لكنه أيضًا جعلها أقدر على تجاوزه. 

لكن» في أمثلة أخرىء أخبرتني النساء أن اعتراضات أزواجهن العنيفة 





الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة للنساء 467 


اختفت» عندما قرّرن في النهاية» وذهبن إلى العمل. هل بالغن في اعتراضات 
أزواجهن ليتهربن من اتخاذ القرار بأنفسهن؟ كان الرجال الذين قابلتهم في 
هذا السياق يُفاجؤون أحيانًاء عندما يكتشفون أن «من المريح' لهم ألا يبقوا 
الشمس والقمر الوحيدين في عالم زوجاتهم؛ أصبحوا عرضة لدرجة أقل 
من النقّ وعدد أقل من المطالب التي لا تشبع» ولم يعودوا يشعرون بالذنب 
حيال استياء زوجاتهم. وكما عبّر أحد الرجال عن الأمر بالقول: «ليس 
العبء المالي فقط أخف. وهذا بصراحة مريح» بل إن عبء الحياة كله يبدو 
أسهل منذ أن ذهبت مارجريت إلى العمل». 

لك هتاك ازواج لم مبتد مقاومتهم بشهولة :ققد أغرئ الزوج الاجر 
عن تحمّل أن تقول زوجته «لا» للغز الأنثوي ذاته غالبا بالخيال الطفلي في 
أن تكون له أمّ دائمة الحضورء أو هو يحاول أن يحيا مرة أخرى ذلك الخيال 
من خلال أطفاله. من الصعب على المرأة أن تقول لزوج من هذا القبيل 
إنها ليست أمه» وإِنْ أولادهما سيكونون أفضل بعيدًا عن عنايتها الدائمة. 
ربما إذا أصبحت فعلا على حقيقتهاء ورفضت أن تمتّل خياله أكثر من ذلك 
فسيستيقظ فجأة ويراها ثانية. ومن ثم قد يبحث مرة أخرى عن أمّ أخرى. 

هناك خطر آخرء تواجهه المرأة في طريقها للخروج من فخ ربة المنزل» 
هو عدوانية ربات المنازل الأخريات. وتمامًا مثلما يستاء الرجلء الذي 
يتهرّب من النمو في عمله» من نمو زوجته» تستاء النساء اللواتي يعشن 
على نحو غير مباشر من خلال أزواجهن وأبنائهن. من المرأة التي لديها 
حياة خاصة بها. يمكن للمرأة التي هي أكثر من مجرّد ربة منزل أن تنوقع في 
حفلات العشاء» وفي أمور الحضانة» وفي اللقاءات المفتوحة لجمعية أولياء 
الأمور والمعلمين» بعض. الأشواك من جاراتها في الضاحية. فهي لم يعد 
لديها الوقت للكلام الفارغ في جلسات شرب القهوة التي لا تنتهي في غرفة 
الطعام؛ هي لم تعد تستطيع المشاركة في ذلك الوهم العائلي القائل: انحن 
جميعًا في القارب ذاته»؛ فوجودها يهزهز ذلك القارب. ويمكنها أن تتوقع 


468 اللغز الأنثوي 


وضع بيتها وزوجها وأولادها تحت تدقيق شديد» وبفضول يفوق العادي» 
بحثًا عن أدنى علامة على وجود «مشكلة». ولكنّ هذا النوع من العدائية 
يخفى أحيانًا حسدًا سريًا. قد تكون ربة المنزل الأكثر عدائية بين «ربات 
الارن الات هن اوضع نط لعي من عازتها ساح اة 
الجديدة بخصوص أن تسير قدمًا هي نفسها. 

هناك دائمًا بالنسبة للمرأة التي تسير قدمًا ذلك الحسٌ بالخسارة الذي 
يرافق التغيير: الصديقات القديمات و خسارة الأعمال الروتينية 7 فة 
والمؤكدة» فيمَ الجديدة لم تتضح بعد. أسهل جدًا على المرأة أن تقو 
«انعم) للغز الأنثوي. وألا تخاطر بآلام السير قدمّاء لأنّ الرغبة في 0 
الجهد -«الطموح)- ضرورية ضرورة المقدرة ذاتهاء إذا كانت ستخرج 
من فح ربة المنزل. لقد جعل اللغز الأنثوي من «الطموح» مثل «المهنة» 
كلمة قذرة. عندما أجرت بولي ويفر «(Polly Weaver)‏ وهي محرّرة 
مجلّة مادموزيلء استبيانًا شمل 400 امرأة في عام 1956» حول موضوع 
«الطموح» و«المنافسة)"» عبرت معظمهن عن «مشاعر الذنب» لأن لديهن 
طموح. حاولن» حسب كلمات الآنسة ويفرء أن «يجعلنه نهضويًاء لا دنيويًا 
وأنانيًا كالأكل. فوجئنا... بعدد النساء اللواتي يدفعن أنفسهن من الصباح 
إلى المساء من أجل عمل أو من أجل المجتمع أو الكنيسة» على سبيل 
المثال» ولكنهن لا يردن منه ما يساوي خمسة سنتات لأنفسهن. لا يردن 
المال» أو المركز الاجتماعي أو السلطة أو النفوذ أو التقدير. ... هل تخدع 
أولئك النساء أنفسهن؟). 

من شأن اللغز أن يقدّم نساء ينكرن الطموح لأنفسهن. فالزواج والأمومة 
هما الغاية؛ بعد ذلك» يفترض بالنساء أن يكنّ طموحات فقط لأزواجهن 
وأبنائهن. تدفع نساء عديدات ممّن «يخدعن أنفسهن»» في الواقع» بالزوج 


(1) Polly Weaver, “What’s Wrong with Ambition?” Mademoiselle, September, 
1956. 


الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة للنساء 469 


والأبناء إلى تحقيق طموحهن الخاص غير المعترف به. لكن» كان هناك 
العديد من النساء الطموحات صراحة بين أولئك اللواتي أجبن على استبيان 
مجلة مادموزيل؛ ولم يبد أنهن يعانين من ذلك. 
لم يكن لدى النساء الطموحات. اللواتي أجبن على استبيانناء سوى القليل مما 
يأسفن عليه بخصوص التضحية بالصديقات القديمات اللطيفات وبالرحلات 
العائلية والوقت لقراءة كتب لا يريد أحد الحديث عنها. فلن إنهنٌ حصلن 
على أكثر مما تخلين عنه. واستشهدن بصديقات جديدات,. وبالعالم الأكبر 
الذي انتقلن إليهء وبدوافع النمو العظيمة التي حصلن عليها عندما عملن مع 
النابغات والموهويات - وأكثر من كل ذلك الرضا الذي يحصلن عليه من 
العمل بكامل طاقتهن: مندفعات مثل طنجرة بخار. في الحقيقة؛ تجعل بعض 
النساء الطموحات السعيدات الأشخاص المحيطين بهن -أزواجهن وأولادهن 
وزملائهن- سعداء. ... ليست امرأة طموحة جدًا سعيدة أيضًا في تخْليها عن 
مكانتها بالكامل من أجل نجاح زوجها. ... الطموح؛ بالنسبة للمرأة الطموحة 
النشيطةء هو الخيط الذي ينظم حياتها من البداية إلى النهايةء يربط حياتهاء 
ويمكنها من التفكير بحياتها كعمل فني لا كمجموعة من الأجزاء... 
بالنسبة للنساء اللواتي قابلتهن» اللواتي عانين من المشكلة التي لا اسم 
لهاء وحللنهاء كان تحقيق طموح خاص بهن -سواء كان دفيئًا في نفوسهن 
منذ زمن بعيد أو جديدًا تمامًا- فى العمل بأقصى طاقة» أو الحصول على 
كان المال الذي يحصلن عليه يجعل حياة العائلة كلها أسهلء لكن لم تزعم 
أي واحدة منهن أن ذلك هو السبب الوحيد للعمل» أو الشىء الرئيسى 
الذي حصلن عليه منه. فقد عاد ذلك الإحساس بأن تكوني جزءًا من العالم 
بالتمام والكمال -«لم تعودي جزيرة» بل جزءًا من البر الرئيسي». كنّ 
يعرفن أن ذلك لم يأت من إلعمل وحده» بل من الكل -زواجهن وبيتهن 
وأولادهن وعملهن وتغيّرهن وصلاتهن المتنامية مع المجتمع. لقد أصبحن 
مرة أخرى إنسانات» لا «مجرّد ربات منزل». تلك النساء هنّ المحظوظات. 
ربما يكون رفض الطفولة» أو مراهقة منفرة» أو تعاسة في الزواج» أو 


470 اللغز الأنثوي 


طلاق أو ترقلء جو اما دقعم بعضهن إلى ذلك الطموح. إنها لسخرية من 
اللغز الأنثوي. واتهام له أيضّاء أنه غالا ما دفع بالنساء التعيسات» بالبطات 
القبيحات. إلى إيجاد أنفسهن» في حين أصبحت الفتيات اللواتي انسجمن 
مع صورة ربات المنازل «السعيدات» المتكيفات» ولم يكتشفن قط حقيقة 
أنفسهن. ولكنّ القول إن «الإحباط» قد يكون جيدًا للفتاة هو خطأ في 
فهم الفكرة؛ إذ لا يجب أن يكون الإحباط ثمن هوية المرأةء وليس هو 
في حد ذاته المفتاح. لقد منع اللغز الفتيات الجميلات» والقبيحات أيضًاء 
اللواتي كان يمكن أن يكتبن قصائد مثل إديث سيتويل (5159611 100ك5)؛ 
من اكتشاف مواهبهن» ومنع الزوجات السعيدات والتعيسات» اللواتي كان 
يمكن أن يجدن أنفسهن, مثلما فعلت روث بينيديكت )Ruth Benedict)‏ 
في الأنثروبولوجياء من اكتشاف حتى مجالاتهن الخاصة. وفجأة تقع آخر 
قطعة من اللغز في مكانها المناسب 

كان هناك شيء» قلّما كانت حتى النساء الأكثر إحباطا يجدن دونه 
طريقًا للخروج من الفحّ. وبغض النظر عن تجربة الطفولة» وبغض النظر 
عن الحظ في الزواج» كان هناك د شيء أنتج الإحباط لدى جميع نساء ذلك 
الوقت» ممن حاولن التكيّف مع صورة ربة المنزل. كان هناك د شيء مشترك 
بين جميع النساء اللواتي قابلتهن؛ ممن وجدن في النهاية طريقهن الخاص. 

مفتاح الفح هو بالطبع التعليم. لقد جعل اللغز الأنثوي تعليم النساء يبدو 
مشبومًا وغير ضروري وحتى خطيرًا. ولكني أعتقد أن التعليم» والتعليم 
وحده» قد أنقذء ويمكن أن يستمر في إنقاذ. النساء الأمريكيات من مخاطر 
اللغز الأنثوي الأكبر. 

في عام 1957» عندما طلب مني أن أقوم باستبيان على الخريجات 
من زميلات دفعتي في الكلية بعد خمسة عشر عامًا من التخرّج من جامعة 

: مد يت لني معاي الي ا رع عقن الصاو الما 
بأن الف جعل النساء «مسترجلات»» وأعاق تحققهن الجنسي» وسبّب 





الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة للنساء 471 


نزاعات غير ضرورية وإحباطات. اكتشفت أنّ النقاد كانوا نصف محقّين؛ 
فالتعليم كان خطيرًا ومحبطاء ولكن فقط حين لم تكن النساء يستخدمنه. 

كان /89 من النساء المائتين» اللواتي أجبن على الاستبيان في عام 
7 ربات منازل. لقد مررن بجميع أنواع الإحباط التي يمكن أن يسببها 
التعليم لربات المنازل. ولكن عندما سئلن: «ما الصعوبات التي واجهتها في 
القيام بدورك كامرأة؟ ... ما الإشباعات والإحباطات الرئيسية في حياتك 
اليوم؟ ... كيف تغيّرت من الداخل؟ ... كيف تشعرين حيال تقدّمك في 
العمر؟ ... ما الذي تتمنين لو أنك قمت به على نحو مختلف؟ ...2 اكنّشف 
أن مشاكلهن الحقيقية» بوصفهن نساء» لم تكن نتيجة تعليمهن. عمومًاء كن 
يأسفن على شيء واحد؛ أنهن لم يأخذن تعليمهن على محمل الجد بما 
يكفيء وأنهن لم يخططن لاستخدامه استخدامًا جديًا. 

من بين ال/97 من أولئك النساء اللواتى تزوّجن -عادةٌ بعد 3 سنوات 
من الجامعة- :3 فقط طلّقن؛ آنا ال/20 اللواني كنّ مهتمات برجل آخر منذ 
الزواج» فمعظمهن «لم يفعلن أي شيء حيال ذلك». أما الأمهات. ف 867 
منهن نظمن ولادة أطفالهن واستمتعن بالحمل؛ و/70 أرضعن أطفالهن 
إرضاعًا طبيعيًا من شهر إلى تسعة أشهر. وكان لديهن من الأولاد أكثر من 
أمهاتهن (المتوسط: 2.94)ء ولكنّ ./10 منهن فقط سبق وراودهن الشعور 
بأنهن «معذبات» كأمهات. وعلى الرغم من أن /99 منهنّ ذكرن أن الجنس 
لم يکن سوى «عاملا من بين عدة عوامل» في حياتهن» فهنّ لم يشعرن أنهن 
مكتملات جنسيّاء ولم يكنّ قد بدأن تمامًا الشعور بأنهن مكتفيات جنسيًا من 
أنهن نساء. نحو .85 منهن ذكرن أن الجنس «يتحسّن مع مرور السنوات)» 
لكنهن أيضًا وجدنه «أقل أهمية مما كان عليه فى الماضى». وهن يتشاركن 
الحياة مع أزواجهن «بأكمل ما يمكن للمرء ا ف افيتان آخر؛؛ لکن 
7 منهن اعترفن بسهولة أنهن لم يستطعن مشاركتها كلها. 

ومعظمهن (/60) لم يستطعن القول بصدق» في الحديث عن مهنتهن 


472 اللفز الأنثوي 


الرئيسية كمدبرات منزل» أنهن كنّ يجدنها «مُرضية تمامًا». لم يكن يقضين 
سوى أربع ساعات في المتوسط يوميًا في العمل المنزلي» ولم يكن يستمتعن 
به. ربما كان صحيحًا أن تعليمهن جعلهن محبطات في دور ريّة المنزل. 
بما أن تلك النساء تلقين تعليمهن قبل فترة اللغز الأنثويء فإن العديد منهن 
واجهن انقطاعًا حادًا عن هويتهن المنبثقة في دور ربة المنزل ذاك. ومع ذلك 
فقد استمرت معظم تلك النساء في النمو ضمن إطار التدبير المنزلي في 
الضواحي؛ ربما نتيجة الاستقلالية وحمن الغاية والالتزام بقيم أكبر أعطاها 
التعليم لهن. 

لقد وجدت نحو /79 منهن طريقة ما للسعي وراء الأهداف التي أعطاها 
لهن التعليم» كانت للجزء الأعظم منهن ضمن القيود المادية لمجتمعاتهن. 
على الرغم من رسوم العجوز هيلين هوكينسون (Helen Hokinson)‏ 
الكاريكاتورية» كان تحمّلهن المسؤولية المجتمعية عمومًا فعل نضجء 
التزامًا استخدم قوة الذات وجدّدها. كان للنشاط المجتمعي» عند أولئك 
النساء» دائمًا تقريبا طابع الابتكار والفرديةء لا طابع الامتثال أو البحث عن 
المكانة أو الهرب. أنشأن رياض أطفال تعاونية في الضواحي التي لم تكن 
فيها رياض» وأقمن مقاصف ومكتبات للمراهقين في المدارس» حيث لم 
يكن جوني يقرأ ببساطة لأنه لم تكن هناك كتبًا جيدة. ابتكرن برامج تعليمية 
جديدة» أصبحت في النهاية جزءًا من المنهاج. كانت إحداهن مساعدة لي 
شخصيًا في الحصول على 13 ألف توقيع لإجراء استفتاء شعبي على إخراج 
السياسة من النظام المدرسي. وطالبت إحداهن علنًا بإلغاء التمييز العنصري 
في المدارس في الجنوب. وأقنعت إحداهن أطفالًا بيضًا بالحضور 
إلى مدرسة فيها فصل عنصري بالفعل في الجنوب. وضغطت إحداهن 
لتخصيص اعتماد مالى لعيادات الصحة النفسية من خلال الهيئة التشريعية 
لولاية في الغرب. وأقامت إحداهن برامج للفنون في المتاحف لطلاب 
المدارس في كل مدينة من المدن الثلاث التي عاشت فيها منذ الزواج. 


الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة للنساء 013 
وأنشأت أخريات» أو قدن. مجموعات كورالية في الضواحي أو مسارح 
مدينية أو مجموعات دراسية للسياسة الخارجية. كانت /31 متهن تقبيطات 
في السياسة الحزبية المحلية» من مستوى اللجنة إلى مستوى مجلس نواب 
الولاية. وذكرت أكثر من /90 منهن أنهن كن يقرأن الجريدة كاملة كل يوم 
وأنهن کڻ يصوتن بانتظام. من الجليّ أنهن لم يكن يشاهدن برامج التلفاز 
النهارية» ويبدو أنهن لم يلعبن البريدج قط» ولم يقرأن المجلات النسائية. 
ولم يكن نصف عدد الكتب التي قرأنهاء والذي يتراوح بين خمسة عشر كتابًا 
وثلاثمائة لكل منهن» على قائمة الكتب الأكثر مبيعًا. 

تمكنت تلك النساء» وهنّ يواجهن الأربعين» من الحديث بصراحة 
تامة عن الشيب الذي يغزو شعرهن» وعن أن (بشرتهن تبدو ذابلة ومتعبة»)» 
ومع ذلك يقلن» دون كبير أسف على الشباب بع «لدي إحساس كام 
بتحقيق الذات وبالصفاء الداخلي والقوة». «لقد أصبحت على حقيقتي 
أكثر). 

كان أحد أسئلة الاستبيان: كيف تتصورين حياتك بعد أن يكبر الأولاد؟). 
كانت لدى معظمهن (/60) خطط معيّنة للعمل أو الدراسة. خططن لإنهاء 
تعليمهن في النهايةء فالعديدات ممن لم تكن لديهن طموحات مهنية في 
أثناء الجامعة لديهن تلك الطموحات الآن. لقد وصلت قلة منهن إلى 
«أعماق المرارة»» إلى «حافة التحرّر من الو هم واليأس»» محاولات العيش 
على أنهن مجرّد ربات منازل. واعترفت قلة منهن بلهفة أن «تسيير أمور 
بيتى وتربية أربعة أولاد لا يستخدمان حمًا تعليمي أو الكفاءة التي بدا يومًا 
أنني أمتلكها. لو كان ممكنًا فقط أن أجمع بين الأمؤمة والمهنة». أما الأكثر 
مرارة فكنّ أولئك اللواتي قلن: «لم أكتشف قط أي نوع من الأشخاص أنا. 
فت البجاجعة محاولة إيجاد نفسي في الحياة الاجتماعية. أتمنى الآن لو 
أنني دخلت في شيء بما يكفي من العمق لتكون لي حياة خلاقة خاصة 
بي). لكنّ معظمهن كنْ يعرفن الآن من هنّء وما الذي أردن أن يفعلنه؛ 


474 اللغز الأنثوي 


7 شعرن بالأسف على أنهن لم يخططن جديا لاستخدام تعليمهن في 
عمل مهني. لن يعود التقدير السلبي ولا حتى المشاركة النشيطة في شؤون 
المجتمع كافيين عندما يكبر أولادهن قليلًا. ذكرت نساء كثيرات أنهن كن 
يخططن كي بعلّمن؛ ولحسن حظهنء أعطتهن الحاجة الكبيرة إلى معلمات 
فرصة العودة إلى التيار. وتوقعت أخريات سنوات من الدراسة الإضافية قبل 
أن يصبحن مؤهلات في اختصاصاتهن المختارة. 

لأولئك الخريجات المائتين من جامعة سميث مثيلاتهن من النساء 
على امتداد اليلاد» نساء ذكيات وموهوبات يشققن طريقهن خارجات من 
فخ ربة المنزل» أو لم يقعن في الفخ قط نتيجة تعليمهن. لكن» كانت تلك 
الخريجات في عام 1942 من بين آخر النساء الأمريكيات اللواتي تعلّمن 
قبل اللغز الأنثوي. 

ويرى المرء في استبيان آخر أجانت عليه تقريبًا 10 آلاف خريجة 
من جامعة ماونت هوليوك (Mount Holyoke)‏ في عام 1962 -وهي 
الذكرى السنوية المائة وخمس وعشرون لتأسيسها- أثر اللغز في النساء 
المتعلمات في آخر عقدين. أظهرت خرّيجات ماونت هوليوك معدل زواج 
مرتفع وطلاق منخفض مشابه (/2 بالمجمل). لكن قبل 1942ء معظمهن 
تزوجن بعمر الخامسة والعشرين أو أكثر؛ وبعد عام 1942 أظهر العمر عند 
الزواج انخفاضا حادّاء كما شهدت نسبة اللواتي لديهن أربعة أولاد أو أكثر 
ارتفاعًا حادًا. قبل عام 1942ء تابع ثلثا الخريجات أو أكثر دراسة أعلى من 
ذلك؛ لكنّ تلك النسبة انخفضت بثبات. لم تحصل سوى القليلات في 
الصفوف الأخيرة على شهادات عالية في الفنون أو العلوم أو القانون أو 
الطب أو التربية بالمقارنة مع ال/40 في عام 1937. ويبدو أيضًا أن عددًا 
متناقضًا بحدّة يشارك في آفاق أوسع تتعلق بالالتزام الوطني أو الدولي؛ 
لقد انخفضت المشاركة في النوادي السياسية المحلية إلى :12 مع صف 
عام 1952. ومن عام 1942 فصاعداء لم تنتسب إلا قلة من الخريجات 


الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة للنساء 475 





إلى مهنة ما. سبق لنصف جميع خريجات ماونت هوليوك العمل يومًا ما 
لكنهن لم يعدن يعملن» » أساسًا لأنهن اخترن «دور ربة المنزل». عاد بعضهن 
إلى العمل؛ لزيادة الدخل ولأنهن أحببن العمل. أما في صفوف عام 1942 
وصاعدًاء حيث معظم النساء هنّ الآن ربات منازل» فالنصف تقريًا لم تكن 
لديهن نيّةَ العودة إلى العمل. 

إن مساحة الالتزام المتقلصة تجاه العالم خارج البيت بدءًا من عام 
2 فصاعدًا مؤشر واضح على أثر اللغز الأنثوي في النساء المتعلمات 
فأنا أدرك» وقد رأيت الفراغ اليائس والشعور «بالوقوع بالفخ» لدى العديد من 
النساء الشابات اللواتي تعلّمن في ظل اللغز أن يكنّ «مجرد ربات منازل»» 
أهمية تجربة زميلاتي. فالعديدات منهن كن قادرات» نتيجة تعليمهن» على 
الجمع بين التزامات جدية خاصة بهن والزواج والعائلة. كنّ قادرات على 
المشاركة في أنشطة مجتمعية تتطلب الذكاء والمسؤوليةء وأن يمضين قدمّاء 
مع بضع سنوات من الاستعدادء إلى العمل الاجتماعي المهني أو التعليم. 
كن يستطعن الحصول على أعمال بوصفهن معلمات وكيلات أو عاملات 
اجتماعيات بدوام جزئي لتمويل المقررات اللازمة للحصول على الشهادة. 
كنّ في الغالب قد كبرن إلى حدٌ لا يردن معه العودة إلى الميادين التي عملن 
بها بعد الجامعة» وكنٌء بجوهر الاستقلالية» الذي أعطاهن إياه تعليمهن. 
يستطعن الدخول حتى في ميدان جديد. 

ولكن ماذا عن النساء الشابات اليوم اللواتي لم يرغبن يومًا بالتعليم 
العالي» اللواتي تركن الجامعة» ليتزوجن» أو كن يمرّرن الوقت في صفوفهن 
بانتظار «الرجل المناسب»؟ ما الذي سيكنٌ عليه في الأربعين؟ تنشد 
ربات المنازل في كل ضاحية ومدينة المزيد من التعليم اليوم» كما لو أن 
مقررًا ماء أي مقرر» سيمنحهن الهرية التى يسعين إليها. لكن قلما تكون 
المقررات التي يأخذنهاء أو التي تعرض 56 بهدف الاستخدام الفعلي 
في المجتمع. واللغز الأنثوي ينخر التعليم الذي يمكن لامرأة أن تحصل 


476 اللغز الأنثوي 


عليه في الأربعين» ويلرّثه» ويضعقفه» أكثر حتى من التعليم الذي تهرّبت منه 
في الثامنة عشرة سعيًا وراء الخيال الجنسي. 

مقررات في الجولف والبريدج وصناعة السجاد وفن الطبخ والخياطة 
معدّة» كما أفترضء» للاستخدام الفعلي من قبل النساء اللواتي يبقين في فخ 
ربة المنزل. ما يسمى المقررات الفكرية التي تقدّم في مراكز تعليم الكبار 
المعتادة -التقييم الفني» صناعة الخزف» كتابة القصة القصيرة» المحادثة 
بالفرنسية» كتب عظيمة» الفلك في عصر الفضاء- ليست الغاية منها سوى 
الإغناء الذات». ليست الدراسة ولا الجهد ولا حتى العمل المنزلي» الذي 
يقتضي التزاما طويل الأمدء أمورًا متوقعة من ربة المنزل. ش 

في الواقع» تحتاج الكثير من النساءء اللواتي يأخذن هذه المقررات» بشدة 
إلى تعليم جادٌ؛ ولكن إذا لم يتمتعن قط بالميل إليه» فهن لا يعرفن كيف يبحثن 
عنه وأين» ولا يفهمن حتى أن الكثير من المقررات التعليمية للكبار غير مُرضية 
ببساطة لأنها ليست جديّة. البعد الواقعي الضروري حتى ل«إغناء الذات» 
ممنوع» وعلى الأغلب بالتعريف. في مقرر مصمم خصيصًا ل«ربات المنازل». 
وهذا صحيح حتى عندما تتمتع المؤسسة التي تقدّم المقرر بأعلى المعايير. 
أعلنت جامعة رادكليف مؤخرًا عن «معهد لزوجات المديرين التنفيذيين» (من 
المفترض أن يتبع بلمعهد لزوجات العلماء» أو «معهد لزوجات الفنانين» أو 
«معهد لزوجات أساتذة الجامعات»). فزوجة المدير أو زوجة العالم في سن 
الخامسة والثلاثين أو الأربعين» والتي أصبح جميع أبنائها في المدرسةء لا 
يمكن إلا بصعوبة مساعدتها من أجل الهوية الجديدة التي تحتاج إليها عن 
طريق التعلّم على أخذ حصة بديلية أكثر تفصيلًا من عالم زوجها. ما تحتاج 
إليه هو تدريب على عمل إبداعي خاص بها. 

لم يكن التعليم» بين النساء اللواتي قابلتهن» المفتاح للمشكلة التي لا 
اسم لها إلا عندما كان جزءًا من خطة الحياة الجديدة وكان الهدف منه أن 
يستخدم جديا في المجتمع» سواء كان هواية أم احتراًا. لم يكنّ قادرات على 





الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة للنساء 477 


إيجاد ذلك التعليم إلا في الكليات والجامعات النظامية. وعلى الرغم من 
التفكير المليء بالرغبات الذي أنتجه اللغز الأنثوي لدى الفتيات ومربيهن» 
فإن حصول امرأة» لديها زوج وثلاثة أولاد أو أربعة وبيت» على التعليم 
الذي تهرّبت منه في سن الثامنة عشرة أو الحادية والعشرين» أصعب بما لا 
يقاس في سن الحادية والثلاثين أو الثامنة والثلاثين أو الحادية والأربعين. 
فهي تواجه في الكلية أو الجامعة التحيّزات التي خلقها اللغز الأنثوي. بغض 
النظر عن قصر غيابها عن ميدان الاختبارات العلمية» فإنّ عليها أن تبدي 
جدّيتها في غايتها المرة تلو المرة حتى يتم قبولها في الجامعة مرة أخرى. 
ومن ثم يجب عليها أن تنافس مجموعات الأولاد الذين يعجٌ بهم المكانء 
والذين أفرطت» هي ونساء أخريات غيرهاء في إنجابهن في هذه الفترة. ليس 
من السهل على امرأة بالغة أن تجتاز مقررات معدّة للمراهقين» أن تعامل 
مثل مراهقة مرة أخرىء أن تكون مضطرة إلى إثبات أنها تستحق أن تؤخذ 
بالجدية ذاتها التي تؤخذ بها مراهقة. يجب على المرأة أن تبدي الكثير من 
البراعة» وأن تحتمل الكثير من الصدّ والخيبات» حتى تجد التعليم الذي 
يناسب حاجتهاء وتجعله أيضًا يناسب التزاماتها الأخرى بوصفها زوجة وأمًا. 

قررت إحدى النساء اللواتي قابلتهن» ولم يكن قد سبق لها الذهاب إلى 
الجامعة» بعد علاج نفسيء أن تأخذ مقررين سنويًا في جامعة مجاورة كان 
فيهاء لحسن الحظ» مدرسة مسائية. لم تكن لديها في البداية أدنى فكرة إلى أين 
يقودها ذلك» لكنها بعد سنتين قرّرت أن تختص بالتاريخ وأن تحضر نفسها 
لتعليمه في مدرسة ثانوية. حافظت على نتائج جيدة» على الرغم من أنها 
كانت غالبًا نافدة الصبر من الإيقاع البطيء والعمل الكثير الذي لا هدف له. 
لكن» على الأقل جعلتها الدراسة لغاية ما تشعر أفضل مما كانت عليه عندما 
كانت تقرأ قصص الألغاز أو المجلات في الملعب. وإضافة إلى ذلك كانت 
الدراسة تقود إلى شيء حقيقي للمستقبل. ولكن» بمعدل مقررين في السنة 
(وهو ما كان يكلّف 420 دولارًا حينها ومساءين في الصف)» كان من شأن 





478 النغز الأنئوي 
تلك الدراسة أن تستغرق منها عشر سنوات للحصول على شهادة الليسانس. 
في السنة الثانية» كان المال قليلاء ولم تتمكن من أخذ إلا مقرر واحد. لم تكن 
تستطيع التقدّم للحصول على قرض طلابي إلا إذا : تحوّلت إلى طالبة بدوام 
كاملء وهو ما لم تكن قادرة عليه حتى يدخل أصغر أبناتها الصف الأول. 
ولكنها بالرغم من كل ذلك» تمسكت بالأمر على ذلك النحو أربع سنوات» 
ملاحظة أن المزيد والمزيد من ربات المنازل في صفوفها قد تركن الدراسة 
نتيجة المال» أو لأن «الأمر كله كان سيستغرق زمئًا طويلا جدًا). 

ثم عندما أصبح أصغر أطفالها في الصف الأول» أصبحت طالبة 
بدوام كامل في الكلية النظامية» حيث الإيقاع أبطأ حتى من ذي قبل لأنَّ 
الطلاب كانوا «أقل جديةً». لم تستطع أن تحتمل فكرة كل السنوات التي 
أمامها للحصول على شهادة الليسانس (التي ستحتاجها لتدريس التاريخ 
في مدرسة ثانوية في تلك الولاية)» وبالتالي تحوّلت إلى اختصاص في 
التربية. وبالتأكيد ما كان لها أن تتابع ذلك التعليم المتعرّج المكلف لو لم 
يكن لديها بحلول ذلك الوقت خطة حياة واضحة تستخدمهاء خطة تتطلب 
ذلك التعليم. وبما أنها أصبحت ماتزمة بالتعليم الابتدائي» فقد أصبحت 
قادرة على الحصول على قرض حكومي ليغطي جزءًا من رسومها التعليمية 
بدوام كامل (التي تتجاوز الآن 0 دولار في السنة)» وفي سه سنتين أخريين 
ستكون قد انتهت. 

على الرغم من تلك العقبات الهائلة» فإن أعدادًا متزايدة من النساء 
يعدن إلى المدرسة؛ عمليًا دون مساعدة من المجتمع وبتأخر في التشجي 
من جانب المربين أنفسهم وضتهم به. وذلك من أجل الحصول على التعليم 
الذي يحتجن إليه. لكن لا يمكن إلا لأقواهن» بعد نحو عشرين سنة من 
اللغز الأنثوي. أن يتابعن طريقهن بأنفسهن. لأن هذه ليست مجرد المشكلة 
الخاصة لكل امرأة على حدة. هناك تضمينات للّغز الأنثوي تجب مواجهتها 
على المستوى الوطني. 


الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة لننساء 479 








تفرض المشكلة التي لا اسم لها -والمتمثلة ببساطة في منع النساء 
الأمريكيات من النمو حتى تحقيق قدراتهن الإنسانية الكاملة- عبثًا على 
صحة يدنا النفسية والجسدية أكبر بكثير من أي مرض معروف» فكروا 
في المعدّل العالي لحدوث الانهيار العاطفي بين النساء في «أزمات الدور» 
(1565© ©101) فی العشرينيات اغلاات من أعمارهة؛ وإدمان الكحول 
وحالات الانتحار في الأربعينيات والخمسينيات؛ واحتكار ربات المنازل 
لوقت الأطباء. فكروا في شيوع زواج المراهقات» والمعدّل المتزايد من 
حالات الحمل غير الشرعية» وما هو Seg‏ 
الأم-الطفل. فكروا في سلبية المراهقين الأمريكيين المنذرة بالخطر. إذ 
تابعنا إنتاج الملايين من الأمهات الشابات اللواتي يوقفن نموّهن 00 
وتنقصهن الهوية» وليس لديهن جوهرًا قويًا من القيم الإنسانية ينقلنه 
لأبنائهن» فإننا ببساطة شديدة نرتكب إبادة جماعيةء تبدأ بالدفن الجماعي 
للنساء الأمريكيات» وتنتهي بالتجريد المتزايد لأبنائهن وبناتهن من الإنسانية. 

لكر شود تاك قرا خب الج شرا اا 
إعادة تشكيل قاسية لصورة الأنوثة الثقافية» التي ستسمح للنساء بالوصول 
إلى النضج والهوية وكمال الذات دون تضارب مع التحقق الجنسي. يجب 
القيام بمحاولة كبيرة من قبل المرتّين وأولياء الأمور -والقسس ومحرّري 
المجلات والمعالجين والموجهين- لإيقاف حركة الزواج المبكر ولدنع 
الفتيات من النضج راغبات في أن يكنّ ”مجرّد ربات منازل“ إيقافها من 
خلال الإصرار على أن تطوّر الفتيات القدرات والأهداف الذاتية التى 
ستسمح لهِنَّ بأن يجدن هويتهن الخاصة» حاصلات على الاهتمام ذاته تك 
الطفولةء الذي يمنحه أولياء الأمور والمرتون للصبيان. 

وبالطبع» ليس قول «لا لز الأنثوي أسهل على مربٌ مما هو على 
فتاة أو امرأة بذاتها. يترد حتى أكثر المربّين تقدّماء والمهتمين جنيًا 
بالحاجة الماسّة لربات المنازل اللواتي على أيديهن بقايا حياة» في مقاومة 


480 اللغز الأنثوي 
مدّ الزواج المبكر. لقد أرهبهم أساطين التحليل النفسي المبشط ومازالوا 
يرتعشون إحساسًا بالذنب من فكرة التدخل فى تحقق المرأة الجنسى. إن 
الحجة المحافظة التي يقدمها أولئك الأساطين الذين هم أنفسهمء في بعض 
الحالات» ممتازين فى الأوساط الجامعيةء هى: بما أن الطريق الأولى إلى 
الهوية للمرأة هو الزواج والأمومةء فيجب تأجيل الاهتمامات أو الالتزامات 
التعليمية الجدية» التي قد تسبب تضاربًا في دورها بوصفها زوجة وأمّاء حتى 
تنتهي سنوات الحمل والولادة. لقد قُدّم هذا التحذير في عام 1962 من قبل 
استشاري نفسى إلى جامعة يال» التى كانت تدرس قبول النساء فى المرحلة 
التجامعية الأولى في نفس التعليم الجدي الذي تقدمه للرجال. 
تبدو العديد من النساء الشابات -إن لم تكن غالبيتهن- عاجزات عن 
التعامل مع الاهتمامات الفكرية المستقبلية طويلة الأمد إلى أن يتجاوزن 
المراحل الأكثر أساسية في نموّهن الصحي بوصفهن نساء. ... حتى ينجز 
عمل الأم في تدريب أبنائها وتشكيل حياة أسرتها جيدًاء يجب أن يستفيد 
من كل قدرات المرأة العاطفية والفكرية ومن مهاراتها. كلما كان تدرييها 
أفضلء كانت فرصتها أفضل للقيام بالعمل على نحو أفضل. شريطة ألا تقف 
العقبات العاطفية في طريقها: أي شريطة أن تكون قد أرست قاعدة جيدة 
لتطور أنوثتها البالغةء وأنها في سياق تعليمها العالي لم تكن عرضة لضغوط 
أثرت سلبًا على تطورها. ... يمكن أن يؤثْر الإلحاح على أهدافها المتضارية. 
والتشديد على أن العمل والمهنة في عالم الرجل يجب أن يمثلا الاعتبار الأول 
في تخطيط حياتها. سلبيًا في تطوّر هويتها الكاملة. ... إنها تقدر من بين 
جميع الحريات الاجتماعية التي ظفرت بها جداتها أولا حرية أن تكون امرأة 
سليمة صحيًا ومكتفية. وهي تريد أن تكون متحررة من الذنب والصراع حيال 
ذلك. ... هذا يعني أنه على الرغم من أن الوظائف ممكنة غالبًا في إطار 
الزواج. فإن «المهن» قلما تكون كذلك...(. 
وتبقى الحقيقة, إن الفتاة التي تهدر سنواتها الجامعية -مثل الهدر الذي 
تقوم به- دون أن تكسب اهتمامات جديّة» وتهدر سنوات عملها الأولى 


(1) Edna 0. Rostow, “The Best of Both Worlds,” Yale Review, March, 1962. 


الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة تلنساء 481 


في تمرير الوقت حتى تجد رجلاء تغامر بإمكانيات الحصول على هوية 
خاصة بهاء وكذلك بإمكانيات تحققها الجنسي وبالأمومة المثبتة برمتها. 
يجعل المربونء الذين يشجعون المرأة على تأجيل اهتماماتها الأكبر حتى 
يكبر أولادهاء عمليًا من المستحيل عليها بالمطلق أن تحوز على تلك 
الاهتمامات. ليس من السهل على امرأة» عرّفت نفسها كليّةَ على أنها زوجة 
وأمّا مدة عشر سنوات أو خمس عشرة أو عشرين سنة» أن تجد هوية في 
ب الضافية واكلويق إن و ا 
فعل ذلك هنّء بصراحة تامة» اللواتي قمن بالتزامات جدية تجاه تعليمهن 
السابق» اللواتي أردن مهنا وعملن بها في يوم من الأيام» اللواتي يحضرن إلى 
الزواج والأمومة حسّاً بهويتهن الخاصة؛ لا أولئك اللواتي يأملن على نحو 
ما أن يحرزنها لاحمًا. أظهرت دراسة حديئة على خمسين خرّيجة جامعية 
في ضاحية ومدينة شرقية أنه في السنة التي غادر أكبر الأولاد فيها البيت» 
وباستشناءات قليلة» كانت النساء الوحيدات اللواتي لديهن أية اهتمامات 
يسعين إلى تحقيقها -في العمل أو المجتمع أو الفنون- هن اللواتي أحرزن 
ذلك في الجامعة. أمَا أولئك اللواتي لم تكن لديهن مثل تلك الاهتمامات» 
فلم يكن يحرزنها الآن؛ لقد تأخرن في النوم في «أعشاشهن الفارغة» ولم 
تطلعن قدمًا إلا إلى الموت”» 

(1) Ida Fisher Davidoff and May Elish Markewich, “The Postparental Phase in i 


Life Cycle of Fifty College-Educated Women,” unpublished doctoral study. 
Teachers College, Columbia University, 1961. 
كانت النساء الخمسون [اللواتي شملتهن الدراسة] ربات منزل وأمهات متفرغات خلال‎ 
السنوات التي كان أطفالهن فيها في المدرسة. مع مغادرة آخر طفل» تضمنت النساء اللواتي‎ 
كن يعانين من كرب شديد» لأنه نم يكن لديهن أي اهتمام حقيقي يتجاوز المنزل» بضع نساء‎ 
كانت قدرتهن الفعلية وإنجازهن عاليان؛ سبق وكانت تلك النساء قائدات في العمل المجتمعي»‎ 
لكنهن شعرن بما يشبه «الزيف» أو «الخداع؛ لاكتسابهن الاحترام على «عمل يستطيع طفل في‎ 
العاشرة من عمره القيام به؛ . يجعلهن توججه الكتاب في مدرسة التكيّف الوظيفي يرثين لحقيقة‎ 
أن التعليم أعطى تلك النساء أهدافا لاغير وأقعية» (مازال عدد مدهش منهن يتمنين» وهن الآن في‎ 
الخمسينيات والستينيات من عمرهن» لو كنّ طبيبات). لکن أولئك النساء اللواتى ني كانت لديهن‎ 
= اهتمامات يسعين وراءها -والتي بدأت في كل حالة في الجامعة- وکڻ يعملن في وظائف أو‎ 


482 اللفز الأنثوي 


يجب أن ينظر المرتون» في كل كلية للنساء وكل جامعة وكلية للراشدين 
وكلية مجتمعية» إلى الأمر على أن النساء يقمن بالتزام مدى الحياة (سمّه. 
«خطة حياة» أو «حرفة» أو «غاية حياة». إذا كان لتلك الكلمة القذرة «مهنة» 
كل تلك المضامين المرتبطة بالعزوبية) بميدان من الفكر وبعمل ذي أهمية 


في السياسة أو في الفن. لم يشعرن بأنهن «زائفات)ء ولم يعانين حتى من الكرب المتوقع في 
فترة انقطاع الطمث. على الرغم من كرب أولئك اللواتي لم تكن لديهن اهتمامات. فإن أيّا منهن 
لم برد بد انتهاء سنوات الخمل:والولادة+ بالعودة إلى المدرسة؛ لم يق لهن بساطة سوق 
نوات قليلة يرير جهد القيام بذلك. وهكذا فقد تابعن "دور المرأة» بالتصرف كأمهات لأهلهن 
المسنين أو بإيجاد حيوانات أليفة أو نباتات أو ببساطة «أشخاص كهواية» ليحلّوا محل أطفالهن. 
تفسير مربيتي الحياة العائلية -اللواتي أصبحتا مستشارتين محترفتين في الزواج ف في فى أواسط 
عمريهما- مثير للاهتمام: 
«بالنسبة لهؤلاء النساء في مجموعتناء اللواتي كانت لديهن طموحات عالية أو مواهب فكرية 
رفيعة أو كليهماء ؛ كان التعارض بين بعض القيم المُؤكد عليها في مجتمعنا الموجه نحو النجاح 
ل ا ل NG‏ 
.. أغلق الباب المفتوح للمرأة التي تتمتع بمهارة ما أمام المرأة التي بلا تدريب» حتى إذا أغرتها 
ا ادل بين العاملات بأجر ES‏ 
العمل. شعرن الوا مومه ناث نوع ر الذي رو لون و أخذ الوقت 
وصرف الطاقة المطلوبين من أجل التدريب» على أساس العدد المحدود من السنوات الفعالة 
الباقي أمامهن. ... كان من الواجب معالجة نقص الضغط الناجم عن نقص المسؤولية. ... بما 
أن مهمة الأمومة الأساسية انتتهت» فقد بدت إشباعات العمل التطوعي» التي كانت في السابق 
منفذًا ثانوياء وكأنها تتناقص. ... كانت النشاطات الثقافية للضواحي محدودة. . .. حتى في 
المد بدا تعليم الكبار مجرد شقان للؤقت لا رد إلى أي مكان: ' 
وهكذا فقد عترت بعض النساء عن جوانب من الأسف: «لقد تأخر الوقت جدًا على تطوير 
مهارة جديدة تقود إلى مهنة». «لو أنني تابعت مجال اختصاص واحدأ لكان استخدم إمكانياتي 
بشكل كامل». 
لكن الكاتبتين تلاحظان» موافقتين على ذلك. أن «الأغلبية الساحقة قد كفن أنفسهن على نحو 
ما مع موقعهن في المجتمع». 
لأ ثقافتنا تتطلب من النساء تخليات معينة عن النشاط وتحدّ من نطاق مشاركتهن في الحياة 
العامةء ففي هذه النقطة أن تكوني امرأة يمكن أن يبدو وكأنه مغامرة» بدلا من عقبة. لقد شعت 
طوال حياتهاء كأنثى, على أن تكون حساسة لمشاعر وحاجات الآخرين ن. لقد تطلبت حياتها في 
المحطات الإستراتيجية إنكار ذاتها. لقد كان أمامها فرص واسعة اللتزيّن» من أجل هذا النكران 
الأخير للذات ... من سلسلة طويلة من النكران بدت في مرحلة مبكرة من حياتها و 
حياتها كامرأة تعطيها مهار كانت حرة الآن في أن تستخدمها كاملة دون المزيد من الإعداد... ؛ 


الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة للنساء 483 


جدية للمجتمع. يجب أن يتوقعوا من الفتاة: كما من الفتى, أن تأخذ مجالا ما 
على محمل الجد بما يكفى للسعى وراءه مدى الحياة. وهذا لا يعنى التخلى 
عن التعليم الحر للنساء من أجل دورات قي التدريب المهني. لا يدرب 
التعليم الحرء كما يعطى في أفضل الكليات والجامعات» الذهن وحسب» 
بل ويقدّم جوهرًا للقيم الإنسانية لا يمكن استئصاله. لكن يجب تخطيط 
التعليم الحر لاستخدامه جديّاء لا لمجرد الهواية أو التقدير السلبي. ومثلما 
ينتقل الفتيان في جامعات هارفارد أو يال أو كولومبيا أو شيكاغو من مركز 
الفنون الحرة لدراسة العمارة أو الطب أو القانون أو العلوم» يجب تشجيع 
ی و لقد تہ تبن أن الفتيات» اللواتي 
لديهن مثل هذا الالتزام» هنّ أقل توقًا للاندفاع إلى الزواج المبكرء وأقل 
ذعرًا حيال إيجاد رجل» وأكثر مسؤولية حيال سلوكهن الجنسي. معظمهن 
يتزوجن بالطبع» ولكن على أساس أنضج. وهكذا لا یکون زواجهن هربّاء بل 
التزامًا مشتركا بين شخصين» يصبح جزءًا من التزامهما نحو نفسيهما ونحو 
المجتمع. وفي الواقع إذا تعلمت الفتيات للقيام بالتزامات من هذا القبيل» 
فإن مسألة الجنس» ومتى يتزوجن» تفقد أهميتها الطاغية. والحقيقة القائلة 
أن ليس للنساء هوية خاصة بهن هي التي تجعل الجنس والحب والزواج 
والأولاد أمورًا تبدو وكأنها الحقائق الجوهرية والوحيدة في حياة النساء. 
يجب أن يدرك المربّون» فى وجه اللغز الأنثوي وموانعه الخفية القوية» 
أنهم لا يستطيعون أن يلهموا النساء الشابات الالتزام جديا بالتعليم دون 


(1) Nevitt Sanford, “Personality Development During the College Years,” Journal 
of Social Issues, 1956, Vol. 12, No. 4, p. 36. 


(2) الاضطراب العام في ربيع عام 1962 حول العذرية الجنسية لفتيات فاسار هي حالة في 
هذه النقطة. سيبدو السؤال الحقيقي للمرتي بالنسبة لي هو ما إذا كانت تلك الفتيات 
يحصلن من تعليمهن على أهداف الحياة الحقيقية التي لا يمكن إلا للتعليم أن يمنحها 
لهن. إذا كان الجواب «نعم»؛ فيمكن الثقة بأنهن مسؤولات عن سلوكهن , الجنسي. لقد 
تحدّت الرئيسة بلاندينغ (ع«زلمها8)» في الحقيقة» اللغز لتقول بجرأة إن الفتيات إذا لم 
يكن في الجامعة من أجل التعليم» فيجب ألا يكن فيها مطلقًا. وأن يكون تصريحها قد 
أثار كل ذلك الصخبء فهو دليل على مدى التعليم الموّجه بالجنس. 


484 اللغز الأنثوي 





القيام ببعض التدابير غير العادية. وبالكاد أمسكت بعض التدابير القليلة التي 
جرّبت حتى الآن بالمشكلة. معهد ماري بانتينغ الجديد للدراسة المستقلة 
في جامعة رادكليف جيد للنساء اللواتي يعرفن أصلا ما الذي يردن القيام 
به» واللواتي تابعن دراستهن حتى الدكتوراه» أو هن أصلا نشيطات في 
الفنون» ولا يردن سوى استراحة قصيرة من الأمومة للعودة إلى الحياة 
العامة. والأكثر أهمية من ذلك» إن وجود أولئك النساء في الحرم الجامعي: 
نساء لديهن أطفال وأزواج» ومازلن ملتزمات بعملهن» سيساعد» ولا شك› 
في تبديد صورة المرأة المهنية العزباء ریدم يعض طالبات الى السنة الثانية 
في جامعة رداكليف خارج «مناخ الفجائية» الذي يسمح لهن بت بتحقيق أعلى 
مستوى وطني من التفوّق التعليمي ليستخدمنه فيما بعد فقط في الزواج 
والأمومة. هذا ما كان في ذهن ماري بانتينغ. ويمكن فعله في مكان آخرء 
وبطرق أبسط حتى. 

من شأن ذلك أن يعود بالفائدة على كل كلية وجامعة تريد تشجيع النساء 
على أخذ التعليم بجدية» حتى توظف في كلياتها جميع النساء اللواتي 
تستطيع إيجادهنء واللواتي جمعن بين الزواج والأمومة» من جهةء وحياة 
العقل» من جهة أخرى؛ حتى إذا كان ذلك يعني تنازلات من أجل حالات 
الحمل» أو كسر القاعدة القديمة المتعلقة و زوجة الأستاذ المساعدى 
التى تحمل شهادتها المحترمة تمامًا سواء كانت الماجستير أو الدكتوراه. 
ا فوا ديصل االات عن ال رجات ق الوق من ام 
#المجذوفات. فالحقيقة السيطة هن أنيرة قد ادن وجودهن جديا وانهة 
فح ایو ات قد رك حيو ذاه وه كلك غالا 
طرف نساء يعشن صورة «الو جود معًا) الوافرة ذاتهاء لكنهن خسرن أنفسهن. 
النساء الراسخات في عملهن الإنساني راسخات في الحياةء وكذلك الرجال. 

من المهم» فوق ذلك كله» بالنسبة للمربّين أنفسهم» أن يقولوا «لا» للّغز 
الأنثوي» وأن يواجهوا الحقيقة القائلة إن الغاية الوحيدة من تعليم النساء 
هي تعليمهن أن يضعن قيودًا على قدراتهن. ليست النساء بحاجة إلى 


الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة للنساء 485 


مقررات في «الزواج والعائلة» حتى يتزوجن وينشئن عائلات؛ ولسن بحاجة 
إلى مقررات في التدبير المنزلي ليرتبن بيوتهن. لكتهن يجب أن يدرسن 
العلوم ليكتشفن في العلوم» أن يدرسن فكر الماضي ليبدعن فكرًا جديدّاء 
أن يدرسن المجتمع ليكنّ رائدات في المجتمع. وكذلك يجب أن يتوقف 
المرتون عن تلك التسويات القائمة على «معالجة المشاكل كل على حدة». 
لن يحل ذلك التطبيق المنفصل ل«التربية» و«الجنس» و«الزواج» و«الأمومة» 
و«الاهتمامات للثلث الأخير من الحياة» أزمة الدور. يجب تعليم النساء 
تكاملا جديدًا في الأدوار. كلما زاد تشجيع النساء على وضع خطط حياة 
جديدة -جامعات بين الالتزام الجدي مدى الحياة تجاه المجتمع» من جهة» 
والزواج والأمومة» من جهة أخرى- قلت الصراعات والإحباطات غير 
الضرورية التي سيشعرن بها بوصفهن زوجات وأمهات» وقلت الخيارات 
الخطأ التي ستقوم بها بناتهن نتيجة غياب الصورة الكاملة لهوية المرأة. 

تمكنت من رؤية ذلك لدى تحقيقي في دافع فتيات الجامعة إلى الزواج 
المبكر. النساء القليلات اللواتي لم يكنّ مستقتلات ل«الحصول على رجل»» 
واللواتي التزمن باهتمامات جدية طويلة الأمد -وكنّ بجلاء غير قلقات من 
أنهن سيفقدن بذلك «أنوثتهن»- جميعهن تقريبًا كانت أمهاتهن» أو صور 
أخرى خاصة من النساء» ملتزمات بغاية جدية ما. («تصادف أن أمي مدرسة». 
وأمٌ أفضل صديقاتي طبيبة؛ وهي تبدو دائمًا مشغولة جدًا وسعيدة)). 

يمكن للتعليم نفسه أن يساعد في تقديم تلك الصورة الجديدة -والشرارة 
في الفتيات لخلق صورتهن الخاصة- حالما يتوقف عن التوفيق مع الصورة 
القديمة ل«دور المرأة» ومسايرتها. يجب أن يكون التعليم للنساء كما 
للرجال» مصفوفة من التطور الإنساني. إذا كانت النساء الأمريكيات اليوم 
يحطمن أخيرًا فخ ربة المنزل بحقًّا عن هوية جديدة» فهذا ببساطة لأنّ الكثير 
من النساء قد تذوّقن طعم التعليم العالي؛ صحيحٌ أنهن لم ينهينه» ولم يكن 
مركرّاء لكنه كان» مع ذلك» قويًا بما يكفي لإجبارهن على المتابعة. 





486 اللفزالأنثوي 


يمكن أن تخاض تلك المعركة الأخيرة والأهم في ذهن المرأة ذاتها 
وروحها. إذ حتى بدون صورة خاصة» أعطيت فتيات كثيرات في أمريكاء 
ممّن تعلمن ببساطة كأشخاصء إحساسًا بإمكانيتهن الإنسانية قويًا بما 
يكفي لجعلهن يتجاوزن الأنوثة القديمة» يتجاوزن ذلك البحث عن الأمان 
في حب الرجلء ليجدن ذاتًا جديدة. قالت لي إحدى خريجات جامعة 
سوارتمور (Swarthmore)‏ في بداية دراستها التخصصية إنها في البدايةء 
وقد بدأت تشعر أنها تصبح أكثر «استقلالية» فأكثر» قلقت كثيرًا بخصوص 
إقامة المواعيد الغرامية والزواج» وأرادت أن «تتعلق بفتى». وأضافت: 
«حاولت أن أضعف نفسي لأكون أنثوية. لكنني بعد ذلك أصبحت مهتمة 
بما كنت أقوم به وتوقفت عن القلق». 

الأمر كما لو أنك قمت بنوع من التحويل. تبدئين الشعور بكفاءتك في القيام 

بالأمور. مثل طفل يتعلم المشي. يبدأ عقلك بالتوسّع. تجدين ميدانك الخاص. 

وذلك شيء رائع. حب القيام بالعملء والشعور بأنْ هناك شيء ماء وبأنك 

تستطيعين الوثوق به. إنه يستحق العناء. يقولون إن على الرجل أن يماني حتى 

يكبرء وربما يجب أن يحدث شيء شبيه للنساء أيضًا. تبدئين عدم الخوف من 


أن تكوني ذاتك. 

يجب القيام بخطوات قصوى لإعادة تعليم النساء اللواتي ضللهن اللغز 
الأنثوي أو خدعهن. بدأت العديد من النساء اللواتي قابلتهن» واللواتي شعرن 
بأنهن «عالقات في الفخ» كربّات منازل» في السنوات القليلة الماضية اتروع 
من ذلك الفخ. ولكن هناك بالمقابل الكثيرات ممن يغرقن مرة أخرى» لأنهن 
لم يكتشفن في الوقت المناسب ما أردن القيام به» أو لأنهن لم يكنّ قادرات 
على إيجاد طريقة للقيام به. في كل حالة تقريباء استغرق الأمر زمنًا طويلا 
ومالا كثيرًا مستخدمًا التسهيلات التعليمية الموجودة. قليلات هنّ ربات 
المنازل اللواتي يستطعن توفير المال اللازم للدراسة بدوام كامل. حتى إذا 
كانت الجامعات تقبلهن على أساس دوام جزئي -وجامعات كثيرة لن تقبل- 








الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة للنساء 487 
فقلّة من النساء فقط يستطعن تحمّل الإيقاع البطيء للتعليم الجامعي العادي 
الذي يمتد عشر سنوات أو أكثر. بعض المؤسسات مستعدة اليوم للمقامرة 
بربّات المنازل» ولكن هل ستكون مستعدة بالدرجة ذاتها عندما يصل طوفان 
ذريتهن المتجه إلى الجامعة إلى ذروته؟ تبدأ البرامج الرائدة» التي بدأت في 
الوقت-المال التى هى» للعديد من النساءء مشكلة لا يمكن تذليلها. 


ما هو مطلوب الآن هو برنامج تعليمي وطني» شبيه بقانون المحاربين 
القدماء"» للنساء اللواتى يردن جديًا الاستمرار فی تعليمهن أو استئنافه» 
والمستعدات للالتزام باستخدامه في مهنة. من شأن القانون أن يزوّد النساء 
مصاريف أخرى» كالكتب والسفر وحتى شيء من المساعدة الأسرية» إذا 
كان ذلك ضروريًا. من شأن هذا التدبير أن يكلف أقلّ بكثير من كلفة قانون 
المحاربين القدماء. من شأنه أن يسمح للأمهات باستخدام التسهيلات 
التعليمية القائمة على أساس دوام جزئي» وأن يقمن بالدراسة الفردية 
النظامية مستحيلا. من شأن مفهوم تعليم النساء كله أن يعاد تنظيمه من أربع 
سنوات في الجامعة إلى خطة حياة تستطيع المرأة بموجبها أن تستمر في 
تعليمهاء دون تضارب مع زواجها وزوجها وأبنائها. 

كان الجنود الأمريكيون» الذين أنضجتهم الحرب» بحاجة إلى إيجاد 
هويتهم في المجتمع. وبما أنهم لم يكونوا في مزاج يسمح لهم بهدر الوقت» 
فقد أدهشوا مدرّسيهم وأنفسهم بأدائهم المدرسي. يمكن الاعتماد على أن 
النساء اللواتي نضجن في فترة تأجيل ربة المنزل سيقمن بأداء مشابه. تبرّر 
(1) قانون في الولايات المتحدة ا سقو كد الحرب العالمية الثانية» لإعطاء الجنود 

الآتين من الحرب فرصًا في المؤسسات التعليمية ومؤسسات التدريب المهني» إضافة 

إلى تعويض سنة دون عمل. 


488 اللغز الأنثوي 


حاجاتهن الماسّة إلى التعليم وحاجة هذه الأمة الماسّة إلى الاحتياطيات غير 
المستغلة من ذكاء النساء في جميع المهن إجراءات الطوارئ هذه". 

بالنسبة للنساء اللواتي لم يذهبن إلى الجامعة؛ أو انسحبن منها مبكرًا 
جدّاء بالنسبة لأولئك اللواتي لم يعدن مهتمات باختصاصاتهن القديمة» أو 
اللواتي لم يأخذن تعليمهن جديّاء فأقترح» بكل بساطةء أولا إعادة انغماس 
مركزة كثيفة فى الإنسانيات» لا فى مختصرات ومختارات مثل تقارير طلاب 
الت الأولى أو الثانية العاديين» وَإنّما دراسة مكثفة مثل التجارب التعليمية 
التي تقوم بها شركة بيل للهاتف أو مؤسسة فورد للمديرين الشباب» الذين 
انصاعوا تمامًا لدور رجل المؤسسة إلى حدٌّ أنهم لم يعودوا قادرين على 
المبادرة والرؤية اللازمين في مراكز الإدارة التنفيذية العليا. بالنسبة للنساء 
يمكن القيام بذلك من خلال برنامج وطني» عبر كل مراحل حركة المدرسة 
الثانوية الشعبية الدانمركية» التي من شأنها ألا أن تعيد ربة المنزل إلى الحياة 
العامة الفكرية عن طريق دورة صيفية مركزة مدتها ستة أسابيع» نوع من 
«العلاج بالصدمة» الفكرية. من شأنها أن تحصل على معونة بحيث تستطيع 
مغادرة البيت» وتذهب إلى كليّة ذات سكن داخلي» معونة لن تستخدم بغير 
ذلك فى أثناء الصيف. أو يمكنها أن تذهب إلى مركز فى مدينة كبيرة على 
انام كن بنفس الدرجة خمسة أيام في الأسبوع ل أسابيع أو 
ثمانية في أثناء الصيف» مع معسكر نهاري للأطفال. 

افرض أن هذا العلاج بالصدمة التعليمية نه النساء الموهوبات إلى 
أهداف تتطلب ما يعادل برنامبجًا جامعيًا من أربع سنوات من أجل مزيد من 


(1) لقد أبعدت استحالة الدراسة بدوام جزئي للطب والعلوم والقانون والدوام الجزئي في 
الدراسات العليا في أفضل الجامعات الكثير من النساء اللواتي يتمتعن بمواهب رفيعة عن 
محاولة القيام به. ولكن] في عام 1962أتخلّت مدرسة هارفارد للدراسات العليا في التربية 
عن هذا القيد لتشجيع المزيد من ربات المنازل الموهوبات على أن يصبحن معلمات. 
وأعلن أيضًا عن خطة في نيويورك للسماح للطبيبات بالقيام بالإقامة في الطب النفسي 
والدراسات العليا على أساس الدوام الجزئي] آخذة في الحسبان مسؤولياتهن الأمومية. 








الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة للنساء 489 
التدريب المهني. يمكن إكمال ذلك البرنامج الجامعي في أربع سنوات أو 
أقل دون حضور صف بدوا م كاملء عن طريق الجمع بين المعاهذ الصيفية 
هذه» وفرض قراءات وأوراق بحث ومشاريع يمكن القيام بها في الشتاء في 
البيت. يمكن الجمع بين المقررات التي تؤخذ عبر التلفاز أو في كليات 
وجامعات المجتمع المحلي على أساس دروس إضافية والمناقشات مع 
أستاذ خصوصى فى منتصف السنة أو كل شهر. تؤخذ المقررات على 
أساس الساعات المعتمدة وتحوز .الطالبات على الشهادات العلمية 
المعتادة. يجب إيجاد م «للمعادلات»» لا لمنح المرأة الساعات 
المعتمدة على عمل لا يحقق المتطلبات» بل لمنحها تلك الساعات على 
عمل جديّ فعلاء حتى إذا جرى في أوقات وأماكن وبطرق تخرق المعايير 
الأكاديمية التقليدية. ۰ 

يمنع عدد من الجامعات آليّا ربات المنازل من خلال منع الدوام الجزئي 
لطلاب: المرحلة الجامعية الأولى أو الدراسات العليا. ربما تكون تلك 
الجامعات ملوعة من هواة يأخذون الأمر بسطحية. لكنّ العمل الجامعي 
بدوام جزئي للخريجين وطلاب المرحلة الجامعية الأولى والمنشق وفق 
خطة جديّة هو النوع الوحيد من التعليم الذي يمكن أن يمنع ربة منزل من 
أن تصبح هاوية؛ إنه الطريقة الوحيدة التي تستطيع امرأة لديها زوج وأولاد 
عن طريقها أن تحصل على تعليم؛ ؛ أو تستمر فيه. ويمكن أن يكون أيضًا 
الترتيب الأكثر عملية من وجهة نظر الجامعة. فمع العبء الواقع أصلا 
على مرافق الجامعات نتيجة الضغوط السكانية» يمكن لها وللنساء» على 
السواءء أن تستفيد من برنامج دراسة لا يتطلب حضور صف نظامي. وفي 
حين يبدو منطقيًا جدًا لجامعة مينيسوتا أن تضع خطتها الممتازة للتعليم 
المستمر للنساء”'' من حيث التسهيلات الجامعية النظاميةء فإن خطة من 
Virginia L. Senders, “The Minnesota Plan for Women’s Continuing Education,”‏ )1( 


Unfinished Business-Continuing Education for Women,” The Educational‏ مار 
Record, American Council on Education, October. 1961, pp. 10 ff.‏ 


490 اللخز الأنثوي 
ذلك القبيل لن تساعد المرأة التى يجب أن تبدأ تعليمها كاملا مرة أخرى 
لتكتشف ما الذي تريد القيام به. لكن يمكن استخدام التسهيلات القائمة في 
أية مؤسسة لملء الفجوات عندما تنطلق المرأة في خطة حياتها. 

تحتاج الكليّات والجامعات أيضًا إلى خطة حياة جديدة» لتصبح 
مؤسسات العمر لطلابها؛ وتقدّم لهم الإرشادء وتهتم بسجلاتهم وتتابع 
دراستهم المتقدمة أو الدورات التي تهدف إلى ترميم معلوماتهم» بغض 
النظر عن المكان الذي تؤخذ فيه. كم سيكون ذلك الإخلاص والدعم 
المالي من خريجة تلك المؤسسات أعظم لو أنهاء بدلا من حفلات الشاي 
لجمع الأموال واجتماع الشمل العاطفي في الخامس من حزيران كل عام» 
تستطيع أن تتطلع إلى جامعتها من أجل متابعة التعليم والإرشاد. تستطيع 
خرّيجة جامعة بارنارد» وهى تفعل ذلك فعلاء أن تعود إليها وتأخذ مجانًا 
أي مقرر في أي وقت» إذا كانت تملك المؤهلات له. تستطيع كل الجامعات 
أن تنظم معاهد صيفية لإبقاء الخريجات مواكبات للتطورات في مجالاتهن 
في سنوات الأمومة الشابة. يمكنها أن تقبل طالبات بدوام جزئي وأن تقدّم 
دورات إضافية لربة المنزل التي لم تستطع حضور الصفوف بانتظام. يمكنها 
أن تنصحها بخصوص برامج ج القراءة أو الأوراق أو المشاريع التي يمكن 
القيام بها في البيت. ويمكنها أيضًا وضع نظام تعتبر فيه المشاريع» التي تقوم 
بها الخريجات في التربية أو الصحة العقلية أو علم الاجتماع أو علم السياسة 
في مجتمعاتهن المحلية» ساعات معتمدة معادلة لمنح الدرجة العلمية. دع 
النساء المتطوعات» بدلا من جمع القطع النقدية الصغيرة» يخدمن في تلمذة 
مهنية تحت الإشراف». ويجمعن الساعات المعتمدة الم ف نها د 
الدفع للمتدربين الطبيين. وعلى نحو مشابه» عندما تكون امرأة قد أخحذت 
مقررات في عدد من المؤسسات المختلفة» ربما نتيجة تنقّل زوجها جغرافيًا 
من مكان لآخر. وحققت ساعاتها المعتمدة في المجتمع من وكالة أو 
بك ارک ومين كن او ری ليا اجو الأملة مرف 





الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة للنساء 401 





وطني ما أنشأته مجموعة من الجامعات الفحوص الشفهية والعامة والمناسبة 
للحصول على الدرجة العلمية. مفهوم «التعليم المستمر هو أصلا حقيقة 
للرجال في ميادين عديدة. فلم ليس كذلك للنساء؟ لا تعليم من أجل مهن 
بدلا من الأمومة» ولا تعليم من أجل مهن مؤقتة قبل الأمومة» ولا تعليم 
لجعلهن «زوجات وأمهات أفضل»» بل تعليم سيستخدمنه بوصفهن أعضاء 
كاملات في المجتمع. 

يقول الساخر: «ولكن كم من النساء الأمريكيات يردن فعلا أن يفعلن 
ما هو أكثر فى حياتهن؟1. استجاب عدد مذهل من ربات المنازل فى 
نیوجرسی E‏ بإعادة تدريب مكثف فى الرياضيات لنساء شات 
ساقاك ا في الالتزام ا رياضيات. في كانون 
الثانى/ يناير 1962 أعلنت قصة إخبارية بسيطة فى صحيفة نيويورك تايمز 
أن ا روشنبوش (Esther Raushenbush)‏ عاق سارة لورانس قد 
حصلت على منحة لمساعدة نساء ناضجات على إنهاء تعليمهن أو لمتابعة 
دراسات عليا على أساس دوام جزئي يمكن تكييفه مع واجباتهن كأمهات. 
عطلت الاستجابة» بالمعنى الحرفي للكلمة» مقسم هاتف سارة لورانس 
الصغير. فخلال أربع وعشرين ساعة» تلقت السيدة روشنبوش أكثر من 100 
اتصال هاتفي. قالت عاملة المقسم: «كان الأمر مثل ليلة المصرف. كما لو 
كان عليهن أن يحضرن إلى هناك فورّاء وإلا فسيفقدن الفرصة». ومن خلال 
مقابلات السيدة روشنبوش مع النساء اللواتي تقدّمن للبرنامج إقتنعت» مثل 
فيرجينيا سيندرز في مينيسوتاء بحقيقة حاجتهن. لم يكن «يرفض على نحو 
عُصابي» أزواجهن وأولادهن؛ لم يكنّ بحاجة إلى العلاج النفسيء بل كنّ 
بحاجة فعلا إلى المزيد من التعليم -بسرعة- وبطريقة يمكنهن القيام بها 
دون إهمال أزواجهن وعائلاتهن. 

لا يمكن إنجاز تعليم النساء الأمريكيات وإعادة تعليمهن لغاية جدية من 
قبل مؤسسة أو مؤسستين تتمتعان ببعد النظرء بل يجب القيام به على نطاق 


492 اللغز الأنثوي 


أوسع بكثير. لا يمكن لأحد يكرّر كليشيهات اللغز الأنثوي» حتى لو من باب 
النفعية أو اللباقة» أن يخدم هذا الهدف. من الخطأ تمامًا القول» كما يردّد 
بعض مربي النساء الرئيسيين اليوم» إن النساء يجب بالطبع أن يستخدمن 
تعليمهن» ولكن ليس» لا سمح الله» في مهن ينافسن فيها الرجال'". 
عندما تأخذ النساء تعليمهن وقدراتهن جديّاء ويضعنها موضع الاستخدام» 
فسينافسن في النهاية الرجال. من الأفضل لامرأة أن تنافس بموضوعية في 
المجتمع» كما يفعل الرجال» من أن تنافس زوجها على السيطرة في بيتهاء 
وأن تنافس جاراتها على مكانة فارغة» وتخنق بذلك ابنها بحيث لا يستطيع 
المنافسة قط. فكروا في هذا الخبر الذي ظهر مؤخرًا حول آخر علاج مهني 
في أمريكا للحاجة الأنثوية المكبوتة إلى المنافسة: 


(1) Mary Bunting, ‘The Radcliffe Institute for Independent Study,” Ibid., pp. 9 
ff. 


تعكس رئيسة رادكليف اللغز الأنثوي عندما ترئي ل«الاستخدام الذي قامت به خريجات 
الجامعة الأوائل لتعليمهن المتقدّم. لقد أصبحن, في الكثير من الحالات وعلى نحو 
يمكن تفهمه» ناشطات وإصلاحيات» متحمسات شجاعات واضحات» ولكن أيضاء 
في بعض الأوقات» مبالغات. كبر نوع من القولبة للنساء المتعلمات في العقلية الشعبية» 
وبالتزامن معه» تحيّز ضد القولبة والتعليم معا وتقول على نحو مشابه: 

«ألأ تكون لدينا أية محاولة محترمة لتلبية الحاجات التعليمية الخاصة للنساء فى الماضى 
هو أوضح دليل ممكن على حقيقة أن أهدافنا التعليمية د لت حصرًا وفق الأنماط 
التعليمية للرجال. لك في تغيير هذا التوكيدء يجب ألا يكون هدفنا هو أن نجهّز النساء 
ونشجعهن على منافسة الرجال. ... بما أن النساء لسن عمومًا كاسب الرزق الأساسي» 
فيمكن ربما أن يكنّ أكثر فائدة كرائدات يعملن على الطرق الفرعية» ويقمن بالعمل 
الاستثنائي الذي لا يستطيع الرجال أن يسمحوا لأنفسهم بالمقامرة فيها. هناك دائما 
مجال في الأعمال الأقل أهمية حتى عندما تكون المنافسة شديدة في السوق الفكري». 
أن تیم النساء تعليمهن اليوم أساسًا «في الأعمال الأقل أهمية» فذلك نتيجة اللغز 
الأنثوي والتحيّزات التي يخلقها ضد النساء؛ من المشكوك فيه ما إذا كان سيتم التغلّب 
على هذه القيود المتبقية إذا كان حتى المريّون سيثبطون النساء الموهوبات من أن 
يصبحن اناشطات وإصلاحيات» متحمسات شجاعات واضحات» وصوتهن عال بما 


الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة للنساء 493 


إنه يوم نموذجي من أيام الأسبوع في دالاس. الأب في العمل. الطفل يأخذ 
غفوته الصباحية. وفي الغرفة المجاورة. الأخ (عمره 3 سنوات) يمتطي 
حصانه الخشبي الهزازء والأخت (5 سنوات) تشاهد أفلام الكرتون على 
التلفاز. والأم؟ الأم على بعد بضعة أقدام؛ منحنية فوق خط الخطأ على 
المجاز 53: وركها مائل بحدّة إلى اليسار لتوجّه كرة البولينغ الملونة بالأبيض 
والأزرق إلى ثفرة الضرب بين القارورتين الأولى والثالثة. الأم تلعب البولينغ. 
لقد ألقت ربات المنازل النشيطات» سواء في دالاس أو كليفلاند أو ألباكيركي 
4111011610116 ) أو سبوكين. مماسح تنظيف الغبار والمكنسة الكهربائية, 
وسحبن الأطفال إلى الأزقة الجديدة. حيث تقف مربيات بدوام كامل جاهزات 
لمجالسة الأطفال في الحضانات المجهزة بالكامل. 

قال مدير ملعب البولينغ في ألباكيركي: «أين تستطيع النساء غير هنا 
أن ينافسن بعد الزواج؟ إنهن بحاجة إلى المنافسة مثل الرجال. ... وهذا 
بالتأكيد أفضل من الذهاب إلى البيت لفسل الأطباق0!!). 


قد يكون خارجًا عن الموضوع أن نلاحظ أن مجازات البولينغ والمتاجر 
الكبيرة تحوي مرافق حضانة» في حين تفتقد تلك المرافق في المدارس 
والجامعات والمخاير العليمة والمكاتب الحكومية. لكنّه وثيق الصلة 
بالموضوع أن نقول: إذا لم تستخدم امرأة أمريكية طاقتها وموهبتها الإنسانية 
في مسعى ذي معنى (وهو ما يعني بالضرورة المنافسة» لأن هناك منافسة في 
كل مسعى جدي في مجتمعنا)» فإنها ستبدّد طاقتها في أعراض عصابية أو 
ممارسة غير منتجة أو حب» مدمّر. 

وقد حان الوقت أيضًا للتوقف عن الترويج الكاذب لفكرة أنه لم تعد 
هناك معارك لخوضها من أجل النساء في أمريكاء وأن النساء قد ظفرن 
بحقوقهن أصلا. من السخف أن نطلب من الفتيات البقاء هادئات عندما 


(1) Time, November, 1961. See also “Housewives at the 52 Window,” New York 
Times Magazine, April I, 1962. 


والتي تصف خدمات مجالسة الأطفالء وخدمات العيادات» تُّقَدَّم اليوم لربات المنازل 
من الضواحيء عنى حلبات السباق. 


404 اللغز الأنثوي 
يدخلن إلى مجال جديد» أو قديمء ولا يلاحظ الرجال أنهن موجودات. ما 
تزال النساء في كل مجال مهني تقريبّاء في الأعمال كما في الفنون والعلوم» 
يعاملن وكأنهن مواطنات من الدرجة الثانية. ستكون خدمة كبيرة أن نقول 
للفتيات اللواتي يخططن للعمل في المجتمع أن يتوقعن هذا التمييز الحاذق 
غير المريح» أن نخبرهن بألا يكنّ هادئات» وأن يأملن بأن يذهب ذلك بعيدًاء 
ولكن أن يحاربنه. يجب ألا تتوقع الفتاة مزايا خاصة نتيجة جنسهاء لكنها لا 
يجب أيضًا أن «تتكتّف» مع التحيّز والتمييز. 

وبالتالي يجب أن تتعلم أن تنافس» لا بوصفها امرأة» بل بوصفها إنسانة. 
ولن يؤمّن المجتمع ذاته الترتيبات من أجل خطة الحياة الجديدة للنساء إلا 
بعد أن ينتقل عدد كبير من النساء من الهامش إلى التيار الرئيسي. لكنّ كل 
تاة تفلح في الصمود حتى النهاية في كلية الحقوق أو كلية الطب» وتنهي 
الماجستير والدكتوراه» وتتابع لاستخدامهماء تساعد الأخريات على المضي 
قدمًا. كل امرأة تحارب العقبات المتبقية أمام المساواة التامة المقتعة باللغز 
الأنثوي تجعل الأمر أسهل على الفتاة التي تأتي بعدها. إن وجود مفوضية 
الرئيس حول وضع النساء بقيادة إليانور روزفلت يخلق بذاته مناححا يمكن 
فيه إدراك التمييز ضد النساء والقيام بشيء حياله» لا من حيث الأجر فقطء 
بل ومن حيث العراقيل الدقيقة أمام الفرصة المتاحة لهن. حتى في السياسة» 
يجب أن تقدم النساء إسهامهن, لا كربّات منازل» بل كمواطنات. وقد تكون 
خطوة في الاتجاه الصحيح عندما 3 تحتج امرأة على الاختبار النووي تحت 
N‏ . ولكن لماذا تقول الرسّامة التوضيحية 
المحترفة التي تقود الحركة إنها «مجرّد ربة منزل»» وتصرٌ نصيراتها على 
أنهن» عندما يتوقف الاختبار» سيبقين بسعادة في البيت مع أبنائهن؟ تستطيع 
النساء» حتى فى المعاقل المدينية للماكينات الحزبية السياسية الكبيرة -وقد 
بذأق بالك ف أن و ا ع کی فا الى ع 





الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة للنساء 495 
بالعمل المنزلي السياسي في حين يتَخذ الرجال القرارات2". 

عندما يضع عدد كاف من النساء خطط حياة وفق قدراتهن الحقيقية» 
ويطالبن بإجازات الأمومةء أو حتى باستراحات أمومة» وبدّور حضانة مدارة 
مهنيّاء وبالتغييرات الأخرى التي قد تكون ضرورية» فلن يكون عليهن التضحية 
بالحق في المنافسة الشريفة والإسهام بأكثر مما يجب عليهن التضحية بالزواج 
والأمومة. من الخظأ الاستمرار في شرع الخيارات غير الضروزية التي تجعل 
النساء يقاومن بلا وعى إِمَا الالتزام أو الأمومة©2. وذلك يملع الاعتراف 
ا ات الالعتماضة ال رة ليست الان ارما سمالة حص ول ال 
شيء. المرأة معاقة بجنسهاء وتعيق المجتمع» إِمَا بالتقليد الاستعبادي لنمط 
تقدّم الرجل في المهن, أو برفض المنافسة مع الرجل بالمطلق. ولكنها عندما 
تملك الرؤية لتضع خطة حياة جديدة خاصة بهاء فيمكنها أن تحقق التزامًا 
بمهنة وبالسياسة وبالزواج وبالأمومة بجدية مساوية. 

النساء اللواتي قمن بذلك» على الرغم من تحذيرات اللغز الأنثوي 
الرهيبة» هن بمعنى ما «تحؤّلات». صورة ما يمكن أن تكون عليه المرأة 
الأمريكية. عندما لم يعملن, أو لم يتمكنّ من العمل » بدوا ع كاقل ليكسين 
قوتهن» كنّ يقضين ساعات في دوام جزئي في عمل يهتممن به فعلا. ولأن 





(1) انظر ملاحظات عضو مجلس نواب الولاية دوروثي بيل لورانس؛ من الحزب 
الجمهوري» عن مانهاتن» كما نشرتها مجلة نيويورك تايمز في 8 أيار/ مايو 1962. أوّل 
امرأة يتم انتخابها قائدة منطقة جمهورية في مدينة نيويورك» شرحت: «كنت أقوم بالعمل 
كله» فأخبرت رئيس المقاطعة أنني أريد أن أصبح الرئيسة. فقال لي إن شغل المنصب 
من قبل امرأة كان مخالقًا للقواعد». وقدر النساء أيضًا ا في حركة اهلاح الديمقراطي 
في نيويورك» بشغل مناصب قيادية متناسبة مع عملهن» كما بدأت «الأعمال الثانوية 
للسيدات» المنعزلة القديمة و«لجان النساء» u‏ 

(2) لاحظت» بين نساء غير قليلات من بين اللواتى قابلتهن» ممن تخلين تمامًا عن 
طموحاتهن» حسب نصائح اللغز ميجن زويات وأمهات. وجود تاريخ متكرر من 
إسقاط الحمل. وفي حالات عديدة» لم تتمكن المرأة من الحمل حتى النهاية بالولد 
الثاني أو الثالث» الذي لطائما رغبت به إلا بعد أن عاودت أخيرًا العمل الذي كانت قد 
تخلّت عنه» أو بعد أن عادت إلى كلية للدراسات العليا. 


496 اللفز الأنثوي 


العمل كان هو الأكثر أهميةء فقد كنّ غالبًا يتخطين هدر الوقت والتفاصيل 
الأنانية لكل من التدبير المنزلي والنشاط الخالي من المعنى في المهنة. 

وسواء كنّ يعرفن ذلك أم لاء فقد كنّ يتبعن خطة حياة. أنجبن أطفالهن 
قبل أو بعد فترة التدريب وبين فترات الزمالة. وحين لم تكن مساعدة 
جيدة متفرغة متاحة في السنوات الأولى من عمر الأطفال» كنّ يتوقفن 
عن وظائفهن» ويستلمن وظيفة بدوام جزئي» قد لا يكون مردودها سخيّاء 
ولكنها تبقيهنٌ متقدمات فى مهنتهن. ابتكرت المعلمات فى جمعية أولياء 
الأمور والمعلمين» ثم اتدل واستلمت الطبيبات ا أو بحثية 
قريبة من البيت؛ وبدأت المحرّرات والكاتبات العمل مستقلات. حتى إذا 
كان المال الذي يكسبنه غير لازم لشراء حاجات المنزل أو المساعدة فيه 
(وهو عادة لازم)» فقد كنّ يكسبن دليلا ماديا على قدرتهن على المساهمة. 
لم يعتبرن أنفسهن «محظوظات» على آنهن ربات منازل؛ بل نافسن في 
المجتمع. كن يعرفن أن الزواج والأمومة جزء جوهري من الحياة» لكنه 
ليس الحياة كلها. 

عانت هذه «التحوّلات» من «الانقطاع الثقافي في التكيّف مع الدور» 
و«أزمة الدور» وأزمة الهوية» وتغلبن عليها. كانت لديهن مشاكل بالطبع؛ 
مشاكل صعبة؛ تدبير أمور حملهن» إيجاد مربيات ومدبرات منزل» 
الاضطرار للتخلي عن مهمات جيدة عندما يتم نقل أزواجهن. كان عليهن 
أيضًا أن يواجهن الكثير من العدوانية من جانب نساء أخريات؛ والعديدات 
كان عليهن أن يتعايشن مع الامتعاض الفعال من جانب أزواجهن. ونتيجة 
اللغزء عانت الكثيرات منهن من آلام إحساس بالذنب غير ضرورية. لقد 
أخذ سعي النساء لتحقيق خطط حياتهن الخاصة» حين لا يتوقع المجتمع 
ذلك منهن» ومازال يأخذ» قوة هدف استثنائية. ولكن» على عكس النساء 
العالقات في الفخ» اللواتي تتضاعف مشاكلهن بمرور السنوات, فإن أولئك 
النساء حللن مشاكلهن وتابعن مسيرهن. قاومن محاولات الإقناع والتلاعب 





الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة للنساء 497 


الهائلة» ولم يتخلين عن قيمهن الخاصة والموجعة غالبًا مقابل الراحة التي 
يؤمّنها الانسجام مع ما هو سائد. لم ينسحبن إلى الخصوصانية» بل واجهن 
تحديات العالم الحقيقي. وهن يعرفن بتأكيد تام من هنّ فعلًا. 

كن يفعلن» ربما دون أن يرين ذلك بوضوح» ما يجب أن يفعله كل 
رجل وامرأة الآن حتى يبقى مواكبًا لإيقاع التاريخ المتفجر على نحو متزايده 
وإيجاد الهوية الفردية في مجتمعنا الضخم» أو المحافظة عليها. لا يمكن 
حل أزمة الهوية لدى الرجال والنساء من قبل جيل للجيل الذي يليه؛ ففي 
مجتمعنا المتغير بسرعةء تجب مواجهتها باستمرار وحلهاء لتواجه من جديد 
في غضون عمر واحد. يجب أن تكون خطة الحياة مفتوحة للتغيير» عندما 
تنفتح إمكانيات جديدة» في المجتمع وفي النفس. لا يمكن لأي امرأة في 
أمريكا اليوم» تبدأ بحثها عن الهوية» أن تكون متأكدة إلى أين ستأخذها. لا 
تبدأ امرأة ذلك البحث اليوم دون صراع وتضارب وإمساك شجاعتها بيديها. 
لكنّ النساء اللواتي التقيتهن» واللواتي كنّ يمضين قدمًا على ذلك الطريق 
المجهولء لم يأسفن على الآلام والجهود والمخاطر. 

لقد كانت الثورة الجنسية المضادة الأخيرة» على ضوء معركة النساء 
الطويلة من أجل التحرّرء ربما أزمة أخيرة» فترة فاصلة غريبة لالتقاط 
الأنفاس قبل أن تحطم اليرقة قشرتها لتصل إلى النضج؛ تأجيل قامت عدّة 
ملايين من النساء في أثناءه بوضع أنفسهن على الجليدء وتوقفن عن النمو. 
يقولون أن العلم سيتمكنٌ يومًا من جعل الجسم البشري يعيش أطول وذلك 
بتجميد نموّه. لقد كانت النساء الأمريكيات مؤخرًا يعشن أطول من الرجال 
بكثير» ويمضين ما تبقى من حياتهن مثل نساء ميتات وهن على قيد الحياة. 
ربما يعيش الرجال أطول من النساء في أمريكاء عندما تتحمّل النساء المزيد 
من عبء المعركة مع العالم» بدلًا من أن يكنّ هنّ أنفسهن عبئًا. أعتقد أن 
طاقتهن المهدورة ستستمر هدّامة لأزواجهن ولأولادهن ولأنفسهن» حتى 
يستخدمنها في معركتهن الخاصة مع العالم. ولكن عندما تنبثق النساء 


498 اللغزالأنثوي 


بالإضافة إلى الرجال»ء من الحياة البيولوجيةء لتحقيق ذواتهن الإنسانية» فقد 
تصبح تلك الأنصاف المتبقية من حيواتهن هي سنوات تحققهن الأعظه”". 


(1) مأمول العمر للنساء الأمريكيات والبالغ 5 7 سنة هو الأطول بين النساء في أي مكان من 
العالم. لكن كما أشار (161610 380 8415031) في كتابهما الدّوران اللذان تلعبهما النساء 
Two Roles)‏ 5'مءمه/18)» هناك إدراك متزايد بان العمر الزمني» لدى البشرء يختلف عن 
العمر البيولوجي: في عمر زمني يبلغ السبعين» قد ينحرف العمر البيولوجي عن العمر 
الزمني ضمن طيف 50-90 سنة». تشير الدراسات الجديدة للتقدم في السن بين البشر 
إلى أن أولئك الذين لديهم أعلى تعليم والذين يعيشون الحيوات الأكثر نشاطًا وتعقيدًاء 
والذين لديهم اهتمامات عميقة واستعداد لتجارب وتعلم جديدين. لا «يشيخون» 
بالمعنى الذي يشيخ به غيرهم. تكشف دراسة قريبة ل300 سيرة ذاتية (انظر: 108:6مهط0 
Buhler, "The Curve of Life as Studied in Biographies," Joumal of Applied‏ 
Psychology, XIX, August, 1935, pp. 405 ff.)‏ أنه في النصف الثاني من الحياة» 
تصبح إنتاجية الشخص مستقلة عن تجهيزه البيولوجي هي غالبًا في مستوى أعلى من 
كفاءته البيولوجية» وذلك إذا كان الشخص قد خرج من عيشه البيولوجي. في الحالات 
التي هيمنت «العوامل الروحية» فيها على النشاطء جاءت نقطة الإنتاجية الأعلى في 
الجزء الأخير من الحياة؛ أمَا حيث كانت «الحقائق المادية» حاسمة في حياة الشخص» 
فقد وصل إلى التقطة العليا في مرحلة أبكر وبالتالى كان المنحنى السيكولوجي أقرب 
إلى البيولوجي. وكشفت دراسة النساء المتعلمات المستشهد بها أعلاه أنهن عانين أقل 
بكثير في فترة انقطاع الطمث مما يعتبر «طبيعيّاة في أمريكا اليوم. لم تشعر معظم هؤلاء 
النساء اللواتي لم تقتصر آفاقهن على التدبير المنزلي المادي وعلى دورهن البيولوجي 
في خمسينياتهن وستينياتهن بأنهن «مسئّات». وذكرت العديدات منهن بدهشة آنهن قد 
عانين درجة من القلق في فترة انقطاع الطمث أقل بكثير من تلك التي جعلتهن تجربة 
أمهاتهن يتوقعن. تفترض تيريز بينديك (Therese Benedek)‏ فى Climacteriun: A”)‏ 
1 .م ,1950 (Developmental Phase," Psychoanalytical Quarterly, XIX,‏ أن القلق 
المُحفَف وانفجار الطاقة الإبداعية التي تعاني منها نساء كثيرات الآن في فترة انقطاع 
الطمث هوء في جزء منه على الأقل» نتيجة «تحرير» النساء. تبدو أرقام كينزي وكأنها 
تشير إلى أن النساءء اللواتي حررهن التعليم من العيش البيولوجي البحت» قد اختيرن 
ذروة التحقق الجنسي الكامل حتى مرحلة أكثر تأخرًا في الحياة مما كان متوقعًا وفي 
الحقيقة» استمررن فى اختبزتها تعلال الأربعيتات بعد توقف الطمث: قد يكون أفضل 
مثال على هذه الظاهرة هو كوليت (016146©) -تلك المرأة الفرنسية المتحررة الإنسانية 
حقًا والتي عاشت وأحبت وكتبت في عمر مختلف قليلا جدًا عن عمرها الزمني في عيد 








الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة لننساء 499 

وبعد ذلك سيشفى الانقسام في الصورة» ولن تواجه البنات تلك النقلة 
النوعية في سن الحادية والعشرين أو الحادية والأربعين. عندما يجعل تحقّق 
الأمهات بناتهن متأكدات من أنهن يردن أن يكنّ نساء» فلن يضطررن إلى 
«تلميع أنفسهن» حتى يكنّ أنثويات؛ يمكنون أن يتّسعنء ويتّسعن» حتى 
تخبرهن جهودهن من هنّ فعلا. لن يحتجن إلى نظرة فتى أو رجل» ليشعرن 
أنهن على قيد الحياة. وعندما لا 0 النساء مضطرات إلى العيش من 
خلال أزواجهن وأبنائهن» فلن يخشى الرجال من حبّ النساء وقوّتهن؛ ولن 
يحتاجوا إلى ضعف الآخر لإثبات رجولتهم. وأخيرًا يستطيع كل منهما رؤية 
الآخر على حقيقته. وقد تكون هذه هي الخطوة التالية في التطوّر الإنساني. 

من يعرف ما الذي تستطيع النساء أن يكنه. عندما يصبحن حرّات 
أخيرًا في أن يصبحن أنفسهن؟ من يعرف ما الذي سيسهم فيه ذكاء النساء 
عندما يستطيع أن يتفتح دون إنكار الحب؟ من يعرف ما هي إمكانيات 
الحب» عندما يتشارك الرجال والنساءء لا الأولاد والبيت والحديقة فقطء 
ولا تحقيق قيق أدوارهما البيولوجية فقطء بل ومسؤوليات العمل وآلامه التى 
يلق تخلق المستقبل الإنساني والمعرفة الإنسانية الكاملة بمن هن فعلًا؟ بالكاد 
بدأ بحث النساء عن أنفسهن. ولكنّ الوقت في متناول اليدء عندما لا تعود 
أصوات اللغز الأنثوي قادرة على إغراق الصوت الداخلي الذي يدفع النساء 
قدمًا نحو الكمال. 


ميلادها الثمانين: «لو أن الواحدة كانت في الثامنة والخمسين. لأنّها في ذلك العمر تكون 
ما تزال مرغوبة ومليئة بالأمل للمستقبل». 


خاتمة 501 


خائمة 


عندما كان كتاب اللغز الأنثوي في المطبعة» وآخر أطفالي في المدرسة 
طوال اليوم» قررت أن أعود إلى ال وأحصل على الدكتوراه. ذهبت 
لرؤية رئيس قسم علم النفس الاجتماعي في كولومبياء متسلحة بإعلان 
ناشري» وبنسخة من شهادتي الجامعية بدرجة امتياز» وبسجل في الدراسات 
العليا يعود إلى عشرين عاماء وبتقرير مؤسسة ة العالم الود عن المشروع 
التعليمي الذي حلمت به وأدرته في مقاطعة روكلاند. كان خَلييًا ولطفاء 
ولكن بالتأكيد» كان علي أن أتفهّم أنني -في الثانية والأربعين من العمرء 
وبعد كل تلك السنوات من عدم الانضباط التي كنت فيها ربّة منزل- ما كنت 
لأتمكن من مواجهة مصاعب الدراسات العليا بدوام كامل للحصول على 
الدكتوراه والمعرفة المطلوبة في الإحصاء. فأوضحتٌ: «ولكتي استخدمت 
الإحصاء على مدى الكتاب». بدا شاحبّاء وقال: «حستاء يا عزيزتي. لماذاء 
على أية حالء تريدين أن تزعجي رأسك بالحصول على الدكتوراه؟». 

بدأت أتلقى رسائل من نساء أخريات» ينفذن ببصيرتهن الآن إلى ما 
يتجاوز اللغز الأنثوي. ويردن التوقف عن القيام بوظائف أطفالهن ويبدأن 
القيام بوظائفهن الخاصة؛ لكن» قيل لهِنّ أيضًا أنهنّ لم يكن قادرات فعلا 
على القيام باي شيء آخر الآن سوى صناعة مربى الفريز المنزلي» أو 
مساعدة أطفالهن في القيام بالعمليات الحسابية للصف الرابع. لم يكن كافيًا 
أن تأخذي نفسك على محمل الجد شخصيًا. كان لابدٌ من تغيير المجتمع» 
على نحو ماء حتى تقوم النساء بالأمر بصفتهن أشخاصًا. لم يعد في مقدورهن 
العيش «مجرّد ربات منازل». ولكن أية طريقة كانت هناك للعيش؟ 

أتذكر أن تلك الفكرة أخذتني حتى وأنا أكتب اللغز الأنثوي. كان علي 
أن أكتب فصلا أخيراء أقدّم فيه حلا ل«المشكلة التي لا اسم لها»» وأقترح 


502 اللغز الأنثوي 


أنماطا جد مدعا من الضازيات» يكن للا مع خلا أن 
يستخدمن قدراتهن تمامًا في المجتمع» ويجدن هويتهن الإنسانية الوجودية» 
ويشاركن في عمله وقراراته وتحدياته» دون أن يتخلين» في الوقت ذاته» 
عن البيت والأطفال والحب والنشاط الجنسي. صار ذهني فارعًا. يجب 
عليك فعلًا أن تقولى «لا» لقني قز أن سك من الله ايها 
الانعم» الجديدة التي تحتاجين إليها. كان إعطاء اسم للمشكلة التي لا اسم 
لها الخطوة الأولى الضرورية» ولكنها لم تكن كافية. 

شخصياء لم أعد أستطيع العمل ربّة منزل في ضاحية» حتى لو أردت 
ذلك. لسبب واحد» هو أنني أصبحت مجذومة في ضاحيتي. طالما كنت 
أكتفي بكتابة مقالات بالصدفة» لا يقرؤها معظم الناس» فلم تكن حقيقةٌ أنني 
أكتب في الساعات التي يكون الأولاد خلالها في المدرسة وصمة بأكثر مما 
كان» على سبيل المثال» الشرب وحيدة في الصباح. أما الآن» وقد بدأت 
أتصرف مثل كاتبة حقيقية» والتلفاز يُجرى معي مقابلات» وأصبح الذنب 
معروفًا جدًا للجمهورء فلم يعد من الممكن غفرانه. وأخذت نساء من ضواح 
أخرى يكتبن لي» كما لو كنت «جان دارك»» ولكن كان عليّ عمليًا أن أهرب 
من فناء بيتي المليء بالأعشاب البرية لأنجو من حرقي عند الخطر. وعلى 
الرغم من تمتعنا بشيء من الشعبية» أنا وزوجي» فإ جيراننا لم يعودوا فجأة 
يدعوننا إلى حفلات العشاء. وطرد أولادنا من ترتيبات التوصيل بالسيارة 
بالدور إلى صفوف الفن والرقص. وكانت الأمهات الأخريات يصبن 
بالهستريا عندما أطلب تكسي في دوري» بدلا من قيادة السيارة بنفسي. 
اضطررنا للانتقال إلى المدينة مرة أخرى» حيث كان الأولاد يستطيعون أن 
يقوموا بأمورهم الخاصة دون أن أنقلهم بالسيارة بنفسي» وحيث أصبحت 
قادرة على أن أكون معهم في البيت أثناء بعض الساعات التي بت أقضيها 
منتقلة من مكان إلى آخر. لم أعد أستطيع تحمّل تلك الوحدة غير الطبيعية 
في الضواحي. 








خاتمة 503 

في البداية» أذهلتني» وحيّرتني» تلك العدوانية الغريبة التي بدا أن كتابي 
-والحركة فيما بعد- قد أخرجها من بعض النساء. حتى في البداية» لم تكن 
هناك تلك العدوانية التي توقعتها من الرجال. اشترى رجال كثيرون اللغز 
الأنثوي لزوجاتهم» وحتوهن على العودة إلى المدرسة أو العمل. ولاحظت 
بما يكفي من السرعة أنه ربما كانت هناك الملابين من النساء اللواتي شعرن» 
كما حدث معي» بأنهن وحيدات وحدة مطلقة وغير عادية كرات منازل في 
الضواحي. فإذا كنت خائفة من مواجهة مشاعرك الحقيقية حول الزوج 
والأطفال الذين يفترض أنك تعيشين من أجلهم» فان شخصًا مثلي» ينبش 
المشاكل» يشكل خطرًا. 

لا ألوم النساء على خوفهن. فأنا نفسي كنت خائفة. ليس ممكنًا فعليًا 
أن تصنعى نمط حياة جديد بالكامل بمفردك. لطالما خفت من البقاء وحيدة 
أكثر من أي شيء آخر. كان الغضب الذي لم أجرؤ على مواجهته في داخلي 
خلال كل تلك السنوات التي حاولت فيها أن ألعب دور ربة المنزل الصغيرة 
العاجزة مع زوجي -وشعوري بأنني أكثر عجرًا كلما استمررت في لعبه فترة 
أطول- قد بدأ ينطلق بعنف أشد وأشد. ونتيجة خوفي من البقاء وحيدة» 
فقدت تقريبًا احترامي لذاتي محاولة أن تمك بزواج لم يعد قائمًا على 
الحب» بل على بغض اتكالي. كان إطلاق حركة النساء الضرورية لتغيير 
المجتمع» أسهل علي من تغيير حياتي الشخصية. 

بدا لي أن الوقت قد حان لكتابة ذاك الكتاب الثاني» لكي لم أتمكن 
من إيجاد أية أنماط جديدة في المجتمع تتجاوز اللغز الأنثوي. تمكنت 
من إيجاد بضعة نساء منفردات» يطرحن أنفسهن بالضربة القاضية لتحقيق 
معايير مجلة التدبير المنزلي الجيد» محاولات أن يرتين أطفالهن على 
طريقة الدكتور سيوك فم يعملق دول امل درق بالانن بحيال ل 
وكانت مؤتمرات تعقد حول توافر التعليم المستمر للنساء أن جميع ربات 
المنازل-الأمهات المتفرغات الشائخات تلكء اللواتي وصل أطفالهن إلى 


504 اللغز الأنثوي 


الجامعة الآن» قد بدأن يمثلن مشكلة.. يشربن» ويتناولن الكثير من الأدوية» 
ويتتحرن. كرست مجلات رفيعة الثقافة كاملة للمناقشة حول «النساء 
وخياراتهن؟» و«مراحل» حياة النساء. تستطيع النساء» كما قيل لناء أن يذهبن 
إلى المدرسةء ويعملن قليلاء ويتزوجنء ويبقين مع الأولاد 15-20 سنق 
ومن ثم يعدن إلى المدرسة والعمل.. لا مشكلة؛ لا حاجة لتضارب الأدوار. 

كانت النساء اللواتي يقدّمن هذه النظرية بين القلّة الاستثنائية التي 
وصلت إلى وظائف علياء لأنهن» على نحو ماء لم ينسحبن على مدى 
خمسة عشر أو عشرين عامًا. وكانت تلك النساء أنفسهن ينصحن النساء 
اللواتي يندفعن عائدات إلى برامج التعليم المستمرء بأنهن لا يستطعن فعلًا 
أن يتوقعن الحصول على أعمال حقيقية أو تدريب مهني بعد خمسة عشر 
عامًا قضينها في البيت؛ في فن الخزف أو في عمل مهني تطوعي؛ كان ذلك 
هو التكيّف الواقعي. ۰ 

كلام كله مجوّد كلام. في عام 1965ء بين التقرير المنتظر طويلا 
لمفوضية الرئيس حول وضع النساءء الأجور التمييزية التي كانت النساء 
يحصلن عليها (نصف متوسط أجر الرجال)» وحصة النساء المتناقصة فى 
الوظائف المهنية والتنفيذية. وأوصت المفوضية بنصيحة النساء باخام 
قدراتهن في المجتمع» واقترحت تأمين مراكز رعاية الطفل وغيرها من 
الخدمات لتمكين النساء من الجمع بين الأمومة والعمل. لكنّ مارجريت 
ميد قالت» في المقدمة التي وضعتها للتقرير» في الواقع» إذا كانت النساء 
جميعًا سيرغبن في اتخاذ القرارات الكبيرة والقيام بالاكتشافات الكبيرة» 
فمن سيبقى في البيت» ويضمّد ركبة الطفل» أو يستمع لمشاكل الزوج؟ 
(ليس مهمًا أنهاء بمساعدة زوجهاء حتى قبل أن تقضي ركبتا ابنها طيلة 
اليوم في المدرسة» كانت» هي نفسهاء تقوم باكتشافات أنثروبولوجية كبيرة 
وتتخذ قرارات. ربما لا تتماثل النساء اللواتي يقمن بذلك» بوصفهن نساءًا 
«استثنائيات»» فعليًا مع بقية النساء. فبالنسية لهن» هناك ثلاث طبقات من 


خاتمة 505 


الأشخاص: الرجال والنساء الأخريات وهِنٌ؛ وتستند مكانتهن» كنساء 
استثنائيات» على إبقاء النساء الأخريات هادئات» وألا يهززن القارب). 

دفن تقرير مفوضية الرئيس أصولا في أدراج البيروقراطية. في ذلك 
الصيف من عام 1965. وصلت إلى ثلث الطريق في الكتاب الذي أردت 
كتابته بعد اللغز الأنثئوي؛ عرفت في ذلك الوقت أنه لم تكن هناك أية أنماط 
جديدة» بل فقط مشكلات جديدة:؛ لم تكن النساء ليتمكنّ من حلها إذا لم 
يتغير المجتمع. ولم يكن كل الكلام والتقارير والمفوضية وبرامج التعليم 
المستمر إلا أمثلة على التملق؛ بل ربّما محاولة لمنع حركة حقيقية من 
جانب النساء أنفسهن لتغيير المجتمع. 

بدا لي أن شينًا ما يتجاوز الكلام يجب أن يحدث. «الشيء الوحيد الذي 
تغيّر حتى الآن هو وعينا»» هذا ما كتبّه مقتربةً من ذاك الكتاب الثاني» الذي 
لم أنهه قط لأنّْ الجملة الثانية فيه كانت: «ما نحتاج إليه هو حركة سياسية» 
حركة اجتماعية شبيهة بتلك التي للسود». كان عليّ القيام بفعل ما. رأيت 
على متن الطائرة إلى واشنطنء وأنا أفكر فيما يجب أن أفعلء طالبًا يقرأ كتابًا 
اسمه الخطوة الأولى تجاه الثورة هى الوعى The First Step to Revolution‏ 
5 5 1., وكان ذلك بمثابة إلهام. 


ذهبت إلى واشنطن لأن قانوتًا كان قد سن الفصل السابع من قانون 
الحقوق المدنية لعام 1964 يحظر التمييز الجنسي في التشغيل بالإضافة 
إلى التمييز العرقي. كان الجزء المتعلّق بالتمييز الجنسي قد أضيف مثل نكتة 
ومناورة تأجيلية من قبل عضو جنوبي في الكونغرس» هاوارد سميث عن 
ولاية فيرجينيا. في المؤتمرات الصحفية الأولى بعد دخول القانون حيّز 
التطبيق» تندّر المدير المسؤول عن تطبيقه حول منع التمييز الجنسي قائلا: 
«سيعطي الرجال فرصة مساوية في أن يكونوا أرانب بلاي بوي». 


وجدت في واشنطن غليانًا تحت السطح من جانب النساء في الحكومة 


506 اللفزالأنثوي 
والصحافة ونقابات العمال التى شعرت بالعجز عن إيقاف تخريب هذا 
القانون الذي كان يفترض أن يحدث خرقًا في التمييز الجنسي الذي عمّ 
كل صناعة ومهنة ومعمل ومدرسة ومكتب. كانت بعض تلك النساء يشعرن 
أنني. وقد أصبحت الآن كاتبة معروفة» يمكن أن أشدّ انتباه الجمهور. 


في أحد الأيام» أغلقت محامية شابة باردة» تعمل للوكالة التي لم تكن 
تطيق القانون ضد التمييز الجنسيء باب مكتبها بحذرء وقالت لي والدموع 
ا «لم أنو قط أن أنشغل بقضايا النساء. فأنا أحب الرجال. ولكن 
تصيبني القرحة نتيجة الطريقة التي تخدع فيها النساء. قد لا نجد قط فرصة 
أخرى مكل هذا القانون. يجب» يا بيتي» أن تؤسّسي “')N۸4۸٥۴(‏ للنساء. 
أنت الوحيدة التي لديها من الوقت ما يكفي للقيام بذلك». 


لم أكن يومًا امرأة تنظيم. ولم أنتم قط إلى رابطة الناخبات. لكن» كان 
کا کر ی رد ا ي الولايات حول وضع 
النساء. فكرت في أننا سنجمع من بين النساء المجتمعات هناك من مختلف 
الولايات نواة منظمةء يمكنها على الأقل أن تدعو إلى مؤتمر صحفي» 
وتطلق إشارة الخطر بين النساء على امتداد البلد. 


جاءت إلى ذلك الاجتماع باولي موراي Murray(‏ ااسه۴)» وهي 
محامية سوداء بارزة» ودوروثى هاینر (1126061 'إ]10020) وكارولين ديفيز 
)r0ine Davs(‏ من نقابة عمال السيارات والطائرات والآلات الزراعية 
(04۷)». وكاي كلارينباخ )1ae0301(‏ yةK)»‏ رئيسة مفوضية الحاكم في 
ويسكونسنء وكاترين كونرويٍ (/ا00850) 163]861136) من عمال الاتصالات 
في أمريكاء وآيلين هير نانديز »(Aileen Hernandez)‏ التي كانت حينها عضوًا 
في مفوضية فرص التشغيل المتساوية. طلبت منهن أن يأتين إلى غرفتي في 
الفندق في إحدى الليالي. لم تكن غالبيتهن تعتقد أن النساء بحاجة إلى حركة 


(1) التسمية المختصرة للجمعية الوطنية لنهضة الملونين في الولايات المتحدة - المترجم. 








مثل حركة السودء لكنهن كن غاضبات من تخريب الفصل السابع. وحصل 
إجماع على أن المؤتمر يستطيع بالتأكيد أن يقوم بفعل محترم للإصرار على 
وجوب تنفيد القانون. 

ذهبت إلى السرير مع شيء من الشعور بالراحة» فربما ليس من 
الضروري تنظيم حركة. لكنني في الساعة السادسة من صباح اليوم التالي 
تلقيت مكالمة هأتفية من إحدى النساء البارزات فى إدارة جونسون» تحثنى 
على عدم هزهزة القارب. وفي الفاغ ا لانت و ا 
وهذه المرة» كانت إحدى الأخوات المقاومات من ليلة الأمس» غاضبة 
هذه المرة» غاضبة حمًا. «قيل لنا إن هذا المؤتمر لا يملك صلاحية القيام 
بای فعل كان» ولا حتى الحق في اقتراح قرار. وهكذا فقد حجزنا طاولة 
لنا جميعًا لنتناول الغداء معا»ء وسوف نؤسّس المنظمة». وعند الغداء جمعنا 
دولارًا من كل واحدة منا. وكتبت على منديل ورقى (N0۷)؛‏ يجب أن 
سين جر المتظهة الرطدة ا وف ا أن الر جال بعت 
أن يكونوا جزءًا منها». ثم كتبت الجملة الأولى من بيان هدف المنظمة 
وفيها نتعهد بأن «نسعى إلى إقناع النساء بالمشاركة التامة في الحركة العامة 
للمجتمع الأمريكي الآن» وممارسة كل المزايا والمسؤوليات فيه» بمشاركة 
متساوية فعلا مع الرجال». 

كانت التغييرات اللازمة لإحداث تلك المساواة» وما تزال» ثورية جدًا 
في الواقع. فهي تتضمن ثورة في الدور الجنسي للرجال والنساء ستعيد 
بناء كل مؤسساتنا: تربية الأطفال والتعليم والزواج والعائلة وهندسة البيت 
وممارسة الطب والعمل والسياسة والاقتصاد والدين والنظرية النفسية 
والجنسانية الإنسانية والأخلاق وتطوّر الجنس البشري نفسه. 
أرى الآن حركة النساء من أجل المساواة» ببساطة» على أنها المرحلة 


«NOW (1)‏ الأحرف الأولى من: cNational Organization for Women‏ أي «المنظمة 
الوطنية للنساء». 





٠ 508‏ اللفز الأنثوي 


الأولى الضرورية من ثورة أكبر بكثير في الدور الجنسي. لم أرها قط على 
أساس الطبقة أو العرق: تقاتل النساء» بوصفهن الطبقة المضطهّدة؛ للإطاحة 
بالرجال أو أخذ السلطة منهمء بوصفهم طبقة المضطهدين. كنت أعرف أن 
الحركة يجب أن تشمل الرجال بوصفهم أعضاء مساوين» على الرغم من أن 
النساء يجب أن يأخذن زمام المبادرة في المرحلة الأولى. 

ليست هناك إلا طريقة يقة واحدة أمام النساء للوصول إلى إمكانيتهن الإنسانية 
الكاملةء ألا وهي المشاركة في الحركة العامة للمجتمع» وإبراز صوتهن في 
براااي سكل الحم . حتى تتمتع النساء بهوية وحرية تامتين» 
يجب أن يتمتعن بالاستقلال الاقتصادي. كان اختراق الحواجز التي أبعدت 
النساء عن الأعمال والمهن التي يكافئها المجتمع» هو الخطوة الأولىء 
لكنها غير كافية. سيكون من الضروري تغيير قواعد اللعبة من أجل إعادة 
بناء المهن والزواج والعائلة والبيت. تتجشد الطريقة التي تُبنى بها المكاتب 
والمستشفيات على طول الخطوط الصارمة المنفصلة غير المتساويةء التي لا 
يعن ی اساي السكرييرة/ ر 

فى اللغز الأنثوي وة تؤئده. ولكنْ الجزء الاقتصادي لن يكون كاملا إلا إذا 
كانت قيمة الدولار توضعء على نحو ماء على أساس العمل الذي تقوم به 
النساء في البيت» على الأقل من حيث الضمان الاجتماعي والمعاشات 
وتعويض التقاعد. ولاب من تقاسم العمل المنزلي وتربية الأطفال على نحو 
أكثر مساواة بين الزوج والزوجة والمجتمع. 

ليست المساواة والكرامة الإنسانية ممكنتين للنساءء إذا لم يكنّ قادرات 
على الكسب. عندما دخلت الشابات الراديكاليات فى الحركة» قلن إِنَّ 
وضع كل ذلك التشديد على الأعمال والتعليم «ممل» أو «إصلاحي» أو 
يشكل «تسويةً رأسمالية». ولكن» لا يمكن إلا لقلّة قليلة جدًا من النساء أن 
يتحمّلن تجاهل حقائق الحياة الاقتصادية الأولية. لا يمكن إلا للاستقلال 
الاقتصادي أن يحرّر المرأة لتتزوج عن حب. لا من أجل المكانة أو الإعالة 





خاتمة 209 


الاقتصادية» أو لتتخلى عن زواج مهين خال من الحب ولا يطاق» أو لتأكل 
وتلبس وترتاح وتنتقلء إذا كانت تخطط لعدم الزواج. لكنّ أهمية العمل 
للنساء تتخظى الجانب الاقتصادي. إذ كيف يمكن للنساءء بغير ذلك أن 
يشاركن في عمل مجتمع صناعي متقدّم وقراراته» ما لم يحصلن على 
التدريب والفرصة والمهارات التي تأتي من المشاركة فيه؟ 

كان على النساء أيضا أن يواجهن طبيعتهن الجنسية» لا أن ينكرنهاء أو 
يتجاهلنهاء مثلما فعلت أوائل الناشطات النسويات. تجب إعادة بناء المجتمع 
على نحو تستطيع معه النساءء اللواتي صدف أنهن الأشخاص الذين يقومون 
بفعل الولادة» أن يقمن بخيار إنساني مسؤول حول ما إذا كنّ يردن الإنجاب 
أم لاء ومتى» وألا يمنعن نتيجة ذلك من المشاركة في المجتمع بحقهن. 
وكان ذلك يعني الحق في ضبط النسل والإجهاض الآمن؛ الحق في إجازة 
الأمومة ومراكز رعاية الطفلء إذا لم كن النباء يرون لااب كل 
من مجتمع البالغين في أثناء سنوات الحمل والولادة؛ وما يكافئ قانون 
المحاربين القدماء لإعادة التدريب إذا اختارت النساء البقاء في البيت مع 
الأطفال. فقد بدا لي أن معظم النساء سيخترن أن يكون لديهن أطفال» وإن 
ليس الكثير من الأطفال» إذا كانت تربية الطفل لم تعد طريقتهن الوحيدة إلى 
المكانة والإعالة الاقتصادية» أي مشاركة غير مباشرة في الحياة. 

لم أستطع تعريف «تحرير؛ النساء بمصطلحات تنكر الحقيقة الإنسانية 
والجنسية لحاجتنا إلى الحبء بل وإلى أن نعتمد أحيانا على رجل. ما كان 
يجب تغييره هو الأدوار المؤنثة والمذكرة المهجورة» التي تجرّد الجنس من 
إنسانيته» وتجعل من المستحيل تقريبًا للنساء والرجال أن يصنعوا الحب. لا 
الخريت: ف اة رف مدنا الاجر حدقا أو نجه طالما اتا تلع 
تلك الأدوار التي تمنعنا من أن نعرف» أو نكون, أنفسنا؟ ألم يكن الرجال» 
وكذلك النساء ما يزالون محبوسين في عزلة وابتعاد عن الآخرين» بغض 
النظر عن عدد البهلوانيات الجنسية التي مرّروا أجسادهم بها؟ ألم يكن 


510 اتلغز الأنثوي 
الرجال يموتون مبكرًا جدّاء كابحين مخاوفهم ودموعهم ورقتهم الخاصة؟ 
بدا لي أن الرجال لم يكونوا فعلا هم العدوء كانوا ضحايا شركاء» يعانون من 
لغز مذكر مهجور» جعلهم يشعرون بأنهم لا يكونون أكفياء بالضرورة عندما 
لا تكون هناك دببة ليقتلوها. 

لقد رأيت في سنوات العمل الماضية تلك نفسي ونساء أخريات نصبح 
أقوى وألطف في الآن ذاته» ونأخذ أنفسنا بجدّية أكبر» ولكننا بدأنا نستمتع 
فعا عندما توقفنا عن لعب الأدوار القديمة. اكتشفنا أننا نستطيع أن نثق 
بعضنا بالبعض الآخر. أحب النساء اللواتي قمت معهن بالأعمال المبهجة 
والمغامرة في تلك السنوات. لم يدرك أحد كم كان عددنا في البداية قليلا 
إلى حدٌ يثير الشفقة» وكم كانت أموالنا قليلة» وكذلك تجربتنا. 

ما الذي أعطانا القوة والنجرأة للقيام بما قمنا به» باسم النساء الأمريكيات» 
باسم نساء العالم؟ فعلنا ذلك بالطبعء لأننا كنا نقوم به من أجل أنفسنا. لم 
يكن عملا خيريًا للأخريات الفقيرات؛ نحنء نساء الطبقة الوسطى اللواتي 
بدأن ذلك. كنا جميعًا فقيرات» بمعنى يتجاوز المال. كان من الصعب حتى 
على ريات المنازل» اللواتي لم يكن أزواجهن فقراء» أن يحصلن على المال 
ليسافرن بالطائرة إلى اجتماعات مجلس المنظمة الوطنية للنساء. وكان من 
الصعب على النساء العاملات أن يحصلن على إجازات من وظائفهن. أو 
أن يأخذن وقت العطلة الأسبوعية الثمين من عائلاتهن. لم أعمل من أجل 
المال قط بمثل ذلك الجدّء ولم أقض ذلك العدد الكبير من الساعات مع 
القليل من النوم والاستراحة لتناول الطعام أو حتى لدخول المرحاضء مثل 
ذاك الذي قضيته فى تلك السنوات الأولى من حركة النساء. 

استّدعيت عشية عيد الميلاد في عام 1966 للشهادة أمام قاض في 
فولى سكويرء لأنْ شركات الطيران كانت غاضبة جدًا نتيجة إصرارنا على 
نها مذنبة بالتمييز الجنسى من خلال إجبار المضيفات على الاستقالة 





خاتمة 511 


في عمر الثلاثين الزواج. (وتساءلت» لماذا تذهب الشركات إلى 
ذلك الحد؟ هي لا تعت تعتقد بالتأكيد أن الرجال يسافرون عن طرين شر وات 
الطيران لأن المضيفات صالحات للزواج. ثم أدركت كم من المال توفر 
هذه الشركات من خلال طرد أولئك المضيفات الجميلات قبل أن يتاح لهن 
الوقت ليراكمن خدمة تؤهلهن للحصول على زيادة في الأجر وإجازة سنوية 
وحقوق التقاعد. وكم أشعر بالسعادة الآن حين تعانقني المضيفات على متن 
الطائرات» ويخبرنني أنهن» لسن فقط متزوجات وعمرهن أكثر من ثلاثين؛ 
بل وكين اه مسي الأطفان و 
شعرت بشيء من إلحاح التاريخ» أننا سنخذل الجيل القادم إذا تهرّينا 
من مسألة الإجهاض الآن. وشعرت أيضًا أن علينا أن نجعل تعديل الحقوق 
ا يضاف إلى الدستور» على الرغم من ادّعاء قادة الاتحاد أنْ ذلك 
سينهى. القوانين «الحمائية» للنساء. كان علينا أن نأخذ مصباح المساواة من 
النساء المسنّات اللاذعات المنعزلات اللواتي كنّ يكافحن وحدهن تمامًا 
من أجل التعديل» الذي حُصر في الكونغرس نحو خمسين سنة» منذ أن 
قدت نساء أنفسهن إلى سور البيت الأبيض للحصول على حق التصويت. 
في أول مظاهرة احتجاجية لنا عند سور البيت الأبيض («حقوق لا 
ورود») في عيد الأم عام 1967 ألقينا سلاسل من المريلات والورود 
وضاربات الآلة الكاتبة المزيفات. كوّمنا رزمًا من الجرائد على أرضية 
مفوضية فرص التشغيل المتساوية احتجابًا على رفضها إنفاذ قانون الحقوق 
المدنية ضد الإعلانات التي ت تميّز جنسيًاء من مثل: «مطلوب موظفين: ذكورا 
(للوظائف الجيدة)» و«مطلوب موظمات: إناث» (لذلك النوع من الأعمال 
الذي تقوم به النساء يوم الجمعة). كان يفترض بذلك أن يكون غير قانوني 
حينها مثله مئل الإعلان الذي يقول: «مطلوب موظفين: بيض» أو «مطلوب 
موظفين: ملونين». أعلنًا أننا سنقاضي الحكومة الاتحادية لأنها لم تنقذ 
القانون بالتساوي بالنيابة عن النساء (ودعونا حينها العضوات السريّات في 


512 اللغز الأنثوي 


وزارة العدل لنرى إذا كان بمقدور إحداهن أن تقوم بذلك)» وقمنا به. 

كنت أعطي محاضرات في مدارس جنوبية خاصة للفتيات وخطابات 
افتتاح في كليّات نائية للاقتصاد المنزلي» بالإضافة إلى جامعة ييل وجامعة 
كاليفورنيا في لوس أنجلس وجامعة هارفاردء لأسدّد مصاريفي في الطريق 
إلى تنظيم فصول المنظمة الوطنية للنساء (لم يكن لدينا مال للفريق 
التنظيمي). كان مكتبنا الحقيقي الوحيد في تلك السنوات هو شقتي. لم 
يكن من الممكن متابعة البريد. ولكن لما كانت نساء من مثل ويلما هايد 
من بيتسبرغ» أو كارن دوكرو في سيراكوسء أو إليزا باسكال في أتلانتاء 
وجاكي سيبالوس» وكثيرات غيرهن» مصمّمات جدًا على الحصول على 
فصول المنظمة إلى حدّ القيام بزيارات لنا من مسافات بعيدة عندما لا نرد 
على رسائلهن» كان الشيء الوحيذ أمامنا للقيام به هو أن يصبحن منظمات 
محليات للمنظمة. 

أتذكر الكثير من المحطات على الطريق: الذهاب لتناول الغداء 
فى الغرفة المصنوعة من خشب السنديان المخصصة للرجال فى فندق 
اللا عع جين امرآة عن أعضاء المنظية رطب عقني افده ا 
الشهادة أمام مجلس الشيوخ ضد ترشيح قاض يؤمن بالتمييز الجنسي إلى 
المحكمة العلياء كان اسمه كارسويل» وقد رفض أن يستمع إلى قضية 
امرأة طردت من عملها لأن لديها أطفال عمرهم أقل من عمر المدرسة ... 
رؤية أول إشارة على سرية امرأة ذ ف الصو E‏ 
جلسة مناقشة مفتوحة في مؤتمر الطلاب الوطني في الكوليج بارك في 
ماريلاند في العام 1968 ... بعد السخرية من قرار لأجل تحرير النساء من 
آلات نسخ الرسائل في مؤتمر لحركة الطلاب من أجل مجتمع ديمقراطي» 
سماع الشابات الراديكاليات يخبرنني أنهن اضطررن إلى تشكيل مجموعة 
منفصلة لتحرير النساءء لأنهن إذا تحدثن علئًا في اجتماعات الطلاب من 
أجل مجتمع ديمقراطي» فقد لا يتزوجن ... مساعدة شيلا توبياس في 


خاتمة 513 


وضع مخطط المشروع الذي ستقوم به بين الفصلين عن النساء في عام 
8 في جامعة كورنيل» التي بدأت أول برامج الدراسات النسائية (كم 
من الجامعات لديها هذه البرامج الآن) ... إقناع مجلس إدارة المنظمة 
بأننا يجب أن نعقد مؤتمرًا لتوحيد النساء مع الراديكاليات الشابات» 
على الرغم من الاختلافات في الأيديولوجية والأسلوب ... الكثير من 
المحطات على الطريق. 

ا الراديكاليات الشابات عندما أقلعن عن خطابات الصراع 
الطبقي/ الجنسي» وقمن بأعمال من مثل التظاهر احتجاجًا على مسابقة 
ملكة جمال أمريكا في مدينة أتلانتا. لكنّ وسائل الإعلام بدأت تنشرء 
بمصطلحات متزايدة الإثارة» الكلام الفارغ والأفعال الأكثر استعراضية: 
يسقط الرجال» يسقط الزواج» يسقط الحمل. وهددت أولئك اللواتي 
بشّرن بالصراع الطبقي/ الجنسي القائم على كره الرجال بالسيطرة على 
فرع المنظمة الوطنية للنساء في نيويورك وعلى المنظمة على المستوى 
الوطني أيضاء وبإبعاد النساء اللواتي أردن المساواة» ولكنهن أردن أيضًا أن 
يبقين محبات لأزواجهن وأولادهن. ورحبت أولئك اللواتي زعمن أنهن 
راديكاليات الحركة النسائية بكتاب كيت ميلليت (]741118 ]13) السياسة 
الجنسية 20111165 256021 بوصفه أيديولوجية الصراع الطبقي/ الجنسي. 
بعد أن شقت زمرة كره الرجال المؤتمر الثانى لتوحيد النساء بحديث 
الاه وق بال ممه راديكا لتر فا قر لز الى كدق ی 
لوكالة المخابرات المركزية وأردت أن أخدب هذه الحركة» فهذا بالضبط 
ما كنت سأفعله). 

مع حلول عام 21,970 كانت الأمور قد بدأت تتضخ بأنّ حركة النساء هي 
أكثر من مجرّد موضة مؤقتة» كانت أسرع الحركات من أجل التغيير السياسي 
والاجتماعي نموًا في العقد. كان المتطرفون قد سيطروا على حركة السود؛ 
وشُلّت حركة الطلاب بتعويذتها من أجل بنية بلا قيادة وبالابتعاد المتنامي 


514 اللفزالأنثوي 


عن خطاب الكراهية المتطرفة. وكان أحد ما يحاول أن يستولي على حركتنا 
أيضاء أو يوقفها أو يشلّها أو يمزقهاء تحت ستار من الكلام الفارغ الراديكالي 
وتعويذة شبيهة ضد القيادة والبنية التنظيمية. حذرتنى قائدة سوداء قائلة: (من 
غير المجدي أن نتنبأ ما إذا كنّ عميلات لوكالة االمتكان انك الم يق أو 
مريضات» أو فى رحلة خاصة من أجل السلطةء أو مجرّد غبيات. إذا كنّ 
يخرّبن باستمرار» فيجب ببساطة أن تحاربيهن». 

بدا لي أن الحركة النسائية يجب أن تخرج من السياسة الجنسية. 
ظننت الأمر مزحة فى البداية -تلك الأوراق الجافة على نحو غريب حول 
النشوة البظريةء التي من شأنها أن تحرّر النساء من التبعية الجنسية لقضيب 
الرجل-» والحديث «التوعوي» بأن النساء يجب أن يصررن الآن على أن 
يكنّ فوق الرجال في السرير. ثم أدركت» كما كتبت سيمون دو بوفوار 
مرةً» أن أولئك النساء كنّء فى جانب من الأمر. يمكّلن جنسيًا تمردهن على 
أنهن تحت؛ في المجتمع عمومًا واستياءهن من ذلك» ومن أنهن يعتمدن 
على الرجال لتعريف أنفسهن. لكنّ استياءهن حول إلى عربدة من البغض 
الجنسي من شأنها أن تفسد القوة التي يتمتعن بها الآن لتغيير الظروف التي 
استأن منها. أنا لست متأكدة ما الذي يحمّز أولئك اللواتي ينشرن بوحشيّة 
كره الرجل في الحركة النسائية» أو يتلاعبن به. بدا أن بعض المخرّبات قد 
جئن من مجموعات يسارية متطرفة» وبدا أن بعضهن يستخدمن الحركة 
النسائية للدعاية للسحاقية» وبدا أن أخريات يعبّرن بصدق عن غيظ النساء 
المشروع. والذي كبت طويلاء في صراع طبقي/ جنسي» وهو ما أعتقد 
أنه يقوم على تشابه زائف مع أيديولوجيات الصراع الطبقي أو الفصل 
العنصري المطلقة أو التي ليست ذات صلة. أعطيت كارهات الرجال 
دعاية لا تتناسب مع أعدادهن في الحركةء نتيجة تعطش الإعلام للإثارة. 
تجتاز نساء كثيرات في الحركة فترة مؤقتة من العدائية الشديدة للرجال» 
عندما يصبحن واعيات لوضعهن للمرة الأولى؛ وعندما يبدأن التصرّف 


ا 515 





لتغيير وضعهن» يتخلّصن مما أسميه الطفوليّة الراديكالية الزائفة. لكنّ 
خطاب الكره للرجال ذاك يزعج معظم النساء ف في الحركة. بالإضافة إلى 
إبعاد كثير من النساء عن الحركة. 

في الطائرة إلى شيكاغوء وأنا أستعدٌ للانسحاب من رئاسة المنظمة 
الوطنية للنساء» شاعرة بالعجز عن مصارعة كارهات الرجال علنًاء ورافضة 
أن أكون واجهة لهن» عرفت فجأة ما الذي يجب القيام به. كانت امرأة من 
فلوريدا قد كتبت لي لتذكرني بأن السادس والعشرين من آب/ أغسطس 
0 يصادف الذكرى السنوية الخمسين للتعديل الدستوري الذي يمنح 
النساء حق التصويت. كنا بحاجة إلى الدعوة إلى عمل وطني؛ إضراب النساء 
للفت الانتباه إلى قضية المساواة التي لم تنته بعد: الفرص المتساوية في 
الحصول على العمل والتعليم» الحق في الإجهاض ومراكز العناية بالطفل» 
والحق في حصتنا من السلطة السياسية. سيوخد ذلك النساء مرّة أخرى 
في عمل جدي؛ النساء اللواتي لم يكن أبدًا قريبات من مجموعة تحرير 
النساء. (لم يكن في المنظمة الوطنية للنساء» وهي أكبر تلك المجموعات؛ 
والوحيدة التي : تتمتع ببنية تنظيمية وطنية» سوى 0 عضرة في ثلاثين 
ل RES‏ 
المنظمة في شيكاغو» محذرة من مخاطر إجهاض الحركة النسائية» تحدثت 
مدة ساعتين تقريبًا ولاقيت ترحيبًا حارًا. ذهبت القوة المنظمة القاعدية إلى 
تنظيم إضراب السادس والعشرين من آب. وفي نيويورك ملأت النساء المقر 
الرئيسي المؤقت متطوعات للقيام بي شيء وبکل شيء؛ لم يكن يذهبن إلى 
بيوتهن في الليل إلا بصعوبة. 

ما كان العمدة ليندسى ليغلق الجادة الخامسة من أجل مسيرتناء وأتذكر 
أننا بدأنا تلك المسيرة اد خيول رجال الشرطة تحاول أن تبقينا 
محصورات على الرصيف. أتذكر أنني نظرت إلى الوراء» قافزةً لأرى من 


516 اللفزالأنثوي 


فوق رؤوس المتظاهرات. لم يسبق لي أن رأيت مثل هذا العدد الكبير من 
النساء؛ كنّ منتشرات على طول عدّة بنايات بحيث لم يكن في مقدورك أن 
تري نهاية الجمع. شبكت ذراعي بذراع قاضيتي المحبوبة دوروثي كينيون 
(التي أصرّت. في سنّ الثانية والثمانين» على السير معي بدلا من ركوب 
السيارة التي أمتاها لها)» وذراعي الأخرى مع شابة من الجهة الأخرى. 
قلت للأخريات في الصفوف الأمامية: «اشبكوا الأذرع» من الرصيف إلى 
الرصيف!). وتكاثرنا حتى ملأنا الجادة الخامسة تمامًا. كان هناك الكثيرات 
مناء إلى حد لم يستطيعوا معه إيقافنا؛ بل لم يحاولوا حتى القيام بذلك. 
كان» كما قالواء أول عمل نسائي عظيم على امتداد البلادء (سار معنا المئات 
من الرجال أيضًا) منذ أن ظفرت النساء بحق التصويت ذاته منذ خمسين 
سنة. وكتب مراسلون صحفيون. كانوا قد تندّروا على «حارقات حمالات 
الصدر»ء أنهم لم يسبق لهم أن رؤوا نساءًا بجمال أولئك المتظاهرات 
المبتهجات الفخورات اللواتي اجتمعن في ذلك اليوم. لأنَّ جميع النساء 
كن جميلات في ذلك اليوم. 


يوم السادس والعشرين من آب» أصبح فجأة أن تكوني ناشطة نسوية 
أمرًا سياسيًا وساحرًا فى الآن ذاته. فى البداية» بدت السياسة وكأنها شىء 
مستقل بالكامل عنًا كنا نفعله في الحركة النسائية. وبالتأكيد لم يكن 
السياسيون العاديون -اليمين واليسار والوسط. الجمهوريون والديمقراطيون 
والمنشقون- مهتمّين بالنساء. في عام 1968ء شهدت عبئًا في مؤتمري 
الحزبين السياسيين» محاولة أن أحصل على كلمة واحدة حول النساء في 
برنامج أي من الحزبين الجمهوري أو الديمقراطي. عندما أعلن يوجين 
مكارثي (/:7103 ©مءعناتة). الراعي الرئيسي لتعديل الحقوق المتساوية» 
أنه سيترشح للرئاسة لإنهاء حرب فيتنام» بدأت أربط سياستيء على الأقل» 
بدافع النساء من أجل المساواة. اتصلت ببيلا أبزغ (8د02 86112) وسألتها 
كيف أستطيع أن أعمل لصالح مكارثي. ولكن حتى النساء الأخريات» 


خاتمة 517 


اللواتي كن يعملن لصالحه. لم يعتقدن أن قضايا النساء ذات صلة سياسيّاء 
والعديد من عضوات المنظمة الوطنية للنساء انتقدنني نتيجة المشاركة علنًا 
في حملة مكارثي. 

في مؤتمر المنظمة عام 1970 في شيكاغوء قلت إن عليناء نحن النساء» 
مسؤولية إنسانية لإنهاء حرب فيتنام. لا يجب أن يُسحب الرجال ولا النساء 
إلى القتال في حرب لا أخلاقية قذرة كتلك التي في فيتنام» ولكن يجب 
أن نتحمّل مسؤولية مساوية لإنهائها. قبل سنتين من ذلك» في عام 1968ء 
شاهدت» وأنا أقف خارج فندق كونراد هيلتون في شيكاغو في المؤتمر 
الوطني للحزب الديمقراطي» جنودًا يلبسون الخوذات. يضربون بالهراوات 
الشباب ذوي الشعر الطويل» كان ابني بينهم. بدأت أرى أن أولئك الشباب» 
في قولهم إنهم غير مضطرين لأن يحرقوا بالنابالم كل الأطفال في فيتنام 
وكمبوديا ليثبتوا أنهم رجالء كانوا يتحدّون اللغز المذكر. مثلما كنا نتحدى 
اللغز الأنثوي. كان أولئك الشباب» وكذلك أولئك الأكبر سنّاء هم النصف 
الآخر لما كنا نقوم به. 

في ذلك الصيف من عام 1970» بدأت أحاول تنظيم مؤتمر سياسي 
للنساء؛ وفيما بعد» ارتبط ذلك عن كثب بانتخاب بيلا أبزغ إلى الكونغرس. 
انضمّت هي وجلوريا شتاينم (7معماءة5 010518) إليَ كداعيات لمسيرة 
إضراب النساء من أجل المساواة في 26 آب. الكثير من النساءء اللواتي 
كنّ خائفات في الماضي» انضممن إلى مسيرتنا في ذلك اليوم؛ أدركناء نحن 
والعالم» فجأة إمكانيات القوة السياسية للنساء. اختبرت هذه القوة للمرة 
الأولى في صيف عام 1972 في ميامي» عندما لعبت النساء» لأول مرة» دورًا 
رئيسيًا في المؤتمرات.السياسية. وعلى الرغم من أنه ربما كان من السهل 
السيطرة على قائدات المؤتمرات الحزبية غير المجرّبات من قبل نيكسون 
أو ماك جوفيرن (1160017650). أو اختراقهن من قبل عملاء ووترجیت» فقد 
أدخلن التغيير إلى المجال السياسي. فزن بالتزامات من الحزبين حول برامج 


518 اللفز الأنثوي 


رعاية الطفل» قبل سن المدرسة وبعده. وقد بقيت شيرلي تشيشولم (0إ19رذط5 
دصاهطةذ0) في السباق إلى الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة حتى 
النهاية. وأتنبأ أنه في عام 1976» سيكون حتى لدى الحزب الجمهوري 
مرشحة جدية لمنصب نائب الرئيس» إن لم يكن لمنصب الرئيس. 


وهكذاء فمعظم برنامج المرحلة الأولى من ثورة الدور الجنسي -وهو 
يمثّل كيف أرى الآن حركة النساء من أجل المساواة- قد أنجزء أو هو قيد 
الحل. وافق الكونغرس على تعديل الحقوق المتساوية مع» بالكاد. همسة في 
كل مجلس بعد أن نظمنا المؤتمر السياسي الوطني للنساء. انسحب المعارض 
الرئيسي للتعديل» إيمانويل سيللر» من الكونغرس على يد واحدة من الشابات 
الجديدات الكثيرات اللواتي يسعين هذه الأيام إلى وظائف حكومية: بدلا 
من البحث في قوائم الرموز البريدية. وحكمت المحكمة العليا بأنه لا يمكن 
لأية ولاية أن تمنع امرأة من حقها في اختيار الولادة أو الإجهاض. وأقيمت 
أكثر من 1000 دعوى قضائية لإجبار الجامعات والشركات على القيام 
بفعل إيجابي لإنهاء التمييز الجنسي والشروط الأخرى التي تمنع النساء من 
الحصول على وظائف عليا. وأمرت شركة الهاتف والبرق الأمريكية بدفع 
5 مليون دولار تعويضات للنساء اللواتي لم يتقدمن» مجرّد تقديم» لأعمال 
أفضل من عمل عاملة المقسم من قبلء لأنْ تلك الأعمال لم تكن متاحة 
للنساء. هناك في كل نقابة مهنية ومكتب جريدة ومحطة تلفزيونية وكنيسة 
وشركة ومستشفى ومدرسة في كل مدينة تقريبّاء مؤتمر نسائي أو مجموعة 
تتدخل في الشروط الملموسة التي تكبح النساء. 

طلب مني مؤخرًا أن أقود جلسات توعية للرجال الذين ينظّمون التدريب 
لموجهي المدارس في نيويورك ومينيسوتا ولقسيسين في ميسوري ولأكاديمية 
القوى الجوية في كولورادو وحتى لمصرفيي الاستثمار. (ونظمت أيضًا شركة 
إدارة الأموال والصيرفة النسائية الأولى لمساعدة النساء في التحكم بأموالهن 
واستخدام قوتهن الاقتصادية). قالت وزارة الخارجية بأنه لا يمكن طرد النساء 


خاتمة 519 


من العمل في الخارجية لمجرّد زواجهن» وأنه لا يمكن دعوة السكرتيرات إلى 
فنجان قهوة. وقد بدأت النساء بتغيير الممارسة الطبية ذاتها من خلال تأسيس 
عيادات للمساعدة الذاتية تمكن النساء من تحمّل مسؤولية إيجابية تجاه 
أجسامهن. تطلب مني مؤتمرات التحليل النفسي» ونساء أخريات في الحركة» 
أن أساعدهم في تغيير تعريفهم للأنوثة والذكورة. ويجري ترسيم النساء 
قسيسات وحاحامات وشمّاسات. على الرغم من قول البابا بأنهن لا يستطعن 
تلاوة القدّاس. وتسأل الراهبات والخوارنة الذين يقع تمرّدهم المسكوني على 
الحافة الأمامية من ثورة الدور الجنسي: «هل الرب مذكر؟». 

لم تعد الحركة النسائية مجرّد إمكانية أمريكية. طلب مني المساعدة 
في تنظيم مجموعات في إيطاليا والبرازيل والمكسيك وكولومبيا والسويد 
وفرنسا وإسرائيل واليابان والهند وحتى في تشيكوسلوفاكيا وبلدان اشتراكية 
أخرى. وآمل أننا في السنة القادمة سنعقد مؤتمرنا العالمي الأول للناشطات 
النسويات» ربما في السويد. 

يشير مكتب الإحصاء السكانى فى الولايات المتحدة إلى انخفاض 
حاد فى معدل الولادة» وهو ما اعا تطلعات النساء الجديدة» بقدر 
ما أعزوه إلى حبوب منع الحمل. إِنَّ الحركة النسائية قوية بما يكفي الآن 
لتظهر للعلن الاختلافات الحقيقية في الأيديولوجية: أعتقد أن وجهة 
نظري عن ثورة الدور الجنسي ستظهر على أنها قناعة أولئك اللواتي في 
الحركة العامة» وستتبخْر زمرة كره الرجال» وقد مثلت مرحلة مؤقتة أو 
مجرد تحوّل مخطط. سيكون من غير الواقعي» بالطبع» ألا نتوقع أن تحاول 
القوى التي هددتها الحركة النسائية تنظيم حركة ارتدادية» أو إثارتها؛ مثلما 
تفعل الآن في عدة ولايات لمنع التصديق على تعديل الحقوق المتساوية. 
فعلى سبيل المثال» أعطيت النساء أسبوعًا إجازة من قبل أرباب العمل 
في أوهايوء ونقلن بالحافلات على طول حدود الولاية» واستُضفن في 
الموتيلات في محاولة للضغط على الهيئة التشريعية في كينتاكي لمنع 


520 اللغز الأنثوي 


تعديل الحقوق المتساوية. لكني أتذكر أن شركات المشروبات أنفقت 
ملايين الدولارات لمنع التصديق على حق النساء في التصويت في تينيسي 
منذ خمسين سنة. واليوم من يموّل حملة إيقاف الفصل الأخير من الحركة 
النسائية من أجل المساواة؟ ليست مؤامرة من الرجال لكبح النساء؛ بل 
هي مؤامرة من قبل اتاد كر لطي اوري ان الي 
بمخاوف النساء السلبيات وغيظهن الضعيف. ستغيّر النساء -آخر وأكبر 
مجموعة من الناس في هذا البلد تطالب الجا ع يرن الخاص- 
طبيعة السلطة اا ذاتها في هذا البلد. 

لقد غيّرت الحركة النسائية في العقد الأخير» منذ صدور كتاب اللغز 
الأنئوي» حياتي كلهاء أيضًاء على نحو لا يقل قوة أو بهجة عن حياة النساء 
الأخريات اللواتي يتوقفن ليحكين لي عن أنفسهن. لم أستطع الاستمرار 
في عيش حياتي القُصامية: أقود النساء الأخريات إلى الخروج من البريّة 

فيما أتمسّك بزواج دمّر احترامي لذاتي. وجدت أخيرًا الشجاعة للحصول 
على طلاق فى أيار/ مايو 1969. أنا أقلّ وحدة الآن من أي وقت مضىء 
حين كنت متمسكة بالأمان الزائف لزواجي. أعتقد أن القضية الكبيرة التالية 
للحركة النسائية هي الإصلاح الأساسي للزواج والطلاق. 

ما زالت حياتي تتغير» مع ذهاب إميلي إلى جامعة رادكليف هذا الخريف» 
وحصول دانبييل على الدكتوراه من جامعة برينستونء واستكشاف جوناثان 
طرق جديدة خاصة به. أنهيت للتو مهمتي الأولى أستاذة زائرة في علم 
الاجتماع في جامعة تيمبل» وكتبت عمودي غير المراقب لمجلة ماك كول. 
وانتقلت إلى برج ساحر بهيج في نيويورك بسماء مفتوحة ونهر وجسور نحو 
المستقبل تحيط بي من كل جانب. أسّست مجموعة من البالغين في يوم 
العطلة الأسبوعية ممن لم يسر الزواج معهم على ما يرام؛ عائلة ممتدة من 
اختيارهم» ينتقل أفرادها الآن إلى أنواع جديدة من الزواج. 


خاتمة 521 





كلما ازددت قربًا من حقيقتي -وكلما زادت القوة والدعم والحب الذي 
نجحت» على نحو ماء في أخذه من النساء الأخريات في الحركة» ومنحه 
لهن- صار شعوري بحب الرجل أكثر حقيقية وبهجة. رأيت راحة كبيرة 
لدى النساء هذه السنة فيما كنت أوضح حقيقتي الشخصية: وهي أن اتخاذ 
هويتك الشخصية ومساواتك» وحتى قوتك السياسية» لا يعني أن تتوقفي عن 
الحاجة إلى أن تحبي رجلاء ويحبكء أو أن تتوقفي عن الاهتمام بأطفالك. 
كنت سأفقد إحساسي تجاه الحركة النسائية لو لم أكن قادرةء في النهاية» 
على الاعتراف بالحنان. 

ملاحظة لغزية: كنت أخاف جدًا من السفر بالطائرة. وبعد أن كتبت 
اللغز الأنثوي. زال الخوف؛ أسافر الآن في طائرات نفاثة عبر المحيط وفي 
طائرات تاكسي بمحرّك واحد في هضاب فيرجينيا الغربية. أخمّن أنك» 
وجوديّء عندما تبدئين بعيش حياتك حقاء وتقومين بعملك» وتحتين» لا 
تعودين خائفة من الموت. أحيانًاء عندما أدرك كم أسافر في الطائرة» أفكر 
أن من الممكن أن أموت في حادث تحطم طائرة. ولكن ليس قبل مرور مدة 
طويلة» كما آمل» لأن أجزاء حياتي كامرأة مع الرجل تجتمع معًا في نمط 
جديد من الجنس الإنساني والسياسة الإنسانية. أستطيع الآن أن أكتب ذلك 
الكتاب الجديد. 

أعتقد أن الطاقة المحبوسة في تلك الأدوار المؤنثة والمذكرة المهجورة 
هي المكافئ الاجتماعي للطاقة الفيزيائية المحبوسة في حقل (8-1/102)”': 
القرّة التي أطلقت محرقة هيروشيما. أعتقد أن الطاقات الجنسية المحبوسة 
قد ساعدت» أكثر مما يدرك أي شخصء في إثارة العنف المريع المندلع 
في البلد والعالم خلال السنوات العشر الماضية. إذا كنت على حق» فإن 


(1) معادلة شهيرة وضعها آينشتاين» وتعبر عن نظريته بأن الطاقة والمادة متكافئتان وأن سرعة 
الضوء ثابتة. 





522 اللغز الأنثوي 


ثورة الدور الجنسي ستحرّر تلك الطاقات من خدمة الموت وستجعل من 
الممكن فعلا للرجال والنساء أن «يصنعوا الحب» وليس الحرب». 


:Make love, not war (1)‏ شعار أساسى من شعارات الحركة الهيبية فى الستينيات - 


الجداول 


الجدول 1: فترة الولادة مقابل نسبة المضاجعة الزوجية 
المؤدية إلى الرعشة الجنسية 


في السنة الأولى من الزواج» النسبة المئوية من الإناث 









للمضاجعة الزوجية 
المؤدية إلى الرعشة 
الجنسية 





1929 - 0 
1919 - 0 


7 
N‏ 
N‏ 
رن 
نم 
ل 

0 
رن 

ع 
_ 


| 12 | 15 22 10 59 -0 


15 12 11 11 89-0 














524 اللفز الأنثوي 


الحدول 2: قارن مع الجدول 1 


في السنة الخامسة من الزواج» النسبة المئوية من الإناث 


| النسبة المثوية للمضاجعة 
0 الزوجية المؤدية إلى الرعشة 
ا 1 


الحنسية 





الفصل الأول: المشكلة التي لا اسم لها ا ES‏ 
الفصل الثاني: البطلة ربة المنزل السعيدة TTY‏ 
الفصل الثالث: الأزمة في هوية المرأة ا 0 
الفصل الرابع: الرحلة الحماسية NS‏ 
الفصل الخامس: الأنانة الجنسية لسيغموند فرويد.... ا 


الفصل السادس: التجميد الوظيفي والاحتجاج المؤنث 


525 


526 اللغز الأنثوي 


الفصل الثامن: الخيار الخطأ مع عسوا سوا او الخد لمم و ل O‏ 
الفصل التاسع: البيع الجنسي 2000000 
الفصل العاشر: التدبير المنزلي يتمدّد ليملأ الوقت المتاح aes‏ 307 
الفصل الحادي عشر: الباحثات عن الجنس 34 
الفصل الثاني عشر: التجريد المتزايد من الإنسانية: 

معسكر الاعتقال المريح AS‏ 
الفصل الثالث عشر: الذات المَصّادرة A09 sass sss‏ 
الفصل الرابع عشر: خطة حياة جديدة للنساء QAD sss‏ 
خاتمة 5201 





The Feminine Mystique 
Betty Friedan 


شكل كتاب «اللغز الأنثوي» لبيتي فريدان علامة فارقة به أدبيات الحركة النسوية 
العالمية. وقد جاءت الفكرة الأولى للكتاب من استبيان أجرته الكاتبة على زميلاتها بغ 
الدراسة بهدف معرفة مصيرهن بعد الدراسة. وقادها هذا الاستبيان إلى بحث دام 
خمس سنوات» اكتشفت من خلاله سر مأساة المرأة ‏ الولايات المتحدة الأمريكية. 

فبعد النهضة النسوية التي شهدتها أمريكاء بداية القرن المشرين. بتأثير 
الحركات النسوية النشيطة. حصلت انتكاسة ‏ المجتمع الأمريكي» وبدأت الحضارة 
الأمريكية تنحو نحورسم صورة مشوهة للمراة الأمريكية؛ صورة امراة تقنع نفسها ان 
تحقيق ذاتها يتم من خلال تحولها إلى ربة منزل ناجحة؛ تعتني بزوج ناجح وبيت مرتب 
أنيق وأولاد مميزين. قادت تلك الصورة إلى تحول الأمريكيات إلى ذوات ناقصة. 
يعانين من علل نفسية لم يستطع الأطباء النفسيين تشخيصها وعلاجها: وذلك ما 
أطلقت عليه بيتي فريدان اسم اللفز الأنثوي. وتصف بيتي فريدان كتابها بالقول: 

«لكن هذا لم يكن مجرّد عمل تجريدي وخيالي. كان يعني أنني وكل امرأة أخرى 
عرفتها. كنا نعيش كذبة: وكان كل الأطباء الذين عالجونا والخبراء الذين درسونا 
يرتكبون الكذبة ذاتهاء وقد بنيت منازلنا ومدارسنا وكنائسنا وسياستنا ومهننا حول 
تلك الكذبة. لوكانت النساء أشخاصًا ضعلا لا أكثر ولا أقل: لكان يجب أن يتفير كل ما 
منعهن من أن يكن أشخاصًا كاملين ‏ مجتمعنا. والنساء. عندما يخترقن اللفز 
الأنثوي ويأخذن أنفسهن بجدية كأشخاص, سيرين مكانتهن قائمة على قاعدة زائفة: 
حتى تمجيدهن بوصفهن مواضيع جنسية: نتيجة ما كان يمثله من انتقاص». 


الرحبة للنشر والتوزيع 
Al Rahba Publishing House‏